إسلام ويب

من خلال القراءة في كتب ابن عربي وأتباعه تتضح حقيقة مذهبهم، وما فيه من المخالفة للنصوص الشرعية، والمصادمة للفطرة السوية، فتجد التلبيس والتمويه والتحريف والقلب للحقائق التي لا تقبل الشك، من ذلك ثناؤهم على عبدة الأصنام، واعتقادهم إيمان فرعون مع تصريح الله بأنهم أكفر الكافرين، ومع هذا كله تجد من العوام والطغام من يصدق هؤلاء الزنادقة ويدافع عنهم، ويعتقد ولايتهم.

مقدمة بين يدي الكلام عن كتب ابن عربي الإلحادية

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد:

فسنقرأ المقطع الذي يتعلق بمذهب وحدة الوجود، وقبل أن نقرأ أحب أن أنبه إلى ما نبهت إليه سابقاً من أن في هذا المجلد بالذات سنكتفي بنماذج مما ذكره شيخ الإسلام عن أصحاب وحدة الوجود خاصة الرءوس الكبار، ونترك الباقي لأسباب من أهمها: أن الكلام مكروه، وأن سماعه في حد ذاته يؤلم ويدمي القلوب ويشوش؛ لأن الشيخ أراد بهذا الكلام الرد على طوائف معينة، ولا أرى بذلك أن يقرأ جميع المسلمين هذه الأمور ولا جميع طلاب العلم، إنما أراد الشيخ أن يبين حقيقة هؤلاء الزنادقة أصحاب وحدة الوجود والاتحاد والحلول، وأن يحذر الناس منهم، خاصة الذين اغتروا بهم، وأن يرد على مذاهبهم التي كانت موجودة في عصره رحمه الله، والآن نراها تنبعث من جديد، ولذلك سنقرأ هذا المقطع كأنموذج لمنهج ابن عربي ، ثم نختار مقاطع أخرى لأئمة الضلال والزندقة الآخرين: التلمساني ، ابن الفارض ، القونوي ، ابن سبعين ، السهروردي المقتول، ونختار نماذج من مذاهبهم دون أن نتوقف عندها كثيراً، ثم نتجاوز هذا المجلد إلى مجلد آخر، وعلى هذا النحو نسير؛ لأنه ليس المقصود الاستقصاء، المقصود معرفة أصول هذه البدع والضلالات، وأحسن وسيلة للرد عليها هو كشفها، ثم نتجاوز ما فيه تكرار أو تعمق لا نحتاجه، بل ضرره أكثر من نفعه، فعلى هذا سنقرأ هذا المقطع لبيان أمور أنبهكم على ثلاثة منها:

الأول: لتلاحظوا مدى التلبيس والخداع في مناهج هؤلاء الزنادقة وأساليبهم، كيف يلبسون الحق بالباطل، ويموهون على غير أهل العلم وعلى من لم يتمكنوا في العقيدة، يصورون الباطل المحض على أنه هو الحق.

الثاني: أننا إذا تأملنا هذه العبارات التي سنقرؤها نجد فيها عبرة وعظة، لنحمد الله عز وجل على نعمة التوحيد والعقيدة، ولنعرف ضرورة النصح للأمة وتحذيرها من مثل هذه الأفكار، فإن في قراءة هذه الأفكار أو نماذج منها عبرة، ثم لنعرف مدى ضلال العقول إذا خذلها الله عز وجل.

الثالث: أن هذه الأمور تخالف بدهيات يعرفها أبسط عوام الناس مخالفة صارخة، ومع ذلك يظنون أنها الهدى، وهذا دليل على أن من حجب الله الحق عن قلبه وطبع على قلبه أنه لا ينتفع بالهدى ولا بالنور الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، رغم أنه يستشهد بآيات وأحاديث، ويتقلب بين المسلمين ويسمع وتقام عليه الحجة، ومع ذلك يحجب الله قلبه عن الحق وكأنه لم يشاهد ولم يسمع ولم ير.

هذه نماذج لمذهب رجل واحد هو ابن عربي ، يعتبر صاحب مدرسة وحدوية، فُتِنَ بها كثير من الناس، بل اشتبه أمر هذا الرجل -وهذا من العجائب نسأل الله السلامة والعافية- على بعض فضلاء أهل العلم.

الحكم على كتاب فصوص الحكم لابن عربي وذكر نماذج إلحادية فيه

يقول رحمه الله تعالى: [ ما تقول السادة العلماء أئمة الدين وهداة المسلمين في كتاب بين أظهر الناس، زعم مصنفه أنه وضعه وأخرجه للناس بإذن النبي صلى الله عليه وسلم في منام زعم أنه رآه، وأكثر كتابه ضد لما أنزله، الله من كتبه المنزلة وعكس وضد عن أقوال أنبيائه المرسلة ].

هذا الوصف ينطبق على أغلب كتب ابن عربي ، لكن زعم في كتابين من كتبه أنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم، الأول: كتاب (الوصاية) لـابن عربي ، كتاب كبير زعم أنه روى مقاطع كبيرة منه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيه هذيان من الكفر والضلال، نسأل الله العافية، ويزعم أنه رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم وأنه استمده منه.

والكتاب الثاني: (فصوص الحكم) (فصوص الحكم) يعتبر خلاصة كتب ابن عربي الإلحادية الشركية، وله كتب كثيرة كلها مليئة بالباطل.

قال رحمه الله تعالى: [ فمما قال فيه: إن آدم عليه السلام إنما سمي إنساناً؛ لأنه للحق تعالى بمنزلة إنسان العين من العين الذي يكون به النظر.

وقال في موضع آخر: إن الحق المنزه هو الخلق المشبه ].

يعني: الحق المنزه هو الله عز وجل.

يقول: (هو الحق المشبه) يعني: المخلوق، انظروا إلى الكفر الصريح بدون التواء، بعبارة واضحة: الحق هو الخلق، هذا معنى كلامه، يعني: لا فرق بين الحق والخلق، ولذلك كما سيأتي جعل عبادة الأوثان هي حقيقة التوحيد.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال في قوم نوح عليه السلام: إنهم لو تركوا عبادتهم لود وسواع ويغوث ويعوق ونسرا لجهلوا من الحق بقدر ما تركوا من هؤلاء ].

يعني: من الأشياء التي يمدح بها هؤلاء الوثنيون أنهم ما تركوا عبادة هذه الأصنام، فهو يثني عليهم بعبادة الأصنام، بل في (فصوص الحكم) صرح بذلك وزعم أن عباد الأوثان، والذين أنكروا الله عز وجل مثل: فرعون، والذين تعالوا على الله عز وجل، والذين تكبروا وتجبروا هم أصحاب الحق، وأنهم أقرب إلى الحق من الأنبياء وأتباعهم، فهو يسمي الأنبياء وأتباعهم العامة والعوام.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ ثم قال: فإن للحق في كل معبود وجهاً، يعرفه من عرفه، ويجهله من جهله، فالعالم يعلم من عبد، وفي أي صورة ظهر حتى عبد، وأن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة.

ثم قال في قوم هود عليه السلام: بأنهم حصلوا في عين القرب، فزال البعد، فزال مسمى جهنم في حقهم، ففازوا بنعيم القرب من جهة الاستحقاق، مما أعطاهم هذا المقام الذوقي اللذيذ من جهة المنة، فإنما أخذوه بما استحقته حقائقهم من أعمالهم التي كانوا عليها، وكانوا على صراط الرب المستقيم.

ثم إنه أنكر فيه حكم الوعيد في حق كل من حقت عليه كلمة العذاب من سائر العبيد، فهل يكفر من يصدقه في ذلك أم لا، أو يرضى به منه أم لا؟ وهل يأثم سامعه إذا كان عاقلاً بالغاً ولم ينكره بلسانه أو بقلبه أم لا؟ أفتونا بالوضوح والبيان، كما أخذ الميثاق للتبيان، فقد أضر الإهمال بالضعفاء والجهال، وبالله المستعان وعليه الاتكال، أن يعجل بالملحدين النكال؛ لصلاح الحال، وحسم مادة الضلال ].

يعني: السائل يسأل بحرقة؛ لأنه عبر عن أمر موجود بين من ينتسبون للعلم، وكأن التاريخ يعيد نفسه، اليوم بين المنتسبين للعلم من يغتر بمثل هذا الكفر، ويجعل له تأولات، ويقول: يمكن له وجه صحيح، أو يقول هذه وجهة نظر.. أو نحو ذلك من الأمور.

فقد وجد حتى في عهد شيخ الإسلام ابن تيمية من يصدق مثل هذا الكلام أو لا ينكره، أو يبحث ويسعى إلى المعاذير لهؤلاء الملاحدة الزنادقة، وهذا -نسأل الله العافية- من الضلال المبين، وهذه الأمور سيتكلم عنها الشيخ الآن بوضوح.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فأجاب: الحمد لله، هذه الكلمات المذكورة المنكورة، كل كلمة منها هي من الكفر الذي لا نزاع فيه بين أهل الملل من المسلمين واليهود والنصارى، فضلاً عن كونه كفراً في شريعة الإسلام ].

هذا الاستهلال في الرد منهج شرعي أصيل ينبغي أن يتنبه له طلاب العلم اليوم، لما كثر التميع والخذلان للحق من قبل أهل الحق، فينبغي لطالب العلم في مثل هذه الأمور الواضحة الخطأ الباطلة، ينبغي عند الرد أن يستهل الكلام بالألفاظ التي تنفر القارئ من الباطل، وذلك بألا نستعمل الأساليب التي استعملها بعض المعاصرين وسموها: أساليب التجرد، ويزعمون أن على الإنسان أن ينقل هذه المقولات ويحكيها كما يحكيها أصحابها، وكأنه يدعو إليها، هذا لا يجوز، بل الباطل البين والخطأ البين عندما نرد عليه سواء بكلام شفوي أو مكتوب لا بد أن يتضمن الرد التنفير من الباطل والترغيب في الحق، وكشف الباطل والدفاع عن الحق، فالشيخ قال: (هذه الكلمات المذكورة المنكورة كل كلمة منها) هذا كلام مجمل أراد به قبل أن يفصل أن يحصن القارئ من أن تدخل في قلبه هذه الشبهات، وهذا هو الأسلوب الشرعي، لا كما يفعله بعض المثقفين والمعاصرين وبعض الكتاب الإسلاميين من نقل كلام المخالف على عواهنه؛ خشية غضب أهل الباطل، أو يخشون من أن يكون للقارئ موقف، لا، بالعكس في الأمر الباطل لا بد أن يكون للقارئ موقف يصدر عنه ردة فعل ضد الباطل، وأن ذلك لا يكون إلا بالعبارات الشرعية الأصيلة التي تحصن القارئ، وتبين له وجه الباطل إجمالاً، ثم عند التفصيل يكون الأمر بالدليل.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فإن قول القائل: إن آدم عليه السلام للحق تعالى بمنزلة إنسان العين من العين، الذي يكون به النظر، يقتضي أن آدم جزء من الحق تعالى وتقدس وبعض منه، وأنه أفضل أجزائه وأبعاضه، وهذا هو حقيقة مذهب هؤلاء القوم، وهو معروف من أقوالهم.

الكلمة الثانية: توافق ذلك، وهو قوله: إن الحق المنزه هو الخلق المشبه، ولهذا قال في تمام ذلك: فالأمر الخالق المخلوق، والأمر المخلوق الخالق، كل ذلك من عين واحدة، لا بل هو العين الواحدة، وهو العيون الكثيرة: فَانظُرْ مَاذَا تَرَى [الصافات:102]، يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ [الصافات:102]، والولد عين أبيه، فما رأى يذبح سوى نفسه، وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ [الصافات:107]، فظهر بصورة كبش من ظهر بصورة إنسان، وظهر بصورة لا بحكم ولد من هو عين الوالد.

وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا [النساء:1] فما نكح سوى نفسه.

وقال في موضع: وهو الباطن عن كل فهم إلا عن فهم من قال: إن العالم صورته وهويته.

وقال: ومن أسمائه الحسنى (العلي) على من، وما ثم إلا هو؟! وعن ماذا وما هو إلا هو، فعلوه لنفسه وهو من حيث الوجود عين الموجودات ].

هذه العبارات لا تحتاج إلى تعليق ولا إلى شرح فهي صريحة في الكفر، وقد يأتي بعض المغرورين الذين ليس عندهم تمييز في معرفة الألفاظ فيقولون: ربما يقصد معاني غير هذه، نقول: لا، هو يقصد المعاني الكفرية، ودليل ذلك أنه في مقامات أخرى يزيد في بيان هذا الضلال وشرحه وتأكيده، حتى إنه يصرح بأن الذين عبدوا الأوثان ما عبدوا إلا الله، تعالى الله عما يقول، وإن كان أحياناً يستعمل الأساليب الملتوية، لكن أيضاً ونحن نقرأ الآن تلاحظون الشبه الكبير بين أسلوبه وبين أسلوب الحداثيين المعاصرين.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فالمسمى محدثات هي العلية لذاتها، وليست إلا هو. إلى أن قال: فهو عين ما ظهر، وهو عين ما بطن في حال ظهوره، وما ثم من يراه غيره، وما ثم من ينطق عنه سواه، فهو ظاهر لنفسه باطن عنه، وهو المسمى أبو سعيد الخراز وغير ذلك من أسماء المحدثات ].

أبو سعيد الخراز مخرف ممن بدءوا القول بوحدة الوجود، فهو سلف لـابن عربي ، له تخريفات نحو تخريفات ابن عربي لكنها كانت حذرة؛ لأن أصحاب هذه النزعة بدأت منهم في القرن الثالث الهجري، فهم أمام قوة السلف وحصانة الأمة ما كانوا يجرءون، وكان الواحد منهم يقول كلمة ثم يتراجع عنها ويعلن أنه تائب منها وإنما قالها من غير وعي، مثل ما يقول أحدهم عن نفسه: سبحاني. ثم يأتي من يعتذر عنه ويقول: هذا مهستر، هذا فيه وهذا فيه، في حين أنه صرح بالكفر، لكن بومضة سريعة ثم يدعي بأنه مجنون وبأنه مغلوب على نفسه، لكن في عهد ابن عربي ليس للأمة قوة، وليس هناك من أهل الحل والعقد من يكون جريئاً في إقامة الحد الشرعي، فـابن عربي تمكن في وقت ما وجد حوله إلا أهل التصوف الذين يعبدونه من دون الله، فلذلك تجرأ على مثل هذا الكلام الصريح، يقول: إن الله عز وجل هو أبو سعيد الخراز من شيوخه الأسبقين.

قال رحمه الله تعالى: [ إلى أن قال: العلي لنفسه هو الذي يكون له الكمال الذي يستغرق به جميع الأمور الوجودية، والنسب العدمية، سواء كانت محمودة عرفاً وعقلاً وشرعاً، أو مذمومة عرفاً وعقلاً وشرعاً، وليس ذلك إلا لمسمى الله خاصة.

وقال: ألا ترى الحق يظهر بصفات المحدثات؟ وأخبر بذلك عن نفسه، وبصفات النقص والذم، ألا ترى المخلوق يظهر بصفات الحق؟! فهي من أولها إلى آخرها صفات له، كما هي صفات المحدثات حق للحق، وأمثال هذا الكلام].

حقيقة مذهب ابن عربي والقونوي والتلمساني وابن سبعين وابن الفارض والششتري وأتباعهم

قال رحمه الله تعالى: [ فإن صاحب هذا الكتاب المذكور الذي هو (فصوص الحكم) وأمثاله مثل صاحبه القونوي والتلمساني وابن سبعين والششتري وابن الفارض وأتباعهم مذهبهم الذي هم عليه أن الوجود واحد، ويسمون أهل وحدة الوجود، ويدعون التحقيق والعرفان، وهم يجعلون وجود الخالق عين وجود المخلوقات، فكل ما يتصف به المخلوقات من حسن وقبح ومدح وذم إنما المتصف به عندهم عين الخالق، وليس للخالق عندهم وجود مباين لوجود المخلوقات منفصل عنها أصلاً، بل عندهم ما ثم غير أصلاً للخالق، ولا سواه.

ومن كلماتهم: ليس إلا الله، فعباد الأصنام لم يعبدوا غيره عندهم؛ لأنه ما عندهم له غير؛ ولهذا جعلوا قوله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23] بمعنى: قدر ربك ألا تعبدوا إلا إياه؛ إذ ليس عندهم غيره تتصور عبادته، فكل عابد صنم إنما عبد الله ].

يعني: أنهم فسروا (قضى) بمعنى قدر، وتلاحظون الفرق بين القضاء والقدر؛ لأن قضى معناها في كتاب الله عز وجل: شرع وأمضى ألا تعبدوا إلا إياه، لكن من البشر من عمل بمقتضى هذا الأمر ومنهم من لم يعمل، فهم فسروها بتفسير آخر، قالوا: إن الله قدر، يعني: إن الله كوناً وقدراً قدر ألا تعبدوا إلا إياه، فلذلك من عبد الأصنام فهو عابد لله؛ لأن ذلك كله من تخطيط الله، فعكسوا القضية تماماً وفسروا القضاء بمعنى القضاء الكوني القدري الذي لا يرد، فعلى هذا المعنى يكون الذين عبدوا غير الله إنما عبدوا الله بقضائه وقدره، وهذا لاشك أنه فهم منكوس، نسأل الله السلامة.

عقيدة ابن عربي وأتباعه في عبدة الأصنام وفرعون

قال رحمه الله تعالى: [ ولهذا جعل صاحب هذا الكتاب عباد العجل مصيبين، وذكر أن موسى عليه السلام أنكر على هارون عليه السلام إنكاره عليهم عبادة العجل. وقال: كان موسى أعلم بالأمر من هارون؛ لأنه علم ما عبده أصحاب العجل؛ لعلمه بأن الله قد قضى ألا يعبدوا إلا إياه، وما حكم الله بشيء إلا وقع، فكان عتب موسى أخاه هارون لما وقع الأمر في إنكاره، وعدم اتباعه، فإن العارف من يرى الحق في كل شيء، بل يراه عين كل شيء.

ولهذا يجعلون فرعون من كبار العارفين المحققين، وأنه كان مصيباً في دعواه الربوبية، كما قال في هذا الكتاب: ولما كان فرعون في منصب التحكم صاحب الوقت، وأنه جار في العرف الناموسي لذلك، قال: أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [النازعات:24] أي: وإن كان الكل أرباباً بنسبة ما فأنا الأعلى منهم؛ بما أعطيته في الظاهر من الحكم فيهم.

ولما علمت السحرة صدق فرعون فيما قاله لم ينكروه، بل أقروا له بذلك وقالوا له: فَاقْضِ مَا أَنْتَ قَاضٍ [طه:72]، فالدولة لك، فصح قول فرعون: أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى [النازعات:24] وأنه كان عين الحق.

ويكفيك معرفة بكفرهم: أن من أخف أقوالهم أن فرعون مات مؤمناً، بريئاً من الذنوب كما قال، وكان موسى قرة عين لفرعون بالإيمان، الذي أعطاه الله عند الغرق، فقبضه طاهراً مطهراً ليس فيه شيء من الخبث؛ لأنه قبضه عند إيمانه قبل أن يكتسب شيئاً من الآثام، والإسلام يجب ما قبله ].

المتأمل لهذا الكلام يعجب ليس فقط من قول ابن عربي فيه؛ لأن قوله مخالف لصريح النصوص، وليس فيه لبس ولا ريب ولا اشتباه، لكن العجب كيف ينطلي هذا الكلام على أناس يعدون من عقلاء البشر، فضلاً عن أن يكونوا من المسلمين؟ وكيف يكون لهذا الكلام أنصار؟ نسأل الله السلامة والعافية، يعني: كلام فيه قلب كامل للحقائق، لا نعرف أكفر من فرعون في البشرية جمعاء، ومع ذلك يقول هذا الكلام فيه.

بل له رسالة طبعها بعض المحتسبين في سبيل الشيطان، رسالة موجودة الآن مطبوعة اسمها: (إيمان فرعون) نسأل الله السلامة، يقرر هذا الكلام الذي ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية .

فإذاً: ليس العجب من قائل هذا القول، لكن العجب أن ينطلي هذا الكلام الكفري على طوائف من المسلمين، يعني: لو اجتمع كثير من أهل البيان واللغة والفصاحة ليعبروا عن الكفر بأوضح من هذا التعبير ما استطاعوا، يعني: ليس فيه لا التباس ولا التواء يعني: قلب للحقائق وعكس للأمر تماماً بلسان عربي ظاهر بين ليس فيه شيء من العجمة أو الركاكة، بل أسلوبه أخاذ وعنده عربية جيدة، فيعبر بها عن الباطل تعبيراً ظاهراً لا يلتبس بالحق فهو باطل خالص.

بيان من يدخل في لفظ: آل

قال رحمه الله تعالى: [وقد علم بالاضطرار من دين أهل الملل المسلمين واليهود والنصارى أن فرعون من أكفر الخلق بالله، بل لم يقص الله في القرآن قصة كافر باسمه الخاص أعظم من قصة فرعون، ولا ذكر عن أحد من الكفار من كفره وطغيانه وعلوه أعظم مما ذكر عن فرعون.

وأخبر عنه وعن قومه أنهم يدخلون أشد العذاب، فإن لفظ آل فرعون كلفظ آل إبراهيم وآل لوط وآل داود وآل أبي أوفى، يدخل فيها المضاف باتفاق الناس، فإذا جاءوا إلى أعظم عدو لله من الإنس، أو من هو من أعظم أعدائه فجعلوه مصيباً محقًا فيما كفره الله به، علم أن ما قالوه أعظم من كفر اليهود والنصارى، فكيف بسائر مقالاتهم؟!

وقد اتفق سلف الأمة وأئمتها على أن الخالق تعالى بائن من مخلوقاته، ليس في ذاته شيء من مخلوقاته، ولا في مخلوقاته شيء من ذاته].

تكفير السلف للجهمية فضلاً عن أصحاب وحدة الوجود

قال رحمه الله تعالى: [والسلف والأئمة كفروا الجهمية لما قالوا: إنه في كل مكان، وكان مما أنكروه عليهم أنه كيف يكون في البطون والحشوش والأخلية؟ تعالى الله عن ذلك، فكيف بمن يجعله نفس وجود البطون والحشوش والأخلية والنجاسات والأقذار؟

واتفق سلف الأمة وأئمتها أن الله ليس كمثله شيء لا في ذاته ولا في صفاته ولا في أفعاله، وقال من قال من الأئمة: من شبه الله بخلقه فقد كفر، ومن جحد ما وصف الله به نفسه فقد كفر، وليس ما وصف الله به نفسه ولا رسوله تشبيهاً.

وأين المشبهة المجسمة من هؤلاء؟ فإن هؤلاء غاية كفرهم أن يجعلوه مثل المخلوقات، لكن يقولون: هو قديم وهي محدثة، وهؤلاء جعلوه عين المخلوقات، وجعلوه نفس الأجسام المصنوعات، ووصفوه بجميع النقائص والآفات التي يوصف بهما كل كافر، وكل فاجر، وكل شيطان، وكل سبع، وكل حية من الحيات، فتعالى الله عن إفكهم وضلالهم، وسبحانه وتعالى عما يقولون علواً كبيراً.

والله تعالى ينتقم لنفسه ولدينه ولكتابه ولرسوله ولعباده المؤمنين منهم.

وهؤلاء يقولون: إن النصارى إنما كفروا لتخصيصهم، حيث قالوا: إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ [المائدة:17]، فكل ما قالته النصارى في المسيح يقولونه في الله، وكفر النصارى جزء من كفر هؤلاء.

ولما قرءوا هذا الكتاب المذكور على أفضل متأخريهم، قال له قائل: هذا الكتاب يخالف القرآن، فقال: القرآن كله شرك، وإنما التوحيد في كلامنا هذا. يعني: أن القرآن يفرق بين الرب والعبد، وحقيقة التوحيد عندهم أن الرب هو العبد، فقال له القائل: فأي فرق بين زوجتي وبنتي إذاً؟ قال: لا فرق، لكن هؤلاء المحجوبون قالوا: حرام، فقلنا: حرام عليكم.

وهؤلاء إذا قيل في مقالتهم: إنها كفر، لم يفهم هذا اللفظ حالها، فإن الكفر جنس تحته أنواع متفاوتة، بل كفر كل كافر جزء من كفرهم، ولهذا قيل لرئيسهم: أنت نصيري، فقال: نصير جزء مني، وكان عبد الله بن المبارك رحمه الله يقول: إنا لنحكي كلام اليهود والنصارى، ولا نستطيع أن نحكي كلام الجهمية، وهؤلاء شر من أولئك الجهمية؛ فإن أولئك كان غايتهم القول بأن الله في كل مكان، وهؤلاء قولهم: إنه وجود كل مكان، ما عندهم موجودان، أحدهما حال والآخر محل].

قول أصحاب وحدة الوجود في آدم وعبدة الأصنام والرد عليهم

قال رحمه الله تعالى: [ولهذا قالوا: إن آدم من الله بمنزلة إنسان العين من العين، وقد علم المسلمون واليهود والنصارى بالاضطرار من دين المرسلين: أن من قال عن أحد من البشر إنه جزء من الله فإنه كافر في جميع الملل إذ النصارى لم تقل هذا، وإن كان قولها من أعظم الكفر، لم يقل أحد: إن عين المخلوقات هي جزء الخالق، ولا أن الخالق هو المخلوق، ولا الحق المنزه هو الخلق المشبه.

وكذلك قوله: إن المشركين لو تركوا عبادة الأصنام لجهلوا من الحق بقدر ما تركوا منها. هو من الكفر المعلوم بالاضطرار من جميع الملل، فإن أهل الملل متفقون على أن الرسل جميعهم نهوا عن عبادة الأصنام، وكفروا من يفعل ذلك، وأن المؤمن لا يكون مؤمناً حتى يتبرأ من عبادة الأصنام، وكل معبود سوى الله، كما قال الله تعالى: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ [الممتحنة:4].

وقال الخليل عليه السلام: أَفَرَأَيْتُمْ مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ * أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمُ الأَقْدَمُونَ * فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ [الشعراء:75-77].

وقال الخليل عليه الصلاة والسلام: لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ * إِلَّا الَّذِي فَطَرَنِي فَإِنَّهُ سَيَهْدِينِ [الزخرف:26-27].

وقال الخليل وهو إمام الحنفاء الذي جعل الله في ذريته النبوة والكتاب، واتفق أهل الملل على تعظيمه، لقوله: يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ [الأنعام:78-79]، وهذا أكثر وأظهر عند أهل الملل من اليهود والنصارى فضلاً عن المسلمين من أن يحتاج أن يستشهد عليه بنص خاص، فمن قال: إن عباد الأصنام لو تركوهم لجهلوا من الحق بقدر ما تركوا من هؤلاء فهو أكفر من اليهود والنصارى، ومن لم يكفرهم فهو أكفر من اليهود والنصارى، فإن اليهود والنصارى يكفرون عباد الأصنام، فكيف من يجعل تارك عبادة الأصنام جاهلاً من الحق بقدر ما ترك منها؟ مع قوله: فإن العالم يعلم من عبد، وفي أي صورة ظهر حتى عبد، وأن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة، وكالقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود، بل هو أعظم من كفر عباد الأصنام؛ فإن أولئك اتخذوهم شفعاء ووسائط، كما قالوا: مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى [الزمر:3].

وقال الله تعالى: أَمِ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ شُفَعَاءَ قُلْ أَوَلَوْ كَانُوا لا يَمْلِكُونَ شَيْئًا وَلا يَعْقِلُونَ [الزمر:43].

وكانوا مقرين بأن الله خالق السماوات والأرض وخالق الأصنام، كما قال تعالى: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [الزمر:38].

وقال تعالى: وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ [يوسف:106].

قال ابن عباس رضي الله عنهما: تسألهم: من خلق السماوات والأرض؟ فيقولون: الله، ثم يعبدون غيره، وكانوا يقولون في تلبيتهم: لبيك لا شريك لك إلا شريك هو لك، تملكه وما ملك؛ ولهذا قال تعالى: ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلًا مِنْ أَنْفُسِكُمْ [الروم:28]].

كفر أصحاب وحدة الوجود أعظم من كفر عباد الأصنام

قال رحمه الله تعالى: [وهؤلاء أعظم كفراً من جهة أن هؤلاء جعلوا عابد الأصنام عابداً لله لا عابداً لغيره، وأن الأصنام من الله بمنزلة أعضاء الإنسان من الإنسان، وبمنزلة قوى النفس من النفس، وعباد الأصنام اعترفوا بأنها غيره وأنها مخلوقة، ومن جهة أن عباد الأصنام من العرب كانوا مقرين بأن للسماوات والأرض رباً غيرهما خلقهما، وهؤلاء ليس عندهم للسماوات والأرض وسائر المخلوقات رب مغاير للسماوات والأرض وسائر المخلوقات، بل المخلوق هو الخالق.

ولهذا جعل قوم عاد وغيرهم من الكفار على صراط مستقيم، وجعلهم في عين القرب، وجعل أهل النار يتمتعون في النار، كما يتمتع أهل الجنة في الجنة.

وقد علم بالاضطرار من دين المسلمين أن قوم عاد وثمود وفرعون وقومه وسائر من قص الله قصته من الكفار أعداء الله، وأنهم معذبون في الآخرة، وأن الله لعنهم وغضب عليهم، فمن أثنى عليهم وجعلهم من المقربين ومن أهل النعيم فهو أكفر من اليهود والنصارى من هذا الوجه.

وهذه الفتوى لا تحتمل بسط كلام هؤلاء، وبيان كفرهم وإلحادهم؛ فإنهم من جنس القرامطة الباطنية والإسماعيلية الذين كانوا أكفر من اليهود والنصارى.

وأن قولهم يتضمن الكفر بجميع الكتب والرسل، كما قال الشيخ إبراهيم الجعبري لما اجتمع بـابن عربي صاحب هذا الكتاب، فقال: رأيته شيخاً نجساً، يكذب بكل كتاب أنزله الله وبكل نبي أرسله الله.

وقال الفقيه أبو محمد بن عبد السلام لما قدم القاهرة وسألوه عنه، قال: هو شيخ سوء كذاب مقبوح؛ يقول بقدم العالم، ولا يحرم فرجاً. فقوله: يقول بقدم العالم؛ لأن هذا قوله، وهذا كفر معروف، فكفره الفقيه أبو محمد بذلك، ولم يكن بعد ظهر من قوله: إن العالم هو الله، وإن العالم صورة الله، وهوية الله، فإن هذا أعظم من كفر القائلين بقدم العالم، الذين يثبتون واجب الوجود، ويقولون: إنه صدر عنه الوجود الممكن.

وقال عنه من عاينه من الشيوخ: إنه كان كذاباً مفترياً، وفي كتبه مثل: (الفتوحات المكية) وأمثالها من الأكاذيب ما لا يخفى على لبيب، هذا وهو أقرب إلى الإسلام من ابن سبعين ومن القونوي والتلمساني وأمثاله من أتباعه، فإذا كان الأقرب بهذا الكفر الذي هو أعظم من كفر اليهود والنصارى، فكيف بالذين هم أبعد عن الإسلام؟ ولم أصف عشر ما يذكرونه من الكفر.

ولكن هؤلاء التبس أمرهم على من لم يعرف حالهم، كما التبس أمر القرامطة الباطنية لما ادعوا أنهم فاطميون، وانتسبوا إلى التشيع، فصار المتبعون مائلين إليهم، غير عالمين بباطن كفرهم؛ ولهذا كان من مال إليهم أحد رجلين: إما زنديقاً منافقاً، وإما جاهلاً ضالاً ].

هذا واقع الباطنية إلى اليوم، فالباطنية في جميع بقاع العالم الآن لهم أتباع من الدهماء والشعوب التي تعيش حولهم والقبائل، كما يحدث الآن من المكارمة، فالمكارمة الآن تنضوي تحت مذهبهم الباطل قبائل من قبائل العرب التي كانت على السنة والفطرة، لكنها جاهلة، وسبب اغترارهم بهم ما ذكره الشيخ:

أولاً: أنهم لا يعرفونهم بحقائق عقيدتهم الصحيحة.

ثانياً: أنهم انتسبوا للتشيع وإلى آل البيت وأظهروا الغيرة على آل البيت.

ثالثاً: أنهم يستدرونهم بالعطاء والأساليب المغرية.

حكم الاتحادية ومن اعتذر عنهم

قال رحمه الله تعالى: [ وهكذا هؤلاء الاتحادية فرءوسهم هم أئمة كفر يجب قتلهم، ولا تقبل توبة أحد منهم إذا أخذ قبل التوبة؛ فإنه من أعظم الزنادقة الذين يظهرون الإسلام ويبطنون أعظم الكفر، وهم الذين يفهمون قولهم ومخالفتهم لدين المسلمين، ويجب عقوبة كل من انتسب إليهم أو ذب عنهم أو أثنى عليهم أو عظم كتبهم أو عرف بمساعدتهم ومعاونتهم، أو كره الكلام فيهم، أو أخذ يعتذر لهم بأن هذا الكلام لا يدرى ما هو، أو من قال: إنه صنف هذا الكتاب؟ وأمثال هذه المعاذير التي لا يقولها إلا جاهل أو منافق، بل تجب عقوبة كل من عرف حالهم، ولم يعاون على القيام عليهم، فإن القيام على هؤلاء من أعظم الواجبات؛ لأنهم أفسدوا العقول والأديان على خلق من المشايخ والعلماء والملوك والأمراء، وهم يسعون في الأرض فساداً، ويصدون عن سبيل الله.

فضررهم في الدين أعظم من ضرر من يفسد على المسلمين دنياهم، ويترك دينهم كقطاع الطريق، وكالتتار الذين يأخذون منهم الأموال ويبقون لهم دينهم، ولا يستهين بهم من لم يعرفهم، فضلالهم وإضلالهم أعظم من أن يوصف، وهم أشبه الناس بالقرامطة الباطنية.

ولهذا هم يريدون دولة التتار، ويختارون انتصارهم على المسلمين، إلا من كان عامياً من شيعهم وأتباعهم؛ فإنه لا يكون عارفاً بحقيقة أمرهم.

ولهذا يقرون اليهود والنصارى على ما هم عليه، ويجعلونهم على حق، كما يجعلون عباد الأصنام على حق، وكل واحدة من هذه من أعظم الكفر، ومن كان محسناً للظن بهم وادعى أنه لم يعرف حالهم عرف حالهم، فإن لم يباينهم ويظهر لهم الإنكار، وإلا ألحق بهم وجعل منهم.

وأما من قال: لكلامهم تأويل يوافق الشريعة، فإنه من رءوسهم وأئمتهم، فإنه إن كان ذكياً فإنه يعرف كذب نفسه فيما قاله، وإن كان معتقداً لهذا باطناً وظاهراً فهو أكفر من النصارى، فمن لم يكفر هؤلاء وجعل لكلامهم تأويلاً كان عن تكفير النصارى بالتثليث والاتحاد أبعد. والله أعلم ].

نسأل الله العافية والسلامة، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

الأسئلة

معنى التجرد عند الأدباء المعاصرين وبيان أنواعه

السؤال: يوجد عند بعض الأدباء استدراكات في أي نص أدبي، بحجة أن على الأديب أن يتجرد من جميع العواطف حتى يكون موضوعياً، فما حكم ذلك؟

الجواب: التجرد الذي يدعو إليه الأدباء على نوعين: غالبهم يقصدون بالتجرد التجرد من كل شيء حتى من الحق ومن العقيدة، ألا يكون لك عقيدة ولا رأي، ولا تستند على الوحي، وعليك أن تنظر إلى النص نظرة من موازين أدبية أو عرفية عندهم، وهذا يصل إلى الكفر، وأحياناً يقصدون بالتجرد التجرد من أن يكون لك موقف شخصي تجاه القضية، وهذا حق.

وأغلب الأدباء الكفار الذين ليس لهم دين ولا عقيدة، والذين ما عندهم موازين الحق، يتجردون حتى من عقائدهم الباطلة، فهذا طبيعي.

أما المسلم فلا يجوز له أن يتجرد من دينه وعقيدته.

إذاً: دعوة الأدباء أغلبها دعوة باطلة وليست على وجهها الصحيح.

الحكم على الحداثيين

السؤال: هل يعتبر الحداثيون في هذا العصر من أتباع أهل وحدة الوجود؟

الجواب: نعم، كبار الحداثيين مؤسسي الحداثة في العصر الحديث الأحياء منهم وكذلك الذين هلكوا من أشكال ابن عربي وأمثاله ينتسبون للباطنية انتساباً وديناً، كذلك كبار الحداثيين الذين تصدروا الحداثة في العصر الحديث هم من هذا الصنف، أما بقية الحداثيين الذين يعيشون بين ظهرانينا إما مقلدة وجهال، وإما ممن يطبلون وراء هذه المذاهب الباطلة وهم يعلمون أنها باطلة، وما يذهب مع الحداثيين إلا إنسان ليس في قلبه إسلام صحيح، هذا الذي يظهر لي من خلال استقراء أحوالهم، ويظهر من قرائن أحواله وكتاباته أنه منافق، اللهم إلا القليل ممن قد يتناولون الحداثة من جانب أدبي، لكنهم ينغمسون في الإلحاد ولا يشعرون أنه إلحاد، فما أدري هذا الصنف ماذا أحكم عليه؟ وكيف نتصرف معه أو نصنف حاله؟ لأن أمره عجيب، يعني: يوجد من الأدباء الصغار ممن يدور حول هؤلاء الحداثيين الزنادقة وهو معجب بهم، لكن قد لا يكون عنده كفريات مثلهم، فهذا أمره يحير؛ لأنك تجده يقرأ نصاً كفرياً ويدندن حوله، ويمدح ويثني على أسلوب الكاتب، والمعاني التي وراء هذه العبارات ونحو ذلك، فأمر هذا الصنف في الحقيقة وإن كان قليلاً عجيب جداً، وقد قلوا في الآونة الأخيرة، أما البقية فهم من الحداثيين الأصليين الذين ينتمون إلى هذه المذاهب الخبيثة.

طلب الهداية من الله

أحب أن أختم الموضوع الذي قرأناه قبل قليل بالتنبيه على أمر أشرت إليه في أول الحديث، والمناسب أن نختم به، وهو أن مسألة ظهور هذا الباطل ووجود من يغتر به أو أن يوجد له أتباع ممن ينتسبون للإسلام هذا أمر ليس بغريب، إذا عرفنا أن مسألة الهداية والتوفيق لا دخل للعقول بها، وأن الله عز وجل إذا كتب الضلال على إنسان فلن تجد له ولياً مرشداً، مهما كان قوة عقله وإدراكه وعلمه، ولذلك ينبغي للمسلم دائماً أن يسأل الله العافية، وأن يدعو: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك، وألا يغتر بعقله ولا بعلمه، إنما يلجأ إلى الله عز وجل، ومثال ذلك مثال واضح: أن الله عز وجل عندما يبعث الناس يوم القيامة ويشهدون مشاهد القيامة المرعبة الرهيبة ثم يدخل أهل النار النار نسأل الله العافية، يتمنى الواحد منهم أن يرد إلى الدنيا، لماذا؟ ليعمل صالحاً، ومع ذلك قال الله عز وجل: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ [الأنعام:28]، كيف بإنسان عاش أهوال القيامة ألف عام في المحشر، ثم رأى ما رأى من انقلاب الأمور الكونية، ثم النار الشديدة العذاب، ويتمنى أن يرجع ليعمل صالحاً ومع ذلك يقول الله عز وجل عنهم: وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ [الأنعام:28] بهذا تدرك أن الأمور كلها بيد الله وحده، وأنك لابد أن تعتصم بالله سبحانه، وأن الهداية بيد الله، لا دخل لقدرة البشر ولا عقولهم ولا علمهم ولا إمكاناتهم بذلك.

ونسأل الله للجميع الهداية والتوفيق والسداد، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح باب توحيد الربوبية من فتاوى ابن تيمية [6] للشيخ : ناصر بن عبد الكريم العقل

https://audio.islamweb.net