إسلام ويب

ولاية الله تعالى منزلة سامية لا يصل إليها إلا من آمن بالله حق إيمانه وحقق تقوى الله في السر والعلن، وقد آذن الله بمحاربة من حارب أولياء الله، ووعد أولياءه الصالحين بمحبته لهم وقربه منهم وإجابة سؤالهم واستجابة دعائهم.

حديث: (من عادى لي ولياً) أشرف حديث في شأن الولاية

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

ثم أما بعد:

روى البخاري في أصح كتب السنة من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى: من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه، وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن، يكره الموت وأنا أكره مساءته).

فهذا الحديث كما قيل فيه: هو أشرف حديث في شأن الولي، فقد بدأ الحديث بإعلان الحرب من الله عز وجل على من عادى ولياً من أولياء الله عز وجل، فقال: (من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب)، أي: فقد أعلمته بأنني محارب له، حيث أنه كان محارباً لي بمعاداته ولياً من أوليائي، فأولياء الله عز وجل تجب موالاتهم، وتحرم معاداتهم، وأعداء الله عز وجل تجب معاداتهم، وتحرم موالاتهم.

صفات أولياء الله وخصائصهم

وولي الله -كما قال الحافظ ابن حجر - هو القائم بطاعته، المخلص في عبادته.

فكل إنسان قائم بطاعة الله عز وجل، مخلص في عبادته فهو ولي من أولياء الله عز وجل.

وذكروا في صفات الولاية: أن يكون مستجاب الدعوة، راضياً عن الله عز وجل في كل حال، مكثراً من طاعة الله عز وجل مشغولاً بها غير منشغل بالتكاثر من أعراض الدنيا، إذا وصل إليه القليل صبر، وإذا وصل إليه الكثير شكر، يستوي عنده المدح والذم، والظهور والخمول، والفقر والغنى، لأنه يرجو وجه ربه الأعلى لا يرجو وجوه الناس، حسن الصحبة، كثير الحلم، عظيم الاحتمال، كلما زاده الله عزاً ازداد في نفسه تواضعاً وخضوعاً، فيكون مستجاب الدعوة في منزلة تؤهله إلى أنه إذا دعا الله عز وجل أجابه، وإذا استعاذ بالله عز وجل أعاذه.

قال أيوب السختياني : ينبغي للعالم أن يضع التراب على رأسه تواضعاً لله عز وجل.

من قصص وكرامات الأولياء

إن من وهب له هذه المواهب الجليلة، ومن تخلق بهذه الأخلاق العظيمة، لا نستكثر أن تجري على يده خارقة من الخوارق الرحمانية، وقد ثبتت الخارقة بالكتاب والسنة، كما في القرآن: كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا [آل عمران:37]، كما ذكر المفسرون كان يجد عندها فاكهة الصيف في الشتاء، وفاكهة الشتاء في الصيف، قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [آل عمران:37]، ومريم لم تكن نبية، وإنما كانت من الأولياء.

كذلك قصة أصحاب الكهف الذين لبثوا في كهفهم ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعاً، فهذه كرامة، حيث أنامهم الله عز وجل ثلاثمائة وتسع سنين، ثم بعثهم الله عز وجل.

وفي الصحيح أن قصعة الصديق كلما أكلوا منها ربى من أسفلها أكثر منها، حتى أطعم منها النبي صلى الله عليه وسلم الجيش، فالكرامة ثابتة في الكتاب والسنة الصحيحة.

وقد ورد عن السلف كرامات لا نجزم بصحة جميعها، ولكن وجود الأدلة عليها وثبوت هذه الأدلة يجعلنا نستأنس بهذه الروايات، فيروى أن سعد بن أبي وقاص -وكان مستجاب الدعوة- دعا على امرأة كذبت عليه أن تعمى وأن تموت في أرضها، فعميت ووقعت في حفيرة في أرضها فماتت.

ودعا على الرجل الذي قال بأنه لا يحكم بالسوية، ولا يسير خلف السرية، فدعا عليه بأن يطيل الله عز وجل عمره، وأن يعظم فقره، وأن يعرضه للفتن، فصار شيخاً كبيراً سقط حاجباه يتعرض للجواري في السكك، ويقول: شيخ مفتون أصابتني دعوة سعد .

ويروى أن صلة بن أشيم أحد العباد التابعين، ماتت فرسه في الغزو، فقال: اللهم! لا تجعل لمخلوق علي منة، ودعا الله عز وجل فأحيا له فرسه، فلما عاد إلى بيته قال لابنه: انزع السرج؛ فإن الفرس عارية، فنزع السرج فماتت الفرس.

ويروى أن الحسن البصري دعا على رجل وقال: إن كنت كاذباً فجعل الله حتفك. فمات الرجل في مكانه.

وأيضاً يروى أن زنيرة وكانت ممن عذب بمكة ذهب بصرها من تعذيب المشركين لها، فقال المشركون: ما أذهب بصرها إلا اللات والعزى، فقالت: كلا والله! ودعت الله عز وجل فرد الله عليها بصرها.

كذلك يروى أن أبا مسلم الخولاني -وكان أحد أئمة التابعين- ألقي في النار، فوجد في النار قائماً يصلي، فقال فيه عمر رضي الله عنه: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني في أمة محمد صلى الله عليه وسلم من صنع به كما صنع بإبراهيم.

فالعبد لا يصل إلى هذه الدرجة العالية من إجابة الدعوة، إلا ويصل معها إلى درجات عالية من محبة الله عز وجل والرضا به، كما يروى أن سعد بن أبي وقاص كان معروفاً بإجابة الدعوة، فذهب بصره في آخر عمره، فقيل له: ألا دعوت لبصرك؟ فقال: قضاء الله أحب إلي من بصري.

ويروى أن سعيد بن جبير عذبه الحجاج حتى قتله، وكان يمكن أن يدعو على الحجاج ؛ لأنه كان مستجاب الدعوة ولكنه لم يفعل، فقد كان له ديك يوقظه للصلاة، فتأخر الديك يوماً عن الصياح فقال: ما له قطع الله صوته؟ فما صاح الديك بعد ذلك، فقالت له أمه: لا تدع على شيء بعدها أبداً.

فدعا سعيد بأن يكون آخر من يقتله الحجاج ، فكان كذلك، فقد مات الحجاج بعده بمدة يسيرة.

شرح حديث: (من عادى لي ولياً)

فنحن لا نستكثر هذه الكرامة، أو الخارقة الرحمانية على من وصف بهذه الصفات السالفة، وليست كل خارقة كرامة، وليس كل من أتت على يده خارقة من الخوارق نشهد بأنه ولي من أولياء الله، فالخارقة قد تكون خارقة رحمانية، وقد تكون خارقة شيطانية، والمقياس الذي نرجع إليه هو مقياس الكتاب والسنة، فلا بد أن يقاس الشخص بمقياس الكتاب والسنة، فيمكن أن تأتي الكرامة على يد مبتدع أو فاسق أو غير معروف بالصلاح، فلا بد أن يقاس نفس الشخص بمقياس الكتاب والسنة، وأن تقاس نفس الخارقة بمقياس الكتاب والسنة.

ولا شك أن أفضل الأولياء هم الأنبياء، وأفضل الأنبياء هم المرسلون، وأفضل المرسلين هم أولو العزم وهم: محمد ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى صلى الله عليهم وسلم.

وأفضل هؤلاء جميعاً نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ويليه في المرتبة إبراهيم الخليل، وقد رتب الحافظ ابن كثير أن بعد الخليل إبراهيم موسى الكليم عليه وعلى نبينا الصلاة والتسليم، ولم يرتب العلماء بين نوح وبين عيسى أيهما أفضل؟ فهؤلاء الخمسة أولوا العزم من الرسل هم أفضل الرسل والأولياء، وقد ذكرهم الله عز وجل في آيتين من كتابه.

ثم يبين الحديث بعد ذلك كيف تكون ولاية الله عز وجل، وكيف يترقى العبد في درجات الولاية؟ فيقول: (وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضته عليه)، فينبغي أن يبدأ العبد بالفرائض، فكما قيل في الأثر: أفضل الأعمال أداء ما افترض الله، والورع عما حرم الله، وحسن النية فيما عند الله عز وجل، فينبغي على العبد أن يبدأ بالفرائض؛ لأنها أكثر تقريباً وتحبيباً لله عز وجل.

فمن أراد طريق الولاية فليبدأ بالفرائض، ويراجع نفسه، فيؤدي الصلاة في الوقت الذي ينبغي على الوجه الذي ينبغي في الجماعة وفي أول الوقت، ويتم الركوع والسجود والخشوع، ويصوم الشهر كما شرع الله عز وجل، ويحج بيت الله الحرام إن استطاع إليه سبيلاً، ويخرج زكاة ماله إن كان عنده مال تجب فيه الزكاة، فيراجع العبد الواجبات التي افترضها الله عز وجل عليه، ويدخل فيها الواجبات التركية، كترك الغيبة والنميمة والغش والزنا، وشرب الخمر وغير ذلك، وهي من باب أولى كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم، وإذا نهيتكم عن شيء فانتهوا).

ويأتي بحد الاستطاعة في الأوامر دون النواهي، فينبغي على العبد أن يكمل الفرائض أولاً؛ لأنها رأس المال، ثم بعد ذلك يتحبب ويتقرب بكثرة النوافل، وفي الحديث القدسي: (ولا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)، والنوافل هي ما عدا الفرائض من أجناس الطاعات، فلو جمعنا كل ما يحبه الله عز وجل ويرضاه واستثنينا من ذلك الفرائض فما بقي فهو النوافل.

قال العلماء: ما بال النوافل كانت هي السبب الموصل إلى محبة الله عز وجل دون الفرائض؟ وأجابوا بأن العبد يفعل الفريضة مخافة العقوبة ورجاء الأجر، أما النافلة فيفعلها بنية التحبب والتقرب إلى الله عز وجل، فلما خلصت النية في النوافل كانت هي السبب الموصل إلى محبة الله عز وجل دون الفرائض.

فالعبد ينبغي عليه أن يستكمل الفرائض، ثم يفتح على نفسه أبواب النوافل، وهي كثيرة متنوعة بحسب اختلاف استعدادات الناس وقابليتهم، فهناك نوافل في الصلاة: كالسنن الرواتب وهي اثنا عشر ركعة، كما قال ابن عمر رضي الله عنهما: (حفظت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعاً قبل الظهر، واثنان بعد الظهر، واثنان بعد المغرب، واثنان بعد العشاء، واثنان قبل الصبح).

وورد في فضل هذه النوافل حديث أم حبيبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من صلى في يوم وليلة اثنا عشر سجدة سوى المكتوبة بني له بيت في الجنة).

ومن نوافل الصلاة: قيام الليل، قال صلى الله عليه وسلم: (أفضل الصلاة بعد المكتوبة قيام الليل) كما ورد في صحيح مسلم .

ومن نوافل الصلاة: صلاة الضحى، وتحية المسجد، وسنة الوضوء، ومطلق التنفل بالصلاة في غير أوقات الكراهة.

وهناك نوافل الصيام: كصيام ست من شوال، وصيام الإثنين والخميس، ويوم عرفة، ويوم عاشوراء، وصيام يوم وإفطار يوم، وهو أحب الصيام إلى الله عز وجل، وهو صيام داود عليه السلام.

وهناك نوافل الإنفاق في سبيل الله عز وجل، ونوافل الذكر، ونوافل الحج والعمرة بعد أداء الواجب، فالمسلم بعد أن يستكمل الفرائض يبدأ يتحبب ويتقرب بالنوافل حتى يصل إلى محبة الله عز وجل، كما جاء في الحديث: (فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها) وفي بعض الروايات: (ورجله التي يمشي بها).

قال الحافظ : وقد استشكل كيف يكون الباري جل وعلا سمع العبد وبصره ويده ورجله؟ ثم أورد سبعة أوجه في تفسير هذا الجزء من الحديث القدسي، وأقرب هذه الأوجه للصواب أن العبد بكليته يكون مشغولاً بالله عز وجل، فإذا سمع سمع ما يرضي الله، وإذا أبصر أبصر ما يرضي الله، وإذا مد يده فبطاعة الله عز وجل، وإذا حرك قدماه ففي طاعة الله عز وجل، فهو بكليته مشغول بالله عز وجل كما قال بعض الصالحين: إني لا أحسن أن أعصى الله. أي: لا تطيعه جوارحه على معصية الله عز وجل.

وقال بعضهم: أحبه إلي أحبه إليه.

ويقول الإمام الشوكاني : إن الله عز وجل يمد جوارح العبد بنور، فيه يسمع، ويبصر، ويبطش، ويمشي. واستدل على ذلك (أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل: هل رأيت ربك؟ قال: نور أنى أراه)، وبأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يسأل الله عز وجل هذا النور لجوارحه، فكان إذا خرج إلى الصلاة يقول: (اللهم اجعل في سمعي نوراً، وفي بصري نوراً، وعن يميني نوراً، وعن شمالي نوراً، ومن أمامي نوراً، ومن خلفي نوراً، واجعل لي نوراً).

ويقول العلامة محمد رشيد رضا : هو توفيق الله عز وجل يحالف العبد، فيلهم دائماً التوفيق، فالمؤمن دائماً يلهم بتوفيق الله عز وجل، فإذا تكلم فإنه يوفق في الكلام، وإذا عمل عملاً يوفق في هذا العمل، والله غالب على أمره، بخلاف المنافقين والكافرين الذين يعملون الأعمال ويظنون أنها تعود عليهم بالنفع، ولا يكون في ذلك نفعاً لهم كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ [الأنفال:36].

وقوله: (ولئن سألني لأعطينه) أي: أن العبد يصير في منزلة سامية ودرجة عالية تؤهله إلى أنه إذا دعا الله عز وجل أجابه، وإذا استعاذ بالله أعاذه، كما روى الحاكم عن البراء بن عازب أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (رب أشعث أغبر ذي طمرين لا يؤبه له لو أقسم على الله لأبره)، وكان منهم البراء بن مالك راوي هذا الحديث، فإنه يروى أنه رأى زحفاً، فقالوا: يا براء ! أقسم على ربك. فقال: أقسمت عليك لما منحتنا أكتافهم، فمنحوا أكتافهم.

ويروى أنه لقى زحفاً آخر، فقالوا: يا براء ! أقسم على ربك. فقال: أقسمت عليك لما منحتنا أكتافهم، وألحقتني بنبيك صلى الله عليه وسلم، فمنحوا أكتافهم، وقتل براء رضي الله عنه.

فالعبد يصير في منزلة سامية بكثرة الطاعة والعبادة والتحبب إلى الله عز وجل، تؤهله هذه المنزلة لأن يكون مستجاب الدعوة، فالكرامات هي دعوة مستجابة غالباً.

وقوله: (ولئن استعاذني لأعيذنه)، والاستعاذة هي: اللجوء طلباً للحماية، كما قال بعضهم:

يا من ألوذ به فيما أؤمله ومن أعوذ به مما أحاذره

لا يجبر الناس عظماً أنت كاسره ولا يهيضون عظماً أنت جابره

فاللجوء طلب الحماية، فلو احتمى العبد بجناب الله لحماه الله عز وجل.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , مجالس رمضان طريق الولاية للشيخ : أحمد فريد

https://audio.islamweb.net