إسلام ويب

الإيمان قول بالقلب واللسان، وعمل بالقلب واللسان والجوارح، وهو يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، وقد نزل القرآن بترتيب فرائض الإيمان، حتى اكتمل الدين وتمت النعمة، وأوضح رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه شعب مختلفة في المرتبة والأهمية، فمنها ما لو تخلف العبد عن الإتيان بها فلا يصح إيمانه، ومنها ما لو تخلف العبد عن الإتيان بها نقص إيمانه مع صحته في أصله.

باب معرفة الإيمان وكيف نزل به القرآن وترتيب الفرائض وإثبات أن الإيمان قول وعمل

إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

أما بعد:

فمع الجزء الخامس من كتاب (الإبانة) وهو جزء جديد وباب جديد يتعلق بالإيمان والإسلام، وقواعد الإيمان والإسلام.. وغير ذلك من المسائل المتعلقة بالإيمان والكفر، وهو تقريباً سيكون أهم باب في هذا الكتاب، وما تقدم يعتبر كالمدخل لهذا الموضوع.

قال المؤلف رحمه الله: [ الجزء الخامس من كتاب (الإبانة عن شريعة الفرقة الناجية ومجانبة الفرق المذمومة) وهو الأول من الإيمان ] يعني: هذا أول الكلام فيما يتعلق بمسائل الإيمان والكفر.

قال: [ وفيه ثمانية أبواب:

الأول: باب معرفة الإيمان وكيف نزل به القرآن، وترتيب الفرائض وأن الإيمان قول وعمل.

الثاني: باب معرفة اليوم الذي نزلت فيه هذه الآية.

الثالث: باب معرفة الإسلام وعلى كم بني.

الرابع: باب معرفة الإسلام والإيمان، وسؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك.

الخامس: باب فضائل الإيمان وعلى كم شعبة هو، وأخلاق المؤمنين وصفاتهم.

السادس: باب كفر تارك الصلاة، ومانع الزكاة، وإباحة قتالهم وقتلهم إذا فعلوا ذلك.

السابع: باب ذكر الأفعال والأقوال التي تورث النفاق، وعلامات المنافقين.

الثامن: باب ذكر الذنوب التي من ارتكبها فارق الإيمان، فإن تاب راجعه ] أي: رجع إليه الإيمان.

ثم يتكلم ابن بطة عليه رحمة الله في مقدمته لمعرفة أصول هذا الكلام، أي: أصول هذه الأبواب فيقول:

[ بسم الله الرحمن الرحيم

رب يسر وأعن بعونك، الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، الذي هو ربنا وبه نستعين، وإياه نسأل أن يهدينا إلى الصراط المستقيم، الذي أنعم عليهم بهدى القرآن فاتبعوه واهتدوا، ومنَّ عليهم بمحمد صلى الله عليه وسلم وبسنته فسلكوا سبيله واقتدوا، متبعين غير مبتدعين، ومذعنين غير طاعنين، وموقنين غير شاكين ولا مرتابين، وهادين بدعوته غير ضالين ولا مضلين.

فسلموا عاجلاً -أي: في الدنيا- من السخط والشك والارتياب، واستحقوا آجلاً -أي: في الآخرة- الرضا وجزيل الثواب، أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب.

وصلى الله على من ختم به الرسالة، وأكمل به الحجة، وأوضح به المحجة، وأرسله إلى جميع عباده كافة على فترة من الرسل، ودروس من العلم -أي: وذهاب للعلم- فأنقذ به من عباده من سبقت له الرحمة في كتابه، ففتح أبواب السماء برحمته، وجعله الداعي إلى الحق، والهادي إلى الرشد، والقائم بالدين، ذاك -والله- محمد المصطفى، ونبي الله المرتضى، خير خلقه نفساً، وأكرمهم طبعاً، وأطهرهم قلباً، وأصدقهم قولاً، وأكملهم عقلاً، وأشرفهم خلقاً، النبي الأمين الزكي المرضي، فدعا الناس إلى الإقرار بتوحيد الله ومعرفته، والبراءة من الأضداد والأنداد، وأن محمداً رسوله الصادق، من اتبعه اهتدى فنجا، ومن خالفه هلك وغوى، جعلنا الله وإياكم ممن سبقت له الحسنى، فعُصم من متابعة الهوى، وموافقة أهل الزيغ والردى، ووفقنا وإياكم لاتباع الكتاب والسنة اللذين الدين فيهما مشروع -أي: لا يشرع شيء في الدين إلا من خلال الكتاب والسنة-، والحكم فيهما مجموع، وخير العاجلة والآجلة فيهما موضوع، قد قطع بهما عذر كل معتل، وسد بهما فاقة كل مختل، ليهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حيَّ عن بينة، وإن الله لسميع عليم.

أما بعد:

وفقكم الله! فإني مبين لكم شرائع الإيمان التي أكمل الله بها الدين، وسماكم بها المؤمنين، وجعلكم إخوة عليها متعاونين، وميز المؤمنين بها من المبتدعين المرجئة الضالين، الذين زعموا أن الإيمان قول بلا عمل، ومعرفة من غير حركة ].

يتكلم رحمه الله في هذه المقدمة بكلام صريح في نبذ عقائد الفرق الضالة، وتثبيت وتأييد عقيدة الفرقة الناجية، فقال: [ وميز المؤمنين من المبتدعين المرجئة الضالين الذين زعموا -وهذا أصل اعتقاد المرجئة، ماذا زعموا؟- زعموا أن الإيمان قول بلا عمل، ومعرفة من غير حركة ] أي: إقرار بالقلب من غير عمل.

ثم قال: [ فإن الله عز وجل قد كذبهم في كتابه وسنة نبيه وإجماع العقلاء والعلماء من عباده ] أي: أن الله تعالى كذبهم في كتابه، ورسوله عليه الصلاة والسلام كذبهم في سنته، وإجماع العلماء على بطلان عقائد المرجئة، ولكنه يتكلم كلاماً مجملاً هنا؛ لأن التفصيل سيأتي معنا في أثناء الكتاب.

ثم قال: [ فتدبروا ذلك وتفهموا ما فيه، وتبينوا علله ومعانيه، فاعلموا رحمكم الله أن الإيمان إنما هو نظام اعتقادات صحيحة ].

يعني: الإيمان كالعقد الذي له حلقات مسلسلة.

ثم يقول: [ بأقوال صادقة، وأعمال صالحة، بنياتٍ خالصة، بسنن عادلة، وأخلاق فاضلة، جمع الله فيها لعباده مصالح دنياهم وآخرتهم، ومراشد عاجلهم وآجلهم ]. يعني: هذا هو مضمون الإيمان عند أهل السنة والجماعة، يكون من عقائد صحيحة موطنها القلب، بأقوال صريحة موطنها اللسان.

فقوله: (وأعمال صالحة) هي أعمال الجوارح.

وقوله: (بنيات خالصة، وبسنن عادلة، وأخلاق فاضلة) لم يترك عملاً للقلب ولا للسان ولا للجوارح إلا جعله في حقيقة الإيمان وأصل الإيمان.

وقوله: (جمع الله فيها لعباده مصالح دنياهم وآخرتهم، ومراشد عاجلهم وآجلهم) أي: في دنياهم وآخرتهم.

سبب إرسال الرسل وإنزال الكتب على الخلق

قال رحمه الله: [ وذلك أن الناس قد جبلوا -في نقصان عقولهم وحجرها- عن الإحاطة بحقائق الأشياء، والوفاء بالإدراك لكل ما فيه الفائدة والمصلحة، ومن استيلاء شهواتهم واحتكام أهوائهم بعدت عليهم سبل مراشدهم، واستغمضت عليهم مخارج هداياتهم، وذلك موضوع كله في جبلتهم ].

يعني: هم مفطورون ومجبولون على هذا.

ثم قال: [ فلو وكل كل منهم إلى نظره وفكره ورأيه وتدبيره واختياره فيما يؤثر من السير والمذاهب والشيم والخلائق، لكان واجباً لا محالة أن يظهر عجزه عن كفاية نفسه، وحاجتها من أبواب الرشاد، وإعطائها حظها من دواعي الصلاح الذي فيه رضا خالقها ونجاتها من هلكتها ].

يعني: الإنسان بطبيعته يعجز عن أن يقوم تجاه نفسه بما يصلحها في معاشها، الواحد منا أحياناً يختار باباً من الأبواب، أو شيئاً من الأشياء، ويظن بل يعتقد اعتقاداً جازماً أن مصلحته التي ليس دونها مصلحة في الحصول على هذا الشيء، فإذا نظر وقيم هذا الشيء من واقع الشرع علم أنه ليس في صالحه؛ ولذلك يحرمه الله تعالى بفضله ورحمته ومنِّه من الحصول على ذلك الشيء، والواحد منا أحياناً يسعى سعياً حثيثاً إلى نكاح امرأة معينة، ثم يفاجأ أنها خطبت أو نكحت لغيره، فربما يصدم في مشاعره وفي قلبه وفي شهوته وهواه، فإذا ما تزوج بامرأة أخرى فظهر صلاحها ودينها، ونظر هو إلى سيرة المرأة التي كان يحبها آنفاً، فإذا بها في غاية فساد الأخلاق مع زوجها التي تزوجته، فحينئذ يحمد الله عز وجل أن لم تكن هذه المرأة من نصيبه، وعلم الله عز وجل أن هذه المرأة لو تزوجها هذا الذي كان يحبها لكانت سبباً في فساد دينه وانحرافه عن الجادة، فاختار له الخير، لكن من الذي يعلم هذا الخير؟ الله عز وجل، وفر له ما يصلح دينه ودنياه، ولكن هذا العبد لأول وهلة لما فوجئ بأن هذه المرأة فلتت منه أصيب في قلبه، وظن أن الخير كله قد فاته، وإذا بالخير كله قد خزن له في زواج من امرأة أخرى.

وعلى هذا فقس كل حياتك، في واقع عملك، وتجارتك ومصنعك ومالك وأولادك.. وغير ذلك، ربما يتمنى المرء أن يرزق ولداً جميلاً أبيض، فيرزق بأولاد سود أو عندهم من الدمامة في خلقتهم الشيء الكثير والأُدمة وغير ذلك مما لا يرغب فيهم كثير من الناس، ثم يرزق بالولد الأبيض الجميل، فيكون هذا الولد هو مصدر تعاسته وشقائه، أما الأولاد الذين كره منظرهم ولونهم فهم أبر الأبناء به في كبره، فالله عز وجل علم أن الخير في هؤلاء، وأن الشر في ذاك الولد، فربما يحرم المرء ما يتمنى، ولأجل هذا جعل الله عز وجل لبعض الخلق بنين وبنات، وجعل لبعض الخلق البنات دون البنين والعكس في آخرين، ولم يجعل الله عز وجل لزوجين معينين أولاداً قط؛ لأن الخير فيما اختاره الله عز وجل.

فينبغي الإيمان والرضا والتسليم لقدر الله عز وجل، واعتقاد أن كل قدر الله هو خير كله، ومصلحة كله، وإذا وجد الخير فثم دين الله عز وجل وشرعه.

ثم قال: [ فلما علم الله تعالى ذلك منهم كفاهم برحمته ورأفته المئونة ] أي لما سبق في علم الله الأزلي مصالح العباد كفاهم ذلك، فاختار لهم.

ثم قال: [ وأعظم بلطفه وجوده المعونة، فأمدهم في كتبه وعلى ألسن رسله بوظائف من الأمر والنهي، بين لهم فيها ما يأتون وما يذرون، ووفقهم إلى ما يرتكبون ويجتنبون، ليكون كل أحد من عباده المؤمنين -قويت خبرته في النظر والاختيار أو ضعفت، وكملت آلته في المعرفة والتمييز أو نقصت- معرضاً لحظ يصل إليه من مراشده، ونصيب يتوفر عليه من منافعه، فيكون الجميع منهم في ضمن فضله ورحمته اللذين وسعا كل شيء، كما وصف الله تعالى نفسه فقال: وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلًا [النساء:83].

ولتكون حجته مع ذلك بالإرشاد والبينة لازمة لكل مأمور ومنهي ].

يعني: الله عز وجل لم يخلقنا هملاً، ولم يخلقنا سدى، فإنه لما خلق الله تعالى الخلق أراد أن يقيم عليهم الحجة بمعرفة الخير والشر، فأمر ونهى في كتبه التي أنزلها على رسله، وركب فيك عقلاً تميز به بين الخير والشر، وبين الصالح والطالح، وبين النافع والضار؛ وبهذه الثلاثة الأمور قد أقيمت عليك الحجة، حتى إذا هلكت هلكت عن بينة، وإذا حييت بنور الهدى حييت كذلك على بينة، ولذلك قال الله تعالى: لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ [الأنفال:42] أي: بعد إقامة الحجة عليه: وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ [الأنفال:42] هذه الحجة مصدرها الهدى والنور الذي نزل من عند الله عز وجل في كتبه المنزلة على أنبيائه بواسطة جبريل عليه السلام.

إذاً: عندي الكتاب وعندي الرسول، ولدي العقل، ولذلك لا يكلف إلا العاقل البالغ، أما الصبي الذي لم يبلغ فليس محلاً للتكليف، وكذلك البالغ لكنه غير عاقل لعرض الجنون.. أو غير ذلك ليس مكلفاً، حتى إذا كان بالغاً عاقلاً مميزاً لا يكون مكلفاً ولا يأثم إذا كان مكرهاً.. وغير ذلك من الأعذار المانعة للحوق الإثم.

فالله عز وجل نفى عنك الإثم في كل هذا، وأثبت لك الإثم بعد بلوغ الحجة وإقامتها عليك، بإنزال الكتب وإرسال الرسل، وركب فيك العقل الذي تميز به بين الخير والشر، وبين الأمر والنهي، فبعد هذا كله إذا اخترت طريق الرشاد، فهذا فضل الله عز وجل يؤتيه من يشاء، وقد وفقك إليه، لما علم الله تعالى فيك قبل خلقك، بل قبل الخلق جميعاً أنك تحبه وتحب طريقه وطريق أنبيائه ورسله، قدر لك ذلك وكتبه عليك، بعد إقامة الحجة.

وإذا علم الله عز وجل أنك عنيد بعد هذه الحجج وإقامتها عليك، وعلم أنك ستختار طريق الإلحاد والعصيان، وترك الأمر وارتكاب النهي؛ كتب أن ذلك سيكون منك؛ لكنه لا يكون منك إلا في باب الاكتساب، وأما الخلق والإيجاد فإنه من عند الله عز وجل؛ لأنه لا يكون في ملك الله إلا ما أراد، إرادة كونية في باب المعاصي وفي باب الخير، وإرادة شرعية في باب الخير فقط، أراد الله عز وجل الخير فقدره وخلقه وأذن في وقوعه، وأراد الله عز وجل وقوع الشر في الكون إرادة كونية قدرية خلقية لا إرادة شرعية؛ لأن الله تعالى يكره المعاصي، لكنها لا تكون إلا بإذن الله تعالى؛ لأن العبد لو أراد أن يعصي الله واختار طريق المعصية بعد إقامة الحجة عليه، فكبرياء الله عز وجل وعظمته تأبيان أن يكون في الكون شيء إلا بإرادته، فالخير والشر مخلوقان لله عز وجل، أما الخير فقد أراده الله تعالى وأحبه وأذن في وجوده، وأما الشر فإن الله تعالى أذن في وجوده وخلقه في الكون رغم بغضه وكراهيته له، والتحذير من عاقبة فعله، لكن العبد لما اختار هذا الطريق المغلق الذي يؤدي إلى النار بعد قيام الحجة عليه، فكان الله عز وجل منه الإذن والأمر بوجود هذا الفعل، أي: الأمر الكوني لا الأمر الشرعي، وهذا منتهى العدل؛ أن الله تعالى لم يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه، كما قال تعالى: وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا [الإسراء:15] أي: بإقامة الحجة على الخلق.

وقوله: (ولتكون حجته مع ذلك بالإرشاد والبينة لازمة لكل مأمور ومنهي)، المأمور والمنهي هو المكلف، فلا بد من إقامة الحجة على المكلف، ولذلك لو فعلت فعلاً فكان هذا الفعل حراماً، لكن حرمته لم تبلغك، ولم تقصر في طلب العلم، أو أنك في مكان ليس به أهل علم، ولم يكن منك تقصير في تحصيل العلم في هذا الباب، فاجتهدت في مرضاة الله عز وجل ففعلته، ثم فوجئت أن ما عملته آنفاً في هذه القضية مخالف لأمر الشرع؛ فإنك لا تأثم بهذا، ولا أدل على ذلك من أن إنساناً اجتهد في أن يصلي إلى القبلة في مكان لا يعرف هو فيه القبلة، وليس فيه من يسأله عن اتجاه القبلة، فاجتهد وأفرغ الوسع في الصلاة إلى القبلة، ثم فوجئ بعد خروج الوقت أنه صلى إلى غير القبلة، هل عليه من إعادة؟ ليس عليه إعادة، لكن هل صلى كما أمره الله؟ لم يصل كما أمره الله، ولكنه غلب على ظنه أنه صلى كما أمره الله، وهذا الظن والاجتهاد لا يلزم منه إصابة الحق، إنما يسقط عنه التكليف إذا بذل الوسع وأفرغ الجهد في إصابة الحق، ولا يلزم بعد ذلك أن يكون مصيباً للحق، بل هو مأجور وعمله صحيح.

ثم قال: [ وفرضه مؤكداً على كل ميسر مكلف ] أي: فرائض الله عز وجل كلها ميسورة في حق جميع المكلفين، وما كان عسيراً أو ثقيلاً فقد جعل الله تعالى فيه الرخصة.

تفاوت الناس في معرفة الأوامر والنواهي والفرائض

قال: [والدين وإن كان قد انتظم في نفسه جميع ما وصفناه، فليس يقف أو يقع الكل على موضع هذه الفضائل فيه؛ لكنهم يستبقون من أحكامه وشرائعه، وموضع هذه المصالح من مفروضه -أي: من فرائضه- وأوامره في ذلك، ويتفاضلون على حسب مراتب المعقول، وتوفيق البارئ جل ثناؤه وتقدست أسماؤه لهم].

يعني: ليس كل الناس يوفق إلى معرفة الأوامر والنواهي والفرائض، بل هذا باب وطريق طلب العلم.

تابع باب معرفة الإيمان وكيف نزل به القرآن وترتيب الفرائض وإثبات أن الإيمان قول وعمل

قال: [باب معرفة الإيمان وكيف نزل به القرآن، وترتيب الفرائض وإثبات أن الإيمان قول وعمل].

أثر ابن عباس في معرفة الإيمان

قال: [عن ابن عباس في قول الله تعالى: لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ [الفتح:4]]، وإن كان في سنده ضعف، إلا أن الشواهد كثيرة تشهد لهذا المعنى، [قال: إن الله بعث نبيه صلى الله عليه وسلم بشهادة أن لا إله إلا الله، فلما صدق بها المؤمنون زادهم الصلاة، فلما صدقوا بها زادهم الزكاة، فلما صدقوا بها زادهم الصيام، فلما صدقوا به زادهم الحج، فلما صدقوا به زادهم الجهاد، ثم لا يزال أمرهم في ازدياد حتى أكمل لهم الله تعالى دينه، فقال تعالى: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3].

قال ابن عباس : وكان المشركون والمسلمون يحجون جميعاً ]. وفي هذا إثبات أن الكافر يأتي بالعمل الصالح، لكن لا يثاب عليه إلا في الدنيا، أما في الآخرة فإنه لا ثواب له، يثاب على عمله الصالح في الدنيا، من الصدق ومكارم الأخلاق وحسن الضيافة.. وغير ذلك من أعمال البر والصلة وأعمال الصلاح كلها، وإذا أسلم كتب له ما كان قد عمل من عمل صالح في الجاهلية، وجوزي عليه في الإسلام.

ثم قال: [ فلما نزلت سورة (براءة) نفي المشركون عن البيت -أي: طردوا عنه- وحج المسلمون فقط، لا يشاركهم في البيت الحرام أحد من المشركين، وكان ذلك من تمام النعمة وكمال الدين، فأنزل الله عز وجل: الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ [المائدة:3] إلى قوله تعالى: وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3]].

أثر عثمان بن حنيف في معرفة الإيمان

قال: [عن عثمان بن سهل بن حنيف أنه سمع عمه عثمان بن حنيف يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مقامه بمكة يدعو الناس إلى الإيمان بالله، والتصديق به قولاً بلا عمل) ] أي: في أول الأمر، وأنتم تعرفون أن التكاليف الشرعية نزلت في المدينة.

فإذاً: إقام النبي عليه الصلاة والسلام في مكة سنوات طويلة يدعو إلى الإيمان وتوحيد الله عز وجل، لم تنزل التكاليف بعد.

فقوله: (بلا عمل) أي: بلا عمل من أعمال الجوارح، وإلا فالإيمان نفسه عمل القلب، وعمل القلب بالاعتقاد والإقرار والإذعان، وكذلك هو عمل الجارحة وهو اللسان، أي: النطق بالشهادة، لكنه هنا تجّوز في اللفظ؛ لأنه يتكلم هنا عن أعمال الجوارح، أي: ولم يكن مطلوباً منهم عمل الجوارح.

ثم قال: [ والقبلة إلى بيت المقدس، فلما هاجر إلينا -أي: إلى المدينة- نزلت الفرائض فنسخت المدينة مكة، والقول لها أم القرى، ونسخ البيت الحرام بيت المقدس، فصار الإيمان قولاً وعملاً ] أي: أن الفرائض والأوامر والنواهي والحلال والحرام كل ذلك نزل في المدينة، والإيمان بعد أن كان قولاً بلا عمل صار قولاً وعملاً.

أثر سفيان بن عيينة في معرفة الإيمان

قال: [قال: محمد بن عبد الملك بن مسلم أبو عبد الله المصيصي : كنا عند سفيان بن عيينة -وهذا في حديثه سنة (170هـ) فسأله رجل عن الإيمان فقال ابن عيينة : قول وعمل، قال: يزيد وينقص؟ قال: يزيد ما شاء الله ] يعني: يزيد إلى ما شاء الله لا منتهى لزيادته؛ لأن زيادة الإيمان متعلقة بالأعمال، فكلما ازداد المرء من العمل ازداد إيماناً.

ثم قال: [ يزيد ما شاء الله، وينقص حتى لا يبقى منه مثل هذه، وأشار إلى إصبعه ].

يعني: يزيد الإيمان في قلب العبد بسبب العمل والاعتقاد حتى يكون كالجبال الرواسي، وينقص بسبب ترك العمل حتى لا يبقى منه إلا ذرة أو شعيرة، أو لا يبقى منه شيء ألبتة.

ثم قال: [ قال الرجل: كيف نصنع بقوم عندنا يزعمون أن الإيمان قول بلا عمل؟ فقال سفيان : كان القول قولهم قبل أن تنزل أحكام الإيمان وحدوده] يعني: القول بأنه قول بلا عمل كان قولاً صحيحاً في أول الأمر، وفي صدر الشريعة في العهد المكي.

ثم قال: [ إن الله عز وجل بعث محمداً صلى الله عليه وسلم إلى الناس كافة أن يقولوا: لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، فإذا قالوها حقنوا بها دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله ].

يعني: لم يكن مطلوباً منهم في العهد المكي غير التوحيد بلا عمل، تكاليف قلبية، من نبذ للأصنام، وهذا كله في الظاهر عمل، لكن يحمل كلامه على الفرائض والحدود، وعلى مباني الإسلام، وإن كان الإيمان والتوحيد في حد ذاته عملاً قلبياً يترجم في صورة ولاء وبراء لعبادة غير الله عز وجل.

قوله: (فإذا قالوها حقنوا بها دماءهم وأموالهم إلا بحقها) أي: إلا ما ينقضها.

وقوله: (وحسابهم على الله) أي: إذا نافقوا بهذا القول فحسابهم على الله، لكنهم إذا صرحوا بالإيمان والتوحيد بألسنتهم عصموا دماءهم وأموالهم، فكان لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين، وأما هم عند الله عز وجل فهم منافقون كفار، يجازيهم الله عز وجل على النفاق النار، وهذا معنى قوله: (وحسابهم على الله).

ثم قال: [فلما علم الله صدق ذلك من قلوبهم أمره أن يأمرهم بالصلاة] أي: لما استقر الإيمان والتوحيد في قلوبهم، وعلم الله تعالى صدق هؤلاء، ولم يكن عندهم نفاق؛ لأن النفاق إنما نشأ في المدينة، أما أهل مكة فليس عندهم نفاق، ولذلك كان الواحد منهم يعذِبه مولاه في قول التوحيد، وكان بإمكانه أن ينافق، ويخرج من أذى سيده ومولاه بأن ينطق بكلمة الكفر، وعنده في ذلك الرخصة، ومع هذا آثر العزيمة، فلم يكن ينطق بها حتى يسحب على بطنه تارة وعلى ظهره تارة في حر الرمضاء، وهو يقول: أحد أحد! ربما غلب على ظنه في ذلك الوقت أن العزيمة لها تأثير كبير في قلوب كل من رأى هذا العذاب؛ ولذلك أتى خباب بن الأرت رضي الله عنه النبي عليه الصلاة والسلام وهو مسند ظهره إلى الكعبة، فقال: (يا رسول الله! ألا ترى ما قد نزل بنا؟) أي: من أذى هؤلاء المشركين، (ألا تدعو الله لنا؟ ألا تستنصر لنا)، يطلب دعوة النبي عليه الصلاة والسلام أن يرفع عنهم هذا البلاء، ولكن هذا الطلب للنبي عليه الصلاة والسلام أثار غضبه وحفيظته، كان مسنداً ظهره إلى الكعبة فجلس، كأنه يعلّم خباباً ومَن وراء خباب إلى قيام الساعة سنن الله الكونية، وأن الحرب دائرة رحاها بين الإيمان والكفر، وأهل الضلال وأهل الاعتدال، وأن ذلك سنة الله تعالى التي لا تتبدل ولا تتغير، فالعداوة قائمة ومستحكمة بين معسكر الإيمان ومعسكر الكفر.

قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن من كان قبلكم كان يخد له الأخاديد فيوضع فيها، وينشر بالمناشير من رأسه إلى أخمص قدميه، حتى يلقى على الأرض شقين، لا يرده ذلك عن دينه).

ثم يبشر خباباً والحالة هذه الناظر إليها يقول: لا أمل قط في ظهور هذا الدين، يعني: تصور قلة المؤمنين في ذلك الزمان، وكثرة المعاندين المحاربين والكائدين لهذا الدين، وما نزل بهذه الثلة المؤمنة القليلة من التعذيب والفتك والضرب والطرد والتشريد بلا شك بحسابات جميع البشر يقول: لا أمل قط في ظهور هذا الدين، ولا خروجه من حيز مكة.

ثم تأتي البشارة وهي من أعلام نبوته عليه الصلاة والسلام، قال: (وليظهرن الله عز وجل هذا الأمر -أي: هذا الدين- حتى لا يبقى بيت حجر أو مدر إلا دخله) أي: أخبار هذا الدين تدخل في كل بيت، وهل هناك بيت الآن على هذه الأرض لا يسمع بمحمد ودين محمد؟ الجواب: لا؛ ولذلك هذه بشارة عظيمة من النبي عليه الصلاة والسلام ليطمئن أهل التوحيد والإيمان وأصحاب الدعوة إلى الله عز وجل على هدى وبصيرة من أهل السنة والجماعة أنهم ظاهرون إلى قيام الساعة.

ويدل على ذلك أيضاً قوله عليه الصلاة والسلام: (لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق لا يضرهم من خالفهم) أي: من أهل البدع أو الشرك والكفر والإلحاد والقتال: (لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله) وهي الساعة، يعني: هذا الظهور لأهل السنة وللفرقة الناجية والطائفة المنصورة سيظل قائماً ما قامت الدنيا: (لا يضرهم من خالفهم حتى يأتي أمر الله وهم كذلك، أو وهم على ذلك)، بشارة عظيمة جداً أن السنة ستكون ظاهرة ما بقيت الحياة.

ثم قال: [ فلما علم الله عز وجل صدقهم] -أي: صدقهم بالتوحيد، وذلك [من قلوبهم، أمره أن يأمرهم بالصلاة]، أي: أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم أن يأمر هؤلاء الجيل بالصلاة، [فأمرهم ففعلوا] ولا شك أن هذه الصلاة لم تكن مشروعة من قبل، فلما شرعت وفرضت وفعلوها ازدادوا بها إيماناً.

ثم قال: [ والله لو لم يفعلوا ما نفعهم الإقرار الأول ] أي: لو لم يأتوا بالصلاة لم ينفعهم الإقرار بالتوحيد الذي أقروا به أولاً في مكة؛ لأن جزءاً لا يتجزأ من هذا الإقرار وهذا التوحيد هو الإتيان بهذه الفرائض والمباني والحدود.

ثم قال: [ والله لو لم يفعلوا ما نفعهم الإقرار الأول، فلما علم الله صدق ذلك من قلوبهم أمره أن يأمرهم بالهجرة إلى المدينة، فأمرهم ففعلوا ] وهذا يدل على أن الهجرة من الإيمان.

ثم قال: [ والله لو لم يفعلوا ما نفعهم الإقرار الأول ولا صلاتهم، فلما علم الله صدق ذلك من قلوبهم أمره أن يأمرهم بالرجوع إلى مكة فيقتلوا آباءهم وأبناءهم؛ حتى يقولوا كقولهم، ويصلوا بصلاتهم، ويهاجروا هجرتهم، فأمرهم ففعلوا، حتى أتى أحدهم برأس أبيه، فقال: يا رسول الله! هذا رأس الشيخ الكافر].

عقد الولاء والبراء في الله عز وجل، وفي دينه وشرعه فقدمه، وكان أحب إليه من ماله وولده وزوجه وأبيه ومن الناس أجمعين، حتى كان الواحد منهم يقاتل أباه إذا لقيه في المعركة، حتى يأتي برأس أبيه على ذبابة سيفه أو رمحه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يقول له: (يا رسول الله! هذا رأس الشيخ الكافر).

ثم قال: [ والله لو لم يفعلوا ذلك ما نفعهم الإقرار الأول ولا صلاتهم ولا مهاجرهم -أي: ولا هجرتهم- فلما علم الله تعالى صدق ذلك من قلوبهم أمره أن يأمرهم بالطواف بالبيت تعبداً، وأن يحلقوا رءوسهم تذللاً، ففعلوا ذلك، فوالله لو لم يفعلوا ما نفعهم الإقرار الأول ولا صلاتهم ولا مهاجرهم ولا قتلهم آباءهم، فلما علم الله صدق ذلك من قلوبهم أمره أن يأخذ من أموالهم صدقة تطهرهم، فأمرهم ففعلوا، حتى أتوا قليلها وكثيرها ].

يعني: كان الواحد منهم يذهب إلى ماله كله فيأتي به، ومنهم من يأتي بنصف ماله وربع ماله.

[ ووالله لو لم يفعلوا ما نفعهم الإقرار الأول ولا صلاتهم ومهاجرهم ولا قتلهم آباءهم ولا طوافهم، فلما علم الله تعالى الصدق من قلوبهم فيما تتابع عليهم من شرائع الإيمان وحدوده، قال الله تعالى لهم: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3].

قال سفيان بن عيينة : فمن ترك خَلة من خلال الإيمان جحوداً بها كان عندنا كافراً، ومن تركها كسلاً ومجوناً أدبناه وكان فاسقاً ] باستثناء بعض الأعمال التي ستمر بنا.

ثم قال: [ هكذا السنة، أبلغها عني من سألك من الناس ] وهذه عقيدة أهل السنة والجماعة نقلناها من سياق حديث سفيان بن عيينة .

باب معرفة اليوم الذي نزل فيه قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي..)

قال: [ باب معرفة اليوم الذي نزلت فيه هذه الآية ] وهي: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3].

أثر عمر في معرفة اليوم الذي نزلت فيه (اليوم أكملت لكم دينكم..)

قال: [عن طارق بن شهاب قال: (قال يهودي لـعمر: لو علينا معشر يهود نزلت هذه الآية: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وعلمنا اليوم الذي أنزلت فيه لاتخذنا ذلك اليوم عيداً) ] يعني: لكمال الدين وتمام النعمة، والرضا عن هذا الدين، فهي فرحة عظيمة جداً.

قال: [ (فقال عمر : قد علمت اليوم الذي أنزلت فيه، والساعة، وأين كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين نزلت؟ نزلت ليلة جمع، ونحن مع رسول الله عليه الصلاة والسلام في عرفات) ] ليلة الجمع هي ليلة الإفاضة من عرفات إلى مزدلفة، أي: نزلت بعرفات بعد غروب الشمس، ويقال لهذه الليلة: ليلة جمع؛ لمشروعية جمع المغرب والعشاء في المزدلفة، مع أن المغرب في يوم التاسع من ذي الحجة يؤذن له وأنت في عرفة، لكنك لا تصلي المغرب والعشاء إلا في المزدلفة، فتكون صلاة المغرب والعشاء في غير المكان الذي دخلت فيه وقت الأولى وهو عرفة، فهذه الآية نزلت ليلاً في عرفات ليلة جمع.

قال: [ وعن طارق بن شهاب : (أن اليهود قالوا: لـعمر: إنكم تقرءون آية لو أنزلت فينا لاتخذنا ذلك اليوم عيداً، قال: إني لأعلم حيث أنزلت وأي يوم أنزلت؟ أنزلت بعرفة ورسول الله صلى الله عليه وسلم واقف بعرفة).

قال سفيان : وأشك أكان يوم جمعة أم لا؟ يعني: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ ]، لكن هذا الشك زال؛ لقول عمر في الطريق الثاني: (أنزلت يوم عرفة يوم جمعة).

وهذه الآية ليست آخر آيات القرآن نزولاً، وبعض أهل العلم قال: هي آخر آية نزلت، لكن جماهير أهل العلم على أن آخر آية نزلت على الإطلاق هي: وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [البقرة:281].

أما هذه الآية فهي آخر آية نزلت بمكة، نزلت في حجة الوداع في يوم عرفة، وكان يوم جمعة.

أثر ابن عباس في معرفة اليوم الذي نزلت فيه (اليوم أكملت لكم دينكم..)

قال: [ عن عمار مولى بني هاشم قال: قرأ ابن عباس : الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا [المائدة:3]، وعنده رجل من أهل الكتاب، فقال: لو علمنا في أي يوم نزلت هذه الآية جعلناه عيداً، فقال -أي: ابن عباس - لقد نزلت يوم عرفة، يوم الجمعة].

[قال عبيد الله بن محمد: لقد علم العقلاء من المؤمنين ومن شرح الله صدره ففهم هذا الخطاب من نص الكتاب وصحيح الرواية بالسنة، أن كمال الدين وتمام الإيمان إنما هو بأداء الفرائض والعمل بالجوارح، مثل الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد، مع القول باللسان والتصديق بالقلب ] هذا هو تعريف الإيمان عند أهل السنة.

فقوله: (لقد علم العقلاء من المؤمنين) الذين هم أهل السنة، بعد أن شرح الله صدورهم فهموا الخطاب من نص كتاب الله عز وجل، ومن سنة النبي عليه الصلاة والسلام التي صحت عنه، أن تمام الدين وتمام الإيمان إنما هو بثلاثة أشياء: الأول: أداء الفرائض والعمل بالجوارح مثل: الصلاة والزكاة والصيام والحج والجهاد، مع القول باللسان والتصديق بالقلب، فقد جمع لنا هنا أصول الإيمان التي هي معتقد القلب، أي: عمله قولاً وفعلاً، ثم قول اللسان وعمل الجوارح والأركان.

ومراد ابن بطة هنا إثبات أن عمل الجوارح من الإيمان، للرد على المرجئة الذين يقولون: الإيمان قول بلا عمل، قال: الإيمان قول وعمل، يزيد وينقص.

ثم قال: [ وعلموا أيضاً المعنى الذي أنزلت فيه هذه الآية، ومراد الله تعالى فيها، واليوم الذي أنزلت فيه على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبان لهم -أي: لأهل السنة- كذب من افترى على الله، وعلى كتابه وعلى رسوله، وعلى صحابته والتابعين، والعقلاء من علماء المسلمين، فتأول هذه الآية بغير تأويلها، وصرفها إلى غير معانيها، وزعم أنها نزلت في غير المعنى الذي أراد الله بها، وفي غير اليوم الذي أنزلها فيه، فآثر هواه، وباع آخرته بدنياه، ويح من كان دينه هواه، فقد بارت بضاعته، وخسرت صفقته، خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين ].

هذه مقدمة رائعة جداً في إثبات أن الإيمان قول وعمل، قول بالقلب واللسان، وعمل بالقلب واللسان والجوارح والأركان، فمحل الإيمان القلب واللسان لمن كان قادراً على ذلك، أي: على النطق، والجوارح كذلك.

اختلف العلماء في تعلق الإيمان بالعمل، فأهل السنة والجماعة على أن العمل من الإيمان؛ ولذلك قال عليه الصلاة والسلام: (الإيمان بضع وستون -أو بضع وسبعون- شعبة، أعلاه لا إله إلا الله، وأدناه إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان).

لو نظرنا في هذا الحديث لوجدنا قوله كما في مسلم : (أعلاه لا إله إلا الله) أي: أعلاه شهادة أن لا إله الله، والشهادة عمل اللسان، فالمرء يشهد بلسانه، فلو أن امرأً شهد بلسانه بهذه الشهادة ولم يعتقد قلبه صحة هذه الشهادة، فإنه يكون منافقاً بالإجماع.

إذاً: هذه الشهادة إن تلفظ بها الإنسان ولم يكن لها رصيد في القلب لم يكن مؤمناً، بل كان منافقاً، وحينئذ نقول: إن هذه الشهادة لا بد لها من النطق إذا كان صاحبها قادراً على النطق، وإلا فتكفيه الإشارة، أي: الإشارة إلى السماء، كما في حديث الجارية: أن النبي عليه الصلاة والسلام قال لها: (أين الله؟) وفي رواية: (فأشارت إلى السماء) أي: جهة العلو والارتفاع لله عز وجل، قال: لو لم يكن لهذه الكلمة التي صدرت على اللسان رصيد في القلب لا تقبل من قائلها إلا فيما يتعلق بأحكام الدنيا.

أما إذا كان يعتقد صحة هذه الكلمة بقلبه، ولم ينطق بها مع قدرته على النطق، فهل يثبت له الإيمان أو الإسلام؟

أنتم تعلمون أن أبا طالب كان يؤازر النبي عليه الصلاة والسلام، وكان يحوطه من جميع جوانبه، وحينئذ لما صرح أبو طالب في غير ما مرة أن ابن أخيه على الحق، وإنما الذي يمنعه من الدخول فيه قوميته، كان أبو طالب رجلاً قومياً يضمر القومية العربية، فمنعه ذلك من أن يدخل في دين محمد صلى الله عليه وسلم، حتى لا يقال: صبأ أبو طالب ، وترك دين آبائه وأجداده؛ ولذلك لما علم النبي عليه الصلاة والسلام منه إيمانه الجازم بصحة رسالته، قال: (يا عماه! قلها كلمة أشفع لك بها عند ربي، فقال: لو لم تعيرني بها العرب لقلتها) فهو يؤمن بها في قلبه، لكنه لم يتلفظ بها، فهل تنفعه حينئذ؟

أنا الآن ضربت صورتين، الأولى: أنه تلفظ بها بلسانه ولم يعتقدها بقلبه، فهذا منافق، والمنافق كافر معلوم، ومن اعتقدها بقلبه ولم يتلفظ بها بلسانه فلا يقبل ذلك منه، بل هو باق على أصل كفره في الدنيا والآخرة، فهاتان صورتان لإثبات أن الإيمان لا بد فيه من اعتقاد القلب والنطق باللسان لمن كان قادراً على ذلك.

يأتينا دور العمل، فكلمة التوحيد لها شروط ومقتضيات، سنتعرض لها بإذن الله تعالى في تتابع دروسنا عن الإيمان.

من أتى ببعض هذه الشروط وبعض هذه المقتضيات، كان عنده من الإيمان على قدر ما أتى من شروط ومقتضيات، ومن أخل ببعض هذه الشروط أو بعض هذه المقتضيات اللازمة لكلمة الإيمان، كان عنده من الإخلال: إما أن يكون بأصل الإيمان أو الإيمان الواجب أو الإيمان المستحب. يعني: أن الإيمان متعلق بالأصل والواجب والمستحب، فإذا فرط الإنسان في عمل يتعلق بأصل الإيمان كفر، وإذا فرط الإنسان في عمل يتعلق بالإيمان الواجب، فقد نزع منه على قدر تفريطه في هذا الواجب، وإذا فرط الإنسان في عمل مستحب، فإنما ينزع من إيمانه على قدر ما فرط في هذا العمل المستحب؛ ولذلك ما أحب الله عز وجل عملاً أكثر افترضه على العباد، وهذا يتعلق بالفرائض، قال الله عز وجل: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه).. إلى آخر الحديث.

فحينئذ عمل الجوارح له علاقة بعمل القلب واللسان، وهذا يدل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان وحقيقته وماهيته، لكن هذا العمل أصناف، فمنه ما كان متعلقاً بأصل الإيمان، يختل إيمان المرء، بل ينزع من أصله إذا أخل المرء بهذا العمل.

وإذا كان الإيمان متعلقاً بالواجب أو بالحلال والحرام أو بالأمر والنهي، فإن إيمان المرء ينزل وينقص على قدر نقصانه في هذا الباب.

أما إذا كان تفريط العبد في المستحبات، فإن كمال الإيمان وتمام الإيمان المتعلق بهذه الأعمال المستحبة ينقص على قدر تفريطه، وسيأتي تفصيل لهذا.

قال عليه الصلاة والسلام: (الإيمان بضع وسبعون شعبة) أي: خصلة وخلة، ثم ضرب لذلك أمثلة، فقال: أعلى شعب الإيمان هو التوحيد: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله؛ لأن واحدة بغير أخرى لا تصح ولا تقبل من قائلها.

وأدنى شعب الإيمان إماطة الأذى عن الطريق، وهذا يدل على أن مراتب الإيمان متفاوتة، منها العالي جداً في القمة، ومنها المتدني جداً، وإن كان الكل داخلاً في حقيقة الإيمان وماهيته، قال: (وأدناه إماطة الأذى).

وإماطة الأذى متعلق بالجوارح، ومع هذا فإنه إيمان.

ثم قال: (والحياء شعبة من الإيمان)، والحياء عمل نفسي.

إذاً: يثبت هذا الحديث أن عمل اليد وعمل اللسان وعمل القلب وعمل النفس؛ كل ذلك داخل في ماهية الإيمان وحقيقته، كلٌ على قدره، فإذا أتى المرء بكل شعب الإيمان ولم يأت بالشعبة الأولى وهي التوحيد، لا يقبل منه ذلك.

إذا أتى المرء بشعبة التوحيد، ولكنه لم يمط الأذى عن الطريق فهل يكفر بذلك؟ لا.

إذاً: هناك من شعب الإيمان ما لو تخلف العبد عن الإتيان بها لا يصح له إيمانه، وهناك من شعب الإيمان ما لو تخلف العبد عن الإتيان بها نقص إيمانه، لكنه في الأصل صحيح.

هذا ما سنتعرض له بإذن الله تباعاً في الدروس القادمة.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.

الأسئلة

الرد على شبهة كون الله عز وجل خلق الخلق وجعل بعضهم معاندين للحق رافضين له

السؤال: لقد سبق في علم الله عز وجل أن هؤلاء الكفرة والملحدين لن يستجيبوا لرسوله، فكتب عليهم الشقاء الذي هم فيه، ولكن قد يقول القائل: هذه النفس العنيدة التي لا تستجيب للحق، أوليس الله سبحانه وتعالى هو الذي خلقها وأودعها في عباده، وجعلها متكبرة عنيدة تأبى الحق، ولو شاء الله سبحانه لجعلها نفساً صالحة طيبة تستجيب للحق إن جاءها، فكيف نرد على إشكالهم هذا؟

الجواب: هذا سؤال لا يعدو كونه شبهة من الشبهات، لكني أذكر لك مثالاً: لو أن غرضاً من الأغراض يؤدي إليه طريقان: أحدهما معبد ممهد، والثاني ليس كذلك، بل قد امتلأ بالشوك والحجارة الجارحة.. وغير ذلك، وأتينا بأقذر خلق الله وقلنا له: أمامك غرض يؤدي إليه هذان الطريقان، طريق سهل مرصوص معبد ممهد للسالكين، والآخر كما ترى قد امتلأ بالشوك والحجارة.. وغير ذلك من المعسرات، فعليك أن تصل إلى الغرض في مدة زمنية معينة، فماذا سيسلك هذا السالك؟ هل تتصورون أنه يدع الطريق الممهد؟

أنت يا أخي عندما تسير بسيارتك وأمامك طريق مكسر قريب، وطريق آخر ممهد وهو بعيد، فإنك ستسلك الطريق الممهد، وتقول: إنه طريق جيد نمشي عليه؛ لأن الطريق المكسر قد يكسر سيارتي ويكسر لي عظمي حتى وإن مشيت على رجلي، هل هذا الفعل الذي يقوله هذا الفاعل متعلق بالتمييز والإدراك، ممكن أن يأتي مجنون ويقول لك: أنا سأسلك هذا الطريق الذي به حفر، إنه حلو جداً وجميل جداً. نقول: هذا إنسان غير مكلف، لكن هذا الفاجر العنيد قد بينا له أن الهدف أمامه وهو ينظر إليه، ويؤدي إليه طريقان: أحدهما قد امتلأ بالشوك، والآخر معبد ممهد مرصوص وجميل، فماذا على هذا الفاجر أن يسلك؟ هل هناك أحد من العقلاء يمكن أن يقول: سيسلك الطريق الذي امتلأ شوكاً، لا يمكن، ولو فعل لحكمنا عليه بالجنون.

وإذا كان الأمر هكذا في هذا المثل فلله المثل الأعلى، وقد أعذر الله عز وجل لجميع خلقه بأن أرسل لهم رسلاً، وهؤلاء الرسل كانت مهمتهم إثبات وحدانية الله عز وجل وربوبيته، وهداية الخلق إليه عز وجل الذي خلقهم ورباهم وتولى أمرهم وقام على شئونهم، وأنزل مع الرسل الكتب فيها الهدى والنور، هذا فيما يتعلق بالكتب والرسل، وجعل العباد مكلفين بشرط أن يكون عندهم عقل، فركب فيهم العقول التي تميز بين الخير والشر، بين النافع والضار، بين الحق والباطل، فعلموا أن هذا هو الحق، ولكنهم عاندوا من عند أنفسهم، كمن عاند وسلك الطريق الذي قد امتلأ شوكاً ليصل إلى الهدف، لكن هذا العنيد إن سلك طريق المعصية فإنه لا يصل إلى الجنة؛ لأنه لا حظ له فيها، كما أن سلوك هذا الطريق يؤدي به إلى النار التي خلقها الله عز وجل، وأعد لها من أعد من خلقه؛ لما سبق في علم الله عز وجل أن الحجة قد قامت.

ثم هذا السائل الذي يسأل هذا السؤال، لو أني قلت له: لو كان لك ولد وقلت له: يا بني! أنا سآتي لك بالطعام والشراب، وأذهب بك إلى المدرسة ذهاباً وإياباً، وآتي لك بالمدرسين، وأسعى لك في كل واد في سبيل تحصيل التفوق في نهاية العام، ولكن هذا الولد آثر العناد وعدم الانتباه والامتثال لكلام المدرسين، ولم يعبأ بكل ما صنعه معه والده، وفي نهاية العام حقق رسوباً شديداً، ماذا يكون موقف الوالد، يضربه؟ يشتمه؟ يوقع به أشد العذاب؟ كل ذلك يمكن أن يكون من الوالد، لماذا؟ لأن الوالد يرى أنه ما قصر، وأن هذه النتيجة ليست من قدر الله عز وجل الشرعي، إنما هي من قدره الكوني نسبة إلى تقصير هذا الولد.

إذاً: مرد ذلك إلى التقصير والعناد أم لا؟ وإلا فلماذا يضرب الوالد ولده؟ ونحن نؤمن أن الكل من عند الله، لكن ما كان من عند الله تعالى في ذات الخير والشرع والدين والمحبة، كل ذلك راجع إلى ما أمر الله تعالى به على ألسن رسله في باب المحبة والرضا والشرع، أما ما وقع من شر في الكون، فإنه وقع بسبب تقصير من العباد بعد قيام الحجة، فالله تعالى علم ذلك قبل أن يخلق الخلق، كما في حديث ابن مسعود رضي الله عنه: (وإن أحدكم يجمع في بطن أمه أربعين يوماً نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فيؤمر بكتب أربع: بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد) الله تعالى لا يحب الكفر، والكفر موجود، فهل وجد الكفر في الكون رغماً عن الله عز وجل؟ حاشا لله، إنما وجد الكفر في الكون بإرادة الله الكونية القدرية، ومعنى إرادته الكونية القدرية أنه قدر ذلك وشاءه كوناً لا شرعاً، وإلا فالله تعالى قدر تقديراً شرعياً الإيمان الذي هو في مقابلة الكفر، وأحبه ورضيه، ولما علم الله عز وجل سلفاً أن عبده فلاناً الذي يخلق في الساعة الفلانية واللحظة الفلانية إذا كبر اختار طريق الضلال، وعبده الآخر إذا كبر اختار طريق الهداية، بعد إفراغ الأعذار لجميع العباد؛ تجد أن بعض العباد سيختار طريق الهداية، وبعض العباد سيختار عناداً طريق المعصية أو طريق الكفر والإلحاد، فأعد الله عز وجل لهؤلاء الجنة في نهاية أمرهم، وأعد لهؤلاء النار في نهاية أمرهم، فهل هذا عدل من الله عز وجل أم جور؟ عدل؛ لأن الله تعالى لا يظلم العباد.

حكم من أدرك الإمام في الركوع

السؤال: من أدرك الركوع في الركعة الأولى، وهو يأخذ بمذهب أنه: (لا صلاة إلا بأم الكتاب)، فهل يلزمه أن يقوم بعد التسليم، أم تحسب هذه هي الخامسة، فتبطل معها الصلاة كلها، أم ماذا؟

الجواب: واضح أن السائل جاهل؛ لأنه إذا كنت صاحب مذهب فالأصل أنك تلم بفرعيات عظيمة.

أما قراءة الفاتحة خلف الإمام ففيها مذاهب:

المذهب الأول: أن قراءة الفاتحة واجبة على المأموم في الجهرية والسرية.

والمذهب الثاني: قراءة المأموم ليست واجبة في حقه خلف الإمام في الجهرية.

والمذهب الثالث وهو مذهب الأحناف: أن قراءة المأموم للفاتحة ليست واجبة عليه لا في الجهرية ولا في السرية.

والذي يترجح لدي أن قراءة الفاتحة واجبة على الإمام والمأموم في الجهرية والسرية؛ لقوله عليه الصلاة والسلام كما في حديث عبادة بن الصامت في الصحيحين وغيرهما: (لا صلاة إلا بأم الكتاب)، ولحديث أبي هريرة وغيره أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من صلى بغير فاتحة الكتاب فصلاته خداج خداج خداج).

وأمر عمر المأمومين أن يقرءوا بها خلف الإمام، قال رجل: أأقرأ بها يا أمير المؤمنين وأنت تقرأ؟ قال: نعم، اقرأ بها في نفسك يا فارسي.

والأدلة كثيرة جداً على وجوب فاتحة الكتاب للمأموم في الجهرية والسرية.

أما إذا أدرك المأموم الإمام في الركوع فليركع معه وليعدها ركعة، ولا يطالب حينئذ بقراءة الفاتحة لفوات محلها، أي: لفوات وقت الوجوب، وهو إدراك القيام مع الإمام، والله تعالى أعلم.

حكم الحج نتيجة الفوز بمسابقات وجوائز

السؤال: هل يصح الحج نتيجة الفوز بمسابقات وجوائز؟

الجواب: نعم يصح، إذا كانت مسابقة وأعلن أن الفائز فيها يكافأ بالحج، فلا حرج حينئذ أن يدخل من التمس في نفسه أهلية لهذا، فإذا فاز فهنيئاً له الحج.

حكم معالجة المريض على حساب الدولة

السؤال: هناك امرأة مريضة تعالج على حساب الدولة، سواء كان في الداخل أو في الخارج، فهل هذا جائز؟

الجواب: نعم جائز، بل هو واجب على الدولة في حق الفقراء، إن لم تقم به الدولة يأثم جميع المختصين أو القائمين بهذا الشأن، فلا يصح أن يكون هذا العمل كله محسوبية، الذي له قريب في وزارة الصحة هو الذي يعالج، والذي ليس له قريب يموت، لا يصح ذلك، بل كل فقير غير قادر على النفقة أو العلاج أو التعليم أو غير ذلك، يجب على الدولة أن تقوم برعايته وحسن تدبير أمره، وإلا فيأثم جميع المختصين بذلك.

حكم استبدال الأدوية الزائدة لمريض بدواء آخر لمريض آخر

السؤال: هل يجوز استبدال بعض الأدوية الزائدة التي يصرفها التأمين الصحي أو الدولة لمريضة بدواء آخر لأمها المريضة؟

الجواب: نعم يجوز ذلك؛ لأنها تأخذ حكم البنت من جهة أنها فرد من أفراد المجتمع، وأنها فقيرة ليس في إمكانها علاج نفسها.

حكم لبس المرأة الذهب المحلق

السؤال: هل الذهب المحلق من الذهب المحرم على النساء؟

الجواب: لا. ليس من الذهب المحرم، وأنا أعتقد أن مذهب شيخنا الشيخ الألباني رحمه الله مذهب مخالف لعلماء الأمة؛ ولذلك ليس محل اعتبار عندي، وأن الذهب كله حلال للنساء، حرام على الرجال.

حكم الجهاد في فلسطين أو غيرها

السؤال: هل الجهاد في فلسطين أو غيرها فرض عين على الشباب في مصر أو غيرها؟

الجواب: الجهاد في الأماكن التي ترفع فيها راية الجهاد فرض كفاية على المسلمين لا فرض عين، فالجهاد فرض عين في نفس المكان الذي اعتدي فيه عليك، مثلاً: الجهاد في فلسطين فرض عين على الفلسطينيين هناك، وعلى من كان في فلسطين من غير أهلها فرض عين عليهم، ولا يكون فرض عين على من تلاهم من أهل البلدان إلا إذا عجزوا، فإذا عجز مجموع المسلمين من البلدين تعين على الثالث، فإذا عجزوا جميعاً تعين على الرابع.. وهكذا.

أما الجهاد على الشباب في مصر فليس فرض عين، وإنما هو فرض كفاية، وشرط فرض الكفاية: سلامة الطريق، وأنتم تعلمون أن الطريق غير سالم وغير آمن.

الشرط الثاني: أن يأذن الوالدان، وهذا شرط لصحة الجهاد في فرض الكفاية، فإذا لم يأذنا يأثم المجاهد؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام أرجع بعض أصحابه لخدمة والديه، ولو تعين عليه الجهاد لم يرجعه، وستأتي هذه المسألة بالتفصيل بإذن الله تعالى في كتاب الجهاد في صحيح مسلم .



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح كتاب الإبانة - كتاب الإيمان - مقدمة كتاب الإيمان للشيخ : حسن أبو الأشبال الزهيري

https://audio.islamweb.net