اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح صحيح مسلم - كتاب الأيمان والنذور - النهي عن الإصرار على اليمين للشيخ : حسن أبو الأشبال الزهيري
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح صحيح مسلم - كتاب الأيمان والنذور - النهي عن الإصرار على اليمين للشيخ : حسن أبو الأشبال الزهيري
وبعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أما بعد:
الباب السادس من كتاب الإيمان في صحيح مسلم :
قال النووي رحمه الله:
(باب النهي عن الإصرار على اليمين فيما يتأذى به أهل الحالف مما ليس بحرام).
يعني: لو حلف الرجل على أهله يميناً أن يفعل كذا أو ألا يفعل كذا، وكان أهل الحالف يتضررون من هذا اليمين ضرراً جسيماً بليغاً، والحنث في هذا اليمين ليس بمعصية فيجب عليه أن يحنث؛ حتى لا يتضرر أهله بسبب هذا اليمين.
فلو قال رجل لامرأته: والله لا تذهبي إلى بيت أهلك، ولم يقل لها: أنت طالق إن ذهبت، وإنما قال: والله لا تذهبي إلى بيت أهلك فهذا فضلاً عن مخالفته لهدي الشرع والآداب المحمدية يتنافى مع آداب الحياة الزوجية، فنقول له: كفر عن يمينك وائت الذي هو خير، فلو قال: لا، أنا أشعر بالإثم في الحنث، وأتورع عن الحنث، واستمر وأصر على هذا اليمين، فنقول له: السنة في مثل هذا أن تحنث وأن تكفر، وإصرارك على اليمين أعظم إثماً من الحنث، هذا إذا ثبت الإثم، ولا إثم في الحنث ما دمت ستكفر.
فإذا حلف الرجل على أهله يميناً يتضررون به وجب عليه أن يحنث وأن يكفر عن يمينه ما لم يكن الحنث معصية.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [حدثنا محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن همام بن منبه قال: هذا ما حدثنا أبو هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر أحاديث منها].
وصحيفة همام عن أبي هريرة صحيفة معروفة.
قال: [وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والله لأن يلجَّ أحدكم بيمينه في أهله آثم له عند الله من أن يعطي كفارته التي فرض الله)].
فالنبي عليه الصلاة والسلام يقسم هنا مع أنه صادق بغير قسم، لكن لتوكيد الأمر، قال: (لأن يلج أحدكم بيمينه في أهله)، واللجاج هو الإصرار، يعني: لئن يصرَّ أحدكم على يمينه الذي حلفه على أهله أن يفعل كذا، أو ألا يفعل كذا.
(آثم له)، يعني: أكثر إثماً وأعظم جرماً له.
(عند الله عز وجل من أن يعطي كفارته التي فرض الله)، يعني: يجب عليه أن يحنث، وأن يكفر عن هذا الحنث، وألا يعبأ بهذا اليمين بعد الكفارة؛ لأن إصراره على اليمين الذي تضرر به أهله وليس معصية لله عز وجل أعظم من الحنث.
قال النووي : (معنى الحديث: أنه إذا حلف يميناً تتعلق بأهله ويتضررون بعدم حنثه، والحنث ليس بمعصية؛ فينبغي له أن يحنث، فيفعل ذلك الشيء ويكفر عن يمينه، فإن قال: لا أحنث، بل أتورع عن ارتكاب الحنث وأخاف الإثم فيه فهو مخطئ بهذا القول، بل استمراره في عدم الحنث وإدامة الضرر على أهله أكثر إثماً).
والنذر واجب، فلو أن إنساناً نذر أن يصوم فإن هذا النذر ليس من باب النافلة، وإنما هو صوم واجب، وإذا نذر أن يصلي نافلة كذلك، أي: أن هذه النافلة تصبح واجبة، فلم تعد بالنذر من باب المندوبات والمستحبات، بل من باب الواجبات، فالنذر واجب.
فإذا نذر الكافر -أي: في أيام كفره- ثم أسلم بعد ذلك، فيلزمه أداؤه بعد الإسلام.
قال: [ حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ومحمد بن المثنى وزهير بن حرب واللفظ لـزهير قالوا جميعاً: حدثنا يحيى -وهو ابن سعيد القطان- عن عبيد الله العمري قال: أخبرني نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (يا رسول الله! إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام). وأهل الجاهلية كانوا يعظمون المسجد الحرام، فـعمر في أيام جاهليته وحال كفره كان قد نذر لله تعالى أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام.
فقال النبي عليه الصلاة والسلام له بعد إسلامه: [(فأوف بنذرك)]، أي: يلزمك الوفاء بنذرك.
ففي هذا الحديث: نذر عمر أن يعتكف ليلة، وقد اختلف أهل العلم فيما يتعلق بشرط الصوم في الاعتكاف، فبعضهم يقول: الصوم شرط في الاعتكاف، والبعض الآخر يقول: ليس بشرط، وهو الذي يترجح من كلام أهل العلم، ودليلهم هذا الحديث، فـعمر نذر أن يعتكف ليلة، والليل ليس محلاً للصيام، وإنما محل الصيام هو النهار، فكونه قد نذر ليلة أن يعتكف في المسجد الحرام والنبي صلى الله عليه وسلم أمره بالوفاء بهذا النذر يدل على عدم اشتراط الصوم في الاعتكاف.
قال: [ وحدثنا أبو سعيد الأشج -وهو عبد الله بن سعيد الكندي الكوفي- حدثنا أبو أسامة -وهو حماد بن أسامة- وحدثنا محمد بن المثنى -وهو العنزي المعروف بـالزمن- حدثنا عبد الوهاب -وهو ابن عبد المجيد الثقفي- وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء وإسحاق بن إبراهيم جميعاً عن حفص بن غياث، (ح) وحدثنا محمد بن عمرو بن جبلة بن أبي رواد حدثنا محمد بن جعفر -وهو غندر- حدثنا شعبة كلهم عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر، وقال حفص -أي: حفص بن غياث- من بينهم عن عمر]، أي: ولم يقل: عن ابن عمر فحسب، بل قال: عن ابن عمر عن عمر .
قال: [ أما أبو أسامة وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ففي حديثهما (اعتكاف ليلة)، وأما في حديث شعبة فقال: (جعل عليه يوماً يعتكفه)]. والمعروف أن اليوم إذا أطلق فإنه يراد به النهار بخلاف الليل، ولذلك كتب الأذكار كلها دائماً تسمى بأذكار اليوم والليلة، فاليوم ليس أربعاً وعشرين ساعة، وإنما هو من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، والليلة من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، فهناك فرق بين اليوم وبين الليلة، ولكن أهل اللغة يطلقون تجوزاً على الليل يوماً، وإن كان هذا ليس من جهة التقسيم اللغوي.
قال: [ وليس في حديث حفص ذكر يوم ولا ليلة].
وكأن عمر رضي الله عنه قال: (يا رسول الله! إني نذرت أن أعتكف في الجاهلية)، ولم يذكر يوماً ولا ليلة، فقال عليه الصلاة والسلام: (أوف بنذرك).
قال: [ وحدثني أبو الطاهر أخبرنا عبد الله بن وهب حدثنا جرير بن حازم أن أيوب -وهو ابن أبي تميمة السختياني البصري- حدثه أن نافعاً -وهو نافع الفقيه مولى عبد الله بن عمر- حدثه أن عبد الله بن عمر حدثه: (أن عمر بن الخطاب سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة بعد أن رجع من الطائف، فقال: يا رسول الله! إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يوماً في المسجد الحرام، فكيف ترى؟ قال: اذهب فاعتكف يوماً، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطاه جارية من الخمس، فلما أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا الناس سمع عمر بن الخطاب أصواتهم يقولون: أعتقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم! فقال: ما هذا؟ فقالوا: أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا الناس، فقال عمر : يا عبد الله ! اذهب إلى تلك الجارية فخل سبيلها).
وهذا الحديث يبين أن النبي عليه الصلاة والسلام إنما اعتمر من الجعرانة، والجعرانة في الحل، ومن المعلوم أن من كان في مكة وأراد أن يعتمر فليخرج إلى الحل، وإذا كان متمتعاً فإنما إهلاله للحج من مكانه أو من بيته أو من المسجد الحرام، أو من أي مكان في مكة أراده أو شاءه.
والنبي عليه الصلاة والسلام اعتمر في حياته كلها أربع عمر، وحج مرة واحدة بعد البعثة، وهي المعروفة بحجة الوداع، وحج مرة قبل البعثة، هذا مجموع حجه وعمره صلوات ربي وسلامه عليه.
فلما رجع النبي عليه الصلاة والسلام من الجعرانة وهو في طريق الطائف قال عمر : (يا رسول الله! إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يوماً في المسجد الحرام). فحدد الزمان والمكان.
(فكيف ترى يا رسول الله؟! فقال النبي عليه الصلاة والسلام: اذهب فاعتكف يوماً). وكان عمر رضي الله عنه قد أخذ جارية من النبي عليه الصلاة والسلام، وكانت حظه ونصيبه، ونحن نعلم أن الخمس من المغنم أو الفيء خاص وخالص للنبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنه لا يأخذ من الصدقات، فالصدقات محرمة عليه وعلى أهل بيته، فلا يأخذ منها، فالله عز وجل أعطاه من الأنفال الخمس يحتفظ بها لنفسه، ويوزعها في أصحابه وأهل بيته، وله حق التصرف فيها بما يراه.
فلما وقعت هذه الجواري في حظه عليه الصلاة والسلام من الخمس، فرق بعضها في أصحابه، وأمسك البعض الآخر، وهذا البعض الذي كان للنبي عليه الصلاة والسلام -وهن السبي- قام إليهن فأعتقهن، فصاح الناس من الفرح، فسأل عمر ، فقالوا: أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا الناس، وكان قد أعطاه جارية من الخمس، فقال: (يا عبد الله بن عمر ! اذهب إلى هذه الجارية فخل سبيلها)، أي: أعتقها كما أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا الناس.
قال: [ وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: (لما قفل -أي: رجع- النبي صلى الله عليه وسلم من حنين سأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نذر كان نذره في الجاهلية اعتكاف يوم)، ثم ذكر بمعنى حديث جرير بن حازم .
فكأن عمر رضي الله عنه نذر في الجاهلية مرة أن يعتكف ليلة، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم باعتكاف هذه الليلة، ونذر مرة أخرى في الجاهلية أن يعتكف يوماً، وكان قد نسي هذا لما سأل أولاً عن اعتكاف الليلة، فلما تذكر نذره الثاني في الجاهلية -وهو أنه نذر كذلك أن يعتكف يوماً- سأل النبي عليه الصلاة والسلام فقال له النبي عليه الصلاة والسلام: (أوف بنذرك).
وهذا هو الجمع بين الروايات، وبعض الناس يقول: يطلق على الليل اليوم، فيكون مرد ذلك كله إلى أن عمر نذر أن يعتكف يوماً لا ليلة، وهذا كلام مردود حتى على قول من قال بلزوم الصوم في الاعتكاف؛ لأن الكافر لا يصح منه الصوم، وعمر بن الخطاب لم يكن قبل الإسلام يهودياً ولا نصرانياً من أهل الكتاب، بل كان مشركاً عابد وثن، ولا يصح منه صيام والحالة هذه، ولذلك سأل بعد إسلامه عن حكم هذا النذر، وسواء نذر أن يعتكف ليلة أو يعتكف يوماً؛ لأن كلاهما وقع منه رضي الله عنه.
والنبي عليه الصلاة والسلام أمره بأن يوفي بنذره في الحالين، وليست الحجة في نذر عمر ، بل الحجة في قول النبي عليه الصلاة والسلام، ونذر عمر هذا شيء ثانوي؛ ولكن الحجة في أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالوفاء بنذره، فالحجة في أمره عليه الصلاة والسلام، قال: (أوف بنذرك)، والنذر وقع في حالين: في حال الليل وفي حال النهار.
قال: [ وحدثنا أحمد بن عبدة الضبي حدثنا حماد بن زيد حدثنا أيوب عن نافع قال: ذكر عند ابن عمر عمرة رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجعرانة، فقال: لم يعتمر منها، قال: وكان عمر نذر اعتكاف ليلة في الجاهلية، ثم ذكر نحو حديث جرير بن حازم ومعمر عن أيوب .
وإنكار عبد الله بن عمر هنا لعمرة النبي صلى الله عليه وسلم من الجعرانة إنما هو إنكار متعلق بعلم عبد الله بن عمر ، وليس إنكاراً مطلقاً، وهذا الإنكار فيه نفي حدوث العمرة من الجعرانة، وهو نفي لعلم ابن عمر أن النبي عليه الصلاة والسلام اعتمر من الجعرانة، ولكن قد ثبت في الحديث عند مسلم: أن النبي عليه الصلاة والسلام اعتمر أربع عمر، إحداهن من الجعرانة، والحديث ثابت وصحيح. وأما ابن عمر فأنكر ما لم يكن في علمه، والإنكار ليس اتهاماً للآخرين، والكذب يطلق أحياناً ويراد به غير الحقيقة، فليس من لازم الكذب تأثيم قائله، كما قال سعيد بن جبير رحمه الله تعالى لـابن عباس: (إن نوف البكالي يزعم أن موسى صاحب الخضر ليس هو موسى بن عمران، أي: ليس هو موسى النبي، وإنما هو موسى غيره، فقال ابن عباس : كذب عدو الله). فالكذب يطلق على الكلام الذي خرج على غير حقيقته في الواقع، سواء تعمده صاحبه أم لم يتعمده، هذا تعريف الكذب عند أهل السنة، بخلاف المعتزلة.
والنذر واجب، فلو أن إنساناً نذر أن يصوم فإن هذا النذر ليس من باب النافلة، وإنما هو صوم واجب، وإذا نذر أن يصلي نافلة كذلك، أي: أن هذه النافلة تصبح واجبة، فلم تعد بالنذر من باب المندوبات والمستحبات، بل من باب الواجبات، فالنذر واجب.
فإذا نذر الكافر -أي: في أيام كفره- ثم أسلم بعد ذلك، فيلزمه أداؤه بعد الإسلام.
قال: [ حدثنا محمد بن أبي بكر المقدمي ومحمد بن المثنى وزهير بن حرب واللفظ لـزهير قالوا جميعاً: حدثنا يحيى -وهو ابن سعيد القطان- عن عبيد الله العمري قال: أخبرني نافع عن ابن عمر أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: (يا رسول الله! إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام). وأهل الجاهلية كانوا يعظمون المسجد الحرام، فـعمر في أيام جاهليته وحال كفره كان قد نذر لله تعالى أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام.
فقال النبي عليه الصلاة والسلام له بعد إسلامه: [(فأوف بنذرك)]، أي: يلزمك الوفاء بنذرك.
ففي هذا الحديث: نذر عمر أن يعتكف ليلة، وقد اختلف أهل العلم فيما يتعلق بشرط الصوم في الاعتكاف، فبعضهم يقول: الصوم شرط في الاعتكاف، والبعض الآخر يقول: ليس بشرط، وهو الذي يترجح من كلام أهل العلم، ودليلهم هذا الحديث، فـعمر نذر أن يعتكف ليلة، والليل ليس محلاً للصيام، وإنما محل الصيام هو النهار، فكونه قد نذر ليلة أن يعتكف في المسجد الحرام والنبي صلى الله عليه وسلم أمره بالوفاء بهذا النذر يدل على عدم اشتراط الصوم في الاعتكاف.
قال: [ وحدثنا أبو سعيد الأشج -وهو عبد الله بن سعيد الكندي الكوفي- حدثنا أبو أسامة -وهو حماد بن أسامة- وحدثنا محمد بن المثنى -وهو العنزي المعروف بـالزمن- حدثنا عبد الوهاب -وهو ابن عبد المجيد الثقفي- وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة ومحمد بن العلاء وإسحاق بن إبراهيم جميعاً عن حفص بن غياث، (ح) وحدثنا محمد بن عمرو بن جبلة بن أبي رواد حدثنا محمد بن جعفر -وهو غندر- حدثنا شعبة كلهم عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر، وقال حفص -أي: حفص بن غياث- من بينهم عن عمر]، أي: ولم يقل: عن ابن عمر فحسب، بل قال: عن ابن عمر عن عمر .
قال: [ أما أبو أسامة وعبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ففي حديثهما (اعتكاف ليلة)، وأما في حديث شعبة فقال: (جعل عليه يوماً يعتكفه)]. والمعروف أن اليوم إذا أطلق فإنه يراد به النهار بخلاف الليل، ولذلك كتب الأذكار كلها دائماً تسمى بأذكار اليوم والليلة، فاليوم ليس أربعاً وعشرين ساعة، وإنما هو من طلوع الفجر إلى غروب الشمس، والليلة من غروب الشمس إلى طلوع الفجر، فهناك فرق بين اليوم وبين الليلة، ولكن أهل اللغة يطلقون تجوزاً على الليل يوماً، وإن كان هذا ليس من جهة التقسيم اللغوي.
قال: [ وليس في حديث حفص ذكر يوم ولا ليلة].
وكأن عمر رضي الله عنه قال: (يا رسول الله! إني نذرت أن أعتكف في الجاهلية)، ولم يذكر يوماً ولا ليلة، فقال عليه الصلاة والسلام: (أوف بنذرك).
قال: [ وحدثني أبو الطاهر أخبرنا عبد الله بن وهب حدثنا جرير بن حازم أن أيوب -وهو ابن أبي تميمة السختياني البصري- حدثه أن نافعاً -وهو نافع الفقيه مولى عبد الله بن عمر- حدثه أن عبد الله بن عمر حدثه: (أن عمر بن الخطاب سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بالجعرانة بعد أن رجع من الطائف، فقال: يا رسول الله! إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يوماً في المسجد الحرام، فكيف ترى؟ قال: اذهب فاعتكف يوماً، قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أعطاه جارية من الخمس، فلما أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا الناس سمع عمر بن الخطاب أصواتهم يقولون: أعتقنا رسول الله صلى الله عليه وسلم! فقال: ما هذا؟ فقالوا: أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا الناس، فقال عمر : يا عبد الله ! اذهب إلى تلك الجارية فخل سبيلها).
وهذا الحديث يبين أن النبي عليه الصلاة والسلام إنما اعتمر من الجعرانة، والجعرانة في الحل، ومن المعلوم أن من كان في مكة وأراد أن يعتمر فليخرج إلى الحل، وإذا كان متمتعاً فإنما إهلاله للحج من مكانه أو من بيته أو من المسجد الحرام، أو من أي مكان في مكة أراده أو شاءه.
والنبي عليه الصلاة والسلام اعتمر في حياته كلها أربع عمر، وحج مرة واحدة بعد البعثة، وهي المعروفة بحجة الوداع، وحج مرة قبل البعثة، هذا مجموع حجه وعمره صلوات ربي وسلامه عليه.
فلما رجع النبي عليه الصلاة والسلام من الجعرانة وهو في طريق الطائف قال عمر : (يا رسول الله! إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف يوماً في المسجد الحرام). فحدد الزمان والمكان.
(فكيف ترى يا رسول الله؟! فقال النبي عليه الصلاة والسلام: اذهب فاعتكف يوماً). وكان عمر رضي الله عنه قد أخذ جارية من النبي عليه الصلاة والسلام، وكانت حظه ونصيبه، ونحن نعلم أن الخمس من المغنم أو الفيء خاص وخالص للنبي عليه الصلاة والسلام؛ لأنه لا يأخذ من الصدقات، فالصدقات محرمة عليه وعلى أهل بيته، فلا يأخذ منها، فالله عز وجل أعطاه من الأنفال الخمس يحتفظ بها لنفسه، ويوزعها في أصحابه وأهل بيته، وله حق التصرف فيها بما يراه.
فلما وقعت هذه الجواري في حظه عليه الصلاة والسلام من الخمس، فرق بعضها في أصحابه، وأمسك البعض الآخر، وهذا البعض الذي كان للنبي عليه الصلاة والسلام -وهن السبي- قام إليهن فأعتقهن، فصاح الناس من الفرح، فسأل عمر ، فقالوا: أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا الناس، وكان قد أعطاه جارية من الخمس، فقال: (يا عبد الله بن عمر ! اذهب إلى هذه الجارية فخل سبيلها)، أي: أعتقها كما أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم سبايا الناس.
قال: [ وحدثنا عبد بن حميد أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: (لما قفل -أي: رجع- النبي صلى الله عليه وسلم من حنين سأل عمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عن نذر كان نذره في الجاهلية اعتكاف يوم)، ثم ذكر بمعنى حديث جرير بن حازم .
وقال المغيرة المخزومي وأبو ثور والبخاري وابن جرير وبعض أصحابنا: يصح، وحجتهم ظاهر حديث عمر .
وأجاب الأولون عنه: أنه محمول على الاستحباب، أي: يستحب لك أن تفعل الآن مثل ذلك الذي نذرته في الجاهلية).
فالجمهور على أن نذر الكافر لا يصح، وغير الجمهور على صحته، ودليلهم هذا الحديث، ولو كان نذر الكافر لا يصح منه وليس بمعتبر لقال عليه الصلاة والسلام لـعمر : لا بأس عليك، أو لا حرج عليك، أو لا تفعل، فلما قال له: (أوف بنذرك) دل على اعتبار نذره الذي نذره في الجاهلية، وهذا فيه دليل على أن النذر واجب في حقه، وأما أنه مندوب ومستحب كما قال بعض أهل العلم فهذا كلام غير سديد.
وأما الرواية التي فيها اعتكاف يوم فلا تخالف رواية اعتكاف ليلة؛ لأنه يحتمل أنه سأله عن اعتكاف ليلة وسأله عن اعتكاف يوماً)، يعني: حدث منه هذا وذاك.
قال: (فأمره بالوفاء بما نذر، فحصل منه صحة اعتكاف ليلة واحدة لما أمره باعتكاف الليل، ثم أمره باعتكاف النهار حسبما وجه إليه من سؤال، فهذا يدل على صحة الاعتكاف في الليل كما يصح الاعتكاف في النهار.
وفي رواية عند الدارقطني بإسناد جيد لما نذر عمر أن يعتكف ليلة في المسجد الحرام فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له: (أوف بنذرك، فاعتكف عمر ليلة).
فهذا صريح في أن الاعتكاف قد تم بالفعل، (فاعتكف عمر ليلة)، وهذا مذهب الشافعي ، وبه قال الحسن البصري وأبو ثور وداود وابن المنذر، وهو أصح الروايتين عن أحمد . قال ابن المنذر : وهو مروي عن علي وابن مسعود ، وقال ابن عمر وابن عباس وعائشة وعروة بن الزبير والزهري ومالك والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق في رواية: لا يصح إلا بصوم، وهو قول أكثر العلماء).
وهذا القول ليس قولاً سديداً ولا صحيحاً، وإنما الصحيح صحة الاعتكاف من غير صوم، وأنت تعمل هذا في الحياة العملية، ففي رمضان عندما تريد الاعتكاف تذهب إلى عملك صباحاً وترجع عصراً إلى معتكفك ثم تخرج منه في الفجر. ففي الحقيقة أنت لم تعتكف صائماً، وإنما اعتكفت مفطراً في الليل، وكثير من الناس يدخل المعتكف بعد أن يفطر في بيته ويذهب إلى المسجد لصلاة العشاء، وينوي الاعتكاف إلى الصلاة، وهذا على رأي ضعيف.
ولفظ صحبة المماليك لفظ لطيف جداً، فكأن السيد صاحب لعبده، وكأن العبد صاحب لسيده، وليس خادماً ولا مولى ولا عبداً ولا رقيقاً عنده، فهذه الكلمة مشعرة بالود والتراحم بين المسلمين حتى مع اختلاف درجاتهم وطبقاتهم.
قال ابن عمر [: (إلا أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتقه) ].
والعلماء يفرقون في ضرب المماليك أو في ضرب الخدم -والخدم هم الإماء الرقيق- بين الضرب المبرح والضرب الخفيف، وقال الدارقطني : إذا كان ضرباً مبرحاً فإنما كفارته العتق، وإذا كان ضرباً خفيفاً لا يتأذى به المملوك فليس على سيده شيء.
و عبد الله بن عمر لما أعتق هذا المملوك أخذ عوداً من الأرض وظل ينكت به في الأرض وهو يقول: (ما في عتق هذا المملوك من الأجر ما يسوى هذا)، يعني: كأنه يقول: ليس لي في عتق هذا المملوك أجر إلا أجراً ضئيلاً جداً؛ لأنني ما أعتقته احتساباً لله عز وجل، وإنما أعتقته كفارة، أي: أنه لم يكن منه العتق الأولي بغير كفارة.
قال: [ وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لـابن المثنى قالا: حدثنا محمد بن جعفر -وهو المعروف بـغندر- حدثنا شعبة عن فراس الهمداني قال: سمعت ذكوان يحدث عن زاذان : (أن ابن عمر دعا بغلام له، فرأى بظهره أثراً -أي: أثر الضرب الذي ضربه إياه ابن عمر- فقال له: أوجعتك؟ قال: لا، قال: فأنت عتيق) ]. وقول العبد لما قال له سيده عبد الله بن عمر: أوجعتك؟ قال: لا، يدل على أن هذا الضرب غير مبرح، وعلى هذا يكون أعتقه ابن عمر استحباباً وخروجاً من الخلاف، وربما يكون جواب العبد بقوله: لا، أو: ما أوجعتني على سبيل التأدب مع سيده، مع أنه قد أوجعه، فأراد ابن عمر رضي الله عنه أن يخرج من ذنبه مخافة أن يكون دفعه الحياء إلى عدم ذكر ألمه ووجعه، فقال: فأنت عتيق، أي: أنت حر لوجه الله.
[ (قال: ثم أخذ شيئاً من الأرض فقال: ما لي فيه من الأجر ما يزن هذا، إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من ضرب غلاماً له حداً لم يأته، أو لطمه فإن كفارته أن يعتقه) ].
(من ضرب غلاماً له حداً)، أي: قدر ما يساوي حداً، ولا حد في أقل من عشرة أسواط، فمهما فعل المرء من ذنب، فإنه يحرم على المؤدب أو المعلم أو السلطان أو السيد أن يضربه تعزيراً فوق عشرة أسواط، إذا لم يكن هذا الذنب كبيرة من كبائر الذنوب، ويستحق إقامة الحد عليه، وأقل الحد عشرة أسواط.
وهذا يدخل فيه المعلم والمدرس والكبير والزوج والأب، وننبه جميع المسئولين ومن كان تحت أيديهم رعايا أنه إذا أخطئوا فإنما يعزرون ما لم يبلغ خطؤهم إلى درجة الحد، ولا إقامة للحد في هذه الأزمان -ولا حول ولا قوة إلا بالله- فلم يبق لنا إلا التعزير، والتعزير أقصاه عشرة أسواط، وليس بلازم أن تأتي بأقصى عقوبة في التعزير، والتعزير منه التوبيخ والوعظ والزجر واللوم والهجر، ويكون الضرب في نهاية الأمر، ويكون ضرباً غير مبرح.
وليس لازماً أن يبلغ الضرب في التعزير أقصاه، بل ربما يكفي ضربه ضربة واحدة أو اثنتين أو ثلاثاً، وقد يضرب الواحد منا ولده فوق هذا الحد، أي: العشرة الأسواط، وربما يضرب المعلم التلميذ فوق العشرة الأسواط، وربما يضرب السيد عبده فوق العشرة الأسواط، فإذا كان ذلك بغير بلوى قد وقع فيها العبد فيكون هذا السيد قد حده في غير ما يستوجب الحد، فكفارته أن يعتق، وكذلك إذا لطمه على وجهه، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (إذا ضرب السيد عبده حداً لم يأته، أو لطمه)، والمعروف أن اللطمة لطمة واحدة، وتكون على صفحة الوجه أو ما غطى من الوجه، فانظر إلى هذا الفقه العجيب، فإن ضربه فوق العشرة أسواط، أو لطمه على وجهه لطمة واحدة ففي الحالتين الكفارة إعتاق هذا العبد؛ لأن الوجه له حرمة تختلف عن حرمة بقية البدن، ولما لطم معاوية بن الحكم السلمي جارية له ذهب إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقال: (يا رسول الله! إني لطمت جاريتي)، ولا يقال للضرب لطم إلا إذا كان في الوجه. (قال: أين هي؟ قال: هي ذي، فأدناها النبي عليه الصلاة والسلام فقال: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: ومن أنا؟ قالت: أنت رسول الله، فقال النبي عليه الصلاة والسلام لـمعاوية بن الحكم: أعتقها؛ فإنها مؤمنة)، وذلك لمعرفتها بعلو الله تعالى واستوائه على عرشه، ومعرفتها كذلك بمقام النبوة والرسالة في نبينا عليه الصلاة والسلام.
ثم قال عليه الصلاة والسلام: (إذا ضرب أحدكم فليجتنب الوجه؛ فإن الله خلق آدم على صورته)، وفي رواية: (فإن الله خلق آدم على صورة الرحمن). وقد قال بعض العلماء بعود الضمير في قوله: (صورته) على المضروب، فيكون المعنى: فإن الله خلق آدم على صورة المضروب، وفي الرواية الثانية قال عليه الصلاة والسلام: (فإن الله خلق آدم على صورة الرحمن)، وليس في هذا تشبيه الخالق بالمخلوق، فإن الصورة من صفات الله عز وجل، ولكل ذات صورة بلا خلاف، وإذا كنا نؤمن إيماناً جازماً بأن لله تعالى ذاتاً، فلابد أن نقول بإثبات الصورة له، ثم نثبت إيماننا فيما يتعلق بصفات الله تبارك وتعالى كلها على مثل إثبات هذه الصفة، فنؤمن بأن لله تعالى يداً وساقاً وعينين ونفساً، وغير ذلك من الصفات، سواء الذاتية أو الفعلية أو الخبرية، فإذا كنا نؤمن بذلك فينبغي أن نؤمن بأن لله تعالى كذلك صورة، وكما قلنا في اليد أنها يد ليست كيد المخلوقين؛ لأنه لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، فكذلك نقول: إن لله تعالى صورة ليست كصورة المخلوقين.
أما ما يشتبه على بعض الأذهان في قوله: (فإن الله خلق آدم على صورة الرحمن)، من أنه يلزم من هذا المشابهة في الصورة بين صورة آدم وصورة المولى عز وجل، فنقول: هذا فهم خاطئ للنص، وإنما الفهم الصحيح: أن الله تعالى كما أن له صورة فكذلك خلق آدم على صورته، فلآدم صورة كما أن لله تعالى صورة، والله تبارك وتعالى حرم ضرب الصورة، والصورة تطلق في الأصل على الوجه، ولذلك لما حرم الصور عليه الصلاة والسلام قال: (إذا قطع الرأس فلا صورة)، وهذا يدل على أن الرأس هو محل الصورة. ولو صورت بدناً عظيماً أو نحيفاً أو هزيلاً بغير رأس فإنه لا يطلق على هذا البدن صورة، بل لن يعرفه أحد، وإذا صورت الوجه فقط بغير جسد عرف الناس أن هذه صورة فلان، فالصورة هي الوجه، ولله عز وجل كذلك وجه، وقد أثبت ذلك في كتابه سبحانه وتعالى فقال: كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ [القصص:88]. فأثبت الوجه لنفسه ولذاته سبحانه وتعالى، وكذلك آدم له وجه، وليس وجه آدم كوجه الله، وصورة آدم ليست كصورة الله عز وجل، بل نثبت الصورة لآدم على أنها صورة مخلوق، وهي لا تماثل ولا تكافئ ولا تشابه صورة الخالق تبارك وتعالى.
فقوله: (فإن الله خلق آدم على صورة الرحمن)، أي: كما خلق آدم على صورة، فكذلك الله تبارك وتعالى له صورة. والله تعالى حرم ضرب الصور، فيحرم عليكم أن تضربوا الوجه أياً كان هذا الوجه، سواء كان وجه الابن أو العبد أو الزوجة، أو غير ذلك، فإن هذا محرم في الإسلام.
وقد جعل النبي عليه الصلاة والسلام كفارة من لطم الوجه مرة واحدة كمن ضرب عبده حداً لم يأته فوق عشرة أسواط، فقال: (من ضرب غلاماً له حداً لم يأته أو لطمه فإن كفارته أن يعتقه).
قال: [ وحدثناه أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع -وهو ابن الجراح العتكي الكوفي- وحدثني محمد بن المثنى حدثنا عبد الرحمن -وهو ابن مهدي- كلاهما عن سفيان -وهو الثوري- عن فراس بإسناد شعبة وأبي عوانة ، أما حديث ابن مهدي فذكر فيه: (حداً لم يأته)، وفي حديث وكيع : (من لطم عبده) ولم يذكر الحد].
[ (ثم قال: كنا بني مقرن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ليس لنا إلا خادم واحدة)]. والأصل أن يقول: خادم واحد، ولكن الخادم يطلق على الذكر والأنثى، فيقال: رجل خادم وامرأة خادم، ولا يقال: امرأة خادمة، فهذه ليست فصيحة، وإنما الفصيح: (امرأة خادم).
قال: [ (فلطمها أحدنا، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: أعتقوها، قالوا: ليس لهم خادم غيرها، قال: فليستخدموها، فإذا استغنوا عنها فليخلوا سبيلها)]، يعني: أنه أمرهم أن يعتقوها، فلما قالوا: ليس لهم خادم غيرها، قال: (فليستخدموها، فإذا استغنوا عنها فليعتقوها أو ليخلوا سبيله).
وقوله: (امتثل منه) معناه: عاقبه قصاصاً، وقيل: افعل به مثل ما فعل بك، وهذا محمول على تطييب نفس المولى المملوك، وإلا فلا يجب القصاص في اللطمة ونحوها، وإنما الواجب التعزير، ولكنه تبرع فأمكنه من القصاص فيها.
وفي هذا الحديث: الرفق بالموالي واستعمال التواضع.
ولكن النبي عليه الصلاة والسلام أمرهم جميعاً بالعتق، وهذا محمول على أن النبي عليه الصلاة والسلام عرف أنهم على استعداد لأن يعتقوا العبد، فأمرهم جميعاً بإعتاق العبد.
قال: [ حدثنا محمد بن المثنى وابن بشار حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن حصين عن هلال بن يساف قال: (كنا نبيع البز في دار سويد بن مقرن أخي النعمان بن مقرن، فخرجت جارية فقالت لرجل منا كلمة فلطمها، فغضب سويد)، فذكر نحو حديث عبد الله بن إدريس .
وحدثنا عبد الوارث بن عبد الصمد حدثنا أبي حدثنا شعبة قال: قال لي محمد بن المنكدر : ما اسمك؟ قلت: شعبة فقال محمد: حدثني أبو شعبة العراقي -وهو المزني مولاهم الكوفي، معروف بكنيته- عن سويد بن مقرن : (أن جارية له لطمها إنسان، فقال له سويد : أما علمت أن الصورة محرمة؟ فقال: لقد رأيتني وإني لسابع إخوة لي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وما لنا خادم غير واحد، فعمد أحدنا فلطمه فأمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نعتقه).
وحدثناه إسحاق بن إبراهيم -وهو المعروف بـابن راهويه- ومحمد بن المثنى عن وهب بن جرير أخبرنا شعبة قال: قال لي محمد بن المنكدر : ما اسمك؟ فذكر الحديث بمثل حديث عبد الصمد].
عن أبيه قال: قال أبو مسعود البدري]، وهو عقبة بن عمرو الأنصاري، ويقال له: بدري، والغالب أنه لم يشهد بدراً، وإنما كان يسكن مكاناً اسمه بدر فنسب إليه، وهو ليس ممن شهد بدراً.
قال أبو مسعود:[ (كنت أضرب غلاماً لي بالسوط، فسمعت صوتاً من خلفي: اعلم أبا مسعود ! فلم أفهم الصوت من الغضب، قال: فلما دنا مني إذ هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو يقول: اعلم أبا مسعود ! اعلم أبا مسعود !)].. وهذا التكرار فيه تهديد ووعيد شديد.
[ (قال: فألقيت السوط من يدي)..، وفي رواية: (فسقط السوط من يدي). (فقال: اعلم أبا مسعود ! أن الله أقدر عليك منك على هذا الغلام)].. وهذا تهديد ووعيد شديد.
والنبي عليه الصلاة والسلام رأى رجلاً يضرب دابة فقال: (من لم يَرحم لا يُرحم)، وفي رواية: (ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء) وهذه دابة، فكيف بالغلام الذي هو إنسان كما أنك إنسان؟
[ (قال: فقلت: لا أضرب مملوكاً بعده أبداً)]، لأنه استشعر أن قدرة الله تعالى عليه أعظم من قدرته على ذلك العبد.
قال: [وحدثناه إسحاق بن إبراهيم أخبرنا جرير، (ح) وحدثني زهير بن حرب حدثنا محمد بن حميد المعمري ]، والمعمري نسبة لملازمته لـمعمر بن راشد البصري ..
قال: [ عن سفيان، (ح) وحدثني محمد بن رافع حدثنا عبد الرزاق أخبرنا سفيان، (ح) وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا عفان حدثنا أبو عوانة كلهم عن الأعمش بإسناد عبد الواحد نحو حديثه، غير أن في حديث جرير : (فسقط من يدي السوط من هيبته)]، أي: من هيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال: [ وحدثنا أبو كريب محمد بن العلاء حدثنا أبو معاوية -وهو محمد بن خازم الضرير- حدثنا الأعمش -وهو سليمان بن مهران الكوفي- عن إبراهيم التيمي -وهو إبراهيم بن يزيد بن شريك الكوفي التيمي- عن أبيه عن أبي مسعود الأنصاري قال: (كنت أضرب غلاماً لي فسمعت من خلفي صوتاً: اعلم أبا مسعود ! لله أقدر عليك منك عليه، فالتفت فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: يا رسول الله! هو حر لوجه الله؛ فقال: أما لو لم تفعل للفحتك النار، أو لمستك النار) ]، أي: للفحتك النار يوم القيامة، حيث يقتص الله عز وجل لهذا العبد أو لهذا المملوك منك بالعذاب في النار.
قال: [ وحدثنا محمد بن المثنى وابن بشار واللفظ لـابن المثنى قالا: حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن سليمان ]. وإذا روى شعبة عن سليمان ؛ فاعلم أنه سليمان بن مهران الأعمش .
قال: [ عن إبراهيم التيمي عن أبيه عن أبي مسعود : (أنه كان يضرب غلامه، فجعل يقول: أعوذ بالله! فجعل يضربه). ويبدو أن الغضب كان قد تسلط عليه جداً، حتى أنه لم يسمع استعاذة العبد بالله أول مرة، وقد يغضب الشخص غضباً شديداً فيضرب امرأته أو ولده فيستعيذ بالله ويستجير به وهو لا يكف عنه، وليس هذا من باب عدم تعظيم الله عز وجل وإجلاله، ولكن ثورة الغضب قد تطغى على عقله، فيندفع يضرب ولده ليس تهاوناً بأمر الله تعالى واستخفافاً بهذه الاستعاذة، وإنما فرط الغضب أدى به إلى ذلك، مع إجلاله وتعظيمه لله عز وجل.
قال: [ (فقال الغلام: أعوذ برسول الله! فتركه)]. والذي يعظم رسول الله فمن باب أولى لابد أن يعظم الله عز وجل، وإذا كان العبد لا يعظم الله فتعظيمه لرسول الله لا ينفعه، وربما استعاذ هذا الغلام برسول الله بعد أن هدأت ثورة سيده شيئاً ما فأدرك استعاذة المضروب أو المملوك.
قال: [ (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله لله أقدر عليك منك عليه، قال: فأعتقه)]، أي: أبو مسعود .
قال: [ وحدثنيه بشر بن خالد أخبرنا محمد بن جعفر عن شعبة بهذا الإسناد، ولم يذكر قوله: (أعوذ بالله)، أو قوله: (أعوذ برسول الله صلى الله عليه وسلم)].
وهذه الأحاديث فيها إزالة إثم ظلمه، ومما استدلوا به لعدم وجوب إعتاقه: حديث سويد بن مقرن بعده؛ لأن الأمر للوجوب في قوله: (فأمره أن يعتقه). والأمر للوجوب إلا أن يصرفه صارف، وهذا الصارف في حديث سويد بن مقرن أنه لما اعتذر عن إعتاق العبد لأنهم ليس لهم خادم إلا هو قال عليه الصلاة والسلام: (فليستخدموها، فإذا استغنوا عنها فليخلوا سبيلها). ولو كان أمراً واجباً حتماً حالاً لما قبل النبي صلى الله عليه وسلم معذرة هؤلاء.
وأجمع العلماء أنه لا يجب إعتاق العبد بشيء فعله مولاه به.
قال: (واختلفوا فيما كثر من ذلك وكان شنيعاً من ضرب مبرح منهك لغير موجب لذلك، أو حرقه بالنار، أو قطع عضواً له، أو أفسده، أو نحو ذلك مما فيه مثلة -أي: تشويه لبدنه- فذهب مالك وأصحابه والليث إلى عتق العبد على سيده بهذا)، أي: بهذا الضرب أو المثلة، وقال بعض أهل العلم: للعبد على سيده العتق، ويكون ولاؤه له، ويعاقبه السلطان على فعله.
وقال جمهور العلماء: لا يعتق عليه، أي: لا يجب عليه، حتى وإن ضربه ضرباً مبرحاً لا يعتقه، أي: ليس ذلك على سبيل الوجوب وإنما هو على سبيل الندب والاستحباب.
واختلف أصحاب مالك فيما لو حلق رأس الأمة، أو لحية العبد، واحتج مالك بحديث ابن عمرو بن العاص في الذي جب عبده فأعتقه النبي صلى الله عليه وسلم، أي: قطع ذكره، فأمره النبي عليه الصلاة والسلام بإعتاقه.
وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (من ضرب غلاماً له حداً لم يأته أو لطمه فإن كفارته أن يعتقه)، فهذه الرواية مبينة أن المراد ضربه بلا ذنب، وليس على سبيل التعليم والتأديب.
قال: [ حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا ابن نمير -وهو عبد الله- (ح) وحدثنا محمد بن عبد الله بن نمير حدثنا أبي حدثنا فضيل بن غزوان قال: سمعت عبد الرحمن بن أبي نعم حدثني أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال أبو القاسم صلى الله عليه وسلم: (من قذف مملوكه بالزنا يقام عليه الحد يوم القيامة، إلا أن يكون كما قال)]، أي: يقام عليه الحد يوم القيامة، إلا أن يكون هذا العبد قد زنى بالفعل، واتهام السيد له اتهام صحيح، وقد تحقق منه.
قال: [ وحدثناه أبو كريب حدثنا وكيع ، (ح) وحدثني زهير بن حرب حدثنا إسحاق بن يوسف الأزرق كلاهما عن فضيل بن غزوان بهذا الإسناد، وفي حديثهما: سمعت أبا القاسم صلى الله عليه وسلم نبي التوبة يقول: (من قذف مملوكه بالزنا يقام عليه الحد يوم القيامة، إلا أن يكون كما قال) ].
وهذا الحديث فيه إشارة إلى أنه لا حد على قاذف العبد في الدنيا.
وأما لو اتهم سيد عبده بالزنا فإنه يقام عليه الحد لكن في يوم القيامة، وأما في الدنيا فلا، وهذا مجمع عليه، ولكن يعزر قاذفه، يعني: يعزر السيد، ولا يقام عليه الحد إلا في الآخرة. والتعزير باب واسع ومتروك لاجتهاد السلطان، بخلاف الحد فإنه لا اجتهاد للحاكم أو السلطان فيه. وإذا بلغه ما يستوجب الحد فليس حراً بأن يقيمه أو لا يقيمه، بل لابد من إقامته؛ لأن هذا حق الله عز وجل، وإذا تاب العبد بينه وبين ربه قبل أن يبلغ الحد إلى السلطان فإنه لا يلزمه إقامة الحد، كما أنه لا يلزم العبد كذلك أن يبلغ أمره إلى السلطان؛ لأنه تكفيه التوبة بينه وبين الله عز وجل.
قال: فيه إشارة إلى أنه لا حد على قاذف العبد في الدنيا، وهذا مجمع عليه، ولكن يعزر قاذفه؛ لأن العبد ليس بمحصن، وسواء في هذا كله من هو كامل الرق وليس فيه سبب حرية، وكذلك المدبر.
قال: ومن بعضه حر، أي: ومن بعضه حر وبعضه عبد.
هذا في حكم الدنيا، وأما في حكم الآخرة فيستوفى له الحد من قاذفه؛ لاستواء الأحرار والعبيد في الآخرة.
قال: ويحتمل أن يكون المراد بالتوبة الإيمان والرجوع عن الكفر إلى الإسلام؛ لأن أصل التوبة الرجوع.
نكتفي بهذا القدر، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الجواب: الاستثناء في اليمين محل خلاف على هذه الأقوال الثلاثة المذكورة في السؤال، والراجح الاستثناء قبل اليمين أو في أثناء اليمين، أما بعد اليمين بوقت طويل فإن هذا لا يصح.
الجواب: هذا بإذن الله تعالى صدقة جارية لمن فعله تنفعه وتنفع الميت على كل حال. والله أعلم.
الجواب: أعتقد أن قراءة التشهد إلى قولك: إنك حميد مجيد، في التشهد الأول والثاني سواء، وهذا مذهب الشافعية والظاهرية، وهو الذي يترجح لدي لقوته، وأما من فرق بين التشهد الأول والثاني في الصلاة غير الثنائية وقال: إن التشهد إلى منتصفه في التشهد الأول، وفي الثاني إلى قوله: إنك حميد مجيد فتقسيمه هذا ليس عليه دليل، والتشهد كله مذكور في حديث ابن عباس وابن مسعود وغيرهما وفي نهايته: (أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله).
ثم علمهم النبي عليه الصلاة والسلام الصلاة والسلام عليه لما نزل قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً [الأحزاب:56] وسألوه: (يا رسول الله! السلام عليك قد عرفناه، فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم).. إلى آخر هذه الصلاة المعروفة المحفوظة، كما أمرهم صلى الله عليه وسلم بجعلها في الصلاة، فانضمت إلى ما كان أولاً.
فأما من ضمها في التشهد الأخير وأسقطها في التشهد الأول فيحتاج إلى حجة وبرهان، ولا برهان ولا حجة على هذا التقسيم.
فالذي يترجح لي من قول أهل العلم: أن التشهد يقال كاملاً في التشهد الأول والثاني إلى قولك: إنك حميد مجيد، ويزاد في التشهد الثاني الدعاء. والله تعالى أعلم.
وهذا نفس قراءة الفاتحة إذا كنت تعتقد أن الفاتحة واجبة القراءة خلف الإمام، فإذا صليت خلف إمام أسرع في القراءة، أو أدركت الإمام في الركوع فإن الوجوب يسقط عنك لفوات المحل، وكذلك لو صليت خلف إمام يعجل بقراءة التشهد، أو يقرأ نصفه ويقوم فلا حرج عليك إذا قرأت من التشهد القدر الذي يسمح به الجلوس ومتابعة الإمام بعد ذلك في القيام إلى الثالثة، فلا حرج عليك حينئذ لفوات محل الوجوب كذلك.
وأما إذا صليت أنت بالناس فإنما يلزمك أن تعبد الله تعالى بما يترجح لديك.
الجواب: هذا إثم عظيم يحتاج للتوبة، وإلى طلب المسامحة من المضروب، وأما الضرب للتأديب والتعليم في غير الوجه فإنه يجوز في كل حال.
وأوصي نفسي كما أوصي الجميع بالرفق بالنساء إلا فيما يتعلق بتأديبهن وتعليمهن، وهذا الأمر جاد وخطير، وهو يؤدي إلى التفلت، وليس من التعليم ولا التأديب. فلا يصح للرجل الذي رفع شعار التوحيد وشعار الالتزام أن يضرب في الوجه؛ لأن الأمر خطير جداً، وأشرف مكان في البدن الوجه.
والحالات التي يتربى عليها المرء لها تأثير في شخصيته كثيراً، فإذا تربى الولد أو الغلام أو الطفل الصغير على الرقة والكرامة والسيادة ولم يؤذ في ضرب ولا إيذاء ولا شتم فإنه يكبر بهذه الأخلاق، ولا يجرؤ أحد قط أن يضربه أو يشتمه فضلاً أن يلطمه، ولذلك لو صار سيداً في مكان من الأمكنة أو في محل الرياسة والحكم أو غير ذلك فإنه لا يقبل بإيذاء الغير، وأما إذا تربى التربية الخطأ، مثل اللطم في الوجه أو غير ذلك، فسيكبر بهذه الأخلاق ويكون ضعيف الشخصية، ويذم عليه ذلك.
فالطريقة التي يتربى بها الطفل تؤثر فيه كثيراً جداً، وهذا يدل على أهمية التربية.
الجواب: الجمهور على عدم جوازها، بخلاف الأحناف فإنهم قالوا بصحة هذه الشهادة، والراجح اشتراط العدالة، أما وقد عمت البلوى فإن شهادة الفاسق الآن معمول بها في القضاء كله، وأما من جهة الفقه فالمسألة فيها نظر.
الجواب: هذه المريضة التي ماتت -يرحمها الله عز وجل- ينظر كم صامت في هذا الشهر وكم بقيت فيه، لأن السائلة تقول: ماتت في رمضان، فإذا كانت ماتت مثلاً في يوم عشرين وقد صامت عشرة أيام وبقي عليها عشرة، فهذه السائلة -وهي أختها الحية- بالخيار، فإما أن تصوم عنها هذه الأيام العشرة أو تطعم عنها في كل يوم مسكيناً.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح صحيح مسلم - كتاب الأيمان والنذور - النهي عن الإصرار على اليمين للشيخ : حسن أبو الأشبال الزهيري
https://audio.islamweb.net