إسلام ويب

أثبت القرآن الكريم حياة القبر، وتواترت النصوص من السنة على إثباته بتفصيل أكثر، من حيث ذكر النعيم فيه وأنواعه، والعذاب فيه وأنواعه، وأسباب كل من النعيم والعذاب، كما بينت السنة مصير أولاد المسلمين والمشركين الذين ماتوا قبل البلوغ، فأولاد المسلمين في الجنة، وأولاد المشركين اختلف فيهم أهل العلم على أقوال.

تلازم الكتاب والسنة في الدلالة على الدين وحفظ الله لهما

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن والاه. وبعد:

فلا زلنا مع الإمام البخاري شيخ المحدثين، وطبيب الحديث في علله، في كتابه الجامع الصحيح، ومع كتاب الجنائز، وباب: ما جاء في عذاب القبر.

سبق أن من منهج الإمام البخاري في صحيحه: أنه يستدل بآيات من القرآن الكريم قبل الأحاديث ليجزم بالحكم الذي يريد، فهو قد علم سلفاً أنه سيخرج في الأمة من ينكر عذاب القبر، ويدعي أنه لم يصح فيه حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، أو أنه من خبر الآحاد الذي يرد، فأراد أن يحسم القضية فجاء بالآيات القرآنية الدالة على عذاب القبر؛ ليبين أن عذاب القبر يثبت بالكتاب قبل السنة، وإن كان الكتاب والسنة هما مصدرا التشريع، والشيخ الألباني -وهذا رأي له اعتباره وقيمته وصحته- يرى أن القرآن والسنة يحتلان المصدر الأول للتشريع، ليس القرآن ثم السنة كما يقول البعض: المصدر الأول القرآن، والمصدر الثاني السنة، إنما القرآن والسنة هما مصدرا التشريع؛ لأن الذي ينظر في الحكم الفقهي ينبغي أن ينظر في القرآن ثم ينظر في السنة؛ لأن السنة تقيد المطلق، وتخصص العام، وتوضح المجمل وقد تنفرد بحكم.. إلى غير ذلك، ولذلك قال بعض السلف: (حاجة القرآن إلى السنة أكثر من حاجة السنة إلى القرآن)؛ لأن القرآن بلا سنة يصبح كتاباً مبهماً في كثير من جوانبه، مثل: وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ [البقرة:43]، كيف؟ من الذي وضح الصلاة؟ السنة، وَآتُوا الزَّكَاةَ [البقرة:43] إجمال، فلابد لنا أن ننظر إلى السنة لنعرف كيف نقيم الصلاة، وكيف نؤتي الزكاة، وكيف نحج البيت، فمعنى ذلك: أن السنة تفصل القرآن وتبين مجمله، فلا غنى للقرآن عن السنة بحال، ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ولن يفترقا حتى يردا علي الحوض)، والذي ينادي بعزل السنة والاكتفاء بالقرآن في واقع الأمر إنما ينادي بنزع الدين من الأمة؛ لأن القرآن بلا سنة لا معنى له إلا في القليل، ولذلك في السارق يقول الله عز وجل: وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا [المائدة:38]، السرقة لها نصاب يوجب القطع، وهناك شروط للسارق حتى يتم القطع، وشروط في المكان المسروق منه، من الذي حدد ذلك؟ إنها السنة، ولذلك يقول ربنا: وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ [النحل:44]، (يوشك رجل شبعان متكئ على أريكته)، وقوله: (شبعان) يشير إلى أنه من أهل الترف، يأكل ما لذ وطاب (متكئ على أريكته) يشير إلى أنه من أهل الخمول، قابع في بيته لا يسافر إلى طلب العلم ولا لطلب الرزق، وإنما (متكئ على أريكته، يأتيه الأمر من أمر النبي صلى الله عليه وسلم، فيقول: ما وجدنا هذا في كتاب الله)، وهذا موجود الآن بيننا، ثم يقول صلى الله عليه وسلم: (ألا إن ما حرم رسول الله مثلما حرم الله، ألا إني أوتيت القرآن ومثله معه، ولن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض)، لذلك حفظ الله القرآن والسنة، فقال: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، من كمال حفظ القرآن أن يحفظ الله السنة؛ لأنه بدون حفظ للسنة يضيع القرآن، ومن هنا كان علم الجرح والتعديل، وكان علماء الحديث يقفون للأحاديث الموضوعة والضعيفة بالمرصاد فيبينون الضعيف من الصحيح، وكان ما كان من جهدهم في بيان هذا.

باب ما جاء في عذاب القبر

قال البخاري رحمه الله بعد أن استدل بآيات من كتاب الله على عذاب قبر، قال:

[ أخبرني عروة بن الزبير أنه سمع أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما ]. حينما تقول: أسماء بنت أبي بكر تقول: رضي الله عنهما، عن أسماء وعن أبيها.

[ (قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً بين الناس، فذكر فتنة القبر التي يفتتن فيها المرء، فلما ذكر ذلك ضج المسلمون ضجاً) ]، من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يخطب الناس خطباً راتبة وخطباً عارضة، والراتبة هي الجمعة، تتكرر في كل أسبوع، وخطبة العيد في كل سنة في الفطر والأضحى، والخطب العارضة هي التي ليس لها صفة الاستمرارية كخطبة الكسوف، فهو يخطب إذا انكسفت الشمس، وخطبة الاستسقاء، وفي حجة الوداع خطب في عرفة وفي يوم النحر، وأيام التشريق صلى الله عليه وسلم أربع أو خمس خطب كما تروي كتب السنة، وكان يخطبهم أحياناً بين الحين والآخر في القبور، وكان متكئاً فجلس، وخط خطاً بيمينه على الأرض ثم بين لأصحابه، وكان يخطب وهو يركب الناقة عليه الصلاة والسلام يعظ من خلفه عليه الصلاة والسلام.. إلى غير ذلك. ومن هذه الخطب العارضة أنه قام خطيباً عليه الصلاة والسلام مرة فذكر فتنة القبر، وبين أن المؤمن يفتن في قبره، فلما ذكر ذلك ضج المسلمون في المسجد خوفاً من عذاب القبر ومن فتنة القبر.

ثم روى البخاري رحمه الله من طريق أنس بن مالك رضي الله عنه أنه حدثهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن العبد إذا وضع في قبره وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم).

وفي هذا حجة لمن استدل على أن النعال لا تخلع في المقابر؛ لأن بعض العلماء قالوا: لابد من خلع النعال في المقابر ولهم أدلة، فرد الفريق المخالف واستدل بحديث البخاري وفيه: (أنه يسمع قرع النعال)، وهذا يشير إلى أن الميت يسمع صوت النعال على الأرض.

[ (أتاه ملكان فيقعدانه فيقولان) ]. من مات محروقاً أو غريقاً أو في طائرة أو على فراشه كلهم سواء؛ لأن القبر مستقر الروح، فليس شرطاً أن يقبر في الأرض؛ لأن البعض يقول: كيف يسأل من يموت في الهواء؟ لا. القبر هو المستقر النهائي له، سواء مات في الهواء أو في الأرض.

قال: [ (أتاه ملكان فيقعدانه، فيقولان: ما كنت تقول في هذا الرجل محمد صلى الله عليه وسلم؟ فأما المؤمن فيقول: أشهد أنه عبد الله ورسوله. فيقال له: انظر إلى مقعدك من النار) ]. يرى مقعده من النار وهو في قبره ويعاين المقعد، ثم يقال له: [ (قد أبدلك الله به مقعداً من الجنة، فيراهما جميعاً) ]. يعني: يرى مقعده في النار ويرى مقعده في الجنة.

[ قال قتادة : وذكر لنا أنه يفسح له في قبره -ثم رجع إلى حديث أنس -: (وأما المنافق والكافر فيقال له: ما كنت تقول في هذا الرجل؟ فيقول: لا أدري، كنت أقول ما يقول الناس. فيقال: لا دريت ولا تليت، ويضرب بمطارق من حديد ضربة فيصيح صيحة يسمعها من يليه غير الثقلين) ]. والحديث دليل على أنه يفتن في قبره، أما المؤمن فيجيب: يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ [إبراهيم:27] يجيب بثبات، أما المنافق فلا يدري ما يقول، وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ[إبراهيم:27]، فتضربه الملائكة ضربة.

قد يقول بعض الناس: مازلتم تحدثون الناس عن عذاب القبر ويهزءون بعذاب القبر، لذلك عذاب القبر من الدين ومن عقيدة المؤمن، ولذا قام النبي صلى الله عليه وسلم خطيباً بعذاب القبر، فنحن حينما نتحدث عنه إنما أسوتنا النبي عليه الصلاة والسلام، تجد أن البعض الآن يهزأ من هذا، ويقول: العلماء ليس لهم حديث إلا عذاب القبر والثعبان الأقرع، ويحضرون صورة جمجمة ويهزءون بها، واقع الأمة مرير وهم يتحدثون عن عذاب القبر! يا عبد الله! وظيفة الأنبياء هي الترغيب والترهيب، وبدون الترهيب لا يمكن للمؤمن أن يعمل، فهذا حافز للعمل.

باب التعوذ من عذاب القبر

يقول البخاري رحمه الله بعد أن دلل على عذاب القبر بالقرآن والسنة، عاد ليقول:

[ باب: التعوذ من عذاب القبر ]. التعوذ يعني: الاستعاذة.

من حديث أبي أيوب : (خرج النبي صلى الله عليه وسلم وقد وجبت الشمس -يعني: إلى الغروب- فسمع صوتاً، فقال: يهود تعذب في قبورها).

وفي الحديث: (أنها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتعوذ من عذاب القبر).

وحديث أبي هريرة العمدة في الباب: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو: اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ومن عذاب النار، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) كان يتعوذ في كل صلاة من هذه الخمس.

باب عذاب القبر من الغيبة والبول

قال البخاري رحمه الله: [ باب: عذاب القبر من الغيبة والبول ].

بعد أن أثبت البخاري عذاب القبر بالأدلة بدأ يذكر أسباباً له، فقال: (باب: التعوذ من عذاب القبر. وباب: عذاب القبر من الغيبة والنميمة)، يعني: ما هي الأسباب المؤدية لعذاب القبر. والغيبة: أن تذكر أخاك بما يكره، وكذلك البول. ومعنى البول: عدم الاستنزاه من البول أو الاستتار.. كل هذا من أسباب عذاب القبر.

ثم روى البخاري رحمه الله من طريق ابن عباس : (مر النبي صلى الله عليه وسلم على قبرين فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، ثم قال: بلى) يعني: بلى إنه لكبير، حتى لا يفهم البعض أنه ليس من الكبائر.

قال ابن القيم رحمه الله: يعني: أي: يعذبان في أمر كان من اليسير عليهما أن يتجنباه. يعني: لا يعذبان في أمر كبير شاق عليهما، وإنما يعذبان في أمر كان من اليسير عليهما أن يتجنباه، وإنما هو كبير عند الله عز وجل.

[ (أما أحدهما فكان يسعى بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من بوله. قال: ثم أخذ عوداً رطباً فكسره باثنتين، ووضع كل واحدة منهما على قبر، ثم قال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا) ].

وقد شرحت هذا الحديث من قبل، وبينت أن هذه الخاصية للنبي صلى الله عليه وسلم، وخاصية لهذين القبرين؛ إذ لم يؤثر عنه أنه كان يضع الجريد على كل القبور، ولم يؤثر عن الصحابة أنهم كانوا يضعون الجريد على القبور، هذا أولاً.

ثانياً: أن الله سبحانه وتعالى أطلعه بهذين القبرين أنهما يعذبان، ولذلك جاء بجريدة وشقها إلى نصفين تبركاً بفعله عليه الصلاة والسلام.

ولعل هناك من يسأل: أنا لن آتي بجريدة وإنما سآتي بنخلة وأضعها على قبر أبي، فهل تشفع له النخلة؟ حتى لو جئت بشجرة، فرق بين يدك وبين يدي النبي عليه الصلاة والسلام.

ثالثاً: أن الله عز وجل أوحى إليه أنهما يعذبان، فلذلك من يضع الجريدة على قبر كأنه يعلن للناس أن القبر يعذب، وهذا سوء ظن بالميت، فأقول: هذه خاصية للنبي عليه الصلاة والسلام لاسيما أنه لم يكرر هذا الفعل إلا مع هذين القبرين.

وفي الحديث: أن من أسباب عذاب القبر الغيبة وعدم الاستتار من البول، والنميمة والغيبة صنوان، ومع هذا بينهما عموم وخصوص، وربنا عز وجل يقول: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ [القلم:10-11]، ينم وينقل الكلام من جهة إلى جهة بغرض الإيقاع بين الناس، وإيغار الصدور، وهذه مشكلة ومرض خطير. قال رجل لـعمر بن عبد العزيز : (فلان وقع في عرضك وقال عنك كذا. فقال: أيها الرجل! إن كنت كاذباً فيما تقول فأنت من الذين قال الله فيهم: هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ ، وإن كنت صادقاً فيما تقول، فأنت من الذين قال الله فيهم: إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا [الحجرات:6] فأنت في الحالتين كاذب. فقال: العفو يا أمير المؤمنين)، فهذا معناه أنه حينما يأتيك أحد يقول لك: فلان يقول فيك كذا، لابد أنه كما قال لك قال لغيرك، لابد أن يتعلم الأدب في عدم نقل الحديث من طرف إلى طرف، وهذا مرض ينتشر بيننا. بعض الناس هذه وظيفته ليل نهار، حتى أن الصدور تضيق بالنقل، فلا تفعل هذا، هذه نميمة حتى وإن كنت صادقاً فلا يحسن بك أن تنقل الكلام لغرض الوقيعة وإيغار الصدور، هذه نميمة يا عبد الله فضلاً عن الغيبة، ولذلك كانت أحد أسباب عذاب القبر.

باب الميت يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي

قال البخاري رحمه الله: [ باب: الميت يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي].

من طريق ابن عمر : (إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار، فيقال: هذا مقعدك حتى يبعثك الله يوم القيامة) ].

يعني: يعرض عليه المقعد وهو في قبره للجنة أو للنار؛ لأن الله عز وجل خلق لكل مخلوق مقعده في الجنة ومقعده في النار. يعني: النار على حسب عدد البشر والجنة كذلك.

هل المشركون سيدخلون النار أو الجنة؟ هناك فتوى تقول: من مات في كنيسة فلسطين من أهل الكتاب مات شهيداً! وربنا يقول: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ [المائدة:72].

وهو يقول: يموت شهيداً؟! إذاً: المشركون في النار، وسيتركون أماكنهم في الجنة ليرثها المؤمنون: وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الأعراف:43]، الميراث في الجنة على قدر العمل، ودخول الجنة ابتداءً برحمة الله، لذلك وفق شيخ الإسلام ابن تيمية بين النصوص، فقال في حديث: (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله): الباء هنا باء مقابلة وعوض -يعني: عوض عن عمله الجنة- إنما الباء في قوله: وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ [الأعراف:43] باء سببية. والمعنى: أن الباء هنا لها معنى، والباء هناك لها معنى آخر. دخول الجنة ابتداء برحمة الله، والميراث فيها بقدر العمل، فلا تناقض بين النصوص أبداً، قال صلى الله عليه وسلم: (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله)، يعني: لن يصل به العمل إلى أن يكون عوضاً له الجنة، وإنما الجنة برحمة الله، لذلك يقول علماء السنة: إن أدخلنا الجنة بفضله وإن أدخلنا النار بعدله، لذلك في مقام الحسنات يعاملنا سبحانه بالفضل، وفي مقام السيئات يعاملنا بالعدل: مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا [الأنعام:160] فضل أم عدل؟ فضل: وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ [الأنعام:160] فضل أم عدل؟ عدل. لا توجد سيئات فهو عدل، وفي الحسنات فضل، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا المقام: (لن يدخل أحدكم الجنة بعمله)، أي: أن العمل لا يساوي الجنة، والله لو ظللت ساجداً طوال عمرك لله راكعاً مستغفراً لن توازي النعم التي أسداها لك.

وفي ذلك يقال: لا كبيرة إذا قابلك فضله، ولا صغيرة إذا قابلك عدله. والمعنى: أنه إذا عاملك بالفضل فإن الكبيرة تغفر، وإذا عاملك بالعدل فإن الصغيرة تحاسب عليها.

باب كلام الميت على الجنازة

قال البخاري رحمه الله: [ باب: كلام الميت على الجنازة ].

معناه: أن الميت يتكلم، ولكن يتكلم بلسان الحال أم بلسان المقال؟ هذا اختلاف بين العلماء، هل يتكلم بكلام حقيقي دون أن يسمع؟ فهناك من يتكلم ولا نسمعه، كحديث: (ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي ملكان: اللهم أعط منفقاً خلفاً، اللهم أعط ممسكاً تلفاً)، فهل تسمع هذا النداء؟! وحينما ينادي في القبر لا تسمعه، فهناك كلام لا نفقهه، ولذلك هل كلام الميت بلسان الحال أم بلسان المقال وبالفعل؟ خلاف بين العلماء. منهم من قال: يتكلم لكن الحي لا يسمعه. ومنهم من قال غير ذلك.

قال: [ من طريق أبي سعيد قال صلى الله عليه وسلم: (إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم) ]. هذا الحديث يكرره البخاري ، وقد أورده البخاري في كتاب الجنائز في باب: حمل الرجال للجنازة دون النساء. إذاً: فالذي يحمل الجنائز هم الرجال، والنساء لا يحملن، ولابد أن يحملها الرجال، وقد كنت في بعض بلادنا فرأيتهم لا يضعون الجنازة على أعناق الرجال، إنما توضع في السيارة ويغلقون أبوابها، فإذا بالسيارة من جهة والمشيعون من جهة ويلتقون إلى المقبرة، فبمجرد أن تنزل الجنازة إذا بهم يدفنونها سريعاً لأننا في عصر السرعة، فلا أحد عنده وقت ليقف على القبر أو ليتعظ، ففي ثلاث دقائق تنطلق السيارة ويفتح القبر، ويغلق الباب، ويوضع القفل، شكر الله سعيكم! هكذا في بعض البلاد. لا متابعة للجنازة، ولا يحملها الرجال، عصر السرعة في كل شيء!

ولذلك قال البخاري : [ (إذا وضعت الجنازة فاحتملها الرجال على أعناقهم، فإن كانت صالحة قالت: قدموني قدموني. وإن كانت غير صالحة، قالت: يا وليها أين تذهبون بها؟ يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق) ]. والمعنى: أن الجنازة تتكلم بلسان المقال أو بلسان الحال، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: (يسمعها كل شيء)، يثبت أنها تتكلم، وكذا قوله: (ولو سمعها الإنسان لصعق).

باب ما قيل في أولاد المسلمين

قال البخاري رحمه الله: [ باب: ما قيل في أولاد المسلمين].

قال أبو هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث كانوا حجاباً من النار أو دخل الجنة).

ثم قال: قال صلى الله عليه وسلم: (ما من الناس مسلم يموت له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث إلا أدخله الله الجنة بفضل رحمته إياهم).

لما توفي إبراهيم عليه السلام قال صلى الله عليه وسلم: (إن له مرضعاً في الجنة) ].

يريد البخاري أن يحسم هنا أن أطفال المسلمين الصغار الذين يموتون قبل التكليف في الجنة، مات وعنده سنة أو سنتان أو ثلاث أو قبل أن يفطم أو قبل أن يبلغ، فلابد أن تعلم أنه في الجنة، قال صلى الله عليه وسلم لما مات إبراهيم ، وقد مات وعمره ستة عشر شهراً على الراجح قال: (إن له مرضعاً في الجنة).

فأولاد المسلمين لا خلاف بين العلماء أنهم في الجنة، لذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (ما من الناس مسلم يموت له ثلاثة من الولد) والولد يشمل الذكور والإناث، وفي حديث (قالوا: واثنان؟ قال: واثنان)، وفي حديث: (ولو سئل عن الواحد لقال: نعم)..

يقول: [ قال صلى الله عليه وسلم لما مات إبراهيم : (إن ابني مات على الثدي) ]. يعني: مات وهو في مدة الرضاعة.

[ (وإن له مرضعاً في الجنة) ]. يعني: له مرضعة في الجنة، وهذا يدل قولاً واحداً على أن إبراهيم في الجنة، وكل أولاد المسلمين الذين ماتوا قبل التكليف في الجنة.

باب ما قيل في أولاد المشركين

قال البخاري رحمه الله: [ باب: ما قيل في أولاد المشركين ].

بعد أن حسم مسألة أولاد المسلمين جاء بأولاد المشركين، لكن انتبه من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث وهو سن البلوغ؛ وسن البلوغ هو الحنث لأنه بمعنى الإثم، ومنه قوله تعالى: وَكَانُوا يُصِرُّونَ عَلَى الْحِنثِ الْعَظِيمِ [الواقعة:46]، معناه: أن الولد لم يبلغ الحنث. يعني: دون التكليف، فيكلف في البلوغ.

سؤال: قبل البلوغ ما الذي يجري من الأقلام: أقلم السيئات أم قلم الحسنات؟ الحسنات فقط، أما السيئات فلا. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: (علموا أولادكم الصلاة لسبع)، فإن صلى الولد وهو ابن سبع سنين يثاب، لكن إن ترك الصلاة لا يعاقب، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة: عن الصبي حتى يبلغ)، والقلم هنا قلم السيئات، رفع القلم عنه حتى يحتلم، والمعنى: أنه إن جاء قبل الحلم بشيء أو بمعصية لا يأثم؛ لأن هذا دون التكليف، إنما هو محاسب بعد التكليف.

وعلامات البلوغ عند الرجال تختلف عن علامات البلوغ عند النساء، فيبلغ الصبي بثلاثة أمور: الاحتلام، وإتمام خمسة عشر سنة، وظهور الشعر الخشن حول القُبل، وتزيد المرأة بشيء رابع وهو الحيض، والحيض أقله تسع سنين، إنما ممكن أن تحيض على أكثر، ممكن أن تحيض بعد الخامسة عشر.

الشافعي يقول: رأيت جدة في مصر -عندما نزل مصر- عمرها إحدى وعشرين سنة. قالوا: حاضت في تسع، ثم تزوجت بعد حيضها. أما نداءات: لا للزواج المبكر. فيقال لهم: نعم للزواج المبكر، ماذا تريدون للأمة بعد ذلك؟ وهل يجد أي شخص أن يتزوج؟ وهؤلاء يقولون: لا للزواج المبكر! أقول: تزوجت في سن تسع بعد حيضها، ثم حملت وأنجبت بنتاً، حاضت هي الأخرى لتسع، فأصبحت بنت الأم عمرها تسع سنوات، وعمر الأم ثمانية عشر، والبنت حاضت، ثم تزوجت وأنجبت هي الأخرى فأصبحت جدة وعمرها واحد وعشرون سنة، وأخرى عمرها واحد وأربعون عاماً ولم تتزوج إلى الآن.. هذا هو واقع الأمة المؤلم.

ويقال: لا تحيض لستين إلا قرشية. تظل تحيض إلى ستين سنة؛ ولذلك تلد بعد الخمسين، تبلغ خمسة وخمسين ومازالت تلد، ولهذا في إسرائيل جن عقل شارون فهو يقتل للمرأة الفلسطينية ثلاثة وأربعة أولاد وهي مازالت تنجب، هو ينهي وهي تلد، والجيل اليهودي ينقرض، والجيل الفلسطيني المسلم يزيد، المرأة الفلسطينية ولادة، وهذا معناه أنك لا تستذل هؤلاء، السكان عندنا مشكلة لابد أن تواجه! وهم في الحقيقة ثروة يجب أن تسخر وتستغل، ولذلك يقول الله عز وجل: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا * وَجَعَلْتُ لَهُ مَالًا مَمْدُودًا * وَبَنِينَ شُهُودًا [المدثر:11-13]، إن البنين عز فهو يمشي وحوله عشرة، يا محمد يا إبراهيم يا علي يا محمود يا أحمد. عز وهو يمشي وحوله عشرة، أما الآخر حسنين ومحمدين، مات حسنين بقي محمدين أرأيتم المصيبة، لكن انظر إلى كثرة الأولاد طالما تستطيع أن تربيهم تربية صحيحة وتستغلهم استغلالاً حميداً، ولو أن عدد مصر مائة مليون افتحوا الصحراء لزراعة القمح وعمروها بدلاً من استيراد القمح، حتى نملك القرار، اجعلوا الشباب ينتج، المورد البشري لابد من استغلاله أفضل استغلال، اكتفينا فقط ببطالة مقعنة، خمسة على مكتب. هذا ليس من العدالة في التوزيع.

قال: [ باب: أولاد المشركين ]. أما أولاد المشركين ففيهم آراء:

الرأي الأول: أنهم يمتحنون في الآخرة، وهذا ما مال إليه ابن القيم ، أي: أن الله عز وجل ينشئ لهم ناراً فيأمرهم بدخولها، فإن دخلوها أدخلهم الله الجنة، وأولاد المشركين كشأن من لم يسمع بالدعوة كأهل الفترة.

الرأي الثاني: أنهم خدم لأهل الجنة، الحديث صح عند البعض: (إن أولاد المشركين خدم أهل الجنة)، أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

الرأي الثالث: أنهم في النار تبعاً لآبائهم؛ لحديث: (الله أعلم بما كانوا يعملون).

لكن الراجح من أقوال العلماء أنهم يمتحنون في الآخرة أو أنهم من أهل الجنة، وهذا اختيار النووي وغيره؛ لحديث: (سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أولاد المشركين، فقال: الله إذا خلقهم أعلم بما كانوا عاملين)، وفي الحديث الآخر قال: (سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذراري المشركين، فقال: الله أعلم بما كانوا عاملين).

ثم: (كل مولود يولد على الفطر)، معنى هذا: أن البخاري لم يحسم المسألة برأي، إنما لمح فيها برأي: أن أولاد المشركين يولدوا على الفطرة، يعني: على التوحيد، فإن مات مات موحداً.

(فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه، كمثل البهيمة تنتج البهيمة، هل ترى فيها من جدعاء؟)، ثم أورد ابن حجر عشرة آراء للعلماء في أبناء المشركين، بعضهم اختار الجنة، والبخاري توقف في المسألة، لكن ابن القيم يرى أنهم يختبرون، ومن الآراء: أنهم تحت مشيئة الله، أنهم تبع لآبائهم، أنهم يكونون في برزخ بين الجنة والنار، أنهم خدم أهل الجنة، أنهم يصيرون تراباً، أنهم في النار، أنهم يمتحنون، التوقف، الإمساك. إذاً: عشرة آراء للعلماء في أولاد المشركين، أرجحها وأقواها أنهم يمتحنون في الآخرة، ويميل البعض إلى أنهم في الجنة إن صح الحديث.

باب في أبناء المشركين

قال البخاري رحمه الله: [ باب ].

ولم يضع عنواناً للباب، فمن منهج البخاري في التبويب إما أن يعقب المسألة بحكم، فيقول: باب وجوب كذا، باب استحباب كذا، وإن لم ير فيها حكماً يتوقف، فيقول: باب ما قيل في أولاد المشركين، هل حسم المسألة؟ لا؛ لأنها عنده لم تحسم المسألة.

فقوله: [ باب ] بدون ذكر عنوان له كأنه لم ير في هذا حكم ينتهى إليه لا بالوقوف ولا بغير الوقوف ولا بالتبويب، وأبواب البخاري وضعها وهو في روضة النبي صلى الله عليه وسلم، وكان يصلي قبل كل تبويب ركعتين، فبمجموع الأبواب يكون عدد الركعات 3150 ركعة، قبل أن يضع عنوان الباب يصلي لله ركعتين في الروضة المباركة، ثم يفتح الله عليه فيضع عنوان الباب، هؤلاء هم الرجال!

قال: [ عن سمرة بن جندب : (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة أقبل علينا بوجهه) ]. وهذا من فقه الإمام بعد كل صلاة، أن يقبل على الناس بوجهه.

[ (ثم يقول: من رأى منكم الليلة رؤيا؟) ]. في صلاة الفجر، والحديث أيضاً أعاده البخاري في كتاب التعبير؛ لأن من رأى الرؤيا يكون عنده في الفجر صفاء.. ما زال يذكر، وصفاء للمعبر، فالفجر أقرب الأوقات إلى الرؤيا، فبعد صلاة الفجر كان يسألهم عليه الصلاة والسلام: (من رأى منكم الليلة رؤيا؛ فإن رأى أحد قصها، فيقول: ما شاء الله، فسألنا يوماً فقال: هل رأى أحد منكم رؤيا؟ قلنا: لا. قال: لكني رأيت الليلة رجلين) ]. هو رأى رؤيا عليه الصلاة والسلام. [ (أتياني فأخذا بيدي فأخرجاني إلى الأرض المقدسة) ] وأتى بحديث طويل فيه بيان أن أبناء المشركين في الجنة، هذا الحديث طويل سوف أختصره؛ لأنه سيمر بنا مرة أخرى في كتاب التعبير، النبي صلى الله عليه وسلم رأى مشاهد عجيبة، كل مشهد فسره حسبما رآه صلى الله عليه وسلم، ومن ضمن ما رأى: رأى إبراهيم عليه السلام وحوله أطفال، فلما سئل عنهم، قيل له: هؤلاء أطفال المسلمين، ومن مات قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم مات على فطرة الإسلام بدون أدنى شك، فـالبخاري يلمح إلى أن أولاد المشركين في الجنة.

باب موت يوم الإثنين

[ باب: موت يوم الإثنين ] يوم الإثنين هو اليوم الذي مات فيه النبي صلى الله عليه وسلم.

[ باب: موت يوم الإثنين.

قالت عائشة رضي الله عنها: دخلت على أبي بكر رضي الله عنه، فقال: في كم كفنتم النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: في ثلاثة أثواب بيض سحولية ليس فيها قميص ولا عمامة. وقال لها: في أي يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: يوم الإثنين. قال: فأي يوم هذا؟ قالت: يوم الإثنين، قال: أرجو فيما بيني وبين الليل، فنظر إلى ثوب عليه كان يمرض فيه به ردع من زعفران - يعني: طيب- قال: اغسلوا ثوبي هذا، وزيدوا عليه ثوبين، فكفنوني فيهما. قلت: إن هذا خلق -يعني: رديء أصابه البلاء- قال: إن الحي أحق بالجديد من الميت، إنما هو للمهلة، فلم يتوف حتى أمسى من ليلة الثلاثاء، ودفن قبل أن يصبح ].

وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي يوم الإثنين، وأبو بكر له مواقف عديدة في موت النبي عليه الصلاة والسلام.

الأسئلة

الجمع بين إثبات السمع ونفيه للموتى

السؤال: يقول الله تعالى: إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى [النمل:80]، وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ [فاطر:22]، وهذا الحديث فيه: أن الميت يسمع قرع نعال أصحابه، فما القول الفصل؟

الجواب: هذه المسألة من المسائل الخلافية بين العلماء، لكن الراجح ما ذهب إليه ابن القيم من أن السماع في الآية يختلف عن السماع في الحديث، والمعنى: أن الميت يسمع، لكنه لا يملك إجابة، يسمع قرع النعلين هذا سمع لإدراك الصوت: وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ ، معنى الآية: تشبيه لحال المشركين بإعراضهم عن الإجابة بحال الأموات لعدم استجابتهم للداعي، ولذا قال العلامة ابن القيم : فالسماع في القرآن يأتي بمعان ثلاثة: الأول: سمع بمعنى إدراك الصوت: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا [المجادلة:1]، الثاني: سمع بمعنى الإجابة: كقولنا: سمع الله لمن حمده، فمعناه استجاب، وكقول ربنا في سورة الملك: وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ [الملك:10] فالسمع هنا بمعنى الإجابة؛ لأنه: وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ [الملك:10]. هل المشركون لا يسمعون أم يسمعون؟ يسمعون لكنهم لم يستجيبوا، فمثل الذي يسمع ولا يستجيب كمثل الذي لا يسمع. هذا المقصود، يعني: وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ [فاطر:22]، إِنَّكَ لا تُسْمِعُ الْمَوْتَى [النمل:80]، والمعنى: كرجل قام يعظ في الناس ويأمرهم وينهاهم، فجاء إليه آخر وقال: أنت تعظ في أموات:

لقد أسمعت لو ناديت حياًولكن لا حياة لمن تنادي

فالمعنى المقصود في الآية هو سماع الإجابة، والمعنى المقصود في الحديث هو سماع الصوت وإدراكه فقط دون إجابة.

الثالث: يأتي السمع في القرآن بمعنى الفهم: وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ [الأنفال:23].. إلى غير ذلك.

فمن إعجاز القرآن اللغوي: أن الكلمة الواحدة تأتي بأكثر من معنى، ولعل هذا خلاف بين سلفنا الصالح.

حكم جعل الأم ميراثها من ولدها المتوفي لأولاده

السؤال: أم توفي ابنها وورثت منه، وتريد أن تعطي المال كله لأولاده، فهل هذا يجوز لها، وماذا لو توفيت هذه الأم والمال عندها، وقد أوصت بهذا، هل تنفذ الوصية؟

الجواب: لا يجوز؛ لأن هذا حرمان أبنائها من ميراثهم، وهذا لا يجوز.

حكم تخصص الرجال في طب النساء

السؤال: أنا من الفرقة الثالثة في كلية الطب وأسأل عن تخصص النساء والولادة بالنسبة للرجال، هل هناك شبهة أم تحريم؟

الجواب: الأولى إن وجد في الطب نساء يقمن بهذا العمل، فتخصص في غيره طالما أن الطب يمتلئ بالنساء المتخصصات، وإلا لماذا يذهبن إلى الكلية؟ ليتعلمن، ومن أجل أن يكشفن على النساء، أما أن الرجال يكشفوا على النساء فهذا لا يجوز إلا في حالات اضطرارية، وكذلك إذا ماتت المرأة بين جماعة الرجال فإنها تيمم ولا تغسل حتى بعد الموت. فأقول لك: تخصص في طب يناسب طبيعة الرجال، واترك تخصص النساء للنساء، طالما أنه يوجد نساء.

بيان ما يحرم من الرضاع

السؤال: هل يجوز لخطيب أختي أن يعقد عليها علماً بأن أخي الصغير رضع معه، أي مع خطيب أختي؟

الجواب: إن كان خطيب أختك رضع من أمك، فلا يجوز له أن يتزوج الأخت، وإن كان أخوك هو الذي رضع من أم خطيب أختك فيحرم عليه كل أخوات خطيب أختك، ولا علاقة لأختك بهذا الموضوع.

حكم إلقاء السلام في دورات المياه وأماكن الوضوء

السؤال: إلقاء السلام في أماكن الوضوء ودورة المياه في المساجد هل هو من السنة كما في الطرقات أم مكروه أم غيره؟

الجواب: في دورة المياه لا يجوز، من أماكن عدم رد السلام وإلقائه: أن تلقي السلام على من يقضي الحاجة، طالما يقضي الحاجة فلا تلقي عليه السلام، فإن ألقيت عليه فلا يرد عليك. هذا الأولى. الثانية: أما الوضوء ففيه خلاف، فعلى الاستحباب لا يجوز أن يرد السلام إلا وهو على طهارة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوضأ فألقى عليه رجل السلام فلم يجبه إلا بعد وضوئه، فلا يجوز أن يلقي السلام على مجلس تلاوة قرآن، نعم ترد لكن تعلمهم الحكم، واحد فقط يرد، لذلك يكره إلقاء السلام على من يتلو القرآن؛ لأنك بذلك تقطع تلاوته للقرآن فيكره.

أما درس العلم فعلى حسب الحال، الشيخ الألباني يرى أن يلقي السلام على كل المجلس، وفي كل أشرطة شيخنا الألباني يرد السلام على الداخل، وهذا مذهبه، والله تعالى أعلم.

حكم طلب الزوجة لمؤخر الصداق

السؤال: أنا متزوج وأردت الزواج من أخرى، فقالت لي الزوجة الأولى قبل العقد على الثانية: أعطني مؤخر صداقي بقصد التعجيز، فهل لها الحق في هذا؟ ومتى يحق مؤخر الصداق على الزوج؟

الجواب: بقصد التعجيز، ألست تملك مالاً؟ هي الآن تطالب صداقها المؤخر، ويجوز لها أن تطلبه متى شاءت؛ لأن هذا دين عندك، إن قصدت التعجيز تحاسب أمام الله عز وجل، إنما أنت مأمور أن تؤدي هذا الدين لها، تريد أن تتزوج بأخرى ولا تستطيع أن تدفع مؤخر صداق القديمة، إذاً: لماذا ستتزوج؟

مؤخر الصداق دين على الزوج لزوجته، يستحق بموته أو بطلاقها أو بمطالبة الزوجة له.

مداخلة: أنا كتبت عشرين جنيه في أربعين سنة مؤخر، تريد أن تجعل العشرين جنيهاً عشرين ألفاً؟

الشيخ: المكتوب بين الطرفين كدين، عندك عشرون جنيهاً لي سنة 1980م، لماذا آخذهم الآن عشرين جنيهاً؟ ستقول: إن المبلغ هذا لا يخصني، إذاً باقي مؤخر الصداق كيلو لحمة!.

ولو سامحت لا شيء عليك، والله يقول: فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا [النساء:4] كله ولا حرج طالما هي التي تنازلت بطيب نفس منها، المهم أنها حرة تطلب مؤخر الصداق متى شاءت.

المنهج العلمي الصحيح لطلب العلم الشرعي

السؤال: ما المنهج العلمي الصحيح لطلب العلم الشرعي؟

الجواب: باختصار شديد: علم السلف، وإياك والجماعات؛ فإن الجماعات بدعة عصرية، ولذلك قيل: جماعة واحدة لا جماعات، وصراط واحد لا عشرات، وما ضاعت الأمة إلا بسبب التعصب للجماعات، جماعة وبيعة، كل واحد يعمل له جماعة ويدعي أنه الجماعة الأم، وكل هذا تفريق للأمة! المسلمون جميعاً جماعة واحدة. قلت هذا الكلام في مركزي فأرسل حزبي مبتدع يقول: إنك في أنصار السنة، قلت: أنصار السنة جمعية خيرية وليست جماعة، تؤدي كفالة الأيتام، الجماعة يعني الحزبية، يعني: الانتماء إليها، يعني: البيعة لأميرها، يعني: السلم الهرمي التنظيمي، يعني: الأسر، يعني: العمل تحت الأرض، يعني البيعة، جماعة أخرى في قرية صغيرة عملوا جماعة ونصبوا لهم أميراً فاختلف معه بعض الإخوة، فقال له: من شذ عن جماعتي شذ في النار! أصل جماعتي جماعة المسلمين، يفهم هذا المسكين ويدعي أن جماعته هي الجماعة الحق، المسلمون جميعاً جماعة واحدة، هذه الحزبية قضت على الأمة، فما ضاعت الأمة إلا بسبب الجماعات، يقول: لا تحضر لهذا الشيخ لأنه ليس من جماعتنا، ويذهب إلى الشيخ الآخر صاحب الجماعة مثل طرق الصوفية والأوراد بالطريقة الشاذلية الأحمدية والنقشبندية البيومية والرفاعية السرورية.. كل واحد له طريقة وأتباع وأوراد، وهذه الجماعة لها أمير وهذه لها أمير، وهذه لها مسئول، وهذه لها منهج وتنظيم.. مصيبة كبيرة.

قلت لمن يقول لبيعته جماعة: أعطاك ولي الأمر في مصر الحاكم أمراً بعدم المرور من الإشارة إذا كانت حمراء، فإذا قال لك أميرك: مر ولا تعبأ بالإشارة الحمراء، لمن تستمع لولي الأمر العام أم لمن بايعت؟

قال: لولي الأمر العام. قلت: إذاً: أنت الآن بين رجلين، كيف تبايع لأمير في وجود أمير عام. هذه مصيبة وطامة.

هذا الذي أجهد الأمة، وإلى الآن تجد في الجماعات المصرية غليان وفوران، هذه الجماعة تطعن في هذه الجماعة، والحزبيون أجارك الله -أسأل الله أن يخلصنا منهم- هؤلاء يضعون شعارات ضد هؤلاء، والتمزق والتحزب والحمية والولاء والبراء على اسم الجماعة، يعني: إذا مرضت أنت فلا أعودك لأنك لست من جماعتي، وإن مرض هذا الرجل أعوده لأنه من الجماعة، وصلت المقاطعة إلى هذه الدرجة، لدرجة أنهم في دروسنا يحذرون أعضاءهم من الحضور، لا تحضرون للشيخ فلان، لماذا؟ لأنه ليس في الجماعة، ويهاجم الجماعة! جماعة من يا أخي؟ من الذي أعطاك حق الجماعة، أنت نصبت نفسك جماعة؟ أليس هذا مزايدة باسم الإسلام، الإسلام لا يعرف الجماعات، من ينتمي إلى جماعة فقد ابتدع، هذا هو الدين، إنما الإسلام يعلم القرآن والسنة بفهم السلف الصالح، السلفية منهج وفهم وليست جماعة، التعصب لمذهب معين ممقوت، إنما دراسة المذهب جائزة، دراسة دون تعصب، دراسة مفتوحة.

حكم تسمية الرسول صلى الله عليه وسلم بالرءوف

السؤال: هل يجوز تسمية الرسول صلى الله عليه وسلم بالرءوف؟

الجواب: هذه صفة له وليست اسماً: لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [التوبة:128]، فرأفته ورحمته بالمؤمنين، وهذه خاصية للنبي صلى الله عليه وسلم.

تنبيه وتحذير من الاختلاط بين الرجال والنساء في صلاة الجماعة

السؤال: نرجو من شيخنا التنبيه على موضوع الاختلاط في صلاة الجمعة، فإن هذا لا يليق بكم، وأقترح على شيخي أن يضرب طريقاً للنساء يميناً وشمالاً؟

الجواب: هذه فوضى، نحن نعيش الآن في فوضى، الإسلام سلوك والتزام، أما أن تكون الجمعة كمولد أحمد البدوي ، هذه مصيبة، هذا ليس التزاماً، وبعد ذلك تخطي الرقاب والتزاحم والضجر، ما الذي يحدث للأمة؟ إنا لله وإنا إليه راجعون، (وإذا أقيمت الصلاة فلاتأتوها وأنتم تسعون وأتوها وأنتم تمشون عليكم السكينة)، فأين السكينة؟ أين الوقار؟ هذه فوضى، هذا سوق، ولذلك هذا الذي يحدث أنا لا أوافق عليه بحال.. الاختلاط بين النساء والرجال في المصلى، تخطي الرقاب، عدم احترام الآداب الإسلامية، عدم تقدير الصغير للكبير، فقد تجد بعض الصغار قد يجد رجلاً مثل والده يقفز من فوقه، والضعيف لا يقدم، والقوي يأخذ مكان الضعيف، هذه أمور مختلطة، وهذا ما دعانا إلى عقد درس الأخلاق؛ لأن الأخلاق هي ثمرة هذا الدين وتسري في روحه في مجال العقيدة والعبادة والمعاملات.

حكم الحلف بالمصحف

السؤال: هل الحلف بالمصحف جائز؟

الجواب: نعم يجوز؛ لأن المصحف هو كلام الله، أما الكعبة فلا يجوز، إنما تقول: ورب الكعبة؛ لأن الكعبة ليست من صفات الله ولا من أسمائه، فالمصحف باتفاق أهل العلم يجوز؛ لأن المصحف كلام الله.

معنى صيام الهواجر

السؤال: ما هو صيام الهواجر؟

الجواب: الهواجر هي الأيام شديدة الحر، والهواجر من الهجير، والهجير هي شدة الحر، يعني: تخير اليوم شديد الحرارة وصمه كما كان يفعل السلف، ولذلك كان بعض السلف إذا طرق بابه سائل قال: أعطوه سكراً؛ فإني أحب السكر: لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ [آل عمران:92]، ينظر إلى ما يحب وينفقه في سبيل الله سبحانه وتعالى.

حكم تغسيل الزوج لزوجته المتوفية

السؤال: هل يجوز للزوج أن يغسل زوجته؟

الجواب: طبعاً يجوز، والله تعالى أعلم.

حكم العمل في المحاماة

السؤال: جاءتني فرصة عمل في مكتب محامي فترة الصيف، وإني أجد في نفسي من الحرج والشك نحو هذا العمل، فهل يوجد فيه إثم؟

الجواب: إذا كان بقانون وضعي وباختلاط فيوجد فيه إثم، إذا كان عملاً مشروعاً، فالمحاماة محرمة بوصفها، إذا كان العمل حلالاً فهي حلال، يعني: في الأحوال الشخصية في الخلع والطلاق والحقوق جائز، أو نزاع شخصي والعقارات والملكية جائز، وأما الجنايات التي فيها حدود غير حدود الله عز وجل فحرام، فالعمل فيها حسب وصف طبيعة العمل، فإن رأيت أن هذا العمل فيه مخالفات شرعية فلا يجوز، وهذا يتضح بالاحتكاك.. محاميات في محامين في سكرتيرات في مصيبات وساقطات، والسرقة والدجل وكل شيء ستجده، سوق ليس له ضوابط شرعية، يخرج موكل ولا يعرف كيف خرج، المهم يأكل ما لذ وطاب من الأموال، فهذه طرق نعرفها، لكن حاول أن تجتهد في أن تبحث عن عمل الأصل فيه الحل.

حكم تقديم صيام التطوع على الكفارات

السؤال: هل يجوز أن يصوم أحد تطوعاً وعليه صوم كفارات؟

الجواب: الأفضل أن يقدم الكفارات؛ لأن قضاء الدين أفضل من الصدقة، أنا مديون فهل أتصدق؟ لا، بل أسدد الدين قبل أن أتصدق، فالكفارات دين وصيام النوافل صدقة تطوع، فالأفضل أن توفي الدين قبل أن تتصدق، وإن صام لا إثم عليه، لكن الأفضل أن يبدأ بالكفارات.

مداخلة: هل يجوز أن يجمع بين النيتين؟

الشيخ: لا يجوز أن يجمع بين النيتين؛ لأن هذه لها ضوابط، وهذه لها ضوابط.

وقت إجازة الصبي للقتال

السؤال: يقول عبد الله بن عمر : (عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد وأنا ابن أربعة عشر فلم يجزني، وعرضت يوم الخندق وأنا ابن خمسة عشر فأجازني؟

الجواب: هذا يبين أنه يجوز أن يجاز بعد البلوغ.

حكم العمل في شركة أمريكية

السؤال: أنا أعمل في شركة أمريكية تعمل في مصر، هل هذا حرام؟

الجواب: لا، ليس حراماً، عملك مشروع طالما أن الأصل فيه الحل.

حكم اختلاف نية الإمام والمأموم

السؤال: فاتتني صلاة الظهر واستيقظت وهم يصلون العصر، فهل يجوز لي أن أدخل مع الإمام بنية الظهر؟

الجواب: نعم، يجوز أن تدخل العصر بنية الظهر.

حكم من لم يقض الكفارات

السؤال: ما هو عقاب من لم يؤد الكفارات بعذر أنها تكاثرت عليه؟

الجواب: لا، الكفارة واجبة، لابد من أدائها كيفما استطاع، ويعاون من لا يستطيع الكفارة.. يعاونه الناس بصدقتهم.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا! اللهم استر عوراتنا، وآمن روعاتنا، اللهم نسألك رضاك والجنة، ونعوذ بك من سخطك والنار، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , سلسلة شرح صحيح البخاري [20] للشيخ : أسامة سليمان

https://audio.islamweb.net