اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , هدي الرسول في الجهاد للشيخ : أحمد القطان
وأشهد أن محمداً عبده ورسوله القائل: (الجهاد ماض إلى يوم القيامة).
وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين أبي بكر الصديق القائل: [لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عقال بعيرٍ كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه].
وارض اللهم عن عمر الفاروق القائد العسكري المحنك الذي كسر كسرى وقصر قيصر، القائل رضي الله عنه في وصاياه: [أيها القادة! إنما انتصرنا بالطاعة، ولم ننتصر بعدد ولا عدة، إنما بمعصيتهم لله وطاعتنا له، فإن عصيناه تساوينا معهم في المعصية فغلبونا بعددهم وعتادهم... إنما أعزنا الله بالإسلام وبالرسول فإن ابتغينا العزة بغير الإسلام أذلنا الله... إنما معكم ملائكة كرام بررة فاستحيوا منهم] هكذا كان عمر يوصي جند الإيمان.
ورضي الله عن عثمان ذي النورين الذي في عهده جاءت الغنائم من خزائن الأرض بأنفاس المجاهدين، فأصبح كل مسلم يأخذ رزقه من غنيمة الجهاد كل يوم، فأغنى الناس وانتشر الدين في مشارق الأرض ومغاربها.
ومن نتائج الجهاد أن قدم الفاروق نفسه شهيداً، ومن نتائج الجهاد أن قدم عثمان نفسه شهيداً، أما علي بن أبي طالب رضي الله عنه، المحارب للخوارج، القامع للفتنة، الذي بايعه الصحابة رضي الله عنهم أجمعين، ثالث الشهداء ورابع الخلفاء الراشدين فقد قدم نفسه أيضاً من أجل جهاد ربه بسيف الخارجي عبد الرحمن بن ملجم .
وهكذا -أيها الأحباب- الجهاد الإسلامي لا ينبني على تصريحات وإنما يسقى طريقه بدماء الشهداء وبأرواح الأبرار.
أيها الأحباب الكرام: إني أحبكم في الله، وأحببت في زخم التصريحات السياسية والعسكرية الدولية حول حرب الخليج والناقلات والممرات البحرية الدولية أن أعلي تصريح محمد صلى الله عليه وسلم، فقد سمعنا كثيراً في الإذاعات وأجهزة الإعلام: صرح رئيس مجلس الأمن، صرح القائد العسكري، التقى العملاقان والدولتان العظيمان... وهكذا نسمع مثل هذه التصريحات لكننا ما سمعنا قال محمد صلى الله عليه وسلم، وكأن الإسلام لم يحكم العالم قروناً، وكأن جيوشه المجاهدة التي نشرت العدل والنور والإيمان لم يكن لها دور في التاريخ العسكري والتربية العسكرية الجهادية؛ فأصبح من هذا المنبر؛ منبر الدفاع عن الأقصى أن نعلن تصريح محمد صلى الله عليه وسلم في هذه القضية في عدة خطب حتى يتجلى للناس وتسمع الدنيا والبشرية جمعاء كيف كان يقود صلى الله عليه وسلم أمته حياً وميتاً [طبت حياً وميتاً]
بثلاث كلمات: الجهاد في سبيل الله. بتعبير نبوي آخر: إعلاء كلمة الله. فقط لا غير، سهل ممتنع، موجز معجز.
أحبتي في الله: ماذا يقول الله سبحانه وتعالى؟
قال: وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ [الحج:78](جاهدوا) أمر يفيد الوجوب.
من أجل ماذا؟ في الله.
الغاية القصوى: حق جهاده.
من الذي جهز واختار؟ (هو اجتباكم).
لهذا كان هذا اليمين وهذه البيعة أعظم أنواع البيعات في الوجود، والجود بالنفس أقصى غايات الجود: يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالْأِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:111]هذا هو النصر، تحدد مصائر المعارك الإسلامية من أول بيعة بين العبد وبين الله، الفوز والنصر العظيم هنا تحقق يوم أن أصبح الجندي مستعداً تمام الاستعداد أن يبذل نفسه وماله دون عوض دنيوي إنما العوض أخروي.. جنات النعيم من الله رب العالمين.
أما الحديث فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم) وبهذا يغطي النبي صلى الله عليه وسلم ثلاثة جوانب هامة من جوانب الجهاد: الجانب الاقتصادي والدعم المالي وهو عصب الجهاد وبدونه لا يستطيع المجاهد أن يجاهد، فالمال يأتي بالسلاح وبالغذاء وبالكساء وبالدواء وبالذخيرة، فاستراتيجيته هامة وضرورية، ثم بعد ذلك الجهاد بالنفس: الطاقة البشرية، ثم الجهاد الإعلاني بألسنتكم، ثلاثة جوانب لا يستغني عنها الجهاد الإسلامي بل كل قتال عسكري.
ثم يبين النبي صلى الله عليه وسلم فيقول: (الجهاد ماض إلى يوم القيامة) ويقول لما سئل: (أي الناس أفضل؟ قال: مؤمن يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله) .
لقال: السلب والنهب والاستعمار وهتك الأعراض وسفك الدماء واستغلال ثروات الشعوب الضعيفة. هذه هي أهداف هذه النصب التذكارية والحروب التي دارت.
الإسلام جهاده لإعلاء كلمة الله، وهذه كلمة فيها من العظمة حيث إنها استوعبت جميع القيم الإنسانية، فنصرة المظلوم من إعلاء كلمة الله، والعدالة والأخوة والمساواة وإغاثة الملهوف والدفاع عن الأرض والعرض والدم والدين والعقيدة ونشر الإسلام وإخراج الشعوب من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان ومن ضيق الدنيا إلى سعة الآخرة، كل هذا تحت كلمة إعلاء كلمة الله.
أيها الأحباب الكرام: وأما قضية العدوان والاغتصاب فهي مرفوضة تماماً في الإسلام وفي قتال الإسلام، ولا ننسى وصايا النبي صلى الله عليه وسلم بعدم قتل الشيخ الكبير والراهب في صومعته والطفل الصغير والمرأة، ونهاهم عن قطع الأشجار... إلخ، وخلفاؤه الراشدون وقادة جنده كانوا يلتزمون تماماً بهذه الوصايا.
ونجد القرآن يدعم هذه الحقيقة: أنه لا إرهاب، لا اعتداء، لا صواريخ ظالمة جائرة في أرض مسالمة، كما حدث هنا على أرض الكويت وسلمنا الله ببركة الصالحين المصلحين، والمآوي والمدارس والمستشفيات واليتامى المنتشرة في الكرة الأرضية والتي أسستها أموال مسلمة من هذا البلد. فالصاروخ الذي ينزل عليها ينزل على أرحام النساء بالعالم كله، وعلى قلوب يتامى بالآلاف، وعلى بطون جوعى بالملايين، وأنا لا أقول ذلك متعصباً إلى هذا البلد أو أهله، إنما سافرت وزرت في الدنيا فرأيت آثار المصلحين والمحسنين فيها.
ماذا يقول الإسلام عن هذه الحقيقة؟
وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ [البقرة:190] وكل من يعتدي يفقد حب الله، ومن فقد حب الله ماذا بقي له في الوجود؟!
والإعداد لهذه القوة ظهر أثرها في غزوات النبي صلى الله عليه وسلم فقد غزا بقيادته ثمانية وعشرين غزوة تم القتال في تسع غزوات فقط، وأما تسع عشرة غزوة لم يحدث فيها قتال، فما أن يسمع العدو بتحرك النبي صلى الله عليه وسلم بجيشه صغيراً كان أو كبيراً إلا وفروا إلى شعاف الجبال مخلفين خلفهم أغنامهم وديارهم وبيوتهم ونساءهم وخدمهم ناجين بأنفسهم لجيوش الرعب التي تولدت من إعداد القوة ورباط الخيل، وما تجرأ العدو علينا إلا بعد أن علم أننا لم نعد القوة الحقيقية التي يكون بها التوازن العسكري فلا يجرؤ العدو بعد ذلك علينا.
مبدأ الردع في الإسلام يعتبر ردع المعتدين غايته، يوم أن غاب هذا المبدأ؛ مبدأ الردع الإسلامي قامت الحرب العالمية الأولى من عام (1914م) إلى (1918م) ، ثم قامت الحرب العالمية الثانية من عام (1939م) إلى عام (1945م) فلما رأوا ويلاتها والدمار والمرض والأوبئة والانهيارات أخذوا يعدون هذا المبدأ العجيب الذي ذكره الله في الكتاب وذكره النبي صلى الله عليه وسلم في السنة وهو مبدأ إعداد القوة الرادعة للاعتداء؛ فظهر ما يسمى بتوازن القوى النووية في المعسكر الغربي والمعسكر الشرقي، وحتى الآن هم ينفذون هذا المبدأ الإسلامي وهو إعداد القوة، ولكن الفرق بين المبدأ الإسلامي وبين مبدئهم أن أي دولة من هذه الدول في المعسكر الغربي أو الشرقي تفوقت تفوقاً ساحقاً على منافسها لاكتسحت العالم من جديد بحرب عالمية ثالثة.
أيها الأحباب الكرام: إن إعداد القوة مع الرباط أمر لا يستغني عنه أبداً دستور عسكري إسلامي أو غير إسلامي، فالقوة تحتاج إلى الرباط؛ لأن القوة تحتاج إلى من يخبرها بإنذار مبكر عن تحركات العدو، وهذا لا يكون إلا بمرابط، كما أن الرباط لابد من قوة تسانده وتدعمه حتى يستمر في رباطه؛ لهذا جاءت الكلمتين في آية: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ [الأنفال:60] ورباط الخيل الآن في أفغانستان دوخ كثير من الأسلحة الحديثة لأن الخيل يمر في ممرات صعبة وجبال وعرة، والأسلحة الحديثة عجزت أن تنافس الخيل الذي ذكره الله في كتابه وذكره رسول صلى الله عليه وسلم يوم أن قال: (الخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة) أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.
أما بعد:
عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله، ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب.
الجانب الآخر في الجهاد الإسلامي ما يسمى بالتأهب والاستعداد القتالي، وهذا يتمثل بالحذر الشديد للجيش الإسلامي من أن يباغته ويفاجئه العدو، ودائماً مبدأ المباغتة والمفاجأة يشل حركة الجيش أو نصف حركته وله عواقب وخيمة من تدمير وزعزعة الصف. فماذا يقول الله عن هذه الحقيقة؟
التصريح القرآني سبق كل التصريحات: خُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء:71] الآن الجيوش الحديثة تستخدم أجهزة للتحذير والإنذار المبكر وغير المبكر وطائرات تسمى (أوكس) أو غيرها، ولقد سبق الإسلام بهذا المبدأ وأسسه حتى لا يفاجئ العدو، ونحن نأمل أن تعد البلاد والقوات المسلحة بأجهزة استراتيجية حديثة من يوم أن ينطلق صاروخ أو طائرة لتدميرنا يستقبله سلاح استراتيجي مضاد يفجره في أجوائه قبل أن يصل، وهذا ليس بالأمر الحديث إنما الله أمر به في كتابه الكريم.
ثم يقول بعد أن نادى نداء الإيمان، وكأن الاستعداد واتخاذ الحذر من الإيمان: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ [النساء:71]جاء في آية أخرى يقرن الحذر مع طاعة الله وطاعة رسوله؛ لأن كثيراً من الناس يظنون أننا ننتصر فقط بالجانب التعبدي عندما نملأ المساجد ونقوم الليل، لو كان النصر منه لاكتفى النبي صلى الله عليه وسلم بالحج وبالعمرة وبقيام الليل ولم يقد المعارك ولم يجهز الجيوش ولم يستعمل أحدث الأسلحة في زمانه صلى الله عليه وسلم.
لهذا جاء أخذ الحذر العسكري مع طاعة الله وطاعة رسول قال تعالى: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا [المائدة:92].
بل إن صلاة الحرب نزلت فيها الآيات التي تأمر بالحذر الشديد خلال الصلاة حيث إن خالد بن الوليد كان يراقب النبي صلى الله عليه وسلم لما جاء في الحديبية ورآهم يصلون صلاة الظهر فقال: لو أنني اجتحتهم الآن بالجيش من يمنعه؟
وظل خالد متردداًً يهجم أو لا يهجم حتى فرغ النبي صلى الله عليه وسلم من صلاة الظهر، فقال خبير عسكري مع خالد أين أنت من صلاة العصر؟ إن فاتتك صلاة الظهر لا تفوتك صلاة العصر، إنها أعز صلاة عندهم، انتظر حتى يقفوا ليصلوا واجتاحهم من الخلف بإبادة تامة هم وقائدهم.
ولما جاءت صلاة العصر وإذا الرسول صلى الله عليه وسلم يقسم الجيش قسمين:
القسم الأول: يواجه العدو وبيده السلاح.
والقسم الثاني: يصلي معه ركعة ثم يذهب ويأتي الحراس يصلون ركعة، ثم بعد ذلك يتمون بصلاة عجيبة.
قال خالد : [فعلمت أنه ممنوع من الله] وبدأ الإسلام يتغلغل إلى قلبه من خلال هذا المشهد وهذا المبدأ الإسلامي، وهو مبدأ الحذر في جميع الظروف والأحوال حتى في أداء الطاعات والعبادات.
يقول الله سبحانه وتعالى: وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً [النساء:102]انظر إلى الآية كيف تبين خطة العدو.. كيف يتحرك عليك (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) ودوا من أعماق قلوبهم (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ) معنى هذا أن العدو ليس فقط يتعامل معك تعاملاً سطحياً وإنما تعامله نابع من عقيدة ومن شيء قلبي والمودة موقعها القلب، أي أنه يتحرق عليك من الداخل لو أنه وجد فرصة واحدة مواتية لكي يقضي عليك وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ [النساء:102]
النتيجة للغفلة: فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً [النساء:102]هل هناك ميلة ثانية؟
لا ليس هناك ميلة ثانية؛ لأن الميلة الأولى دمرت الأخضر واليابس وقضت على كل شيء، لا يعطوكم فرصة ثانية أبداً.
الرسول صلى الله عليه وسلم يسير في حنين ومعه اثنا عشر ألف مجاهد، وقد أخبر أنه لن يهزم اثنا عشر ألف من قلة، وهذا مبدأ ثابت، خاصة إذا كانت تربيتهم تربية نبوية جهادية إسلامية، ويقول بعض الرواة: إن خمسة، وإن زادوا لا يزيدون عن خمسين، وخمسة أو خمسين من اثني عشر ألفاً نقطة في بحر، ولكن انظر أثر تصريح خمسة أو خمسين مقاتل يوم أن استهانوا بهذا المبدأ وهو الاغترار بالقوة والاستهانة بقوة العدو ماذا قال أولئك الخمسة؟
قالوا: لن نغلب اليوم من قلة؛ فأصبح الآن التوكل ليس على الله وأنما على القوة، وهذا التصريح الخطير نسمعه من كثير من إذاعاتنا والقادة العسكريين يوم أن يصرحوا تصريحات ضد الدول المعادية ثقة بأنفسنا واعتماداً على قواتنا وأجهزتنا وضربنا في الأعماق وإننا وإننا... وقليلاً ما يذكرون الله!
النبي صلى الله عليه وسلم من بداية المعركة إلى نهايتها إن درأ فإنما يدرأ الله في نحورهم، وإن حقق النصر قال: أنجز وعده ونصر عبده وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده، وإن رمى أو قتل فالقرآن يقول: فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى [الأنفال:17]حقائق عقدية عسكرية يثبتها القرآن.
وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ [التوبة:25]الله أكبر! وليتم مدبرين؟ نعم. وسبب النصر ثبات محمد صلى الله عليه وسلم وحده، عن يمينه العباس وعن شماله أبو سفيان بن الحارث يمسكون بغلته وهي تكاد تطير لشدة الهجوم وتكسر أمواج الكافرين بجيوشها عليه وعلى صدره وهو يقول: (أنا النبي لا كذب، أنا ابن عبد المطلب، يا عباس ! ناد أهل الشجرة، ناد أهل سورة البقرة) والعباس كان له صوت قوي يسمع على بعد عشرة أميال -كما ثبت في كتب السير- فالتفت العباس إلى أدبار المنهزمين ونادى: [يا أصحاب الشجرة! يا أصحاب السمرة! يا أصحاب سورة البقرة! هلم إلى رسول الله] فسمعوا النداء بين ضجيج وصهيل الخيول وقصف الرماح وصراخ الأبطال وتدفق الدماء؛ فالتفت المهاجرون والأنصار وحدهم ولم يلتفت معهم أحد، ونزلوا عن دوابهم ونزعوا دروعهم ولاكوها على نحورهم وألقوا أغماد السيوف وجردوها وصاحوا: لبيك، لبيك يا رسول الله وسعديك، نحورنا دون نحرك. وخاضوا الصفوف حتى وصلوا إليه وما إن مرت ساعة إلا والأسرى في الحبال.
يا له من مبدأ عظيم! عدم الاغترار بالقوة الذاتية والاستهانة بقوة العدو.
أحبتي في الله: نسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك في هذه الأمة، وأذكر بوصايا النبي صلى الله عليه وسلم يوم أن قال عن القوات البرية والبحرية والجوية قال: (إنما القوة الرمي، من تعلم الرمي فنسيه فقد عصى).
ثم إن السهم الذي يرمى أو الطلقة أصابت أو لم تصب فله بها حسنة ودرجة عند الله (المؤمن القوي خير وأحب عند الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير)وفي القتال البحري (المائد في البحر -أي: الذي يصيبه الدوار في البحر وهو يقاتل- له أجر شهيدين) وشهيد البحر له أجر عشرة شهداء، لهذا قاس العلماء على ذلك وقالوا: مقاتل الجو أكثر أجراً من مقاتل البحر، وقد يصل أجره إلى أجر عشرين شهيداً؛ لأن الفعاليات للقاذفات وحرب الطائرات أشد فتكاً من جميع أنواع الحروب التقليدية.
لهذا نحث الشباب على أن يدرسوا الطيران ويتخرجوا طيارين مجاهدين لكثرة الأجر والثواب عندهم، وأن تحافظ الدولة عليهم بتنحية المنافقين الذين يكونون عيوناً للعدو وأن تكون المطارات العسكرية سرية وتحت الأرض، وأن نأخذ العدة كاملة فأرضنا ومنطقتنا لا ندري مستقبلها ما يكون، نترك جوانب اللهو والترف والغناء والمعاصي وحفلات الفنادق (الباردكيو) وأمثالها، والتي كل يوم في الصحف تقابلنا إعلاناتها تغضب الله في الليل والنهار، وأن نعلن في أنفسنا تربيةً واستعداداً عقيدة التوحيد والجهاد فلا تقوم للخرافات قائمة.
أيها المسلمون: وصايا النبي صلى الله عليه وسلم وتصريحاته فوق كل وصايا وتصريحات هيئات ومنظمات دولية أو غير دولية. لماذا؟
لأنه لا ينطق عن الهوى إنما هو وحي يوحى، وإن التجربة العسكرية الإسلامية جربت عبر قرون وقرون فأثبتت فاعليتها في البلاد وفي العباد.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن ينصرنا بنصره ويؤيدنا بتأييده هو ولي ذلك والقادر عليه، وأن يرينا في أعدائنا اليهود وغيرهم عجائب قدرته.
اللهم إنا نسألك تحرير الأقصى وفلسطين ، وأن تجعل بلاد المسلمين أمة واحدة مجتمعة على راية واحدة لإعلاء كلمة الله، اللهم انصرنا ولا تنصر علينا، وامكر لنا ولا تمكر علينا، واهدنا ويسر الهدى لنا، وانصرنا على من بغى علينا، اللهم آمن روعاتنا واستر عوراتنا وخفف لوعاتنا، اللهم ثبتنا يوم الفتنة، وأمنا يوم الفزع، وصبرنا يوم الجزع، وأطعمنا يوم الجوع، واكسنا يوم العورة، واسقنا يوم الظمأ، وشافنا يوم البلاء.
اللهم ثبتنا يوم الفتنة واجمعنا يوم الشتات إنك على ذلك قدير، اللهم قنا شر هذه الحرب الدائرة في الخليج ، اللهم أطفئ نارها، اللهم أخمد أوارها، اللهم إنا ندفع بك في نحور أعدائنا ونعوذ بك من شرورهم، منزل الكتاب ومنشئ السحاب ومجري الحساب وهازم الأحزاب؛ اهزم أحزاب الباطل وانصر حزب الحق يا رب العالمين، واجعلنا وجميع المسلمين في ضمانك وأمانك وبرك وإحسانك، احرسنا بعينك التي لا تنام، واحفظنا بركنك الذي لا يرام، وارحمنا بقدرتك علينا، ولا نهلك وأنت رجاؤنا يا أرحم الراحمين.
إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر، والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , هدي الرسول في الجهاد للشيخ : أحمد القطان
https://audio.islamweb.net