إسلام ويب

إذا دخل أهل الذمة تحت حكم الدولة الإسلامية وعقد لهم الإمام عقد الذمة، وجبت لهم حقوق ووجبت عليهم واجبات، وقد فصل الفقهاء أحكام ذلك وما يتعلق به من آداب وشروط، وما ينتقض به العهد وما لا ينتقض به، وغير ذلك.

حكم عقد الذمة

تعريف عقد الذمة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب عقد الذمة ].

الذمة في اللغة هي العهد.

وفي الاصطلاح: عقد يقيمه الإمام أو نائبه يقر به الكافر على كفره في أحكام الدنيا، مع أخذ الجزية منه، وجريان أحكام الشريعة الإسلامية عليه في الجملة.

هذا يسمى بعقد الذمة، فعندما نقول: إن هذا ذمي، فمعناه أنه رجل من النصارى أو اليهود يعيش في بلد مسلم، ومعنى ذلك أن بينهم وبين ولي الأمر عقداً، دفعوا له بمقتضى هذا العقد الجزية، والتزموا بأحكام الشريعة الإسلامية، فتقام عليهم الحدود ويقتص منهم في الدماء والأطراف كما يأتي شرحه إن شاء الله، وعلى الجملة: يحكم فيهم بما أنزل الله، ويدفعون الجزية وتحفظ دماؤهم وأموالهم، فلا يجوز قتلهم، ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة، وإن رائحتها لتوجد من مسيرة أربعين عاماً)، رواه الإمام البخاري في صحيحه.

من يعقد لهم عقد الذمة

قال: [ لا تعقد إلا لأهل الكتاب ].

يعني: أن غير أهل الكتاب لا يكون بيننا وبينهم هذا العقد الذي هو عقد الذمة، إنما يكون لأهل الكتاب من اليهود والنصارى، قالوا: لأن الله جل وعلا قال: قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة:29]، فهذه الآية في أهل الكتاب.

قالوا: والمجوس أيضاً؛ لأن المجوس لهم شبهة كتاب، فقد كان لهم كتاب ثم رفع، كما روي ذلك عن علي في مصنف عبد الرزاق ، ولا يصح هذا الأثر كما قال ابن القيم .

قالوا: وقد جاء في البخاري من حديث عبد الرحمن بن عوف أن النبي عليه الصلاة والسلام: (أخذ الجزية من مجوس هجر).

إذاً: تؤخذ من اليهود والنصارى والمجوس، هذا في المذهب، وهو كذلك مذهب الشافعية.

وقال الأحناف والمالكية، وهو اختيار شيخ الإسلام وتلميذه ابن القيم : بل تؤخذ من عموم الكفار، واستدلوا بما جاء في صحيح مسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال ... الحديث. وفيه: فإن أبوا الجزية)، فهذا يدل على أن عموم الكفار تؤخذ منهم الجزية.

وعلى ذلك فكل كافر يخير بين ثلاث خصال: إما أن يسلم، وإما أن يقتل، وإما أن يدفع الجزية.

فعندما يلقى أهل الإسلام الكفار يخيرونهم بين ثلاث خصال: إما أن تسلموا وإما أن تقتلوا وإما أن تدفعوا الجزية عن يد وأنتم صاغرون، وعلى القول الآخر في المذهب: يكون هذا التخيير لليهود والنصارى والمجوس فقط، أما الوثنيون والبوذيون وغيرهم من الأمم، فلا يخيرون في الجزية، ولكن إما أن يسلموا وإما أن يقتلوا، والصحيح أن هذا التخيير يشمل الجميع كما تقدم.

قال: [ أو لمن لهم شبهة كتاب كالمجوس ]، كما تقدم شرحه.

[ ويجب على الإمام عقدها ]، أي: فالذي يعقدها هو الإمام، [ حيث أمن مكرهم ]، فإن كان يخاف مكرهم وأن أغراضهم التجسس على المسلمين والمكر بالإسلام وأهله فلا يجوز للإمام أن يعقد معهم هذا العقد، وذلك لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (لا ضرر ولا ضرار).

ما يعقد عليه عقد الذمة

قال: [ والتزموا لنا بأربعة أحكام ]، يعني: إذا تم العقد بيننا وبينهم فإن هذا العقد موجبه أن يلتزموا بأربعة أحكام، وما هي هذه الأحكام؟

قال: [ أحدها: أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ]، ففي كل حول يدفعون لنا الجزية.

هذه الجزية من أهل العلم كالشافعية من قال إن قدرها دينار في كل سنة؛ لحديث معاذ أن النبي عليه الصلاة والسلام: (أمره أن يأخذ من كل حالم -أي: بالغ- ديناراً أو عدله من المعافر)، أي: اللباس.

وقال المالكية: بل أربعة دنانير على الغني ودينار على الفقير، واستدلوا بأن عمر أخذها من أهل الشام كذلك، كما في البيهقي .

وقال الحنابلة وهو الراجح: بل يقدرها الإمام وتختلف باختلاف الزمان والمكان والفقر والغنى؛ قالوا: لأن النبي عليه الصلاة والسلام أخذها من أهل اليمن وكانوا فقراء ديناراً، وأخذها من أهل الشام وكانوا أغنياء أربعة دنانير، وعلى ذلك فيختلف هذا باختلاف الزمان والمكان بالنظر إلى أهله في غناهم أو فقرهم، وهذا هو الصحيح.

فالجزية -إذاً- يقدرها الإمام وتختلف باختلاف الزمان والمكان.

قال: [ الثاني: أن لا يذكروا دين الإسلام إلا بخير ]، أي: ولا يذكرون دين الإسلام بسوء، فهذا من مقتضى عقد الذمة، فإذا ذكروا الإسلام بسوء فقد نقضوا هذا العقد.

قال: [ الثالث: أن لا يفعلوا ما فيه ضرر على المسلمين ]، أي: فلا يؤوون جاسوساً ولا ينقلون أخبار المسلمين إلى أعدائهم؛ لأن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا ضرر ولا ضرار).

قال: [ الرابع: أن تجري عليهم أحكام الإسلام ]؛ لقوله تعالى: وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ [المائدة:49]، فإذا قتل الذمي قتل، وإذا سرق قطعت يده، ولذا فإن النبي عليه الصلاة والسلام: (رجم اليهوديين اللذين زنيا) كما في الصحيحين.

إذاً: فعلى ذلك تجري عليهم أحكام الإسلام.

قال: [ في نفس ومال وعرض ]، مثل القذف، فلو أن ذمياً قذف ذمياً بالزنا أقيم عليه حد القذف، وكذا لو قذف مسلماً.

قال: [ وإقامة حد فيما يحرمونه ]، يعني: فيما يعتقدون تحريمه، فإذا زنا المحصن منهم رجم، وإذا زنا غير المحصن فإنه يجلد.

[ لا فيما يحلونه كالخمر ]، فإذا شرب أحد منهم الخمر فلا يقام عليه حد الخمر لأنه يعتقد حله؛ لكن لا يؤذن له أن يشربه جهاراً، ولا أن يؤوي في بيته المسلمين ليشربوا الخمر، ولا أن يبيع الخمر.

وكذلك في الخنزير: فلا يؤذن له في مسالخ الخنزير وبيعه في الأسواق، وإنما يذبحه في بيته ويأكله، وكذلك الخمر يصنعها في بيته ويشربها، أما أن يظهر ذلك فلا يجوز، بل يؤدب ويعزر إذا شربها في أماكن عامة أو باعها، أو فتح حانات الخمر.

من لا تؤخذ منهم الجزية

قال: [ ولا تؤخذ الجزية من امرأة ].

الجزية لا تؤخذ من امرأة، يدل على ذلك ما جاء في البيهقي بإسناد صحيح أن عمر رضي الله عنه: كتب إلى أمراء الأجناد أن يأخذوا الجزية، وأن لا يأخذوها من النساء والصبيان؛ لأن النساء والصبيان لا يقتلون، والجزية إنما تدفع لحفظ الدم.

وللحديث المتقدم في أمر النبي صلى الله عليه وسلم معاذاً أن يأخذها من كل حالم، والحالم هو البالغ.

إذاً: الصبي لا تؤخذ منه جزية، فمثلاً: البيت فيه أطفال ونساء وفيه الأب، فلا نأخذها إلا من الأب، ولا نأخذ من زوجته ولا من الصبيان، لكن لو كان له ابن بالغ أخذنا الجزية أيضاً من هذا الابن البالغ.

[ وخنثى ]؛ لأن الخنثى يشتبه أمره فقد يكون امرأة، وعلى ذلك فلا تؤخذ منه الجزية.

[ ومجنون ]؛ لأن المجنون مرفوع عنه القلم فلا يقتل.

[ وقن ]؛ لأن العبد ليس له مال حتى نأخذها منه، فماله لسيده.

[ وزمن ]، يعني: فيه مرض شديد، كأن يكون به شلل أو نحو ذلك؛ لأن هذا في الأصل لا يقتل.

[ وأعمى ]، كذلك، [ وشيخ فانٍ، وراهب بصومعته ]، الراهب بصومعته لا يقتل كما تقدم، فله حكم النساء والصبيان، فلا تؤخذ منه الجزية.

وكذلك الفقير الذي لا يقدر عليها، أما الفقير الذي يقدر فقد تقدم أن من أهل العلم من يقول: يؤخذ منه دينار، وأربعة دنانير من الغني؛ لكن المقصود أن الفقير الذي يعجز ولا يقدر لا يلزم بدفع الجزية.

[ ومن أسلم منهم بعد الحول سقطت عنه الجزية ]؛ لأن الجزية لا تؤخذ من مسلم، لأن الله يقول: حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ [التوبة:29].

والمسلم لا يكون ذليلاً، فإذا أسلم ولو بعد وجوبها فإنا لا نأخذها منه، يعني: إذا وجبت وحلت فأسلم فلا نأخذ منه الجزية.

ما يستفيده الذميون بعقد الذمة وما يمنعون منه

ما يستفيده الذميون بعقد الذمة

قال: [ فصل: ويحرم قتال أهل الذمة ].

هم يستفيدون من هذا العقد أن دماءهم تحفظ، ولذا تسمى بالجزية، لأنها جزاء -أي عقوبة- له على كفره، وهي جزاء للمسلم لحفظه دم هذا الذمي ويحفظ ماله ويحفظ عرضه.

ولذا قال: [ ويحرم قتال أهل الذمة وأخذ مالهم، ويجب على الإمام حفظهم ومنع من يؤذيهم ].

ما يمنع منه أهل الذمة

قال: [ ويمنعون من ركوب الخيل ]؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الإسلام يعلو ولا يعلى عليه)، رواه الدارقطني من حديث عائذ بن عمرو ، وهو حديث حسن.

فيمنعون من ركوب ما يشرفون به، لأن ركوب الخيل فيه شرف، بل يسمح لهم بركوب الإبل وبركوب البغال والحمير ولا يسمح لهم بركوب الخيل في أسواق المسلمين؛ لأنها من مركوب الشرف.

قال: [ وحمل السلاح ]، فلا يسمح لهم بحمل السلاح لأنهم في ذلة وصغار.

[ ومن إحداث الكنائس ] يعني: يمنعون من بناء كنائس جديدة، [ ومن بناء ما انهدم منها ]، فإذا انهدم منها شيء فيمنعون من بنائه، يعني: ما دامت هذه الكنيسة باقية فإنهم يصلون فيها ويرممونها؛ لكن إذا انهدمت منعوا من بنائها.

[ ومن إظهار المنكر ]، كشرب الخمر، [ والعيد ] أي: أعيادهم، [ والصليب، وضرب الناقوس، ومن الجهر بكتابهم، ومن الأكل والشرب نهار رمضان، ومن شرب الخمر وأكل الخنزير ]، هذا كله يمنعون منه.

[ ويمنعون من قراءة القرآن، وشراء المصحف، وكتب الفقه والحديث ]، أي: حتى لا يبتذلوا ذلك.

[ ومن تعلية البناء على المسلمين ].

يعني: إذا كان البناء عند أهل الإسلام -مثلاً- دور واحد فيمنع الذمي من أن يبني دورين حتى لا يكون منزله شاهقاً فوق بيوت أهل الإسلام؛ لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه، وهو ذمي دفع الجزية لنا صغاراً وذلة.

قال: [ ويلزمهم التميز عنا بلباسهم ].

يعني: يكون لهم لباس يتميزون به عن أهل الإسلام حتى يعاملوا المعاملة التي يختصون بها، لأنهم إذا لبسوا لباس أهل الإسلام لم يتميزوا ولم نتمكن من معاملتهم بالمعاملة المناسبة لهم.

ما يمنع منه المسلم من تعظيم أهل الذمة

قال: [ ويكره لنا التشبه بهم ]، والصحيح التحريم، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (من تشبه بقوم فهو منهم)، رواه الإمام أحمد .

[ ويحرم القيام لهم ].

يعني: إذا قدموا إلى المجلس لا يجوز أن يقوم لهم أهل المجلس؛ لأن هذا تعظيم لهم.

قال: [ وتصديرهم في المجالس ].

أي: لا يكونون في صدر المجلس، بل يكونون في جوانبه وأطرافه، لأن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه.

قال: [ وبداءتهم بالسلام ].

يعني: لا نبدؤهم بالسلام ولذا قال النبي عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم : (لا تبدءوا اليهود ولا النصارى بالسلام، وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه).

إذاً: لا يبدأ بالسلام، فلا تقول للذمي: السلام عليكم، لكن إذا سلم عليك فإنك تجيبه كما يأتي إن شاء الله.

قال: [ وبكيف أصبحت أو أمسيت وكيف أنت أو حالك ].

أي: لا يبدءون كذلك بالسؤال: كيف أصبحت، كيف أمسيت، كيف أنت، كيف حالك، بل يترك الذمي حتى يبدأ هو بذلك.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: بل يجوز أن يبدءوا بكيف أصبحت وكيف أمسيت، وهذا أصح، لأن هذا سؤال لا دعاء، أما (السلام عليكم) فهي تحية فيها دعاء وفيها تشريف وأما كيف أنت وكيف حالك، فالذي يترجح الجواز، لاسيما إذا كان هو الجالس الذي ينتظر، فإنه قد لا يليق أن تقدم أنت إليه في مكانه وهو جالس ينتظرك ثم إنك لا تبدؤه بأي تحية، فالأقرب أنك تقول له: كيف أمسيت، كيف أصبحت، كيف حالك، كيف أنت، هذا هو الأقرب والله أعلم.

قال: [ وتحرم تهنئتهم وتعزيتهم وعيادتهم ].

لا يجوز أن تهنئهم بمولود، أو أن تهنئهم بغير ذلك كربح تجارة.

كذلك لا يجوز أن تعود مريضهم، ولا أن تعزيهم في مصاب.

والقول الثاني: وهو رواية عن أحمد وهو الصواب كما قال في الإنصاف: أنه يجوز أن تهنئهم وأن تعود مرضاهم وأن تعزيهم، ويدل على ذلك أن النبي عليه الصلاة والسلام عاد أبا طالب وكان مريضاً كما في الصحيحين، وعاد غلاماً كان يخدمه من اليهود، وقال له: أسلم فأسلم.

فالصحيح أنه يجوز أن تعوده إذا رجوت إسلامه، وكذلك تعزيه في مصابه وتهنيه، لكن لا يجوز أن نهنئهم بأعيادهم الدينية لأن في ذلك إقراراً لهم على ما هم عليه من الأعياد والطقوس الدينية، وأما أن يهنئوا على مولود أو ربح تجارة أو شهادة فلا بأس بذلك، إذا رجي إسلامه.

[ ومن سلم على ذمي ثم علمه سن قوله: رد علي سلامي ]، يعني: إذا سلمت على يهودي أو نصراني تظنه مسلماً فبان أنه ليس بمسلم فإنه يسن أن تقول: رد علي سلامي، روي ذلك عن ابن عمر رضي الله عنه.

قال: [ وإن سلم الذمي لزمه رده، فيقال: وعليكم ].

يعني: إذا قال الذمي: السلام عليكم فإنك ترد فتقول: وعليكم كما جاء ذلك عن النبي عليه الصلاة والسلام، والصحيح أنك إذا أمنت سلامه فإنك تقول: وعليكم السلام، وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (وعليكم) لليهود؛ لأنهم كانوا يقولون: السام عليكم، يعنون الموت.

فكانوا يلحنون القول، وأما إذا كان كلامه واضحاً ويعلم أنه قال: السلام عليكم، فالذي يظهر أنه يرد عليه، كما جاء ذلك أيضاً عن النبي عليه الصلاة والسلام.

[ وإن شمت كافر مسلماً أجابه بيهديك الله ].

أي: إذا عطست فشمتك كافر فقال: يرحمك الله، فإنك تقول: يهديك الله، أما إذا عطس هو فإنك تقول له: يهديك الله، وهكذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول لليهود وكانوا يتعاطسون في مجلسه عليه الصلاة والسلام فكان يقول: يهديكم الله ويصلح بالكم، كما جاء في أبي داود والنسائي .

ما ينتقض به عقد الذمة

قال: [ وتكره مصافحته ].

تكره مصافحة الذمي، قالوا: لأنها من شعار المسلمين، والذي يترجح أنه لا يكره لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصافح الكفار، فالذي يترجح أن ذلك لا يكره.

قال: [ فصل، ومن أبى من أهل الذمة بذل الجزية أو أبى الصغار ].

هذا الفصل في نقض الذمي لعهده، فإذا انتقض هذا العهد فإن هذا الذمي الذي نقض عهده يعود كما كان، ويخير الإمام بين أسره أو المن عليه أو قتله بحسب المصلحة.

فإذا أبى أن يدفع الجزية نقض عهده، وكذلك إذا تجسس على المسلمين أو آوى الجواسيس، أو سب النبي عليه الصلاة والسلام، [ أو أبى التزام حكمنا ]، أي أبى أن يلتزم بأحكام الشريعة الإسلامية، فقال: لا ألتزم بأحكام الشريعة، فإذا أبى أن يلتزم بها فقد نقض عهده.

فنقول للإمام: أنت مخير كما كنت مخيراً سابقاً بحسب المصلحة.

فإن زنا بمسلمة أو قطع الطريق فقال الحنابلة: كذلك يخير الإمام ويكون قد نقض عهده.

وقال الشافعية ورواية عن أحمد : إن زنا بمسلمة أو نكح مسلمة أو قطع الطريق فإنه تجري عليه أحكام الإسلام، فيقام عليه الحد في الزنا وفي قطع الطريق، وهذا أصح.

قال المؤلف: [ ومن أبى من أهل الذمة بذل الجزية، أو أبى الصغار، أو أبى التزام أحكامنا، أو زنا بمسلمة، أو أصابها بنكاح، أو قطع الطريق، أو ذكر الله تعالى أو رسوله بسوء، أو تعدى على مسلم بقتل أو فتنه عن دينه ] أي: فكان يدعو أهل الإسلام لغير الإسلام [ انتقض عهده ويخير الإمام فيه كالأسير ]، فإن شاء منَّ عليه، وإن شاء استرقه وجعله رقيقاً، وإن شاء قتله، وإن شاء أخذ الفداء، أو يطالب بأسير مسلم في بلادهم مكان هذا الأسير.

إذاً: يعود الذمي كالأسير، لكن تقدم أن الصحيح أنه إذا زنا بمسلمة أو قطع الطريق أنا نقيم عليه الحد، وهو مذهب الشافعية ورواية عن أحمد .

قال: [ وماله فيء ] يعني: إذا كان عنده أموال فإنها تصادر هذه الأموال وتكون فيئاً في بيت المال؛ لأنه أصبح كالأسير كما تقدم.

[ ولا ينقض عهد نسائه وأولاده ]، أي: نساؤه وأولاده يبقى لهم عهدهم؛ لأن الله يقول: وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى [الأنعام:164].

[ فإن أسلم ]، أي: إن قال: أنا أسلمت، [ حرم قتله، ولو كان سب النبي عليه الصلاة والسلام ]؛ لأن الإسلام يجب ما قبله.

واختار شيخ الإسلام ابن تيمية أنه إذا سب النبي عليه الصلاة والسلام فإنه يقتل بلا استتابة، وإن كان صادقاً في توبته فالله يقبل التوبة فيما بينه وبينه، أما في الظاهر فإنا نقيم عليه حكم الله جل وعلا.

ونقف عند هذا القدر، وبهذا ننتهي من كتاب الجهاد، ونتدارس غداً إن شاء الله أول كتاب البيوع.

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , دليل الطالب كتاب الجهاد [3] للشيخ : حمد الحمد

https://audio.islamweb.net