اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح صحيح مسلم - كتاب الأيمان والنذور - أحكام النذر للشيخ : حسن أبو الأشبال الزهيري
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح صحيح مسلم - كتاب الأيمان والنذور - أحكام النذر للشيخ : حسن أبو الأشبال الزهيري
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
وبعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله تعالى، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.
أما بعد:
النذر في اللغة: هو الإيجاب. وبين هذا التعريف اللغوي والتعريف الاصطلاحي وجه عظيم من أوجه الشبه، وهو: أن المرء يوجب على نفسه ما لا يوجبه الله عز وجل عليه.
وهو في اصطلاح الفقهاء: إلزام مكلف مختار نفسه لله تعالى بالقول شيئاً غير لازم بأصل الشرع.
وقوله: (مكلف) احتراز من غير المكلف، وغير المكلف هو الصبي الذي لم يبلغ، والمجنون غير العاقل، فلو أن مجنوناً ألزم نفسه بنذر لم يلزمه الوفاء؛ لأنه ليس مكلفاً، كما أن الصبي الذي لم يبلغ لو نذر لله نذراً مشروطاً أو مطلقاً وتحقق شرطه فإنه لا يلزمه الوفاء بالنذر؛ لأنه ليس من أهل التكليف.
وكذلك لو أكره عبد مكلف عاقل على النذر لله عز وجل لم يلزمه الوفاء؛ لأن الإكراه في أصح أقوال أهل العلم لا يقع به التكليف.
فلو أن صاحب السلطة حبس رجلاً في زنزانة وحمله على أن يطلق امرأته وإلا فعل به كيت وكيت وكيت، وهو قادر على تنفيذ تهديده لم يقع طلاقه، أما إن كان لا يملك ولا يقدر على إيقاع التهديد فلا، فشرط الإكراه أن يملك المكرِه تنفيذ ما هدد إيقاعه بالمكرَه، فلو أن مكرهاً أكره على النذر لم يلزمه الوفاء.
فالنذر في الشرع: هو إلزام مكلف عاقل مختار على نفسه لله عز وجل ما لم يوجبه الشرع ابتداء عليه، كأن يقول المكلف العاقل البالغ المختار: يا رب! لو أني نجحت في الجامعة فسأذبح لله شاة، فهذا نذر مشروط بالنجاح، وهو لم يكن يلزمه لو لم ينذر، فالنذر هو: إلزام المكلف العاقل البالغ المختار نفسه ما لم يلزمه الشرع ابتداءً.
وهناك ارتباط وثيق بين المعنى اللغوي للنذر وبين المعنى الاصطلاحي، فالنذر في اللغة هو: الإيجاب، وفي الاصطلاح هو: إيجاب العبد المكلف البالغ العاقل المختار على نفسه ما لم يكن واجباً عليه ابتداء لله تعالى.
فهناك شبه قوي بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي.
أن يكون الناذر محلاً للتكليف، بمعنى: أن يكون بالغاً عاقلاً، فنذر المجنون كأن لم يكن؛ لأنه ليس من أهل التكليف، لقوله عليه الصلاة والسلام (رفع القلم عن ثلاثة: عن المجنون حتى يفيق، وعن الصبي حتى يحتلم -أي: يبلغ سن الحلم وهو سن التكليف- وعن النائم حتى يستيقظ).
فالنذر بإجماع أهل العلم يصح من الكافر، ولم يخالف في ذلك أحد من أهل العلم.
فأما الأدلة من الكتاب: فقول الله تعالى: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْماً كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً [الإنسان:7]. فإنه تعالى لما تكلم عن أهل الإيمان مدحهم بأنهم يوفون بالنذر.
وقال تعالى: ثُمَّ لِيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:29].
وقال تعالى: وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ [البقرة:270]. إلى غيرها من الآيات التي تبين أن أدلة الكتاب تشهد بوجوب الوفاء بالنذر. وأما الأدلة من السنة فكثيرة جداً، وأحاديث النذر منها ما هو متفق عليه بين الشيخين، ومنها ما هو من انفرادات مسلم ، ومنها ما هو من انفرادات البخاري كذلك، وهناك عند أصحاب السنن والمسانيد ما ليس في الصحيحين، وكل هذه الأحاديث تشهد بمشروعية النذر.
وقد انعقد إجماع أهل العلم على أن النذر مشروع.
واختلفوا هل هو واجب أو مستحب أو مباح أو مكروه؟ والراجح من أقوال أهل العلم أنه واجب في جانب العمل والفعل والأداء، وهذا الحكم حكم عام؛ لأن النذر أقسام، ولكل قسم حكم يخصه، ولكن جمهور أهل العلم على أن النذر من جهة الشرع مكروه، ومن جهة العمل واجب إذا كان مطلقاً أو مشروطاً وتحقق الشرط.
وأما من جهة التكليف الشرعي والحكم الفقهي للنذر فإنه مكروه؛ لأنه لا يغير من القدر شيئاً، وإنما يستخرج به من البخيل، يعني: أنه معاملة لله عز وجل بالحد الأدنى، فكأنك تقول: اعمل لي حتى أعمل لك، ومفهوم المخالفة: إذا لم تفعل لي فلن أفعل لك، مثل قولك: إذا نجحتني فسأذبح لك خروفاً، وإذا لم تنجحني فلن أذبح، وهذا بلا شك معاملة لله عز وجل بالحد الأدنى من الطاعة والعبادة، وهذا الخروف الذي هو محل النذر أو شرط النذر لا يغير في المقدور ولا في القدر فيما يتعلق بنجاح هذا أو رسوبه شيئاً؛ لأن هذا النجاح أو الرسوب قد كتب في اللوح المحفوظ، فالنذر لا يغير شيئاً؛ ولذلك يفضل أن يتقرب العبد إلى مولاه وسيده بما استطاع من طاعة مالية أو زمانية أو ما يمكن أن يتقرب به بغير شرط؛ لأن هذا الشرط لا يغير شيئاً في المكتوب، وما دام أنه لا يغير شيئاً في المكتوب فلا تشرط على ربك.
أولاً: النذر المطلق، ومعنى المطلق: الذي لم يقيد بقيد، ولم يشرط بشرط، مثل أن يقول: لله عليَّ نذر ولم يسم هذا النذر، فيلزمه كفارة يمين. يعني: عند العجز عن أداء النذر المطلق يلزمه أن يكفر كفارة يمين.
الثاني: نذر اللجاج والغضب، وهو تعليق نذره بشرط بقصد المنع منه، أو الحمل عليه، أو التصديق أو التكذيب، فيخير بين فعله أو كفارة يمين، والراجح في ذلك: أنه يكفر في هذا القسم كفارة يمين.
الثالث: النذر المباح، كلبس الثوب أو ركوب الدابة، وحكم هذا النوع كالثاني تماماً، يعني: فيه كفارة يمين، وقال بعضهم: ليس فيه كفارة.
وإن كان نذره مكروهاً استحب له أن يكفر ولا يفعله. والنذر إما أن يكون في طاعة أو أن يكون في معصية، كما قال عليه الصلاة والسلام: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصيه فلا يعصه).
فهذا في الحلال الصرف، وذاك في الحرام الصرف.
وأما إذا نذر في طاعة أو في حلال نذراً مطلقاً، أو مقيداً بقيد أو مشروطاً بشرط فيلتزمه عند تحقق الشرط، لأنه إذا تحقق الشرط تحقق المشروط كما قال العلماء.
وأما إذا نذر في معصية كأن يقول: يا رب! لك علي إن نجحت في الامتحان أو أنجبت امرأتي أو كذا وكذا أن أشرب الخمر، فيطلب من ربه منة وفضلاً، ويشترط أنه إذا تحقق هذا تقرب إليه بمعصيته، أو يقول: رب! لأن أطعمتني كذا لأشربن الخمر، أو لأسرقن جاري، فهذا النذر لا يلزمه الوفاء به، ويجب عليه كفارة يمين، وهذا هو الراجح من أقوال أهل العلم أن الناذر في المكروه لا يلزمه الوفاء، وإنما تلزمه الكفارة.
الرابع: نذر المعصية كشرب الخمر وصوم يوم الحيض، كأن تقول المرأة: لو أن الله شفاني لأصومن في أيام حيضي، أو أصوم يوم النحر، أو أيام التشريق، أو يوم الفطر، وهذه الأيام صومها حرام على الرجل والمرأة، وسواء كانت المرأة طاهرة أو حائضة فيحرم الصيام في هذه الأيام، ولا يحل للناذر أن يصومها، ويجب عليه الكفارة.
الخامس: نذر التبرر، وهو مأخوذ من البر والطاعة، فلو أن أحداً نذر أن يطيع الله تعالى براً وطاعة وتقوى لله عز وجل لزمه ذلك، وسواء كان هذا النذر نذراً مطلقاً، أي: لم يقيد بقيد، أو معلقاً على شرط، ولا يلزمه الوفاء بالنذر في النذر المعلق إلا بتحقق الشرط الذي علق عليه النذر، كقوله: إن شفى الله مريضي أو سلم أو وصل قريبي الغائب فلله علي أن أصلي لله ركعتين، فلا يلزمه الوفاء بصلاة ركعتين إلا بتحقق الشرط، وإذا لم يشف المريض فلا يلزمه أن يأتي بالركعتين على جهة النذر، فإذا وجد الشرط لزمه الوفاء بنذره، إلا إذا نذر الصدقة بماله كله، كأن يقول: لو أن الله تعالى وفَّق ولدي في امتحان هذا العام فلله علي أن أتصدق بجميع مالي، فمذهب الجمهور: أنه لا يلزمه التصدق بكل المال وإنما بثلثه، لورود بعض النصوص في ذلك وإن كان فيها ضعف، وقياساً على حديث سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه في الوصية، وقد مر بنا.
والكفارة في النذر كفارة يمين، وهي إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم، أو صيام ثلاثة أيام.
جاء في كتب الأحناف: أن النذر الذي يقع للأموات من أكثر العوام، وما يؤخذ من الدراهم والشمع والزيت ونحوها إلى ضرائح الأولياء تقرباً إليهم، كأن يقول: يا سيدي فلان! إن ردت ضالتي أو عوفي مريضي أو قضيت حاجتي فلك من النقد أو الطعام أو الشمع أو الزيت كذا وكذا فهو بالإجماع باطل وحرام.
وهذا نذر معصية، ونذر المعصية لا يلزم الوفاء به، ويجب على الناذر كفارة يمين وتوبة، أي: أن يتوب من هذه المعصية؛ لأنها كبيرة من الكبائر، وهذا النذر له تعلق بالإيمان والشرك، فالتوبة فيه والاستغفار آكد وألزم مما لو نذر نذراً مكروهاً؛ لأن هذا محرم بالإجماع.
والأدلة على ذلك:
أنه نذر لمخلوق، والنذر للمخلوق لا يجوز؛ لأنه لا يجوز لأحد أن يتقرب إلى أحد، وإنما القربى كلها لله عز وجل، وهذا يتقرب إلى مخلوق، وهذا باب عظيم من أبواب الشرك، ولو أن أحداً نذر أن يشرك بالله لم يحل له ذلك.
وفي سنة (1981م) في أحد المؤتمرات أتت امرأة إلى أحد العلماء الحاضرين في هذا المؤتمر -وأنا حاضر- وفي يدها طفل، فقالت: يا شيخ! أنا كنت أعتبر تحقيق أمر معين مستحيل، فتجرأت وقلت: لو أن الله تعالى قضى لي كذا لألقين ولدي هذا في النار، فوقع الأمر، وكان موجود بجانب الشيخ حوالي خمسة وعشرين أو ثلاثين رجل أمن دولة وعسكري وأمن مركزي، فقال لها: ألقيه في وسط هؤلاء، وهذا ذكاء شديد جداً من الشيخ، وإن كان في جانب الفقه لا يصح، ولكنه طرفة، فنذر المعصية حرام.
وجاء عند ابن الجوزي في أحد كتبه أن امرأة نذرت الزنا لو حصل لها ما تريد، فاستفتت ابن الجوزي في ذلك، وكان الواجب عليه أن يقول لها: يحرم عليك الوفاء بما نذرت؛ لأن هذا النذر في معصية، ولكنه أفتاها فتيا أخرى، وهو وإن كان فقيهاً إلا أنه جانبه الصواب في هذه الإجابة، فأفتاها بأن تظهر خصلة من شعرها؛ لأن المرأة إذا خرجت من بيتها متعطرة أو كاشفة شعرها فهي كذا وكذا، يعني: زانية، كما في رواية الترمذي ، وهذا الجواب غير سليم، لكنه بيان لحقيقة الكثير من النساء، فالمرأة إذا خرجت متعطرة استشرفها الشيطان، وإذا خرجت متزينة أو متبرجة أو كاشفة شعرها أو شيئاً مما حرمه الله تعالى فالأمر كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الذي أخرجه الترمذي وغيره: (فهي كذا وكذا، يعني: زانية). واختلف أهل العلم من الذي قال: (يعني: زانية)، هل هو الراوي، أم النبي عليه الصلاة والسلام؟
والراجح أنه الراوي، وهو أبو هريرة رضي الله عنه.
قال: النذر للأموات حرام؛ لأنه ينذر للمخلوق، وهو لا يجوز؛ لأنه عبادة، ولا تكون إلا لله عز وجل.
الوجه الثاني من أوجه الحرمة: أن المنذور له ميت، والميت لا يملك.
الوجه الثالث: أنه إن ظن أن الميت يتصرف في الأمور دون الله تعالى فاعتقاد ذلك كفر، والعياذ بالله.
وأنتم تعلمون أن عامة الصوفية أو جل الصوفية يعتقدون أن الكون يحاط بأقطاب وأوتاد يتصرفون في الكون، بل يرفعون السيد البدوي حتى على الحسين ، فهم يقرون أن الحسين صحابي، وأنه من نسل النبي عليه الصلاة والسلام ، ولكن سر السيد البدوي عظيم أكثر من الحسين، وهذا مشاهد، وهم يقولون هذا، حتى أن سخفاءهم وسفهاءهم صنفوا الكتب ليثبتوا الكرامات لأنفسهم، ويقولون: لقد ذهبنا إلى قبر الحسين وإلى قبر البدوي ، فلما سلمنا على البدوي أخرج يده من تحت القبر فسلم علينا ثم ردها، وهؤلاء يخاطبون جهلاء أجهل منهم، وأغبياء وحمقى.
وشخص آخر يعبد الشعراني من دون الله عز وجل، ويقول: أقسم بالله العظيم أنني شققت بالأرض طريقاً من بيتي إلى قبر الشعراني ، وكلما ضربت الأرض خرج بحر من الدم.
ولو قرأت في كتاب طبقات الشعراني فإنك تجد في كل ترجمة ممن يترجم لهم خزي وعار من زنا ولواط وسرقة وغش وخداع، وما من ترجمة في هذا الكتاب إلا وفيها عار وشنار، ويستحي المرء أن يقول: إن هذا الكتاب من كتب أهل الإسلام.
ولا شك أن من نذر لهؤلاء فإنه يلزمه الكفارة والتوبة إلى الله عز وجل.
والتصوف في المغرب أعتى من التصوف في مصر، بل أصل الانحراف والضلال إنما أتى من بلاد المغرب على يد الفاطميين، فتجد أن الواحد منهم ينذر قربة للأحياء، ولو أنه أوصل إلى الحي قربة لله عز وجل لصح نذره، فلو قال: يا رب! لك علي ذبح شاة وسلخها وتوزيع لحمها، أو إعطاء لحمها لفلان إن عافيتني، لكان جائزاً؛ لأنه نذر أن يتقرب إلى الله، لا إلى هذا الحي، ولكنهم في المغرب يجعلون الحي محلاً للنذر، أما جعل الميت محلاً للنذر فهذا هو عمل المصريين في موسم الحج، وكذلك الإيرانيين، فمن وجب عليه هدي المتمتع أو القارن أو الفداء لمن فرط في واجب من واجبات الحج فعليه دم، وهذا الدم فداء لمن فرط في واجب من واجبات الحج للمتمتع أو القارن، فيقول أحدهم: لن أذبحه هنا، سأذبحه عند قبر الحسين أو البدوي أو السيدة زينب، والإيراني يقول: سأذبحه في قم، أو في كربلاء... وهكذا.
و للحسين أربعون قبراً في العالم؛ لأنه كان بأربعين روحاً، فمن نذر نذراً أو قصر في الفدية في بلد الله الحرام أو في منى على جهة الخصوص فإنه يلزمه أن يتوب إلى الله تعالى مما كان منه، وكفارته أن يفدي بنفسه أو بالنيابة والوكالة في بلد الله الحرام لفقراء الحرم.
وقد استفتي علامة الحجاز الشيخ ابن باز عليه رحمة الله فيمن قال: أؤجل ذبح الهدي حتى أذهب إلى مصر فأذبحه للسيد البدوي أو الحسين فقال: من عمل هذا فإنه مشرك، ويلزمه الإسلام من جديد، ويجب عليه حج من قابل، يعني: أن هذا الحج باطل، ومذهب الحنابلة في هذا العصر أنهم لا يعذرون بالجهل قط في هذا البلد، والذي يترجح لدينا معذرة هؤلاء؛ لأنهم في الحقيقة ضربوا في أصناف الجهل بسبيل وطريق لم يوجد من قبل، فتجد رجلاً طيباً بالفعل يتقرب إلى الله ويحب الصالحين وغير ذلك يأتي من أقصى بلاد الصعيد ليذبح عجلاً أو بقرة أو خروفاً عند السيد البدوي أو الحسين ، ولا شك أن هذا عمل إجرامي شركي، ويكفر به فاعله، وعلماء الحجاز لا يتوقفون في تكفيره وإخراجه من الملة، ولكنا نتوقف في مثل هذا في مصر؛ لأننا نعلم أن التوحيد في بلاد الحجاز منتشر، وأما في بلادنا فغير منتشر؛ لظهور الجهل وفشوه، وقلة العلم وغير ذلك.
والمضحي يقسم أضحيته ثلاثة أثلاث:
لنفسه ثلث، وثلث هدايا، والثلث الثالث للفقراء.
والعقيقة هي: ما يذبح عن المولود يوم سابعه، فللغلام شاتان وللجارية شاة، والعبرة فيها إراقة الدم، ولذلك بعض أهل العلم يقول: ولأب الولد أن يأكل عقيقته كلها؛ لأنه أراق الدم بنية العقيقة، والعبرة بإراقة الدم؛ لأنها نسك من الأنساك، ولكن جمهور أهل العلم على ما قال أبو الطيب في كتاب التحفة: وقد جرى عمل أهل الإسلام على اجتماع الناس في مثل هذه المناسبات. فإذا ولد لك مولود فلا تذبح خروفين وتضعهما في الثلاجة وتأكل من اللحم شهرين، وإن كان هذا العمل جائزاً؛ لأن العبرة بالمقصد الأدنى في هذا بإراقة الدم، وقد أريق.
وإذا نذر أن يصلي في مسجد ليس فيه ضريح فعلى الراجح من أقوال أهل العلم أنه لا يلزمه ذلك، إلا أن ينذر أن يصلي في مسجد من المساجد الثلاثة ذات الشرف والفضل، وهي التي قال فيها عليه الصلاة والسلام: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، والمسجد الأقصى، ومسجدي هذا)، أي: المسجد النبوي فيلزمه الوفاء بنذره في هذه الأماكن؛ لشرفها وفضلها، وزيادة ثواب الصلاة فيها على غيرها.
ومن نذر أن يطوف حول البدوي سبعاً أو سبعين لكان مشركاً، فالطواف لا يكون إلا حول الكعبة لمن استطاع، فإذا عجز عن الوفاء بالنذر في الطواف حول الكعبة أجزأه كفارة يمين.
ولو أن أحداً نذر لله عز وجل أن يذبح شاة في مكان يعبد فيه صنم من دون الله عز وجل، كالأوثان أو الأصنام أو الصليب أو غير ذلك لم يلزمه ذلك؛ لأن هذا المكان مكان شركي، يعبد فيه الصليب من دون الله عز وجل، فالذبح في هذا المكان فيه شبهة التقرب إلى الصليب، لا إلى الله عز وجل فإنه لا يلزمه الوفاء بالتزام المكان، ويلزمه أن يذبح في مكان آخر.
وفي السنن من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: (أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إني نذرت أن أذبح كذا وكذا بمكان يذبح فيه أهل الجاهلية، فقال عليه الصلاة والسلام: لصنم؟ قالت: لا، قال: فأوف بنذرك). وأهل الجاهلية كانوا يذبحون هناك؛ لصنم كانوا يعبدونه.
ويجوز للمسلم أن يذبح في نفس المكان الذي كان يذبح فيه الكافر؛ لأنه مكان مباح، يذبح فيه المسلم ويذبح فيه الكافر، وليس فيه أصنام ولا أوثان؛ فيجوز للمسلم أن يذبح فيه.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يحيى بن يحيى التميمي ومحمد بن رمح بن المهاجر -وهو المصري- قال: أخبرنا الليث -وهو ابن سعد المصري- وحدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي حدثنا ليث عن ابن شهاب -وهو الزهري المدني- عن عبيد الله بن عبد الله -وهو ابن عتبة المسعودي- عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (استفتى سعد بن عبادة رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في نذر كان على أمه توفيت قبل أن تقضيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فاقضه عنها)].
وأم سعد بن عبادة كان عليها نذر، وتوفيت قبل الوفاء بهذا النذر، والنذر ثلاثة أنواع، نذر بدني، ونذر مالي، ونذر بدني مالي، فالنذر البدني كالصلاة والصيام، والنذر المالي كالنذر بالتصدق بالمال، والنذر البدني المالي كالحج، ولم تبين الرواية نوع النذر الذي نذرته أم سعد بن عبادة ، ولكن الإجابة كانت عامة، وإذا كان السؤال عاماً، أي: يقتضي العموم، والجواب بالإيجاب فإنه يدخل في هذا العموم كل أجزائه، وكذلك إذا كان الجواب عاماً في معرض جهالة أو سؤال مجهول، فقوله: (فاقضه)، هذا الضمير يعود على النذر، والجهالة في السؤال والجواب مع لفظ العموم في الجواب يدل على أن القضاء يشمل كل الأنواع، سواء كان النذر في المال، أو في البدن، أو في البدن والمال على السواء.
قال: [ وحدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك .
وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد وإسحاق بن إبراهيم بن راهويه عن ابن عيينة، وحدثني حرملة بن يحيى التجيبي -وهو المصري- أخبرنا عبد الله بن وهب المصري، أخبرني يونس ]، وهو الراوي الثالث مع مالك وابن عيينة ، ويونس هو ابن يزيد الأيلي .
قال: [ وحدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد قالا: أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر -وهو الراوي الرابع، وهو ابن راشد المصري اليمني- وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبدة بن سليمان عن هشام بن عروة عن بكر بن وائل -وهو الراوي الخامس، وهو ابن داود التميمي الكوفي- كلهم عن الزهري عن الليث بن سعد بهذا الإسناد بمعنى الحديث ].
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يحيى بن يحيى التميمي ومحمد بن رمح بن المهاجر -وهو المصري- قال: أخبرنا الليث -وهو ابن سعد المصري- وحدثنا قتيبة بن سعيد الثقفي حدثنا ليث عن ابن شهاب -وهو الزهري المدني- عن عبيد الله بن عبد الله -وهو ابن عتبة المسعودي- عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (استفتى سعد بن عبادة رضي الله عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم في نذر كان على أمه توفيت قبل أن تقضيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فاقضه عنها)].
وأم سعد بن عبادة كان عليها نذر، وتوفيت قبل الوفاء بهذا النذر، والنذر ثلاثة أنواع، نذر بدني، ونذر مالي، ونذر بدني مالي، فالنذر البدني كالصلاة والصيام، والنذر المالي كالنذر بالتصدق بالمال، والنذر البدني المالي كالحج، ولم تبين الرواية نوع النذر الذي نذرته أم سعد بن عبادة ، ولكن الإجابة كانت عامة، وإذا كان السؤال عاماً، أي: يقتضي العموم، والجواب بالإيجاب فإنه يدخل في هذا العموم كل أجزائه، وكذلك إذا كان الجواب عاماً في معرض جهالة أو سؤال مجهول، فقوله: (فاقضه)، هذا الضمير يعود على النذر، والجهالة في السؤال والجواب مع لفظ العموم في الجواب يدل على أن القضاء يشمل كل الأنواع، سواء كان النذر في المال، أو في البدن، أو في البدن والمال على السواء.
قال: [ وحدثنا يحيى بن يحيى قال: قرأت على مالك .
وحدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعمرو الناقد وإسحاق بن إبراهيم بن راهويه عن ابن عيينة، وحدثني حرملة بن يحيى التجيبي -وهو المصري- أخبرنا عبد الله بن وهب المصري، أخبرني يونس ]، وهو الراوي الثالث مع مالك وابن عيينة ، ويونس هو ابن يزيد الأيلي .
قال: [ وحدثنا إسحاق بن إبراهيم وعبد بن حميد قالا: أخبرنا عبد الرزاق أخبرنا معمر -وهو الراوي الرابع، وهو ابن راشد المصري اليمني- وحدثنا عثمان بن أبي شيبة حدثنا عبدة بن سليمان عن هشام بن عروة عن بكر بن وائل -وهو الراوي الخامس، وهو ابن داود التميمي الكوفي- كلهم عن الزهري عن الليث بن سعد بهذا الإسناد بمعنى الحديث ].
قال: (أجمع المسلمون على صحة النذر ووجوب الوفاء به إذا كان الملتزَم -الذي هو محل النذر- طاعة، وأما إذا نذر في معصية تتحقق له، أو تقرب إلى الله بمعصية وهي محل النذر فإنه لا يلزمه الوفاء، بل يلزمه الكفارة والتوبة.
فإن نذر معصية أو مباحاً، كدخول السوق مثلاً لم ينعقد نذره، ولا كفارة عليه عند مالك ، وبه قال جمهور العلماء، وقال أحمد وطائفة: فيه كفارة يمين).
أي: أنه لو نذر نذراً لم يصادف محلاً فليس عليه شيء، فلو جاء شخص وقال: لله علي إن فعل بي كذا وكذا لأذبحن الشاة التي في بيتي، فلما ذهب إلى بيته وجد الشاة قد ماتت فهذا النذر لم يصادف محلاً؛ لأنه لما نذر ماتت الشاة دون أن يدري، ونذره وقع على شاة بعينها، وكان صادقاً في أن يتقرب بها إلى الله عز وجل، فلما أراد أن يوفي بالنذر وجد الشاة قد ماتت بغير إرادته، فلا يلزمه ذلك؛ لأن نذره انصب على شاة بعينها، بخلاف ما لو قال: لله علي إن فعل كذا لأتقربن إليه بشاة، فيجزئه أن يقدم شاة من بيته أو أي شاة غيرها.
قال: (فإذا نذر معصية أو مباحاً كدخول السوق لم ينعقد نذره)، أي: لم ينعقد نذره في جانب المعصية.
قال: (ولا كفارة عليه في نذر المباح). وهذا عند الشافعية والجمهور، وأما الظاهرية والحنابلة فيقولون: في نذر المعصية ونذر المباح الذي لم يتمكن من فعله كفارة يمين. وهذا أحوط.
فلو نذر شخص في ماله نذراً فهذا حق لله عز وجل يجب الوفاء به.
وأما الحقوق البدنية ففيها خلاف، كما تقدم في مواضع من هذا الكتاب، فلو أن ميتاً مات وعليه صيام النافلة فلا يلزم القضاء عنه على الراجح، ولو أن شخصاً صام الإثنين أو الخميس ثم ذهب لزيارة صاحبه وهو صائم فوجده يأكل أكلاً لذيذاً فجلس يأكل معه فقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: (المتطوع أمير نفسه).
ثم إن الجمهور: على أنه لا يلزمه القضاء؛ لأنه متطوع، وهذا صيام تطوع ونافلة، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (المتطوع أمير نفسه)، يعني: هو الذي اختار الصيام لنفسه، فإذا كان يريد أن يواصل واصل، وإذا كان يريد أن يقطع الصيام قطعه، وجاء الحديث عند البخاري بلفظ: (إلا أن تطوع فهذا شيء لك). ففرق بين الفرائض وبين التطوع، فمن جهة الوجوب والإلزام بعد الفرائض ليس عليك إلا أن تطوع، فهذا تطوع منك، والبعض يقول: المعنى: إلا أن تطوع فيجب عليك؛ لأنه قال: (هل علي غيرها؟ قال: لا، إلا أن تطوع)، يعني التقدير: إلا أن تطوع فيجب عليك، فالقائلون بهذا الرأي قالوا: إلا أن يشرع في التطوع فيجب عليه، والقائلون بوجوب إعادة التطوع يشترطون التلبس والدخول في الطاعة.
وإذا أراد شخص أن يصلي سنة المغرب وهو متردد أيصلي أم لا؟ فإنه لا يأثم بذلك مع أن سنة المغرب سنة مؤكدة، فإذا عزم أن يصلي فقام وتوجه إلى القبلة ثم كبر، ولم يقرأ الفاتحة -لأنه يصلي سنة- لم تصح صلاته؛ لأنه بمجرد شروعه في النافلة قد أوجبها على نفسه من جهة العمل والإتمام، يعني: أوجب إتمامها وأداءها على نفسه، لا أنها في نفسها واجبة، ولكن وجوب الإتمام فيها كالفريضة.
ولو أن إنساناً ذهب ليحج حج نافلة قارناً فأهل من الميقات وساق الهدي معه ودخل مكة لم يجز له أن يتخلف متعمداً عن الوقوف بعرفات ويقول: أنا متنفل، بل يلزمه أداء الحج إلى آخره؛ لأنه قد تلبس به، وإن كان في أصله نافلة.
وفي المسألة مذاهب أخرى لا داعي لسردها، ولكن هذين أقوى المذاهب في المسألة.
قال: (ثم مذهب الشافعي وطائفة أن الحقوق المالية واجبة على الميت من زكاة وكفارة ونذر يجب قضاؤها، سواء أوصى بها أم لا).
وهذا مشروط بأن يترك مالاً يكفي للوفاء بهذا، وسواء أوصى بذلك أم لا؛ لأن هذا حق لله عز وجل عليه، وحقوق الله عز وجل مقدمة على حقوق العباد فيما يتعلق باستخراجها من التركة قبل توزيع الميراث، فإذا كان عليه زكاة مال وقد وجبت عليه ومات قبل أن يخرجها كأن تكون الزكاة وجبت عليه اليوم ومات بعد أسبوع مثلاً، ولكنه لم يكن قد أخرجها -والزكاة لا تجب إلا بالملك، أي: بملك النصاب، وحولان الحول، فمعنى قولنا: إنه قد وجبت عليه الزكاة يعني: أنه يملك- فهذا حق الله عز وجل، يجب على الورثة إخراج هذا المال أوصى أو لم يوص.
وبعض أهل العلم قال: لا يلزمهم ذلك إلا بوصية؛ وهذا مذهب مرجوح، والراجح أنه يلزمهم إخراج حق الله من كفارة يمين، أو نذر، أو زكاة مال من مال الميت أوصى أو لم يوص ما دام أنه ترك ما يفي بهذا النذر أو كفارة اليمين أو زكاة المال.
فقصة أم سعد بن عبادة ورد فيها أقوال كثيرة جداً، فقد قيل: إنها نذرت صوماً، وقيل: مالاً، وقيل: حجاً، وقيل: صلاة، وكل هذا ورد في ترجمتها في السير وغيرها، وهذا الحديث الذي بين أيدينا هو أحد هذه الأحاديث الواردة في قصة نذر أم سعد.
فبعض العلماء يقول: نذر أم سعد كان صياماً، ويستشهد بحديث الصيام، ولكن حديث الصيام الذي ورد في ترجمة أم سعد ليس فيه بيان أن هذا النذر كان في حال قوتها وصحتها، وهل أدته أم لا؟
فبعضهم حمل نذر أم سعد على الصيام، والبعض الثاني حمله على الحج، والبعض الثالث حمله على المال، ومنهم من حمله على غير ذلك. وأقوى الأقوال في هذا أنه نذر مبهم، فيحمل على عموم ما يمكن النذر فيه.
وبعضهم قال في حديث سعد بن عبادة : (إن أمي نذرت أن تعتق، أفأعتق عنها؟ قال: فأعتق عنها). والذين قالوا: إن نذر أم سعد كان مالياً لا يتعارض مع من قال: إنه كان عتقاً؛ لأن الرقيق والعبيد مال.
ولو أن النذر استوعب المال كله فالغالب أنه لا يلزمه إلا في الثلث.
ومذهب الظاهرية والحنابلة وبعض الشافعية: أن الأمر للوجوب والتعيين)، ومعنى التعيين: أنه يلزم منه العوض، فلا يوجد فيه كفارة، إلا إذا عجز الولي؛ لأن الذي عليه الصيام نفسه لو أنه عجز عن الصيام لنفسه لانتقل إلى البدل وهو الكفارة، وهي إطعام مسكين عن كل يوم، فإذا كان أولياء الميت كلهم ليس لديهم قدرة على الصيام فعليهم أن يطعموا عن كل يوم مسكيناً، فإذا كانوا لا يملكون حتى قوت يومهم، وعجزوا عن الإطعام لم يلزمهم كفارة؛ لأن الكفارة وإن كانت واجبة إلا أن كل واجب في الإسلام يسقط بعدم القدرة عليه، وكذلك تسقط الكفارة إن لم يكن للميت من يصوم عنه، فالكفارة تسقط بعدم القدرة كمن عجز عن الوضوء وعن التيمم يلزمه أن يصلي فاقد الطهورين، وهذا أمر مقرر وأنتم تعلمونه.
وإذا كان ورثة أو أولياء الميت قادرين على الصوم، وكان على الميت صيام فرض أو صيام نذر، أي: الصيام الواجب، وأما صيام النافلة فلا يلزمهم؛ لأنه لا يلزم الميت أصلاً.
ولو مات شخص وعليه عشرة أيام من رمضان، وعنده خمسة أولاد، فصام كل منهم عنه عشرة أيام -أي: صاموا عنه خمسين يوماً، والذي على الميت عشرة أيام فقط- فالذي يجزئ عنه عشرة أيام فقط، وأما الأربعون يوماً الباقية لم تصادف محلاً. ويجوز تقسيم الأيام على الأولاد، وصيامهم إياها جميعاً في يوم واحد، فلو قسمت العشرة أيام على الخمسة الأولاد فسيكون على كل واحد منهم يومان فقط، فلو صاموها جميعاً في يومين فصيامهم صحيح.
وقال بعض أهل العلم: لا بد من تقسيم العشرة أيام على عشرة أيام، أي: على عشرة نهارات، وهذا تحكم بغير دليل، وهم يستدلون على ما ذهبوا إليه بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فليصم عنه وليه)، أي: ولي واحد، لأنه لم يقل: فليصم عنه أولياؤه، وهذه ظاهرية شديدة جداً، وهو كمن يكثر مثلاً من النهي عن الصلاة بين السواري، فإذا رأى في مسجد سارية واحدة لم ينه عن الصلاة بجانبها؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن الصلاة بين السواري وليس السارية الواحدة، فهو تحجر على ظاهر النص، في حين أن المقصود علة النص، وعلة النص هي عدم قطع الصف، وهذه العلة تتحقق في السارية والساريتين والثلاث، فلا يقولن أحد: الحديث نهى عن الصلاة بين السواري ولم ينه عن الصلاة بجانب السارية الواحدة.
وهذا مثل ابن حزم عندما قال: لو أن أحداً بال في الماء وهو واقف نجسه؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: (لا يبولن أحدكم في الماء الدائم)، وفي رواية: (في الماء الراكد)، يعني: الجاري، (ثم يغتسل فيه من الجنابة)، أي: أن العلة هي التنجيس، يقول ابن حزم : فلو أنه بال في قارورة أو في ركوة ثم صب البول في الماء فإنه لا يتنجس. قال: لأنه لم يبل مباشرة في الماء، والحديث يفهم منه أن يبول في الماء، ولا يقال لغة لمن بال في زجاجة ثم ألقى البول في الماء الراكد أنه قد بال. وهذا تحكم بغير برهان، وإنما هو وقوف عند ظاهر النص بغير النظر إلى العلة، ومن المعلوم قطعاً عند المسلمين أن الشرع إنما أتى لحكمة عظيمة جداً، وهذا قد غفل عن الحكمة من النص؛ لأنه فرق بين المتماثلين، وجمع بين النقيضين بغير دليل ولا برهان.
وهذا الفقه المخالف لما عليه جماهير علماء الأمة لا بد أن يطرح جانباً؛ والشيخ أحمد شاكر عليه رحمة الله لما تصدى لتحقيق كتاب المحلى لـابن حزم قال: ما أتعبني أحد قط في حياتي العلمية ما أتعبني ابن حزم ؛ لأن له من المخالفات سواء الحديثية أو الفقهية الشيء الكثير، عليه رحمة الله.
ومذهب الجمهور أن الوارث لا يلزمه قضاء النذر الواجب على الميت إذا كان غير مالي، فلو قال الوارث: لن أصوم عن الميت؛ لأن الأمر الصادر إلينا بالصوم عنه أمر استحباب، والاستحباب لا إكراه فيه، ولا إجبار.
وقضاء الصوم عن الميت أولى، فإن امتنع الولي عن قضاء الصيام أجزأته الكفارة خلافاً للأولى، وبعضهم يمتنع عن الصيام عن الميت ويقول: أنا خرجت من رمضان متعباً، ولا أقدر على الصيام، فسأطعم عنه ثلاثين مسكيناً، أو حتى ثلاثمائة.
قال: (وإذا كان مالياً ولم يخلف تركة يستحب له ذلك، وهذا مذهب الجمهور) أي: أنه يستحب له أن يصوم عنه، ويستحب له كذلك أن يقضي عنه نذره إن كان مالياً ولم يكن للميت ما يقضى به هذا النذر، فإذا كان الوارث أو الولي عنده من المال ما يفي بنذر ميته فإنه لا يجب عليه القضاء عنه، وإنما يستحب في حقه.
قال: (وقال أهل الظاهر: بل يلزمه ذلك؛ لحديث سعد هذا.
ودليلنا: أن الوارث لم يلتزمه فلا يلزم)، وهذا الوارث إنما يلزمه الصوم إذا ألزم نفسه بذلك، ويلزمه قضاء الدين عن الميت إذا ألزم نفسه بذلك.
وهذا كله بصرف النظر عن وصية الميت، يعني: إذا كان الميت عنده أولاد لديهم مال، وهذا المتوفي لا مال له، وإنما كان يعيش على قوت يومه، وكان قد نذر أو أوصى ببناء مسجد، فهذه الوصية تكون لازمة من تركته، ولكنه لم يترك مالاً يبنى به مسجد فهنا لا يلزم الأولاد أن يبنوا مسجداً، إلا إذا كان الميت قد ترك مالاً ثلثه يكفي لبناء مسجد، وإلا فلا يلزمهم ذلك من جهة الإيجاب، ولكن من جهة الاستحباب يستحب لهم أن يبنوا مسجداً، وإن لم يترك الميت مالاً.
قال: (ودليلنا أن الوارث لم يلتزمه فلا يلزم، وحديث سعد يحتمل أنه قضاه من تركتها، أو تبرع به هو استحباباً، وليس في الحديث تصريح بإلزامه ذلك). والله تعالى أعلم.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
الجواب: لو نذر الناذر التصدق بمائة جنيه وكان له عشرة أولاد فأعطى كل واحد منهم عشرة جنيهات فهذا يعني أنه قد رجع إليه مرة أخرى، ولذلك إجماع أهل العلم أن محل النذر لا يكون للناذر ولا لمن يعول.
الجواب: هؤلاء العلماء ليسوا في حاجة إلى دفاعنا، فإنهم جبال شامخات، وهم ليسوا في حاجة إلى كلمة منا، وأحذر هذا الأخ أن تنزل عليه صاعقة من السماء فتجتاحه، أو أن الله تعالى يسلط عليه أقرب الناس إليه فيذله ذلاً.
وأذكر بهذه المناسبة أننا كنا في أثناء غزو العراق للكويت في أحد النوادي في شارع الهرم، وكان بعض إخواننا على خلاف مع الشيخ ابن باز فيما يتعلق بمسألة استقدام الكفار أو الأجانب إلى الجزيرة، ثم زاد استهزاء وسخرية وتهكماً على الشيخ ابن باز ، وكان يلعب الكرة، فذهب مسرعاً إلى أقصى حد ليأتي بها بعد أن تهكم في الملعب على الشيخ ابن باز، فظل يجري حتى ارتطم بحائط النادي فوقع ميتاً في الحال، فأيقنت -وأنا موقن، ولا أزكي الشيخ على الله رحمه الله- أنه من أولياء الله عز وجل، وأنه من أهل العلم الأفذاذ، فقد ضرب في كل فن من فنون العلم بباع طويل.
وأذكر هذا الأخ وغيره ممن يقعون في أهل العلم بما أخرجه ابن عساكر عن كثير من أهل العلم: أن لحوم العلماء مسمومة، وعادة الله في هتك أستار منتقصيهم معلومة، ومن تعرض لهم بالثلب ابتلاه الله قبل موته بموت القلب.
وتصور أن رجلاً يمشي على الأرض وقلبه ميت بسبب وقيعته في أهل العلم، واعلم أن الأمر كما قال ابن القيم وشيخ الإسلام ابن تيمية وغيرهما: الغيبة والنميمة حرام في حق الكافر المسالم -وهو ضد المحارب- وهي أشد حرمة في حق المسلم، حتى إن كان ما تقوله فيه حقاً، وهي في أعظم درجات الحرمة إذا كانت في حق أهل العلم؛ لأنهم ليسوا كغيرهم من الناس، يعني: إن الوقيعة في المسلم العادي حرام، وأما الطعن والوقيعة في أعراض أهل العلم فهو باب عظيم من أبواب الصد عن سبيل الله عز وجل؛ لأن هؤلاء العلماء هم الدلالة بيننا وبين الله عز وجل، وهم الذين يبينون عن الله عز وجل، أي: يبلغوننا مراد الله تعالى من كلامه، ومراد رسوله عليه الصلاة والسلام من كلامه، فهم الواسطة بيننا وبين فهم كلام ربنا وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام، فإذا وقعت فيهم فمن الذي يبلغنا؟ ومن الذي يعلمنا؟ فالوقيعة في العلماء إنما هو قطع للصلة بين الأمة وبين علمائها، والقدح في العالم بكلمة واحدة تسقط هيبته والثقة به، فلا يتبعه أحد بسبب كلمة واحدة.
وقائل هذا الكلام من أجهل الناس، وغالباً ما يكون -وهذا أمر مطرد- جاهلاً لا يعرف أهل العلم ولا فضلهم، ولا معنى أن هذا عالم، ولا غير ذلك، فهو بعد أن جهل كل هذا هان عليه الوقيعة في أهل العلم وفي غيرهم.
فإذا كان يتعرض لأهل العلم بهذا الكلام القبيح فمن باب أولى أن يتعرض لعموم الأمة بالتكفير والتبديع والتفسيق، وهذا باب عظيم جداً من أبواب أهل البدع.
أسأل الله سبحانه أن يغفر لهذا الأخ، وأن يهديه ويهدينا الصراط المستقيم.
الحديث الأول: (توسلوا بجاهي؛ فإن جاهي عند الله عظيم) والحديث الثاني: (لا تسيدوني في الصلاة).
الجواب: الحديث الأول موضوع، والحديث الثاني أكثر منه وضعاً، بل الصواب حتى من جهة اللغة أن يقول: (لا تسودوني)، وعلامة الوضع الخطأ اللغوي في الرواية.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وسلم.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح صحيح مسلم - كتاب الأيمان والنذور - أحكام النذر للشيخ : حسن أبو الأشبال الزهيري
https://audio.islamweb.net