اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , المعلم القدوة وأثره في السلوك للشيخ : أحمد القطان
أحبتي: إني أحبكم في الله، وأسأل الله تبارك وتعالى أن يبارك في أولادكم، وأن يجعلهم عقباً صالحاً طيباً لا ينقطع، وأن يبارك في هذه الجهود، جهود الوزارة وجهود جمعية المعلمين وفروعها، وجهود كل من ساهم لكي يوجد الجيل المسلم الذي يتقدم إلى فعل الخيرات.
العنوان: المعلم القدوة وأثره في السلوك.
بحيث إن الدرجات ترتقي بهم درجة درجة، بالإيمان وبالعلم، وعلاقة العلم بالإيمان علاقة وطيدة، فالمعلم ليس موظفاً.
إن ذكر الإيمان مع العلم في هذه الآية يبين أن المعلم ذو رسالة، وخاصة أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله وملائكته ليصلون على معلم الناس الخير، حتى النملة في جحرها والحوت في البحر) وهل بقي هناك من لا يدعو للمعلم، النملة في عالم الحشرات، الحوت في عالم المحيطات والأسماك والبحار، الملائكة في الملأ الأعلى، الله فوق العرش، لم يترك هذا الحديث أحداً إلا وبين أثره في هذا المعلم (إن الله وملائكته ليصلون على معلم الناس الخير، حتى النملة في جحرها والحوت في البحر).
يا له من تشريفٍ عظيمٍ لهذا المعلم! وإني لأدعو كل ليلة في صلاتي إلى كل مسلم علمني علماً ولو حرفاً واحداً، أخرجني به من الظلمات إلى النور، نفعني في دنياي، نفعني في ديني، نفعني في آخرتي، وقد ولدت لا أعلم شيئاً وأصبحت الآن أعلم كثيراً، لولا هذا المعلم بفضل الله لما كنت أعلم شيئاً، فديونهم في رقابنا، وفضلهم سابق، ولولاهم لكنا الآن نتخبط في الجهل، والجهل تدمير، ومن الجهل ما قتل.
أحبتي الكرام: المعلم القدوة هو صاحب القلب المسلم وصاحبة القلب المؤمن، الذي إذا استيقظ في الصباح الباكر وصلى صلاة الفجر في المسجد، كان همه بعد الصلاة كيف يرتقي بهذا التلميذ والطالب والطالبة، ولا يمر عليه يوم إلا ويشعر أنهم يتقدمون خطوة إلى الأمام، تجد قلبه يصافح جميع الطلبة قبل أن تصافحهم يده، ويعد إعداداً جيداً لمادته، يتابعها ويجهز لها الوسائل، ويتعلم الأساليب وفنون التعليم، ويكون هو في رعايته لهم أباً يعطيهم حنان الأم، ورعاية الأب، وصداقة الأخ، وصحبة الزميل، وفوق هذا كله يكون لهم قدوة، فيعلمهم بلسان حاله، قبل أن يعلمهم بلسان مقاله، هذا الصنف أريده أن يكون كثيراً في مدارسنا وأسأل الله ذلك، وشبابنا بفضل الله الآن أصبح يغطي مجالات كثيرة في التربية، فنسأل الله أن يبارك في الجميع.
ثم إذا جاء العام الجديد، اقتطعت من هذا العام الشهر الأول للسلوك فقط، هذا قد لا يرضي الموجهين عندما يأتي يريدني أن أفرغ المنهج في عقول التلاميذ؛ لكنني أترضاه ببعض الكلام الهين اللين الرفيق، وأجعل الشهر الأول كله للسلوك فقط، مع مساس خفيف للمنهج، لكنني في هذا الشهر أبني تلميذي وطالبي، ثم أعوض هذا الشهر خلال العام من أدبهم وسلوكهم وتوفير الوقت والأدب والخلق، فالصخب والضجيج والشغب يضيِّع العام كله لمن لا يعرف كيف يستغل تربوياً وسلوكياً وقت الطالب.
فأعلمهم في أول العام كيف يدخلون؟ وكيف يخرجون؟ وكيف يسلمون؟ آتي بالعادات الإسلامية القويمة، أبيِّن لهم أن هناك فرقاً بين الجنسين، بين الذكر والأنثى، وأعلمهم أن لا يكون هناك اختلاط، إذا جاءكم ضيوف من النساء يا أولادي -خاصة الأولاد؛ لأني كنت أدرس رابع ابتدائي، والطفل في هذا العمر في مرحلة حساسة من التربية خاصة في قضية الاختلاط- فأقول لهم: يا أولادي إذا جاءكم الضيوف من النساء لا تلقوا بأنفسكم عليهم فتصافحوهم وتخالطوهم، تكفي أن تسلموا فتقولوا: السلام عليكم، كيف حالكم؟ وكذا .. ثم بعد ذلك تذهبون إلى الديوانية عند الرجال، فالمرأة لها سمتها وأسلوبها وطبيعتها وأنوثتها، والرجل له كذلك، أنا أريد أن أعد رجالاً يحملون المسئولية في المستقبل.
قالوا لأن نوعي الطلبة يختلف، فالطلبة في مدرسة (زكريا الأنصاري) لا تستطيع النساء أن تقاومهم -سبحان الله- إذاً هذه امرأة لازم تكون مربية في جميع الظروف والأحوال، قال: يوجد عندهم نوع من الطلبة لا يطاقون، ألفاظاً وكلاماً وعبارات وسلوكاً وإلى آخره، فتركنا مدرستنا وسلمناها للأخوات المربيات واستلمنا المدرسة وبدأنا مع المدرسة من الصفر من جديد وهذه لا شك سلبية من السلبيات في استعجال الوزارة.
أنا يوم أن عرض علي في هذا الأمر اقترحت للأخ الإداري (فخري حمدان) وهو يذكر كلامي جيداً، قلت: إن الأخوات المربيات كما أنها مدرسة ومربية فهي أم، وعندها بيت وأولاد وعندها زوجها، وأنتم تعتذرون بأن عددهم أصبح كثيراً فحولتموهم لتدريس الأولاد، فلماذا لا تخففون الجداول؟
لماذا لا تأتي هذه المربية فتدرس أربع حصص لا ثمان، ثم بعد ذلك تذهب إلى بيتها وترعى شئون البيت والأطفال الصغار، ويأتي الزوج الموظف من العمل فيجد زوجته درَّست أربع حصص أو خمس حصص، ثم بعد ذلك يجدها أماً في البيت ترعى أولاده وتعد شئون البيت والمنزل، لماذا تأخذ عشرين أو ثلاثة وعشرين حصة وتعود مرهقة متعبة، هذا اقتراح قدمته منذ سنين ولكن لم يجد أذناً صاغية مع الأسف الشديد.
المرأة مسكينة جداً، ما تدري ماذا تفعل؟ تعود بعد نهاية الدوام فاقدة الأعصاب، مرهقة البدن، لولا أن الله أودع فيها طبيعة خاصة ليست موجودة في الرجال.
ولو أقمتم إحصائية عالمية لوجدتم أن المجانين من مدرسي الابتدائية الرجال أكثر من النساء، فالذي يدرس ابتدائي أربعين سنة في نهايتها يصير مجنوناً الله أعلم، وليس المجنون فقط الذي يشق ملابسه، لكن تراه كأنه مجنون، لماذا؟
لأن ثلاثين طفلاً في اليوم لهم صراخ رهيب و... إلخ وما هو إلا بشر ثم يدرس الحصة ويفهمها، ويطلع واحد ما كأنه سمع شيئاً، إذا ضربه جاءت الوزارة وقالت: لماذا تضرب، وجاء ولي الأمر يريد يعمل معركة أين هذا المدرس الكذا .. والكذا .. وإذا تركه مات المدرس هماً من الداخل؛ لأنه مسئول أمام الله وأمام الناس وأمام الإدارة.
فهذه المربية يخفف عليها لأن وراءها أسرة وبيتاً، فآمل أن يأخذوا بهذا الاقتراح في المستقبل، وتعود المربيات إلى الطالبات، ويظل المدرسون مع الأولاد، ونتفادى هذه المشاكل كإدارة كاملة أحولها إلى مدرسة ثانية، وانظر إلى هذه التحويلات ليس تحويل فرد وإنما تحويل مدرسة كاملة.
أخذت أعلمهم حتى كيف يجلس الطالب لكي يتوضأ أو يقضي حاجته، لا يتسقبل القبلة ولا يستدبر القبلة وأن يستنجي بيده الشمال، وأن يصب الماء بهذه الطريقة، وأن يغسل يده بالصابون، وألا ينام على بطنه لأن النوم على البطن مكروه إلا في حالات الضرورة كالتربية البدنية والتربية العسكرية ... إلخ فهذا يجوز فيه.
كنت أعلمهم تشميت العاطس، وكيف أنه يشمته إذا عطس، وآداب العطاس، وكذلك التثاؤب، والشكر على فعل المعروف، وكيف يقدرون الوالدين، وأعلمهم تحية الإسلام.
أعلمهم كيف يتكلمون باللغة العربية المبسطة، وليست اللغة العربية القديمة التي تحتاج إلى قاموس، بل هي اللغة المدرسية الجميلة التي تقوم لسان الطالب، مع الأسف أن استخدام ثمانين في المائة من المدرسين اليوم يستخدمون اللهجة العامية في تدريس الأطفال والأولاد، وهذا له ضرر كبير في المستقبل، لهذا ينشأ أولادنا لا يفهمون من اللغة شيئاً، ولسان الواحد منهم غير مستقيم، ولو أخذ اللغة العربية من المدرس يومياً، أي ليس من الدرس -حمد _قلم- وإنما المدرس والمدرسة هي تتكلم لغة عربية بسيطة، لا أريدها كـالأصمعي وسيبويه، وإنما تتكلم بحيث لا تقول: (خش وانحاش واذلف) فهناك كلمات عربية بسيطة سهلة يتلقاها الطالب بهدوء، ونحن أولادنا تعلموا من الصور المتحركة ما لم يتعلموا من المدرسة، أي: بعض الأطفال الآن وهو يسمع الرسوم والصور المتحركة استقام عنده اللسان هكذا بالفطرة، فكيف كان إذا المربي والمربية كل يوم يحدثه بلغة صحيحة يتلقاها.
أعلمهم الطاعة، وفنون الطاعة، أعلمهم الإيثار، أعلمهم كذلك المرور بين يدي المصلي وآدابه، أعلمهم النظام والنظافة في المدرسة.
والله يا إخوان! ما أضربه، على طول هذه ثالث مرة ما كتب الواجب بعد دراسة حالته لماذا أنت ما تكتب؟ قد يكون الطفل في البيت ليس له جو مهيئ لكتابة الواجب، فإذا رأيت أن التقصير والإهمال منه فإن العقوبة تكون حرمانه من الكلام مع تلاميذ الفصل، لعل بعضكم عندما يسمع هذا النوع من العقاب يتعجب، والله يا إخوان ويا أخوات عندما أقول اليوم الطالب لا يكلمه أحد من الفصل ولا يلعب معه، ما تمر الفرصة الأولى والفرصة الثانية إلا ويأتيني الطالب يبكي يقول: يا أستاذ! توبة يلتزمون التزاماً عجيباً فلا يلعبون معه، ولا يعطونه حلوى، ولا يكلمونه، يأتي يكلمهم ما أحد يرد عليه ولا يلتفتون إليه؛ حتى يأتي يقول: أتوب، حتى رفيقي الذي معي في الفصل لا يلعب معي، وهذا ليس ضرباً ولكن نوع من أنواع العقاب استخدمه الرسول مع الكبار فضلاً عن الصغار.
هذا كعب بن مالك عندما تخلف عن غزوة تبوك كما تعلمون قال للصحابة: قاطعوه، فقاطعوه خمسين يوماً حتى إنه يسلم عليهم فما يردون عليه السلام، حتى تأدب ونزلت توبته من السماء، فهذا الأسلوب فعلاً نجح نجاحاً باهراً حتى إنني كنت ما أحمل العصا معي، ويأتي المفتش ويدخل الصف فيجد التلاميذ هادئين مستقيمين جاهزين بكتبهم وواجباتهم، أنا من أين أخذت هذا؟ قد تتوقعون أني أخذته من مناهج معينة، لا.
فلهذا فعلاً علمت سلوك التربية لهؤلاء التلاميذ، وهذا الناظر -لا أدري هل هو موجود أم لا اسمه: أحمد الهلالي- كان هو ناظر مدرستنا، أذكر إذا جاء ضيوف أو مفتشون من المدرسة أو غيرهم يأتي بهم إلى الفصل، ويقول: تفضلوا انظروا هذا الفصل وأعطونا الحكم فيه، ليس بيدي عصا ولا أذكر أني عاقبت عقاباً مادياً، ولكن الشهر الأول صحيح تعبت فيه وربيتهم على كل ما يخطر في بالك من سلوك التربية أعددتهم له، كالأكل والشرب، والقيام، والسلام، والدخول والخروج، والذهاب والإياب، والنظافة، صرت لهم مثل المربية الصغيرة آخذهم وأغسل أيديهم بيدي، أذهب معهم دورة المياه وأعلمهم كيف يمسكون الصابون وكيف ينشفون شهراً كاملاً، ثم بعد هذا الشهر أنظر كيف صار التلاميذ؟ ارتحت طول السنة، فأدخل أعطي الدرس وأتناقش معهم وأضحك، مرة بأسلوب القصة، ومرة بأسلوب النكتة، ومرة بأساليب مشوقة محببة، ومرة بالهدايا حتى إنني حاولت أن أدخل بعض الأجهزة في ذلك الوقت، وكان التلفاز وغيره لا نستطيع استخدامه، ومع الأسف أن التربية الإسلامية حتى الآن قاصرة في استخدام هذا الجهاز، ولكن يجب أن يقتحم هذا الجهاز التلفاز التربوي التوجيهي الهام، كنت أشتري لهم هدايا من مالي الخاص وأعطيهم هذه الهدايا.
الشاهد بأن أزمتنا اليوم ليست أزمة منهج، إنما هي أزمة مرب لا موظف يأتي آخر الشهر ليقبض الراتب، وإنما يرى هؤلاء الأولاد امتداداً لعلمه .. لتسبيحه .. لصلاته .. لركوعه .. لأخلاقه .. لشمائله الكريمة، ويرى أن أطفاله في حضانة إنسان مثله فهو دين عليه يؤديه للآخرين، ونحن هنا في هذا البلد أسرة واحدة وبلد واحد، إن لم نعتن هذا الاعتناء بأولادنا ونهتم بهم سيأتي غيرنا ممن يعرفون كيف يأخذونهم عنا بعيداً بعيداً، ويستخدمونهم في الشر إن لم نسخرهم للخير.
فيبين هذه الحركة يأخذ التمرة يريها أصحابه ويقول: لولا أنها حرام علي لأكلتها، وكان يكفيه أن يعبر عنها ويمشي، لكن هذا درس عملي بأن الحرام يجب أن نحذر منه.
يمر عليه الصلاة والسلام بأطفال يلعبون لعبة الحرب، قسم معه سيوف من خشب والقسم الثاني: معه نبال من خشب، فيدخل بين الفريقين على جلالة قدره، وهموم الجهاد والدعوة في رأسه، وجد الوقت الكافي التربوي فيلتفت إلى الرماة ويقول: (ارموا آل إسماعيل إن أباكم كان رامياً) من هو إسماعيل؟
إسماعيل بن إبراهيم جد العرب وجد المسلمين فيربطهم ربطاً تاريخياً، أي: هذا درس في التاريخ كم أخذ من الوقت، عندما يبدأ المدرس بدرس في التاريخ كم يأخذ من الوقت؟ حصة كاملة الرسول صلى الله عليه وسلم بوقفة في الشارع، أعطاهم البطولة والشهامة والإعداد الجهادي وربطهم بالتاريخ: (ارموا آل إسماعيل إن أباكم كان رامياً، ثم انضم إلى فرقة السيوف قال: وأنا معكم -فقالت فرقة الرماة: ونحن نلقي السلاح فألقوا النبال من على أيديهم- قال: لِمَ؟ قالوا: كيف نرميهم وأنت فيهم يا رسول اللهً) انظر هؤلاء الأطفال! لكن عرفوا أن هذا النبي صلى الله عليه وسلم له قدر واحترام وهو قدوة ويجب ألا يُرمى، فلما قالوا: كيف نرميهم وأنت فيهم؟ ابتسم وقال: (ارموا إني معكم جميعاً) فتبين أنه لا ينحاز إلى فريق فهو مع الفريقين الاثنين، فدخلوا مرة ثانية في لعبة الحرب.
نراه صلى الله عليه وسلم يهتم في قضية الصدق عندما يرى إحدى نساء المسلمين تنادي ابنها (طالب في سن الروضة أو الابتدائي) تقول له أمه: تعال وأعطيك فيقول: (في يدك شيء) قالت: لا. قال: (إن لم تعطه كتبت عليه كذبة) سلوك وتربية.
عندما نعطي الطالب أن الصلاة ركن من أركان الإسلام حديث يحفظه كل الطلبة: (بني الإسلام على خمس ... إلى أن يقول: وإقام الصلاة) وبعد لحظة يؤذن (مايكرفون) المدرسة حي على الصلاة حي على الفلاح، فلا يقوم الناظر إلا قليلاً ولا يقوم الوكيل إلا قليلاً، وتكون الطامة الكبرى أن مدرس الدين الذي علمه أن الصلاة ركن لا يذهب ولا يتوضأ أمامه ولا يصلي أمامه، هم قد يصلون في مكتبهم، قد يصلون في بيوتهم لا نتهمهم ولا نكفرهم، لكن ما دمت أنت في محيط المدرسة أنت في محيط التربية.
ما دمت أنت داخل سور المدرسة أيها الناظر! أيها الوكيل! أيها المشرف الفني الأخصائي الاجتماعي! فأنت في محيط التربية، وكما يراقب وكيل المدرسة الطالب الذي يحمل السيجارة في يده كذلك يراقب العامل ألا يحمل السيجارة في يده، وإذا أراد أن يدخن فليذهب خارج المدرسة لا داخل المدرسة.
تألمت يوم أن كنت طالباً وهذه قصة في حياتي، مدرس التربية الإسلامية في إحدى مراحل دراستي كان يتكلم في الفصل بلسان فصيح مفوه نتعجب من فصاحته وبلاغته، ويحثنا على الدين والسلوك والأخلاق والعفة وتستير النساء ...إلخ، وكنت من المعجبين به، وذهبت في يوم من الأيام إلى السوق، سوق (المباركية) وأنا طالب أريد أن أشتري حاجة، وكانت الطامة الكبرى التي كرهتني لهذا المدرس ومادته حتى أني تخرجت شيوعياً ولم أتخرج مسلماً، وإنما صرت مسلماً على يد داعية رباني ا سمه: حسن أيوب في مسجد (العثمان) في منطقة (النجرة) أنا تخرجت شيوعياً والسبب أني رأيت هذا المدرس الذي كان يدرسني زوجته لابسة (المينجوب)، وبيده حب أسود كان على كتفها، ويأكل هكذا وماسكها وهو ماشٍ معها يتمخطر في (المباركية)، والله تألمت ألماً رهيباً وأصبحت بعد ذلك أدخل حصته وفصله وأنا أكاد أتقيأ، ما أحبه، انتهى عندي؛ لأن القضية قضية تربية وقدوة وسلوك وأخلاق، أصبح كلامه فارغاً، ولا أثر له في نفسي، ولا يعطيني أي منفعة أو فائدة، فالقدوة القدوة والسلوك السلوك.
الرسول صلى الله عليه وسلم يُهدر دم رجل كان قد أسلم ثم بعد ذلك ارتد -وحكم المرتد في الإسلام كما تعلمون إن لم يتب أن يقام الحد عليه- فأهدر الرسول صلى الله عليه وسلم دمه وهو عبد الله بن أبي السرح رضي الله عنه وأرضاه الذي فتح بلاد أفريقيا كلها، الشاهد بأن هذا الرجل أسلم وارتد، وأسلم في عام الفتح مرة ثانية، لكن قبل أن يسلم جاء به عثمان بن عفان يتشفع أن الرسول صلى الله عليه وسلم يلغي عنه حكم الإعدام، أو إقامة حد الردة عليه، فالرسول صلى الله عليه وسلم ساكت والصحابة بجواره ما يستطيعون أن يتحركوا أو يفعلوا شيئاً، ساعة كاملة وعثمان يتشفع والرسول ساكت، إلى أن انصرف عثمان هو والرجل فقال الرسول صلى الله عليه وسلم لأحد أصحابه: (ألا قام إليه أحدكم فضرب عنقه) أي: أنتم تعرفون أنني أصدرت فيه حكم الإعدام، لماذا لم ينفذ واحد منكم فقالوا: يا رسول الله! لو أشرت بعينك أي: لو غمزت لأحد منا فقال: (ما كان لنبي أن تكون له خائنة الأعين) الله أكبر!!
يعني: في قضية حكم إسلامي حتى بعينك ما تغمز، لماذا؟
لأنه قدوة، وسيأتي كل الحكام من بعده كلهم يتغامزون على الناس وعلى المساكين، ويقولون: قدوتنا الرسول صلى الله عليه وسلم، أي نعم! فلهذا قضية القدوة قضية حساسة يا أحبابي في الله.
وصيتي إلى الإخوة المربين والأخوات المربيات أن يجعلوا فترة من الزمن في أول العام للسلوك والتربية، وأن يعدوا في ذلك منهجاً، قد يكون هناك اعتراض من المربي؛ لأن الموجه لا يرحم، والمنهج لا يرحم، والناظر لا يرحم، والوزارة لا ترحم، وكلهم يجرون ويطالبون وو...إلخ.
أنا أقول: بأسلوبك المهذب، وابتسامتك المشرقة، وتفاهمك الإيماني الإسلامي مع المسئولين، تستطيع أن تقنعهم بالدليل المادي عاماً بعد عام، الأثر المبارك لهذا الأسلوب الذي أتحدث عنه، أسلوب السلوك والتربية في أول السنة؛ لكي نربي أولادنا بعد ذلك طول العام.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يبارك فيكم وفي أولادنا وفي المربين والمربيات.
نسأل الله سبحانه وتعالى أن يملأ بلدنا هذا أمناً وإيماناً.
اللهم إنا نسألك العافية في الجسد، والإصلاح في الولد، والأمن في البلد.
عندما نعرِّف الإسلام ونعرِّف المسلم مباشرة نقول: الإنسان لا يكون مسلماً حتى يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ....إلخ، هذه أصول لا نختلف عليها، لكن هل هناك حديث تربوي في هذه القضية؟
قال صلى الله عليه وسلم: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) خذ هذا الحديث وطبقه في المدرسة، واجعل شعار الحصة اليوم هذا الحديث، يكتب تحت التاريخ: (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)، ثم بعد ذلك يبدأ التنفيذ العملي عندما يبدأ التلميذ يتفوه بكلمة فلا تقل له: سأؤدبك أو الناظر يؤدبك أستغفر الله يا بني ما تحترم رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي حديثه على السبورة (المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده) وأخوك المسلم ما سلم من لسانك، قل: أستغفر الله، فمعاتبته أكثر من مهابتك، ومهابة الله في نفوس الطلبة أكثر من مهابتك، وعندما تربيهم على مهابة الله ومهابة الرسول صلى الله عليه وسلم تتكون عندك المهابة التربوية ليس المهابة الإرهابية، هناك فرق بين المهابة الإرهابية والمهابة التربوية التي فيها الاحترام المتبادل بين الطالب وبين المعلم، والذي هو الآن شبه مفقود مع الأسف.
ادخل بعض المدارس الثانوية بالذات طلبة (العين الحمراء) والسيجارة بيده والمدرس يمر عليه يلعب كراتيه يعني: لو أنه تجرأ عليه لكسر عظامه.
في بعض المدارس ذهب الناظر ليتصل (بالمخفر) حتى يأتي شرطي يوصل للمدرس سيارته، ولو أنه اتخذ إجراءً كعقاب فصل مؤقت، أو استدعاء ولي أمر لقامت العشيرة والقبيلة بمبدأ: انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً على المنهج الجاهلي، هذا ما ينبغي!!
يجب أن تقف الأسرة والبيت والعشيرة والقبيلة والعائلة مع المدرسة والوزارة لا معه هو على حق أو على باطل، تألمت كثيراً في إحدى المدارس عندما استدعي ولي الأمر بعد معاقبة التلميذ وتهديده وحرمانه، يشرب سيجارة أمام التلاميذ، ثم استدعي ولي الأمر حتى ننظر القضية! وفي غرفة الناظر أحضر الولد وعلبة السيجارة على طاولة الناظر تتوقعون الوالد ماذا يقول؟! قال: ألم أقل لك لا تشرب في المدرسة؟ اشرب في أي مكان إلا المدرسة لا تشرب، ما هو الرد؟ ما هو الأسلوب؟ اشرب في كل مكان إلا المدرسة، معنى هذا أن هذا الوالد ما عنده شخصية ولا فهم، ولا عنده أسلوب تربوي، ولا له صلة حتى في المدرسة، لو كان يأتي حتى في السنة مرة أو مرتين أو ثلاثاً، مع الأخصائي الاجتماعي لعلمه كيف حتى يتكلم مع هؤلاء الأولاد -اشرب في كل مكان إلا في المدرسة-.
ويؤسفني أن بعض أولياء الأمور اضطر إلى نقل أولاده إلى مدارس بعيدة أو إلى مناطق بعيدة؛ لأنه خلال الأسبوع عندما يجلس مع أولاده يجد عندهم قاموساً كاملاً من الشتائم! من أين حفظوها؟ من داخل المدرسة، نأتي بالولد إلى المدرسة ليتربى فأصبحنا نريد أن نستخلص منه الكلمات البذيئة التي أخذها من بعض الطلبة!
إذاً: أعود فأقول: إن القضية قضية تربية لا قضية منهج وتلقين وإفراغ، وإنما قضية سلوك وتربية تتظافر فيها الجهود من الناظر إلى الوكيل إلى أسرة المدرسة الإدارية والفنية والتعليمية، إلى أن تصل إلى العامل داخل المدرسة؛ فلعل له أثراً خفياً أنت لا تدري به، وكم اكتشف أن الذي يدخل المخدرات ويوزعها على التلاميذ مستخدم غفلت عنه الإدارة.
اللهم إنا نسألك علماً نافعاً، ورزقاً واسعاً، وشفاءً من كل داء، اللهم يا معلم آدم وإبراهيم علمنا، ويا مفهم سليمان فهمنا، ويا مؤتي لقمان الحكمة آتنا الحكمة وفصل الخطاب.
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العلى أن تجعل أولادنا وبناتنا صالحين، اللهم اجعلهم عقباً صالحاً لا ينقطع، أعنا على فعل الخيرات، وترك المنكرات، وحب المساكين.
اللهم من أراد بنا سوءاً فأشغله في نفسه، ومن كادنا فكده واجعل تدبيره تدميره، اللهم احرسنا بعينك التي لا تنام، واحفظنا بركنك الذي لا يرام، وارحمنا بقدرتنا علينا ولا نهلك وأنت رجاؤنا يا أرحم الراحمين!
أقول قولي هذا وأستغفر الله فاستغفروه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , المعلم القدوة وأثره في السلوك للشيخ : أحمد القطان
https://audio.islamweb.net