إسلام ويب

من طبيعة الإنسان النسيان، كما أن الشيطان حريص على إلهاء بني آدم في عبادتهم لربهم، ومن المواضع التي يتحرى الشيطان فيها منازعة ابن آدم الصلاة، فشرع لنا ربنا سبحانه سجود السهو إرغاماً له، وقد بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم أحكامه وفصل العلماء مسائله.

مباحث في أحكام الصلاة

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:

فأيها الإخوة الكرام الأحباب! نعيش مع الإمام البخاري في صحيحه، ومع كتاب سجود السهو، وهو الكتاب الذي يسبق كتاب الجنائز، وقد قسّمه البخاري رحمه الله إلى تسعة أبواب.

وقبل أن نشرع في كتاب السهو لا بد أن نبيّن أن الصلاة لها شروط ولها أركان ولها واجبات ولها سنن قولية وفعلية، ولا بد أن نفرّق بين الشرط والركن والواجب والسنة، فشروط الصلاة ستة، وواجباتها سبعة، وأركانها اثنا عشر ركناً، والباقي سنن.

شروط الصلاة

يقصد بالشرط عند علماء الأصول: ما يلزم من عدمه العدم.

والمعنى: إذا انعدم الشرط انعدم الحكم.

وشروط الصلاة: النية، استقبال القبلة، ستر العورة، دخول الوقت، طهارة البدن والثوب والمكان، الطهارة من الحدثين الأكبر والأصغر.

هذه يسميها العلماء شروط صحة الصلاة، فإن صلى فاقداً لأحد الشروط بطلت الصلاة، كمن صلى وهو لم يستر عورته، وكامرأة تصلي -مثلاً- بغير جلباب أو تصلي في بنطال؛ لأن البنطال يجسّد العورة، إذاً: صلاتها باطلة، أو كمن صلى في ثوب شفاف يظهر العورة، وهذا أيضاً يعرضها للبطلان، أو كمن صلى إلى غير جهة القبلة دون أن يجتهد في تحديد جهتها، أو كمن صلى قبل أن يدخل الوقت، أو كمن صلى متلبساً بنجاسة وهو يعلمها.. إلى غير ذلك.

أركان الصلاة

أركان الصلاة اثنا عشر ركناً، ولا يجبرها سجود سهو، والمعنى: أن الركن إذا فقد بطلت الركعة الذي غاب عنها الركن.

وأركان الصلاة هي:

1- تكبيرة الإحرام.

فلو أن رجلاً صلى دون أن يكبّر تكبيرة الإحرام، كأن يكون سها أن يكبّر، فصلاته باطلة وعليه الإعادة؛ لأن تكبيرة الإحرام ركن، والأركان -كما قلنا- لا يجبرها سجود سهو.

2- قراءة الفاتحة.

أيضاً قراءة الفاتحة ركن من أركان الصلاة للمنفرد والإمام، أما المأموم فهو موضع خلاف، فإن صليت منفرداً تقول: الله أكبر، وبعد أن ركعت واعتدلت وسجدت تذكرت أنك لم تقرأ الفاتحة، فحكم هذه الركعة كأنها لم تكن تماماً، فلا بد أن تحصِّل ركعة بدلاً منها؛ لأن سجود السهو لا يجبر الركن.

3- القيام مع القدرة.

أيضاً هذا ركن من أركان الصلاة، قال تعالى: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238] فإن جلس مع قدرته على القيام فصلاته باطلة، وهذا في الفريضة فقط دون النافلة، فالنافلة يجوز له أن يقعد مع قدرته على القيام، وله نصف الأجر، أما الفريضة فلا بد أن يقوم إلا إذا عجز عن القيام، فالقيام مع القدرة ركن ثالث.

4- الركوع.

الركوع ركن، أما التسبيح في الركوع فليس من الأركان وإنما هو من الواجبات، فإن قرأ الفاتحة وسجد مباشرة، ثم تذكّر أنه لم يركع فحكم الركعة باطلة، وعليه أن يأتي بركعة إضافية؛ لأن الأركان لا يجبرها سجود سهو.

5- الاعتدال.

كذلك الاعتدال من الركوع، أما قول: (سمع الله لمن حمده) فليس من أركان الصلاة، إنما الركن الاعتدال، فبعد أن يركع يعتدل حتى يعود كل عضو إلى مكانه، فإن لم يعتدل بطلت الصلاة لغياب هذا الركن، وقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً لا يتم الركوع ولا السجود كان يصلي مسرعاً، فقال صلى الله عليه وسلم: (ارجع فصل فإنك لم تصل)؛ وأرى الكثير يركع بهذه الطريقة!!

6- السجود.

7- الجلسة بين السجدتين.

8- الطمأنينة.

9- التشهد الأخير، وهو قولك: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، فهنا ينتهي التشهد، أما الصلاة الإبراهيمية فهي من واجبات الصلاة، فمن تركها سهواً يلزمه أن يسجد للسهو، ومن تركها متعمداً بطلت صلاته.

10- الجلوس للتشهد الأخير.

الجلوس للتشهد الأخير أيضاً ركن، فلو أن رجلاً قرأ التشهد الأخير من قيام ساهياً، فصلاته باطلة؛ لأن الجلوس للتشهد الأخير ركن.

11- التسليمة الأولى.

12- الترتيب على ما ذكرنا.

إذاً: التسليمة الأولى ركن، والتسليمة الثانية سنة، ومعنى ذلك: لو أن رجلاً قال: السلام عليكم ورحمة الله، ثم أحدث وأخرج ريحاً بعد أن سلّم التسليمة الأولى فصلاته صحيحة؛ لأنه أحدث بعد أن سلّم التسليمة الأولى.

ولو أن رجلاً سلّم تسليمة ثم نسي أن يسلّم الثانية فصلاته صحيحة؛ لأن التسليمة الثانية سنة فعلية وليست من واجبات الصلاة.

واجبات الصلاة

الواجبات سبعة وهي تجبر بسجود سهو إن نسيها، أما إن تعمد تركها فتبطل الصلاة.

وأول واجب من واجبات الصلاة:

1- تكبيرات الانتقال:

وتكبيرات الانتقال في الركعة الواحدة: (الله أكبر) ويركع، (الله أكبر) ويسجد، (الله أكبر) ويرفع، (الله أكبر) ويسجد، (الله أكبر) فيقوم.

إذاً: خمس تكبيرات في الركعة الواحدة.

وتكبيرات الانتقال تختلف عن تكبيرة الإحرام، ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا كبّر الإمام فكبّروا) وهذا كثير ما ننساه، فإذا قال الإمام: الله أكبر. نقول: الله أكبر. فإن تعمدت تركها بطلت الصلاة، وإن سهوت لزمك سجود السهو، وإن سهوت وأنت مأموم لا يلزمك شيء؛ لأن الذي يجبرها الإمام.

إذاً: الواجبات يجبرها الإمام إن سها المأموم، أما إن تعمد الترك فتبطل به الصلاة.

2- التسبيح في الركوع والسجود.

أي: أن رجلاً قال: الله أكبر، ثم ركع وهو راكع لم يقل شيئاً وظل صامتاً، فإن تعمد ألا يسبّح فصلاته باطلة؛ لأنه ترك واجباً متعمداً، وإن سها أن يسبّح لزمه سجود سهو.

إذاً: التسبيح في الركوع والسجود واجب من واجبات الصلاة، فإن سها فيه يلزمه أن يسجد للسهو، وإن تعمد الترك بطلت الصلاة.

فالقاعدة تقول: الأركان لا تجبر بسهو، والواجبات إن سها يجبرها السهو، وإن تعمد تركها تبطل به الصلاة، أما السنن القولية والفعلية فهي محل خلاف كما سأبين.

3- التسميع والتحميد.

أي: قولك: سمع الله لمن حمده، فلو أن رجلاً اعتدل من الركوع فقال: (الله أكبر) بدلاً من أن يقول: سمع الله لمن حمده، فعليه أن يسجد للسهو؛ لأنه سها فبدّل (سمع الله لمن حمده) بـ(الله أكبر).

فإن تداركه وقال مباشرة: الله أكبر.. سمع الله لمن حمده، فهنا سها أيضاً؛ لأنه كبّر في محل لا ينبغي أن يكبّر فيه، أما إذا تعمد أن يترك التسميع والتحميد، أي: أنه لم يقل وهو منفرد: (سمع الله لمن حمده ربنا ولك الحمد) تبطل الصلاة؛ لأنه ترك واجباً متعمداً.

يقول السائل الكريم: هل المأموم يقول وراء الإمام: (سمع الله لمن حمده)، أم يقول: (ربنا ولك الحمد)؟

شيخنا الألباني رحمه الله يرى أن يقول كما يقول الإمام؛ لأن النص (فقولوا مثلما يقول) أي إذا كبّر فكبّروا، وإذا قال: سمع الله لمن حمده فقولوا سمع الله لمن حمده، ربنا ولك الحمد. والذي عليه جمهور العلماء أنه يقول: ربنا ولك الحمد. فيجزئه.

4- قول: (رب اغفر لي) بين السجدتين.

تسجد فتقول: (الله أكبر) وتجلس بين السجدتين وتقول: (رب اغفر لي). ثلاثاً، فإن تركها متعمداً بطلت الصلاة، وإن تركها ساهياً لزمه سجود السهو، فقول: (رب اغفر لي) بين السجدتين من واجبات الصلاة، وهذا كلام صاحب العدة، وصاحب المغني في فقه الحنابلة.

فإن قال قائل: هل كان يفعل النبي صلى الله عليه وسلم مثل هذا؟

الجواب: النبي صلى الله عليه وسلم واظب على هذه الأفعال، والدليل: أنه سجد للسهو حينما نسي التشهد الأوسط. قال صاحب فقه الحنابلة: وكل الواجبات تقاس على التشهد الأوسط.

والحديث في البخاري: (أنه صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين، ثم قام إلى الثالثة ولم يجلس للتشهد الأوسط، فسبّح الصحابة فلم يجلس، فتابعوه قياماً، ثم سجد للسهو قبل التسليمتين)، فهذا معناه: أنه نسي واجباً؛ لأنه لو كان التشهد الأوسط ركناً لعاد إليه، ولكنه أكمل دون أن يعود إليه.

يقول علماؤنا: وكل الواجبات تقاس على التشهد الأوسط، فلو تعمد ترك التشهد الأوسط بطلت الصلاة، ولو نسيه لزمه سجود السهود.

5- التشهد الأول.

6- الجلوس للتشهد الأول.

7- الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير.

إذاً: شروط الصلاة ستة، وأركانها اثنا عشر، وواجباتها سبعة.

مشكلة العجلة في صلاة التراويح

وهذا يا إخواني! يجرنا إلى مشكلة في صلاة التراويح، ففي بعض الأرياف يقول الإمام للناس: نحن على عجلة كما تعلمون، ونريد أن ندرك المسلسل، فسنصلي إحدى عشرة ركعة في عشر دقائق إن شاء الله، فلا داعي أن نصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، فنقرأ التشهد إلى: (أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله) ونقول: السلام عليكم ورحمة الله، وهذا حدث عندنا أكثر من مرة.

وآخر لا يتقي الله عز وجل في صلاته -وهذا الغالب الأعم- فيقول: بسم الله الرحمن الرحيم طه [طه:1] الله أكبر، ويحتج بأنه يكفيه قراءة حرفين من القرآن، ثم في الركعة الثانية يقرأ: مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى [طه:2] الله أكبر، ويقسّم خمس آيات من سورة طه لإحدى عشرة ركعة.

لماذا سمّيت صلاة التراويح بذلك.

لأنهم كانوا يستريحون من طول القيام، أما نحن فقد أخللنا بصلاة التراويح وحوّلناها إلى هذا النحو الذي نراه في معظم المساجد، وهذه مصيبة.

يأتي إنسان ويقول: أنا أعرف مسجداً يصلي فيه إحدى عشرة ركعة في سبع دقائق، فيقول الآخر: خذني إليه الله يصلح حالك! لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

أرأيتم ماذا يصنع المسلمون اليوم في صلاتهم يا عبد الله؟! هذا الذي نراه، ونحن نقول بالوسطية لا بالتطويل الممل، ولا بالتقصير المخل، فلابد من الاطمئنان في الصلاة كلها.

باب ما جاء في السهو إذا قام من ركعتي الفريضة

قال البخاري رحمه الله: [ كتاب السهو

باب: ما جاء في السهو إذا قام من ركعتي الفريضة ].

والسهو: هو الغفلة عن الشيء، وذهاب القلب إلى غيره، وسها بمعنى غفل.

هل النبي صلى الله عليه وسلم سها؟

نعم. سها، ولكنه سها ليشرِّع للأمة؛ لأنه مشرّع عليه الصلاة والسلام، فأراد الله للنبي صلى الله عليه وسلم أن يسهو ليشرّع للأمة.

قال: [ حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك بن أنس عن ابن شهاب عن عبد الرحمن الأعرج عن عبد الله بن بحينة و- بحينة اسم أمه- رضي الله عنه، أنه قال: (صلى لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين من بعض الصلوات، ثم قام فلم يجلس) ] أي: أنه في الصلاة الرباعية صلى ركعتين ثم قام [ (فقام الناس معه، فلما قضى صلاته) ] حينما انتهى من أربع ركعات انتظرنا أن يسلّم فكبّر قبل أن يسلّم [ (ونظرنا تسليمه كبر قبل التسليم، فسجد سجدتين وهو جالس ثم سلم) ].

إذاً: السجدتان هما سجدتا السهو؛ لأنه نسي التشهد الأوسط.

بيان حالات سجود السهو وأقوال العلماء في ذلك

يأتي هنا سؤال وهو منتشر بين إخواننا إن قام إلى الركعة الثالثة ثم سبّح المأموم بعد أن قام الإمام وفارق الأرض، ثم جلس الإمام، فما حكم صلاته؟

تبطل عند الشافعية، وجمهور العلماء على غير البطلان.

يقول الشيخ ابن عثيمين : وليس على البطلان دليل، لكن إن قام يجب عليه ألا يجلس، فإذا فارقت الإليتان الأرض واعتدل قائماً فلا يعود من ركن إلى واجب؛ لأنه تلبس بركن، وهذا ما فعله النبي عليه الصلاة والسلام، قام إلى ركعة ثالثة فسبّح الصحابة، فظل قائماً وأتى بأربع ركعات، ثم سجد للسهو قبل التسليمتين، وهذه حالة من الحالات التي يسجد فيها قبل التسليم؛ لأن للسهو أربع حالات: حالتان يسجد قبل التسليمتين، وحالتان يسجد بعد التسليمتين.

فالشافعية قالوا: كله قبل. والأحناف قالوا: كله بعد. والحنابلة ميّزوا بين القولين بفعل النبي عليه الصلاة والسلام،فقالوا: ما سجد له قبل يُسجد له قبل، وما سجد له بعد يُسجد له بعد.

وفي الحديث الذي ذكرته الآن وهو حديث التشهد الأوسط أنه سجد قبل التسليمتين؛ لأنه نسي التشهد الأوسط، فنستطيع أن نقول الآن: إن نسي واجباً من الواجبات السبعة يسجد للسهو قبل التسليمتين، وهذه قاعدة عامة.

وهنا ترد أسئلة: رجل نسي تكبيرات الانتقال فما حكم صلاته؟

يسجد للسهو قبل التسليمتين.

- رجل نسي أن يسبّح وهو راكع.. ما حكمه؟

يسجد للسهو قبل التسليمتين.

- رجل نسي أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم في التشهد الأخير، ما حكمه؟

يسجد للسهو قبل التسليمتين.

إذاً: هذا حكم عام، فأول حكم يسجد فيه للسهو قبل التسليمتين إن نسي واجباً، وهذه القاعدة نتفق عليها.

الثاني: السجود للسهو قبل التسليمتين في حال الشك.

مراتب العلم ستة:

1- علم.

2- جهل بسيط.

3- جهل مركب.

4- شك.

5- ظن.

6- وهم.

ولنضرب مثلاً لكل مرتبة:

متى كان فتح مكة؟

كان في العام الثامن من الهجرة، هذا نسميه علم، والعلم: هو إدراك الشيء على حقيقته، فالرجل أجاب بأن فتح مكة كان في السنة (8)هـ، إذاً: أدرك شيئاً على حقيقته، وهذا يسمى علماً.

فلو قلت: متى كان فتح مكة؟ فأجاب شخص: (7)هـ، هذا نسميه جهلاً مركباً وليس جهلاً بسيطاً؛ لأنه أدرك الشيء على غير حقيقته، فإدراك الشيء على غير حقيقته هذا يسمى جهلاً مركباً.

إذاً: من قال: إن ختان الإناث غير مشروع يكون جاهلاً جهلاً مركباً.

ومن قال: إن النقاب عادة وليس عبادة فهذا جهل مركب؛ لأنه أدرك الشيء على غير حقيقته.

ومن قال: إن الحجامة شعوذة ودجل جهله فجهل مركب.. وهكذا.

فإن قال قائل: فتح مكة لا أدري متى كان؟ فهذا جهل بسيط؛ لأنه قال: لا أدري، ومن قال: لا أدري فقد أفتى. فهذا الرجل يعرف قدره وقال: لا أدري متى كان فتح مكة.

رجل قال: فتح مكة سنة (8)هـ واحتمال أن يكون سنة (7)هـ، هذا نسميه ظناً، إذ إن الظن احتمال راجح واحتمال مرجوح، فيقدّم الراجح ويؤخر المرجوح، فقد قال: سنة (8)هـ واحتمال (7)هـ، فقدم الراجح وأخّر المرجوح، وهذا يسمى ظناً.

وإن قال: فتح مكة سنة (7)هـ واحتمال أن يكون (8)هـ فهذا نسميه وهماً؛ لأنه قدّم المرجوح وأخّر الراجح.

وإن قال آخر: فتح مكة لا أدري: ربما يكون (7)هـ وربما يكون (8)هـ احتمالات متساوية، فهذا يسمى شكاً.

إذاً: الشك معناه: أن الاحتمالات متساوية، فلو أني صليت العشاء بمفردي ولا أدري: صليت ثلاثاً أم صليت أربعة، فأنا في شك؛ لذلك فإني أبني على الأقل، والأقل هو اليقين، واليقين أني صليت ثلاثاً، والشك أربعاً، فألغي الشك وأضعه جانباً وأقوم بركعة إضافية، ثم أسجد للسهو قبل التسليمتين، وهذا يسمى شكاً، وهكذا في كل الأركان، فإن سجدت فلم أدري: أسجدت سجدة أم سجدتين، فأما السجدة الأولى فمتيقن منها، لكن الثانية لا أدري: أسجدت أم لا، فأسجد أيضاً سجدة ثم أسجد للسهو، فكلما شككت في ركن أضعه، فمثلاً هل سبّحت وأنا راكع أم لم أسبّح؟ أضع الشك وأسبّح وهكذا.

وإذا تذكر بعد أن انتهى إن كان ركناً يلغي الركعة تماماً، فيبني على اليقين ويلغي ما شك فيه، أي: أنه -مثلاً- شك: هل قرأ التشهد الأخير أم لا؟ ثم سلّم وتذكر بد أن سلّم أنه شك، فإنه يلغي ما شك فيه ويحصّله.

وهكذا إن نسيت الركوع وسجدت مباشرة، وبينما أنا ساجد تذكرت أني لم أركع، فإني أقوم للركوع؛ لأني لم أفصل بين الركنين بركن، فإن فصلت بين الركنين بركن فإني أعيد الركعة، يعني: تماماً كحال رجل نسي ركناً ثم تذكر وهو متلبس بالركن الذي يليه، نسي الركن السابق، فيعود إلى تحصيله ثم يسجد للسهو. فانتبه لمثل هذه الحالات فهي مهمة!!

قال البخاري رحمه الله: [ حدثنا عبد الله بن يوسف أخبرنا مالك عن يحيى بن سعيد عن عبد الرحمن الأعرج عن عبد الله بن بحينة رضي الله عنه أنه قال: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام من اثنتين من الظهر) ] بعد ركعتين من الظهر لم يجلس للتشهد الأوسط، لكنه قام مباشرة إلى الركعة الثالثة [ (لم يجلس بينهما، فلما قضى صلاته سجد سجدتين، ثم سلم بعد ذلك) ].

هذه الحالات التي فيها السجود قبل التسليمتين.

باب إذا صلى خمساً

قال البخاري رحمه الله: [ باب: إذا صلى خمساً ].

الحالتان اللتان يسجد فيهما للسهو بعد التسليمتين حالة الزيادة وحالة النقص.

ذكر ما يقوله في سجود السهو

يقول: سبحان ربي الأعلى، أي كتسبيحه في السجود الأصلي في الصلاة، فليس هناك دعاء خاص بسجود السهو ولا ذكر خاص، وقول البعض في سجود السهو: (سبحان الذي لا يسهو ولا ينام) بدعة ما أنزل الله بها من سلطان، ولم يقلها النبي صلى الله عليه وسلم، وما أثرت عن سلفنا.

حكم سلام من سجد للسهو بعد التسليمتين

رجل زاد في الصلاة، صلى خامسة، فعليه أن يسجد للسهو بعد التسليمتين، لكن .. هل يسلم مرة أخرى أم لا؟

هذا خلاف بين العلماء، فمنهم من قال: يسلم. ومنهم من قال: لا يسلم. والراجح: أنه يسلّم.

قال: [ حدثنا أبو الوليد حدثنا شعبة عن الحكم بن إبراهيم عن علقمة عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى الظهر خمساً) ].

حكم ما يفعله المأموم إذا زاد الإمام ركعة خامسة

إذا قام الإمام معنا إلى خامسة ما واجبي أنا كمأموم: هل أتابعه أم لا؟

لا تتابعه، ولكن تسبّح وتجلس، فالصحابة تابعوا النبي صلى الله عليه وسلم ظناً منهم أن الوحي قد نسخ الحكم الأول ونزل بالزيادة، فحال النبي صلى الله عليه وسلم يختلف عن الإمام العادي، فلو تيقنت أنه قام للخامسة فقل: سبحان الله واجلس ولا تتابعه، وإما أن تفارقه -أسلم وأتركه- وإما أن تنتظر حتى يجلس وتسلم معه، فالإمام لا يتابع في الخطأ، وإنما يتابع في الصواب.

أما المسبوق فوضعه مختلف، فلابد أن يتابع، وإنما لا يتابع الإمام من دخل معه في تكبيرة الإحرام، أما المسبوق فيتابع الإمام؛ لأنه لا يدري كم صلى الإمام فيبني على المتابعة.

أنا جئت مسبوقاً بركعتين وقام الإمام إلى خامسة، وأنا لا أدري كم صلى، فأنا مأمور بالمتابعة؛ لأن الذي لا يؤمر بالمتابعة هو الذي تحقق من الخطأ.

قال: [ (فسجد سجدتين بعدما سلم) ].

أي: أنه صلى الله عليه وسلم سجد في حال الزيادة بعد السلام، وهذه الحالة الأولى التي يسجد فيها بعد التسليمتين.

باب إذا سلم في ركعتين أو ثلاث، فسجد سجدتين مثل سجود الصلاة أو أطول

قال البخاري رحمه الله: [ باب: إذا سلم في ركعتين أو ثلاث فسجد سجدتين مثل سجود الصلاة أو أطول ].

وهذا الحديث هو العمدة عند العلماء في سجود السهو، بل إن من المؤلفين والمصنفين من ألف وصنف له مجلداً يزيد عن (500) صفحة، ويسمى حديث ( ذو اليدين )، فهذا الحديث نار على علم كحديث العرنيين.

والعرنيون هم الذين نزلوا إلى المدينة فلم يتأقلموا مع مناخها فأصيبوا بمرض، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يشربوا من أبوال الإبل ومن ألبانها، فأبوال الإبل شفاء، وقد أثبت ذلك الطب المعاصر، فذهبوا إلى إبل الصدقة فشربوا من أبوالها ومن ألبانها وعادوا أصحاء، وبعد أن صحوا عمدوا إلى راعي الإبل فقتلوه وأخرجوا عينه وأدخلوا فيها أسياخ النيران، ومثلوا بجسده، وجروه وسحبوه في حرارة الشمس على الصحراء، فأمر بهم النبي صلى الله عليه وسلم فقتلوا وسملت أعينهم. والجزاء من جنس العمل.

حديث ( ذو اليدين ) حديث عمدة في سجود السهو، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى إحدى صلاتي العشي -أي: الظهر أو العصر- ركعتين ثم سلم، وفي القوم أبو بكر وعمر ورجل يسمى ذا اليدين ، فتأخر النبي صلى الله عليه وسلم إلى آخر المسجد، وشبّك بين أصابعه، ووضع يده على خده وهو منطلق، وفي آخر المسجد قال له ذو اليدين : (يا رسول الله! أقصرت الصلاة أم نُسّيت؟ قال: لم؟ قال: صليت بنا ركعتين. فقال لأصحابه: أحقاً ما قال ذو اليدين ؟ فقالوا: نعم يا رسول الله! فأتى من مؤخرة المسجد إلى مكان الإمام، ثم كبّر وصلى ركعتين إضافيتين) إذاً: أتم أربعة، ثم سلّم وسجد للسهو بعد التسليمتين، ثم التفت إلى أصحابه قائلاً: (إنما أنا بشر أنسى كما تنسون، فإن نُسّيت فذكّروني) صلى الله عليه وسلم.

وفي الحديث فوائد عديدة، عدها بعض العلماء إلى أكثر من مائة فائدة، والمقام لا يتسع لذكرها، والنبي صلى الله عليه وسلم صلى ركعتين ولم يتسع الفصل: (أحقاً ما قال ذو اليدين ؟). (صليت بنا ركعتين). (أي نعم يا رسول الله!) فهذا حوار بعد الصلاة، وأتى وصلى ركعتين؛ لأن الفاصل لم يتسع، فإذا صلى بنا الإمام الظهر ركعتين فقط وسلمنا معه، ثم خرجنا إلى الأعمال وأتينا بخبز من الفرن وذهبنا إلى العمل ومضينا، وبعد ساعتين أراد الإمام أن يصلي بنا ركعتين، فهنا لابد من الاستئناف؛ لأن الفاصل قد زاد وطال، والحد الذي يقدر الوقت هو العرف.

اللهم اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا! اللهم إنا نسألك علماً نافعاً! ونعوذ بك يا رب من علم لا ينفع.. آمين آمين.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , سلسلة شرح صحيح البخاري [4] للشيخ : أسامة سليمان

https://audio.islamweb.net