إسلام ويب

الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام، فهو الحصن الذي يلتجئ إليه المسلمون لدفع العدوان، والحصان الذي يركبونه لنشر الإسلام، وهو إما فرض كفاية أو فرض عين أو تطوع، ومنه الرباط في سبيل الله، وفضائله عظيمة جليلة.

حكم الجهاد

متى يكون الجهاد فرض كفاية

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

أما بعد:

فبين أيدينا من كتاب دليل الطالب كتاب الجهاد في سبيل الله، نتدارسه إن شاء الله تعالى في هذه الدورة وما تيسر من كتاب البيوع سائلاً الله جل وعلا أن يجعل هذا في ميزان حسنات الجميع وأن يفقهنا وإياكم في دينه وأن يعلمنا ما ينفعنا في أمر ديننا ودنيانا إنه مجيب الدعاء.

الجهاد: مصدر على زنة فِعال، مِنْ جاهد أي: بالغ في قتال عدوه.

وأصله من الجُهد بالضم يعني المشقة، والجَهد بالفتح بذل الوسع والطاقة.

وأما في الاصطلاح: فهو قتال الكفار خاصة.

والأدلة في كتاب الله وسنة نبيه صلى الله عليه وآله وسلم متواترة في فضل الجهاد.

قال المؤلف: [ وهو فرض كفاية ]، يعني: إذا قام بعض الأمة به على وجه يكفي سقط الإثم عن الباقين، كالأذان والإقامة.

وأما فرض العين: فهو الذي يتعين على كل مسلم توفر فيه شرطه كالصلاة، والصوم، والحج، عند من توفرت فيهم شروطه.

وأما الجهاد فهو فرض كفاية، يعني أنه بالنسبة للأمة فرض، وأما الأفراد فهو سنة بالنسبة للأفراد، إذا قام بعض الأمة به على وجه الكفاية كان بالنسبة لغيرهم من المستحبات والسنن.

ولذا قال: [ ويسن مع قيام من يكفي به ]، قال الله جل وعلا: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ [البقرة:216]، وقال جل وعلا: وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ [البقرة:190].

وقال: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً [التوبة:122]، هذا يدل على أنه فرض كفاية.

وقوله: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ [البقرة:216] يدل على الفرضية، فهو فرض لكنه على الكفاية لا على الأعيان، لقوله جل وعلا: وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً [التوبة:122].

وقوله: (ويسن مع قيام من يكفي به) يعني: إن قامت طائفة بالجهاد وقاتلت أعداء الإسلام من الكفار كان القتال على غيرهم من السنن والمستحبات.

الحالات التي يتعين فيها الجهاد

وإنما يتعين الجهاد في أحوال:

الحال الأولى: إذا حضر القتال، فمن حضر القتال فقد تعين عليه، قال الله جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا [الأنفال:45].

وقال جل وعلا: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ [الأنفال:15-16]، هذا يدل على أن من حضر الصف فقد تعين عليه.

الحال الثانية: من حضر العدو بلده، فإذا داهم العدو البلد وجب على أهل هذه البلدة أن يجاهدوا في سبيل الله، وكان ذلك في حقهم فرض عين، لأن الأديان والأعراض والأموال لا تحفظ إلا بذلك.

أما البلاد الأخرى فلا يتعين عليها، إذا كان أهل البلد التي حضرها العدو لا يكفون، وجب على الأقرب فالأقرب أن يقاتل معهم وأن ينصرهم على عدوهم.

الحال الثالثة: من استنفره الإمام وجب عليه أن يقاتل، فإذا قال الإمام: يا فلان اذهب فقاتل ويا فلان ويا فلان تعين في حقهم، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية، وإذا استنفرتم فانفروا)، رواه الإمام البخاري في صحيحه.

شروط وجوب الجهاد

قال: [ ولا يجب إلا على ذكر ]، لا أنثى؛ لما جاء في المسند وفي سنن ابن ماجه -والحديث صحيح- أن عائشة قالت للنبي عليه الصلاة والسلام: (يا رسول الله على النساء جهاد؟ قال: عليهن جهاد لا قتال فيه؛ الحج والعمرة).

[ مسلم مكلف ]، فالكافر الذمي لا يجب عليه القتال، إنما يجب على المسلم إجماعاً.

والمكلف هو البالغ العاقل، فلا يجب على المجنون ولا على الصبي، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (رفع القلم عن ثلاثة: الصبي حتى يبلغ، والمجنون حتى يفيق، والنائم حتى يستيقظ).

وقد جاء في الصحيحين أن ابن عمر رضي الله عنه قال: (عرضت على النبي عليه الصلاة والسلام يوم أحد وأنا ابن أربع عشرة سنة فلم يجزني ولم يرني بلغت، وعرضت عليه وأنا ابن خمس عشرة سنة فأجازني).

قال: [ صحيح ] أي: سليم من العمى والعرج الشديد والمرض الشديد، قال جل وعلا: لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ [النور:61].

وأما العرج الخفيف الذي لا يمنع من القتال ولا يشق معه القتال فليس بعذر، والمريض: يعني المرض الشديد كذلك.

أما المرض الخفيف اليسير فإنه لا يمنع من وجوب الجهاد، وقال الله جل وعلا: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ [التوبة:91].

قال: [ واجد من المال ما يكفيه ويكفي أهله في غيبته ]، هذا في جهاد التطوع، ومعناه أن يجد مالاً يكفيه ويكفي أهله ينفقونه على أنفسهم، فالجهاد لا يجب إذا كان لا يجد مالاً يتركه لأهله في غيبته؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كفى بالمرء إثماً أن يضيع من يقوت)، وإذا كان لا يجد ما ينفق على نفسه في الجهاد فكذلك لا يجب عليه.

إذاً: أن يجد ما ينفق على نفسه في الجهاد وما يتركه لأهله في غيبته، لقوله جل وعلا: وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ [التوبة:91].

ومن كان عاجزاً ببدنه وعنده مال فيجب عليه أن ينفق من ماله في سبيل الله، لقول الله جل وعلا: وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ [التوبة:41]، فالرجل قد يكون عاجزاً عن الجهاد ببدنه كمريض شديد المرض لكن عنده مال، فيبقى جهاد المال في حقه فرضاً للآية.

قال: [ ويجد مع مسافة قصر ما يحمله ]، إذا كان الجهاد لمسافة قصر فلا يجب عليه الجهاد حتى يجد ما يركب، لقوله جل وعلا: وَلا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ [التوبة:92]، فإذا كان الرجل لا يجد ما يركب وما يحمل نفسه عليه لم يجب عليه الجهاد.

تشييع الغازي وتلقيه

قال: [ وسن تشييع الغازي ]، وهو أن يشيعه الناس حتى يخرج من البلد؛ لأن علياً رضي الله عنه شيع النبي عليه الصلاة والسلام لما خرج لتبوك، وأبو بكر شيع يزيد بن أبي سفيان لما بعثه إلى الشام، فيخرج معه حتى يبرز من البلد.

قال: [ لا تلقيه ]، لأن علياً لم يتلق النبي عليه الصلاة والسلام لما قدم من تبوك، وهناك وجه في المذهب وهو أصح أنه يستحب تلقيه؛ لأن الناس خرجوا للنبي عليه الصلاة والسلام يتلقونه من ثنية الوداع لما قدم من تبوك، كما جاء هذا في سنن أبي داود والترمذي وغيرهما.

فضيلة الجهاد والشهادة فيه

فضيلة الجهاد

قال: [ وأفضل متطوع به الجهاد ]، أفضل ما يتطوع به المسلم الجهاد في سبيل الله، يدل على ذلك ما جاء في الصحيحين أن النبي عليه الصلاة والسلام قيل له: (أي الناس أفضل؟ فقال: مؤمن يجاهد بنفسه وماله)، هذا يدل على أن أفضل أنواع التطوع هو الجهاد في سبيل الله جل وعلا.

وعن الإمام أحمد أن تعلم العلم وتعليمه أفضل أنواع التطوع، والصحيح أن كليهما أفضل أنواع التطوع، جهاد السيف في الجهاد وجهاد القلم والعلم والبرهان، وما كان المسلمون إليه أحوج فهو أفضل، فإن كان المسلمون قد انتشر فيهم الجهل وانتشرت فيهم البدع فجهاد العلم أفضل، وإن كانوا على علم وسنة ويحتاجون إلى قتال العدو فالجهاد بالسيف أفضل.

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن استيعاب عشر ذي الحجة بالعمل الصالح أفضل من الجهاد في سبيل الله إلا أن تذهب نفسه وماله في الجهاد، وهذا ما يدل عليه قول النبي عليه الصلاة والسلام الذي رواه البخاري : (ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه العشر، قالوا: ولا الجهاد في سبيل الله؟ قال: ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله فلم يرجع من ذلك بشيء).

فاستيعاب العشر الأوائل من ذي الحجة بالعمل الصالح أفضل من الجهاد الذي لم تذهب فيه النفس ولم يذهب فيه المال، أما الجهاد الذي ذهبت فيه النفس والمال فهو أفضل.

قال: واستيعاب السنة بالعبادة يعدل الجهاد سائر السنة، وهذا يدل عليه ما جاء في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: (ما يعدل الجهاد في سبيل الله؟ قال: لا تستطيعونه)، أعادوا عليه مرتين أو ثلاثاً فقال عليه الصلاة والسلام: (مثل المجاهد في سبيل الله كمثل القائم القانت بآيات الله لا يفتر من صيام ولا صلاة حتى يرجع المجاهد في سبيل الله).

يعني الذي يشتغل بالعبادة ليلاً ونهاراً لا ينقطع إلا لحاجة الإنسان أو للنوم أو للطعام حتى يكون قد استغرق نهاره بالصيام واستغرق ليله بالقيام فهو في عبادة طول السنة، فهذا يعدل الجهاد في سبيل الله، وهذه العبادة في العشر الأواخر أفضل من الجهاد في سبيل الله إلا أن يستشهد كما تقدم.

قال: [ وغزو البحر أفضل ]، لأن ذلك أشق وأخطر فكان أفضل.

فضيلة الشهادة في سبيل الله

[ وتكفر الشهادة جميع الذنوب سوى الدين ].

الشهادة في سبيل الله تكفر جميع الذنوب سوى الدين، لقول النبي عليه الصلاة والسلام: (يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين).

ويلحق بالدين المظالم التي تكون للعباد من الغيبة والنميمة وأكل مال اليتيم؛ لأن الدين لم يعف عنه لأنه حق لآدمي، فكذلك حقوق الآدميين المظالم الأخرى كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.

كذلك الزكاة؛ لأن الزكاة دين في ذمته، وكذلك الحج إذا تأخر فلم يؤده لأنه دين، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (اقضوا الله فالله أحق بالقضاء)، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى.

لكن الحديث السابق في مثل الزنا وغير ذلك مما يتعلق بحقوق الله جل وعلا.

موانع التطوع بالجهاد

قال: [ ولا يتطوع به مدين لا وفاء له إلا بإذن غريمه ]، المدين الذي لم يترك وفاءً ليس له أن يتطوع به إلا أن يأذن له غريمه، إلا أن يترك رهناً محرزاً، يقول: هذا رهن يحفظ الحق، أو أن يقيم كفيلاً غارماً مليئاً، فهذا له أن يسافر ويقاتل في سبيل الله بلا إذن، لأنه ترك ما يحفظ حق هذا الغريم.

إذاً: لابد أن يقيم ضميناً غارماً مليئاً أو يترك رهناً محرزاً.

قال: [ ولا من أحد أبويه حر مسلم إلا بإذنه ]، أي: وفي جهاد التطوع لابد من إذن الأبوين، يعني الأب المباشر والأم المباشرة لعظيم شفقتهما، ويدل على ذلك أن رجلاً استأذن النبي عليه الصلاة والسلام في الجهاد فقال له: (أحي والداك؟ قال: نعم، قال: ففيهما فجاهد).

لابد أيضاً من إذن ولي الأمر؛ لأن أمر الجهاد موكول إليه كما قال أهل العلم، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: (على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)، فأمر الجهاد موكول إلى الإمام؛ لأن هذا يحتاج إلى النظر في المصالح ودرأ المفاسد، فلابد فيه من إذن ولي الأمر إلا أن يفجأهم عدو يخافون شره، فيتعذر الاستئذان فيقاتلون بلا استئذان كما قال أهل العلم.

ولذا فإن سلمة بن الأكوع رضي الله عنه استنقذ إبل الصدقة من عدو فاجأهم فأثنى عليه النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك وقال: (خير رجالنا سلمة بن الأكوع ، وأعطاه سهم راجل وسهم فارس)، رواه الإمام مسلم في صحيحه.

فضيلة الرباط في سبيل الله

قال: [ ويسن الرباط وهو لزوم الثغر ].

الرباط أن يلزم ثغراً، وهو الحد الذي بيننا وبين الكفار المقاتلين، أي: بيننا كدولة مسلمة وبين دولة محاربة للإسلام، فالإقامة فيه ولزومه يسمى رباطاً، فقد جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام أنه قال: (رباط ليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه، ويجرى عليه عمله الذي كان يعمله، ويجرى عليه رزقه، ويأمن الفتان)، هذا يدل على فضيلة الرباط في سبيل الله.

قال: [ وأقله ساعة ]، يعني لو مكث ساعة واحدة في ثغر فهذا يسمى رباطاً، [ وتمامه ] يعني: أكمله [ أربعون يوماً ]، جاء في الطبراني أن تمام الرباط أربعون يوماً، لكنه لا يصح، وصح عن أبي هريرة رضي الله عنه كما في مصنف عبد الرزاق أن تمام الرباط أربعون يوماً.

قال: [ وهو أفضل من المقام بمكة ]، بإجماع العلماء؛ لأن الذي يقيم في مكة يشتغل بالعبادة وهذا يشتغل بالجهاد، والجهاد أفضل أنواع العبادة كما تقدم، فالرباط أفضل من مجاورة البيت الحرام.

قال: [ وأفضله ما كان أشد خوفاً ]، أي: كلما كان الموضع أشد خوفاً فهو أفضل، لأن المقام به أنفع للمسلمين.

حكم الفرار من وجه العدو والهجرة من بلاد الكفر

قال: [ ولا يجوز للمسلمين الفرار من مثليهم ولو واحداً من اثنين ]، للآية: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ * وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ ... [الأنفال:15-16] أي: إلا أن ينتقل من موضع إلى موضع، وهذا من فن القتال، كأن ينتقل من علو إلى سفل، أو كان مستقبلاً الريح فيستدبرها، أو كان مستقبلاً الشمس فيستدبرها ونحو ذلك، أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ [الأنفال:16]، أي: أو أن يفر إلى فئة ليتقوى بها ليعود للقتال في سبيل الله، وإلا فإنه لا يجوز الفرار إلا أن يكون الكفار أكثر من الضعف، أما إذا كانوا الضعف فلا يجوز الفرار، لأن الله جل وعلا قال: الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ [الأنفال:66] يعني الضعف، ولذا قال الشيخ بعد ذلك: [ فإن زادوا على مثليهم جاز ]، يعني: إن كانوا أكثر من مثلين جاز الفرار.

قال: [ والهجرة واجبة على كل من عجز عن إظهار دينه بمحل يغلب فيه حكم الكفر والبدع المضلة ]، أي: إذا كان في موضع تغلب فيه البدعة المضلة كالرفض أو كان في موضع يغلب فيه الكفر، فهل يجب أن يهاجر؟

قال أهل العلم كما قال المؤلف هنا: إن كان يقدر على إظهار دينه لم تجب عليه الهجرة واستحبت، ومعنى إظهار دينه أن يقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويتبرأ من الكفر وأهله، ويقيم الفرائض والواجبات، فهو -إذاً- يظهر دينه، فحينئذ لا يجب أن يهاجر، لكن يستحب له الهجرة ليقوي المسلمين في البلد الذي يهاجر إليه.

وأما إذا كان لا يظهر دينه فيجب أن يهاجر؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فإظهار الدين بفعل الفرائض والواجبات واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، قال الله جل وعلا في كتابه الكريم: إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا [النساء:97].

قال: [ فإن قدر على إظهار دينه فمسنونة ] يعني: يستحب له أن يهاجر، والهجرة ماضية إلى يوم القيامة، ولذا جاء في سنن أبي داود أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: (لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها).

والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , دليل الطالب كتاب الجهاد [1] للشيخ : حمد الحمد

https://audio.islamweb.net