إسلام ويب

الإيمان قول وعمل، والقول يشمل قول القلب أي: تصديقه واعتقاده، وقول اللسان وتكليمه، والعمل يشمل عمل القلب من الخوف والخشية والرجاء والتوكل والحب والبغض، وعمل الجوارح وهو فعل الطاعات وترك المعاصي والمنكرات، كما أن الإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي والسيئات، والأدلة على ذلك كثيرة من الكتاب والسنة والآثار السلفية الواردة في ذلك.

رد أهل السنة على المرجئة في احتجاجهم بزوال الإيمان المركب بزوال جزئه

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وقالوا أيضاً: وهنا أصل آخر، وهو أن القول قسمان: قول القلب وهو الاعتقاد، وقول اللسان وهو التكلم بكلمة الإسلام، والعمل قسمان: عمل القلب وهو نيته وإخلاصه، وعمل الجوارح، فإذا زالت هذه الأربعة زال الإيمان بكماله، وإذا زال تصديق القلب لم تنفع بقية الأجزاء؛ فإن تصديق القلب شرط في اعتبارها وكونها نافعة، وإذا بقي تصديق القلب وزال الباقي فهذا موضع المعركة!!.

ولا شك أنه يلزم من عدم طاعة الجوارح عدم طاعة القلب، إذ لو أطاع القلب وانقاد لأطاعت الجوارح وانقادت، ويلزم من عدم طاعة القلب وانقياده عدم التصديق المستلزم للطاعة، قال صلى الله عليه وسلم: (إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد، وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد، ألا وهي القلب)، فمن صلح قلبه صلح جسده قطعاً، بخلاف العكس، وأما كونه يلزم من زوال جزئه زوال كله فإن أريد أن الهيئة الاجتماعية لم تبق مجتمعة كما كانت فمسلَّم، ولكن لا يلزم من زوال بعضها زوال سائر الأجزاء، فيزول عنه الكمال فقط ].

يقصد بذلك أن الذين قالوا: إن الإيمان يزول بزوال جزئه، وهم طائفة من الذين قالوا: لا يزيد ولا ينقص، هذا من جانب، ومن جانب آخر أيضاً هو قول المعتزلة والخوارج، ليس فقط قول طوائف بعض المرجئة، فالذين قالوا: إن كونه يلزم من زوال جزئه زواله كله هم بعض المرجئة، وهم أيضاً الخوارج والمعتزلة، والخوارج والمعتزلة هم عكس المرجئة في كثير من الأمور، ومع ذلك يلتقون في بعض المستلزمات وبعض الأقوال.

وهو هنا يريد أن يرد على الذين قالوا: إن الإيمان يزول بزوال جزئه، وإنه إذا زال جزء منه زال كله، يريد أن يرد عليهم بأن هذا الكلام كلام مجمل، يقول: إذا قلتم: إن الإيمان يزول كله بزوال شيء منه؛ فهذا لا يصح.

وقوله: [فإن أريد أن الهيئة الاجتماعية] يقصد كل أفراد الإيمان، فهو يقول: إنه لا يصح أن الإيمان يزول كله بزوال الجزء، أما إذا أرادوا أن الإيمان إذا زال شيء منه لم يبق مجتمعاً فهذا صحيح، فنحن نعرف أن الإيمان بمجموعه إذا زال جزء منه لم يبق سليماً في الجملة، فيختل شيء منه بقدر خلل هذا العمل، ولا يبقى كاملاً أيضاً، فإنه ينقص بقدر نقص هذا العمل، لكن لا يصح أن نقول: إنه إذا اختل منه شيء أو زال جزؤه أو ذهب بعضه فقد ذهب مسمى الإيمان عن المؤمن أو زال كله، بمعنى أنه لا ينعدم بزوال جزء منه، بل يبقى أصله حتى ولو كثر النقص فيه، فلو افترضنا أن النقص في أكثر أجزاء الإيمان فإنه يبقى أصله، هذا جانب.

والجانب الآخر: أننا لو افترضنا أن النقص جاء من شيء عظيم في الدين -كارتكاب بعض الكبائر- فإنه مع ذلك قد يختل خللاً عظيماً، لكن يبقى أصله، وقد يرتفع معنى الإيمان عن المسلم في لحظة ما، لكنه مع ذلك لا ينفك عنه مسمى الإسلام ولا مسمى الإيمان، إنما قد يرتفع في تلك اللحظة التي حدث للمسلم فيها عارض، كأن يشك في شيء من الدين أو يضطرب اعتقاده أو يحصل له شيء من النزغات العظيمة التي تستوجب زوال الإيمان في لحظة ما، لكنه لا يلبث أن يعود، بل ربما يرتكب من الكبائر والفواحش العظام ما يمكن أن نقول: إنه بذلك لم يكن مؤمناً في تلك اللحظة التي حصل منه فيها ذلك الفعل، بمعنى أنه لا يستحق أن يكون ممن وفى بالإيمان، لكن يبقى أصل الإيمان ثابتاً.

فعلى هذا فإن قول الذين يقولون: إن الإيمان يزول كله بزوال جزئه لا يصح، وإذا كان قصدهم أنه يزول كماله فنعم، لكن هذا لا يسمى زوالاً، بل يسمى نقصاً، ويسمى تقصيراً، ويسمى خللاً، ويسمى عدم كمال .. إلى آخر ذلك من الألفاظ التي يعبر بها أهل العلم، والآن سيبدأ في الاستدلال على تقرير زيادة الإيمان أو نقصانه.

الأدلة على زيادة الإيمان ونقصانه

أدلة الكتاب على زيادة الإيمان ونقصانه

قال رحمه الله تعالى: [ والأدلة على زيادة الإيمان ونقصانه من الكتاب والسنة والآثار السلفية كثيرة جداً، منها: قوله تعالى: وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا [الأنفال:2] ].

هنا صرح تعالى بزيادة الإيمان، فزيادة الإيمان بسبب الجمع بين العمل والمعرفة، أو العمل والتطبيق، أو تلاوة آيات الله، زادتهم إيماناً، ولا شك أنه يلزم منها أنها زادتهم يقيناً وزادتهم عملاً؛ لأن من زاد يقينه زاد عمله.

قال رحمه الله تعالى: [ وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى [مريم:76]، وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا [المدثر:31]، هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ لِيَزْدَادُوا إِيمَانًا مَعَ إِيمَانِهِمْ [الفتح:4]، الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ [آل عمران:173] ].

هذه خمسة أدلة من كتاب الله عز وجل كلها صريحة صراحة واضحة لا لبس فيها ولا غموض في أن الإيمان يزيد، وعلى أنه يزيد بمجموعة من الأمور القلبية والعملية، وليس في الأمور القلبية التصديقية فقط.

قال رحمه الله تعالى: [ وكيف يقال في هذه الآية والتي قبلها: إن الزيادة باعتبار زيادة المؤمن به؟! فهل في قول الناس: (قد جمعوا لكم فاخشوهم) زيادة مشروع؟! وهل في إنزال السكينة على قلوب المؤمنين زيادة مشروع؟! ].

هنا أشار إلى اعتراض قال به المرجئة، وهو أنهم قالوا في الزيادة المذكورة في هذه الآيات وفي غيرها: إن هذه الزيادة باعتبار زيادة المؤمن به، أي: بزيادة الشرائع، فقالوا: إن زيادة الإيمان للمؤمنين بزيادة ما يرد إليهم من الله عز وجل من أوامر ونواه وأخبار، فكلما زادت الأخبار عندهم -بزعمهم- وصدقوا بها زاد إيمانهم بذلك، وكلما زادت الأعمال وصدقوا بها زاد إيمانهم، فكأنهم أعادوا الزيادة إلى مجرد التصديق بالقلب، ثم أجابوا على هذا: بأن قولهم هذا لا يصح وإن كان ضمن الزيادة الواردة في النصوص الشرعية، فلا شك أن زيادة المؤمن به واقعة، بمعنى أن الشرائع تزيد في وقت تنزل الوحي، وفي وقت نزول هذه الآيات، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم ينزل عليه أشياء من الأعمال والاعتقادات تزيد في مسمى الإسلام، وفي شرائعه، هذا معنى صحيح، لكن ليس هذا فقط هو معنى الزيادة.

إذاً: فالذين قالوا بأن الزيادة زيادة المؤمن به يقصدون به زيادة الأعمال المشروعة، فرد عليهم بقوله: فهل في قول الناس قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ [آل عمران:173] زيادة مشروع؟! يعني: هل جاء فيه تشريع جديد؟! نعم إن الله عز وجل أمرهم بأن يثبتوا في الإيمان، لكن لا يعني ذلك أنه جاءهم أمر جديد في الدين، إنما أمرهم الله عز وجل بأن يثبتوا على ما هم عليه، فكذلك بقية الآيات، فليس فيها زيادة عمل مشروع، إنما فيها إشارة إلى أن المؤمنين الذين حصل لهم ذلك زاد إيمانهم، وزاد يقينهم، وزاد عملهم، وزاد أخذهم بالأسباب، وكل مستلزمات الزيادة معروفة، وأقل ذلك أنهم لما قيل لهم: إن الناس قد جمعوا لكم؛ قالوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، وهذا دليل على أنهم جمعوا بين يقين القلب وبين العمل، وهو نطق اللسان في الاحتساب وفي مسألة اللجوء إلى الله عز وجل.

قال رحمه الله تعالى: [ وهل في إنزال السكينة على قلوب المؤمنين زيادة مشروع؟! وإنما أنزل الله السكينة في قلوب المؤمنين مرجعهم من الحديبية ليزدادوا طمأنينة ويقيناً، ويؤيد ذلك قوله تعالى: هُمْ لِلْكُفْرِ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ مِنْهُمْ لِلإِيمَانِ [آل عمران:167]، وقال تعالى: وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ [التوبة:124-125]].

الآيات التي تتنزل ويزداد بها المؤمنون إيماناً تتضمن العقائد والأمور القلبية، وتتضمن الأعمال، هذا شيء.

الشيء الآخر: أن الله عز وجل نسب الزيادة إلى الإيمان نسبة صريحة لا لبس فيها كما ذكرت، إذاً: فمحاولة تأول هذا الأمر فيه نوع تناقض وتكلف.

بيان حال حديث أبي هريرة في امتناع زيادة الإيمان ونقصانه

قال رحمه الله تعالى: [ وأما ما رواه الفقيه أبو الليث السمرقندي رحمه الله في تفسيره عند هذه الآية، فقال: حدثنا الفقيه، قال: حدثنا محمد بن الفضل وأبو القاسم الساباذي قالا: حدثنا فارس بن مردويه قال: حدثنا محمد بن الفضل بن العابد قال: حدثنا يحيي بن عيسى قال: حدثنا أبو مطيع عن حماد بن سلمة عن أبي المهزم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاء وفد ثقيف إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله! الإيمان يزيد وينقص؟ فقال: (لا، الإيمان مكمل في القلب زيادته ونقصانه كفر) ].

هذا الحديث لا يصح كما قال أهل العلم.

قال رحمه الله تعالى: [ فقد سئل شيخنا الشيخ عماد الدين ابن كثير رحمه الله عن هذا الحديث فأجاب بأن الإسناد من أبي ليث إلى أبي مطيع مجهولون لا يعرفون في شيء من كتب التواريخ المشهورة، وأما أبو مطيع فهو: الحكم بن عبد الله بن مسلمة البلخي ضعفه أحمد بن حنبل ، ويحيى بن معين ، وعمرو بن علي الفلاس ، والبخاري ، وأبو داود ، والنسائي ، وأبو حاتم الرازي ، وأبو حاتم محمد بن حبان البستي، والعقيلي ، وابن عدي ، والدارقطني وغيرهم، وأما أبو المهزم الراوي عن أبي هريرة -وقد تصحف على الكتاب، واسمه: يزيد بن سفيان - فقد ضعفه أيضاً غير واحد، وتركه شعبة بن الحجاج ، وقال النسائي : متروك، وقد اتهمه شعبة بالوضع حيث قال: لو أعطوه فلسين لحدثهم سبعين حديثاً! ].

إذاً: الحديث لا دليل فيه، ولا يصح الاستدلال به، ولا تكون به حجة للمرجئة، ومتنه تظهر عليه علامة الوضع، فالمتن مركب تماماً على عقيدة المرجئة التي ما ظهرت إلا في آخر القرن الأول، فهو مركب تركيباً يناسب عقيدة المرجئة في القول بعدم زيادة الإيمان ونقصانه، وقول طائفة منهم ومن المتكلمين بأن نقص الإيمان يعني الكفر، يعني: إذا نقص اختل كله، وهذا لا يستقيم مع النصوص الشرعية في الكتاب والسنة ولا مع ما أجمع عليه السلف، ولا مع قواعد الشرع المعروفة في مسائل التكفير.

إذاً: فعلامات الوضع على متن الحديث واضحة جداً، وقد كفينا في موضوعه والحديث عنه من قبل أهل العلم؛ لأن السند لا يصح أبداً.

الأدلة من السنة على زيادة الإيمان ونقصانه

قال رحمه الله تعالى: [ وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم النساء بنقصان العقل والدين ].

هذا الدليل السادس؛ لأن الأدلة متفرقة نوعاً ما، فالشيخ استأنف الاستدلال على زيادة الإيمان ونقصانه عند أهل السنة والجماعة، وهذا هو الدليل السادس.

قال رحمه الله تعالى: [ وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم النساء بنقصان العقل والدين، وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين)، والمراد نفي الكمال، ونظائره كثيرة، وحديث شعب الإيمان، وحديث الشفاعة، وأنه يخرج من النار من في قلبه أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان، فكيف يقال بعد هذا: إن إيمان أهل السماوات والأرض سواء، وإنما التفاضل بينهم بمعانٍ أخر غير الإيمان؟! ].

الإشارة إلى حديث شعب الإيمان هو الدليل السابع، وحديث الشفاعة الدليل الثامن، والشاهد أن حديث شعب الإيمان معروف، وسبق إيراده، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال بأن الإيمان بضع وسبعون شعبة، وفي بعض الروايات: بضع وستون، ثم ذكر أعلاها وأدناها، وهي من الأعمال، فأعلاها قول لا إله إلا الله، وأدنها إماطة الأذى عن الطريق، وهي كلها أعمال، فعلى هذا فإن الإيمان يشمل الأعمال، ويزيد وينقص؛ لأن ذكر الأعلى إشارة إلى الزيادة والأدنى إشارة إلى النقص.

وكذلك حديث الشفاعة، ذكر فيه أنه يخرج من النار من في قلبه أدنى مثقال ذرة، وفي سياق الحديث ثلاث مرات، أي: أدنى أدنى أدنى مثقال ذرة من إيمان؛ لأن الحديث ورد متدرجاً، فذكر فيه أدنى مرة، ثم أدنى مرتين، ثم أدنى ثلاثاً، فذكر الثالثة يدل على المقصود بشكل أوضح، فدل على أن الإيمان له أدنى وأدنى من أدنى، الأمر الذي يدل على أن الإيمان فيه زيادة ونقص، لا سيما أنه مثل الإيمان بالحبة وبنصفها وبالذرة، وهي تتفاوت فيها الزيادة والنقص، وعلى هذا فإن هذا يعتبر أيضاً دليلاً صريحاً على زيادة الإيمان ونقصانه.

آثار السلف في زيادة الإيمان ونقصانه

قال رحمه الله تعالى: [ وكلام الصحابة رضي الله عنهم في هذا المعنى كثير أيضاً ].

هنا بدأ يستدل بأقوال السلف على أن الإيمان يزيد وينقص، فذكر الدليل الأول قول أبي الدرداء.

قال رحمه الله تعالى: [ منه: قول أبي الدرداء رضي الله عنه: من فقه العبد أن يتعاهد إيمانه وما نقص منه، ومن فقه العبد أن يعلم أيزداد هو أم ينتقص. وكان عمر رضي الله عنه يقول لأصحابه: هلموا نزدد إيماناً. فيذكرون الله عز وجل، وكان ابن مسعود رضي الله عنه يقول في دعائه: اللهم زدنا إيماناً ويقيناً وفقهاً. وكان معاذ بن جبل رضي الله عنه يقول لرجل: اجلس بنا نؤمن ساعة. ومثله عن عبد الله بن رواحة رضي الله عنه، وصح عن عمار بن ياسر رضي الله عنه أنه قال: ثلاث من كن فيه فقد استكمل الإيمان: إنصاف من نفسه، والإنفاق من إقتار، وبذل السلام للعالم. ذكره البخاري رحمه الله في صحيحه، وفي هذا المقدار كفاية، وبالله التوفيق ].

فيما سيأتي سيشير إلى استدلالات المرجئة والرد عليها، وهنا أشار إلى الرد مباشرة، فبدأ بالأول، وهو أنهم زعموا أن عطف العمل على الإيمان يقتضي المغايرة، أي: أن العمل غير الإيمان، وسيرد على ذلك.

الرد على احتجاج الحنفية بأن عطف العمل على الإيمان يقتضي المغايرة

قال رحمه الله تعالى: [ وأما كون عطف العمل على الإيمان يقتضي المغايرة؛ فلا يكون العمل داخلاً في مسمى الإيمان؛ فلا شك أن الإيمان تارة يذكر مطلقاً عن العمل وعن الإسلام، وتارة يقرن بالعمل الصالح، وتارة يقرن بالإسلام، فالمطلق مستلزم للأعمال، قال تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ [الأنفال:2] ].

هنا فسر المؤمنين بمن إذا ذكر الله وجلت قلوبهم، وهذا يتضمن المعنيين، فوجل القلب هو نوع من اليقين والإيمان، ثم إنه نوع من العمل؛ لأن الوجل لابد أن يكون له لوازم.

قال رحمه الله تعالى: [ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا [الحجرات:15]، وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ [المائدة:81] ].

هنا أفرد الإيمان، ولابد أن يستلزم أعمالاً، أي: أن هذه المعاني لا تتحقق للمؤمنين إلا إذا كانوا يعملون بمقتضى الدين.

قال رحمه الله تعالى: [ وقال صلى الله عليه وسلم: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) الحديث، (لا تؤمنوا حتى تحابوا)، (من غشنا فليس منا)، (من حمل علينا السلاح فليس منا) ].

في الدليل الأول: (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) نفى الإيمان عن الفاعل بعمل يخل بالإيمان، وهذا دليل على أن العمل من الإيمان، وكذلك قوله: (حتى تحابوا) فالتحاب هو عمل، وهو شرط للإيمان، بل هو أيضاً معنى من معاني الإيمان، وكذلك قوله: (من غشنا ...)، (من حمل السلاح ...)، نفى عنه ذلك بالعمل الذي هو الغش وحمل السلاح، وهذه كلها أعمال.

قال رحمه الله تعالى: [ وما أبعد قول من قال: إن معنى قوله: (فليس منا) أي: فليس مثلنا! فليت شعري فمن لم يغش يكون مثل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه؟!

وأما إذا عطف عليه العمل الصالح فاعلم أن عطف الشيء على الشيء يقتضي المغايرة بين المعطوف والمعطوف عليه مع الاشتراك في الحكم الذي ذكر لهما، والمغايرة على مراتب ].

يقصد هنا عطف العمل الصالح على الإيمان، فإنه غايره من بعض الوجوه ووافقه في الأصل، يقول: إن كثيراً من ألفاظ اللغة العربية التي فيها ترادف إذا عطف أحدها على الآخر بقي الاشتراك على أصله، ودل العطف على المغايرة من بعض الوجوه، وهذه قاعدة عند العرب لا تتخلف، وهي قاعدة معروفة معلومة، وتستقيم في المصطلحات الشرعية أكثر من غيرها، وهو أنه إذا وجدنا لفظين مترادفين فإذا أطلق أحدهما منفرداً دل على معنى الآخر، وإذا أطلقا جميعاً بقي الاشتراك بينهما ودل العطف على التغاير من بعض الوجوه.

فالعطف فعلاً يدل على المغايرة، لكن في بعض الوجوه، ولا يعني وجود المغايرة من بعض الوجوه أن الترادف انعدم أو زال.

ومن ذلك: الفقير والمسكين، فإذا أطلقنا كلمة (فقير) دلت على معنى المسكين وحدها بدون أن ترد معها الأخرى.

وكذلك إذا قلنا: (مسكين) دل على معنى الفقير، لكن إذا اجتمعتا فقلنا: الفقير والمسكين صار بينهما شيء من الفروق، ومع ذلك فوجوه الاشتراك بينهما موجودة، ومنها الحاجة ونحو ذلك من الأمور.

وكذلك الإيمان والعمل الصالح؛ فإذا عطف العمل الصالح على الإيمان بقي الاشتراك موجوداً في أن العمل الصالح جزء من الإيمان والإيمان يشمل العمل الصالح، لكن العطف يدل على التغاير الجزئي الذي جاء من أجله سياق الكلام.

مراتب المغايرة

قال رحمه الله تعالى: [ والمغايرة على مراتب:

أعلاها: أن يكونا متباينين ليس أحدهما هو الآخر، ولا جزأه، ولا بينهما تلازم، كقوله تعالى: خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ [الأنعام:1]، وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ [آل عمران:3] ].

عطف العمل الصالح على الإيمان لا يدخل في هذا المعنى إطلاقاً، وهذا ظاهر، فليس بينهما تباين كالنور والظلمة.

قال رحمه الله تعالى: [ ويليه: أن يكون بينهما تلازم، كقوله تعالى: وَلا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:42]، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ [المائدة:92].

الثالث: عطف بعض الشيء عليه، كقوله تعالى: حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى [البقرة:238]، مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ [البقرة:98]، مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ [الأحزاب:7].

وفي مثل هذا وجهان:

أحدهما: أن يكون داخلاً في الأول فيكون مذكوراً مرتين ].

ذكر مرتين للاختصاص، فإذا عطف على الشيء جزؤه فإنه يدل على أن أحدهما اختص بشيء، والغالب أن المعطوف يكون أخص، وأن له معنى يزيد على المعطوف عليه، فعطف الصلاة الوسطى على الصلوات دليل على أن هناك أهمية للصلاة الوسطى مع دخولها في أهمية عموم الصلوات، وعطف جبريل وميكال على عموم الملائكة يدل على أن هناك أهمية أو خصائص لجبريل وميكال مع دخولهما في خصائص الملائكة العامة، وكذلك عطف النبي صلى الله عليه وسلم على عموم النبيين يدل على أنه داخل في عموم النبيين وأنه اختص بأمر عظيم آخر، وهكذا مسألة الإيمان والعمل الصالح.

قال رحمه الله تعالى: [ والثاني: أن عطفه عليه يقتضي أنه ليس داخلاً فيه هنا، وإن كان داخلاً فيه منفرداً، كما قيل مثل ذلك في لفظ الفقراء والمساكين ونحوه مما تتنوع دلالته بالإفراد والاقتران.

الرابع: عطف الشيء على الشيء لاختلاف الصفتين، كقوله تعالى: غَافِرِ الذَّنْبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ [غافر:3]، وقد جاء في الشعر العطف لاختلاف اللفظ فقط، كقوله:

فألفى قولها كذباً ومينا.

ومن الناس من زعم أن في القرآن من ذلك قوله تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا [المائدة:48]، والكلام على ذلك معروف في موضعه ].

الاعتداد بإطلاق الشرع لفظ الإيمان لدحض دعوى المغايرة

قال رحمه الله تعالى: [فإذا كان العطف في الكلام يكون على هذه الوجوه نظرنا في كلام الشارع كيف ورد فيه الإيمان؟ فوجدناه إذا أطلق يراد به ما يراد بلفظ البر، والتقوى، والدين، ودين الإسلام.

ذكر في أسباب النزول أنهم سألوا عن الإيمان، فأنزل الله هذه الآية: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ [البقرة:177] الآيات].

هنا استأنف الاستدلال، لكنه بشكل غير واضح، ففي هذه الآية دليل لأهل السنة على أن الأعمال تدخل في مسمى الإيمان؛ لأنه فسره بالعمل.

قال رحمه الله تعالى: [ قال محمد بن نصر : حدثنا إسحاق بن إبراهيم حدثنا عبد الله بن يزيد المقرئ والملائي قالا: حدثنا المسعودي عن القاسم قال: (جاء رجل إلى أبي ذر رضي الله عنه فسأله عن الإيمان؟ فقرأ: لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ [البقرة:177] إلى آخر الآية، فقال الرجل: ليس عن هذا سألتك، فقال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن الذي سألتني عنه، فقرأ عليه الذي قرأت عليك، فقال له الذي قلت لي، فلما أبى أن يرضى قال: إن المؤمن الذي إذا عمل الحسنة سرته ورجا ثوابها، وإذا عمل السيئة ساءته وخاف عقابها).

وكذلك أجاب جماعة من السلف بهذا الجواب.

وفي الصحيح قوله لوفد عبد القيس: (آمركم بالإيمان بالله وحده، أتدرون ما الإيمان بالله؟ شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وأن تؤدوا الخمس من المغنم) ].

هذا من أصرح الأدلة وأقواها دلالة على قول أهل السنة والجماعة، ثم إنه من الأحاديث التي حار فيها كثير من المرجئة؛ لأنه فسر الإيمان بصراحة بأعمال صالحة: إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وأداء الخمس، فهذا دليل قاطع على أمرين: على أن الأعمال تدخل في مسمى الإيمان دخولاً أولياً، بل هي تفسير له؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فسر الإيمان بهذه الأمور، فهي داخلة فيه، ليس على سبيل الاستلزام ولا على سبيل الشرطية، بل على سبيل التضمن، فالإيمان متضمن للأعمال، لأن تفسير الإيمان بالعمل بهذا الحديث تفسير صريح قاطع، وهو حديث صحيح، وتكرر بأسانيد وبألفاظ أخرى عن النبي صلى الله عليه وسلم غير هذا اللفظ الذي أخرجه البخاري ومسلم وكثير من أهل السنة.

كما أنه دليل على زيادة الإيمان ونقصانه؛ لأن هذه الأمور تزداد عند بعض الناس وتنقص عند بعضهم، فهم في شهادة أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يتفاوتون في العمل بها والنطق بها والتزامها قولاً وعملاً، وكذلك إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وأداء الخمس من المغنم.

فهذه الأعمال من الأعمال التي يتفاوت فيها العباد، فتفاوتها دليل على زيادة الإيمان ونقصانه.

قال رحمه الله تعالى: [ ومعلوم أنه لم يرد أن هذه الأعمال تكون إيماناً بالله بدون إيمان القلب؛ لما قد أخبر في مواضع أنه لابد من إيمان القلب، فعلم أن هذه مع إيمان القلب هو الإيمان.

وأي دليل على أن الأعمال داخلة في مسمى الإيمان فوق هذا الدليل؟! فإنه فسر الإيمان بالأعمال ولم يذكر التصديق، للعلم بأن هذه الأعمال لا تفيد مع الجحود، وفي المسند عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (الإسلام علانية والإيمان في القلب)، وفي هذا الحديث دليل على المغايرة بين الإسلام والإيمان ].

دلالة حديث جبريل على اشتمال الإيمان على أعمال الإسلام

قال رحمه الله تعالى: [ ويؤيده حديث جبريل عليه السلام، وقد قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم)، فجعل الدين هو الإسلام والإيمان والإحسان، فبين أن ديننا يجمع الثلاثة، لكن هو درجات ثلاث: مسلم ثم مؤمن ثم محسن.

والمراد بالإيمان ما ذكر مع الإسلام قطعاً، كما أنه أريد بالإحسان ما ذكر مع الإيمان والإسلام لا أن الإحسان يكون مجرداً عن الإيمان، هذا محال، وهذا كما قال تعالى: ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ [فاطر:32]، والمقتصد والسابق كلاهما يدخل الجنة بلا عقوبة، بخلاف الظالم لنفسه فإنه معرض للوعيد ].

تصنيف وتقسيم العباد هنا دليل على زيادة العمل ونقصه وزيادة الإيمان ونقصه، فالسابق في الخيرات نزع إلى كمال الإيمان، والمقتصد عنده توسط في الإيمان، والظالم لنفسه نقص إيمانه، وهذا كله راجع إلى الأعمال أيضاً؛ لأن هذا معروف باللزوم، بل بالضرورة؛ لأنه لا يمكن أن هذه الآية تنطبق على من لم يعمل خيراً قط أو من صدق فقط، فلو كان الإيمان هو التصديق لقيل: إن الذين صدقوا حتى لو لم يعملوا يخضعون لهذا التصنيف، وهذا لا يرد أبداً، بل العكس هو الصحيح، فالذين تفاوتت أعمالهم بين نقص وزيادة هم كلهم من المؤمنين الذين جمعوا بين التصديق والعمل، لكن منهم من اقتصد في العمل ومنهم من سبق وعمل خيراً ومنهم من ظلم نفسه، بمعنى أنه كثر خلطه، وبهذا يدل هذا التقسيم على الزيادة والنقص في الإيمان والعمل بالضرورة.

قال رحمه الله تعالى: [ وهكذا من أتى بالإسلام الظاهر مع التصديق بالقلب، لكن لم يقم بما يجب عليه من الإيمان الباطن، فإنه معرض للوعيد.

فأما الإحسان فهو أعم من جهة نفسه وأخص من جهة أهله، والإيمان أعم من جهة نفسه وأخص من جهة أهله من الإسلام، فالإحسان يدخل فيه الإيمان، والإيمان يدخل فيه الإسلام، والمحسنون أخص من المؤمنين، والمؤمنون أخص من المسلمين، وهذا كالرسالة والنبوة، فالنبوة داخلة في الرسالة، والرسالة أعم من جهة نفسها وأخص من جهة أهلها، فكل رسول نبي ولا ينعكس ].

كلامه هنا يدل على أن هذه المعاني الثلاثة يتضمن بعضها بعضاً بالضرورة ويستلزم بعضها بعضاً أيضاً، ومسألة العموم والخصوص بين الإيمان والإسلام والإحسان وبين النبوة والرسالة يمكن أن تتبين لو تصورنا أن الإسلام والإيمان والإحسان عبارة عن دوائر، فنجعل دائرة الإحسان هي الدائرة الصغرى الضيقة، ودائرة الإيمان فوقها تحيط بها، ودائرة الإسلام دائرة كبرى، فإنا إذا نظرنا إلى الإحسان من حيث عدد المحسنين وجدناهم قلة؛ لأن الإحسان دائرة ضيقة جداً، فالإحسان أخص من جهة أهله ومن جهة الوجود، أي: وجود الإحسان من العباد، لأنه أعلى درجات الإيمان والإسلام، لكن من حيث نفسه نجد أن الإحسان لابد أن يستلزم الإيمان والإسلام؛ لأنه لا يمكن أن يكون هناك محسن إلا وهو قبل ذلك مؤمن ومسلم.

فعلى هذا يكون الإحسان أعم من جهة نفسه؛ لأنه يشمل الإيمان والإسلام، فشمل الدائرتين الوسطى والكبرى، وأخص من جهة أهله؛ لأن المحسنين قلة.

وكذلك النبوة والرسالة، فلو جعلنا الرسالة دائرة صغيرة فالنبوة دائرة كبرى فوقها، فعلى هذا فإن الرسالة لابد أن تتضمن النبوة من جهة نفسها؛ لأنه لابد أن يكون كل رسول نبياً، لكن من جهة أهلها نجد أن الرسل أقل؛ لأن الله عز وجل يصطفي الرسل من الأنبياء، والله أعلم.

الأسئلة

حكمة عطف العمل الصالح على الإيمان

السؤال: ألا يكون العطف بين الإيمان والعمل الصالح للإشعار بأهمية العمل؛ إذ الخلل غالباً يكون في العمل، فأكثر العباد يعتقدون ويصدقون ويقولون: إنا مؤمنون -كما هو واقع في هذا الزمان في كثير من المسلمين- ثم يتساهلون في العمل؟

الجواب: أما أن يكون هذا من المقاصد فهذا أمر بين، لكن مع ذلك يبقى الأصل، وهو أن الأعمال تدخل في مسمى الإيمان وأنه إذا اجتمع الإيمان والعمل الصالح فإن الإيمان يعني: الجوانب الاعتقادية القلبية والعمل الصالح يعني: ظواهر الأعمال، كالإسلام والإيمان إذا اجتمعا.

أما أن يكون من مقاصد الشرع الإشعار بأهمية الأعمال في مسألة عطف العمل الصالح على الإيمان، وأن التساهل فيها من أكثر ما يكون في العباد؛ فهذا صحيح.

بيان معنى قوله: (وليس وراء ذلك من الإيمان مثقال حبة خردل)

السؤال: ما معنى قوله عليه الصلاة والسلام: (ليس وراء ذلك من الإيمان مثقال حبة خردل) فيما يتعلق بإنكار المنكر، وهل يعني هذا أن الإنكار بالقلب هو آخر حد للإيمان؟

الجواب: الحديث يتعلق بدرجات إنكار المنكر: الإنكار باليد لمن استطاع، والإنكار باللسان، والإنكار بالقلب، فالإنكار بالقلب قد يزيد وقد ينقص، لكن إذا انعدم الإنكار بالكلية فهذا دليل على عدم وجود الإيمان، بحيث لا يكون عند الإنسان إحساس ولا تمعر لوجود المنكر أو مشاهدته ورؤيته، فهذا دليل على أنه ليس عنده إيمان، فعلى أي حال أقول: إن قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل) يعني: من لم ينكر بأدنى درجات الإنكار القلبي، فالإنكار القلبي درجات، فمن الناس من يتمعر قلبه ويقشعر جلده من المنكر، ومنهم من يتأثر بعض التأثر، ومنهم من يشعر بأن هذا منكر وتكرهه نفسه فقط، لكن لا يتحرك قلبه، وعلى أي حال إذا لم يوجد أي شعور بالمنكر حتى بالقلب فهذا دليل على تبلد الإحساس وعدم وجود الإيمان أصلاً.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح العقيدة الطحاوية [72] للشيخ : ناصر بن عبد الكريم العقل

https://audio.islamweb.net