اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , متناقضات ابتلينا بها للشيخ : عبد العزيز بن محمد السدحان
أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار.
عباد الله: إن من ينظر بعين الإنصاف والتجرد إلى حال كثيرٍ من المسلمين اليوم يرى أحوالاً تجعل الحليم حيرانَ، يرى ويسمع أموراً أطبق عليها الكثير من الناس، وأصبحت عندهم مألوفة، يتفق عليها القريب والبعيد، مع العلم أن بعض تلك الأمور تلج بصاحبها إلى بابٍ عظيم من أبواب الإثم والمعصية، وبعضها يعاب على صاحبها أنه فرّط فيما هو أولى منها، ولتقريب ذلك يقال: نرى كثيراً من المسلمين يحافظون على عاداتهم وتقاليدهم أشد المحافظة، بل ويتوارثونها جيلاً عقب جيل، وهذا لا حرج فيه ولا عيب إن سلم من المحاذير الشرعية، لكن العجيب في كثيرٍ منهم أنهم يتهاونون في أمورٍ هي أحق وأولى بالحفظ والتعاهد، ونتيجةً لهذا الخلط العجيب أصبحنا جميعاً نرى ونسمع كثيراً من المتناقضات، التي أصبحت أمراً عادياً عند الكثير، كما سبق بيانه.
ذكر بعض المفسرين أنها امرأةٌ من قريش، كانت تغزل غزلها كل صباح، فإذا غربت شمس ذلك اليوم نقضت غزلها، وذهب عملها هدراً وهباءً منثوراً.
أما المناقضة في الأقوال فكأن يتكلم المتكلم بكلامٍ ثم يتكلم بعده بما يخالفه أو يبطله، ومن ذلك مناقضة الشعراء فيما بينهم، هذا يهجو هذا، وهذا ينقضّ على هذا، كنقائض جرير والفرزدق ، فمن خالف ما تعارف الناس عليه من العادات نظر إليه الناس نظرة نقدٍ وتنقص، وأن ذلك من خوارم المروءة، ومثال ذلك:
لو أن رجلاً لبس لباس الصيف في الشتاء، أو لبس لباس الشتاء في الصيف لما سلم من النقد والطعن، ولو أن رجلاً وضع أصناف طعام الإفطار في الغداء أو طعام الغداء في الإفطار لأصبح عندنا مظهراً للنقص والطعن في مروءته، وهذا وإن كان فيه من النقد ما فيه فهو سالمٌ من الإثم عند الله لا شك ولا ريب.
فيا ليت أن حرص أولئك ونقدهم كان موجهاً إلى أصحاب المحظورات، وكان عيبهم في حق من فرّط في الأولويات، ولو كان الأمر كذلك لصلحت كثيرٌ من أمورنا وشئوننا، لكن الذي يندى له الجبين، وتدمع له العين، أن ترى تلك التناقضات العجيبة المصحوبة بالأفهام السقيمة أصبحت عند كثيرٍ من الناس أمراً عادياً، لا غضاضة فيه ولا عيب، وإليكم بعضاً من هذه المتناقضات علّ من كان مصاباً بها أو بشيءٍ منها، أن يسارع إلى التخلص منها والإقلاع عنها، وأن يحذّر نفسه وغيره منها.
فيا لله العجب! أيحتاطون لأمر دنياهم، ويفرطون في أمر دينهم! والواجب والحري والمفروض على كل مسلم أن يتورع ويحفظ لسانه عن القول على الله بلا علم، وقد قال عز وجل معاتباً نبيه صلى الله عليه وسلم ومحذراً: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولاً [الإسراء:36].
وقال معاتباً نوحاً عليه السلام: فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ [هود:46] وقال موبخاً ومعنفاً أهل الكتاب: هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [آل عمران:66].
ومثال ذلك أو يقرب منه: تنطع بعض الناس، والسؤال عن سبب تحريم بعض الأمور الشرعية، والتكلف في ذلك بقصد أن يجعل لنفسه مخرجاً ينفذ منه إلى ما تهوى نفسه، كقول بعض الناس وما أكثر ذلك: لِمَ كان الربا حراماً؟! ولِمَ كان الإسبال ممنوعاً؟! ولِمَ كان الغناء حراماً؟! بينما تجد أولئك المعترضين إذا منعهم طبيبٌ من شرابٍ معين، أو أكلٍ معين بادروا بالتسليم المطلق، ولم يترددوا في قبول كلامه، بل إن بعضهم من حرصه يستعيد الطبيب مراتٍ وكرات في أسماء تلك الأشياء التي منعه عنها؛ حتى تزداد رسوخاً في ذهنه؛ حفاظاً على صحته وبدنه، فيا سبحان الله! يعترضون على الله في حكمه وهو العليم الحكيم في تشريعه وتدبيره، ويخضعون لأمر البشر بقناعة ٍتامة وتسليمٍ مطلق، وهذا والله من العجب العجاب.
أين أولئك القوم من قول الله عز وجل: فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً [النساء:65] وأين أولئك القوم من قول الله عز وجل: وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ [الأحزاب:36].
ودع هريرة إن الركب مرتحلُ
وقد يكون بعض أولاده، لا يعرفُ جمعةً ولا جماعة، وهذا أمرٌ واضحٌ وظاهر، وعلّ قائلاً من الآباء أن يقول: ما حيلتي فيهم، وماذا أصنع؟
وقبل الجواب يقال: لا تلم إلا نفسك، إن كنتَ مفرطاً في تربيتهم عندما كانوا صغاراً، أما إذا بليت بهم إذا كانوا كباراً فابذل جهدك واحرص وسلم نيتك؛ فإن لم ترَ أثراً من صلاحٍ أو هداية فأنت معذورٌ فيهم، لكن عليك أن تسأل الراسخين في العلم في حكم تزويجهم، وحكم سكناهم، وحكم الجلوس معهم، والتحدث معهم، خاصةً إذا كانوا لا يشهدون جمعةً ولا جماعة، دون عذرٍ من مرضٍ أو غيره.
واسمع يا رعاك الله إلى الفرق بين المجلسين وهو فرقٌ شاسعٌ وبون عظيم:
الأول: في مسجده تصلي عليه الملائكة: اللهم اغفر له، اللهم ارحمه، ما لم يقم أو يحدث، وهو في صلاةٍ ما انتظر الصلاة.
والثاني: غالب مجالسه أن يكون أمره مباح، هذا إذا سلم المجلس من الغيبة والنميمة، ولا يكاد يسلم إلا من رحم الله، وقليلٌ ما هم.
وهذا غيضٌ من فيض من تلك المتناقضات.
نسأل الله عز وجل أن يكفينا شر النفس والشيطان، وأن يهدينا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا هو، وأن يصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا هو.
أقول ما تسمعون وأستغفر الله لي ولكم.
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى عوداً على ذي بدء.
ومن تلك المتناقضات التي بلينا بها في مجتمعنا: أنك ترى بعض الناس من أسبق المصلين إلى المساجد، بل وقد يمر العام والأعوام ولا تفوتهم تكبيرة إحرام! وأنعم بهم وأكرم، ووالله إننا نغبطهم ولا نحسدهم، إلا أن المصيبة تكمن في أنك ترى بعض أولئك لا يتورعون عن التعامل بالربا، أو تأجير بعض ممتلكاتهم لمن يتاجرُ بالمحرمات، أو يعين عليها، وقد تكون بعض بيوتهم تعجّ بالمنكرات صباح مساء، يا سبحان الله!!
والله إن المرء ليعجب أن يرى رجلاً من المسارعين إلى الخيرات، بل ومن الباذلين أموالهم في سبل الخير على اختلاف أنواعها، لكن لبَّس الشيطان عليه في أبوابٍ كثيرة، فليت أولئك القوم يعلمون أنهم خلطوا عملاً صالحاً وآخر سيئاً، ألم يقل الله عز وجل: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ [العنكبوت:45] عن ماذا نهتهم صلاتهم؟ أصبحت صلاة كثيرٍ من الناس، صلاة عادة لا صلاة عبادة، إلا من رحم الله!
بينما ترى أولئك القوم، يوالون ويعادون، ويفرحون ويحزنون إذا فاز فريقٌ أو هزم فريق، أو ارتفع عقارٌ أو هبط عقار، إن هذا لشيءٌ عجاب! هناك مسلمون فتنوا في دينهم، هتكت أعراضهم، وسلبت أموالهم، وقتل أولادهم، وما خفي كان أعظم، ومع هذا كله نرى كثيراً من المسلمين يجهلون أحوالهم ألبتة، وإذا علموا شيئاً فهو من القليل النادر، وهذا القليل كما تقدم لم يكلفوا أنفسهم بالسؤال عنه، بل ربما سمعوه مصادفةً في مجلس، أو مرّ عَرَضاً في مجلةٍ أو جريدة! أين أولئك القوم الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: (إن معكم بالمدينة أقواماً، ما سرتم مسيراً، ولا نزلتم منزلاً، ولا هبطتم وادياً إلا كانوا معكم، حبسهم العذر) فإذا كان أولئك الصحابة رضي الله تعالى عنهم في المدينة قد تخلفوا عن إخوانهم بسبب العذر، لكنهم كانوا معهم بآمالهم وآلامهم فما بال أقوامٍ اليوم ليسوا مع إخوانهم لا بآمالهم ولا بآلامهم، بل ولا يعرفون أخبارهم، فإلى الله المشتكى، وهو المستعان وعليه التكلان.
وإذا كان كذلك، فعلينا أن نطرح قضيتهم وقضايانا في مجالسنا، وأن نشركهم في دعائنا، وأن نخلع لهم من أموالنا صدقةً أو زكاة.
هذا وأسأل الله عز وجل أن يعز الإسلام والمسلمين، وأن يذل الشرك والمشركين، وأن يرفع راية السنة وأن يقمع راية البدعة.
اللهم من أراد الإسلام وأهله بحربٍ بيده فشل يده، ومن حارب الإسلام بماله فأذهب ماله، واجعل فقره بين عينيه، ومن حارب الإسلام بجاهه فأذهب جاهه.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، واحفظ عبادك الموحدين.
والحمد لله رب العالمين.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , متناقضات ابتلينا بها للشيخ : عبد العزيز بن محمد السدحان
https://audio.islamweb.net