إسلام ويب

صفات الله الذاتية لا تثبت إلا من طريق السمع فقط، ولا دخل للعقل ولا للنظر فيها، كالقدم والساق واليد والنفس، فكلها ثابتة بالكتاب والسنة، وقد وضع أهل السنة والجماعة قواعد تميزهم عن الفرق الضالة التي خرجت عن جادة الصواب في اعتقادهم في أسماء الله وصفاته ما بين تمثيل أو تعطيل أو تأويل، وقد ثبت بالكتاب والسنة أن لله يدين كلتاهما يمين، نمرها كما جاءت من غير تكييف ولا تمثيل لها، ومن غير تعطيل ولا تأويل.

الإيمان بذات الله وصفاته من الإيمان بالغيب

إن الحمد لله تعالى، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله تعالى من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

وبعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

مع باب جديد من أبواب أصول الاعتقاد.

هناك صفات ذاتية للمولى تبارك وتعالى لا تثبت إلا من طريق السمع فقط ولا دخل للعقل ولا للنظر فيها، وهي: الصفات اللازمة لذاته تبارك وتعالى كصفة اليد والعين، والقدم والساق والنفس وغير ذلك مما أخبر المولى عز وجل أنه متصف بها، وأخبر بها رسوله عليه الصلاة والسلام، نقول: إنه لا دخل للعقل فيها؛ ولا دخل للنظر فيها؛ لأن الله تبارك وتعالى بذاته وصفاته غيبها عنا، فلابد أن نؤمن بما أخبرنا الله ورسوله حتى وإن لم يكن ذلك داخلاً في مقدور عقولنا، لأنه الابتلاء في الإيمان، فإذا أخبر الله عز وجل أن له يدين فلابد أن أؤمن أن له يدين؛ ولذلك فرق الضلالة التي انتسبت إلى الإسلام وأخبر النبي عليه الصلاة والسلام عنها هي كما قال صلى الله عليه وسلم: (وإن هذه الأمة ستفترق إلى ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة).

هذه الواحدة هي التي نهجت نهج النبوة في اعتقادها ومسلكها ومشربها.

اختلاف الناس في صفات الله وبيان مذهبهم

وقد اختلف الناس، واختلافهم عظيم، ولكنه يرجع إلى ثلاثة مذاهب:

المذهب الأول: ادعى أصحاب هذا المذهب أن إثبات هذه الصفات الذاتية لله تبارك وتعالى يستلزم التشبيه. قالوا: إذا كان لله يدان وعينان، وله سمع وله قدم وعين وساق... إلى غير ذلك فإن هذا يستلزم أن يكون الله عز وجل مشبهاً بخلقه. ولذلك وقعوا إما في التمثيل، وإما في التعطيل. قالوا: لا ينبغي لإله أن يتصف بما يتصف به خلقه، ولذلك عطلوا هذه الصفات فقالوا: ليس لله يد ولا ساق ولا عين ولا نفس، وغير ذلك من الصفات الخبرية؛ لأن وجود هذه الصفات وإثباتها لله يستلزم المماثلة والمشابهة مع خلقه؛ ولكنهم لا يقولون ولا يجترئون أن يقولوا: نعطل هذه الصفات؛ لأنهم لو قالوا ذلك وصرحوا به لكان لأطفال المسلمين الذين يلعبون في الشوارع أن يكفروهم، ولكنهم قالوا: لا. العين يقصد بها: الرعاية. واليد يقصد بها: القوة. والساق يقصد بها: الرفعة، وغير ذلك من تأويل النصوص وصرفها عن ظاهرها وعن مراد الله تبارك وتعالى منها.

فهم لم يصرفوا هذه الصفات ويعطلوها عن الله عز وجل صراحة، وإنما أولوها فوقعوا في شر عظيم جداً؛ ولذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: المتأول أشد شراً من المعطل. ويقول أيضاً: إن الممثل يعبد صنماً، وإن المعطل يعبد عدماً. لأنه لا يمكن أن يكون هناك ذات بغير صفات، فإذا كنت تؤمن بذات الله تبارك وتعالى وأنها ذات علية موجودة، فإن هذه الذات لابد أن يكون لها صفات؛ لأن ذوات كل شيء لها صفات، فكذلك ذات المولى تبارك وتعالى أولى وأحرى أن تكون لها صفات خاصة، وقد أخبر المولى تبارك وتعالى بصفاته في كتابه، وأخبر بها رسوله عليه الصلاة والسلام.

إن الذي ينفي هذه الصفات عن الله عز وجل ويعطلها عن الذات لابد أنه سيخرج في النهاية بلا ذات، وإذا كان يستحيل أن توجد ذات بغير صفات في حال تعطيلك فلابد أن يكون في النهاية أنك تعبد إلهاً غير موجود، وغير متصف بأي صفة من الصفات، فهو والعدم سواء. هذا في مذهب المعطلة؛ ولذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : المعطل يعبد عدماً.

والممثل يقول: إن يد الله كيدي، وإن عيني الله كعيني، وإن رجل الله كرجلي، فسيصير هذا الإله في النهاية عبارة عن إنسان، ربما يكون جميلاً وربما يكون هو كالإنسان في جماله أو أقل أو أكثر، والذي يعبد الله على هذا النحو لا شك أنه يعبد صنماً.

ولذلك أهل السنة والجماعة ذهبوا مذهباً وسطاً بين الممثلة والمشبهة، وبين المعطلة والنفاة من جهة أخرى، فلم يعطلوا الصفة عن الذات، ولم يمثلوا هذه الصفة بصفات المخلوقين، ولكنهم أثبتوا الصفة ثبوتاً حقيقياً لله عز وجل كما يليق بجلاله، فلا يشبهونها بصفات المخلوقين، ولا يعطلون الصفة عن الذات، فأثبتوا الصفات من جهة، وهذا الإثبات يليق بالله عز وجل، وليست هذه الصفات كصفات المخلوقين، فالله تبارك وتعالى له يدان، لكن هاتين اليدين ليست كيدي، وله عينان ليست كعيني، وله ساق ليست كساقي؛ لأن ذاته تختلف عن ذاتي، فلابد أن تختلف الصفات كذلك عن صفاتي.

فأهل السنة والجماعة لهم مذهب وسط بين المعطلة وبين المشبهة إذ أثبتوا لله تعالى ما أثبته لنفسه، وما أثبته له رسوله صلى الله عليه وسلم على الوجه اللائق بكماله عز وجل وعظمته، فلا إشكال حينئذ.

ما الذي يضرك أن تعلم أن لله يدين على الوجه اللائق به؟ لأن الأيدي في لغة المخلوقين وحياتهم مختلفة، فإن أيدي الضفادع والبهائم ليست كأيدي الآدميين، وليست أيدي الجن كأيدي الإنس، فإذا كانت الأيادي والصفات تختلف في عالم المخلوقات، فلم لا تقول بهذا الاختلاف بين الخالق والمخلوق.

وأن لله صفات تختلف عن صفات المخلوقين جميعاً؟ ولكن لما وقع الخلاف وبين أبناء هذه الملة المباركة، وكل واحد منهم نحا نحواً يختلف فيه عما أراده النبي عليه الصلاة والسلام، وعما أراده الله عز وجل، لاشك أنهم يبتعدون كل البعد، ويتشبهون تارة بالنصارى، وتارة باليهود الذين قالوا: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا [المائدة:64].

إذاً: لابد أن نذهب المذهب الوسط بين الممثلة الذين شبهوا صفات الخالق بصفات المخلوق، وبين المعطلة الذين نفوا عن الذات جميع الصفات، وبعضهم نفى بعض الصفات وأثبت بعضها.

قواعد مهمة في عقيدة أهل السنة في الأسماء والصفات

ذهب أهل السنة والجماعة إلى وضع قواعد وأصول، من خلالها يمكنك بيسر دون عسر أن تفهم معتقد أهل السنة والجماعة في ذات الإله وصفاته تبارك وتعالى.

القاعدة الأولى: إفراد الله تبارك وتعالى بالوحدانية في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله

أول قاعدة هي: إفراد الله تبارك وتعالى بالوحدانية، سواء في ذاته أو في أسمائه أو في صفاته أو في أفعاله.

ومعنى أنه واحد في ذاته: أن أحداً من خلقه لا يشبه ذاته، فإن جميع المخلوقين ذوات، فذات الإنسان وذات الحيوان وذات الجن وذات الجماد والحجر والشجر تختلف تماماً عن ذات المولى تبارك وتعالى، ولا يجوز لأحد أن يتصور في الذهن أن ذات الله تبارك وتعالى كذاته هو؛ لأن الله تعالى ليس له مثيل؛ ولذلك قال تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، فنفى التمثيل والتشبيه بينه وبين جميع المخلوقات، فلا أحد يشبهه قط في شيء من الأشياء، ولا في ذاته العلية تبارك وتعالى.

فلما كان واحداً في ذاته فهو كذلك واحد في صفاته، فالمرء يتصف بالرحمة، والله تبارك وتعالى متصف بالرحمة، ولكن الله تعالى واحد في رحمته، إذ إن رحمته لا تشبه رحمة المخلوقين جميعاً ولو اجتمعت، فلا يجوز أن أقول: (أنا رحيم والله تعالى رحيم فرحمتي كرحمة الله). هذا لا يجوز؛ لأنني في هذه الحالة جعلت الشبه قائماً بين صفتي وصفة المولى تبارك وتعالى، وهذا لا يجوز، والله تعالى واحد في صفاته، وليس لأحد من خلقه أن يتصف بصفة من صفاته إلا على وجه الكمال البشري، أو على وجه النص العام، فربما يتصف المرء بأنه رحيم بكل الناس، لكن هل رحمته وسعت كل شيء كما وسعت رحمة المولى تبارك وتعالى كل شيء؟ لا. لأن الله لم يثبت لعبد من عباده رحمة واسعة.

فرحمة الله تختلف عن رحمة جميع المخلوقين، وهذا يبين القول بأن الله تعالى واحد في صفاته.

وصفاته تبارك وتعالى لازمة له، وأما صفاتنا فليست بلازمة؛ لأنني يمكن أن أقول: سماني أبي وأمي رحيماً، أو كريماً، وليس عندي رحمة بل أنا غضوب وجهول، وبخيل لست كريماً، أما المولى تبارك وتعالى إذا سمى نفسه بالرحيم ووصف نفسه بالرحمة يلزم أن يكون رحيماً.

وإذا كان المولى تبارك وتعالى من أسمائه الحسنى: الكريم، فهو متصف بالكرم؛ لأنه كريم بكرم، ولا يكون المولى تبارك وتعالى بخيل قط، والبخل هو عكس الكرم؛ لأن البخل صفة نقص لا تليق بالبشر فضلاً عن رب البشر.

فالمولى تبارك وتعالى واحد في صفاته، كذلك واحد في أفعاله.

إذا أخبرنا المولى تبارك وتعالى بأنه ينزل إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل، ويقول: (هل من داعٍ فأجيبه، هل من مستغفر فأغفر له)، وغير ذلك من النداءات التي ينادي بها المولى تبارك وتعالى فلا نقول: إن الله تعالى ينزل كنزولي هذا وينزل الدرج. لأن نزول المولى تبارك وتعالى نزولاً كاملاً يليق بجلاله وكماله، أما نزولي أنا فيتفق مع عجزي وضعفي ونقصي.

وهو كذلك سبحانه وتعالى يغضب، لكن ليس كغضبي، ويفرح ليس كفرحي، وهكذا أفعاله تبارك وتعالى، هو واحد في أفعاله لا يجوز أبداً أن أشبه أفعالي بأفعال المولى تبارك وتعالى، إنما هو اشتراك في الاسم دون المسمى، فنزوله عز وجل يوافق نزولي في الاسم فقط ويختلف في المسمى.

وإذا كنت لم أر الله تبارك وتعالى، وأخبرني أنه ينزل فهذا النزول لا أعلم أنا كيفيته، وليس نزول أحد من الخلق كنزول الله تبارك وتعالى حتى أقول: إن الله ينزل مثل فلان؛ لأنه قال: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11]، فنفى المماثلة والمشابهة بينه سبحانه وبين أحد من الخلق، فهو واحد في ذاته، واحد في أسمائه، واحد في صفاته، واحد في أفعاله.

القاعدة الثانية: إثبات الصفات على مراد الله ومراد رسوله، ووجوب الإيمان بذلك

القاعدة الثانية: إثبات الصفات على مراد الله عز وجل، وعلى مراد الرسول صلى الله عليه وسلم ووجوب الإيمان بذلك دون بحث في الكيفية، فإنه ما من أحد خاض في كيفية أسماء الله وصفاته إلا حار وظل وتاه. فمنهم من تاب، ومنهم من مات على بدعته؛ لأن صفات المولى تبارك وتعالى تصعد فوق حد الخيال العقلي والتصور الذهني.

فإذا فكرت في كيفية نزول المولى تبارك وتعالى، أو في كيفية غضبه أو فرحه لا يمكن أبداً أن تدرك حقيقة ذلك، ولكن الله تعالى أخبرك أنه ينزل، فأنت تؤمن إيماناً جازماً بأن الله تبارك وتعالى ينزل ويفرح ويضحك، ويغضب ويسخط، لكن لا تعلم كيفية هذا النزول، ولا كيفية هذا الغضب، ولا كيفية هذا الضحك، ولا يضحك ربي كضحكي؛ لأنني أضحك ضحكاً يستلزم فماً ونواجذ وأسناناً ولساناً، والمولى تبارك وتعالى لم يثبت ذلك لنفسه، فضحكي يناسبني أنا، أما ضحك المولى تبارك وتعالى فإنه ضحك يتناسب مع ذاته العلية، فلذلك أهل السنة لم يخوضوا قط في كيفية الصفات.

دخل رجل على مالك بن أنس رحمه الله تعالى وقال: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] كيف استوى؟ قال: الاستواء معلوم. لأن الله تعالى أخبرنا أنه استوى، ولذلك لا يجوز لنا أبداً أن نفوض العلم. واستوى بمعنى: علا وارتفع، فإثبات الفوقية لله عز وجل أمر معلوم لدينا لا نشك في ذلك، والعرش لا يحويه ولا يستلزم هذا حداً؛ لأن من قال بالحد فهو مبتدع.

ثم قال مالك : والكيف مجهول. يعني: استواء المولى تبارك وتعالى لا يعلمه إلا المولى تبارك وتعالى؛ لأن استواءه لنا غيب، فنثبت لله تبارك وتعالى الاستواء على الكيفية التي أرادها المولى عز وجل لنفسه.

قال مالك : والسؤال عنه بدعة. وخوض في الباطل، وكلام على الله بغير علم، وهذه القاعدة تقال في كل صفة من صفات المولى تبارك وتعالى.

القاعدة الثالثة: الكف عن الخوض في كيفية الذات والصفات

القاعدة الثالثة: الكف عن الخوض في كيفية الذات والصفات، والترابط بين الذات والصفات؛ لأن ذات الله تبارك وتعالى قد اتصفت بصفات لازمة للمولى تبارك وتعالى، فليس هناك فاصل بين الذات والصفات.

القاعدة الرابعة: النفي المجمل والإثبات المفصل والنفي المتضمن لكمال الضد

القاعدة الرابعة: أن طريقة السلف في الصفات هي: (النفي المجمل) أي: نفي جميع النقائص عن الله عز وجل، فكل نقيصة معلومة في عالم المخلوقات لا يتصف المولى تبارك وتعالى بها قط، بل هو المختص بالكمال والجلال المطلق.

فطريقة السلف في الصفات هي: (النفي المجمل والإثبات المفصل).

وطريقة السلف هي: (النفي المتضمن لكمال الضد)، قال تعالى: اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ [البقرة:255].

وفي الحديث: (إن الله لا ينام ولا ينبغي له أن ينام).

فإذا نفينا النوم عن الله عز وجل لابد وأن نثبت ضد النوم وهو كمال القيومية والحياة لله عز وجل حياة تليق بجلاله تبارك وتعالى لا كحياتنا.

كما أن المولى تبارك وتعالى حي قيوم حياة دائمة سرمدية أبدية، لا أول لها ولا آخر؛ لأنه تعالى هو الأول وهو الآخر، وهو الظاهر فليس فوقه شيء، وهو الباطن فليس دونه شيء.

فنقول: إن طريقة السلف في إثبات الصفات هي: (النفي المتضمن لكمال الضد). أي: نفي جميع النقائص عن الله عز وجل، وإثبات ضد هذه النقائص، وهي: صفات الكمال.

القاعدة الخامسة: أن ما من شيئين إلا وبينهما قدر مشترك وقدر فارق

القاعدة الخامسة: السلف يقولون: التحريف بالتأويل أقبح من التعطيل، والتكييف والتمثيل، وما من شيئين إلا وبينهما قدر مشترك وقدر فارق، فالقدر المشترك مثلاً بين صفة الله تبارك وتعالى (الحلم) وصفتي هي أن الحليم من أسماء الله وهو حليم بحلم، فهذه صفة لله تبارك وتعالى ثابتة، وكذلك اسمه (الحليم)، وأنا كذلك سماني والدي حليماً، فأنا أشابه المولى تبارك وتعالى في مجرد الاسم فقط، ولا يجوز أن يسميني والدي الحليم؛ لأن الحليم معرف على ذات علية، ولا يجوز لأحد أن يشارك هذه الذات في هذه الصفة المعرفة بالألف واللام، فلا يجوز لأحد أن يتسمى بالكريم أو الحليم، أو العظيم، أو الرءوف أو الرحيم إلا أن يكون على نسبة العبودية لله تبارك وتعالى: كعبد الرحيم، عبد العظيم، عبد السميع، وغير ذلك، فالله هو السميع البصير الحليم القوي القدير؛ لأن هذه ثابتة لله تبارك وتعالى فقط دون أحد من خلقه، ولذلك ما من شيئين إلا وبينهما قدر مشترك، والقدر المشترك يكون في التسمية فقط، أنت رحيم والله رحيم، أنت كريم والله كريم. هذا من جهة الصفة، وبالإمكان أن تسمى كريماً وليس عندك شيء من الكرم، أما إذا كان الله تعالى موصوفاً بالكرم فلابد أن نثبت له حقيقة صفة الكرم.

ومعنى القدر الفارق: أن رحمة الله تختلف عن رحمتي، وكرم الله يختلف عن كرمي، وفضل الله يختلف عن فضلي، وغير ذلك من الفوارق بين الخالق والمخلوق، فلا تقل: إن لله ذاتاً تشبه ذاتك، أو إن لله صورة كصورتك، ولا تتصور أن نزوله -سبحانه- كنزولك، إلا أن الاشتراك يقع في مطلق الاسم، أو في مجرد الاسم فقط، فإن صفات المخلوقين تختلف عن صفات الخالق تبارك وتعالى.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: فمن نفى الأول -أي: فمن نفى القدر المشترك -فقد عطل- لأنه جعل نفسه كالله تبارك وتعالى- ومن نفى القدر الفارق فقد مثل.

ومذهب السلف وسط بين التشبيه والتعطيل، وقد عرجنا عليه، وكل ممثل معطل لحقيقة الصفة وذاتها، وكل معطل ممثل.

هذه القواعد تكلم عنها شيخ الإسلام ابن تيمية عليه رحمة الله في فتاواه العظيمة، وأخذها تلميذه ابن القيم ووضعها في كثير من كتبه.

توسط أهل السنة والجماعة في اعتقادهم من بين الفرق الأخرى في صفة اليد

لما تكلمنا عن بعض صفات المولى تبارك وتعالى من جهة الإجمال كان لزاماً علينا أن نتكلم عن صفاته من جهة التفصيل، وسنعيش في كل محاضرة مع صفة واحدة من صفات المولى تبارك وتعالى، وهذه المحاضرة مع (صفة اليد).

مذهب الفرق الضالة في تفسير اليد والرد عليهم

صفة اليد كجميع الصفات الخبرية التي أخبر المولى تبارك وتعالى أنه متصف بها، قد طاشت فيها سهام الخلف عن إصابة الهدف، وأخذوا يفسرونها تفسيراً يساوي عقيدتهم، ففسروها مرة بالقدرة، ومرة فسروها بالنعمة؛ يريدون الفرار بزعمهم من التشبيه والتمثيل، ويا سبحان الله! قد وقعوا فيما فروا منه؛ لأن الله تبارك وتعالى أثبت ذلك لذاته العلية وهو أعلم بذاته وبجميع خلقه، أثبت هذا لنفسه وهم نفوه، يقول الله تبارك وتعالى في كتابه لإبليس: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75]. (مَا مَنَعَكَ) أي: يا إبليس؟! لم لم تسجد لآدم الذي خلقته بيدي؟ و(يدي) تسمية. وهذا فيه: إثبات أن لله تبارك وتعالى يدين لا يداً واحدة.

ويقول تعالى: بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ [المائدة:64]، رداً على اليهود الذين قالوا: يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا [المائدة:64]. فهل من الجائز أن يقال في قوله تعالى: ما منعك أن تسجد لما خلقت بنعمتي، أو بقدرتي؟ إن هذا الكلام لا يستقيم في لغة العرب؛ لأن المعلوم أن لله تبارك وتعالى قدرة واحدة تشمل جميع الخلق، ولذلك قال الله تعالى: وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [المائدة:120]، فلم يثبت المولى تبارك وتعالى تعددية في قدرته، فتفسير اليد بالقدرة تفسير لا يعرفه العرب، وإن قلت بالتعددية فلا بد أن تطالب بالدليل ولا دليل، فلابد أن ترجع مرة أخرى للبحث عن معنى اليد.

إذاً: اليد صفة لله تبارك وتعالى، وهي معلومة لدينا، أما كيفيتها في جنب الله عز وجل فإن الله تعالى هو الذي يعلمها، وليس من الجائز أن يقال: (مما خلقت بنعمتي). بالإجماع؛ لأن الذي يؤمن به جميع المؤمنين -والخلف كذلك منهم- أن نعم الله كثيرة لا تعد ولا تحصى، كما أخبر الله فقال: وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا [إبراهيم:34]. يعني: كثيرة جداً.

فلا يستقيم كذلك أن يقال: ما منعك أن تسجد لما خلقت بنعمتي؛ لأن الله تعالى نعمه كثيرة جداً، بحيث أن العاد والحاصي لا يستطيع أن يعدها ولا أن يحصيها.

ويلزم من قوله تعالى: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75] أن يقال: خلق الله آدم بقدرتين. وهذا لا يجوز بالإجماع؛ لأن الذي ندين به -سواء كان في ذلك السلف والخلف- أن لله تعالى قدرة واحدة وباهرة وهو على كل شيء قدير؛ لعدم الدليل على التعدد، وهذا يتضح فيه الصواب في المسألة بإذن الله تعالى.

وهذا الإمام أبو الحسن الأشعري زعيم تلك الفرقة، تاب وأناب ورجع إلى مذهب السلف، وتبرأ مما كان عليه من قبل، قال هذا الإمام العظيم الجبل في رسالته لأهل الثغر وفي بقية كتبه الاعتقادية:

فلو كان الله عز وجل عنى بقوله: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75] القدرة لم يكن لآدم عليه السلام على إبليس في ذلك ميزة؛ لأن الله تعالى خلق آدم بقدرته وخلق إبليس بقدرته، بل خلق جميع الخلق بقدرته تبارك وتعالى، وكل مولود يولد بقدرة الله وإرادته، فإذا كانت اليد هنا بمعنى: القدرة فلابد أن إبليس سيرد على المولى تبارك وتعالى هذا القول، ويقول: أنت كذلك خلقتني بقدرة، كما خلقت آدم بقدرة، لكن إبليس لم يرد على المولى تبارك وتعالى؛ لأنه علم من الخبر أن الله تعالى خلق آدم بيديه سبحانه وتعالى، وأخبر الله تبارك وتعالى إبليس أن آدم يمتاز عنه ويتفوق عليه بأنه خلقه بيديه الكريمتين سبحانه وتعالى.

وإبليس لما فهم ذلك لم يرد، فسبحان الله! الذي فهمه إبليس لم يفهمه الأشعرية، ولم يفهمه المعتزلة، ولو كان خالقاً لإبليس بيديه كما خلق آدم بيديه لم يكن بتفضيله عليهم بذلك وجه من الوجوه، ولقال إبليس محتجاً على ربه: فقد خلقتني بيديك كما خلقت آدم بهما.

فلما أراد الله عز وجل تفضيله عليه بذلك قال له موبخاً باستكباره على آدم أن يسجد له: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75].

إذا كان لا يصح في الأذهان ولا في الاعتقاد تفسير اليد بالقدرة ولا بالنعمة، فلابد أن يكون هناك تفسير ثالث، وهو إثبات هذه الصفة للمولى تبارك وتعالى على النحو الذي يليق بجلاله سبحانه، وإذا ثبت بطلان هذا التأويل فلابد من الذهاب إلى تفسير غير الذي ثبت لدينا أنه باطل.

مذهب أهل السنة والجماعة في تفسير قوله تعالى: (لما خلقت بيدي)

التفسير الذي نذهب إليه: إثبات الصفة لله تبارك وتعالى كما أراد على الوجه اللائق به تبارك وتعالى، نؤمن بذلك ونسلم، وإلا فإننا في النهاية نقع في الخوض في ذات الله، وسنصوره في عقولنا، ولما كان الخوض محرماً كان الثاني (التصور) من باب أولى محرماً، فدل على أنه ليس معنى اليد: القدرة، إذ إن الله عز وجل خلق الأشياء جميعها بقدرته، وأراد الله إثبات يدين لم يشارك إبليس آدم عليه الصلاة والسلام في أن خلق بهما، ولا يخلو قوله عز وجل: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75] من إثبات اليدين لله عز وجل، كذلك لا يجوز لنا أن نعتقد أن الله تعالى له يد جارحة كأيدينا، وإن قلت ذلك فقد مثلته بيدي، وهذا لا يجوز.

فلابد في النهاية من إثبات يدين ليست نعمتين، ولا جارحتين ولا قدرتين، ولا يوصفان إلا كما وصف الله عز وجل بها نفسه، فلا يجوز عند أهل اللسان أن يكون معنى قول القائل: عملت بيدي. يعني: نعمتي.

فلو أن واحداً قال لك: أنا رفعت هذه المنضدة بيدي. هل تفهم من ذلك: أنه رفعها بنعمتيه؟ فتفسير اليد بالنعمة ليس معلوماً في كلام العرب خاصة عند التثنية.

أما عند الإفراد والجمع فهذا وارد في كلام العرب. تقول: فلان له علي يد. أي: له علي جميل وفضل ونعمة. هذا عند الإفراد، وفلان صاحب أياد بيضاء. أي: صاحب نعم وتفضل. وهذا في الجمع.

أما عند التثنية فإن العرب لا تعرف عند التثنية أن اليد بمعنى: النعمة.

قال ابن تيمية: وإذا فسدت الأقسام الثلاثة صح القسم الرابع وهو أن معنى قوله: (بِيَدَيَّ): إثبات يدين ليستا قدرتين ولا نعمتين ولا جارحتين، ولا يوصفان إلا بأن يقال: بأنهما يدان ليستا كالأيدي، خارجتان عن سائر الوجوه الثلاثة التي سلفت.

إذاً: جاءت اليد في كتاب الله عز وجل على ثلاثة أنواع وأنحاء، قال تعالى: بِيَدِكَ الْخَيْرُ [آل عمران:26] على الإفراد.

وقال تعالى: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75] على التثنية.

وقال تعالى: مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا [يس:71].

فاليد أتت بالإفراد وأتت بالتثنية وأتت بالجمع، وقلنا: إن العرب لا تعرف ذلك عند تثنية اليد وإنما تعرفه إذا تعدى الخبر إلى المفرد أو إلى الجمع، وإذا راجعنا هذه الاستعمالات الثلاثة في اللغة فإنك ستجد أن الله تبارك وتعالى إذا ذكر اليد المسماة يضيف الفعل إلى نفسه بضمير الإفراد: (بيدي) ويتعدى الفعل بالباء إليهما. أي: إلى اليدين، كما قال: لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75] في الإفراد والتثنية.

وهنا ذكرهما بصيغة الجمع، فأضاف العمل إلى اليد نفسها، وإضافة العمل إلى اليد تعني: النعمة، كما قال: مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا [يس:71].

فقوله: مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا [يس:71] أي: مما عملنا. وهذا يشهد له قول الله تبارك وتعالى: فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ [الشورى:30] والمعنى: بما كسبتم.

وقوله تعالى: بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ [الحج:10] أي: بما قدمت أنت، لأنه تعدى بحرف الباء: فَبِمَا كَسَبَتْ ، وقوله: بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ ، فإذا تعدى الفعل بحرف الباء يضاف العمل إلى العامل، وليس إلى الصفة، وأما إذا أضيف الفعل إليه تبارك وتعالى ثم عدي الفعل بالباء إلى يده مثناه أو مفردة، فهذا مما باشرته يده سبحانه وتعالى على الحقيقة.

فقوله: (خلقت بيدي) تعدى الفعل بالباء هنا، ولابد أن يضاف إلى اليد حقيقة عند التثنية؛ لأن الله تعالى هو الذي باشر خلق آدم بيديه تبارك وتعالى، ولا يحتمل المعنى أبداً القدرة، وقد جاء في التوراة في قول موسى لآدم وآدم لموسى في حديث المحاجة: (احتج آدم وموسى فقال موسى لآدم: أنت آدم، أنت أبونا، خيبتنا وأخرجتنا من الجنة أنت الذي خلقك الله بيده فقال آدم لموسى: أنت الذي اصطفاك الله بكلامه وكتب لك التوراة بيده).

إذاً: الله تعالى خلق آدم بيده، وكتب التوراة بيده، فلما احتج موسى على آدم بأن الله خلقه بيده، احتج عليه كذلك آدم بأن الله كتب له التوراة بيده وكلمه تكليماً.

الشاهد من هذا: أن الله تعالى باشر كتابة التوراة بيده سبحانه، وباشر خلق آدم بيده سبحانه، فلا يجوز أن نقول: إن الله كتب التوراة بنعمته، أو بقدرته، لأن كل شيء بنعمة الله، وكل شيء بقدرة الله، فنقول: للتوراة هنا فضيلة وليست صفة على غيرها، وكذلك إذا كان الله تعالى خلق آدم بقدرته فكذلك خلق جميع الخلق بقدرته، فما الداعي أن يقول: إنه خلق آدم بقدرته؟ فليس هناك فضل لآدم على بقية المخلوقات إذا حملنا اليد على القدرة أو على النعمة؛ وذلك لأن الجميع مخلوق بقدرة الله.

إذاً: هذه اليد التي باشرت الخلق يد على الحقيقة، وأن الله باشر ذلك على الحقيقة، وخلاصة ذلك: أن هذه الصفة صفة بها العطاء والأخذ والقبض وهي غير القدرة وغير النعمة، وقد ورد في كثير من الأدلة صفة اليد كما في قوله عليه الصلاة والسلام: (يد الله ملأى لا يغيضها نفقة). أي: لا تنقصها نفقة. أما رأيتم ما أنفق الله عز وجل منذ أن خلق الخلق، فإن ذلك لم ينقص مما في يمينه إلا كما ينقص المخيط إذا دخل البحر.

فتفسير: (يد الله ملأى) بـ (نعمة الله ملأى) تفسير غير مقبول، فالعرب كانوا فصحاء بلغاء لا يسع واحد منهم أن يقبل هذا الكلام.

وقال: عليه الصلاة والسلام: (يقبض الله الأرض، ويطوي السموات بيمينه)، فلا يمكن أن أقول: يطوي السماوات بنعمته أو بقدرته، فلابد أن نفسرها باليد الحقيقية التي تليق بالذات العلية.

ثم يقول: (أنا الملك. أين ملوك الدنيا؟).

قال تعالى: وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ [الزمر:67].

ويفهم من كلام بعض أهل العلم: أن النسبة التي بين اليد والقدرة كالتي بين الإرادة والمحبة، ولكن بينهما خلاف طويل ذكره شيخ الإسلام ابن القيم في كتاب الصواعق المرسلة.

اختلاف علماء أهل السنة والجماعة في كون كلتا يدي الله يمين أو هما يد يمنى ويد يسرى

هناك إشكال عظيم جداً يقع فيه كثير من الناس، وهو: بعد أن أثبتنا أن الله تبارك وتعالى له يدان هل هما: يد يمنى والأخرى يسرى؟

فأنت لا تعرف من صفة اليدين في المخلوقين إلا اليمين واليسار، خاصة وقد وردت بعض الأدلة التي تثبت أن لله تبارك وتعالى يدين، فهل هما يمين أم شمال؟ هذا أمر لابد من تحريره، فنتغاضى عن إثبات اليدين لله عز وجل، لأننا قد علمنا ذلك من خلال الأدلة، وأن اليدين لله عز وجل فهل هما يمين وشمال، أو كلاهما يمين؟

وصف كلتا يدي الله بأنها يمين وثبوت ذلك بالكتاب والسنة

أولاً: توصف يد الله عز وجل بأنها يمين، وهذا ثابت بالكتاب والسنة.

أما الكتاب فقوله تعالى: وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر:67].

فليس في كتاب الله عز وجل وصف ليده بأنها شمال أو أنها يسار، وأن الآيات كلها نطقت بأن يد الله تبارك وتعالى موصوفة بأنها يمين.

والدليل من السنة: ما أخرجه البخاري ومسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: (يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة). أي: لا تنقصها نفقة.

وأيضاً جاء من حديث أبي هريرة عند البخاري ومسلم : (ويطوي السماء بيمينه).

وكذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه الذي أخرجه البخاري ومسلم : (من تصدق بعدل تمرة من كسب طيب، ولا يقبل الله إلا طيباً، فإن الله يتقبلها بيمينه).

أدلة القائلين بإثبات صفة اليد الشمال لله تعالى

أهل السنة والجماعة يؤمنون أن لله عز وجل يدين، وأن إحدى يديه يمين، فهل الأخرى توصف بالشمال، أو أن كلتا يديه يمين؟

القائلون بإثبات صفة الشمال منهم: عثمان بن سعيد الدارمي ، وأبو يعلى الفراء ، والإمام محمد بن عبد الوهاب ، وصديق حسن خان ، ومحمد بن خليل هراس ذلك العالم النحرير المصري، وعبد الله بن سليمان الحجازي ، وأدلتهم في ذلك هي:

ما رواه مسلم من حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما مرفوعاً: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (يطوي الله عز وجل السموات يوم القيامة، ثم يأخذهن بيده اليمنى). وهذا إثبات لليمين، (ثم يقول: أنا الملك. أين الجبارون؟ أين المتكبرون؟ ثم يطوي الأرضين بشماله ثم يقول: أنا الملك)... إلى آخر الحديث.

والشاهد في هذه الجزئية: (ثم يقضي الأرضين بشماله). والحديث في صحيح مسلم من طريق عبد الله بن عمر.

وحديث أبي الدرداء رضي الله عنه مرفوعاً: قال النبي عليه الصلاة والسلام: (خلق الله آدم حين خلقه فضرب كتفه اليمين فأخرج ذرية بيضاء كأنهم الذر، وضرب كتفه اليسرى فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحمم، فقال للتي في يمينه: إلى الجنة ولا أبالي). يعني: أنتم قسم الجنة وحظ الجنة. (وقال للتي في يساره: إلى النار ولا أبالي).

هذا الحديث حديث حسن، ولكن من ذهب إلى إثبات اليسار لله عز وجل فسر الضمير هنا بأنه يسار المولى تبارك وتعالى، وليس كذلك السياق، فأنتم تعلمون أنه لا يستقيم قط أن يكون الضمير عائداً على المولى تبارك وتعالى، قال: (خلق الله آدم حين خلقه فضرب كتفه) والضمير يعود على أقرب اسم مفرد (كتف)، أي: كتف آدم اليمين فأخرج ذرية بيضاء كأنهم الذر، (وضرب كتفه اليسرى) والضمير يعود على كتف آدم، (فأخرج ذرية سوداء كأنهم الحمم، فقال للتي في يمينه: إلى الجنة ولا أبالي) أي: الذرية التي خرجت من كتف آدم الأيمن إلى الجنة ولا أبالي.

قال: (وقال للتي في كتفه اليسرى: إلى النار ولا أبالي). فسقط احتجاجهم بهذا الحديث؛ لأن الضمير في (كتفه) يعود على كتف آدم.

ومن أدلتهم: أنه قد ورد في بعض الأدلة: (ويأخذ الله تبارك وتعالى السماوات بيمينه، أو يطوي السماوات بيمينه، والأرضين بيده الأخرى).

قالوا: (الأخرى) تستلزم أن تكون في مقابلة اليمين، وهذا تأويل واجتهاد في النص، فإذا كان يقول: (يطوي المولى تبارك وتعالى السموات بيمينه، ثم يطوي الأرضين بيده الأخرى) قالوا: لابد أن تكون الأخرى هي اليسرى، وهذا استنباط من النص، وهذا الاستنباط ربما يصح في جنب المخلوقين، لكنه لا يصح في جنب الله عز وجل، فلا يستقيم مع النصوص التي وردت بأن كلتا يديه يمين.

ونحن نعلم أنه لا اجتهاد مع النص، فإذا كان النص قد ثبت بأن كلتا يديه يمين، فلا يجوز أن نقول في لفظه: (بيده الأخرى): أنها اليسار؛ لأنها في مقابلة مذكورة وأنها اليمين، وهذا من أدلتهم في وصف إحدى اليدين باليمين كما في الأحاديث السابقة، وهذا يقتضي أن الأخرى ليست يميناً فتكون شمالاً.

على أية حال: اجتهد كل واحد في إثبات ما لديه من علم، والذي يترجح من خلال النصوص أن كلتا يدي الله يمين لا شمال ولا يسار فيهما.

ومن القائلين بهذا: إمام الأئمة ابن خزيمة رحمه الله تعالى في كتابه العظيم كتاب التوحيد، والإمام أحمد بن حنبل ، والبيهقي. ومن العلماء المعاصرين: جميع العلماء إلا الشيخ الغنيمان فقد تردد في ذلك، ولا أظن أنه قطع في هذا.

أدلة القائلين بأن كلتا يدي الله يمين

أدلة من قال بأن كلتا يديه سبحانه يمين: ما رواه مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما مرفوعاً: (إن المقسطين عند الله على منابر من نور عن يمين الرحمن عز وجل، وكلتا يديه يمين)، وهذا نص ثابت.

وحديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما مرفوعاً: (أول ما خلق الله تعالى القلم فأخذه بيمينه وكلتا يديه يمين).

واعلم أن الحديث الذي جاء في إثبات الشمال أخرجه مسلم من طريق عبد الله بن عمر ، وهنا ثبت عن عبد الله بن عمر أنه روى حديثاً: (أول ما خلق الله تعالى القلم، فأخذه بيمينه وكلتا يديه يمين).

إذاً: عبد الله بن عمر وافق جمهور الرواة، ووافق الروايات بإحدى روايتيه وخالف في الأخرى؛ ولذلك هذه المخالفة في إثبات الشمال لله عز وجل إذا أتت من طريق واحد تدل على الاضطراب. يعني: إذا كان الراوي لهذه الصفة هو عبد الله بن عمر مرة يثبت أن كلتا يديه يمين، ومرة يثبت أن لله يدين إحداهما يمين والأخرى شمال فلابد أن نقول: قد حدث هنا اضطراب، ولا يلزم أن يكون هذا الاضطراب من جانب الصحابي، بل إن ذلك في الغالب العام من طرف أحد رواة الإسناد.

ولذلك هذا الخبر هو الصحيح عن عبد الله بن عمر قال: (أول ما خلق الله تعالى القلم فأخذه بيمينه وكلتا يديه يمين).

وحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعاً: (لما خلق الله آدم ونفخ فيه من روحه قال بيده وهما مقبوضتان: خذ أيهما شئت يا آدم! فقال: اخترت يمين ربي وكلتا يديه يمين مباركة، ثم بسطها).

هذا الحديث عند ابن أبي عاصم ، وابن حبان ، والحاكم ، والبيهقي في الأسماء والصفات وغيره.

وحديث أبي هريرة رضي الله عنه: (يمين الله ملأى لا يغيضها شيء، وبيده الأخرى القبض يرفع ويخفض) والحديث في الصحيحين.

فلو قلنا: إن اليد هنا بمعنى: القدرة أو بمعنى: النعمة، فهل يصح أن نقول: إن النعمة تقبض وتبسط؟

قال ابن خزيمة في كتاب التوحيد: باب ذكر سنة ثامنة تبين وتوضح أن لخالقنا جل وعلا يدين كلتاهما يمينان، لا يسار لخالقنا عز وجل، إذ اليسار من صفة المخلوقين تجلى ربنا عن أن يكون له يسار. هذا كلام ابن خزيمة .

وقال في التوحيد أيضاً: بل الأرض جميعاً قبضة ربنا جل وعلا بإحدى يديه يوم القيامة، والسموات مطويات بيمينه وهي اليد الأخرى. يعني: هي كذلك يمين، وكلتا يدي ربنا يمين لا شمال فيهما جل ربنا وعز عن أن يكون له يسار، إذ كون إحدى اليدين يساراً إنما يكون من علامات المخلوقين جل ربنا وعز عن التشبه بخلقه.

وقال الإمام أحمد بن حنبل في كتاب طبقات الحنابلة لـأبي يعلى : وكما صح الخبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (وكلتا يديه يمين) لابد من الإيمان بذلك. قال: فمن لم يؤمن بذلك ويعلم أن ذلك حقٌ كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مكذب برسول الله عليه الصلاة والسلام.

وسئل الشيخ الألباني رحمه الله كما في مجلة الأصالة: كيف نوفق بين رواية: (بشماله) الواردة في حديث ابن عمر في صحيح مسلم ، وبين الرواية: (وكلتا يديه يمين

الجواب: قال: لا تعارض بين الحديثين، فقوله: (وكلتا يديه يمين)، تأكيد لقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].

يعني: لابد أن تصرف من الذهن تشبيه الخالق بالمخلوق، فإذا صرفته فلابد أن تعلم بإثبات اليدين لله عز وجل ليس على نحو أيدي المخلوقين.

قال: فقوله: (وكلتا يديه يمين) تأكيد لقوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].

فهذا الوصف الذي أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم تأكيد للتنزيه، فيد الله ليست كيد البشر (شمال ويمين)، ولكن كلتا يديه سبحانه يمين.

وترجيح آخر للروايتين: أن رواية: (بشماله) رواية شاذة كما بينتها في تخريج المصطلحات الأربعة لـأبي الأعلى المودودي .

ويؤكد هذا: أن أبا داود روى نفس الحديث الذي رواه مسلم وأثبت فيه -أي: مسلم- الشمال دون أن يثبت فيه هذه الرواية الأخرى، ولكن قال: (وبيده الأخرى) بدل (وبشماله)، وهو الموافق لقوله تعالى، وقوله عليه الصلاة والسلام: (وكلتا يديه يمين).

مناقشة الأدلة التي تثبت صفة اليد الشمال لله تعالى

أولاً: أن حديث عبد الله بن عمر عن مسلم الذي فيه لفظة: (الشمال) تفرد بها عمر بن حمزة بن عبد الله بن عمر بن الخطاب عن سالم بن عبد الله عن أبيه، وعمر بن حمزة ضعيف، وإن كان أحد رواة مسلم ، فضلاً عن أنه قد روى رواية خالف فيها جمهور الرواة، وإن الضعيف إذا أتى برواية يخالف فيها الثقات، فهذه الرواية منكرة، وهي في غاية النكارة إذا تعلقت بذات الإله أو بصفاته.

والحديث الذي رواه ابن عمر عند البخاري وكذلك عند مسلم ليس عندهما لفظة: (الشمال) والحديث المتفق عليه في الصحيحين أولى مما تفرد به مسلم ، بل ومن طريقه راوٍ ضعيف.

وقال الحافظ البيهقي في الأسماء والصفات: ذكر الشمال في الرواية تفرد به عمر بن حمزة عن سالم ، وقد روى هذا الحديث نافع وعبيد الله بن مقسم عن ابن عمر ولم يذكرا فيه الشمال.

فلما خالفه عمر بن حمزة وهو ضعيف دل ذلك على أن روايته منكرة.

وروي ذكر الشمال في حديث آخر في غير هذه القصة إلا أنه ضعيف كذلك بمرة، تفرد بأحدهما جعفر بن الزبير ، وفي الطريق الثاني يزيد الرقاشي وهما متروكان، فكيف يقال: إن الشمال في مقابلة اليمين؟ وتخرج من ذلك إلى أنه لا يصح دليل ولن يصح دليل في إثبات صفة الشمال في يدي الله تبارك وتعالى؛ لأن هذه اللفظة إنما وردت من طريق الضعفاء، والذي روي من طريق الثقات كذلك ورد في كتاب الله عز وجل أن الله تعالى له يدان، وكلتا يديه يمين.

وأما قولهم: إن ذكر اليمين يدل على أن الأخرى شمال قول صحيح لو لم يرد ما يدل على أن كلتا يديه يمين.

يعني: صحيح عند إطلاق اليدين في لغة العرب وفي التصور الذهني أن أحدهما يمين والآخر شمال، لكن هذا في حياة المخلوقين أولاً.

ثانياً: أن هذا القياس لا يصح مع المولى تبارك وتعال خاصة، فإنه قد ثبت بالأدلة أن كلتا يديه يمين على أية حال، ونحن نعلم يقيناً أن الخلق جميعاً إذا كانت لهم يدان فإحداهما يمين والأخرى يسار، وقد ورد في بعض أشعار العرب مدحاً بوصف الرجل باليمينين، فكيف لا يكون المولى تبارك وتعالى كذلك إذ إن وصف اليدين بأن كلتيهما يمين لا يعني عند العرب أن الأخرى ليست يساراً، بل قد يوصف الإنسان بأن يديه كلتاهما يمين كما قال المرار الأسدي :

وإن على الأمانة من عقيل فتى كلتا اليدين له يمين

ولا يعني ذلك: أنه لا شمال له، بل هو من كرمه وعطائه بشماله ويمينه، فهو يعني: أن يده الشمال تنفق وتعطي كيده اليمين.

ولقب أبو الطيب طاهر بن حسين بن مصعب بذي اليمينين، كتب له أحد أصحابه:

للأمير المهذب المكنى بطيب

ذو اليمينين طاهر بن الحسين بن مصعب

والشاهد: (ذو اليمينين) لفرط عطائه وجوده. يريد أن يقول له: أنت يدك تعطي وتبذل بالليل والنهار، وأنت لا تبخل عن أصحابك بشيء سواء بيمينك أو بشمالك، وهذا كلام لا يستقيم في الأذهان، ولكنه خرج مخرج المجاز في الإطناب والمدح، وإلا فإنفاق الشمال مكروه في الشرع؛ ولذلك قالت عائشة: وكان النبي عليه الصلاة والسلام يحب التيمن في أمره كله كان يحب التيمن في ترجله، وتنعله وفي عطائه وأخذه، فما كان النبي عليه الصلاة والسلام يعطي إلا بيمينه، وما كان يأخذ شيئاً من أصحابه إلا بيمينه.

والترجيح: أن صفات الله تبارك وتعالى توقيفية، والذي قد ثبت بالنص أن كلتا يديه يمين، ولابد من القول والذهاب إلى هذا المذهب بأن كلتا يدي ربنا تبارك وتعالى يمين، ولا توصف إحداهما بأنها شمال.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله تبارك وتعالى لي ولكم.

وصلى الله على نبينا محمد.

الأسئلة

الحكم على حديث: (إن الله خلق آدم على صورته)

السؤال: ما صحة الحديث بأن الله تعالى خلق آدم على صورته؟

الجواب: هذا حديث صحيح متفق عليه عند البخاري ومسلم، لكن لا يلزم منه إثبات الصورة لآدم، أو أن الضمير يعود على المولى تبارك وتعالى، وهذا كلام أيضاً محل تفصيل، فقد ورد في الحديث: (إن الله خلق آدم على صورة الرحمن).

وقد ورد أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إذا ضربت فلا تقبح ولا تلعن، ولا تضرب الوجه، فإن الله خلق آدم على صورته).

هل الضمير هنا يعود على آدم أو على صورة آدم، أو على صورة المضروب، أو على صورة الرحمن؟

كلام طويل جداً نبحثه عند الكلام عن صفة (الصورة) للمولى تبارك وتعالى.

ثبوت اكتحال النبي صلى الله عليه وسلم

السؤال: هل أحاديث اكتحال النبي عليه الصلاة والسلام صحيحة؟ وهل هو مستحب أم واجب؟

الجواب: نعم. صحيحة، وإذا صح الأثر لزم العمل به، سواء كان ذلك على سبيل الوجوب أو الاستحباب والندب.

بيان أن السنة قص الشارب لا حلقه

السؤال: هل السنة قص الشارب أم حلقه؟

الجواب: السنة في ذلك قص الشارب دون الحلق.

حكم التصدق على زانية

السؤال: هو يجوز لي أن أتصدق على زانية؟ وكيف أفعل حتى لا أفتن بها؟

الجواب: نعم يجوز؛ لحديث الرجل الصالح الذي تصدق على سارق وزانية وغني فأصبح الناس يقولون: تصدق على سارق.

استشهد الشيخ أبو إسحاق الحويني حفظه الله في درس له أنه لما يتصدق المسلم على زانية ربما بهذه الصدقة تستعف عن الزنا. وهذا نص الحديث.

ولا يلزم أن تعطيها الصدقة بنفسك، من الإمكان أن تحتال في إيصال هذه الصدقة إلى هذه المرأة التي تريد التوبة، ولا سبيل لها إلا أن تستعف بمال حلال كصدقتك، فلا بأس أن تذهب أمك إليها، أو أختك أو إحدى محارمك، أو شيخ كبير هرم لا يفتن بها ولا تفتن به، ولا تمكنه من نفسها، وإذا كان يغلب على ظنك أن هذه المرأة الزانية البغية ربما تفتنك فيحرم عليك أن تقترب منها؛ لغلبة ظن وقوع الفتنة بينك وبينها، فأوسط الأمر أن تجعلها صدقة سر، وهي -إن شاء الله تعالى- مقبولة عند الله عز وجل.

النصح بشراء كتاب أصول الاعتقاد

السؤال: هل تنصحنا بشراء كتاب أصول الاعتقاد للالكائي وهو محل الكلام، أم نسمع ونكتب الشرح فقط؟

الجواب: لا أرى تعارضاً بين شراء الكتاب، وبين أن تسمع الشرح، وأن تكتب نقاط الفوائد.

وأهل الأصول يقولون: إذا كان الجمع ممكناً بين الاثنين فهو خير من رد أحدهما.

الحكمة من تقديم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان بالله

السؤال: قال تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [آل عمران:110]... الآية، فما الحكمة من تقديم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على الإيمان بالله؟

الجواب: سؤال لطيف، الله تعالى يقول: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ [آل عمران:110]، فأخر الإيمان وقدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هما السياجان اللذان يحيطان بالإيمان ويحفظانه، فأمة ليس فيها أمر بالمعروف ولا نهي عن المنكر لابد أن يضيع فيها الإيمان، فقدم المولى تبارك وتعالى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأنهما السياجان اللذان يحيطان بالإيمان ويحافظان عليه.

وأنتم تعلمون بداهة: أن الذي يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وهو ليس من أهل الإيمان والإسلام لا يقبل منه ذلك، فالكافر لو أمر بالمعروف ونهى عن المنكر يكافئه الله عليه بزينة الحياة الدنيا، لكن في الآخرة ليس له نصيب، ولا يقبل الله تبارك وتعالى منه ذلك العمل؛ لأنه عديم الإيمان، وعديم الإسلام والتوحيد.

بيان أن صفات الله سبحانه توقيفية كما أن أسماءه توقيفية

السؤال: هل تثبت هذه الأسماء لله سبحانه وتعالى: الجميل، الطيب، النظيف؟

الجواب: هذه صفات للمولى تبارك وتعالى دون الثالث قولك: (نظيف) لم أسمع به، لكن من صفاته: أنه جميل يحب الجمال، وأنه طيب لا يقبل إلا طيباً.

ولابد أن تعلموا أن الصفات كذلك توقيفية كالأسماء، فلا يجوز أن نسمي الله تبارك وتعالى إلا بما سمى به نفسه، ولا يجوز أن نصف الله تبارك وتعالى إلا بصفة قد وصف الله تبارك وتعالى بها نفسه.

وعندما ننسب صفة لله أو اسماً لله ليس وارداً في الكتاب ولا السنة فإن هذا لا يجوز؛ لأن الأسماء توقيفية وكذلك الصفات.

أما باب المعاني الجميلة فهو باب أوسع من باب الأسماء والصفات، فنثبتها لله تبارك وتعالى، فالمنعم والستار ليست من أسماء الله، وغير ذلك من الأسماء التي درجت على ألسنة الناس، وليست في حقيقتها من أسماء الله.

فالمنعم ليست صفة ثابتة لله تبارك وتعالى وردت في كتابه أو في سنة رسوله، ولكنها من المعاني الجميلة التي تليق بالمولى عز وجل؛ ولذلك قال تعالى: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ [الأحزاب:37]، فالله تبارك وتعالى بلا شك هو المنعم والمتفضل ليس على سبيل أن (المنعم) من أسمائه أو من صفاته، ولكنه معنى جميل يليق بجلال المولى تبارك وتعالى في الجملة.

معنى حديث: (إن الله لا يمل حتى تملوا)

السؤال: هل يوصف الله بالملل كما في حديث: (إن الله لا يمل حتى تملوا

الجواب: لا. ملل المخلوق المعروف لا يوصف به المولى تبارك وتعالى؛ لأنه صفة نقص، والملل في حق الله تبارك وتعالى صفة كمال؛ لأننا متفقون على أنه متصف بالكمال المطلق، منفي عنه جميع النقائص.

فأحسن تفسير لحديث: (إن الله لا يمل حتى تملوا): أن الله لا يمل من إعطائكم الثواب على الأعمال الصالحة حتى تمتنعوا أنتم عن تلك الأعمال، فإن الله يقطع ثوابه عنكم، وهذا أحد وجوه التفسير في هذا الحديث: (إن الله لا يمل)؛ لأنكم تعلمون الحديث: (من عمل حسنة فله عشر أمثالها).

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية : هذا حديث فيه الحث على علو الهمة في طلب معالي الأمور وعظيم الأعمال التي يثيب المولى تبارك وتعالى عليها، فإن المرء كلما عمل صالحاً أثابه الله تبارك وتعالى، ويتوقف هذا الثواب إذا توقف العمل.

فعبر المولى تبارك وتعالى عنه بكلام من لغة العرب حتى يفهموه.

فقوله: (إن الله لا يمل) أي: من إعطائكم الثواب على الأعمال حتى تكفوا أنتم عن الأعمال، فإن الله تبارك وتعالى يمنعكم ويحرمكم الثواب، لأنكم منعتم أنفسكم العمل الصالح.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح أصول اعتقاد أهل السنة - قواعد في الصفات مع صفة اليد للشيخ : حسن أبو الأشبال الزهيري

https://audio.islamweb.net