إسلام ويب

أهل التقوى والإيمان هم خيرة الخلق وأشرفهم، وعلى رأسهم الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فعلى العبد أن يعلم صفات أهل التقوى والإيمان، وأن يتصف بها؛ حتى يكون منهم، وينال فضلهم وشرفهم.

همة أهل التقوى والإيمان

الحمد لله المتفرد بوحدانية الألوهية، المتعزز بعظمة الربوبية، القائم على نفوس العالم بآجالها، العالم بتقلبها وأحوالها، المان عليهم بتوافر آلائه، والمتفضل عليهم بسوابغ نعمائه، الذي خلق الخلق حين أراد بلا معين ولا مشير، وأنشأ البشر كما أراد، فمضت فيهم بقدرته مشيئته، ونفذت فيهم بحكمته إرادته، وألهمهم حسن الإطلاق، وركب فيهم تشعب الأخلاق، فهم على طبقات أقدارهم يمشون، وفيما قضي وقدر عليهم يهيمون، وكل حزب بما لديهم فرحون.

وأشهد أن لا إله إلا الله خالق السماوات العلى، ومنشئ الأرضين والثرى، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون.

وأشهد أن محمداً عبده المصطفى، ونبيه المجتبى، ورسوله المرتضى، بعثه بالنور المضي، والأمر المرضي، على حين فترة من الرسل، ودروس من السبل، فدمغ به الطغيان، وأظهر به الإيمان، ورفع دينه على سائر الأديان، فصلى الله عليه وسلم وبارك ما دار في السماء فلك، وما سبح في الملكوت ملك، وسلم تسليماً.

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله عز وجل، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى وإن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين.

أما بعد:

ننتخب هؤلاء بيض القلوب، وبيض الوجوه، هؤلاء الذين يتجملون بأحسن لباس، فقد تمنن الله عز وجل على بني آدم فقال: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ [الأعراف:26].

فنحن ننتخب الذين يتجملون بلباس التقوى، فالله عز وجل بعد أن تمنن على بني آدم بما جعل لهم من اللباس الذي يواري السوءات ويستر العورات، ومن الرياش الذي يتجملون به، ثم ذكر الله عز وجل أجمل لباس، وأحسن لباس، الذي يواري سوءات الظاهر والباطن، والذي يستر العبد في الدنيا والآخرة، فقال: وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ [الأعراف:26].

إذا المرء لم يلبس ثياباً من التقى تقلب عرياناً وإن كان كاسيا

وخير ثياب المرء طاعة ربه ولا خير في من كان لله عاصيا

ننتخب هؤلاء الذين قد جعلوا الآخرة هي شغلهم الشاغل، فلا يتنافسون على كراسي الدنيا، ولا يتنافسون على العلو في الدنيا، ولا يلهثون خلف الدنيا ويسعون خلفها سعياً حثيثا: تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص:83].

فنحن ننتخب الذي يشتغلون بالآخرة، والذين يتزودون بزاد الآخرة، كما قال عز وجل: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ [البقرة:197]، قيل في سبب نزول هذه الآية الكريمة: إن أهل اليمن كانوا يخرجون إلى الحج ولا يتزودون في سفرهم إليه، ويقولون: نحن أضياف الله أفلا يطعمنا؟ ثم يصيرون كلاً على الناس، ويسألون الناس، فنهاهم الله عز وجل عن ذلك، وأمرهم الله عز وجل بالتزود لسفر الدنيا فقال: وَتَزَوَّدُوا [البقرة:197].

ثم دلهم على خير زاد -وهو الزاد لسفر الدنيا والآخرة- فقال: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ [البقرة:197].

بشارة أهل التقوى والإيمان

فننتخب هؤلاء الذين اختارهم الله عز وجل والذين شرفهم الله عز وجل، فقال: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ [يونس:61-64].

فهؤلاء أولياء الله عز وجل الذين آمنوا وكانوا يتقون، هؤلاء أولياء الله عز وجل لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فلهم في الدنيا محبة الخلق، وثناء الخلق، كما ورد في صحيح مسلم : (قيل للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: الرجل يعمل العمل لا يريد به إلا وجه الله، فيحبه الناس -وفي رواية:- فيثني عليه الناس؟ فقال: تلك عاجل بشرى المؤمن).

فمن المبشرات في الدنيا محبة الخلق وثناء الخلق، ومن المبشرات في الدنيا كذلك الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لم يبق من النبوة إلا المبشرات، قالوا: وما المبشرات يا رسول الله؟! قال: الرؤيا الصالحة يراها الرجل الصالح أو ترى له).

فأهل الإيمان والتقوى مبشرون بكل خير في الدنيا والآخرة: إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ [فصلت:30].

تتنزل عليهم الملائكة في كل وقت وحين، وقيل: تتنزل عليهم عند الموت بقول الله عز وجل: أَلَّا تَخَافُوا [فصلت:30] أي: مما تستقبلونه من أمر الآخرة، (وَلا تَحْزَنُوا) على ما فاتكم من الدنيا، ولا تحزنوا على فراق أولادكم وأموالكم: نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ * نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ [فصلت:31-32].

فهم في الجنة، وحلاوة البشرى في قلوبهم، فإذا خرجت روح المؤمن بشرت بكرامة الله، وبفضل الله عز وجل، وبرحمة الله عز وجل، فتأتي تطير فوق الجنازة، وتقول: قدموني قدموني، تستعجل رحمة الله عز وجل، وتشتاق إلى كرامة الله عز وجل؛ لأنها تعلم أن الجسد يساق إلى روضة من رياض الجنة، وأن الروح تنعم في جنة الله عز وجل بعد مفارقة الجسد، فإذا دخل المؤمن في قبره فإنه يفسح له في قبره مد البصر، ويملأ عليه خضراً إلى يوم يبعثون، ويفتح له باب إلى الجنة، فيأتيه من ريحها وطيبها، ويدخل عليه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، فيستبشر برؤيته، كل شيء يبشر المؤمن في الدنيا والآخرة، يستبشر به فيقول: من أنت؟ فوجهك الوجه الذي يأتي بالخير، فهو يستبشر بمنظره، فيبشره بالخير، فيقول: أنا عملك الصالح، أنا قيام الليل وصيام النهار، أنا تقوى الله عز وجل، فيقول: رب! أقم الساعة، رب! أقم الساعة، مع أنه في روضة من رياض الجنة، ويلبس من لبسها، ويفرش قبره من الجنة، ويفتح له باب إلى الجنة، إلا أنه عندما يرى النعيم الأكبر في جنة الله عز وجل فإنه لا يصبر على ما هو فيه من النعيم، بل يشتاق إلى النعيم الأكبر، فيقول: رب! أقم الساعة، رب! أقم الساعة، فإذا كان يوم القيامة كثرت المبشرات للمؤمنين، فمن ذلك بياض وجوههم: يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ [آل عمران:106].

ومن ذلك: النور الذي يكون بين أيدهم: يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ [الحديد:12].

ومن ذلك: أنهم يؤتون كتابهم بأيمانهم، ويعلمون أن من أوتي كتابه بيمينه: فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا [الانشقاق:8].

والحساب اليسير هو: العرض على الله عز وجل: (ومن نوقش الحساب عذب).

ومن ذلك: أن الملائكة تبشرهم برحمة الله، وتبشرهم بجنة الله عز وجل، فيقولون: هذا يومكم الذين كنتم توعدون، هذا يوم ينفع الصادقين صدقهم.

وتزفهم الملائكة إلى جنة الله، وإلى رحمة الله عز وجل، فإذا دخلوا الجنة دخلت عليهم الملائكة من كل باب: سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ [الرعد:24]، سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ [الزمر:73].

ثم يبشرون بالخلود في جنة الله عز وجل، فليس شيء من نعيم الدنيا والآخرة إلا وقد بشر الله عز وجل به أهل الإيمان والتقوى.

فنحن ننتخب هؤلاء الأتقياء الذين ينافسون على مراكز الآخرة، وينافسون على كراسي من نور، وجوههم نور، وثيابهم نور، يجلسون ينظرون إلى وجه ربهم عز وجل، فتتنضر وجوههم: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22-23].

فالنظر إلى وجه الله عز وجل هو الذي ينضر الوجوه.

شرف أهل التقوى والإيمان

ننتخب هؤلاء الذين حكم الله عز وجل بأنهم أتقى الناس، وأنهم أكرم الناس، فقال عز وجل: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13]. (وسئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أكرم الناس؟ فقال: أتقاهم لله عز وجل).

فنحن لا ننتخب الذين ينافسون على الدنيا، والذين يتنافسون على الدنيا، ولكننا ننتخب الذين يتنافسون على الآخرة، وعلى درجات الآخرة: إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ [الحجرات:13].

فالتقوى هي الشرف، وهي الكرامة:

ألا أنما التقوى هي العز والكرم وحبك للدنيا هو الذل والسقم

وليس على عبد تقي نقيصة إذا حقق التقوى وإن حاك أو حجم

وكان الإمام مالك رحمه الله له منظر وأبهة، وعز وشرف في الدنيا، كان إذا أراد أن يحدث يغتسل، ويلبس أحسن ثيابه، ويجلس على منصة، ويلبس طيلسان على رأسه، ولا يزال يبخر بالعود حتى يفرغ، وصف بعضهم الإمام مالك فقال:

يدع الجواب ولا يراجع هيبة والسائلون نواكس الأذقان

نور الوقار وعز سلطان التقى فهو المهاب وليس ذا سلطان

فالتقوى هي الشرف، وهي الكرم، فانظروا إلى سلمان الفارسي لم يكن عربياً فضلاً عن أن يكون قرشياً، ومع ذلك رفعه الإيمان، ورفعته التقوى، وانظروا إلى أبي لهب عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان عربياً قرشياً من أشرف الناس نسباً، ومع ذلك:

لقد رفع الإسلام سلمان فارساً وقد وضع الكفر الشريف أبا لهب

وكان سلمان يقول:

أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم

فنحن ننتخب هؤلاء الذين هم أشرف الناس وأكرم الناس، وهم أهل التقوى، وأهل الإيمان، وأهل العمل الصالح، نبأهم قريب، وخبرهم عجيب، ونحن نستغفر الله عز وجل أن نتكلم عن قوم ما شممنا رائحة زمن عاشوا فيه.

يقول ابن القيم رحمه الله: ووا حسرتاه! ووا أسفاه! كيف ينقضي الزمان، ويذهب العمر، والقلب محجوب ما شم لهذا رائحة، فخرج من الدنيا كما دخل إليها، خرج منها وما ذاق أطيب ما فيها، فكانت حياته هماً وغماً، وموته كدراً وحسرة، ومعاده أسفاً وندامة، فإلى الله المشتكى، وبه المستعان، وبه المستغاث، ولا حول ولا قوة إلا بالله عز وجل.

فوائد ذكر أهل التقوى والإيمان

ولكن ذكر القوم له فوائد، فمن ذلك: ألا يزال المسكين منكسراً منزوياً، يرى تجارات التجار، وبضائع التجار، وهو من المحرومين، ويرى الواصلين وهو من المنقطعين.

ومن ذلك: أنه قد تتجدد له همة، فيلحق بالقوم، ولو زحفاً، أو يجد أثراً من غبارهم.

ومن ذلك: أن العلم بكل حال أفضل من الجهل.

ومن ذلك: أن العبد إذا عرف أوصاف القوم تهيأ لأحوالهم، وقد حصل له شطر، فلعل الله عز وجل أن يمن عليه، وأن يوفقه لأن يتصف بأخلاق القوم.

صفات أهل التقوى والإيمان

فنبأ القوم غريب، وخبرهم عجيب، أثنى الله عز وجل عليهم في كتابه، وبين شيئاً من صفاتهم ومما يتميزون به فقال عز وجل في بداية سورة البقرة: الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاة وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ [البقرة:1-3].

فأول ما يميز المتقين أنهم يؤمنون بالآخرة إيماناً جازماً، وكل مسلم يؤمن بالآخرة، ولكن هؤلاء تعمق الإيمان بالآخرة في قلوبهم، فهم كأنهم يشاهدون الآخرة ليل نهار، حساباتهم أعمالهم وأقوالهم، وإنما تنضبط على حسب إيمانهم بالآخرة، فهل هذا القول وهل هذا العمل مما ينجيهم في الآخرة؟

إيمانهم بالآخرة هو الذي يجعلهم يقيمون الصلاة على وجهها، ويؤدون الزكاة، ويؤمنون بما أمر الله عز وجل بالإيمان به، وبما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

من صفاتهم كذلك: أنهم يعفون ويصفحون، كما قال عز وجل: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [البقرة:237].

وقال عز وجل: وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [النور:22].

وقال عز وجل: وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134].

فمن صفات المتقين: أنهم يعفون ويصفحون، ولذلك هم أولى الناس بعفو الله عز وجل، كما قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (كان رجل يداين الناس، فإذا رأى معسراً قال لغلمانه تجاوزوا عنه؛ لعل الله أن يتجاوز عنا، فتجاوز الله عز وجل عنه).

فمن صفات المتقين أنهم يعفون ويصفحون.

ومن صفات المتقين كذلك: أنهم يعدلون في حكمهم، كما قال الله عز وجل: وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [المائدة:8].

فهم يعدلون في أقوالهم وفي حكمهم.

ومن صفاتهم كذلك: أنهم أصدق الناس إيماناً، وأصدق الناس أقوالاً، وأصدق الناس أعمالاً، كما قال عز وجل: وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ [الزمر:33].

فهم أصدق الناس، وأول الناس تصديقاً للمرسلين، فهم أصدق الناس في الأقوال وفي الأعمال وفي الإيمان.

ومن ذلك: أنهم يكونون دائماً مع الصادقين، كما قال عز وجل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119].

والصادقون قيل: هم الرسل، وقيل: هم الصحابة رضي الله عنهم، وقيل: قد وسم الله المهاجرين بالصدق، ووصفهم الله بالصدق، ثم أمر الأنصار أن يكونوا تبعاً للمهاجرين، وهذه الآية مما استدل به أبو بكر رضي الله عنه على استحقاق المهاجرين للخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن الله عز وجل وصف المهاجرين بأنهم هم الصادقون، ووصف الأنصار بأنهم هم المفلحون، وقال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ [التوبة:119].

فقال: نحن الأمراء، وأنتم الوزراء.

فمن علامات التقوى أن نكون مع الصادقين.. مع الصحابة رضي الله عنهم في عقيدتهم وفي إيمانهم، وفي أقوالهم، وفي منهجهم، في فهم الكتاب والسنة.

كذلك من علامات الصدق ومن علامات التقوى أن نكون مع الصادقين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم تسليماً.

أهل التقوى ليسوا معصومين من الذنوب والخطايا، وليس هناك معصوم إلا من عصمه الله عز وجل من الأنبياء، ولكنهم لا يقارفون الكبائر، ولا يصرون على الصغائر، كما قال الله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ * وَإِخْوَانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ [الأعراف:201-202].

فأهل التقوى إذا مسهم طائف، ما قال: إذا وقعوا في كبيرة؛ لأنهم منزهون عن الكبائر، (إذا مسهم طائف) إذا وقعوا في هفوة أو صغيرة، فإنهم شديدو الحساسية، قلوبهم منورة بالإيمان، يحسون بأدنى ريبة وبأدنى معصية، ويتوجعون لها، فيتوبون ويرجعون إلى الله عز وجل.

يتذكرون وعد الله عز وجل ووعيده، فيرجعون إلى الله عز وجل بالتوبة والاستغفار والحسنات الماحية.

أما إخوان الشياطين فإنهم -أي: الشياطين- يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون، يتابع بين المعاصي وبين الكبائر، ولا يتذكر، ولا يعود إلى الله عز وجل، ولا يتوب إلى الله عز وجل، وقال تعالى: وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ [آل عمران:135].

فهم دائمو التوبة والرجوع إلى الله عز وجل.

وأهل التقوى يحسون دائماً بالتقصير في طاعة الله عز وجل، ومهما اجتهدوا في طاعة الله عز وجل فإنهم بعد الطاعة يجلسون على بساط الذل لله عز وجل، ويكثرون من الاستغفار الذي يجبرون به نقص عبادتهم، وتقصيرهم في طاعة الله عز وجل، كما قال تعالى في وصف المحسنين: كَانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ [الذاريات:17-18].

فأهل التقوى يجتهدون في الطاعة والعبادة، ثم بعد ذلك يستغفرون الله عز وجل، قال عز وجل: ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:199].

بل أمر سيد العابدين صلى الله عليه وسلم إذا وجد علامة قرب أجله أن يستغفر الله عز وجل، فنزل قوله عز وجل: إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا [النصر:1-3].

فأمر الله عز وجل نبيه الذي كانت حياته كلها طاعة لله عز وجل أن يختم حياته بالاستغفار؛ حتى يلقى الله عز وجل على أحسن أحواله.

فالمتقون يجتهدون مدة حياتهم في طاعة الله عز وجل، ودائماً يستغفرون الله عز وجل، ويحسون بالتقصير في جنب الله عز وجل.

أهل التقوى يعاملون الله عز وجل كأنهم يرونه، وكأنهم يشاهدون الله عز وجل، كما سئل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن الإحسان فقال: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك).

ودرجة الإحسان هي درجة التقوى، وهي التي تلي درجة الإيمان، فمن الناس من يعبد الله عز وجل على درجة الإسلام، ومنهم من يعبده على درجة الإيمان، ومنهم من يعبده على درجة الإحسان، وهي أن تعبد الله كأنك تراه، أي: كأنك تنظر إلى الله عز وجل، وهذا مقام العارفين، فإن لم تكن تراه فاعلم أن الله عز وجل يراك، وهذا مقام المخلصين، ويتولد من مقام العارفين والمخلصين مقامات أخرى، فمن أحس بأن الله عز وجل يراه أو أنه يرى الله عز وجل فإنه يأنس بالله عز وجل؛ لأنه يرى الله عز وجل، فينشأ من ذلك مقام الإنس بالله عز وجل، فيأنس العبد المتقي بربه عز وجل؛ لأنه يعتقد بأن الله عز وجل يراه، وهذا يجعله يجتهد في طاعة الله عز وجل، كما قال تعالى: الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ * وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ [الشعراء:218-219].

قال بعضهم: خفف عن الحراس مشقة السهر، علمهم بأن السلطان يحس بهم، فإذا علم العبد أن الله عز وجل يراه أو إذا تيقن أنه يرى الله عز وجل فإنه يأنس بالله عز وجل ويؤدي العمل على أحسن وجوهه.

من ذلك: مقام يتولد من هذين المقامين: وهو مقام الحياء من الله عز وجل، وهو يستحي أن يعصي الله عز وجل؛ لأنه يعتقد بأن الله عز وجل يراه، فكيف يعصي الله عز وجل وهو يشاهد ربه بقلبه، ويحس باطلاع الله عز وجل عليه؟

وهناك مقام ثالث يتولد من هذين المقامين -مقام العارفين، ومقام المخلصين- وهو: أن يستغني بالله عز وجل، وأن يتوكل على الله عز وجل، فهو مع ربه عز وجل يستغني بذكره عن ذكر ما سواه، وبحبه عن حب ما سواه، وبطاعته عن طاعة ما سواه.

فهو مع ربه عز وجل بقلبه وجوارحه.

فمن صفات المتقين: أنهم يعبدون الله عز وجل على المشاهدة.

خطب عروة بن الزبير من ابن عمر رضي الله عنهما ابنته وهما في الطواف، فلم يرد عليه ابن عمر ، ثم اعتذر إليه بعد ذلك، فقال: كنا في الطواف نتخايل الله بين أعيننا.

فهم يعبدون الله عز وجل على المشاهدة والحضور، ولذلك لهم أوفر نصيب من رؤية الله عز وجل يوم القيامة؛ لأنهم كانوا يعبدون الله عز وجل على المشاهدة: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26].

فالحسنى: هي الجنة، والزيادة: هي النظر إلى وجه الله عز وجل.

ومن صفات المحسنين والمتقين أنهم يدعون ما لا بأس به؛ حذراً مما به بأس، فلا يبلغ العبد حقيقة التقوى حتى يدع ما لا بأس به؛ حذراً مما به بأس.

قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إن الحلال بين وإن الحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات، لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام).

ومن وقع في الشبهة أوشك أن يواقع ما استبان، فالمتقون ينزهون قلوبهم عن الشبهات، فيتورعون عن الشبهات، وبالأولى يتورعون عن الحرام.

ومن يتجرأ على الشبهات يتجرأ بعد ذلك على الحرام، فكان السلف رضي الله عنهم يدعون ما لا بأس به حذراً مما به بأس.

ومن صفات المتقين كذلك: أنهم يعظمون شعائر الله عز وجل، وشعائر الله عز وجل: كل أمر أشعر الله عز وجل عباده أن له فيه أمراً أو نهياً.

فمن صفات المتقين: أنهم يعظمون شعائر الله، كما قال تعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32].

فكلما عظمت التقوى في قلب العبد فإنه يعظم شعائر الله، يعظم الصلاة والصيام والزكاة والحج والعمرة والجهاد، يعظم شعائر الله عز وجل: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ [الحج:32].

ويعظمون كذلك حرمات الله عز وجل، فلا يقعون فيها، كما قال تعالى: ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ [الحج:30].

يقول أنس رضي الله عنه: إنكم لتعملون أعمالاً هي أدق في أعينكم من الشعر، إن كنا لنعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من الموبقات.

في هذا عظيم تقوى الصحابة لله عز وجل؛ فالتابعون -وهم الجيل المفضل الثاني- كانوا يرون أشياء أدق في أعينهم من الشعر، كان الصحابة يعدونها من الموبقات، أي: من المهلكات؛ لأن قلوبهم كانت منورة بالإيمان، وعامرة بمحبة الرحمن عز وجل.

كما روى الإمام البخاري تعليقاً عن ابن مسعود بصيغة الجزم يقول: إن المؤمن يرى ذنوبه كأنه في أصل جبل يوشك أن يقع عليه، والكافر أو الفاجر يرى ذنوبه كذباب وقع على أنفه فقال به هكذا، فطار.

أي: أن المؤمن -لأنه في قلبه تقوى الله عز وجل، ولأنه يعظم شعائر الله، ويعظم حرمات الله عز وجل- يرى ذنوبه كأنه في أصل جبل يوشك أن يقع عليه.

وإنما مثل ذلك بالجبل لأن من سقط عليه بيت أو شجرة أو غير ذلك فهناك احتمال للنجاة، أما من سقط عليه جبل فليس هناك أدنى احتمال للنجاة.

فمن علامات التقوى ومن صفات المتقين: أنهم يعظمون شعائر الله، وأنهم يعظمون حرمات الله عز وجل.

اللهم إنا نسألك الهدى والتقوى والعفاف والغنى عن الناس.

اللهم اقسم لنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معصيتك، ومن طاعتك ما تبلغنا به جنتك، ومن اليقين ما تهون به علينا مصائب الدنيا، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبداً ما أحييتنا، واجعله الوارث منا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا، ولا تسلط علينا بذنوبنا من لا يخافك فينا ولا يرحمنا.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الكفر والكافرين، وأعل راية الحق والدين.

اللهم من أرادنا والإسلام والمسلمين بعز فاجعل عز الإسلام على يديه، ومن أرادنا والإسلام والمسلمين بكيد فكده يا رب العالمين! ورد كيده إلى نحره، واجعل تدبيره في تدميره، واجعل الدائرة تدور عليه.

اللهم عليك بالشيوعيين، اللهم أحصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً.

اللهم دمرهم تدميراً، والعنهم لعناً كبيراً.

اللهم انصر إخواننا المجاهدين في الشيشان وفي كل مكان، اللهم سدد رميتهم، ووحد صفهم، وأجب دعوتهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم.

اللهم عليك بالعلمانيين والمنافقين، والذين يشيعون الفواحش في بلاد المسلمين، اللهم أرح منهم العباد، وطهر منهم البلاد، اللهم أرح منهم العباد، وطهر منهم البلاد يا رب العالمين!

اللهم أصلح شباب المسلمين، وأصلح نساء المسلمين، وأصلح أولادنا وأولاد المسلمين.

وصلى الله وسلم وبارك على محمد، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , من ننتخب؟ للشيخ : أحمد فريد

https://audio.islamweb.net