إسلام ويب

الفتاة أمل الأمة، فهي مربية الأجيال، وسند الأبطال، ولذا اعتنى الإسلام بها فشرع لها ما يحفظ كرامتها ويصون حشمتها ويحوط عفتها وحياءها بالرعاية؛ لكن كثرت في هذا العصر الفتن وانتشرت وسائل الإثارة والانحراف، مما جعل كثيراً من الفتيات يهوين في منزلقات الرذيلة ويغفلن عما أنيط بهن من المسئولية وكأنهن لا يعرفن أنهن من بنات الإسلام.

لماذا الحديث إلى الفتاة

لأنها الأم

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً صلى الله عليه وسلم عبده ورسوله.

أما بعد:

فعنوان هذا الدرس: (يا فتاة)، وهو حديث خاص من نوع خاص، وله لغة خاصة، إنه حديث نخاطب فيه الفتاة، نخاطب فيه الأم المسلمة أياً كان موقعها ومكانها، وهي وإن كانت فتاة يافعة الآن فهي في المستقبل الأم، وهي البانية لهذا المجتمع، وهي أساس المجتمع، فما أن ترى رجلاً إلا ووراءه أم أو زوجة، وراءه أم رعته وربته وقادته إلى ما صار إليه، أو وراءه زوجة إما أن تكون معينة له ومناصرة له ومؤيدة، أو أن تكون خلاف ذلك وتكون عقبة في طريقه.

وهناك سؤال يفرض نفسه: لماذا الحديث إلى الفتاة؟ ولماذا نخصها بالخطاب؟

إنني أعرف أن الإجابة موجودة لدى أختنا، ولكني أقول: إننا نخاطب الفتاة لأنها أمنا، وهل خرج أحدنا للدنيا دون أم، وهل تنفس الصعداء قبل أن يعيش في بطن أمه أشهراً وبين أحضانها ثنيات من عمره وهي ترعاه وتعاهده، وحين يشب طوقه ويصلب عوده يعود به الحنين فطرة فُطر عليها، يعود به الحنين ليلتصق بشريكة حياته فالمرأة والرجل لصيقان، يبدأ حياته وتاريخه من خلالها، ويودع الدنيا كذلك.

لأن الكثير قد تحدثوا عنها فأساءوا

ثانياً: نتحدث إلى الفتاة لأن الكثير يتحدثون عنها، ويرفعون شعار نصرة قضيتها، فالأديب قد سطر شعره ونثره، والكاتب قد وظّف قلمه، والصحفي قد استنفر قواه.. فالجميع أجلبوا بخيلهم ورجلهم ما بين مفكر وعامل، ما بين متحدث وكاتب، الجميع نزلوا بثقلهم ليتحدثوا عنكِ يا فتاة، ليتحدثوا عن قضية المرأة وحقوق المرأة، ويعلو ضجيج وصخب الأصوات المأجورة ليذيب الصوت الصادق والناصح الذي لم تعد تسمعه الفتاة إلا خافتاً، لقد سمعت يا فتاة ذاك الصوت النشاز الذي كان يفخر بقضيتكِ وبكرامتكِ وبشرع الله حين يقول:

حينما كنا صغاراً في الكتاتيب علمونا أن وجه المرأة عورة..

علمونا أن صوت المرأة عورة..

حقنونا بسخيف القول.

علمونا أن صوت المرأة من خلف ثقب الباب عورة.

وسمعت أيضاً هذا الشاعر وهو يتهكم بأعلى ما تملكين وما تعتزين به بالحجاب:

مزقيه ذات البرقع لا تخافي مزقيه مزقيه لا تبالي بأمر الدين فيه

مزقيه واسأليه واسألي الآياتمزقيه أي عار أنتِ فيه

وسمعت الآخر وهو ابن بلدك يقول ساخراً:

محجبة تريك سفور جهلومسفرة تريك حجاب علم

ومغضية تنوء من الخطاياوشاخصة إليك بغير جرم

أرى كلتيهما فيذوب قلبيلآفات الهوى ويفور عزمي

لقد يحيا العفاف بلا حجاب ولا يحيا بلا خلق وعزم

إنها أصوات لا أشك أنكِ تسمعينها، وتقرأينها هنا وهناك، ويعلو ضجيجها، ويرتفع صخبها، وكلها تدعو إلى دعوة واحدة، وكلها تتحدث عن قضية واحدة هي قضيتكِ.

لقد زعموا أنكِ مظلومة، لقد زعموا أنكِ مهانة، زعموا أنهم يتحدثون باسمكِ، ونقلوا وكالة من دون موافقة صاحبة الشأن، ودون موافقة الوكيل، فصار الجميع يتحدث ويبدئ ويعيد في قضية المرأة.

يا فتاة.. يعلو ضجيج هذه الأصوات المأجورة ليذيب الصوت الصادق والناصح، الذي لم تعد تسمعه الفتاة إلا خافتاً، ألا يحق بعد ذلك للناصحين أن يرفعوا عقيرتهم، وينادوا بصوت مسموع رافعين الراية ليقولوا: ها هنا الطريق يا فتاة، وإياكِ وبنيات الطريق وأزقة الغفلة.

لأن الإسلام أولاها العناية والاهتمام

ثالثاً: نتحدث عن الفتاة لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يوليها العناية والاهتمام اللائق بمقامها، ففي كل عيد يخطب فيه كان يتحدث مع الرجال ثم ينصرف إلى النساء فيحدثهن ويعظهن، وتستغل النسوة هذا الأمر، وتتطلع إلى المزيد، فتبعث إحداهن لتقول له صلى الله عليه وسلم: ذهب الرجال بحديثك فاجعل لنا منك يوماً، فيواعدهن صلى الله عليه وسلم ويلقاهن يوماً يخصهن بحديث خاص لا شأن للرجال به.

وحين نتصفح دواوين السنة، ونقرأ ما سُطّر فيها نرى الكثير من النصوص التي توصي بحقكِ ورعايتكِ والعناية بك، ولقد كان صلى الله عليه وسلم في مجمع عظيم في حجة الوداع يجعل قضية المرأة من أهم القضايا، فيقول صلى الله عليه وسلم: (الله الله في النساء، اتقوا الله في النساء).

ويجعل صلى الله عليه وسلم المرأة معياراً تقاس من خلاله خيرية الرجل، فيقول صلى الله عليه وسلم: (خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي) بل إن الأمر يتجاوز مجرد هذا التوجيه لنرى هديه صلى الله عليه وسلم العملي، ونرى تلك المكانة التي يوليها المرأة فيحبس صلى الله عليه وسلم جيشه ويؤخرهم لأن عقداً لزوجه عائشة قد انقطع، فيأتي أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى عائشة فينتهرها ويقول: حبستِ رسول الله صلى الله عليه وسلم والناس وليسوا على ماء، وليس معهم ماء. ثم حين أقاموا الجمل وجدوا العقد تحته وقد فقدوا الماء، ونزلت آية التيمم فقال أسيد بن حضير رضي الله عنه: ما هي بأول بركتكم يا آل أبي بكر.

إن آية التيمم يا فتاة والتي بعد ذلك أصبحت باباً من أبواب الفقه يتعلمه الصغير والكبير، المرأة والرجل، يتعلمه الجميع؛ كان بركة من بركة تلك المرأة الصالحة، أليس في هذا علو لشأن المرأة ورفعة لمكانتها؟

ويرتفع شأن المرأة عند النبي صلى الله عليه وسلم منزلة أعظم من ذلك كله، فتأتي أم هانئ رضي الله عنها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتقول له: (زعم ابن أمي أنه قاتل رجلاً قد أجرته، فيقول صلى الله عليه وسلم: قد أجرنا من أجرتِ يا أم هانئ) .

نعم يا فتاة.. هكذا كان صلى الله عليه وسلم يرفع شأن المرأة، إن كلمة هذه المرأة أصبحت نافذة على المسلمين كلهم جميعاً، فلا يجوز لهم أن يخفروا جوار هذه المرأة أو ذمتها، ويصدِّق النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الحكم وعلى هذا الأمان الذي تمنحه هذه المرأة.. أفبعد ذلك كله يحق لامرئ أن يهمل شأن المرأة ومكانتها؟

رابعاً: نتحدث عن الفتاة لأنها أم المصلحين والدعاة، أسمعتِ يا فتاة عن المصلحين والمجددين؟ أقرأتِ سير المجاهدين الصادقين؟ وهل خفيت عليكِ صفحات العلماء العاملين؟

تأملي في التاريخ وارفعي الرأس وانظري إلى سماء أمتكِ لتري هناك نجوماً تلوح في الأفق ساهمت في صياغة تاريخ الأمة وصناعة مجدها، وخطّت صفحاته البيضاء، فليس يغيب عن ناظريكِ أبداً اسم عمر بن عبد العزيز والشافعي والإمام أحمد وابن تيمية ومحمد بن عبد الوهاب وغيرهم، ممن حاز قصب التجديد وأخذ منه بنصيب وافر، ولن تنسي سير نور الدين الشهيد أو صلاح الدين أو الغزنوي أو غيرهم ممن حمل روحه على كفه وسار في ميدان الوغى وشعاره:

أذا العرش إن حانت وفاتي فلا تكنعلى شرجع يعلى بخضر المطارف

ولكن أحن يومي سعيداً بفتيةيُمسون في فج من الأرض خائف

يتغنى بها صادقاً من قلبه، وقد صفا قلبه لإخوانه أهل الإسلام، وغلا مرجله على أهل الأوثان، وها هي صفحات سيرة أبي حنيفة ومالك وأحمد والعز بن عبد السلام ، وغيرهم كثير ممن أراد الله بهم خيراً، ففقههم في الدين فساروا ينشرون ميراث محمد صلى الله عليه وسلم، وقبل أولئك كلهم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

يا فتاة.. كم تهزكِ هذه الأسماء هزاً، وكم تطرب أذنكِ ويتشنف سمعكِ حين تسمعين بها، لكن لا تنسي أن أولئك وغيرهم كان لكل منهم أم برة صادقة طالما دعت الله عز وجل أن يجعل ابنها قرة عين لها، وكان له شريكة حياته يسكن إليها ويطمئن إليها، وهي تقول له كل صباح: والله لا يخزيك الله أبداً، وتحتمل اللأواء معه فتصبر وتصابر وتكون خير زاد له ومعين، فإذا كنتِ أنتِ أم الدعاة وأم المصلحين، وأنتِ بعد ذلك الزوجة الوفية لهم، فيحق لنا يا فتاة أن نخاطبكِ ونخصكِ بالحديث.

من أخاطب؟

يا فتاة.. من أخاطب في هذه الرسالة؟ ولمن أتحدث؟

إني أخاطب الفتاة الحصان الرزان، الطاهرة العفيفة، فتاة ولدت من أبوين فاضلين، وعاشت في بيت محافظ تستيقظ وتنام وتغدو وتروح وهي تسمع الدعاء لها بالستر والعافية، ولكنها مع فتن العصر وصوارفه، ومع الغربة الحالكة بدأت تنظر ذات اليمين وذات الشمال، وتلتفت إلى الوراء فترفع سماعة الهاتف لتخاطب شاباً لم تعرفه إلا من كلامه، وتسهر أحياناً على فيلم ينسخ من ذاكرتها كل صور البراءة والعفة لتتراءى أمام ناظريها مظاهر السفور والعلاقة المحرمة، فتعيش في دوامة الصراع، فتسمع تارة هذا الصوت النشاز الذي يدعوها إلى الارتكاس في الحمئة والتخلي عن كل معاني الفضيلة والعفة، وتسمع أحياناً أخرى الصوت الصادق يهزها من داخلها هزاً عنيفاً يقول لها: رويدكِ فهو طريق الغواية وبوابة الهلاك.

وتتصارع هذه الأصوات أمام سمعها، وتتموج هذه الأفكار في خاطرها، ولكن لمن الغلبة والنهاية؟ قد تكون الغلبة للصوت الناصح، والصوت الصادق، وقد تكون الأخرى فتزل بها القدم، وتهوي تحت ثقل داعي الشهوة والهوى، إنها تؤمن بالله واليوم الآخر حق الإيمان، وتعرف الجنة والنار، وتؤمن بالحلال والحرام، لكن الصراع مع الشهوة قد رجح لغير كفتها، ومع ذلك كله فقد رُزقت أباً غافلاً قد شُغل بتجارته وعلاقاته مع أصدقائه وزملائه، وأماً بعيدة كل البعد عنها، لا يعنيها شأنها، ولا تشغلها قضيتها، ولم تعتد أن تتلقى منهم الابتسامة الصادقة، والكلمة الوادة، ولم تر منهم القلب الحنون، ولم تر منهم من يفتح ذراعيه لها، وحينئذ وجدت بغيتها وضالتها في صاحبتها.. صاحبة السوء التي تلقاها في المدرسة، وربما كانت الضالة في شاب تائه غاو ضال يغويها بمعسول الكلام.

يا فتاة.. إن كنتِ كذلك فما أجدركِ أن نخاطبكِ، وما أجدركِ أن تقدري موقفي، فأصغي لصوتي وحكّمي عقلكِ، فإن سمعتِ خيراً فحي هلا، وإن كان غير ذلك فأنتِ وما تريدين، أما إن كنتِ من أهل الصلاح والاستقامة فاسمعي ما أقول، وكوني رسول خير وترجمان صدق لمن وراءكِ..

إنني يا فتاة حين أتحدث عن هذه الظواهر فإني لستُ أخاطب كل فتاة تستمع لحديثي، سواء كانت حاضرة معي هذا المجلس، أو كانت تستمع من خلال جهاز التسجيل.. إني لا أخاطب كل فتاة على أنها على هذه الحال وهذه الصورة، فإن كانت كذلك فعلاً فإن الخطاب يعنيها بالدرجة الأولى، وإن كانت غير ذلك فلعلها أن تكون رسولة خير، ولعلها أن تساهم معنا في إبلاغ هذا الصوت والذي أصبح وللأسف صوتاً نشازاً، وقد اختفى تحت ركام الأصوات الهائلة التي تدعو الفتاة إلى الغواية، التي تدعو الفتاة إلى الضلال والانحراف، والتي صارت تتاجر بقضية المرأة وحياتها وعفتها، عفواً بل صارت تتاجر بحياء الأمة كلها وعفتها وشباب الأمة، أقول: لقد اختفت تلك الأصوات الناصحة الصادقة، لقد خفت صوتها وصارت حبيسة هذا الركام من المجلات الوافدة والمسلسلات الساقطة والأصوات التي تعلو هنا وهناك، تدعو الفتاة والشباب جميعاً إلى هذا الطريق، وتقول لهم بلسان الحال أو بلسان المقال: هيت لكم.

يا فتاة اعتدت أن تسمعي الكثير من خلال الخطبة والمحاضرة والفصل الدراسي.. اعتدت أن تسمعي الوعظ والترغيب والترهيب، وهو مسلك مطلوب ومنهج سليم، كيف لا وهو منهج النبي صلى الله عليه وسلم ومنهج القرآن الكريم، لكني هنا سأخاطبكِ بلغة أخرى، بلغة العقل ومنطق الحوار الهادئ لا رغبة عن الوعظ والترغيب والترهيب، ولا تفضيلاً لهذه اللغة، ولكن كان من هدي النبي صلى الله عليه وسلم أن ينوع أسلوبه وخطابه، بل قبل ذلك كله كان هذا من هدي ومنهج القرآن الكريم في خطابه للأمة.

يا فتاة.. إنني حين أتحدث عن قضية الفتاة فلست أتحدث من فراغ، ولا أبني قصوراً في الرمال، أتحدث عن واقع رأيته ولمسته، وحدثني عنه الثقات، فقد قرأت بعيني تلك الرسالة التي سطّرتها فتاة لصديق لم يستقبلها بالأحضان واعتذر عن مبادلة القبلات، فعاشت جحيماً لا يُطاق لتكدر خاطر من كان لا يزول عنها الهم إلا بسماع صوته.

نعم قرأت تلك الرسالة التي سطّرتها أناملها لصديق السوء.

والرسالة الأخرى، والتي كانت من شاب تائه لم يدرك الأمانة ولا مسئولية العمل فيأخذ ورقة رسمية ويطبع عليها رسالة غرام بالآلة الكاتبة ليرسلها إلى صديقته.

وسمعت الرواية بسند متصل رجاله ثقات عن تلك المكالمة والتي كانت تفيض عاطفة وقد علا نشيج الفتاة، وارتفع بكاؤها وهي تسمع التهديد بالقطيعة واختيار البديل، فصاحبها يعرف عشرين فتاة غيرها، وسيختار أوفاهن له وما أبعده عن الوفاء!

إنها صور كثيرة يا فتاة، لا أظن أني مهما بلغت من الإحاطة وحفظت من النماذج.. لا أظن أني سأدرك ما تدركين، وأحيط بما تحيطين، فأنتِ تعيشين هذا العالم، ولن أثير بعد ذلك في كشف الأسرار والحديث عمّا وراء ذلك، لكني أردت أن أقول لكِ: إني لا أتحدث من فراغ.

معذرة على المصارحة

يا فتاة.. ها أنا أتحدث عن قضايا ربما كانت فترة من الزمن في طي الخفاء، وتحت ستار الكتمان، لكنهما خياران لا ثالث لهما، أن نسدل الستار على النار وهي تدب وتشتعل، أو أن نقول الحقيقة وهي مُرة إلا أنها الخطوة الأولى للإصلاح.

يا فتاة.. إن مبدأ المبالغة واتهام الناس أن عهودهم قد مرجت، وأن خيريتهم قد ولّت، مبدأ مرفوض، ولكن أيضاً في المقابل مع هذا الواقع لا يزال هناك في الزوايا خبايا، لا يزال في الناس بقايا من خير، وإن الحديث عن الأخطاء ينبغي أن لا ينسينا هذا الواقع، وإن الحديث حين يكون حديثاً ناصحاً ينبغي أن لا يكون حديثاً عن خطأ فلان أو فلانة، فإن هذا خرق لسياج العفة في المجتمع، وإشاعة للفاحشة، ولكن مع ذلك كله أيضاً فالتغافل والتعامي وإسدال الستار على هذه الحقائق لا أظن أنه يخدم إلا الأعداء، ولا أظن أنه يهيئ إلا لذاك الجو الذي بعد ذلك يتسع فيه الخرق على الراقع، ويهول الأمر فيه على الناصح.

يا فتاة.. فلنكن صرحاء صراحة منضبطة بضوابط الشرع، وواضحين وضوحاً محاطاً بسياج الحياء والعفّة لتكون خطوة للتصحيح ونقلة للإصلاح، وهاهنا لن أتحدث عن الأسباب وتحليل الظاهرة، لكنها دعوة عاجلة للمراجعة وإعادة الحساب.

إن غاية ما أريد أن أقوله في هذا المجلس هي الدعوة.. هي دعوة أرفع بها صوتي، وأشجو بها لكل فتاة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تعود إلى طريق الاستقامة والصلاح، وأن تسلك الطريق التي خلقها الله عز وجل من أجله، واختارها سبحانه لتكون سائرة عليه، ولتكون أماً للأجيال.

ماذا يريدون منكِ؟

يا فتاة.. لقد رأيته في السوق، وعند بوابة المدرسة، وسمعت صوته عبر جهاز الهاتف، وربما التقيت معه وسمعتِ الألفاظ المعسولة، والكلمات التي تسيل رقة وعاطفة مصحوبة بالأيمان المغلظة على صدق المحبة وعمق المودة، وربما كانت يده قد خطت رسالة لكِ تفيض بمعاني العشق والغرام، وربما دار في خاطركِ أن هذا زوج المستقبل.

يا فتاة.. بعيداً عن العاطفة وعن سرابها الغادر، كوني منطقية مع نفسكِ واطرحي هذا السؤال.. ماذا يريد؟ ما الذي يدفعه لهذه العلاقة؟

إن الصراحة خير من دفع الثمن الباهظ في المستقبل، ماذا يقول لزملائه حين يلتقي بهم؟ وبأي لغة يتحدث عنكِ؟

إنني أجزم يا فتاة أنكِ حين تزيحين وهم العاطفة عن تفكيركِ فستقولين وبملء صوتكِ: إن مراده هو الشهوة، والشهوة الحرام ليس إلا.

يا فتاة.. ألا تخشين الخيانة؟ أترين هذا أهلاً للثقة؟ شاب خاطر لأجل بناء علاقة محرمة، شاب لا يحميه دين أو خُلق أو وفاء، شاب لا يدفعه إلا الشهوة أولاً وآخراً، أتأمنينه على نفسكِ بعد ذلك؟ لقد خان ربه ودينه وأمه، وأنتِ يا فتاة لن تكوني أعز الناس لديه، أنتِ لن تكوني إلا طعماً سرعان ما يحقق مقصوده لتبقي بعد ذلك لا سمح الله صريعة الأسى والحزن والندم.

يا فتاة.. هبي أنكِ قد بنيت علاقة مع فلان من الناس، وزادت المودة، وقويت العلاقة حتى صار خليلاً تبثينه الأشجان وتخشين لفراقه وتحزنين لوداعه، ولكن ألم تحدثي نفسكِ يوماً من الأيام بالمستقبل؟ ألم تسمعي أن هناك من ندم أشد الندم، وتمنى أنه لم يعرف فلاناً أو لم يعرف فلانة؟ ألم تسمعي أن هناك من تمنت أن فلاناً لم يمر طيفه بخاطرها وخيالها؟ من تمنت أنها لم تسمع صوته، أنها لم تخرج إلى تلك الدنيا كلها، والتي كانت سبباً في معرفته؟ وحين لا ينفع الندم في هذه الدار فقد يأتي يوماً تقولين فيه: لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلإِنسَانِ خَذُولًا [الفرقان:28-29] .

لماذا إهدار العاطفة؟

يا فتاة.. إن الله عز وجل حكيم عليم، ما خلق شيئاً إلا لحكمة، ولا قضى قضاء إلا وفيه الخير علم ابن آدم أو جهل.

لقد شاء الله عز وجل بحكمته أن تكون المرأة ذات عاطفة جياشة تتجاوب مع ما يثيرها لتنفجر رصيداً هائلاً من المشاعر والتي تصنع سلوكها أو توجهه، وحين تصاب الفتاة بالتعلق بفلان من الناس قرب أو بعد، فأيُّ هيام سيبلغ بها؟ فتاة تعشق رجلاً فتقبِّل شاشة التلفاز حين ترى صورته، أو أخرى تعشق صوته فتنتظره على أحر من الجمر لتشنف سمعها بحديثه، وحين تغيب عن ناظرها صورته، أو تفقد أذنها صوته يرتفع مؤشر القلق لديها، ويتعالى انزعاجها فقد غدا هو البلسم الشافي.

يا فتاة.. بعيداً عن تحريم ذلك وعمّا فيه من مخالفة شرعية، ماذا بقي في قلب الفتاة من حب لله ورسوله، ومن حب للصالحين بحب الله؟ ماذا بقي لتلاوة كلام الله عز وجل والتلذذ به؟ أين تلك التي تنتظر موعد المكالمة على أحر من الجمر، ومتى؟ في ثلث الليل الآخر وقت النزول الإلهي، فأين هي من التلذذ بمناجاة الله عز وجل والانطراح بين يديه؟ بل أين هي من مصالح دنياها، فهي على أتم الاستعداد أن تتخلف عن الدراسة من أجل أمر واحد، هو اللقاء به، إنها على أتم الاستعداد أن تُهمل شئون منزلها من أجل مطلب تافه، هو مطلب الإفاضة في سماع صوته والحديث معه، بل وما بالها تعيش هذا الجحيم والأسى فيبقى قلبها نهباً للعواطف المتناقضة والمشاعر المتضاربة.

فما في الأرض أشقى من محبوإن وجد الهوى حلو المذاق

تراه باكياً في كـل حـالمخافـة فرقـة أو لاشتياق

فيبكي إن نأوا شوقاً إليهم ويبكي إن دنوا حذر الفراق

إن هذا الركام الهائل من العواطف المهدرة ليتدفق فيغرق كل مشاعر الخير والحب والوفاء للوالدين، إن هذه المشاعر والتي تهدر لفلان من الناس لا بد أن تكون حتماً على حساب ما يحتاجه أبناؤها، فحين تُرزق الأبناء فلن تجد بعد ذلك رصيداً من العواطف تصرفه لهم فينشئون نشأة شاذة ويتربون تربية نشازاً.

يا فتاة.. العاقل حين يملك المال فإنه يكون رشيداً في التصرف فيه حتى لا يفقده حين يحتاجه، فما بالكِ تهدرين هذه العواطف والمشاعر فتصرفيها في غير مصرفها وهي لا تقارن بالمال، ولا تقاس بالدنيا؟

يا فتاة.. لقد خصك الله سبحانه بهذه العاطفة وهذا الحنان وهذه الرقة وهذا التجاوب مع هذه المشاعر لحكمة يريدها سبحانه وتعالى، ليبقى هذا رصيداً يمد الحياة الزوجية بعد ذلك بماء الحياة والاستقرار والأنس، ليبقى رصيداً يدر على الأبناء الصالحين حتى ينشئوا نشأة صالحة، فما بالكِ تهدرين هذه العواطف لتجنين أنتِ وحدكِ الشقاء في الدنيا؟ فتارة تشتاقين إلى اللقاء، وأخرى تبكين خوف الفراق والأسى، وأخيراً تضعين يدكِ على قلبكِ خوف النهاية والفضيحة، خوف هذه النهاية المؤلمة التي أهدرتِ عواطفكِ، وأهدرتِ أعز ما تملكين من أجل أن تصلي إليها، أعرفتِ الثمن الباهض، الذي تدفعينه حين تصرفين هذه العاطفة في غير مصرفها الشرعي؟

إلى هذا الحد ترخص المرأة!

يا فتاة.. مظهر لا أشك أنكِ ترفضينه غاية الرفض، وتمقتينه غاية المقت، إنه يمثل إهداراً لشخصيتكِ وإهانة لكرامتكِ ومقومات أنوثتك، إنه تحويل للمرأة التي كرمها الله عز وجل، وجعل لها حقاً ومنزلة وأوصى ببرها وحسن صحابتها، وربط ذلك برضاه سبحانه وتعالى، وقرن عقوقها بالشرك به وعده من أكبر الكبائر.

أي إهدار رخيص لقيمة المرأة حين تُجعل وسيلة للدعاية والإعلان لترويج السلع والمنتجات. فهل تصل قيمة المرأة والفتاة عند هؤلاء أن توضع صورتها على علبة الصابون أو المناديل؟ أو تزين بها أغلفة المجلات؟ أليس هذا وسيلة للإثارة والإغراء وترويج المطبوعة؟! ألا ترين يا فتاة أن في هذا إهانة وتحويلاً لكِ إلى مصدر للثراء ولجمع المال أيًّا كان مصدره.

لقد بدأت يا فتاة حتى أفجر الممثلات في الغرب يشعرن بسقوط المرأة أمام قدمي الرجل ونفسيته الجشعة، فقد نشرت إحدى الصحف أن ممثلة فرنسية بينما كانت تمثل مشهداً عارياً أمام الكاميرا ثارت ثورة عارمة، وصاحت في وجه الممثل والمخرج قائلة: أيها الكلاب، أنتم الرجال لا تريدون منا نحن النساء إلا أجسادنا؛ حتى تصبحوا من أصحاب الملايين على حسابنا، ثم انفجرت باكية.. لقد استيقظت فطرة هذه المرأة في لحظة واحدة على الرغم من الحياة الفاسدة التي تغرق فيها، استيقظت لتقدم الدليل القاطع على عمق المأساة التي تعيشها تلك المرأة التي قالوا عنها إنها متقدمة.

قارني بين الصورتين

الصورة الأولى: شاب مستقيم محافظ على طاعة مولاه، قد سخَّر وقته وجهده لعبادة ربه، وأفنى شبابه في طاعته.

والثاني: شاب تائه زائغ تقيمه شهوته وتقعده.

فالأول: تعرض له الفتنة، وتبدو أمام ناظريه فيغض بصره ويعرض عنها، بل وينأى عن مواقعها، إنه كالآخرين يدعوه داعي الشهوة وتحركه العاطفة، لكنه يشعر أن عاطفته وشهوته مأسورة بإطار الشرع ومحاطة بسياجه. تحادثه الفتاة وتنبري أمامه وتسعى لإيقاعه، لكن لسان حاله يقول: مَعَاذَ اللَّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ [يوسف:23] .

والثاني: ينهار أمام شهوته وينهزم أمامها؛ فيقضي سحابة نهاره وليله في التسكع في الأسواق، أو أمام بوابات المدارس، أو واقفاً تحت سماعة الهاتف، وربما كان يتحدث من خلال هاتف العملة فيبقى طويلاً طويلاً.. يحادث هذه الفتاة وتلك، يبحث هنا وهناك، يبحث عن الصورة الفاتنة والمجلة الساقطة.

يا فتاة.. كوني واقعية، ومنطقية واحكمي بعيداً عن العاطفة، أيهما أكثر رجولة، ومن أحق بالثناء والإعجاب، الشاب الذي ينتصر على شهوته ويستعلي على رغبته استجابة لمرضاة الله عز وجل؟ أم الآخر الذي ينهار أمام داعي الشهوة ويسعى لتحقيقها على أشلاء كل خُلق وفضيلة؟

من أولى بالقدوة؟

يا فتاة.. لكل أمة تاريخ تفخر به، ولكل امرئ مجد ينافح عنه ويتطلع إليه، وتتحكم ثقافة المرء وخلفيته في اختيار المحتوى التاريخي الذي يفتخر به وينتمي إليه.

فهناك من غاية التاريخ عنده موروثات قديمة، ومقتنيات الآباء والأجداد من الأدوات والأواني والأثاث، وهناك من يشعر أن المنهج، والفكر، والمبدأ أثمن من هذا كله، فيعتبر أن هذا هو تراثه الحقيقي.

يا فتاة.. حين نطبق هذه القاعدة على الفتيات فسنجد الصورة نفسها، فمنهن من لا تذكر من التاريخ إلا حكايات جدتها قبل النوم، وهناك من ترى التراث في إناء أو موروث قديم، وهناك من تمتد في التاريخ امتداداً أفقيًّا مع الجيل الحاضر والأمم المعاصرة؛ فترى قدوتها في عارضة أزياء ساقطة، أو ممثلة كافرة، أو مغنية فاجرة، ومنهن من تمتد امتداداً رأسيًّا لترى قدوتها في أم عمارة نسيبة بنت كعب ، أو ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر ، أو في اللواتي أثنى عليهن الله: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [الأحزاب:33] واللاتي قال الله عز وجل عنهن: قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ [التحريم:5] ويتجاوز نظرها هذا المدى ليدرج ضمن هذه القائمة امرأة فرعون: إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنَ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [التحريم:11] .

يا فتاة.. أدعوكِ مرة أخرى لتحكمي وبمنطق العقل والموضوعية، من أولى بالقدوة؟ ومن الأحق بالأسوة؟

يا فتاة.. لو وضع لك الخيار أن تكوني كإحدى الطائفتين، فأين أراكِ تختارين؟ حزب عائشة وزينب وأسماء وآسية ؟ أم حزب عارضات الأزياء والممثلات؟

يا فتاة.. حين يهديكِ عقلكِ الراشد إلى اختيار أحد الحزبين، وخير الطائفتين، فسوف تسعين حتماً للاقتداء بمن تختارين، والسير في ركابه، وإن لم تصلي النهاية التي وصلن إليها، إلا أنك في الطريق.

وإليك النهاية التي تصل إليها الساقطات:

إحدى الممثلات الساقطات، وأعتذر عن ذكر هذه الأسماء في مثل هذا المكان المبارك، فقد ذكر الله عز وجل في كتابه اسم فرعون وقارون وهامان .

الممثلة الراحلة كما يقال مارلين مونرو نالت المال الذي تستطيع أن تحصل به على كل شيء، والشهرة التي جعلت اسمها وصورتها تملأ صحف العالم، والجمال الذي يشد أنظار الرجال إليها ويجذبهم نحوها، نالت كما يقال ثالوث السعادة: المال والشهرة والجمال، لقد وجد المحقق الذي درس قضية انتحار هذه الممثلة الشهيرة رسالة محفوظة في صندوق الأمانات في بنك مانهاتن في نيويورك، حين فتح المحقق الرسالة وجدها مكتوبة بخطها نفسها وهي موجهة إلى فتاة تطلب نصيحتها عن الطريق إلى التمثيل فتقول في رسالتها: احذري المجد، احذري كل من يخدعك بالأضواء، إنني أتعس امرأة على هذه الأرض لم أستطع أن أكون أمًّا. إني امرأة أفضِّل البيت، أفضِّل الحياة العائلية على كل شيء، إن سعادة المرأة الحقيقية في الحياة العائلية الشريفة الطاهرة بل إن هذه الحياة لهي رمز سعادة المرأة بل الإنسانية.انتهى كلامها.

إنه شاهد على تلك المأساة التي تعيشها أمثال هذه النسوة، والتي تراها بعض الفتيات قدوة لها وأسوة لها.

وصرح بعض النقاد بأن الجاني هو كل فرد في المجتمع الغربي.

قال أحدهم في إيطاليا: إنها لم تنتحر، نحن الذين قتلناها، نحن الذين نشاهد الأفلام ونقرأ المجلات.

بل اعتبرها أديب آخر إنسانة لم تطق استمرار العيش في قاذورات تلك الحضارة، ولم تجد مفراً من موتها اليومي إلا بالموت النهائي.

نعم لقد وجدت هذه الممثلة في الانتحار خلاصاً من شقائها، وتحرراً من واقعها، ونجاة من مستغليها والمثرين على حساب أنوثتها.

قارني يا فتاة بين هذه الصورة وبين صورة تلك المرأة التي تقول: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنَ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [التحريم:11].

ألم تدخلي المصلى؟

يا فتاة.. ألم تنقلك قدماك إلى المصلى؟

تفضلي علينا بدقائق من وقتكِ، وادلفي خطوات إلى مصلى الكلية، إلى هنا حيث يجتمع ثلة من الصالحات القانتات العابدات، فإحداهن تقرأ القرآن، والأخرى تركع ركعتي الضحى، والأخرى في مجلس علم وذكر. في حين يتحلق غيرهن على موائد من اللحوم البشرية، واحتفظي بهذه الصورة في الذاكرة.

وحين تعودين إلى المنزل وتستلقين على الفراش تفضلي على نفسك بدقائق فاسترجعي تلك الصورة، وقارني بينها وبين فتاة تقف عند بوابة المدرسة، أو أمام محل تجاري وهي تسارع خطاها وأنظارها في كل اتجاه، هل جاء صاحبها أم لا؟ ثم هل يراكم من أحد؟ أو بين تلك التي تتصفح مجلة ساقطة، أو تحملق أمام الشاشة، أو تمسك بسماعة الهاتف؟

بالله عليكِ أيهما أهنأ عيشاً، وأكثر استقراراً؟ أيهما أولى بصفات المدح والثناء.. تلك التي تنتصر على نفسها ورغبتها، وتستعلي على شهوتها، وهي تعاني من الفراغ كما تعانين، وتشكو من تأجج الشهوة كما تشكين، أم الأخرى التي تنهار أمام شهوتها؟

يا فتاة.. تساؤل يطرح نفسه ويفرضه الواقع: لماذا هذه الفتاة تنجح ولا أنجح أنا؟ لماذا تجتاز هذه العقبة وأنهزم أمامها؟

إنها صورة تشخص أمام ناظريكِ يا فتاة، فأنتِ ترينها كل صباح في المدرسة، ترينها كل مساء في مناسبة عائلية، أو لقاء الأفراح، ترين هذه الصورة وأجزم وأنكِ وأنت تواجهينها بالسخرية اللاذعة والكلمة الجارحة؛ أنكِ تقولين من الداخل كلاماً آخر غير هذا كله.

فلماذا لا تكونين صريحة؟ لماذا لا تعلني هذا الكلام الذي بداخلك؟ لماذا لا تفكرين مرة أخرى بمنطق العقل: كيف تنجح هذه وأفشل أنا؟

قبل أن تذبل الزهرة

يا فتاة.. ها أنتِ تتطلعين إلى المرآة فترين صورة وجه وضيء يتدفق حيوية وشباباً، ها أنتِ تغدين وتروحين وأنتِ تتمتعين بوافر الصحة وقوة الشباب.

ولكن ألم تزوري جدتك يوماً؟ أو تري عجوزاً قد رق عظمها وخارت قواها؟ لقد كانت يوماً من الدهر شابة مثلك، وزهرة كزهرتك، ولكن سرعان ما مضت السنون وانقضت الأيام فاندفنت زهرة الشباب تحت ركام الشيخوخة، ومضت أيام الصبوة لتبقى صورة منقوشة في الذاكرة؟ وها أنت يا فتاة على الطريق، وما ترينه من صورة شاحبة وشيخوخة إنما هي مرآة لما ستكونين إليه في المستقبل بعد سنوات.

إذاً فكيف تهدرين وقت الشباب وزهرته، وتضيعين الحيوية فيما لا يعود عليكِ إلا بالندم وسوء العاقبة؟

يا فتاة.. لقد وعد صلى الله عليه وسلم بأن من السبعة الذين يظلهم الله يوم لا ظل إلا ظله شاباً نشأ في طاعة الله عز وجل، والخطاب للرجال تدخل فيه النساء، في يوم تدنو الشمس فيه من الخلائق حتى تكون منهم على قدر ميل، حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعون ذراعاً.. فمنهم من يبلغ العرق إلى كعبيه، ومنهم من يبلغ إلى حقويه، ومنهم من يبلغ إلى أذنيه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً.. فهلا فكرت أن تكوني من اللواتي في ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله؟

ما للفتاة والرياضة؟

يا فتاة.. هل صحيح ما سمعنا عنكِ، أنكِ تهتمين بمتابعة أخبار الرياضة، وأنكِ ربما لا تذكرين الدراسة، حين يكون هناك مباراة هامة، وأحياناً تستأذنين من المحاضرة لتتصلي بالهاتف فتسألي عن أخبار المباراة، ومن الفريق المنتصر؟ أصحيح أنكِ تُعجبين برياضي ماهر، وتتطلعين إلى صورته، وتتمنين أن تري منجزاته؟

يا فتاة.. اللهو المباح المنضبط أمر يقره الشرع، لكن هذا شأن وما تعيشه الفتاة مع الرياضة شأن آخر، أيليق بمربية الأجيال وأم الدعاة ومنجبة القادة أن تكون هذه نهاية اهتماماتها؟ وغاية طموحاتها؟ فاز الفريق وانتصر..، وحصل على كذا وكذا من النقاط، فماذا حصل؟ وأي أمر كان؟ أليس للفتاة مهمة ووظيفة أعلى من هذا كله تستوجب عليها أن تحتفظ بوقتها وبعواطفها وبمشاعرها وبحماسها لما هو أسمى من هذا كله؟

معذرة يا فتاة.. أشعر أن الوقت يلاحقني، وأراني مضطراً للاختصار.

بم يُعاب الرجل؟

إن أكبر عيب يوجّه للرجل أن يقال له: إنه امرأة، وحين يعيّر الرجل بالأنوثة فهذا غاية السب والشتم، إذاً ما بالكِ بالمرأة المسترجلة، ما بالكِ بالمرأة التي تتشبه بالرجال، أليست مدعاة بأن تقيم شاهداً على نفسها من واقعها، -والفعل أبلغ من القول- أنها امرأة مسترجلة أنها تدعو الآخرين إلى عيبها.

العذراء في خدرها

يا فتاة.. يُمتدح الرجال بالشجاعة والكرم والنخوة، ولكن أتدرين بم تُمتدح الفتاة؟ إنها تُمتدح بالحياء، وحين يوصف الرجل بالحياء يشبّه بالعذراء.. ولهذا كان صلى الله عليه وسلم أشد حياءً من العذراء في خدرها، أتظنين يا فتاة أنكِ حين تطيلين اللسان وترفعين اللهجة، وحين تزيلين عنك غشاوة الحياء، أتظنين أنك تبلغين مبلغاً عالياً سامياً؟ أم أنكِ تضحين بشيء من أغلى ما تمدحين وتوصفين به؟

لا مجال للمخاطرة

قد يقود الفراغ -وربما الفضول- الفتاة لمكالمة هاتفية خاطفة قد تكون بداية المأساة لهذه الفتاة، فإما أن يعرف ذلك أحد الوالدين، فتقع الفتاة في دوامة من الحيرة والقلق لا نهاية لها، أو أن يتم اللقاء والفضيحة فتدمر مستقبلها وحياتها، أو أن يكون ذلك مدعاة لقتل عفافها، واسمعي لهذه الرواية..

في مجلة الأمة الصادرة بتاريخ 22/7/1987م نقرأ هذه المأساة.. أنا فتاة أبلغ من العمر التاسعة عشرة، في السنة الأولى في الجامعة اعتدت أن أراه في ذهابي وعند عودتي من الجامعة، في كل مرة يبادلني التحية، وتصادف أن التقينا في مكان عام، وشعرت معه بمعنى الحياة، تعاهدنا على الزواج، ثم تقدم لخطبتي، وعشت أياماً سعيدة، وفي ذات يوم حدث بيني وبينه لقاء فقدت فيه عذريتي، ووعدني أن يسرع بالزواج، وبعد عدة شهور من لقائنا اختفى من حياتي وأرسل والدته لتنهي الخطوبة، ولتنهي معها حياتي كلها، فالحزن لا يفارق عيني، أعيش في سجن مظلم مليء بالحسرة واللوعة والأسى، ولا تقولي لي: إن الأيام كفيلة بأن تداويني بنعمة النسيان. فكيف أنسى ما أصابني من الذي أعطيته كل شيء، وجعلني لا أساوي شيئاً؟

إنها نهاية يا فتاة قد تكون هي النهاية التي تصل إليها كل فتاة تسلك هذا المسلك، وقد تكون أول خطوة في هذا الطريق وهذه النهاية، هي مكالمة خاطفة، فهل يستحق الأمر هذه المخاطرة؟

صور من حياة المرأة الغربية

يا فتاة.. لقد قص الله عز وجل علينا في القرآن قصص الأمم الكافرة والأمم الغابرة لنتعظ بها ونعتبر، فإليك هذه الصفحات العاجلة مما تعيشه المرأة في عالم الغرب، ذاك العالم الذي يراد لكِ أن تكوني مثلهم،

أولاً هكذا تهان المرأة

في دراسة أمريكية أُجريت عام 1407هـ، أشارت إلى أن 79% من الرجال يقومون بضرب النساء، وبخاصة إذا كانوا متزوجين منهن.

وفي دراسةٍ فُحص فيها 1360 سجلاًّ للنساء في المستشفيات، تقول: إن ضرب النساء في أمريكا ربما كان أكثر الأسباب شيوعاً للجروح التي تُصاب بها النساء، وأنها تفوق ما يلحق بهن من أذى نتيجة حوادث السيارات والسرقة والاغتصاب مجتمعة.

وفي فرنسا تتعرض حوالي مليون امرأة للضرب، وأمام هذه الظاهرة التي تقول الشرطة إنها تمثل حوالي 10% من العائلات الفرنسية، أعلنت الحكومة أنها ستبدأ حملة لمنع أن تبدو أعمال العنف هذه كأنها ظاهرة طبيعية.

وقالت أمينة سر الدولة لحقوق المرأة: إن الحيوانات تُعامل أحياناً أحسن منهن، فلو أن رجلاً ضرب كلباً في الشارع فسيتقدم شخص ما بالشكوى إلى جمعية الرفق بالحيوان، ولكن إذا ضرب رجل زوجته في الشارع فلن يتحرك أحد، وتقول صحيفة فرانسر عن الشرطة إن 60% من الدعوات الهاتفية التي تتلقاها شرطة الخدمة في باريس أثناء الليل هي نداءات استغاثة من نساء يسيء أزواجهن معاملتهن.

العلاقات غير الشرعية

دلت الدراسات على أن في الولايات المتحدة نفسها أكثر من 35 مليون متزوج يقيم علاقات غير شرعية خارج عش الزوجية، أي نسبة تصل إلى 70% من الرجال المتزوجين. وبعبارة أخرى فإن 70% من الزوجات الأمريكيات مأسورات بقيد الخيانة، خيانة أزواجهن لهن.

ويقول المحللون إن 90% من حوادث الاغتصاب لا تصل إلى سجلات البوليس، وفي المقابل تقول إحدى الإحصائيات: إن حادثة اختطاف تسجل كل 6 دقائق، هذه الحادثة لا تشكل إلا 10 % من صور حوادث الاغتصاب.

وفي لوس إنجلوس التي أصبحت تشتهر بأنها عاصمة حوادث الاغتصاب في العالم.. واحدة من ثلاث فتيات فوق سن 14 عامًا معرضة للاغتصاب.

وأما في فرنسا، فقد أذاع الراديو الفرنسي في يوم الأحد 25/9/1977م إحصائية ذكر فيها: أن في فرنسا 5 ملايين امرأة متزوجة على علاقة جنسية بغير أزواجهن. وأذاع التلفزيون الفرنسي في القناة الأولى أن المحكمة الفرنسية ردت الدعوى التي قدمها الزوج بحق زوجته التي تخونه، وبعد تقديم الدليل قالت المحكمة: ليس من حق الزوج أن يتدخل في الشؤون الخاصة بزوجته.

الدمار في الحياة العائلية

وصورة أخرى من صور الدمار في الغرب: الدمار في الحياة العائلية.

أنقذوا العائلة من الموت .. أنقذوا العائلة من الموت، هذا نداء أطلقه العالم الاجتماعي الفرنسي جيرند أوريل وهو النداء الثالث الذي يُطلقه خلال 30 سنة الماضية.

وقد قام الباحث الغربي على امتداد سنتين ماضيتين بمسح ميداني للعائلة الغربية، تنقل فيه بين مختلف البلاد الأوروبية وعبر الأطلسي إلى الولايات المتحدة وكندا ليعود بجعبة مليئة بالأصوات التي تحذر من اتجاه العائلة الغربية نحو الهلاك. هذه الأصوات مع تحليل واف لها جمعها في كتاب أطلق عليه عنوان: أنقذونا، والأصوات تلك هي عبارة عن الحوارات القصيرة التي أجراها المؤلف مع نساء وأطفال وآباء وأجداد حول طبيعة علاقة كل واحد منهم بأفراد العائلة الآخرين، والأصوات البعيدة كانت نادرة جداً بل هي استثنائية.

وها هي المرأة الغربية تنادي: أريد العودة إلى منزلي. وهذا عنوان كتاب ألفته إحدى المفكرات الفرنسيات.

وفي إحصائية في السويد تقول: إن المرأة السويدية فجأة اكتشفت أنها اشترت وهماً هائلاً -تقصد الحرية التي أعطيت لها- بثمن مفزع؛ وهو سعادتها الحقيقية.

هذه هي حال المرأة في الغرب، هذا هو الحال الذي جنته تلك المرأة التي سارت على هذا الطريق، وهي الخطوة التي يراد لكِ يا فتاة أن تسيري إليها، وهي النهاية التي يُراد لكِ يا فتاة أن تصلي إليها، فهلا اختصرتِ الطريق من الآن؟ وهلا قطعتِ الطريق قبل أن تصلي إلى هذه النهاية.

أنت صاحبة القرار

إن الاقتناع بخطأ طريق الغفلة، والممارسة الشاذة، والسلوك المنحرف أمر يشترك فيه الكثير من الشباب والفتيات ممن هم كذلك. بل أكثرهم يقتنع بحاجته إلى الالتزام والاستقامة، ولكن هذا القرار الشجاع، الحاسم يقف المرء معه متردداً متهيباً.

لست أدري ما مصدر هذا التردد ما دام الاقتناع قد تكون لدى الفتاة بخطأ طريقها، وسلامة الطريق الآخر فماذا تنتظر؟ إنه التخوف من المستقبل الذي لا مبرر له.

القضية باختصار يا فتاة: قرار جريء وشجاع تتخذينه، وبعد ذلك يتغير مجرى حياتكِ تلقائياً، ويهون ما بعده، فهل تعجزين عن اتخاذ هذا القرار؟ لا أخالكِ كذلك وقد عهدناكِ الجريئة، وقد عهدناكِ التي لا يقف دون رغبتكِ شيء، فأنتِ التي استطعتِ أن تسلكي خطاً ومساراً غير ما كانت عليه أمُكِ وأجدادكِ، أنتِ التي استطعتِ أن تتمردي على تلك التوجيهات التي سمعتها من أبيكِ وأمكِ، أنتِ التي استطعتِ أن تخرقي هذا السياج كله، فأين هذه الجرأة والشجاعة؟ إننا نريد أن تتضافر هذه الجرأة وهذه الشجاعة لتكوّن عندكِ دفعة لاتخاذ هذا القرار، واسألي من كُن شركاء لكِ في الماضي فاتخذن هذا القرار وسلكن طريق الهداية.

رسالة من فتاة

أخيراً وردت إليّ رسائل كثيرة من بعض الفتيات، حول هذا الموضوع، وهي رسائل من حقهن أن نذكر بعضها، لكني أعتذر لكم وأعتذر لهن سلفاً أن أختصر بعضاً من رسالة طويلة وردت إليّ من إحدى الفتيات، إنها تصور هذا الواقع التي تعيشه هذه الفتاة.

تقول: كيف يسهل لقلم مسلم أو مسلمة أن يكتب واقعاً مريراً مؤلماً لفتاة مسلمة؟ كيف يسهل لأقلامنا أن تكتب واقعاً هي متسببة فيه؟ اللهم ارزقنا الأقلام السيالة المجاهدة الداعية إليك بالحكمة والموعظة الحسنة.

أولاً: واقعها في المدرسة.

هي حائرة شاردة الذهن دائماً، من الطبيعي أن المسلمة كذلك وخاصة في هذا العصر الذي لا تجد فيه ما يبهج النفس، فهي لا تلام على حيرتها، ولكن الأمر الذي نلومها عليه والأدهى من ذلك هو في ماذا تفكّر؟ ولماذا الحيرة؟ من أجل أمتها؟ أم لها مكانة اجتماعية شغلت ذهنها؟ أم أنها تتأمل في ملكوت الله، أم ماذا؟

يا فتاة الإسلام.. للأسف لا هذا ولا ذاك، أخشى أن تُصعق يا أخي حينما تعلم الأمر الذي شغل فكر ابنة الإسلام، قبل أن تقرأه احمد الله تعالى على كل حال، وكأني بك وأنت تتخيلها وهي حائرة تفكر في عشيقها الذي كلمته البارحة، قد أتعبها وآلمها وحيّر عقلها غضبه منها.

وإليك هذه الواقعة التي حدثت معي شخصياً، والتي ربما لو سمعتها من غيري لما صدقت أن تصل فتاة الإسلام وأمل الأمة إلى هذه المرحلة من الانحطاط.. بينما نحن في حصة فراغ وإذا بي أرغب زميلاتي وكل واحدة منهن في واد لا تعلمه الأخرى، فهذه تسرّح شعرها، والأخرى تكتب واجبها، والثالثة قد تحلّق حولها معظم البنات وكأنهن قد جمعن على مائدة! نعم مائدة من اللحوم البشرية، وأختنا المفقودة لا مع هؤلاء ولا مع هؤلاء، هي في واد آخر اقتربت منها فسلمت عليها فردت السلام باختصار شديد، وبدأنا نتجاذب أطراف الحديث حتى وصلت إلى السؤال المقصود: ما سبب حيرتها؟

أجابت بالحرف الواحد: حرف a! قلت: لماذا إنه سهل الكتابة؟ فضحكت ضحكة اتضح لي منها معنى السخرية وكأنها تقول: إنكِ جاهلة ولا تعرفين شيئاً ولستِ كالبنات، فقلت: إِنْ تَسْخَرُوا مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ [هود:38] وهنا تناديني زميلة أخرى من المقربات إلى صحابتنا لتسألني عن أمر ما، فقلت لها: ما بال فلانة؟ وأخبرتها الخبر فقالت: إنها تحب شاباً يسمى عبد الرحمن وقد حدث بينهما سوء تفاهم هذه الأيام، وهي على هذه الحالة من أسبوع.

لا أدري ما أسطّر وماذا أدع؟ واقع تعيشه فتاة الإسلام يكاد ينطق الصخور، ربما تتهمني بالمبالغة، لا تلام يا أخي، فكيف لك يا ابن الإسلام أن تصدّق واقعاً كهذا لمسلمة؟ لا ألومك فأنت لم ترهن وهن يتحدثن بكل بجاحة وسوء أدب وكأن أمراً لم يحدث، صدقني يا ابن الإسلام أن كلماتي تكاد تنطق من حرارتها حزناً لواقعنا الأليم، وكثيراً ما أرى وأسمع وأُعاصر حوادث ووقائع تؤيد ما أقول.

وأعتذر لكم لقراءة رسالتي كما وردت، أو لقراءة بعض العبارات كما وردت باللهجة العامية.

تنتقل أختنا لتصور صوراً من حوارها مع بعض الفتيات، وتحدثها إحداهن عن برنامجها..

تقول: أصل إلى البيت الساعة الواحدة ظهراً ثم أصلي الظهر.

كم تستغرقين؟

خمس دقائق.

ثم ماذا تفعلين؟

بصراحة أكلم خالد .

كم تستغرقين؟

نصف ساعة.

سؤال آخر: متى تنامين؟

والله أنوم الساعة الواحدة أو الثانية عشرة.

وتقومين الفجر؟

لا، سامحكِ الله أقوم متى كلمت محمداً .

من محمد ؟

محمد عمرها حياتها.. يكفي.

الساعة كم؟

متى كلم الساعة الثانية أو الساعة الثالثة أستيقظ.

وتستيقظين ولا تتعبين؟

نعم أقوم، وإذا ما قمت له فلمن أقوم؟

وكم تستمرون في المكالمة؟

والله متى ما رغب أغلقت السماعة، وأغلب الأحيان على رغبتي ساعة بعد الفجر.

أين أهلكِ من هذا كله؟

ماذا تقولين؟

بعد أن أطلقت ضحكت عالية لفتت أنظار الجميع.. أهلي! أمي بعد العصر في زيارة، والوالد في العمل، وإخواني مع المعذرة لهذه العبارة.. وإخواني ألعن مني، وفي الليل نائمين.

وبعد ذلك انتهى بنا المطاف، وهنا قفزت أسئلة كثيرة إلى ذهني، ووددت لو سألتها ولكن أين هي؟ لقد ذهبت مع صاحبتها.

لا حول ولا قوة إلا بالله، أيعقل يا فتاة الإسلام أن يكون هذا يومكِ؟ وهكذا دوماً تسير حياتكِ؟ أين كتاب الله في قاموس حياتكِ؟ أين الأذكار النبوية؟ أين الدعاء والإلحاح على الله؟ أين المحافظة على الصلاة في وقتها والخشوع فيها؟ أين معاني الوحدة التي تربطنا بإخواننا؟ أين.. أين وأين يا فتاة الإسلام؟

آسفة يا أخي.. لقد أزعجتك وسمعك بهذا الواقع، ولكن هي الحقيقة، ولا بد أنك الآن شاخص العينين، مشدود الفكر في واقع أختنا والذي يعد واحداً من المئات، لا أدري ما شعورك الآن بعد قراءة هذه الكلمات من أفواه المسلمات؟ أما أنا فلم يعد في مقدوري المواصلة، وهنا يقف قلمي ليعلن استسلامه، وما بقي أكثر مما ذُكر ولا حول ولا قوة إلا بالله. وهنا انتهت هذه الرسالة.

هذه معشر الفتيات جزء من رسالة واحدة وصلتني من إحدى الفتيات تصور فيها هذا الواقع، ولولا ضيق الوقت لأفضت في الحديث عمّا في هذه الرسالة أو غيرها.

وأخيراً وفي نهاية المطاف إنني أقول لكِ يا فتاة، وأقول للجميع، ومع هذا الحديث كله فإنه ليس هذا هو الواقع المحترم، فهناك بيوت محافظة، وهناك نساء صالحات قانتات، ونحن حين نتحدث عن هذا الواقع المؤلم الآسي مرة أخرى لا يسوغ أيضاً أن نبالغ ونتهم الناس كلهم بذلك، وأيضاً لا يسوغ أن يعترض علينا معترض ليقول إن الناس في عفة وحياء وهو يعرف قريباته، ويعرف عائلته، ولا يجد واحدة منهن بهذه الحال، فيعترض علينا ويرى أن في هذا الأمر تشهيراً.

يا فتاة.. والله لقد ترددت كثيراً أن أقول هذا الحديث وأقول هذا الكلام، ولكني أرى المصارحة والوضوح؛ خاصة والقضية أصبحت ظاهرة لكل ذي عين، بل والحديث تحت ضوء الشمس خير وأولى لنا، علها أن توقظ قلوباً غافلة وتسمعها آذان لم تعد تسمع هذا الصوت الناصح.

معذرة إخوتي الكرام فقد أطلت عليكم، ولقد اختصرت كثيراً مما كنت أريد الحديث عنه، فالحديث يطول، وهو حديث ذو شجون، بل ومعذرة لأني أول مرة أستعمل في حديثي تاء التأنيث، أول مرة أخاطب فيها الفتاة، وليس هذا حقها علينا فحقها أعظم.

نسأل الله عز وجل أن يعيننا على أداء هذا الحق.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , يا فتاة للشيخ : محمد الدويش

https://audio.islamweb.net