إسلام ويب

لقد أكمل الله تعالى للناس الدين، وأمر الناس باتباعه، ووعد من التزم به جزيل الثواب، وتوعد من خالفه بشديد العقاب، ولأجل هذا وردت كثير من النصوص تحذر من الابتداع في الدين؛ لأن المبتدع مدع على الله ورسوله بنقصان الدين، وأنه من سيكمله، وأنه قد حصل له من الهدى ما لم يحصل للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

سياق ما فسر من كتاب الله عز وجل من الآيات في الحث على الاتباع وأن سبيل الحق هو السنة والجماعة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم. وبعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [سياق ما فسر من كتاب الله عز وجل من الآيات في الحث على الاتباع؛ وأن سبيل الحق إنما هو اتباع منهج أهل السنة والجماعة] أي: الأدلة من كتاب الله عز وجل على أن الطريق المستقيم هو طريق أهل السنة والجماعة: جاء ذلك [عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا [المائدة:48] قال: سبيلاً وسنة]. يعني: طريقاً واحداً وسنة واحدة.

قال: [وعن الحسن البصري رحمه الله في قول الله تعالى: ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا [الجاثية:18] قال: الشريعة هي السنة].

قال: [عن عطاء في قول الله عز وجل: الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ [البقرة:121] قال: يتبعونه حق اتباعه، ويعملون به حق عمله].

قال: [عن الحسن في قوله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31] قال: وكانت علامة حبه إياهم -أي: علامة حب الله تعالى لهم- اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم].

قال: [عن سفيان بن عيينة: أنه سئل عن قوله عليه الصلاة والسلام: (المرء مع من أحب)] والحديث في الصحيحين. سئل النبي عليه الصلاة والسلام عن الرجل يحب القوم ولما يعمل بعمله، يعني: يحب أبا بكر وعمر وعثمان كما ورد من حديث أنس بن مالك، ولكنه في العمل لم يلحق بهم، ولم يعمل مثل عملهم: (أين هو يا رسول الله! قال: النبي عليه الصلاة والسلام: المرء مع من أحب).

أما سفيان بن عيينة فقال: ألم تسمع قوله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران:31]. قال: يقربكم الحب من الرب تبارك وتعالى.

وقال في قوله تعالى: وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ [آل عمران:140]. قال: لا يقرب الظالمين. إذاً: الله تبارك وتعالى يقرب المحبين، يقرب المتبعين، ويبعد الظالمين.

قال: [وعن الحسن في قوله تعالى: وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ [البقرة:129]، قال: الكتاب هو القرآن، والحكمة هي السنة]. وغير واحد من السلف فسروا الحكمة في القرآن بأنها السنة.

قال: [وعن قتادة وعن سعيد بن جبير في قول الله تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82]، قال: ثم استقام -الهدى هي الاستقامة- وقال: والاستقامة هي لزوم السنة والجماعة].

لم سمي أهل السنة بأهل السنة والجماعة؟

أولاً: سموا بأهل السنة؛ لأنهم يتبعون السنة ويلتزمونها. وسموا بالجماعة؛ لأنهم اجتمعوا على ذلك، اعتقاداً وعلماً وعملاً، وسموا أهل السنة بالتزامهم السنة، وعدم خروجهم عنها، وسموا الجماعة؛ لأنهم اجتمعوا على هذا المعتقد، واجتمعوا على هذا العلم وهذا العمل.

قال: [وعن شمر بن عطية في قوله تعالى: وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى [طه:82]. قال: لمن تاب من الشرك وآمن بمحمد صلى الله عليه وسلم، وأدى الفرائض ثم اهتدى للسنة.

وعن ابن عباس في قوله تعالى: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106]. قال: فأما الذين ابيضت وجوههم فهم أهل السنة والجماعة وأهل العلم، وأما الذين اسودت وجوههم فأهل البدع والضلالات.

وعن عطاء في قوله تعالى: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59]. قال: هم أولو العلم] ومن طاعة الرسول اتباع الكتاب والسنة؛ لأن بعض الناس يتصور أن طاعة الرسول هي اتباع السنة فقط، كما أن بعض الناس وهم القرآنيون اعتبروا أن طاعة الله هي اتباع القرآن فقط، مع أن القرآن أمر بطاعة الرسول فكيف نطيع الرسول هنا؟ فالقرآن والسنة متلازمان من جهة التشريع لا يمكن أبداً فك أحدهما عن الآخر. لو أنك قلت: أنا أثري وأنا ألتزم الأثر فقط دون القرآن لكفرت قولاً واحداً.

وإذا قلت: أنا قرآني فقط، ولا أعتبر إلا القرآن، فقد تجد في السنة التحذيرات الكثيرة والتهديدات والتوعيدات الكثيرة في الرد إلى كتاب الله، وإلى سنة النبي عليه الصلاة والسلام، فكيف ترد إلى السنة إذا كنت أنت منكر لها.

قال: [قال: ميمون بن مهران في قول الله تعالى: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59] قال: الرد إلى الرسول إذا كان حياً في شخصه، وإذا كان ميتاً فإلى سنته]. ونحن الآن كيف نرد إلى الرسول؟ وكيف نحكم الرسول عليه الصلاة والسلام فيما بيننا؟ لا بد وأن يكون ذلك إلى سنته.

قال: [وعن مجاهد في قول الله تعالى: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59] قال: أهل العلم وأهل الفقه].

إذاً: أولي: الأمر هم أهل العلم. حتى تعلم أن طاعة أولي الأمر إنما المعني بهم في الدرجة الأولى هم أهل العلم والفقه].

قال: فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]. قال: إلى كتاب الله وسنة نبيه، ولا تردوا إلى أولي الأمر شيئاً؛ لأن أصل الرد إلى كتاب الله وإلى سنة الرسول، أما نحن فنتحاكم عند أهل العلم؛ لأنهم أفقه في كتاب الله وفي سنة النبي عليه الصلاة والسلام؛ لأن الواحد منا ربما لا يتمكن من الحصول على الحكم المناسب أو القضاء المناسب لقضية ما من كتاب الله مباشرة، ولا من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، وإنما سبيل ذلك هو اللجوء إلى أهل العلم.

وليس في هذا رد إلى أهل العلم، وإنما الرد هنا لكتاب الله ولسنة رسوله، حتى الناس كانوا يأتون إلى النبي عليه الصلاة والسلام ويقولون: يا رسول الله! اقض بيننا بما أراك الله! وهذا هو النبي عليه الصلاة والسلام. فالرد لله. أي: لكتابه وللنبي أي: لسنته عليه الصلاة والسلام وليس لأولي الأمر رد في النزاع ولا في القضاء.

قال: [وعن ابن عباس في قوله: قال: وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ [النساء:59] قال: يعني: أهل الفقه والدين]. وأهل طاعة الله الذين يعلمون الناس معاني دينهم، ويأمرونهم بالمعروف وينهونهم عن المنكر، فأوجب الله سبحانه طاعتهم على عباده. إذا كان أهل العلم هم الذين يعلمون الناس، وينورون بصائرهم، فلم لا تجب الطاعة لهم؟!

سياق ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحث على التمسك بالكتاب والسنة وعن الصحابة والتابعين ومن بعدهم

قال: [سياق ما روي عن النبي عليه الصلاة والسلام في الحث على التمسك بالكتاب والسنة، وعن الصحابة والتابعين ومن بعدهم، والخالفين لهم -أي: الذين أتوا من بعدهم- من علماء الأمة رضي الله عنهم أجمعين].

معناه: أنه يلزمك أن تتمسك بالكتاب والسنة وسنة الخلفاء الراشدين، وبقية الصحابة أجمعين رضي الله عنهم، والتابعين وتابعيهم، والأئمة المتبوعين وكل عالم إلى يوم القيامة. والقيد في ذلك: ما دام قوله يوافق فهم سلف الأمة.

ما روي عن النبي في الحث على التمسك بالكتاب والسنة

أورد الإمام هنا حديث العرباض بن سارية رضي الله عنه يقول: [(وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة دمعت منها الأعين، ووجلت منها القلوب. قلنا: يا رسول الله! إن هذه موعظة مودع فبم تعهد إلينا؟ قال: قد تركتكم على البيضاء)] شبه الشريعة بقطعة القماش البيضاء، أو بالنهار الذي لا خفاء فيه؛ وأن الحق أبلج واضح، كلما أردت أن تصل إلى الحق تصل إليه بإذن الله؛ لأنه بين وواضح.

وقال: [(تركتكم على البيضاء، ليلها كنهارها)] لا يخفى الحق فيها أحياناً ويظهر أحياناً وإنما هو واضح وظاهر في كل وحين.

قال: [(قد تركتكم على البيضاء ليلها كنهارها لا يرجع عنها بعدي إلا هالك)] وهذا وعيد وتحذير. أي: لا يضل عنها بعدي إلا هالك. [(ومن يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً فتناً فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وعليكم بالطاعة وإن كان عبداً حبشياً، وإن المؤمن كالجمل الآنف حيث ما قيد انقاد).

وقال عبد الرحمن بن عمرو السلمي عن العرباض بن سارية : وكان ممن أنزل الله فيهم قوله تعالى: وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ [التوبة:92]]؛ لأنهم كانوا يأتون النبي عليه الصلاة والسلام من أجل أن يجهزهم للقتال، فقال لهم: أنا ليس عندي ما أملك تجهيزكم به، فتولوا وذهبوا إلى بيوتهم وهم في غاية الهم والحزن، فنزل فيهم وفي صدقهم قوله تبارك وتعالى: وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ [التوبة:92] أي: لتجهزهم للقتال قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ [التوبة:92]، ورجعوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا [التوبة:92].

[قال: فدخلنا فسلمنا عليه وقلنا: أتيناك زائرين وعائدين ومقتبسين]. كأنه مرض (ومقتبسين) أي: وطالبين للعلم. الاقتباس هو الأخذ، ولكن لفظ (اقتبس) أبلغ في المعنى وفي شدة النزع من لفظ (نطلب أن نتعلم) أو غير ذلك.

فقال: قال صلى الله عليه وسلم. وقال أبو عاصم : (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبح يوماً فأقبل علينا، فوعظنا موعظة بليغة ذرفت منها الأعين، ووجلت منها القلوب. قال: قلنا: يا رسول الله! كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا - قال أبو عاصم في حديثه: فأوصنا- قال: أوصيكم عباد الله! بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن كان عبداً حبشياً؛ فإنه من يعش منكم فسيرى بعدي اختلافاً كثيراً، وعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة)].

الحديث السابق شرحناه في خطبة جمعة، (وإنما المؤمن كالجمل الآنف حيثما قيد انقاد) هذه المسألة فيها نزاع.

قال: [عن جابر قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أما بعد: فأحسن الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة) أخرجه مسلم].

قال: [عن ابن مسعود أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إنما هما اثنان: الكلام والهدى، فأحسن الكلام كلام الله، وأحسن الهدى هدى محمد، ألا وإياكم ومحدثات الأمور، وإن شر الأمور محدثاتها، وإن كل محدثة بدعة، ألا لا يطول عليكم الأمد فتقسوا قلوبكم)]. يعني: أنا أخوفكم من طول الأمد فتتحولون عن التمسك بالسنة إلى الابتداع في الدين فتهلكوا.

قال: [قال عبد الله: إن أحسن الهدى هدى محمد عليه الصلاة والسلام، وإن أحسن الكلام كلام الله، وإنكم ستحدثون ويحدث لكم -أي: ستبتدعون ويبتدع لكم- فكل محدث ضلالة، وكل ضلالة في النار. وأتى بصحيفة فيها حديث -أي: فيها حديثه هو، فقد كان يكتب حديثه في صحائف- قال: فأمر بها فمحيت، ثم غسلت تلك الصحيفة، ثم أحرقت في النار، ثم قال: بهذا هلك أهل الكتاب قبلكم، نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون، أنشدت الله رجلاً يعلمها عند أحد إلا أعلمني به، والله لو أني أعلم أنها بديرهم لتبلغت إليها].

اختلف أهل العلم من السلف والخلف في جواز كتابة الحديث من عدمه، فمنهم من قال بعدم الجواز، ومنهم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فقد كان يأمر تلاميذه أن يأتوا بما عندهم من صحف، وكان إذا علم أن فلاناً عنده الصحيفة ولم يأت بها لم يجلسه في مجلسه، فإذا جيء بالصحيفة من عند أي طالب أو تلميذ لذلك الإمام أمر بطست فيه ماء، فوضع الصحيفة فيها، ثم غسلها غسلاً، ثم عرضها للشمس حتى تجف، ثم يحرقها بعد ذلك، ويقول: خذوا من حيث أخذنا، واحفظوا كما حفظنا، فإنما العلم في الصدور لا في السطور.

ولا شك أن هذه وجهة نظر عظيمة جداً؛ لأن المرء لو علم أنه لا حيلة له في الكتابة حفظ، وأجهد نفسه وذهنه في الحفظ وترتيب المعلومات، بخلاف الذي يعتمد على الكتاب فيترك الحفظ تماماً؛ ولذلك الناس الآن بعد الآلات الحاسبة والكمبيوتر ألغوا عقولهم تماماً، فلا يستطيع أن يحسب إلا بآلة حاسبة. يعني: الآن لو تريد نتيجة 5×6 تخرج الآلة الحاسبة من جيبك لتعرف الإجابة؛ لأن عقلك يرتاح لهذا، أما الأوائل فقد استخدموا عقولهم؛ ولذلك لو أن المرء علم أنه لا حيلة له في الكتابة جاهد نفسه على الحفظ، فعل ذلك أبو موسى الأشعري والحسن البصري ومحمد بن سيرين وغيرهم كثير. وبعضهم مال بأدوات الكتابة، بل وإلى استحباب الكتابة، منهم أحمد بن حنبل وبعض الصحابة والتابعين وغيرهم، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اكتبوا لـأبي شاه) كما في خطبة حجة الوداع العظيمة وكانت طويلة، وأبو شاه رجل من اليمن لم يتمكن من حفظها، فقال: يا رسول الله! اكتبها لي. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (اكتبوا لـأبي شاة).

أما أدلة الرأي الأول فهي: قول النبي عليه الصلاة والسلام: (لا تكتبوا عني شيئاً غير القرآن، ومن كتب شيئاً غير القرآن فليمحه).

فحملت أحاديث النهي على أن ذلك كان في أول الرسالة، مخافة اختلاط الحديث بالقرآن، ولكن لما استقرت الأمور وتميز الهدي النبوي من الكلام الإلهي أذن النبي عليه الصلاة والسلام في الكتابة، كما قال: (قيدوا العلم في الكتاب). أي: بالكتابة.

ولكن استقر رأي أهل العلم من السلف والخلف على أن كتابة العلم واجبة، وليس فقط مستحبة.

وللإمام الخطيب البغدادي كتاب عظيم جداً اسمه (تقييد العلم)، ذكر فيه خلاف أهل العلم، وسرد أدلتهم، ثم ترجح لديه وجوب كتابة العلم.

قال: [عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (إن مثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومه فقال: يا قوم! إني رأيت الجيش بعيني، وإني أنا النذير العريان)] يعني: كان من عادة العرب أنهم يجعلون لبلادهم أعين على قمم الجبال، فإذا نظر هذا العين الذي يستخبر الأخبار أو يحرس القرية أو البلد أو القبيلة .. إذا رأى جيشاً قادماً إلى تلك القبيلة خلع ملابسه ولوح بها لينذر أهل القرية، ولذلك قال النبي عليه الصلاة والسلام: [(إن مثلي ومثلكم كمثل رجل رأى جيشاً فقال: يا قوم! إني رأيت الجيش بعيني، وإني أنا النذير العريان، فالنجاء النجاء) يعني: انجوا بأنفسكم.

قال: [(فأطاعه طائفة من قومه فأدلجوا)] فأدلجوا: أي ساروا بالليل. ولذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من خاف أدلج، ومن أدلج بلغ المنزل) يعني: ومن سار باليل كاد أن يصل، لا يطلع عليه الفجر إلا وهو في بر الأمان.

قال: [(وقوم انطلقوا على مهلهم فنجوا، وأما الطائفة الثانية فكذبت، فأصبحوا على مكانتهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واستباحهم، فذلك مثلي ومثل من أطاعني واتبع ما جئت به)] من يصدق النبي عليه الصلاة والسلام اعتقاداً وعلماً وعملاً لا شك أنه من الناجين، وأما إذا كذب فلا شك أنه من الهالكين الذين يصبحهم العدو، والعدو هو النفس والهوى والشيطان وغير ذلك من أعداء الإنسان.

قال: [وعن أبي موسى عن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (إن مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث)]. شبه النور الذي أتى به من كتاب وسنة وحكمة بغيث نزل من السماء، بمطر نزل من السماء [(أصاب أرضاً، فكانت منها طائفة طيبة فقبلت الماء وأنبتت الكلأ والعشب الكثير)] القسم الأول من الأرض: أرض طيبة صالحة لكل شيء، لما نزل عليها المطر استقبلته وأنبتت الكلأ والعشب الكثير، وأكل الناس وانتفعوا وشربوا. [(وطائفة منها أجادب -صحراء قاحلة- أمسكت الماء فنفع الله تعالى بها الناس، فشربوا منها وسقوا ورعوا، وأصاب طائفة ثالثة هي قيعان، لا تمسك ماءً ولا تنبت كلأً، فذلك مثل من فقه في دين الله تعالى، ونفعه الله تعالى بما بعثني به فعلم وعلم، ومثل من لم يرفع بذلك رأساً، ولا قبل هدى الله الذي أرسلت به)].

انظر إلى انتفاع الناس بالعلم! هناك رجل بمجرد ما يسمع المسألة العلمية يقف عندها ويعتقدها ويعمل بها، ويدعو الناس إلى التمسك بها، وهذا بلا شك من الطائفة الأولى.

والطائفة الثانية: يقبل بعد حجاج ولجاج ومناظرات وتدريب وتعليم وتخويف وتهديد من الله عز وجل، ولكنه في النهاية يمكن يأخذ، فهذا ينتفع هو، وربما تنتفع به طائفة قليلة بجواره.

وأما الطائفة الثالثة: فإنهم قوم ردوا شرع الله تبارك وتعالى، لم يعملوا به قط، وهم في غنى عنه بزعمهم، ولا شك أن هذا الذي يرد شرع الله تبارك وتعالى لا ينتفع به.

قال: [وعن يزيد بن حيان قال: (انطلقت أنا وحصين بن سبرة وعمرو بن مسلم إلى زيد بن أرقم رضي الله عنه، فلما جلسنا إليه قال له حصين : لقد لقيت يا زيد خيراً كثيراً)] يعني: أنت من كبار أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام، ولا شك أن من أدرك النبي عليه الصلاة والسلام فقد أدرك الخير كله. [فحدثنا يا زيد بما سمعت من رسول الله عليه الصلاة والسلام، (قال: يا ابن أخي! والله لقد كبرت سنى، وقدم عهدي، ونسيت بعض الذى كنت أعي]. يعني: نسيت بعض الذي كنت أحفظه من النبي عليه الصلاة والسلام. [(فما حدثتكم فاقبلوا، وما لا فلا تكلفونيه)] ]، يعني: لا تكلفني وتطالبني بأكثر من طاقتي. وهذا كلام المتواضعين الذين تربوا على أيدي النبي عليه الصلاة والسلام، وإلا فانظر إلى زيد بن أرقم ماذا قال عنه ابن عباس : قال: مات ركن العلم. يعني: وتد من أوتاد العلم قد مات، كما قال في زيد بن ثابت كذلك.

قال: [(ثم قال زيد : قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً فينا خطيباً بماء يدعى خماً بين مكة والمدينة -وذلك في طريق عودته- من حجة الوداع- فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: أما بعد: ألا أيها الناس! فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به، فحث على كتاب الله ورغب فيه، ثم قال: أذكركم الله فى أهل بيتى ثلاثاً) أخرجه مسلم]، وسماهم النبي عليه الصلاة والسلام بالثقلين لثقل عظمهما وشرف مرتبتهما، أو لثقل الأخذ بهما لدى الكسول، ولدى من لم تقم بداخله الرغبة الصادقة في التمسك بالكتاب والسنة.

قال: [وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إني قد خلفت فيكم ما لن تضلوا بعدهما أبداً ما أخذتم بهما -أي: عملتم بهما- كتاب الله وسنتي، ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض)]. لا بد للقرآن من السنة، ولا بد للسنة من القرآن، فإن هناك أحكاماً في القرآن ليست في السنة، كما أن في السنة أحكاماً ليست في القرآن الكريم، وأما مجمل القرآن فهو مبين ومفصل في سنة النبي عليه الصلاة والسلام؛ ولذلك قال أحمد بن حنبل رحمه الله تعالى: السنة قاضية على الكتاب لا العكس. السنة حاكمة وقاضية ومفسرة ومبينة لكتاب الله وليس العكس.

يعني: أنت لا يخفى عليك شيء في سنة النبي عليه الصلاة والسلام فتطلب بيانه من القرآن، وإنما يخفى عليك تفسير آيات من كلام الله عز وجل، فتذهب تلتمس بيان ذلك وتفصيله وتوضيحه في سنة النبي عليه الصلاة والسلام.

قال: [وعن الحسن قال: إن أغبط الناس قوم قرءوا هذا القرآن وعملوا بسننه، وإن أحق الناس بهذا قوم عملوا بما فيه]. وإن كانوا لا يقرءونه ولكن عندهم الاستعداد لأن يعملوا بكل ما يسمعونه.

كرجل لا يحفظ القرآن الكريم، ولكن عنده استعداد تام لأن يعمل به، وإن هذا القرآن وثاق أوثق الله به المؤمنين؛ لأن المؤمن لا يصدر عن هواه، ولا عن النفس الأمارة بالسوء، ولا عن شيطانه، ولا عن رغبته هو، وإنما يصدر عن أومر الله عز وجل، وأوامر الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، فلذلك المؤمن في كل حركاته وسكناته لا بد أن يتحرى أهذا الذي أقوله أو أفعله أو أعتقده موافق لمراد الله في كتابه، أو مراد الرسول عليه الصلاة والسلام في سنته أم لا؟

فإذا كان موافقاً سارع إليه، وإذا كان مخالفاً تأخر عنه.

قال: [عن عبد الله بن مسعود قال: (خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً، فقال: هذا سبيل الله! ثم خط بجانبه خطوطاً متفرقة على كل سبيل منها شيطان يدعو -أي: يدعو الناس إليه أن يدخلوا ويلجوا فيه). ثم قرأ هذه الآية: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام:153])]، أي: فتبتعد بكم عن سبيل عباد الله المتقين.

قال: [عن جابر قال: (خط لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطاً فقال: هذا سبيل الله، ثم خط خطوطاً أخرى فقال: هذه سبل الشيطان، فما منها سبيل إلا عليها شيطان يدعو إليه الناس، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيبه، وأنا تارك فيكم الثقلين: أولهما كتاب الله عز وجل فيه الهدى والنور، من استمسك به وأخذ به كان على الهدى، ومن تركه وأخفاه كان على الضلالة، أذكركم الله تعالى في أهل بيتي، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا [آل عمران:103])].

قال: [عن سالم أبي النضر أنه سمع عبيد الله بن أبي رافع يحدث عن أبيه أبي رافع قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري، مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: ما وجدنا في كتاب الله حلالاً حللناه، وما وجدنا في كتاب الله حراماً حرمناه، ألا وإني أوتيت القرآن ومثله معه ثلاثاً)].

هذا الحديث حديث جميل جداً، وهو غصة في حلوق من تسموا بالقرآنيين، يقولون لك: نحن نأخذ بالقرآن فقط، كالفرماوية حينما ظهروا زمان في شبرا وانطلاقهم من السويس بعد ذلك؛ لأن نبيهم ما استطاع أن يظل في شبرا؛ لوجود أهل العلم هناك، فقال: نذهب إلى مكان لا يعاكسنا فيه أحد، فاختار المقر ومكان خلافته أو مكان نبوته في السويس، فذهب السويس فخرب الدنيا كلها، خرب السويس وبور سعيد والإسماعيلية، والزقازيق.. خرب البلاد كلها بعد أن خرب جهال شبرا.

فالفرماوية دعوتهم هي فرع عن القرآنيين وتصور عنهم. أي أنهم أخذوا أصول بدعتهم ممن تسموا بالقرآنيين، والنبي عليه الصلاة والسلام حذر من هؤلاء.

يقول الفرماوي: نحن نؤمن بالكتاب ونكفر بالسنة؛ لأن السنة هذه دخلها التحريف، وأما القرآن فقد وصل إلينا عن طريق التواتر.

فنقول لهم: إذا كان هذا حالكم فإن القرآن أمركم بطاعة الرسول، فكيف ستطيعون الرسول صلى الله عليه وسلم. قالوا: بناء عن الوحي الذي ينزل على العبد الصالح فيعلم الناس ويعلم الأتباع كيف كان عمل النبي عليه الصلاة والسلام.

هذا الفرماوي الكبير المؤدب، ولما هلك ترك لنا ألف فرماوي ليسوا فاهمين حتى مثله، تركهم أغشم منه؛ لأنهم كفروا بالنبي عليه الصلاة والسلام، وادعى كل واحد منهم النبوة.

وقد ناقشت أحدهم فلما سألته سؤالاً في تفسير آية من كتاب الله، قال: انتظر حتى آتيك. فدخل وأظلم الغرفة، وجاءني بعد ساعة، قال: الجواب: كيت وكيت وكيت. قلت له: ائتني بهذا التفسير من كتاب الله. قال: لا، ولا كتاب الله ولا سنة رسوله، لماذا؟ قال: لأن الوحي ينزل علي مباشرة. وهذا كان رأساً فيهم، وكان رئيسهم في الإسماعيلية، هذا كان زعيم كبير فلا تقل: إنه مجنون.

وبعد هذا ربنا من عليه وتاب وعرف أنه كذاب، فقابلته، وقلت له: هل لا زال الوحي ينزل عليك؟ فقال: أنت ستعيرنا بما فات. فقلت: أنت محتاج لقطع رقبتك، فأنت ولجت فيما ولج فيه مسيلمة ، والمختار بن أبي عبيد ، فهل أنت زنيت أو قتلت، من أجل أن نقول: تصح توبتك؟ أنت من كبار المجرمين. قال النبي عليه الصلاة والسلام: (لا ألفين أحدكم) يعني: احذروا أن ألقى أحدكم بعد هذا متكئاً على أريكته شبعان. هذا يدل على أن كل انحراف عن الكتاب والسنة مصدره الرفاهية.

من أنت لكي تأخذ بالقرآن أو لا تأخذ به؟ لقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم منك. يقول: حذرك فيما لم يصح عندي. لأنه يرى أنه لا يوجد شيء اسمه سنة.

والقرآنيون كلما يجدون فرصة يظهرون، وتظهر دعوتهم، ولما يجدون الضرب على رءوسهم يتخفون مثل الشياطين، لما ترى منك لحظة ضعف توسوس لك، وكلما تقوى الإنسان بالإيمان والتوحيد والعمل الصالح يخنس الشيطانه عنه، فهؤلاء مثل الشياطين بالضبط.

قال: [(يأتيه الأمر مما أمرت به أو نهيت عنه، فيقول: ما وجدنا في كتاب الله حلالاً حللناه، وما وجدنا في كتاب الله حراماً حرمناه)]. فالنبي صلى الله عليه وسلم يرد عليهم ويقول: (ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه). يعني: السنة. وهي: تماثل القرآن من حيث كونها وحي، وكلام النبي صلى الله عليه وسلم المعصوم الذي لا ينطق عن الهوى.

قال: [عنحسان بن عطية : كان جبريل ينزل على النبي عليه الصلاة والسلام بالسنة كما ينزل عليه بالقرآن، يعلمه إياها كما يعلمه القرآن].

وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى [النجم:3-4] فإذا كانت السنة وحياً فلم نردها.

ما روي عن الصحابة والتابعين في الحث على التمسك بالكتاب والسنة

قال: [عن هلال الوزان قال: حدثنا شيخنا القديم عبد الله بن عكيم -وكان قد أدرك الجاهلية- قال: أرسل إليه الحجاج]. الطاغية الكبير، يقول عنه الحسن البصري : لو أتت كل أمة بخبيثها وأتينا بـالحجاج لغلبناهم. وقد كفره بعض أهل العلم لما أعمل من القتل في أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام وفي التابعين.

[قال: أرسل إليه الحجاج يدعوه، فلما أتاه قال: كيف كان عمر يقول؟ -يعني: ماذا كان عمر يقول؟- قال: كان عمر يقول: إن أصدق القيل قيل الله عز وجل -يعني: إن أصدق القول قول الله عز وجل- ألا وإن أحسن الهدى هدى محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة ضلالة، ألا وإن الناس بخير ما أخذوا العلم عن أكابرهم، ولم يقم الصغير على الكبير، فإذا قام الصغير على الكبير فقد هلكوا]. لأن الأصل أن يأخذ الصغار العلم عن الأكابر، فإذا انعكس الأمر فلا شك أن هذا دليل هلاكنا، بل هو علامة من علامات الساعة.

قال: [وقال عبد الله: لا يزال الناس بخير ما أتاهم العلم من قبل كبرائهم، فإذا أتاهم العلم من قبل أصاغرهم هلكوا].

قال: [عن أبي أمية الجمحي : قال النبي عليه الصلاة والسلام: (إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر)] أي: أن يطلب العلم من عند الأصاغر. [قال موسى بن أيوب النصيبي قال ابن المبارك : الأصاغر من أهل البدع].

قال: [قال إبراهيم الحربي : في قوله: (لا يزالون بخير ما أتاهم العلم من قبل كبرائهم). قال: معناه: أن الصغير إذا أخذ بقول رسول الله عليه الصلاة والسلام والصحابة والتابعين فهو كبير]. يعني: لو كان الطفل الغلام متبعاً للأثر فهو كبير مهما كان سنه، وإن الشيخ الكبير إن أخذ بقول أبي حنيفة وترك السنن فهو صغير.

دائماً يضرب أهل العلم بـأبي حنيفة مثلاً للخروج عن الأثر، والولوج في الرأي، مع أنه إمام من الأئمة، بل إمام معظم ومبجل، لكنه كان أول من خاض في الرأي، وترك السنن، ولا أقول: تركها متعمداً، بل هو معذور في تركها، فإن أبا حنيفة رحمه الله كان يسكن الكوفة، ولم تكن السنة في وقته منتشرة الانتشار الذي يسمح له بالتحصيل. نعم قد سبقه في الكوفة عبد الله بن مسعود وتلاميذه جميعاً، وكان يعيش في زمن أبي حنيفة وفي الكوفة سفيان بن سعيد الثوري وكفى به إماماً للأثر، ولكنه قد غلب على أبي حنيفة إعمال النظر في الأدلة، فانشغل بالنظر واستنباط الأحكام أكثر من انشغاله بحفظ ومدارسة وتحصيل الأثر، فقال في دين الله برأيه كثيراً، وله أعذار غير ما ذكرت، فلا يتبع أبا حنيفة على ما خالف فيه الأثر، ولا ينكر عليه ما وافق فيه الأثر، فهو مضرب المثل؛ لأنه اشتهر عنه أنه إمام مدرسة الرأي، فإذا أرادوا أن يذموا الرأي وأن يمدحوا الأثر ذكروا المحدثين من جهة المدح، وذكروا أبا حنيفة من جهة سب الرأي لا سب أبي حنيفة ؛ لأن بعض طلاب العلم يفهم من هذا أن أبا حنيفة مبتدع وينبغي ذمه في شخصه، والقدح فيه، وهذا بلا شك لم يقصده أحد من أهل العلم، والحق يؤخذ من كل من أتى به، وما خالف الحق يرد على كل من أتى به، يستوي في ذلك أبي حنيفة وغيره من أهل العلم.

قال: [قال عبد الله بن مسعود : اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم].

عبد الله بن مسعود أدرك أن الله تبارك وتعالى ما ترك شاذة ولا فاذة ولا شاردة ولا واردة إلا وبينها في كتابه وبينها رسوله عليه الصلاة والسلام في سنته، ولم يدع فيه مجالاً للرأي والاجتهاد، وقد حصل ذلك لأصحابه وأتباع أصحابه، والأئمة المتبوعين، فلم الابتداع والله تبارك وتعالى يقول: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ [المائدة:3]؟ فالدين كامل وليس بناقص. والمبتدع كأنه يقول لله عز وجل: أنت لم تكمل الدين، فيتهم المولى تبارك وتعالى. وأنت لم ترضه لنا، ولم تتم علينا النعمة؛ ولذلك اضطررنا إلى أن نبتدع للناس في أمور دينهم ما كان خللاً في كتابك أو في سنة نبيك.

ولا شك أن من قال هذا معتقداً له فهو كافر، ولذلك يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الله احتجز التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته) وإن كان الحديث محل نظر عند المحدثين، إلا أن الراجح أنه حديث حسن.

قال: [قال عبد الله بن مسعود : إنا نقتدي ولا نبتدي، ونتبع ولا نبتدع، ولا نضل ما تمسكنا بالأثر].

قال: [عن عاتكة بنت جزء قالت: أتينا عبد الله بن مسعود فسألناه عن الدجال، فقال لنا: لغير الدجال] أخوف عليكم من الدجال. يعني: أنا أخاف عليكم من هو أهم من الدجال وأخطر. [أمور تكون من كبرائكم. قال: فأيما مرية -تصغير امرأة- أو رجيل -تصغير رجل والتصغير للتحقير، كأنه حقر أمر من يتبع هؤلاء الكبراء- أدرك ذاك الزمان فالسمت الأول السمت الأول السمت الأول، فأما اليوم على السنة]. يعني: اليوم لا خوف عليكم، ولكن إذا ظهرت فيكم البدع فعليكم بالسمت الأول، هو الهدي والسنة.

قال: [قال ابن مسعود : عليكم بالعلم قبل أن يقبض -أي: عليكم بتحصيله وطلبه قبل أن يقبض- وقبضه أن يذهب أهله] كما في حديث عبد الله بن عمرو في الصحيحين كذلك: (إن الله لا يقبض العلم انتزاعاً ينتزعه من صدور الناس). يعني: لن يحصل أن الله تبارك وتعالى يقبض العلم من صدور الناس.

[قال: وقبضه: أن يذهب أهله -أو قال:- أصحابه. وقال: عليكم بالعلم فإن أحدكم لا يدري متى يفتقر إلى ما عنده ].

نتاج ذلك وصية عروة بن الزبير، فقد كان يجمع أولاده وأولاد أخيه وأولاد الحي كلهم، ويعلمهم العلم. يقول: أي بني! إنكم اليوم صغار قوم كما كنا صغار قوم، ونحن الآن كبار قوم، وغداً أنتم كبار القوم، فتعلموا العلم فإنكم لا تدرون متى يحتاج إليكم.

[قال ابن مسعود : عليكم بالعلم قبل أن يقبض. وقبضه أن يذهب أهله أو قال أصحابه.

وقال: عليكم بالعلم فإن أحدكم لا يدري متى يفتقر إليه، وإنكم ستجدون أقواماً يزعمون أنهم يدعونكم إلى كتاب الله وقد نبذوه وراء ظهورهم، فعليكم بالعلم وإياكم والتبدع، وإياكم والتنطع، وإياكم والتعمق، وعليكم بالعتيق]. يعني: لا تتشددوا. والتشدد والتزمت: هو الزيادة عن الحد. أما التمسك بالأثر فهذا هو المطلوب، وهذا هو الاعتدال، والله تبارك وتعالى شهد لهذه الأمة بالوسطية والعدالة والعدل؛ لأنها أمة تمسكت بالكتاب، وتمسكت بالسنة، فلا يقال لمن تمسك بكتاب الله وسنة الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام: إنه متعمق أو متشدد أو متزمت. كل هذه ألفاظ دخيلة، والتعمق والتنطع ملحوق بالتبدع؛ ولذلك قال: وإياكم والتبدع والتنطع والتعمق، والمعنى واحد، وهو التشدد في دين الله عز وجل، والأخذ بما لم يكلفك الله تعالى به، وهذا الذي نعني به التمسك بالزائد على النص. يعني: تتمسك بالنص، والزيادة مرفوضة. وعليكم بالعتيق أي: بالأمر الأول.

قال: [عن ابن سيرين قال: كانوا يرونه على الطريق ما دام على الأثر]. يعني: كانوا ينظرون إلى الرجل فإذا كان ملتزماً بكتاب الله وسنة رسوله متمسكاً بالأثر كان على الطريق والسبيل الصحيح.

قال: [قال شاذ بن يحيى : ليس طريق أقصد ولا أقصر ولا أوصل إلى الجنة من طريق من سلك الآثار]. لماذا فعلت؟ لأن الله قال كذلك. لماذا قلت؟ لأن الرسول قال كذلك.

قال: [قال سفيان الثوري : وجدت الأمر الاتباع]. يعني: وجدت مدار الأمر والنجاة في الأمر على الاتباع لكتاب الله وسنة رسوله.

قال: [وعن ابن مسعود قال: الاقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة].

قال: [قال أبو الدرداء اقتصاد في السنة خير من الاجتهاد في البدعة].

قال: [قال الزهري : سمعت أبا إدريس يقول: أدركت أبا الدرداء ووعيت عنه، وأدركت عبادة بن الصامت ووعيت عنه، وأدركت شداد بن أوس ووعيت عنه، وفاتني معاذ بن جبل، فأخبرت أنه كان يقول في كل مجلس يجلسه: الله حكم قسط، حكم عدل تبارك اسمه، هلك المرتابون -أي: الشاكون- إن من ورائكم فتناً يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن حتى يأخذه الرجل والمرأة والحر والعبد والصغير والكبير؛ فيوشك الرجل أن يقرأ القرآن فيقول: قد قرأت القرآن، فما للناس لا يتبعوني؟!] يعني: أنا رجل حافظ للقرآن فلماذا لا يتبعني الناس؟ وهذه أمراض وعلل موجودة عندنا، فالذي يحفظ القرآن يرى كأنه أصبح شيخاً، ويلزم الناس أن تكون وراءه.

[قال: قد قرأت القرآن فما للناس لا يتبعوني؟ وقد قرأت القرآن ثم ما هم بمتبعي حتى أبتدع لهم]. يعني: لازم أبتدع بدعة من أجل أن يمشوا ورائي.

ثم قال: معاذ بن جبل محذراً: [وإياكم وما ابتدع، واتقوا زيغة الحكيم]. أي: زيغة الرجل الذي يضع الأمور في نصابها، لو زاغ لا تتبعوه مع أنه حكيم.

قال: [فإن الشيطان يلقي على فيِّ الحكيم الضلالة فيتكلم بها، ويلقي المنافق كلمة الحق. قال: قلنا: وما يدرينا يرحمك الله أن المنافق يلقي كلمة الحق، وأن الشيطان يلقي على فيّ الحكيم كلمة الضلالة؟

قال: اجتنبوا من كلام الحكيم كل متشابه، ولا ينأى بك ذلك عنه، فإنه لعله أن يراجع ويلقى الحق إذا سمعه، فإن على الحق نوراً]. يعني: أول ما تسمع الكلام يقع في قلبك أن هذا هو الحق.

قال: [قال معاذ بن جبل : أيها الناس! إنها ستكون فتنة يكثر فيها المال، ويفتح فيها القرآن، فيقرؤه المؤمن والمنافق والمرأة والرجل والصغير والكبير، حتى يقول الرجل: قد قرأت القرآن ولا أرى الناس يتبعوني، أفلا أقرؤه عليهم علانية! قال: فيقرؤه علانية فلا يتبعه أحد -هذه المرة الثانية- فيقول: قد قرأت علانية فلا أراهم يتبعوني، فيتخذ مسجداً في داره، قال: فإياكم وما ابتدع؛ فإنما ابتدع ضلالة عن خالد قال: مر أبو قلابة عبد الله بن زيد الجرمي البصري على رجل قد اتخذ مسجداً في داره فقال: رحم الله معاذاً!] لأنه كان قد حذر من هذا.

قال: [قال حذيفة : اتقوا الله يا معشر القراء! خذو طريق من كان قبلكم، فوالله لئن سبقتم لقد سبقتم سبقاً بعيداً، وإن تركتموه يميناً وشمالاً فقد ضللتم ضلالاً بعيداً]. وقل في القراء خاصة من يتمسك بالكتاب والسنة.

قال: [قال: حميد بن هلال حدثني مولى لـابن مسعود قال: دخل أبو مسعود على حذيفة فقال: اعهد إلي. قال: ألم يأتك اليقين؟ قال: بلى وعزة ربي. قال: فاعلم أن الضلالة حق الضلالة أن تعرف ما كنت تنكر، وأن تنكر ما كنت تعرف، وإياك والتلون في دين الله تبارك وتعالى؛ فإن دين الله واحد].

من الناس من يعرف أن هذا هو الحق، ثم يفتن بفتنة صغيرة فينقلب على أم رأسه وينكر ما كان عليه من الحق، ويقول: أنا كنت مخطئاً، كنت واهماً، الشيخ الفلاني فيه كيت وكيت، والعالم الفلاني فيه كيت وكيت، والمجتمع فيه وفيه! فينكر ما كان يعرف، أو يعرف ما كان ينكر، وهذا تلون في دين الله عز وجل، يقول لك: كم عمرك؟ تقول: (20) سنة أو (30) سنة. يقول لك: أنا كنت ملتحياً من أربعين سنة -يعني: قبل أن يولد- ثم تركت الصلاة والصوم، فلا أصلي ولا أصوم، وحلقت لحيتي. وما هي الفائدة؟

أنت أجرمت، أنت أنكرت ما كنت تعرف، صحيفتك سوداء عند الله عز وجل، وهل هذه ممدحة أو منقبة أنك كنت وكنت والآن أصبحت كذا وكذا؟!

قال: [عن عبد الله قال: يجيء قوم يتركون من السنة مثل هذا، وأشار إلى مفصل الأصبع، فإن تركتموهم جاءوا بالطامة الكبرى]. وهذا يدل على لزوم النهي عن المنكر، والأمر بالمعروف؛ لأن البدعة الصغيرة لو تركتها ولم تمتها في مهدها ستكبر، وربما تولد بجوارها بدعاً أخرى حتى تنتشر البدع التي من شأنها أن تميت السنن، فتظهر البدعة وتطمس السنة.

[قال: وإنه لم يكن أهل كتاب قط إلا كان أول ما يتركون السنة، وإن آخر ما يتركون الصلاة، ولولا أنهم يستحون لتركوا الصلاة].

قال: [عن عبد الله قال: كيف أنتم إذا ألبستكم الفتنة؟ -يعني: الكل يبتلى بهذه الفتنة- إذا ترك منها شيء قيل: تركت السنة. قيل: متى ذاك يا أبا عبد الرحمن ! قال: إذا ذهب علماؤكم، وكثرت جهالكم، وكثرت قراؤكم، وقل فقهاؤكم، والتمست الدنيا بعمل الآخرة، وتفقه بغير الدين].

يعني: الواحد يطلب العلم ليس لله عز وجل وإنما ليتصدر به المجالس، أو ليجاري به العلماء، أو ليماري به السفهاء، أو غير ذلك من المقاصد غير الحسنة.

قال: [عن ابن عباس قال: ما يأتي على الناس عام إلا أحدثوا فيه بدعة، وأماتوا سنة حتى تحيا البدع وتموت السنن. وعن ابن عمر قال: كل بدعة ضلالة وإن رآها الناس حسنة].

قال: [عن عبد الله بن الديلمي قال: إن أول ذهاب الدين ترك السنة، يذهب الدين سنة سنة كما يذهب الحبل قوة قوة].

قال: [عن ابن الديلمي قال: سمعت ابن عمرو يقول: ما ابتدعت بدعة إلا ازدادت مضياً، ولا تركت سنة إلا ازدادت هوياً]. يعني: كلما أنت ابتدعت بدعة وتمسكت بها تتجمل وتزهو وتنتفش، وكلما تركت سنة ازدادت خفاءً.

قال: [عن الحسين بن عطية قال: ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع الله من سنتهم مثلها، ثم لا يعيدها عليهم إلى يوم القيامة].

قال: [عن عبد الله قال: ألا لا يقلدن أحدكم دينه رجلاً -يعني: لا تجعل دينك عرضة لرجل واحد، إن آمن آمنت، وإن كفر كفرت- قال: فإن كنتم لا بد مقتدين فبالميت، فإن الحي لا يؤمن عليه الفتنة].

يعني: خذوا دينكم ميتاً عن ميت، ولا تأخذوه حياً عن حي، بخلاف الصوفية فالمنهج مختلف، الصوفية يقولون: نحن نأخذ علمنا حي عن حي، حدثني قلبي عن ربي مباشرة، ليس له علاقة لا بالنبوة ولا بالرسالة ولا بالقرآن ولا بالسنة.

قال: [قال ابن عباس : إن معاوية قال له: أنت على ملة علي -وأنتم تعرفون أن ابن عباس في الفتنة كان مع علي بن أبي طالب- قال: لا. ولا على ملة عثمان] الذي يعتبر رأس الأمويين، ومعاوية بن أبي سفيان أموي. قال: [ولكني على ملة النبي عليه الصلاة والسلام].

قال: [قال عمر بن عبد العزيز : سن رسول الله صلى الله عليه وسلم وولاة الأمر بعده سنناً، الأخذ بها تصديق لكتاب الله -يعني: من أخذ بهذه السنن فهو مصدق لكتاب الله الذي أمر باتباع أولي الأمر- واستكمال لطاعة الله، وقوة على دين الله، ليس لأحد تغييرها ولا تبديلها، ولا النظر في رأي من خالفها، فمن اقتدى بما سنوا اهتدى، ومن استبصر بها بصر، ومن خالفها واتبع غير سبيل المؤمنين ولاه الله عز وجل ما تولى، وأصلاه جهنم وساءت مصيراً].

انظروا إلى خطورة البدع والانحراف والضلال عن الكتاب، وانظروا إلى بركة الاقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام وبأصحابه الكرام.

قال: [عن الزهري قال: كان من مضى من علمائنا يقول: الاعتصام بالسنة نجاة]. يعني: يشبهه بالغريق في البحر، ولا يمكن نجاته من هذا الغرق إلا بأن يستمسك بحبل، وهذا الحبل هو حبل الله المتين، وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا [آل عمران:103].

قال: [الاعتصام بالسنة نجاة، والعلم يقبض سريعاً -طبعاً بموت أهل العلم- قال: فنعش العلم ثبات الدين والدنيا -يعني: فبقاء العلم وثباته هو ثبات للدين والدنيا- وذهاب العلماء ذهاب ذلك كله].

أقول قولي هذا، وأستغفر الله تبارك وتعالى لي ولكم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.

الأسئلة

معنى حديث: (ولا ينفع ذا الجد منك الجد)

السؤال: ما معنى: (ولا ينفع ذا الجد منك الجد

الجواب: هذا من دعاء النبي عليه الصلاة والسلام: (لا ينفع ذا الجد) أي: صاحب الجاه والسلطان. (منك الجد) أي: لا ينفعه عندك جاهه.

عندما تسأل أحدهم: لماذا لا تصلي؟ يقول لك: أبي شيخ في الأزهر، أبي عالم كبير.

وأنت لماذا لا تصلي يا فلان؟ يقول لك: أنا رئيس مجلس إدارة شركة الحديد والصلب، الكل يعتمد على جاهه وسلطانه. هذا الجاه وهذا السلطان إن لم يرتبط بتقوى الله تبارك وتعالى والعمل بما أمر والانتهاء عما نهى فلا ينفع هذا الجاه ولا هذا السلطان، ولا هذا المنصب ولا هذا الكرسي بين يدي الله عز وجل.

ومعنى (لا ينفع ذا الجد) أي: لا ينفع صاحب الجاه والسلطان عندك جاهه ولا سلطانه. هذا هو المعنى.

وما معنى (المغرم) الذي كان يستعيذ منه النبي عليه الصلاة والسلام؟ المغرم هو الخسارة العظيمة، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من المأثم والمغرم. أي: أن يقع في الإثم أو أن يخسر خسارة عظيمة.

حكم دفع الزكاة مقسمة على مدار العام

السؤال: هل يجوز دفع زكاة الأموال مقسمة على مدار العام، أم يجب أن تدفع مرة واحدة؟

الجواب: يجوز دفع الزكاة على التقسيط العامي أو السنوي، ولكن مقدمة لا مؤخرة.

فلذلك أنت تجد في كتب الفقه: (باب جواز تعجيل الزكاة)، وليس تأخيرها، لو أخرها لعله مات، وحق الله وحق الناس في ذمته.

والنبي عليه الصلاة والسلام أخذ من العباس بن عبد المطلب زكاة ماله قبل استحقاقها بعامين، فأخذها وأنفقها على تجهيز الجيش. وهذا هو الدليل في جواز تعجيل الزكاة على مدار العام أو العامين أو الثلاثة، ولكن تأخيرها لا يجوز.

حكم من صامت يوم عاشوراء فجاءها الحيض قبل المغرب

السؤال: امرأة صامت يوم عاشوراء ثم حاضت قبل المغرب بدقائق، فهل لها نفس ثواب الصيام وهو تكفير ذنوب السنة الماضية؟

الجواب: إن شاء الله تعالى تأخذه؛ لأنها شرعت في العبادة ولكن لم تتم تلك العبادة لأمر خارج عن إرادتها، وهذا أمر كتبه الله تعالى على بنات آدم، فإنها نوت ذلك من الليل، ثم نامت وقامت لصلاة الفجر فوجدت نفسها حائضاً؛ فإنها -بإذن الله تعالى- تأخذ الأجر وإن لم تشرع في الصوم، (فإنما الأعمال بالنيات).

حكم الهدايا للدائن

السؤال: رجل يقرض رجلاً آخر مبلغاً من المال، ويقوم المقترض بإعطاء المقرض بعض السلع كهدية أو كشكر على القرض، ثم يسد ذلك القرض بعد ذلك بكامله، فهل هذا من الربا؟

الجواب: يعني: أنا رجل صاحب محل، أخذت منك ألف جنيه قرضاً حسناً، وكلما مررت من عندي أعطيك بضاعة وأرخص لك أكثر من غيرك، أو أعطيك سلعة بلا ثمن كهدية، أو شكراً لما منحتني، وأنت لم تشرط علي ربا، ولم تستشرف نفسك لذلك، ولم يكن بيننا اتفاق على أنني أرد المال بالزائد، فهل هذا الذي أنا أعطيك إياه يعد ربا؟

الجواب: لا، وقد أخرج مسلم من حديث أبي رافع قال: (استسلف النبي عليه الصلاة والسلام بكراً) بكراً هذا هو الفتى من الإبل، كالغلام في بني آدم، (فجاءته إبل من الصدقة. قال أبو رافع : فأمرني النبي عليه الصلاة والسلام أن أقضي الرجل بكره -يعني: أرجع له بكرته- فقلت: يا رسول الله! لم أجد في الإبل إلا جملاً خياراً رباعياً). يعني: قد بلغ السنة السادسة ودخل في السابعة حتى ظهرت رباعيته. يعني: نحن نريد نقضي الرجل، وقد أعطانا جملاً صغيراً ما أكمل سنة، فكيف نعطيه جملاً عمره ست إلى سبع سنين؟ هذا زائد عما أعطاه، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: (أعطه إياه؛ فإن خيار الناس أحسنهم قضاءً). فرد بالزيادة، وهذه الزيادة ليست ربا، ولم يحصل فيها اتفاق، ولم تستشرف نفس المقرض إلى ذلك، كما أن هذا من حسن القضاء لا من الربا.

وعن جابر قال: (كان لي على النبي عليه الصلاة والسلام دين فقضاني وزادني). فهذا من حسن القضاء لا من الربا؛ لأن بعض الناس يخلط بين البابين.

حكم حديث صلاة التسابيح

السؤال: يقول: هل حديث صلاة التسابيح صحيح؟

الجواب: نعم، الراجح أنه صحيح.

الحكم على حديث: (إن الله ينهاكم عن التعري...) وبعض أحاديث فضائل الأعمال

السؤال: ما صحة حديث النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الله ينهاكم عن التعري فاستحيوا من ملائكة الله الذين معكم الكرام الكاتبين الذين لا يفارقونكم إلا عند إحدى ثلاث حالات: الغائط والجنابة والغسل، فإذا اغتسل أحدكم بالعراء فليستتر بثوبه أو بحائط أو ببعيره).

الجواب: هذه كلها بلا شك أخلاق إسلامية قد وردت وصحت في أدلة أخرى، لكن هذا الحديث بعينه أخرجه البزار بسند ضعيف جداً.

وقوله عليه الصلاة والسلام: (ما من حافظين يرفعان إلى الله عز وجل ما حفظا في يوم، فيرى في أول الصحيفة وفي آخرها استغفاراً إلا قال تعالى: قد غفرت لعبدي ما بين طرفي الصحيفة). هذا الحديث كذلك أخرجه عبد الرزاق بسند ضعيف عن أنس .

وقال عليه الصلاة والسلام: (إن لله ملائكة يعرفون بني آدم، ويعرفون أعمالهم، فإذا نزلوا إلى عبد يعمل بطاعة الله ذكروه بينهم وسموه، وقالوا: أفلح الليلة فلان، نجا الليلة فلان، وإذا نظروا إلى عبد يعمل بمعصية الله ذكروه بينهم وسموه وقالوا: هلك الليلة فلان).

وحديث: (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ورزقه من حيث لا يحتسب)، كلاهما ضعيف.

وحديث في أذكار الصباح والمساء: (اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن، وأعوذ بك من العجز والكسل، وأعوذ بك من الجبن والبخل، وأعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال) حديث صحيح.

وحديث دخول القرية كذلك هو صحيح، (اللهم إني أسألك خير هذه القرية وخير ما فيها ومن فيها، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها ومن فيها).

حكم حقوق الطبع

السؤال: يقول: هل تصوير الكتب الجامعية حرام؟ مع بيان الدليل.

الجواب: الكتب الجامعية عند إطلاق هذا القول يقصد بها كتاب الدكتور. افترض أن الدكتور ما كان يدرس، والدكتور هذا في الغالب يتكلف لطباعة الكتاب، نعم، الدكاترة فيهم جشع، وربما كانوا معذورين في هذا الجشع، يعني: الكتاب الذي هو معمول من ورق اللحمة، طبعاً كلكم فلاحين وتعرفون ورق اللحمة، عندما تشتري كيلو لحمة يعطيك نصف كيلو لحمة ونصف كيلو من الورق، تحط الورق على الكفة فيرجح الميزان مباشرة.

الأصل في الكتاب لو كان مائة صفحة يكون بجنيهين، والدكتور يبيعه بعشرة جنيهات، من أجل أن يعيش نفس الحياة ولو في أول السنة، ثم سيعيش معك على الفول والطعمية، وسيقف معك عند محطة الباصات، لكن القضية أن في الطلاب فعلاً من هو أفقر فلا يستطيع أن يشتري الكتب، مثلاً (20) كتاباً × (5) جنيهات كم تساوي مائة جنيه.

فالطالب هذا لو صور الكتاب فسيصوره بـ(50) قرش، ففي الحالة هذه يجوز التصوير للطالب المعدم الذي لا يقوى ولا يقدر على شراء الكتاب، لكن لا يكون هذا منهجاً عاماً، نحن نقول: الطالب الفقير المعدم الذي لا يمكنه الحصول على الكتاب إلا من هذا الطريق؛ لأن كثيراً من الناس يصور الكتب، فأنت وغيرك وغيرك وغيرك والدفعة كلها لما مثلاً عشرة من الدفعة، يشترون عشر نسخ ويشتركون في ثمنها والبقية يصورون منهم، وبقية الكتب (300) أو (500) نسخة من الذي سيأخذها، طبعاً صاحبها لن يأخذها، مما يضر به ضرراً بالغاً قد رفعه الشرع، فإذا كنت أنت معذوراً بين يدي الله عز وجل لأنه لا يمكن لك الحصول على الكتاب إلا من هذا الطريق فأنت معذور، وإلا فأنت مسئول أمام الله عز وجل يوم القيامة. هذه الصورة الأولى.

الصورة الثانية التي نعتقد تحريمها على طول الخط: صورة الناشرين، الناشر في الغالب لا مصلحة له في تعليم الناس العلم الشرعي، فكل مصلحته مرتبطة بالمكسب المادي، إلا من رحم الله، يحرصون على تبليغ العلم إلى الناس، لكن جل الناشرين ومعظمهم لا دين لهم ولا أخلاق، أي كتاب في السوق يأخذه ويصوره وينزله، الكتاب بـ(20) جنيه في الأصل، وهو ينزله بـ(5) جنيهات. لماذا عملت هكذا؟ لو كان قلبك يؤلمك لماذا لا تطبع الكتاب طبعة وقف وتوزعها على طلاب العلم؟ لكن أن تصور الكتاب تصويراً رديئاً ونقول: الذي يريد العلم لا تهمه الطبعة الفخمة. ثم تدعي مراعاة طلبة العلم! هذا لا يجوز. ففي هذه الحالة لا شك أن عمل الناشرين لا يصح شرعاً، لا من قريب ولا من بعيد، ولذلك أي كتاب مسروق وغير مسروق يجب الانصراف عنه وعدم شرائه إذا بلغك أنه مسروق وليس للناشر، بل أنت شريك له في الإثم إذا اشتريته.

القضايا العقدية المختلف فيها بين أهل السنة والأشاعرة

السؤال: هل اختلاف الأشاعرة مع أهل السنة والجماعة في فروع العقيدة أم في أصول العقيدة؟

الجواب: نعم، الأشاعرة يختلفون مع أهل السنة والجماعة في أصول العقيدة؛ لأن خلاف الأشاعرة مع أهل السنة مرتبط بالأسماء والصفات لله عز وجل، فهم قد أولوا الأسماء والصفات وصرفوها عن ظاهرها صرفاً لا يتفق مع مراد الله عز وجل، وخالفوا في ذلك أهل السنة والجماعة.

صحة حديث: (لا نكاح إلا بولي)

ما صحة حديث: (لا نكاح إلا بولي).

الجواب: حديث: (لا نكاح إلا بولي، وشاهدي عدل) حديث صحيح.

درجة حديث: (سلمان منا آل البيت)

السؤال: ما صحة حديث: (سلمان منا آل البيت

الجواب: لم يصح من قول النبي عليه الصلاة والسلام، ولكنه صحيح من قول علي بن أبي طالب وموقوف عليه.

الحكم على مقولة: (رحم الله امرأً عرف قدر نفسه)

السؤال: ما صحة حديث: (رحم الله امرأً عرف قدر نفسه) ؟

الجواب: هذا ليس حديثاً، وإنما هو كلام درج على ألسنة الناس.

درجة حديث الكساء

السؤال: ما درجة حديث: (أن النبي عليه الصلاة والسلام ألقى عباءته على فاطمة وعلي والحسن والحسين رضي الله عنهم وقال: هؤلاء هم أهل بيتي) هل هو صحيح؟

الجواب: نعم صحيح، أخرجه الترمذي وغيره بسند صحيح.

حكم تغطية المرأة لشعرها عند قراءة القرآن

السؤال: هل يجب على المرأة تغطية رأسها عند قراءة القرآن؟

الجواب: لا يجب أبداً، بل يستحب لها ذلك، تأدباً مع كلام الله.

أحكام السترة للمنفرد

السؤال: هل يجب على المصلي المنفرد اتخاذ سترة؟ وإن لم يتخذها هل يجوز المرور أمامه دون إذن؟

الجواب: اختلف أهل العلم في مدى وجوب سترة المصلي من عدمه، فبعض أهل العلم ذهب إلى الوجوب كـالشوكاني ومن بعده الألباني .

وأما جمهور أهل العلم فعلى أن سترة المصلي مستحبة وليست واجبة، ولمن قال بالوجوب أدلة، ولمن قال بالإستحباب أدلة أخرى صرفت هذا الوجوب إلى الاستحباب، وليس هذا مقام التفصيلات.

ثم يقول: وإن لم يتخذ؟

طبعاً بلا شك لو أن المصلي اتخذ سترة يحرم المرور بين يديه؛ لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (لو يعلم المار بين يدي المصلي ماذا عليه من الإثم لوقف أربعين) قال الراوي: لا أدري أربعين سنة أو شهراً أو أسبوعاً أو يوماً.

فلا شك أن هذا التحذير شديد، إذا صليت إلى سترة فهذا صارف للوجوب، (إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة) أمر، وقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إذا صلى أحدكم إلى سترة) يصرف الوجوب. وحديث: (إذا صلى أحدكم إلى سترة فأراد أحد أن يمر بين يديه فليدفعه، فإن أبى فليقاتله فإنما هو شيطان). هذا يصرف الوجوب، كما أنه يثبت تحريم المرور بين يدي المصلي.

لكن فرضاً لو أن شخصاً صلى بنا إلى غير سترة، هل يجوز لي أن أمر من أمامه مباشرة؟

الجواب: لا، ولكنك تقدر له ثلاثة أذرع ثم تمر من بعد هذه الثلاثة أذرع؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام سئل: (كم بين الرجل وبين سترته؟ قال: ثلاثة أذرع) والذراع قدره من المرفق إلى الرسغ، فالمرء يسجد بقدميه ذراع، وببطنه أو ظهره ذراع، ويبقى بينه وبين موطن السترة مقدار مرور شاة، وهذا هو الذراع الثالث، فأنت تقدر الثلاثة أذرع ثم تمر من بعده ولا حرج عليك.

وبعض أهل العلم قالوا: يحرم المرور بين يدي المصلي، وإن لم يتخذ سترة، ولو كان هو في مؤخرة المسجد والمار في مقدم المسجد.

حكم الصلاة خلف من ينقر الصلاة

السؤال: أصلي في مسجد الأوقاف بحكم تواجدي في عملي، ولا أستطيع أن أقرأ بتدبر أو أطمئن في الركوع والسجود، وعندما أخرج من الصلاة أشعر أني لم أصل.

الجواب: أنت لست محتاجاً لأن تدافع عن نفسك، والذين يصلون في مسجد الأوقاف هل كفروا؟ صل في مسجد الأوقاف.

وإذا كان هذا شعورك من الأوقاف بلغ إلى هذا الحد فالأمر متعلق بشخصك أنت، وإذا كان لأجل نقر الإمام الصلاة نقراً لا تصح معه الصلاة فصل مع الإمام ثم صل وحدك مرة أخرى؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام دخل المسجد فوجد رجلاً ينقر صلاته فأمره أن يعيد الصلاة، وهذا الحديث معروف عند الناس بحديث المسيء في صلاته.

لما فرغ منها أتى إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: (السلام عليك يا رسول الله! قال: وعليك السلام، ارجع فصل فإنك لم تصل). فلو لم تكن صلاته باطلة لهذا النقر لما أمره بإعادة الصلاة.

وقوله: (فإنك لم تصل) لا يحمل على التمام والكمال، وإنما يحمل على أصل الصحة.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله تعالى لي ولكم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح أصول اعتقاد أهل السنة - ما جاء من الآيات في الحث على الاتباع للشيخ : حسن أبو الأشبال الزهيري

https://audio.islamweb.net