إسلام ويب

يعتقد أهل السنة أن عواقب العباد مبهمة، فهم لا يحكمون لواحد بعينه أنه من أهل الجنة، إلا ما جاء فيه النص بعينه، ولكن الأصل في عموم المسلمين أنهم من أهل الجنة، وكذلك لا يحكمون لواحد بعينه أنه من أهل النار إلا ما جاء فيه النص بعنيه، لكن الأصل في عموم الكافرين أنهم من أهل النار، وكذلك انعقد الإجماع على فضل الصحابة وعدالتهم، وأنهم حملوا الأمانة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنهم خير البشر بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وينبغي معادات من يسبهم ويطعن فيهم وهم أولى بالطعن منهم.

عقيدة السلف أصحاب الحديث في عواقب العباد

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد:

فيقول المصنف رحمه الله تعالى: [ ويعتقد ويشهد أصحاب الحديث أن عواقب العباد مبهمة، لا يدري أحد بما يختم له، ولا يحكمون لواحد بعينه أنه من أهل الجنة، ولا يحكمون على أحد بعينه أنه من أهل النار؛ لأن ذلك مغيب عنهم، لا يعرفون على ما يموت عليه الإنسان، ولذلك يقولون: إنا مؤمنون إن شاء الله، أي: من المؤمنين الذين يختم لهم بخير إن شاء الله.

ويشهدون لمن مات على الإسلام أن عاقبته الجنة؛ فإن الذين سبق القضاء عليهم من الله يعذبون بالنار مدة لذنوبهم التي اكتسبوها ولم يتوبوا منها، فإنهم يردون أخيراً إلى الجنة ولا يبقى أحد في النار من المسلمين فضلاً من الله ومنة ].

هذه المسألة تحتاج إلى شيء من التقعيد والإيضاح، وذلك أنه قد يظهر من كلام المؤلف رحمه الله شيء من عدم الوضوح، فالقاعدة أن أهل السنة أهل الحق بمقتضى ما ورد في الكتاب والسنة، لا يحكمون لواحد بعينه أنه من أهل الجنة، ولا يحكمون على أحد بعينه أنه من أهل النار، وربما يظهر شيء من الالتباس مع القاعدة الثانية وهي قوله: (ويشهدون لمن مات على الإسلام أن عاقبته الجنة)، فقد يقال: كيف نقول: لا يحكم لواحد بعينه أنه من أهل الجنة، ثم نقول: نشهد لمن مات على الإسلام بأن عاقبته الجنة؟ وأقول: إنه فرّق -كما ذكر السلف وهو مقتضى النصوص- بين الشهادة العامة لأصناف الناس وبين الشهادة الخاصة للمعين، فإذا كان القصد الجنس فنحن نشهد، وإذا كان القصد الفرد، فنحن لا نجزم، والمقصود بالجنس بأننا نشهد جزماً بأن مصير الكفار الذين يموتون على الكفر إلى النار، لا نتردد في ذلك؛ لأن ذلك حكم الله الذي لا تبديل له، فإن الله عز وجل حكم على الكفار بأنهم إلى النار، وهذا يشمل الذين ما آمنوا بالرسول صلى الله عليه وسلم من اليهود والنصارى والمشركين والمنافقين الخلص والملاحدة والمرتدين، كل هؤلاء لا شك أنهم من أهل النار بلا تردد، ونجزم بأنهم من أهل النار، هذا الكلام عن الجنس وعلى النوع لا على الفرد المعين.

كذلك العكس نقول: إن الأصل في المسلمين أنهم من أهل الجنة، ونشهد بذلك على جنس المسلمين، فمن يموت مسلماً فهو من أهل الجنة قطعاً سواء دخل الجنة لأول وهلة أو كان من أهل الكبائر، إذا لم يَرِدِ الله له المغفرة وعذب بالنار فإنه يدخل بعد ذلك الجنة.

هذه القاعدة نجزم بها؛ لأن المقصود بها جنس الكفار والمقصود بها جنس المسلمين أو عموم الكفار وعموم المسلمين أو نوع الكفار ونوع المسلمين.

فإذاً: هذا فيما يتعلق بالشهادة العامة، أما القاعدة الثانية فهي تتعلق بالفرد بالمعين، فالإنسان إن مات مسلماً نرجو له الجنة وندعو له بذلك، لكن لا نجزم قطعاً إلا لمن ورد النص بحقه سواء كان نوعاً أو فرداً، فمثلاً: نجزم بأن الأنبياء كلهم من ذكروا ومن لم يذكروا لنا من أهل الجنة، وكذلك من ورد ذكرهم في القرآن والسنة بأسمائهم أو أوصافهم نجزم بأنهم من أهل الجنة؛ لأنه ورد ذلك في الكتاب، أما المسلم المعين إذا لم يرد نص في حقه فنحن نرجو له ولا نجزم يقيناً بحيث نعتقد ذلك اعتقاداً نقسم عليه؛ لأن هذا أمر غيبي لا نعلمه؛ ولأننا لا نعلم بما ختم له؛ ولأن الأمور راجعة إلى حكم الله وقضائه، فالله عز وجل لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه ولا أحد يتألى عليه ولا أحد يتعالى عليه سبحانه، فلا ندري بما ختم الله لهذا الإنسان بعينه، لكننا نرجو له، فتبقى الشهادة هنا بمعنى العموم.

وكذلك الكافر، نحن نجزم بأن جنس الكفار إذا ماتوا كفاراً فإنهم من أهل النار قطعاً، لكن الكافر بعينه فلان بن فلان إذا مات على الكفر فنحن يظهر لنا أنه كافر، ونحكم حكماً عاماً لكن لا نجزم بأن هذا الشخص بعينه من أهل النار قطعاً؛ لأن هذا تأل على الله، ولأن مصائر العباد بيد الله عز وجل، ولا ندري بما ختم له، لا ندري فربما ختم له بالإسلام بخاتمة السعادة، وربما أسلم في آخر لحظة فيما بينه وبين ربه قبل الغرغرة، وربما أحدث توبة ولم نعلم بها ففاجأه الموت، فعلى هذا يبقى الاحتمال وارداً ولو واحد بالمليون، وما دام الاحتمال موجوداً فلا نجزم، ثم إن الجزم هو تأل على الله عز وجل، والله عز وجل نهانا أن نتألى عليه.

إذاً: أعود فأقول: إن قول السلف بأنا لا نحكم على واحد بعينه، يعني: الفرد بعينه فلان بن فلان إذا مات على الإسلام لا نجزم بأنه من أهل الجنة قطعاً، لكن نرجو له وإذا مات على الكفر لا نجزم بأنه من أهل النار قطعاً لكن نخشى عليه، أما جنس المسلمين فلاشك إن شاء الله أن مصيرهم إلى الجنة، وأما جنس الكفار الخلص فلاشك أن مصيرهم إلى النار.

وإذا سُمع إنسان ينطق بالشهادة عند الموت فهذه تعتبر علامة من علامات السعادة؛ ولا يجزم بها، لأن مسألة النفاق واردة إلى آخر لحظة، والله عز وجل قد يحول بين المرء وقلبه، فقد يشهد بلسانه وقلبه في وادٍ آخر، والله أعلم بحال العباد، فما دام وجد الاحتمال سقط الاستدلال.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ومن مات والعياذ بالله على الكفر فمرده إلى النار لا ينجو منها، ولا يكون لمقامه فيها منتهى.

المبشرون بالجنة.. وصفاتهم

قال رحمه الله تعالى: [ فأما الذين شهد لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم من أصحابه بأعيانهم بأنهم من أهل الجنة، فإن أصحاب الحديث يشهدون لهم بذلك، تصديقاً منهم للرسول صلى الله عليه وسلم فيما ذكره ووعده لهم، فإنه صلى الله عليه وسلم لم يشهد لهم بها إلا بعد أن عرف ذلك، والله تعالى أطلع رسوله صلى الله عليه وسلم على ما شاء من غيبه، وبيان ذلك في قوله عز وجل: عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا * إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ [الجن:26-27]، وقد بشر صلى الله عليه وسلم عشرة من أصحابه بالجنة، وهم: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وسعد وسعيد وأبو عبيدة بن الجراح ، وكذلك قال لـثابت بن قيس بن شماس : (إنه من أهل الجنة. قال أنس بن مالك : فلقد كان يمشي بين أظهرنا ونحن نقول: إنه من أهل الجنة) ].

مسألة الشهادة لأحد بالجنة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثبتت لأناس كثيرين من الصحابة رضي الله عنهم، ومن غير الصحابة ممن ماتوا قبل الإسلام ممن كانوا من أتباع الأنبياء، فثبتت شهادة النبي صلى الله عليه وسلم لأناس غير العشرة، فذكر العشرة لا يعني حصر الشهادة عليهم كما فهم بعض الناس؛ وإنما أطلق عليهم العشرة لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكرهم بتعداد في حديث واحد، ولا يعني حصر الشهادة بهم أنها ليست لسواهم، فالنبي صلى الله عليه وسلم شهد لأفراد وشهد لأنواع من الناس، كأهل بيعة الرضوان وبيعة الشجرة، وأيضاً النبي صلى الله عليه وسلم شهد لأناس بأفرادهم كما هو معروف، وقد بشر بنته فاطمة رضي الله عنها وبشر كل زوجاته بالجنة، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم كذلك عن بلال وأخبر عن عدد من الصحابة بأنهم من أهل الجنة، وخبره صدق بأمور ثابتة، لكن هؤلاء العشرة سردهم النبي صلى الله عليه وسلم سرداً، وهذا كما ذكر مثلاً: أن علامات الساعة عشر، مع أن علامات الساعة أكثر من عشر، فالعشر إما لأن لها امتيازاً أو أنه ذكرها على سبيل الخبر، ولا يعني: حصر الخبر عليها.

إذاً: فحينما نقول: العشرة المبشرون بالجنة، لا يعني: أنهم هم وحدهم الذين بشروا، إنما لأنه جاء ذكرهم على سبيل التعداد وصرح النبي صلى الله عليه وسلم بعددهم وبأشخاصهم دون أن يحصر البشارة عليهم.

عقيدة السلف أصحاب الحديث في بيان أفضل الصحابة وخلافتهم وبيان فضلهم في الجملة

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ويشهدون ويعتقدون أن أفضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ، وأنهم هم الخلفاء الراشدون الذين ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم خلافتهم بقوله -فيما رواه سعيد بن جمهان عن سفينة -: (الخلافة بعدي ثلاثون سنة)، وبعد انقضاء أيامهم عاد الأمر إلى الملك العضوض على ما أخبر عنه الرسول صلى الله عليه وآله وسلم.

ويثبت أصحاب الحديث خلافة أبي بكر رضي الله عنه بعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم باختيار الصحابة واتفاقهم عليه، وقولهم قاطبة: رضيه رسول الله صلى الله عليه وسلم لديننا فرضيناه لدنيانا، يعني: أنه استخلفه في إقامة الصلوات المفروضات بالناس أيام مرضه، وهي الدين، فرضيناه خليفة للرسول صلى الله عليه وسلم علينا في أمور دنيانا.

وقولهم: قدمك رسول الله صلى الله عليه وسلم فمن ذا الذي يؤخرك؟ وأرادوا أنه صلى الله عليه وسلم قدمك في الصلاة بنا أيام مرضه فصلينا وراءك بأمره، فمن ذا الذي يؤخرك بعد تقديمه إياك؟ وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتكلم في شأن أبي بكر في حال حياته بما يبين للصحابة أنه أحق الناس بالخلافة بعده، فلذلك اتفقوا عليه واجتمعوا فانتفعوا بمكانه والله! وارتفعوا به وارتفقوا، حتى قال أبو هريرة رضي الله عنه: والله الذي لا إله إلا هو! لولا أن أبا بكر استخلف لما عبد الله، ولما قيل له: مه يا أبا هريرة ؟! قام بحجة صحة قوله، فصدقوه فيه وأقروا به.

ثم خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه باستخلاف أبي بكر رضي الله عنه إياه، واتفاق الصحابة عليه بعده، وإنجاز الله سبحانه -بمكانه في إعلاء الإسلام وإعظام شأنه- وعده.

ثم خلافة عثمان رضي الله عنه بإجماع أهل الشورى، وإجماع الأصحاب كافة، ورضاهم به حتى جعل الأمر إليه.

ثم خلافة علي رضي الله عنه ببيعة الصحابة إياه، عرفه ورآه كل منهم رضي الله عنهم أحق الخلق وأولاهم في ذلك الوقت بالخلافة، ولم يستجيزوا عصيانه وخلافه.

فكان هؤلاء الأربعة الخلفاء الراشدين الذين نصر الله بهم الدين، وقهر وقسر بمكانهم الملحدين، وقوى بمكانهم الإسلام، ورفع في أيامهم للحق الأعلام، ونور بضيائهم ونورهم وبهائهم الظلام، وحقق بخلافتهم وعده السابق في قوله عز وجل: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أمناً... [النور:55].. الآية، وفي قوله: وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ .. [الفتح:29]، فمن أحبهم وتولاهم، ودعا لهم، ورعى حقهم، وعرف فضلهم فاز في الفائزين، ومن أبغضهم وسبهم، ونسبهم إلى ما تنسبهم الروافض والخوارج -لعنهم الله- فقد هلك في الهالكين.

قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تسبوا أصحابي فمن سبهم فعليه لعنة الله)، وقال: (من أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن سبهم فعليه لعنة الله) ].

خلاصة ما سبق أن الإجماع انعقد عند المسلمين على فضل أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جملة، وأنهم ثقات عدول، وأنهم حملوا الأمانة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقاموا الدين، وأنهم خير البشر بعد الأنبياء في جملتهم، وأن حبهم دين، وأن اتباعهم هو الحق؛ لأنهم الجماعة الذين جعل الله اتباعهم هو السنة ومخالفتهم هي الفرقة والضلال والشذوذ، وأن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا على هذا المعنى لما نقلوه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وما فهموه من الكتاب والسنة، ثم أجمع على ذلك من جاء بعدهم من التابعين وتابعيهم ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، فكان هذا إجماعاً، ثم يزداد الإجماع عمقاً وقوة في حقوق بعض الصحابة، فالعشرة المبشرون بالجنة أجمع الصحابة أنهم من أهل الجنة، ثم أجمعوا بعد ذلك على فضلهم؛ لأن من لوازم قول النبي صلى الله عليه وسلم وتزكيته لهم بأنهم من أهل الجنة أنهم أفضل.

ثم أجمعوا بعد ذلك أيضاً على حقوق الخلفاء الراشدين الأربعة، فكان إجماعاً من جميع الوجوه، ونحن نعرف أن الإجماع بمعناه الحقيقي الشرعي لا ينبني إلا على نصوص سواء كان بنص أو بمجموعة نصوص، اجتمع أهل الحق الذين جعلهم الله عز وجل يمثلون سبيل المؤمنين على ذلك، فكان ذلك إجماعاً.

وعلى هذا فإن من صور الإجماع المتفق عليها هذه الصور: عدالة الصحابة، والشهادة لمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة، وبيان حقوق الخلفاء الراشدين الأربعة وأنهم أفضل الصحابة.

هذا إجماع وإن وجد بين السلف خلاف فليس في فضلهم، وما وجد عند بعض السلف فإنما هو في مسألة تفضيل علي على عثمان فقط، ومع ذلك هذه القضية حسمت فيما بعد، يعني: في عهد التابعين انتهت ولم يعد أحد يقول بهذا القول، ومع ذلك لو بقي هذا الخلاف: أيهما أفضل علي أو عثمان رضي الله عنهما وعن جميع الصحابة، فإن هذا لا يعني خرق الإجماع، فالإجماع باقٍ في فضل الأربعة، وهكذا الإجماع على الشهادة للعشرة بالجنة، والإجماع على عدالة الصحابة، والإجماع على أن الله رضي الله عنهم وأن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو عنهم راضٍ.

وأنا أعجب في الحقيقة ولا ينقضي عجبي من الذين يترددون في كفر من أنكر ذلك من الرافضة ومن سلك سبيلهم، فإن هذا خرق للنصوص القطعية وتكذيب لكلام الله وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وتكذيب للمتواتر من الأحاديث والنصوص، فالرافضة يسبون أبا بكر وعمر ويسبون عثمان ويسبون بقية الصحابة ولا يعدِّلون أو يرضون إلا عن ثلاثة أو سبعة.

أقول: فعلاً كيف يتردد أحد ممن يعرف هذه القواعد الشرعية الواضحة الجلية التي أجمع عليها السلف في كفر من ينكر هذا الفضل للصحابة رضي الله عنهم عموماً، ولأفراد من ورد التخصيص منهم خصوصاً ويكفرهم؟! لكن نسأل الله العافية قد يخفى الحق على بعض الناس، وربما أيضاً بعض أهل العلم ممن شكوا بكفر بعض الرافضة، وربما أنهم يظنون أن الرافضة ليست كلها على ذلك؛ بسبب استعمال الرافضة للتقية، وإلا ما أظن عالماً أو طالب علم أو مسلماً يعرف هذه المعاني وإجماع الصحابة والسلف عليها ثم يتردد في كفر من ينكرها، لكن أقول: عذر كثير من أهل العلم أنهم يشكون في أن الرافضة كلهم يجمعون أو يتفقون على سب الصحابة؛ لأن الرافضي يدعي أنه لا يسب الشيخين، وإلى الآن الرافضة عند المجادلة يعلنون ويزعمون أنهم لا يسبون أبا بكر ولا عمر ، مع أنه لا يقوم دينهم أصلاً إلا على ذلك؛ لأنهم إذا ما سبوهم انهدم دينهم الذي هم عليه، ولا يبقى للرفض أصل.

فعلى أي حال أعود وأقول: انعقد الإجماع على فضل هؤلاء الصحابة وحقوق عمومهم وحقوق من وردت لهم الحقوق خاصة، وأيضاً الشهادة لمن شهد لهم الرسول صلى الله عليه وسلم بأي حق من الحقوق في الدنيا والآخرة؛ فإن ذلك أغلبه من القطعي المتواتر، ومن أنكر القطعي المتواتر فلاشك أنه يكفر، لاسيما مع البيان وظهور الحجة، ونحن نعلم أن مسألة حقوق الصحابة من أظهر الأمور وأبينها في كتاب الله وفيما تواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفيما أجمعت عليه الأمة، فلا لبس فيها ولا غموض ولا مجال للمراء والجدل فيها، فتبقى الحجة بينة واضحة، ومن أنكرها أنكر البينة الواضحة، نسأل الله العافية.

والخوارج يسبون بعض الصحابة، ويطعنون في عثمان وعلي ، ويطعنون في بعض الصحابة، والخوارج ليسوا كلهم يكفرون الصحابة، والخوارج أيضاً يترضون عن أبي بكر وعمر ، وسبهم ليس على سبيل اللعن كما تفعل الرافضة، نسأل الله العافية؛ فالرافضة تلعن، ولا يمكن يعيش رافضي إلا على هذا اللعن.

أيضاً الرافضة يزعمون أن الصحابة ارتدوا! ولذلك لا يعتبرون روايتهم، بل لم يتورعوا عن وصف زوجات النبي صلى الله عليه وسلم بالأوصاف التي لا يرضى أي إنسان -حتى لو لم يكن مسلماً- أن يرمى بها بيته أو أهل بيته، ومن ذلك ما رموا به عائشة رضي الله عنها.

الأسئلة

الرد على من يقول: (إن صاحب الكبيرة مخلد في النار)

السؤال: كيف الرد على المرجئة الذين يقولون: إن صاحب الكبيرة مخلد في النار؟

الجواب: ليس هذا قول المرجئة، والذين يقولون: صاحب الكبيرة مخلد في النار، يستدلون بقوله تعالى: وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا [النساء:93]، والذين يقولون بهذا هم الخوارج والمعتزلة، فالصواب أن نقول: كيف الرد على الخوارج والمعتزلة؟ وهم يستدلون بمثل هذه الآية.

وفيما يتعلق بالاستدلال بالنصوص هناك قاعدة مهمة جداً وهي: أن النصوص لابد أن يفسر بعضها بعضاً، فنحن عندنا أدلة تفيد أن مرتكب الكبيرة تحت مشيئة الله إن شاء غفر له وإن شاء عذبه إذا مات على كبيرته، وأنه إن عذبه يخرج من النار بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، وبغير شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم، كما دلت على ذلك قطعيات النصوص المتواترة، ومن ذلك القاتل، فالقاتل مرتكب كبيرة، والآية التي فيه من باب الوعيد، والوعيد راجع إلى مشيئة الله، هذا شيء.

الشيء الآخر: أن كثيراً من أهل العلم قالوا: إن الخلود لا يعني دائماً الأبدية إلا إذا دلت قرائن وأدلة أخرى؛ فليس كل ما يدل على الخلود يدل على الأبدية، ثم إن الوعيد غير الوعد، الوعد نعلم جزماً أن الله عز وجل لا يخلف الميعاد، لكن الوعيد تهديد، والله عز وجل رحمته سبقت عذابه، ولطفه بعباده هو المقدم وكذلك تيسيره للعباد ورحمته بهم هي الأصل، فإن الله عز وجل قد يتوعد العبد ثم يغفر له، وهذا مقتضى الكرم والكمال لله سبحانه، ألا ترون -ولله المثل الأعلى- أن الإنسان لو توعد غيره وهو قادر على أن يفعل الوعيد، ثم فجأة سمح وعفا ألا يعتبر هذا كرماً؟

فإذا كان قادراً ثم عفا فهذا كمال، ولله المثل الأعلى وهو أولى بالكمال، وكل كمال اتصف به المخلوق فالخالق سبحانه أولى به.

إذاً: لابد من تفسير مثل هذا النص بالنصوص الأخرى، ولذلك من قواعد السلف رد نصوص الوعيد إلى نصوص الوعد، وكذلك نصوص الوعد إلى نصوص الوعيد، فمن أخذ بالوعد وحده فهو مرجئ، ومن أخذ بنصوص الوعيد وحده فهو على منهج الخوارج كما ذكر السلف.

القول في تكفير عموم الرافضة

السؤال: هل هناك من أهل العلم من لم يكفر الرافضة؟

الجواب: هذا السؤال فيه غموض، وقد يلتمس العذر لعوامهم والجهلة. والسلف لم يكونوا يتكلمون عن العوام والجهلة، والحقيقة أن هذه الأمور وقع فيها الخوض عند المتأخرين، وإلا فقد كان المعروف عند الناس عموماً وعند طلاب العلم على وجه الخصوص أن الأحكام دائماً تنبني على رءوس أهل البدع وشيوخهم، وتنبني على أصولهم وقواعدهم وعلى عقائدهم، ولا تنبني على أفراد ولا على العوام، فالحكم على الشيء بما اشتهر به وبما عليه أصوله، فالأصول سواء كانت أشخاصاً أو مذاهب هي التي عليها الحكم، فلا يكفر أصحاب ملة كلهم لمجرد أنه يرى من عوامهم شيء من الجهل بعقائدهم، ومن فعل ذلك فهذا ما عرف القاعدة، فالقاعدة: هي أن الحكم على كل شيء يكون على أصوله وعلى مؤسسيه، أما الأفراد فلاشك أن السلف كانوا يفصلون في مسألة العوام والأتباع.

مدى صحة قول: (كل خلافة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي خلافة إسلامية)

السؤال: ذكر شيخ الإسلام عن الإمام أحمد رحمهما الله بأنه قال: كل خلافة في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي خلافة إسلامية صحيحة. فهل هذا القول يكون عاماً حتى في العصور المتأخرة عن عصر الصحابة؟

الجواب: ما فهمت أنا المقصود بالكلام، والشأن هو في ثبوت هذا عن الإمام أحمد ، ثم إذا ثبت ما معنى قوله: كل خلافة في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم فهي خلافة إسلامية صحيحة؟ كذلك قوله: خلافة إسلامية صحيحة، فيها نظر، والعبارة ليست من عبارات الإمام أحمد .

وعلى أي حال ربما يقصد الإمام أحمد الأمر الذي وقع عن الخلفاء الراشدين؛ فإنهم كانوا في المدينة، ومع ذلك يبقى هذا الكلام ليس نصاً شرعياً.

حكم تفضيل علي على عثمان رضي الله عنهما

السؤال: هل يضلل من فضل علياً على عثمان في الفضل والخلافة؟

الجواب: تفضيل علي على عثمان بدعة؛ لأن الذي استقر عليه مذهب السلف والأئمة هو تفضيل عثمان على علي ، إلا النادر منهم.

فالسلف اتفقوا على تفضيل عثمان على علي ، وما أثر عن بعض السلف من أنهم فضلوا علياً على عثمان فقد تراجعوا عنه، مع أنهم قلة، إلا ما أثر عن الحاكم النيسابوري أنه يفضل علياً على عثمان، لكن هذا قليل، وكذلك عبد الرزاق بن همام كان يفضل علياً على عثمان ، لكن هذه آراء قليلة بمثابة زلات لبعض أهل العلم، وقعت الشبهة في أذهانهم، وإلا فإنه بعد استقراء النصوص عن النبي صلى الله عليه وسلم واستنفاذ الرواية وجمعها تبين قطعاً عند السلف أن الخلفاء الأربعة ترتيبهم في الفضل كترتيبهم في الإمامة: أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي ، هذا ما عليه الجمهور، وعلى هذا يعتبر عقيدة، ومن خالفه فهو مبتدع، فإن كان هذا عن شبهة من عالم فتعتبر زلة من العالم ولا يبدع بها، وإن كان ممن ليس من أهل العلم الذين يعذرون بعلمهم فلاشك أن هذا بدعة.

هذا خلاصة ما استقر عليه السلف: أن تفضيل علي على عثمان بدعة، والله أعلم.

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح عقيدة السلف أصحاب الحديث [16] للشيخ : ناصر بن عبد الكريم العقل

https://audio.islamweb.net