إسلام ويب

من أنواع البيوع بيع الأصول والثمار، وهو بيع الأرض دون الشجر أو العكس، ومن أنواع البيع بيع السلم وهو رخصة لفقده بعض الشروط، وهي من البيوع التي ضبط الشرع أحكامها كما بين الفقهاء ذلك.

بيع الأصول والثمار

ما يدخل في بيع الدار

قال المؤلف رحمه الله: [ باب بيع الأصول والثمار ].

الأصول: جمع أصل، وهو ما يتفرع عنه غيره، مثل الشجر يتفرع عنه الثمر، وكالدار يتفرع عنها ما فيها من بناء ونحوه، والأرض يتفرع عنها ما فيها من غرس أو بناء.

والثمار: جمع ثمر كالتمر.

يقول: [ من باع أو وهب أو رهن أو وقف داراً، أو أقر أو أوصى بها؛ تناول أرضها وبناءها وفناءها إن كان، ومتصلاً بها لمصلحتها كالسلالم والرفوف المسمرة، والأبواب المنصوبة، والخوابي المدفونة، وما فيها من شجر وعرش، لا كنزاً وحجراً مدفونين، ولا منفصل كحبل ودلو وبكرة وفرش ومفتاح ].

باع زيد داره لعمرو، والدار فيها غرس شجر وفيها أثاث ودواليب وفرش ومفاتيح وأقفال وسلالم، فما الذي يدخل في هذا فيكون للمشتري، وما الذي لا يدخل في البيع فيكون للبائع؟

الصحيح أن مرجع ذلك إلى العرف؛ لأن العرف محكم والعادة محكمة، فالذي أعرفه أنا عن العرف هنا أن الأثاث مثلاً لا يدخل، فمن باع داراً أخذ أثاثه؛ لكن إذا كانت الدواليب مسمورة فإنها في غالب الأماكن تدخل، مثل: دواليب المطبخ التي قد سمرت -أي ربطت بالجدار بالمسامير- لكن الدواليب التي لم تربط بالمسامير كغرفة النوم لا تدخل.

إذاً: نرجع في ذلك إلى العرف.

والمفتاح هل يدخل أو لا يدخل؟ نرجع في ذلك إلى العرف، وهذا يختلف باختلاف البلاد.

والمؤلف هنا قال: (ما اتصل بها لمصلحتها).

يعني: ما كان متصلاً بالبيت لمصلحته مثل السلالم والرفوف المسمرة، والمقصود السلالم التي تسمر كالسلم الذي يوصل به إلى السطح، وأما إذا كان السلم منفصلاً كالسلم الذي يصلح به الكهرب ونحو ذلك؛ فهذا لا يدخل، إذاً: الصحيح أنه يرجع في ذلك إلى العرف.

وقوله: (الخوابي المدفونة)، يعني الخزانات التي تدفن في الأرض للماء ونحوه، هذا يدخل في البيت، لكن الكنز لا يدخل لأن الكنز مودع في الأرض.

ما يدخل في بيع الأرض ونحوها

قال: [ وإن كان المباع ونحوه أرضاً دخل ما فيها من غراس وبناء ].

قال: أبيع لك هذه الأرض التي مساحتها كذا، نقول: يدخل في ذلك ما في الأرض من غرس كأشجار، وما فيها من بناء فيها كغرفة أو أكثر.

فإذا باع رجل أرضاً دخل في ذلك ما فيها من بناء وما فيها من غرس.

قال: [ لا ما فيها من زرع لا يحصد إلا مرة كبر وشعير وبصل ونحوه، ويبقى للبائع إلى وقت أخذه بلا أجرة ما لم يشترطه المشتري لنفسه ].

إن باعه أرضاً فيها زرع، من الأرز أو البر أو الشعير، فإن الزرع يكون للبائع لا للمشتري، ويلزم المشتري بتركه حتى يأتي أول وقت الحصاد؛ لأن الزرع مما ينقل فهو كالمودع في الأرض.

قال: [ وإن كان يجز مرة بعد أخرى كرطبة وبقول، أو تكرر ثمرته كقثاء وباذنجان؛ فالأصول للمشتري والجزة الظاهرة واللقطة الأولى للبائع، وعليه قطعهما في الحال ].

إن اشتريت أرضاً وفيها حوض برسيم أو فيها باذنجان، فإن الأصل يكون للمشتري، لكن الجزة الظاهرة تكون للبائع، كذلك اللقطة الأولى الظاهرة في الباذنجان تكون للبائع، لكن الأصول للمشتري، لأنه أصبح كالشجر يتكرر سنة أو سنتين أو ثلاثاً، كما يكون هذا في البرسيم.

قوله: (وعليه قطعهما في الحال) أي: عليه أن يقطع هذه الجزة وأن يلقط اللقطة الظاهرة في الحال، حتى لا يتجدد شيء مما يكون من ملك المشتري، لأن الأصل للمشتري والجزة الظاهرة للبائع، فإذا تركها أسبوعاً مثلاً تجدد، فيدخل ملك البائع على ملك المشتري، ولذا يؤمر بقطعها بالحال.

حكم بيع الشجر وما يتبعه من ثمر

قال: [ فصل ]، هذا الفصل في بيع الشجر وما يتبعه من ثمر.

إذا باع الشجر الآن هل الثمر يتبع البائع أو يتبع المشتري؟

هذا رجل باع نخلاً، أو باع شجر زيتون أو باع شجر عنب أو باع شجر مشمش، فلمن يكون الثمر؟ إن كان نخلاً قد تشقق فيكون الثمر للبائع، وإن كان ورداً قد خرج من أكمامه فيكون للبائع، وإن كان مشمشاً قد خرج من نوره أو عنباً قد ظهرت ثمرته فتكون هذه الثمرة للبائع.

وإن كان لم يتشقق ولم يظهر من نوره ولم يخرج من أكمامه في الورد ولم يظهر الثمر في العنب فيكون للمشتري.

قال: [ وإذا بيع شجر النخل بعد تشقق طلعه فالثمر للبائع متروكاً إلى أول وقت أخذه ].

وذلك لما جاء في الصحيحين أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من باع نخلاً بعد أن تؤبر فثمرتها للذي باعها إلا أن يشترطها المبتاع).

وهنا النبي عليه الصلاة والسلام قد علق الحكم بالتأبير لا بالتشقق، والتأبير هو فعل المكلف، وهذا الصحيح هنا، وهو اختيار شيخ الإسلام ورواية عن أحمد ، وأن الحكم في النخل مرتبط بالتأبير.

يعني: بعت نخلاً قد أبرتها فنقول: إن ثمرتها لك أيها البائع، وإذا بعتها قبل أن تؤبرها فنقول: إن ثمرتها للمشتري.

قال: [ وكذا إن بيع شجر ما ظهر من عنب وتين وتوت ورمان وجوز ].

هذه إذا ظهرت ثمرتها فتكون الثمرة للبائع، وإذا لم تظهر تكون للمشتري، وليس فيها تأبير ولا تشقق.

[ أو ظهر من نوره كمشمش وتفاح وسفرجل ولوز ].

إذا خرج من نوره فالثمرة للبائع، وإذا لم تخرج فللمشتري.

قال: [ أو خرج من أكمامه كورد ]. يعني إذا خرج من وعائه مثل الورد فيكون للبائع، وإذا لم يخرج فإنه يكون للمشتري، ولذا قال: [ وما بيع قبل ذلك فللمشتري ]، كما تقدم.

[ ولا تدخل الأرض تبعاً للشجر فإن باد لم يملك غرس مكانه ].

هذا كرجل اشترى عشر نخلات ولم يشتر أرضها.

رجل عنده مائة نخلة فأتيت أنت واشتريت منه عشر نخلات في مكانها تقول: أسقيها وهي في مكانها، فبادت، فليس لك أن تغرس مكانها؛ لأن الأرض ليست لك، إنما بقيت هذه النخلات في هذه الأرض لأنك اشتريتها في مكانها، فإذا بادت فليس لك أن تغرس مكانها.

حكم بيع الثمر قبل بدو صلاحه

[ فصل ]. هذا الفصل في حكم بيع الثمر قبل بدو صلاحه.

قال: [ ولا يصح بيع الثمرة قبل بدو صلاحها ].

لأن النبي عليه الصلاة والسلام: (نهى عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها) متفق عليه.

وفي الصحيحين من حديث أنس بن مالك : (أن النبي عليه الصلاة والسلام نهى عن بيع الثمار حتى تزهو، قيل له: ما زهوها؟ قال: أن تحمار أو تصفار).

قال: [ لغير مالك الأصل ].

إذا استأجرت البستان فالثمر لك، فإذا بعته ولم يبد صلاحه قلنا: لا يجوز أن تبيعه، فإن بعته على مالك الشجر نفسه فلا بأس بذلك، لأنه يحصل التسليم بذلك، أي: لأنك سلمت الثمر لنفس مالك الشجر، بخلاف ما لو بعته على شخص آخر.

قال: [ ولا بيع الزرع قبل اشتداد حبه ]، لما جاء في السنن ومسند أحمد أن النبي عليه الصلاة والسلام (نهى عن بيع الحب حتى يشتد) يعني: حتى ييبس ويقوى، (وعن بيع العنب حتى يسود).

قال: [ لغير مالك الأرض ]، أي: لكن لو بعت الزرع قبل أن يشتد لمالك الأرض جاز.

استأجرت أرضاً فزرعتها، وقبل أن يشتد الحب بعته لمالك الأرض، فيصح هنا لحصول التسليم بذلك.

ما يحصل به صلاح الثمرة

قال: [ وصلاح بعض ثمرة شجرة صلاح لجميع نوعها الذي بالبستان ].

عندك بستان فيه نخل من أنواع شتى، منها نخل الخلاص، ومنها غير ذلك، فبدا صلاح شجرة واحدة من الخلاص، يعني: أن البلح أصبح لونه أصفر ولو حبة واحدة أو حبتين في هذه النخلة، نقول: إن هذه النخلة قد بدا صلاحها وإن جميع النخل الذي من هذا النوع (الخلاص) قد بدا صلاحه.

لكن لو كان فيه نوع آخر مثل السكري لا نحكم بصلاحه، حتى يبدو الصلاح ولو في شجرة واحدة من أشجاره، ولذا قال: (وصلاح بعض ثمر شجرة صلاح لجميع نوعها الذي بالبستان).

قال: [ فصلاح البلح أن يحمر أو يصفر ]. البلح صالحه أن يحمر أو يصفر، فما دام أخضر فلا يعد صلاحاً.

قال: [ والعنب أن يتموه بالماء الحلو ]. يصبح كأنه وعاء قد ملئ بالماء.

[ وبقية الفواكه طيب أكلها وظهور نضجها ]، لأنها ليس فيها تلوين فيكون بطيب نضجها.

[ وما يظهر فما بعد فم ]، يعني لقطة إثر لقطة [ كالقثاء والخيار أن يؤكل عادة ]، يعني يتهيأ للأكل.

حكم الجوائح

[ وما تلف من الثمرة قبل أخذها فمن ضمان البائع ما لم تبع مع أصلها أو يؤخر المشتري أخذها عن عادته ].

إذا اشتريت ثمراً قد بدا صلاحه ولكن قبل أن تجده تلف بآفة سماوية، كما لو حصل برد على البستان وتلف هذا الثمر الذي اشتريته، فنقول للبائع: رد إليه ثمنه. فيرد إليك الثمن؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام (أمر بوضع الجوائح)، وقال عليه الصلاة والسلام: (إن بعت من أخيك بيعاً فأصابته جائحة فلا تأخذ منه شيئاً، بم تأخذ مال أخيك بغير حق)، رواه الإمام مسلم في صحيحه.

إذاً: إذا حصل تلف بآفة سماوية فإنك ترجع إليه أيها المشتري بالثمن، (ما لم تبع مع أصلها)، فإذا بيعت مع أصلها فقد حصل التسليم التام.

أي: إذا بعت ثمرة لم يبدو صلاحها أو بدا صلاحها مع الشجرة فلا نقول هنا: إنها لو حصلت آفة فإنه يضمن البائع، لأنه قد باع الشجر وما فيها.

قوله: (أو يؤخر المشتري أخذها عن عادته).

هذا رجل اشترى ثمراً قد بدا صلاحه، ثم إنه تأخر، فالناس جدوا وهو لم يجد ولم يأخذ هذا الثمر فأصابته آفة، فلا نقول: الضمان على البائع هنا؛ بل الضمان على المشتري؛ لأن المشتري قد فرط.

أحكام السلم

تعريف السلم ودليل مشروعيته

قال: [ باب السلم ].

السلم هو: تعجيل الثمن وتأخير المثمن.

هذا رجل له مزرعة أو له بستان ويحتاج إلى دراهم، فقال للتاجر أعطني أيها التاجر عشرة آلاف ريال الآن، وأعطيك بعد سنة ألف كيلو من التمر، فهذا يسمى بالسلم ويسمى بالسلف، وهذا جائز، وهو بديل عن الربا، قال عليه الصلاة والسلام: (من أسلف فليسلف في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم).

الأصل أن المثمن يعجل والثمن إما أن يعجل وإما أن يؤخر، لكن هنا يقع العكس، فالثمن يؤخذ مقدماً والسلعة (المثمن) يؤخذ مؤخراً، فهذا يسمى بالسلم.

إذا كنت تحتاج إلى دراهم فقلت: يا فلان أعطني مائة ألف ريال الآن وأعطيك بعد سنة مثلاً مائة صاع من القمح، أو مائة صاع من الشعير نوعه كذا، فهذا يسمى بالسلم، قال عليه الصلاة والسلام: (من أسلم في شيء فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم).

قال: [ ينعقد بكل ما يدل عليه وبلفظ البيع ].

يعني: ينعقد السلم بكل لفظ يدل عليه مثل: أسلمتك، أسلفتك، بعتك ..، فيصح بكل لفظ دل عليه.

شروط السلم

الشرط الأول انضباط صفات المسلم فيه

قال: [ وشروطه سبعة: أحدها: انضباط صفات المسلم فيه: كالمكيل والموزون والمذروع والمعدود من الحيوان ولو آدميا ]. يعني ولو كان عبداً رقيقاً.

إذاً: الشرط الأول: أن تنضبط صفات المثمن الذي يسلم بعد سنة، ويسمى المسلم فيه.

المثمن الذي يسلم بعد سنة مثلما ذكرنا في المثال المتقدم مائة كيلو من التمر، أو ألف صاع من البر، هذا يسمى المسلم فيه، فلابد أن تنضبط صفاته.

قوله: (كالمكيل) المكيل منضبط، والموزون منضبط، والمذروع بالأذرع منضبط، والمعدود من الحيوانات منضبط، تقول: أعطني مائة ألف ريال الآن وأعطيك مثلاً ألف شاة من النوع الفلاني بعد سنة، فهذا شيء منضبط.

قال: [ فلا يصح في المعدود من الفواكه ] قالوا: لأن الفواكه تختلف كبراً وصغراً في الحجم.

الآن الفواكه يجري فيها الوزن، لكن كانت في القديم تعد عداً، فيقولون: إنها تختلف في حجمها صغراً وكبراً، فيحصل بذلك خلاف ونزاع عند التسليم.

قال: [ ولا فيما لا ينضبط كالبقول ].

البقول مثل الجرجير ونحوه، هذه تكون حزماً، فالحزم تختلف كبراً وصغراً فيحدث خلاف، [ والجلود ]، كذلك الجلود تختلف، [ والروس والأكارع والبيض والأواني المختلفة روسا وأوساطاً كالقماقم ونحوها ].

إذاً الشرط الأول: أن يكون المسلم فيه بصفات منضبطة كالمكيل والموزون ونحوه.

الشرط الثاني ذكر جنس المسلم فيه ونوعه بما يختلف به الثمن

[ الثاني: ذكر جنسه ونوعه بالصفات التي يختلف بها الثمن ].

أي: أن يذكر جنسه ويذكر نوعه، يقول: هذا تمر فالتمر جنس، ونوعه الخلاص مثلاً، لكن لو قال: أعطيك شيئاً لم يصح هذا، ولابد أن يذكر الجنس كالتمر وأن يذكر النوع كالخلاص مثلاً.

أن يذكر الجنس كالبر أو كالأرز، ويذكر النوع أيضاً لأن الأرز أنواع والبر أنواع، فلابد أن يذكر جنسه ونوعه، (بالصفات التي يختلف بها الثمن) يعني: التي تؤثر على الثمن، لأن التمر مثلاً فيه نوع يساوي عشرة ونوع يساوي ثلاثين، ونوع لا يساوي إلا ريالاً واحداً، فلابد أن يبين له الجنس والنوع.

قال: [ ويجوز أن يأخذ دون ما وصف له ومن غير نوعه من جنسه ].

التاجر هذا لو أنه قال: أعطيك تمراً من الخلاص، فلما حلت السنة لم يعطه من الخلاص بل أعطاه من تمر دونه، فرضي التاجر، فلا شيء في ذلك لأنه رضي بإسقاط حقه، لكن إذا لم يرض فلابد أن يأتيه بالنوع الذي اشترطه.

الشرطان الثالث والرابع معرفة القدر بالمعيار الشرعي وأن يكون في الذمة

قال: [ الثالث: معرفة قدره بمعياره الشرعي، فلا يصح في مكيل وزناً ولا في موزون كيلاً ].

إذاً: الموزونات توزن والمكيلات تكال.

[ الرابع: أن يكون في الذمة ].

يعني: يقول في ذمتي لك ألف صاع مثلاً من التمر وصفها كذا وكذا، هذا بيع في الذمة، ولا يكون معيناً فلا يقول: أعطيك هذا التمر الذي في المستودع؛ لأنه قد يتلف.

ولا يقول: أعطني الآن مائة ألف ريال وهذه الدار لك بعد سنة.

إذاً: لا يجوز أن يكون معيناً، ولابد أن يكون في الذمة.

قال: [ إلى أجل معلوم له وقع في العادة كشهر ونحوه ]، لابد أن يكون الأجل معلوماً لا مجهولاً؛ لأن الأجل لو كان مجهولاً ترتب على ذلك نزاع، والنبي عليه الصلاة والسلام قال: (من أسلم في شيء فليسلم في كيل معلوم ووزن معلوم إلى أجل معلوم).

فلابد إذاً أن يكون معلوماً، وأن يكون الزمن له نفع ووقع على الثمن في العادة، مثل الشهر والشهرين ونحو ذلك.

الشرط الخامس أن يكون المسلم فيه مما يوجد غالباً عند الأجل

[ الخامس: أن يكون مما يوجد غالباً عند حلول الأجل ].

قال: أعطيك بعد سنة مثلاً براً، فلابد أن يكون هذا هو وقت الحصاد للبر، أو أعطيك بعد سنة مثلاً تمراً، فلابد أن يكون هذا وقت جداد التمر.

ولا يقول: أعطيك بعد ستة أشهر تمراً، ويكون التمر غير موجود بعد ستة أشهر مثلاً، أو يكون قليلاً ونادراً في الأسواق، بل لابد أن يكون هذا وقته، وهذا باتفاق العلماء، وذلك من أجل أن يقدر على التسليم؛ لأنه إذا وضع زمناً لا يوجد فيه الثمر فإنه لا يقدر على التسليم.

الشرط السادس معرفة قدر رأس المال وانضباطه

[ السادس: معرفة قدر رأس مال السلم وانضباطه ].

يعني الثمن الذي عجل في المجلس لابد أن يعرف قدره، كمائة ألف ريال، وقد يكون من غير الدراهم، يقول: أعطيك الآن مائة صاع من البر بذوراً -مثلاً- وتعطيني ألف صاع من الشعير بعد سنة، فلابد أن يكون رأس مال السلم منضبطاً حتى إذا فسخ فإنا نعلم الثمن.

الشرط السابع أن يقبض رأس المال في مجلس العقد

قال: [ فلا تكفي مشاهدته ولا يصح بما لا ينضبط ].

[ السابع: أن يقبضه قبل التفرق من مجلس العقد ].

لابد أن يكون القبض لرأس مال السلم في مجلس العقد، لأنه إذا لم يقبض في مجلس العقد كان بيع دين بدين.

إذاً: المائة ألف ريال تقبض في مجلس العقد ولا تؤخر، وهذا هو مذهب جماهير العلماء.

أحكام الوفاء بالمسلم فيه

مكان الوفاء في عقد السلم

قال: [ ولا يشترط ذكر مكان الوفاء لأنه يجب مكان العقد ]، يعني: أنت الآن أخذت منه مائة ألف ريال على أن تعطيه مائة طن من القمح، فيكون مكان التسليم هو مكان العقد، ولذا قال هنا: (ولا يشترط ذكر مكان الوفاء لأنه يجب مكان العقد).

قال: [ ما لم يعقد ببرية ونحوها فيشترط ]، كسفينة أو على طائرة، فلابد أن نذكر مكان الوفاء.

نحن الآن في البر أو في مفازة من الأرض، فلابد أن يبين مكان الوفاء.

حكم الكفيل والرهن عن المسلم فيه

قال: [ ولا يصح أخذ رهن أو كفيل بمسلم فيه ].

لو قال: أعطني مائة ألف ريال الآن وأعطيك مائة طن من القمح بعد سنة، فقال: لا مانع من ذلك لكن أريد كفيلاً، قالوا: لا يصح أخذ كفيل به.

أو قال التاجر: ليس عندي مانع لكن أعطني رهناً، قالوا: لا يصح؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (من أسلم في شيء فلا يصرفه إلى غيره)، رواه أبو داود .

قالوا: فإذا كان هناك كفيل فقد لا يسدد الفقير ذلك فيؤخذ من الكفيل، أو يباع الرهن ويؤخذ منه حقه؛ لكن الحديث ضعيف، فيه عطية العوفي ، ولذا فالراجح وهو مذهب مالك والشافعي ورواية عن أحمد واختيار شيخ الإسلام أنه يصح أخذ كفيل الحكم أو رهن به.

الحكم إذا تعذر حصول المسلم فيه

قال: [ وإن تعذر حصوله خير رب السلم بين صبر أو فسخ ويرجع برأس ماله أو بدله إن تعذر ].

إن تعذر حصول هذه الأطنان من البر في وقتها، كأن قال: أعطني مائة ألف ريال وأعطيك مائة طن من الأرز بعد سنة، ثم حصلت حروب أو غير ذلك فلم يوجد الأرز في الوقت المذكور بحيث تعذر أو ندر، فماذا نقول للتاجر الذي أسلم ودفع الدراهم؟

نقول: أنت مخير، فإما أن تصبر سنة أخرى أو سنتين حتى يتوفر ذلك، أو تفسخ وتأخذ رأس مالك، ولا يزيد على رأس المال، بل يأخذ رأس ماله الذي دفع أو بدله إن تعذر رأس المال.

قال: [ ومن أراد قضاء دين عن غيره فأبى ربه لم يلزم قبوله ]. قالوا: لما في ذلك من المنة.

هذا رجل اقترضت منه دراهم قدرها مثلاً ألف ريال، فجاء صاحب لك وقال: أيها التاجر أنت تريد من صاحبي فلان ألف ريال؟ قال: نعم، قال: خذ هذه الألف مني أنا وفاءً عنه، فلا يلزم المقرض بالقبول، وله أن يقول: أنا لا آخذ منك، وإنما آخذ حقي ممن أقرضته، لما في ذلك من المنة على التاجر، لأن هذا الرجل قد يمن عليه ويقول: أنا أوصلت حقك إليك، لكن لو قال: أنا وكيل عنه فهذه ألف ريال، فإنه يأخذ لأنه وكيل عنه.

ونقف عند هذا القدر، والله أعلم، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , دليل الطالب كتاب البيع [6] للشيخ : حمد الحمد

https://audio.islamweb.net