إسلام ويب

عقب الثورة الغربية على الكنيسة نشأت العلمانية التي حوت عددًا من المذاهب والنظم الغربية, وسرعان ما بدأت تلك المذاهب والأفكار الغربية تنتشر في البلاد الإسلامية لجملة من الأسباب التي هيأت تقبل ثلة من المسلمين لها, ومن تلك الأسباب: الانحراف عن دين الله تعالى المتمثل في الانحراف عن توحيد الإلهية, والانحراف في أصول الحكم, والانحراف في فهم القضاء والقدر, كما أن من تلك الأسباب تآمر أعداء الإسلام على المسلمين, ودور المستشرقين, والحملات التنصيرية, ونصارى العرب, وغير ذلك من الأسباب.

مجمل الكلام عن نشأة المذاهب في الغرب

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين.

أما بعد:

فتحدثنا في الدرس الماضي عن نشأة المذاهب في الغرب، وقلنا: إن المذاهب بالمعنى الاصطلاحي: هي المذاهب المعاصرة الفكرية التي نشأت في أوروبا، وبينا الدين الذي آمنت به أوروبا وأنه ليس دين الله عز وجل الحق الذي نزل على عيسى بن مريم عليه السلام، وإنما هو دين محرف حرفه بولس اليهودي وقد اعتنقت الدولة الرومانية الدين النصراني في سنة (325) ميلادي، واختارت مذهب التثليث، وبينا بعض البدع وبعض العقائد الضالة المنحرفة التي كانت موجودة في النصرانية التي اختارتها أوروبا عن طريق قسطنطين الحاكم الروماني في تلك الفترة، وبينا أن الكنيسة والأباطرة قد طغوا وبغوا وآذوا الناس إيذاء كبيراً، وكان من طغيانهم الطغيان الديني والطغيان العلمي والطغيان المالي والسياسي.. ونحو ذلك، وأشرنا إلى نماذج من هذا الطغيان الذي قاموا به، وفي القرن السابع عشر الميلادي تقريباً بدأ كثير من الأوربيين يجتهدون في عالم الصناعة، وبدءوا يخترعون، وبدأت حركة تحرر عند الغربيين، فواجهت الكنيسة والأباطرة هذه الحركة بالقمع والإيذاء والتكفير والحرمان، وقلنا: إن الكنيسة أعطت نفسها حق الحرمان، فأحرقت عدداً من هؤلاء وحرمت آخرين، وسجنت بعضهم وأحرقت كتبهم، ونهت نهياً باتاً عن تحريك العقل في الماديات المعاصرة، وأنه يلزمهم أن يستقوا من الكنيسة، وأن النصوص التي يتكلمون بها من عند أنفسهم هي معصومة يلزمهم جميعاً الإيمان بها، من جراء هذا الطغيان تكونت في فترات متعددة حركة عارمة وكبيرة من هؤلاء المتحررين، الذين يطالبون بالمشاركة في عالم السياسة مع الأباطرة، وبتحريك العقل في فهم الإنجيل وفي فهم الدين، وفي فهم الماديات الموجودة في الكون، وفي الاختراعات والصناعة، وكان من آخرها الثورة الفرنسية التي كانت في القرن الثامن عشر الميلادي في سنة (1789)م، ولما ظهرت الثورة الفرنسية استغل اليهود هذه الثورة ووجهوها توجيهاً سيئاً، بناء على خططهم السابقة وهي أنه حتى يرتقي اليهود وحتى تكون لهم مكانة فلا بد أن يضل الناس في عقائدهم ويفسدوا في أخلاقهم، فلما قام اليهود بهذا الدور اتجهوا لضرب الكنيسة واتجهوا أيضاً لضرب الأباطرة، فأما ضرب الكنيسة فإنهم لم يقولوا بأن الكنيسة كانت مخطئة، وأن عليها ملاحظات، وأنه بالإمكان أن يبقى العالم الأوروبي على الدين النصراني، وإنما وجهوا الطعن إلى الدين نفسه، فأصبح في حس الأوربيين أن كل من التزم بالدين فهو متخلف، فسموا الدين تخلفاً، واعتبروا الدين رجعية، واعتبروا الدين هو أساس التأخر، وأنك إذا أردت أن تتقدم وإذا أردت أن يكون لك دور في الحياة وأن تتعامل مع سنن الله عز وجل بشكل صحيح فعليك أن تترك الدين أولاً ثم تنطلق، أما إذا بقيت على الدين فإنك لن تنطلق، ولن يكون لك أي تحرك، هذا من جهة، فانتشر الإلحاد، وانتشرت النظريات الخبيثة في السياسة وفي الاقتصاد وفي الاجتماع وفي النفس وفي الآداب وفي مجالات متعددة سيأتي شيء من الحديث عنها بإذن الله تعالى.

واتجهوا أيضاً إلى الطعن في طريقة الحكم التي كان يحكم بها الأباطرة للإقطاعيات، وأنه لا بد من وجود ديمقراطية، والديمقراطية معناها: أن الشعب يملك مصير نفسه في الجوانب النظامية، وفي الجوانب التشريعية، ولهذا يعتبرون أن الشعب هو الذي يحكم نفسه، وسيأتي الحديث عن مذهب الديمقراطية بالتفصيل إن شاء الله، فطالبوا بالمشاركة في السياسة، بغض النظر عن العنصر وعن اللون وعن الدين، فيمكن لأي إنسان أن يشارك إذا كان له عدد كبير من المرشحين حتى لو كان ملحداً أو يهودياً أو نصرانياً، وبهذا استطاع اليهود أن يتسلقوا إلى أعلى المراتب أو الأماكن والولايات في الدول الغربية، هذا تقريباً ما حصل في أوروبا بشكل مختصر وذكرنا ذلك في الدرس الماضي.

نشأة العلمانية ومعناها ومجالاتها

من جراء الثورة الفرنسية وظهور النظريات الإلحادية نشأ عند الغرب مذهب واسع وكبير يبتلع عدداً من المذاهب، وسمي بالعلمانية، والعلمانية معناها: اللادينية أو الدنيوية، فاللادينية أو الدنيوية هي فكرة العلمانية، ومعناها: بناء الحياة على غير الدين، وبعيداً عن الدين، وفهم الدين على أنه مجرد شعائر تقام في أماكن محدودة بطريقة روحانية فقط، وأما جانب السياسة وجانب الاقتصاد وحياة الناس فلا دخل للدين فيها بأي وجه من الوجوه، هذه الفكرة التي هي فكرة العلمانية كانت نتيجة لهذه الأحداث التي سبق أن أشرنا إليها، وهذه الفكرة التي هي العلمانية هي فكرة فضفاضة وكبيرة وواسعة، تبتلع كل المذاهب الفكرية المعاصرة، فالشيوعية تدخل في العلمانية، والاشتراكية تدخل في العلمانية، والرأسمالية تدخل في العلمانية، والديمقراطية تدخل في العلمانية أيضاً، والمذاهب الأدبية مثلاً: الحداثة تدخل في العلمانية، وهكذا المذاهب الفنية مثل: الكلاسيكية وغيرها تدخل في العلمانية، وهكذا أيضاً المذاهب الإنسانية مثل: الوجودية، ومثل: الرمزية وغيرها من المذاهب هي داخلة في العلمانية، فالعلمانية باختصار هي أن يبني الإنسان عقله ونفسه وفكرته ويبني المجتمع في واقعه بعيداً عن الدين، أياً كان هذا الدين، سواء كان ديناً صحيحاً أو ديناً باطلاً، ولهذا فإن حديثنا عن العلمانية، لن يكون في لقاء واحد، إذا تحدثنا عن الديمقراطية كما قلت فنحن نتحدث عن العلمانية، لكن من الجهة السياسية؛ لأن العلمانية لها عدة جهات، فمن الجهة السياسية تكون أكثر من مذهب، أشهر هذه المذاهب في الجانب السياسي الشيوعية أو الديمقراطية والديكتاتورية الشيوعية، ومذاهب أخرى سيأتي الإشارة إليها، في الجانب الاقتصادي وجد المذهب الرأسمالي والاشتراكي، في الأدب وجدت بعض المذاهب، الأدب يدخل فيه الشعر والفن التشكيلي مثلاً ونحو ذلك، في الاجتماع وجدت مذاهب، في علم النفس وجدت مذاهب، هذه المذاهب جميعاً هي أوجه مختلفة لفكرة العلمانية.

إذاً: فكرة العلمانية التي ظهرت أفرزت كثيراً من المذاهب وكثيراً من الأفكار، بعضها صارت مشهورة ومعروفة عند الناس، وبعضها صارت مغمورة، وبعضها أقل من ذلك، وبعضها أكثر، وصارت هناك عشرات النظريات، بل مئات النظريات الغربية التي انطلقت من هذا المنطلق وهو العلمانية وأنه ينبغي لك أن تبحث وأن تفكر بغض النظر عن الدين، ويسمون الدين اللاهوت، ويقولون: اللاهوت هو عبارة عن أشياء روحانية تؤديها في مكانها المخصوص، وهو الكنيسة بالنسبة للغربيين، والعلمانيون المنتسبون للإسلام يقولون: المسجد، وأما بقية الحياة فلها شأن آخر.

نشأة المذاهب المعاصرة في العالم الإسلامي

في اللقاءات القادمة سنتحدث إن شاء الله عن العلمانية في جوانب مختلفة، نأخذ جانباً ونتحدث عنه، ونذكر المذاهب المشهورة فيه، ثم اللقاء الذي بعده نأخذ جانباً آخر، ونحن في حديثنا كله سنتحدث عن العلمانية، ولكن أيضاً سنتحدث عن المذاهب الأخرى بشكل مفصل إن شاء الله، أما في هذا اللقاء سنتحدث بإذن الله تعالى عن نشأة المذاهب المعاصرة في العالم الإسلامي، لم يعرف العالم الإسلامي هذه المذاهب إلا بعد سقوط أو في أثناء سقوط الخلافة العثمانية أو قبلها بقليل وبعدها، فبعد أن سقطت الخلافة وصار العالم الإسلامي فرقاً متعددة، أعجب كثير من المسلمين بهذه المذاهب ونقلها إلى العالم الإسلامي، وكان المسلمون في فترة ماضية ينظرون إلى الغرب على أنهم حمير، وعلى أنهم خنازير، وعلى أنهم ليس عندهم من الفكر الحقيقي الصحيح ما يمكن أن يستنار به، وهم يرون أنهم ليس عندهم عقيدة صحيحة حتى يستفاد منهم، وليس عندهم فكر نير حتى يهتدى بهم، ولهذا ذكر في التاريخ أنه عندما حصلت بعض الحروب بين الأوربيين جاء مبعوث من فرنسا إلى الدولة العثمانية، وطلب أن يقابل الخليفة من أجل أن يطلب منه الإعانة على تلك الدولة الأوروبية الأخرى، فرده من كان دون الخليفة وقال: إن خليفة المسلمين لا يهمه أن يقتتل كلبان ليس له علاقة بهما، فليس هناك داع لأن تلتقي بالخليفة فذهب الرجل، وهكذا كان ينظر العالم الإسلامي للغرب، هكذا كانوا ينظرون له، وهكذا كان واقعه، فإن الغرب وما زال في جاهلية وفي ضلال وانحراف وفي بعد عن الله سبحانه وتعالى، وكان المسلمون في تلك الفترة يعتزون بدينهم، وكانت رايات القتال والجهاد في سبيل الله ماضية، وقد دخلوا من جهة تركيا على أوروبا حتى وصلوا إلى فيينا عاصمة النمسا، وقد دخلوا من قبل من جهة أوروبا الغربية حتى وصلوا إلى مشارف فرنسا، فلما حصل أن اجتاح الأوربيون والصليبيون الأندلس، كان المسلمون في الوقت نفسه يجاهدون في أوروبا الشرقية من جهة تركيا، ولهذا البوسنة والهرسك كيف دخلها الإسلام؟ وكسوفا كيف دخلها الإسلام؟ دخلها الإسلام عن طريق الجهاد الذي كان يتم من الدولة العثمانية في تلك الفترة.

أسباب تقبل العالم الإسلامي للمذاهب الغربية

إذا كان هذا هو الحال وهذا هو الواقع فما هو السبب الذي جعل العالم الإسلامي يتقبل المذاهب الغربية الفكرية والعلمانية، وأصبح لها أحزاب ولها أشخاص يدافعون عنها، وسيأتي شيء عن واقعها، أقول: الأمور التي جعلت المذاهب الغربية تنتشر في العالم الإسلامي يعود إلى سببين:

السبب الأول: سبب ذاتي أو داخلي، وهو ذات الأمة نفسها كانت عندها قابلية، هذه القابلية بسبب الانحراف الذي حصل من المسلمين عن منهج الله سبحانه وتعالى.

والسبب الثاني: سبب خارجي وهو التآمر على هذه الأمة من قبل اليهود والنصارى ومن كان معهم.

السبب الأول: الانحراف عن دين الله

أما السبب الأول وهو السبب الذاتي: فهو الانحراف الذي حصل عند المسلمين، فإن المسلمين حصل عندهم انحراف عن دين الله عز وجل وعن منهج الله، وأنتم تعلمون أن هذه الأمة منصورة بدين الله عز وجل، فإذا انحرفت عن دين الله فإنها ستغلب، وهذا الذي وقع بالفعل، وهذا يصدق مقالة عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما قال: (نحن أمة أعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله).

من مظاهر الانحراف عن دين الله

يمكن أن نشير إلى ثلاثة أمور وقع فيها الانحراف:

الأمر الأول: الانحراف في الألوهية والعبادة.

الأمر الثاني: الانحراف في أصول الحكم والتشريع والحاكمية.

الأمر الثالث: الانحراف في مفهوم القضاء والقدر.

الانحراف في مفهوم الألوهية والعبادة وأسبابه

أما الانحراف في مفهوم الألوهية والعبادة فإن له أسباباً هيأت لهذا الانحراف الذي وجد، منها: أن الفرق الضالة مثل: الأشاعرة والماتريدية كانت تتبنى الإرجاء عقيدة في الإيمان، وكانوا يخرجون العمل عن مسمى الإيمان، وترتب على إخراجهم العمل من مسمى الإيمان أن أخرجوا توحيد الألوهية من حقيقة التوحيد، فلما أخرجوا توحيد الألوهية من حقيقة التوحيد، اعتبروا أن التوحيد الأساسي الذي يجب أن ندعو المسلمين إليه هو توحيد الربوبية، وهو إثبات أن الله الخالق الرازق المحيي المميت، فترتب على هذه المقالة أن الاستغاثة بغير الله، والدعاء لغير الله فيما لا يقدر عليه المخلوق، وأيضاً الذبح لغير الله أن هذا ليس من الشرك الأكبر المخرج عن الإسلام، وجاءت الصوفية بخرافاتها وبشركياتها، فوجدت جواً مناسباً في هذه الأفكار، أفكار الإرجاء التي دعمها الأشاعرة ودعمها الماتريدية بقوة، فانتشر الشرك في حياة الأمة، وأصبح في كل قطر وفي كل مدينة وفي كل قرية قبر عظيم بنيت عليه المباني الكبيرة، وله مدخل وله مطاف وله مخرج وله مكان للذبح، وهناك صناديق توضع فيه النذور، وأصبح الناس يتعبدون لغير الله سبحانه وتعالى، يعبدون القبور من دون الله سبحانه وتعالى، بل أصبح من جراء هذه الخرافة أن رجلاً واحداً يمكن أن يعبد في أكثر من مكان في العالم الإسلامي، فهذا الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما يعبد في العراق في كربلاء، ويعبد في دمشق في مقام يسمى رأس الحسين أو مقام النقطة، ويعبد في مصر في القاهرة، هذا رجل واحد يعبد في ثلاثة أماكن في العالم الإسلامي، وراجت بضاعة السحرة والكهنة والمشعوذين، بل إن أئمة الصوفية هم الذين يتبنون السحر، ويعالجون الناس عن طريق السحر، ويرون أن الرقى السحرية هي الرقى الشرعية التي يجب أن يعالج بها، وأصبحوا يضعون للناس حجباً، ويخاطبون الجن، ويستغيثون بهم، ويدعونهم من دون الله، ويسمونهم الروحانيين، ويستغيثون بالملائكة، ويستغيثون بغير الله عز وجل، فانتشر الشرك في حياة المسلمين انتشاراً ذريعاً، ومن يقرأ ويجمع أخبار هذه الفترة في موضوع القبور يجد العجب العجاب في هذه المسألة، ولما ظهر بعض الدعاة إلى الله عز وجل مثل: الشيخ الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى يدعو إلى التوحيد الخالص، واجهه هؤلاء وحاربوه، وكان لهم مواقف شديدة معه، حاربوه علمياً بالردود الباطلة، واتهموه بالكذب، وقالوا: إنه يدعي النبوة، وقال بعضهم: إنه يأمر بحلق رءوس النساء، وقال بعضهم: إن الوهابية يحرمون الشاي والقهوة، وقال بعضهم غير ذلك من كذب ودجل على أهل هذه الدعوة، وحاربوا أيضاً الشيخ محمود شكري الألوسي عندما تبنى هذه الدعوة في العراق، وأوذي إيذاء شديداً من أصحاب الطرق الصوفية، وأصبح أصحاب الطرق الصوفية وأقطابها لهم المكانة العالية في الدولة العثمانية، وأصبح أي خليفة من خلفاء الدولة العثمانية يموت يجعل له مسجد من أجل أن يدفن فيه، فأصبح كل مسجد من مساجد المسلمين فيها قبر يوضع فيه، وعظم فيها ابن عربي، وعظم فيها عدد من طواغيت التصوف والمشركين الذين كانوا يعبدون غير الله سبحانه وتعالى، فأصبحت العبادة في مفهوم هؤلاء هي أن تعتقد أن الله هو الخالق، وأن الله هو الرازق، وأن الله هو المحيي، وأن الله هو المميت، وحينئذ تكون موحداً خالصاً، وأن تترك الأسباب كما سيأتي معنا في الكلام على القدر، وحينئذ تكون موحداً خالصاً، لكنك إذا قلت: إن العبادة يجب إفرادها لله، وأن تعظيم غير الله عز وجل شرك، وأن الطواف حول القبور شرك، سموك خارجياً حرورياً بعيداً عن السنة، فهذه الأجواء هيأت العالم الإسلامي لقبول الغزو الفكري ولقبول المذاهب الفكرية، بل إنها هيأته للانهزام أمام الجيوش أمام جحافل الغربيين عندما جاءوا لقتال المسلمين، حتى إن الشيوعيين لما بدأت ثورتهم في عام (1917) ميلادي ودخلوا على الجمهوريات الإسلامية، كان كثير منهم يترك قتال الشيوعيين ويذهب إلى القبور ويسقط عليها، ويقول: يا نقشبندي احمينا من الشيوعيين، ويأتي الشيوعيون ويقتلونهم على قبور أوليائهم، ولا يدفعون عن أنفسهم، وبعضهم كان يوصي الناس ويقول كما قال الأول:

يا خائف من التتر لوذوا بقبر أبي عمر

ولهذا صار هذا الانحراف فرصة ومناخاً مناسباً لدخول الأفكار والمذاهب الغربية، وفي الوقت نفسه صار أيضاً فرصة مناسبة لاجتياح الغربيين الصليبيين للعام الإسلامي، وسيأتي معنا شيء من ذلك.

الانحراف في أصول الحكم

الأمر الثاني: الانحراف في أصول الحكم، كانت دول الإسلام في تلك الفترة في فترة الصراع بين العالم الإسلامي والغرب، الذي كان الغرب ينتفض على الكنيسة وينتفض على الأباطرة، وكان العالم الإسلامي في تلك الفترة ثلاث دول: الدولة الأولى: الدولة الصفوية، وقد كانت دولة شيعية يعتبرون أئمتهم معصومين، ويكفرون الصحابة، ويكفرون أئمة المسلمين والدين.

الدولة الثانية: هي الدولة المغولية، وهي من بقايا التتار الذين أعلنوا إسلامهم، وكانوا في تلك الفترة في بلاد الهند، وكان فيهم جهل عظيم بالإسلام، وانتشار للخرافات والخزعبلات والسحر والشعوذة.. ونحو ذلك.

الدولة الثالثة: وهي الدولة الكبيرة التي كانت مؤثرة في تلك الفترة هي الدولة العثمانية، وقد كانت في العراق وبلاد الشام، وكانت أيضاً في شمال أفريقيا، وأيضاً كان لهم وجود كبير داخل أوروبا كما قلت في أوروبا الشرقية من جهة تركيا، والحقيقة أن الدولة العثمانية في بدايتها كانت جادة ونشيطة في نشر الإسلام، ولهم مآثر عظيمة في الدعوة إلى الإسلام، وفي نشر الإسلام، وفي إقامة الجهاد في سبيل الله، وفي الحرص على الدعوة إلى الله عز وجل، وإن كان منذ أن بدءوا يوجد عندهم بعض الانحرافات العقدية، مثل: تبنيهم للتصوف، وتبنيهم لمذهب الماتريدية من جهة الاعتقاد النظري، لكن الدولة العثمانية في آخر أمرها انحرفت عن الخط الإسلامي انحرافاً كبيراً، فقد أصبح غلاة الصوفية من المعظمين لـابن عربي الطائي الذي هو كما تعلمون يرى أن الوجود وحدة واحدة، وأنها هي الله، وأنك أنت الله وأنا الله وكل شيء هو الله، ولهذا يقول:

العبد رب والرب عبديا ليت شعري من المكلف

إن قلت عبد فذاك ربأو قلت رب أنى يكلف

يعني: كيف يكلف وهو رب؟! ليس هناك تكليف، وليس هناك أمر ولا نهي، وليس هناك رسل، وليس هناك ملائكة بل الجميع هو الله عندهم، ولهذا يقول:

وكل كلام في الوجود كلامهسواء علينا نثره ونظامه

يعني: كل شيء من الكلام من كلام الإنس أو الجن أو من نبيح الكلاب ونهيق الحمير وزقزقة العصافير ونحو ذلك كلها جميعاً يعتبرها من كلام الله سبحانه وتعالى، فتبنت الدولة العثمانية في آخر أمرها هذا المنهج الصوفي الخطير، الذي انحرف بها انحرافاً كبيراً، فكانت الدولة العثمانية في تلك الفترة يوجد فيها سلبيات من جهة الحكم والتشريع، وكان لهذه السلبيات أثر كبير جداً في سقوطها من جهة، وفي تبني من كان له أثر فيها للأفكار الغربية من جهة أخرى، ومن هذه الملاحظات والسلبيات التي كانت موجودة عندهم على الصعيد السياسي غياب مبدأ الشورى، والاعتماد على الملك الجبري عن طريق الوراثة النسبية، ولم يكونوا يشاركون الناس معهم في الحكم، ولم يكن هناك أهل للحل والعقد بحيث إنهم يصوبون أخطاءهم ويوجهونهم وينصحونهم، بل كان الحكم فردياً، ليس فيه اعتماد على الشورى لا من قريب ولا من بعيد، في الوقت التي كانت أوروبا تواجه ضغط الجماهير التي تطالب بحرية التفكير من جهة، وتطالب أيضاً بالمشاركة السياسية من جهة أخرى، وهذا يدل على أن الدولة العثمانية في تلك الفترة كانت غائبة عن المرحلة التي تعيشها، فإن المرحلة التي تعيشها كانت تقتضي في أفضل الأحوال أن يأتوا بأهل الحل والعقد من العلماء ورؤساء الأجناد ويسلموهم مقاليد الحكم، بمعنى: أنهم يكونون هم المشرفين على الحكم، يوجهون الحكام بما أمر الله سبحانه وتعالى به، وبما أمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكنهم لم يعبئوا بذلك، فصار فيما بعد للمستغربين الذين اقتنعوا بأفكار الغربيين، مثل: حزب الاتحاد والترقي حجة في الوقوف ضد الدولة العثمانية، هذا من جهة، ومن جهة أخرى صار لبعض المغفلين ممن ساير الغرب وقال: إن العرب لا يشاركون في الحكم مع الدولة العثمانية صار أيضاً لهم حجة في التعاون مع انجلترا مثلاً لإحداث ثورة قومية كما حصلت في تلك الفترة، وكانت مؤثرة في سقوط الدولة العثمانية كما هو معلوم تاريخياً.

وأيضاً من السلبيات التي كانت موجودة عند الدولة العثمانية على هذا الصعيد: إغلاق باب الاجتهاد، والاعتماد على الفقه الحنفي فقط، فهم أغلقوا باب الاجتهاد وقالوا: الاجتهاد في الفقه لا مجال له، وإنما عندنا الفقه الحنفي نعتمد عليه، والفقه الحنفي كما هو معلوم يتميز بكثرة الافتراضات غير الموجودة التي يتخيلون أنها تقع، ومع هذا لما أغلقوا باب الاجتهاد، واعتمدوا على الفقه الحنفي، وصاروا لا يتحركون إلا في دائرة ضيقة في مجال الفقه الإسلامي، ولم يعتمدوا على النصوص الشرعية الواردة في القرآن والسنة، ويستنبطوا منها مصالحهم في الفترة التي تناسبهم، لما صار عندهم هذا في الوقت نفسه صار العالم يتجه نحو التنظيم ويتجه نحو الترتيب، وأصبحت الدولة العثمانية أمام مأزق في كثير من المشكلات الموجودة عندهم، فالجيش مثلاً كان عندهم عبارة عن ناس متطوعين يعتمدون على السيف والخيل، وإن اعتمدوا على بعض البارود، لكنه ليس عندهم جيش منظم، فاحتاجوا إلى وجود جيش منظم ومدرب في نفس الوقت، وأيضاً على الصعيد الإداري احتاجوا لتنظيم الشئون الإدارية والأقاليم، وتحديد الصلاحيات، وكل شخص مثلاً له صلاحية.. ونحو ذلك، احتاجوا لهذا الأمر، ولعدم فتح باب الاجتهاد أثر ذلك عليهم تأثيراً كبيراً، فاستقدموا الغربيين في الجانب التنظيمي، لم يستقدموهم في الجانب التشريعي، مثل: تشريع الحدود والأوقاف والدماء.. ونحو ذلك، ما استفادوا منهم في هذا؛ لأن عندهم ما يكفيهم، لكن استفادوا منهم في تنظيم الجيش، فاستقدموا شخصيات من دول أوروبية من أجل أن تنظم وتدرب لهم الجيش، وكانت هذه هي بداية للقوانين الوضعية، لما استقدموا هؤلاء في الأمور التنظيمية جاءوا إلى الأمور التشريعية، وإذا عندهم متطلبات كثيرة، عندهم أقليات مثلاً غير مسلمة، وهناك مطالب لهم، ويذكرون بعض أقوال أهل العلم المبيحة مثلاً للتعامل مع الأقليات بشكل حر، بحيث إنه يمكن لهم أن يقيموا برامج، ويمكن أن يقيموا أحزاباً، ويمكن أن يقيموا دعوة لهم، هذه المشكلات مع ضعف الدولة جعلتهم يتقبلون الأنظمة الغربية، وإن لم يحصل هذا بشكل مباشر من بداية الأمر، لكنه حصل بشكل متدرج، حتى لما سقطت الدولة العثمانية كان عند كثير من أصحاب القرار في العالم الإسلامي قبول لأخذ القوانين الغربية، مثل: القانون الفرنسي، أو القانون البريطاني كما سيأتي بيانه، ولو أنهم فتحوا باب الاجتهاد، ولو أنهم تعاملوا بالمنهج الصحيح في التفقه، لوجدوا في الفقه الإسلامي كفاية تكفيهم عن استيراد أنظمة غربية، سواء في المجال الإداري أو المجال التشريعي.

الانحراف في مفهوم القضاء والقدر

الأمر الثالث الذي وقع فيه الانحراف في حياة المسلمين وكان سبباً لتهيؤهم لقبول الأفكار والمذاهب الغربية: هو الانحراف في مفهوم القضاء والقدر، وذلك أن الدولة العثمانية كما سبق أن أشرنا تتبنى مذهب الماتريدية، والماتريدية والأشاعرة في باب القدر جبرية، وعندهم نظرية تسمى: نظرية الكسب، كما سبق أن ذكرنا في دروس ماضية، فهم يثبتون فيها علم الله، ويثبتون إرادة الله عز وجل المطلقة، وأنه خالق لأفعال العباد، لكنهم لا ينسبون إلى العبد فعلاً، وحينئذ جعلوا العبد مسلوب الإرادة، واعتبروا أن أعظم التوكل هو الاعتماد على القدر، وأن تسلم جميع أمورك وألا تجتهد في بذل السبب، هذه العقيدة لما انتشرت وراجت في المسلمين، جعلتهم يفرطون في الأسباب المادية، وحينئذ إذا قيل لهم: نظموا مثلاً أموركم قالوا: نعتمد على الله، سيأتيكم الغرب الآن ويجتاحكم قالوا: نعتمد على الله، ونتوكل على الله، والإنسان إذا توكل على الله فهو حسبه، ويفهمون التوكل بمفهوم خاطئ وهو ترك العمل بالأسباب، بل إنهم أصبحوا يعيبون من يعمل بالأسباب وينتقدونه، وبعضهم يعتبر أن هذا من الشرك؛ لأن فيه اعتماد على السبب، وهذا خطأ كبير؛ فإن الله عز وجل يدبر الكون بالأسباب، ولا يمكن أن تحصل المسببات إلا بأسباب، والجميع من قدر الله.

سأنقل لكم كلمة لأحد المستشرقين الألمان وهو باول اشمتس يقول في كتاب له اسمه (الإسلام قوة الغد العالمية) انظروا كيف أن هذا المستشرق استطاع أن يكتشف الخلل عند المسلمين، هو يتكلم عن أن الإسلام هو القوة، لكن ما هو الإسلام الذي يتكلم عنه؟ هو الإسلام الحقيقي الصحيح، يقول باول : طبيعة المسلم التسليم لإرادة الله، والرضا بقضائه وقدره، والخضوع بكل ما يملك للواحد القهار، وكان لهذه الطاعة -يعني: الإيمان بالقدر- أثران مختلفان، ففي العصر الإسلامي الأول لعبت دوراً كبيراً في الحروب، إذ حققت نصراً متواصلاً؛ لأنها دفعت في الجندي روح الفداء، وأصبح يرمي بنفسه في القتال ويقول: إن قتلت ففي سبيل الله وهذا بقدر الله، وفي العصور الأخيرة كانت سبباً في الجمود الذي خيم على العالم الإسلامي، فقذف به إلى الانحدار وعزله عن تيارات الأحداث العالمية.

فانظروا إلى هذا الرجل الكافر كيف استطاع أن يكشف الخلل عند المسلمين، ولهذا يا إخوان! هذه المذاهب وهذه الأفكار وهذا الانفلات من الدين بالطريقة التي صارت عند الغربيين في أوروبا، وعند من تابعهم من المسلمين لا تحصل أبداً مع وجود الدين الحق الصحيح، وإنما تحصل عندما يكون هناك دين باطل، ويظنون أن هذا هو الدين الذي من عند الله، فالدين الذي كانت تتبناه أوروبا دين باطل كما سبق أن بينا، والذين انتسبوا إلى العلمانية من المنتسبين للإسلام تبنوا العلمانية في العالم الإسلامي، وظنوا أن الدين الحق الذي جاء من عند الله هو التصوف، أو عقيدة الجبر في القضاء والقدر، أو الطواف حول القبور والذبح لها والنذر لغير الله، أو الخرافات التي عند هؤلاء وأولئك، أو ترك مبدأ الشورى في الحكم، أو قفل باب الاجتهاد، وأن الفقه الإسلامي عقيم لا ينتج آراء ولا ينتج حلاً لمشكلات العصر، حينئذ انتفضوا على الدين كله، فوقعوا في الكفر من حيث لا يشعرون، والعلمانيون من الغربيين قد يكونون معذورين بعض الشيء عندما انتفضوا على دينهم الباطل، فما هو عذر هؤلاء الذين انتفضوا على دين الإسلام؟ ليس لهم عذر، كان بالإمكان أن يبحثوا عن الدين الحق ويتبنوه ويعتقدوه، وحينئذ سترجع لهم عزتهم التي كانت في زمن الصحابة رضوان الله عليهم، سترجع لهم نفس العزة بالضبط.

هذا هو السبب الأول، وهو السبب الذاتي الموجود في المسلمين: وهو الانحراف عن العقيدة الصحيحة، والانحراف عن منهج الله سبحانه وتعالى في مجالات متعددة كما سبق أن أشرنا.

السبب الثاني: تآمر أعداء الإسلام ضد المسلمين

السبب الثاني هو تآمر الأعداء والتخطيط ضد المسلمين، أيها الإخوان! نعلم أن هناك متآمرين على المسلمين، لكن المنهج القرآني يبين لنا أننا إذا انحرفنا في أنفسنا، فإن أعداءنا سيتمكنون منا، لكن إذا استطعنا أن نلتزم بديننا الحق الذي جاء من عند الله سبحانه وتعالى، فلن يكون لهم قدرة علينا، ولهذا مشاكلنا تعود إلى أنفسنا، وكثير من المصلحين عندما يناقش انهزامات المسلمين وتأخرهم عن الصدارة في العالم المعاصر، يرد ذلك إلى كيد الأعداء فقط، ويقول: نحن فينا خير كثير، لكن الأعداء كانوا شرسين، والأعداء أقوياء، وهم كثر ومتعددون نقول: فعلاً هم كثر ولهم تأثير، لكن السبب الحقيقي يعود إلينا نحن، والدليل على ذلك قول الله عز وجل: أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [آل عمران:165]، فنحن نؤتى من جهة أنفسنا، والعدو حتى لو كان متآمراً وحتى لو كان قوياً فإن الله سينصرنا عليه بإذنه تعالى، إذا التزمنا بديننا بشكل صحيح، ولهذا يجب على الإنسان أن يدرك هذا الأمر، وحينئذ يبدأ الإصلاح من أنفسنا نحن وذواتنا نحن، يبدأ الإصلاح من ذوات المسلمين، وحينئذ لو ملك العالم الغربي جميع أنواع القوة، فإنه لن ينتصر على المسلمين أبداً، وهذا هو الواقع التاريخي الذي حصل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث في هذا يطول.

وسائل أعداء الإسلام في محاربة المسلمين

إن تآمر أعداء الإسلام على المسلمين قديم، وقد بين الله عز وجل الصراع بين المسلمين وبين اليهود والنصارى وأعداء الإسلام، وهذا الأمر لا يقبل التشكيك، ومن حمق كثير من الناس أنه يظن أن الصراع الموجود بين العالم الإسلامي اليوم وبين الغرب هو صراع قومي، أو صراع عرقي، أو صراع لغوي من جهة أن هؤلاء أصحاب لغة وهؤلاء أصحاب لغة، من يرد الصراع لهذه الأمور سيفترسه الأعداء وهو لا يشعر، لكن الصراع الحقيقي هو صراع الأديان، يقول الله سبحانه وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ [المائدة:51] إذاً: الخلاف بيننا وبين الكفار خلاف ديني وليس خلافاً عرقياً، أو خلافاً بسبب مشكلات سياسية أو مشكلات اقتصادية.. ونحو ذلك، وهذه الفكرة التي توجد عند بعض الكتاب وبعض الصحفيين وبعض المفكرين من المنتسبين إلى الإسلام، هذه الفكرة الموجودة أخذوها من المستشرقين كما سيأتي بيانها، وقد كانت طريقة الصليبيين في حرب المسلمين في بداية الأمر تعتمد على إبادة المسلمين والاستيلاء على بلدانهم، وهذه هي خطتهم التي كانوا يسعون إليها، انظروا إلى أحد المغفلين من هؤلاء.

وهو المستشرق كيمون يقول: أعتقد أن من الواجب إبادة خمس المسلمين، والحكم على الباقين بالأشغال الشاقة، وتدمير الكعبة، ووضع قبر محمد وجثته في متحف لوفر!

هذه فكرة كانت موجودة عند الغربيين في بداية الأمر، لكنهم اصطدموا بصخرة الإسلام الكبيرة، ومنوا بالهزائم الضخمة التي حصلت لهم في الحرب الصليبية الأولى والثانية، ثم تغيرت الخطة بعد ذلك، تغيرت الخطة من الناحية العلمية، فلم يعد ميدان الحرب الجديدة هي الأرض، وإنما صار ميدان الحرب الجديدة الأدمغة والعقول، ولم تعد الوسيلة التي تنفذ هذه الخطة هي السيف والقتال وإنما الفكر والعقيدة، ولم تعد أيضاً جيوشها الأساطيل والتنظيمات التي تكون في الجيوش، وإنما هي المؤسسات والمناهج والأحزاب والأفكار التي يبثونها وينشرونها بالدرجة الأولى، وأول من لفت العالم الغربي إلى هذه الخطة الجديدة التي هي غزو المسلمين عن طريق إفساد العقيدة هو ملك فرنسا لويس التاسع ، ولويس التاسع ملك فرنسا كان قائد الحملة الصليبية الثانية، هزم في المعركة وأسر في المنصورة ثم فدى نفسه ورجع إلى بلده، وقد كان في سجنه يفكر ويدبر في كيفية الانتصار على هذا العالم الذي جربوا معه أكثر من وسيلة، فتوصل لويس إلى أن الخطة تكمن في إفساد عقيدته، وصارت معالم هذه السياسة الجديدة للعالم الغربي تكمن في أربعة أمور:

الأمر الأول: جعل الحملات الصليبية العسكرية حملات سلمية لإفساد العقائد، وتؤدي ذات الغرض الذي تريده تلك الحملات وهي الإفساد، وحينئذ لن يكون عندهم مقاومة، فينفذ ما يريدون من آراء.

الأمر الثاني: تشجيع وتجنيد النصارى المبشرين، وهم دعاة التنصير لمحاربة تعاليم الإسلام نفسه، عن طريق الكتب والصحف ونحو ذلك.

الأمر الثالث: التعاون مع نصارى العرب، ونصارى العرب هؤلاء خطيرون جداً في تأدية هذا الدور؛ لأنهم قريبون من المسلمين من حيث اللغة، ويمكن للإنسان أن يلبس لبوس الإسلام فينشر ما يريد، وكان لهم دور كبير جداً في إفساد المسلمين، وسيأتي شيء من الإشارة إلى ذلك.

الأمر الرابع في خطة لويس التاسع : العمل على إيجاد قاعدة للغرب في قلب العالم الإسلامي، تنطلق منها الحملات الصليبية، ورشح أن تكون المنطقة التي ينطلق منها هي منطقة لبنان وفلسطين، وقال: إن هذه المنطقة هي المنطقة المناسبة، وبالفعل هذا الذي حصل فيما بعد عندما سلمت بريطانيا فلسطين لإسرائيل، والواقع التاريخي يدل على أن الغرب نفذ هذه الخطة عن طريق أربعة أجنحة:

الأول: الاستعمار والاحتلال المباشر لبلدان المسلمين.

الثاني: الاستشراق.

الثالث: التبشير، وهو التنصير.

الرابع: نصارى العرب كما سيأتي الإشارة إليه بإذن الله تعالى، أو استغلال الطوائف الموجودة عموماً سواء من النصارى أو من الباطنية أو من اليهود أو من غيرهم كما سيأتي بيانه إن شاء الله.

الاستعمار المباشر

أما الاستعمار المباشر فكما تعلمون لم يحصل إلا بعد سقوط الدولة العثمانية في عام (1924) ، فقد سقطت الدولة العثمانية رسمياً عن طريق حزب الاتحاد والترقي، الذي تكون من يهود الدونمة، هؤلاء اليهود الذين استقطبهم العثمانيون عندما حارب فرديناند وإيزابلا في الأندلس وقضيا على كثير من المسلمين، وأيضاً حاربا اليهود، فجاء اليهود إلى العالم الإسلامي فكونوا هذا الحزب، وتبعهم على هذا الحزب عدد ممن ينتسب إلى الإسلام، المهم أنها سقطت الخلافة، وحولت الخلافة التركية إلى دولة علمانية لا صلة للدين بها، وهذا الحدث صار بعد الانهزام الذي صار للدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى، فقد تعاونت الدولة العثمانية مع ألمانيا، فلما هزمت ألمانيا من جهة الحلفاء، كان من تركة الحلفاء ألمانيا وأيضاً الدولة العثمانية، وحصلت اتفاقية سميت فيما بعد باتفاقية (سايكس بيكو) اتفقوا على تقسيم العالم الإسلامي إلى مستعمرات للدول الغربية، وجاءت جحافل الدول الغربية، وحكمت هذه الدول الإسلامية حكماً مباشراً، ولأول مرة في تاريخ المسلمين يأتي الكفار ويباشرون الحكم في بلدان المسلمين، وهم كانوا يعلمون أنهم لن يستمروا في الحكم المباشر لبلدان المسلمين؛ لأن هناك عدم ارتياح من الناس لهم، ولهذا أرادوا تحقيق أهداف:

الهدف الأول: القضاء على الحركات الجهادية، مثل: وحركة مهدي السودان في السودان، حركة المهدي في السودان كانت حركة ضالة منحرفة لا تمثل الإسلام، لكن الاستعمار قضى عليها لا لأنها ضالة، بل لأنها تنتسب إلى الإسلام ولو انتساباً باطلاً؛ ولأنها تريد الحكم بالإسلام ولا تريد الاستعمار فقضى عليها، وأيضاً حركة عمر المختار في ليبيا، وحركة عبد القادر الجزائري في الجزائر، وحركة عبد الكريم الخطابي في المغرب العربي، وحركة إسماعيل الشهيد في الهند، وأيضاً قضي على الأستاذ حسن البنا في مصر، وهؤلاء عندما وصفنا أنهم أصحاب حركات جهادية لا يعني تزكيتهم أو مدحهم، لا، لنا ملاحظات على هؤلاء، لكن الاستعمار قضى عليهم من أجل أنهم يعلنون الإسلام فقط، ويرون أنه هو الذي يجب أن يطبق في حياة المسلمين، بغض النظر عن مبادئه، وهم قضوا على الدولة التركية، مع أن الدولة التركية كما سبق أن أشرنا قد تبنت التصوف، وتبنت عقيدة الماتريدية، وقضاؤهم عليها لأنها تبنت الإسلام، وليس لأن التصوف موجود عندهم كما هو المعلوم.

الهدف الثاني: إلغاء المحاكم الشرعية، والإتيان بالقوانين الوضعية بدلاً عنها، ويذكرون تاريخياً أن أول بلد ألغيت فيه الشريعة الهند، وألغيت منه الشريعة تماماً في أواخر القرن التاسع عشر الماضي، ثم بعد ذلك ألغيت الشريعة في الجزائر، ألغيت عقيب الاحتلال الفرنسي في سنة ألف وثمانمائة وثلاثين، وألغيت أيضاً في مصر عن طريق إسماعيل الخديوي وكان عميلاً لفرنسا وأتى بالقانون الفرنسي في سنة (1883)م وألغيت جميع أحكام الشريعة إلا الأحوال الشخصية، لماذا لم يغيروا الأحوال الشخصية؟ لأن الأحوال الشخصية لها مساس بحياة الناس، مثل: قضايا النكاح، قضايا الطلاق، قضايا المواريث، هذه لا يمكن أن يغيروها بسهولة، لا يستطيعون أن يغيروا الطلاق أو النكاح مثلاً فسيقولون: يجوز للرجل أن ينكح أخته مثلاً! ما يقبلها الناس، لكنهم غيروا كل شيء آخر مثل الدماء، ومثل الأعراض.. ونحو ذلك، وأبقوا الأحوال الشخصية فقط، وقننوها في كثير من البلدان.

الهدف الثالث الذي حققه الاستعمار: هو القضاء على التعليم الإسلامي، وإيجاد معاهد بديلة عنه تدرس الفكر الأوروبي، والفكر العلماني الجديد الذي صار في أوروبا، وقصة هذا الموضوع أيضاً طويلة، لقد وضعوا خططاً لذلك مثل: خطة دلوب مثلاً في مصر وغيرها، وأتوا بجامعات مثل: الجامعة الأمريكية في لبنان وغيرها، وأرادوا تربية أكبر عدد من أجيال المسلمين على هذه المبادئ، وعلى هذه الأفكار الباطلة.

ومن أهداف الاستعمار أيضاً: استخدام الطوائف غير الإسلامية وإحياؤها، مثل: النصارى فقد صارت لهم مناصب كبيرة جداً أثناء الاستعمار الفرنسي لبلاد الشام، وأيضاً الباطنية، والأقباط في مصر وهكذا، وأما دول أفريقيا فإن الاستعمار لم يخرج منها حتى جعل النصارى هم الحكام لها، في بعض البلدان نسبة المسلمين فيها (99%) ومع هذا يخرج الاستعمار ويعين عليهم حاكماً نصرانياً!

ومن أهداف الاستعمار أيضاً: تربية بعض أبناء المسلمين الذين يوافقونهم في المنهج والعقيدة على الفكر الغربي، وكانت هذه التربية هي تحقيق للشعار الذي رفعه زويمر ، وهو قوله: الشجرة يجب أن يقطعها أحد أغصانها. وتم هذا عن طريق الابتعاث إلى العالم الغربي، فقد جاء عدد من المبتعثين الذين يعظمون أوروبا ويحملون الروح الانهزامية، ويعظمون الفكر الأوروبي، بل إن بعضهم يرى أن أوروبا ما استطاعت أن تصل إلى ما وصل إليه من التقدم والحضارة إلا عندما رفضت الدين وجعلته خلفها، واتجهت نحو الإلحاد.

المستشرقون ودورهم في الطعن في دين الإسلام

الجناح الذي عملت عليه هذه الخطة الجديدة للعالم الغربي هم المستشرقون، والمستشرقون هم جماعات من الغربيين تعلموا اللغة العربية والدراسات الإسلامية، وقرءوا كثيراً في تاريخ هذه الأمة وفي حضارتها، وألفوا كتباً، وكان من أهداف هؤلاء: تشويه صورة الإسلام كما سيأتي معنا، وهؤلاء المستشرقون كانت لهم أهداف يريدون التوصل إليها، وتوصلوا إلى كثير منها، ومن أعمالهم أنهم قدحوا في حقيقة الإسلام نفسه، فمثلاً: يعتبرون أن الإسلام هو عبارة عن حركة قومية وطنية جمع بها محمد صلى الله عليه وسلم العرب، ثم لما مات محمد رجع ما كان عليه الناس قبل ذلك من الوثنية، ويصرحون هذا في كتبهم.

ومن أهدافهم أيضاً: الطعن في حقيقة القرآن، فهم يعتبرون أن القرآن هو عبارة عن إلهامات كانت تأتي إلى محمد، وأمر بعض أصحابه أن يكتبوها وقد خلطها بعضهم بكلام من عنده، وتكون من هذه الصحف المكتوبة -وهي غير موثوقة- القرآن الذي يقرؤه المسلمون اليوم، ويصرحون بهذا.

ومن أهدافهم: القدح في حقيقة النبوة، فهم يعتبرون أن النبوة عبارة عن اكتساب ذاتي، وليست من جهة الله عز وجل، يقولون: إن محمداً لقوة شخصيته ولقوة انفعالاته النفسية صار له تأثير في الناس، وهذه أصلاً فكرة فلسفية موجودة عند الفلاسفة اليونان، فهم يرون أن النبوة تكتسب، وأنه بإمكان الإنسان أن يكتسب النبوة.

وأيضاً من أهدافهم: أنهم قالوا: إن الإسلام قد انتهى دوره، وأنه استنفذ أغراضه، وأنه حركة وطنية كان لها ظروف في مرحلة معينة، وقد تمت هذه الظروف، فلا داعي للكلام عن الإسلام على أنه دين شامل للحياة، وعلى أنه هو الذي يحكم شئون الناس.

وأيضاً من أهدافهم: قولهم: إن الإسلام هو عبارة عن طقوس روحانية ونفسية تعمل في المسجد، وأما ما عداه فليس له دور في الحكم والسياسة، وهذه هي الفكرة العلمانية التي سبق أن أشرنا إليها.

وأيضاً من أهدافهم: أنهم قالوا: إن الفقه الإسلامي مأخوذ من القانون الروماني، يعني: فقه الإمام مالك وفقه الإمام أبي حنيفة وفقه الأئمة من بعدهم في الحقيقة مأخوذ من القانون الروماني، الذي كان عند الرومانيين قبل أن يتجهوا نحو النصرانية، وهذا الهدف منه هو تسهيل قبول القوانين الوضعية، ولهذا وجد من المسلمين من قال: إن القوانين الوضعية التي جاءت من بريطانيا أو جاءت من فرنسا مثلاً هي نفسها الفقه الإسلامي، فتراه يأتي إلى قانون من القوانين الوضعية ويبحث عن قول من الأقوال يشابهه في الفقه الإسلامي فيقول: هذا هو هذا، ثم يأخذ القانون الثاني، ويبحث في الفقه عن رأي من الآراء يوافقه ويقول: هذا هو هذا، وجعلوا القوانين الغربية هي نفسها الفقه الإسلامي! وقالوا: ها نحن نحكم بما أنزل الله، ولسنا كما يزعم بعض الناس أننا نحكم بغير ما أنزل الله، وهم في الحقيقة يحكمون بغير ما أنزل الله كما هو معلوم.

ومن أهداف المستشرقين: دعواهم بأن الشريعة والدين يمانع التقدم ويمانع الحضارة، وأنه يدعو إلى التخلف، وحينئذ لن يكون للمسلمين تقدم حتى يتخلوا عن هذا الدين.

ومن أهدافهم: محاولة إضعاف اللغة العربية، وإحياء اللهجات العامية والمحلية، وتجهيل أبناء المسلمين بدور اللغة، ومحاولة التشكيك في الكلمات العربية، واعتقاد أن الشعر الجاهلي مثلاً خرافة، وأنه كذب ودجل، وأنه يجب أن نحاكم القرآن والسنة مثلاً إلى المعايير الفنية المعروفة، ونحو ذلك من الكلمات التي رددوها، وأيضاً رددها من جاء بعدهم ممن اقتدى بهم.

وأيضاً من أهدافهم: التقليل من تاريخ الأمة المسلمة، والتهوين من شأنها، وفي المقابل رفع تاريخ الغرب والثناء عليه وتمجيده.

وأيضاً من أهدافهم: إثارة موضوع تحرير المرأة، وأن المرأة مزدراة محتقرة، بل إنهم يقولون: إن محمداً يأمر الناس بشيء ولا يطبقه هو، وأصبح هذا الكلام يردده بعض المنتسبين إلى الإسلام كما سيأتي بيانه إن شاء الله في لقاء آخر.

وأيضاً من أهدافهم: بعث الحركات الضالة مثل: القاديانية، ومثل: الشيعة الإثني عشرية والباطنية، ومثل: الدروز والإسماعيلية والنصيرية، وإظهارهم وتعظيمهم، حتى إن بعضهم ألف كتاباً عن الحلاج لوحده، وبعضهم ألف كتاباً عن ابن عربي وعظمه وأبرز فلسفته، ونشر فكره، وقاموا بتحقيق كتب الفرق الضالة والمنحرفة، قاموا بتحقيق ديوان ابن الفارض وقاموا أيضاً بتحقيق كتب ابن عربي ونشرها، وإعادة طباعتها مرة أخرى.

وأيضاً من أهدافهم: نبش الحضارات القديمة، ففي مصر مثلاً نبش الحضارة الفرعونية، على أنها امتداد للتاريخ المصري، أرادوا أن يشعروا المسلم أن هؤلاء هم عبارة عن أجداد لك، وحينئذ ينبغي أن تعرف تاريخهم، وأن تدرك أحوالهم، مع أن الفراعنة كما هو معلوم وثنيون أعداء للرسل كما هو معروف، لكن هم أرادوا أن ينبشوا هذه الحضارات؛ حتى يتعلق الناس بها، ولأجل هذا دعموا فكرة القوميات والوطنيات، ولهذا حولوا المنهج العلمي في البحث والتجرد إلى منهج لا ديني، وأصبح من أبناء المسلمين من يقلدهم في ذلك، فتجد أن بعضهم يقول: قال القرآن، لا يقول: قال الله تعالى، ومن المنتسبين إلى الإسلام من يقول: قال محمد ولا يقول: قال الله تعالى!

الحملات التنصيرية

الجناح الثالث: التبشير أو التنصير، وهؤلاء اجتهدوا بفتح المعاهد والكليات والمستشفيات، وأيضاً قاموا بفتح الجمعيات التي فيها دعم للفقراء؛ من أجل جذب قلوبهم ومن أجل دعوتهم إلى النصرانية والتأثير عليهم، وأصبح الآن في هذا الزمان نشر التنصير عن طريق المستشفيات، وعن طريق الشركات، وعن طريق بعض الأماكن كالفنادق مثلاً، يوجد فيها بعض العمالة التي تكون من النصارى أو من غيرهم من الوثنيين، وهؤلاء المنصرون أصبح لهم في هذا الزمن أقمار صناعية تبث على مدار أربعة وعشرين ساعة تغطي الكرة الأرضية بأكملها، بأكثر لغات العالم، وأصبحوا يدعون المسلمين العرب إلى النصرانية، ويدعون غير العرب، ويدعون بلغات متعددة إلى هذه العقائد، وكثير من الدول الغربية تتبنى هؤلاء المنصرين، بل إنهم في بعض الأحيان قد يأتي أحد من المنصرين ويطلب التفرغ للعمل في التنصير، فيفرغ من عمله ويبقى راتبه يجري، وهو مفرغ لهذا العمل الخبيث.

نصارى العرب ودورهم في نشر المذاهب الكفرية الغربية في العالم الإسلامي

نصارى العرب كان لهم دور سيئ جداً في نشر هذه المذاهب وهذه الأفكار، عن طريق تكوين الجمعيات والأحزاب المرتبطة بالغرب المدعومة منهم، مثل: جمعية بيروت التي كان يشرف عليها فارس نمر ، وجمعية الوطن العربي التي كان يشرف عليها نجيب عازوري ، وجمعية العربية الفتاة، وأيضاً الحزب القومي السوري الذي كان يشرف عليه أنطوان سعادة ، وأيضاً حزب البعث العربي الاشتراكي الذي أسسه ميشيل عفلق ، وهو نصراني معروف.

أيضاً اتجه نصارى العرب للصحافة، وصارت لهم صحف ينشرون فيها أفكارهم، وينشرون فيها هذه المذاهب، مثل: صحيفة الجنان مثلاً، والمقتطف، والهلال.. ونحو ذلك، ومن أبرزهم وأشهرهم الشاعر ناصيف اليازجي ويعقوب صروف ، وجرجي زيدان ، وأحمد فارس الشدياق ، وإن كان بعض الناس يقول: إن أحمد فارس الشدياق أسلم والله أعلم، وبطرس البستاني ولويس شيخو وشبلي شميل ، وشبلي شميل هذا رجل يؤمن بالداروينية، يعني: يؤمن بفكرة دارون أن الإنسان أصله يرقة كانت موجودة ثم تطورت حتى صار قرداً، ثم تطور حتى صار إنساناً، ويبثها من خلال كتاباته ومن خلال مقالاته التي ينشرها، ومثل سلامة موسى وغيرهم من النصارى الذين كان لهم دور كبير في نقل هذه المذاهب وفي تقريرها في العالم الإسلامي، ويمكن مراجعة كتاب (الإسلام والحضارة الغربية) للدكتور محمد محمد حسين ، وكتاب (حصوننا مهددة من داخلها) له أيضاً، وكتاب (أزمة العصر) له أيضاً، وكتاب (الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر) لنفس الدكتور، وغيرهم ممن كتب عن هذه المرحلة وبين أثرهم، مثل كتاب (المخططات الاستعمارية لمكافحة الإسلام) لـمحمود الصواف رحمه الله، وأيضاً كتابات الأستاذ أنور الجندي له كتاب اسمه (جيل العمالقة في ميزان الإسلام) ويقصد بالعمالقة هؤلاء الذين اشتهروا في فترة من الفترات وصارت لهم كتابات ولهم صحف ولهم رواج ولهم تأثير في حياة المسلمين، وهم الذين نقلوا هذه المذاهب إلى بلدان المسلمين، وتكلم عليهم بشكل مفصل.

الأسئلة

حقيقة الحروب الصليبية

السؤال: ما هي الحروب الصليبية؟ ولماذا سميت بذلك؟ وما هو أثرها على العالم الإسلامي؟

الجواب: هذا بحث طويل، الحروب الصليبية كانت بسبب أن الكنيسة كانت تؤلب الأباطرة النصارى من أجل جمع القوات لمحاربة المسلمين، فصارت الحرب الصليبية الأولى والثانية، والخطة الجديدة للحرب الصليبية الجديدة هي ما سبق أن أشرنا إليه.

واجب المسلم تجاه الغزو الغربي

السؤال: ما هو الواجب على المسلم أن يفعل تجاه هذا الزخم الهائل من الغزو أو الجَرف الهائل من الغزو؟

الجواب: الواجب على المسلم التزام الإسلام في ذاته، وتربية الإنسان لنفسه على الإسلام وعلى التقوى وعلى الإيمان، ثم دعوة من يستطيع إلى دين الله سبحانه وتعالى، بحسب قدراته وبحسب إمكاناته، وبحسب الظروف المتاحة لديه، فالذي يستطيع مثلاً: أن يعلم المسلمين حقائق الإسلام بأحسن أسلوب وأطيب منطق، عن طريق الخطابة والمحاضرات فليفعل، والذي يستطيع أن يؤلف فليؤلف، والذي يستطيع أن يلقي دروساً فليفعل، والذي يستطيع أن يجلس مع بعض المسلمين لبيان الحق لهم فليفعل.

إذاً: نجتهد جميعاً وكل يؤدي دوراً، هذا يؤدي دوراً، وهذا يؤدي دوراً، وهذه الأدوار إذا اجتمعت سيكون لها تأثير كبير جداً في حياة المسلمين، والمسلمون لم يقتلهم إلا السلبية أو التهور، عندنا هاتان المشكلتان: السلبية وهو الضعف والخوف، وعدم نصح المخطئ، وعدم توضيح الحق للإنسان، وعدم وجود الشجاعة الأدبية في توضيح الحق للإنسان، وإذا وجد صاحب المنكر يتهيب كثير من الناس أن ينصحه، مع أن النصيحة لا يردها أحد، وأنت لست خاسراً، وهو ليس خاسراً، بل أنت رابح وهو مثلك، وحينئذ أي إنسان يراه الداعية يقترف منكراً من المنكرات يجب عليه أن ينصحه وأن يذكره بالله، أن ينصح الشباب الذين يستمعون إلى الأغاني أو ينظروا إلى الأفلام الجنسية، كذلك ينصح الذين يجلسون في أوقات الصلوات عند المسجد ولا يحضرون الصلاة جماعة، أن تنصح أخاك وأمك في البيت، وكل من تستطيع، فهذه ستؤثر تأثيراً كبيراً بإذن الله تعالى، والمدرس ينصح طلابه، والصحفي يكتب مقالاً كريماً طيباً يدعو فيه إلى الله عز وجل، والذي يستطيع أن يؤلف فليؤلف، وهكذا هذه الجهود تتكاتف وتتعاون، وبإذن الله ترفع الغربة عن المسلمين، ولا يمكن أن ترفع الغربة عن المسلمين إلا بجهودنا نحن، ولا يمكن أن ترفع الغربة عن المسلمين إلا بهذه الطريقة.

المشكلة الثانية: هي مشكلة التهور، والحماس غير المنضبط، فإن الحماس غير المنضبط ليس بصحيح؛ لأنه يضر الدعوة أكثر مما ينفعها، ويمكن العدو منها، لكن الدعوة المنضبطة العاقلة ستنفذ في الناس وستؤثر فيهم، وسيقبلها الناس بإذن الله تعالى إذا وجد من أتباعها نشاط وبذل وعقيدة صحيحة بإذن الله تعالى.

يقول الشاعر:

لكل ساقطة في الحي لاقطةوكل كاسدة يوماً لها سوق

هذا الكاسد والساقط والذي لا خير فيه يجد له سوقاً، ويجد له لاقطاً، فكيف بالكلام الرباني الحق الصحيح الذي يلامس شغاف القلوب، سيكون له تأثير أكبر بإذن الله تعالى في حياة الناس.

وجه إطلاق كلمة مبشرين على المنصرين

السؤال: بعض الإخوان ينتقد كلمة مبشرين؟

الجواب: صحيح أنهم منصرون، لكن هذه الكلمة راجت وفهم منها أن المقصود بالمبشرين الذين يبشرون بدينهم الباطل، والأولى أن نستخدم كلمة منصرين.

المقصود بالسلفية والسلفيين

السؤال: من هم السلفيون؟ ومن مؤسسهم؟

الجواب: مؤسس السلفية الرسول صلى الله عليه وسلم، ليس لهم مؤسس آخر، والسلفيون المقصود بهم أتباع السلف الصالح رضوان الله عليهم، فهم كل مسلم ومسلمة متبع لطريقة السلف الصالح رضوان الله عليهم، وهم الصحابة والتابعون ومن جاء بعدهم، وحينئذ ليس لهم مؤسس، وهم ليسوا اجتماعاً عضوياً كجماعة عضوية، وإنما هم اجتماع وصفي، فيمكن للإنسان أن يكون سلفياً هنا أو هناك، ويمكن أن يكون معه مجموعة، ويمكن أن يكون ليس معه أحد، ويمكن أن يعرفه الناس، ويمكن ألا يعرفه أحد، فليست السلفية حزباً مجتمعاً في مكان واحد كما هو المعروف عن الأحزاب، وإنما السلفية وصف لمتبع الحق الذي كان عليه الصحابة رضوان الله عليهم ومن سار على منهجهم.

نكتفي بهذا، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , المذاهب والفرق المعاصرة - العلمانية للشيخ : عبد الرحيم السلمي

https://audio.islamweb.net