إسلام ويب

الإيمان له ظاهر وباطن، فباطنه تصديق القلب وظاهره تصديق اللسان وعمل الجوراح، ولابد من الإتيان بكل ذلك، ومن أعمال القلب التوكل على الله والاعتماد عليه، لكن مع الأخذ بالأسباب المشروعة.

الإيمان ظاهر وباطن

أحمد الله رب العالمين، حمد عباده الشاكرين الذاكرين، حمداً يوافي نعم الله علينا ويكافئ مزيده، وصلاةً وسلاماً على المبعوث رحمة للعالمين، سيدنا محمد، اللهم صل وبارك عليه صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين.

أما بعد:

ندعو الله سبحانه وتعالى في بداية هذه الجلسة الطيبة أن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، اللهم اجعلها خالصة لوجهك الكريم، اللهم لا تجعل للشيطان فيها حظاً أو نصيباً، اللهم ثقل بها موازيننا يوم القيامة، وأضئ لنا بها طريقنا على الصراط يوم القيامة، وثبت بهذا العلم يوم القيامة أقدامنا على الصراط يوم تزل الأقدام، اللهم أظلنا بظلك يوم لا ظل إلا ظلك، اللهم أظلنا بظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك، اللهم ثبتنا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، اللهم إن أردت بعبادك فتنة فاقبضنا إليك معافين، غير فاتنين ولا مفتونين، وغير خزايا ولا ندامى ولا مبدلين، وإن أردت بعبادك فتنة يا أرحم الراحمين! فأبعدنا عن الفتن ما ظهر منها وما بطن، اللهم اختم لنا بالإسلام جميعاً يا أرحم الراحمين! اجعل اللهم جمعنا هذا جمعاً مرحوماً، وتفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً، ولا تجعل بيننا يا مولانا! شقياً ولا محروماً، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.

ما زلنا مع كتاب الفوائد لـابن قيم الجوزية رضي الله عنه، واليوم سنتحدث في الفقرة الأولى عن الإيمان:

فالإيمان هو الرتبة الأعلى للمسلم، وذلك عندما يسلم الإنسان قلبه لله عز وجل يصير مؤمناً، فكل مؤمن مسلم، وليس كل مسلم مؤمناً، كما قال تعالى: قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ [الحجرات:14].

إذاً: عندما يمحص الله العبد ويختبره عندئذ يكون الإيمان، وفي الحديث: (قال: فأخبرني عن الإيمان، قال: الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه، ورسله واليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره) حلوه ومره، والمؤمن من أمنه الناس على دينهم وأعراضهم وأموالهم، والمؤمن هو الإنسان الذي يقدم ذكر الآخرة -أي: معاده- على معاشه، أو يهتم بأمر المعاد على أمر المعاش، اللهم اجعلنا من أهل الآخرة ونحن نعيش في الدنيا يا أرحم الراحمين!

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ الإيمان له ظاهر وباطن ].

إذاً: الإيمان ليس له قسمان، وإنما له صورتان، والصورتان متكاملتان وليس بصورتين مختلفتين، فالإيمان له ظاهر وله باطن.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وظاهره: قول اللسان وعمل الجوارح ].

قال الأصوليون: الإيمان له أركان ثلاثة: قول باللسان، وتصديق بالجنان، وعمل بالأركان، ونحن سنأخذ القول باللسان والعمل بالجوارح، فلو أن شخصاً قال: لا إله إلا الله محمد رسول الله، وأكل ذبيحتنا، واستقبل قبلتنا، فلا أستطيع أن أقاتله، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإن قالوها عصموا مني أنفسهم ودماءهم إلا بحقها وحسابهم على الله عز وجل) ولعلنا نذكر أسامة رضي الله عنه لما رفع السيف على مشرك، فنطق المشرك بالشهادة فقتله أسامة ، فلما عاتبه النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك قال: يا رسول الله! ما قال: لا إله إلا الله إلا خوفاً من السيف، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أشققت قلبه لتعرف ما فيه؟ ماذا تصنع بلا إله إلا الله يوم القيامة).

إذاً: نقطة دم تراق من مسلم قضية خطيرة وخطيرة، نسأل الله العصمة والرحمة، ونسأل الله أن يزيل هذه الغمة عن المسلمين جميعاً؛ إن مولانا على ما يشاء قدير.

إذاً: الإيمان ظاهر وباطن، فالظاهر بالقول: من قال: لا إله إلا الله باللسان، وبعد ذلك عمل بالجوارح فصلى مع الناس، وحج مع الناس، وصام مع الناس، فعند ذلك نقول عن هذا الإنسان: عنده إيمان، أما أن نقول: هذا منافق، وهذا فاسق، وهذا فاجر، فلسنا حكاماً على الناس، وإنما الذي يحكم على الناس هو رب الناس، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول قولاً لطيفاً: كنا نحكم عليكم والوحي ينزل، أما ولا وحي فمن فعل خيراً أو قال خيراً ظننا به خيراً، فمن فعل شراً أو قال شراً ظننا به ما فعل وما قال.

إذاً: نحن لنا ظاهر الأمور، ولا يجب أن نبحث عن بواطن الأمور حتى في الفقه، فمثلاً: قال العلماء: إذا ذهب الرجل ليصلي في المسجد، وبينما هو في الطريق ونزل عليه ماء من حائط أو نحوه، فمن الواجب أن لا يسأل عن هذا الماء هل هو طاهر أم غير طاهر، والحكم عليه أنه ماء طاهر.

هذا هو الإسلام، قال تعالى: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [الإسراء:36]، فعندما نتقصى الأثر، ونقول: هذا سبق صحفي، وخبر غريب في العائلة، وفلان أول من نشر هذا الخبر،، وهكذا...، فإنه ليس بمؤمن أبداً من صنع هذا الصنيع.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وباطنه: تصديق القلب، وانقياده ومحبته، فلا ينفع ظاهر لا باطن له، وإن حقن به الدماء وعصم به المال والذرية ].

أي: لا ينفع عند الله، فلسنا حكاماً على قلوب الناس، فلا يأتي شخص ويقول: أنا أعلم أن هذا الشخص كذاب. كيف علمت هذا؟ وكيف عرفت هذا؟ إذا ثبت لك عملياً بحواسك الظاهرية بالعين وبالأذن وباللمس وبالإثباتات وبالورق وبالشواهد وبالقرائن وبالأدلة، فساعتئذ أقول: هذا كاذب، فليس هناك ضرورة أبداً إلى أن أذهب وراء السطور وأبدأ بتقصي حقائق الأمور على طريقة المخابرات.

سيدنا عمر رضي الله عنه لما سمع أصواتاً غريبة، وتسور الجدار، وجد ثلاثة يحتسون الخمر، فإنه من الممكن أن يقال الآن: من حق الإمام أن يتجسس لصالح الرعية، ولكن لنرى موقف عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما قال: يا أعداء الله! ظننتم أن الله لا يراكم، وإن الله قد فضحكم، فقالوا: يا عمر ! يا أمير المؤمنين! إن كنا قد عصينا الله في واحدة فأنت قد عصيته في ثلاث، قال: وما هي؟ قالوا: يقول الله: وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا [البقرة:189]، وأنت لم تأت البيوت من أبوابها.

والله تعالى يقول: وَلا تَجَسَّسُوا [الحجرات:12]، وأنت تجسست.

والله تعالى يقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا [النور:27]، وأنت لم تستأذن ولم تسلم.

فقال لهم: أتعاهدونني على عدم شرب الخمر؟ قالوا: نعاهدك يا أمير المؤمنين! وقد تابوا إلى الله عز وجل.

إذاً: سيدنا عمر رضي الله عنه لم يبح له وهو الحاكم العام أن يتجسس على بيوت الناس، ومن تطلع على عورات المسلمين ليفضحهم تتبع الله عورته وفضحه ولو في جوف بيته.

وكذلك التلصص على التلفونات وعلى الحيطان بطريقة أو بأخرى، ويجعل الناس يعيشون في حالة رعب، فإن هذا إنسان نزعت منه الرحمة ونزعت منه الشفقة والإيمان، ويعد مجاهراً بالمعصية؛ لأنه يدخل عينيه وأذنيه في أعراض الناس.

إلا في حالة الحروب للأمن العام، فقد قال عمر بن الخطاب لـسعد بن أبي وقاص : تحسس جيشك ليلاً ولا تتجسس عليهم، والتحسس هو الدخول بإذن، ويعلم الجيش أن القائد يفتش وأنه مستيقظ، أما التجسس هو الدخول بين الناس بدون أن يشعر به أحد، وهذا حرام.

إذاً: أتحسس الأخبار، وأدخل بين الجيش وأعلمهم أنني مهتم بهم، وأفاجئهم في أي وقت، لكن لا أتجسس عليهم.

قال عمر : إن تجسست عليهم فضحتهم، وإن فضحتهم فضحك الله يوم القيامة. وهذا هو القائد العام لجيش المسلمين.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ ولا يجزئ باطن لا ظاهر له ].

أحياناً نجد أبناءنا في البيت عندما نقول لأحدهم: اقرأ القرآن، فيقول لك عناداً: لن أقرأ، وبعد ذلك يدخل إلى غرفته، وعندما تأتي أمه أو يأتي أبوه يقفل المصحف؛ لأنه لا يريد أن يأمره أحد وهو عدو الأمر، وبالذات من الأب والأم، فهو يقرأ القرآن ويصلي، لكن لا يريد أن يحس أبوه وأمه أنه ما قرأ إلا لأنهم أمروه، وبعض الناس عندما تأمره بالصلاة وبالصيام يقول لك: دعنا من الصلاة والصيام، بيني وبين ربي عمار، فهذا هو الباطن الذي لا ظاهر له، فلا بد أن أحس أنك مسلم، فعندما أجدك بين أناس يشربون الخمر، هل تعتقد أني سأظن أنك تدعوهم إلى الله؟! ولذلك قيل: لا يضع الواحد منكم نفسه موضع الشبهة، إياكم ومواطن الشبهات، فالمكان الذي فيه شبهة لا داعي للتواجد فيه.

إذاً: أنت كمسلم لا تضع نفسك في مكان معصية وتقول: ليس لي شأن بهذا، فمثلاً لو ذهبت إلى عرس وكان فيه راقصة، وتبرر لنفسك وقلت: أنا لم أكن أنظر إلى الراقصة، وكنت أعطيها ظهري! لماذا تذهب أصلاً؟ ولماذا لم تعد إلى بيتك عندما وجدت الراقصة؟ فيقول لك: هذا ابن أخي؟ فأقول له: حتى لو كان ابن أخيك، هل لا يتزوج إلا بوجودك؟ اذهب وسيستمر العرس ولن يتوقف. وأحياناً يقول لك: أنا أستقبل الناس والضيوف، فأقول له: عد إلى بيتك وأخوك سيقوم بالواجب، سيقول لك: أخي سيغضب، فأقول له: فليغضب، قاطعه في الله، واغضب منه في الله، وهكذا يكون المسلم.

فأنا أريد أن أقول: إن المسلم لا بد أن يظهر للناس الخير؛ لأنك عندما تظهر للناس الخير على قدر المستطاع، فالناس يذكرونك بخير، فتجدهم يقولون: بارك الله في فلان، بارك الله في فلانة، ما شاء الله عليها!

لكن عندما ترى امرأة تلبس بنطالاً بطريقة غريبة، وشعرها مسترسل ومتلون، ووجهها كأنه لوحة فنية، وتمشي في الشوارع، وبعد ذلك تقول: بيني وبين ربي عمار! فكيف يكون ذلك؟! وقد يكون، لكن ظاهر الأمر أنه لن يكون.

إذاً: الإيمان له جانبان: ظاهر وباطن، فالظاهر لا ينفع من غير باطن، والباطن لا ينفع من غير ظاهر، إلا في حالات:

أن إنساناً لو أظهر إيمانه في مكان ما وفي وقت ما، قد يستهزأ بالدين، وقد يسخرون منه، وقد يسبون الله عدواً بغير علم، وقد يخاف على نفسه، وقد يكون في دولة كافرة فيها أناس ملحدون، فهذه استثناءات، ولكل قاعدة شواذ، وهكذا أيضاً الإيمان الباطن لا يصلح إلا بالظاهر إلا في بعض الحالات التي يخاف الإنسان فيها على نفسه.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ إلا إذا تعذر بعجز أو إكراه وخوف هلاك ].

لأنه لو شعر أن عنده عجزاً عن إظهار الإيمان، مثلما حصل في مطلع الإسلام، عندما كان عبد الله بن مسعود يقرأ القرآن أمام كفار قريش فضربوه حتى أدموا وجهه، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: أريد رجلاً قوياً، وعبد الله بن مسعود يقول: سأقرأ أمامهم مرة أخرى، وهكذا..

قال: [ فتخلف العمل ظاهراً مع عدم المانع دليل على فساد الباطن وخلوه من الإيمان ].

فمثلاً لو أن رجلاً كان بين أناس كما يقال: (إتكيت) ويخاف أن يتكلم في موضوع الصلاة، وهو يستيقظ لصلاة الفجر وزوجته محجبة؛ فيخاف أن يسخروا منه فيسكت، فهذا دليل على أن باطنه فاسد؛ والمفترض أن يفتخر بأنه يحافظ على الصلاة، وليس من باب الشهرة والإعلان، ولكن من باب أنه ينصح الغير بالهداية والتقوى، فعندما يسمع أن غيره لا يستيقظ لصلاة الفجر، فيقول: نحن لا نعرف هذا الكلام، نحن ننام مبكرين ونستيقظ مبكرين قبل صلاة الفجر ونصلي، فإذا سخروا منه وقالوا: لا يوجد أحد يستيقظ بالفجر، فيقول: نعم، نحن نستيقظ مبكرين والحمد لله، ونبتدئ اليوم في وقت باكر، وننام مبكرين.

إذاً: لا يخجل الإنسان من الإيمان ولا من الإسلام.

قال: [ فنقصه دليل نقصه، وقوته دليل قوته ].

نقص الظاهر دليل على نقص الباطن، وكمال الظاهر دليل على كمال الباطن.

قال: [ فالإيمان قلب الإسلام ولبه، واليقين قلب الإيمان ولبه، وكل علم وعمل لا يزيد الإيمان واليقين قوة فمدخول ].

(مدخول) أي: مشكوك في أمره، فمثلاً لو حضر أحد منا درس علم وخرج بعد الدرس مثلما كان قبل الدرس، وفي كل درس هكذا، فما فائدة الدرس؟! فلا بد أن العلم يزيدك قوة في إيمانك، ويشعرك باليقين بالله، ويشعرك بأن إيمانك زاد؛ لأن أهل السنة والسلف الصالح -ونحن إن شاء الله على مذهبهم- قالوا: إن الإيمان يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي، فإذا كانت الطاعة لا تزيد في الإيمان، فهذه الطاعة مشكوك في أمرها.

إذاً: الطاعة تزيد في الإيمان، والمعصية تنقص الإيمان، فنحن كمسلمين يجب علينا أن تكون حسناتنا في ازدياد لكي يزيد إيماننا.

قال: [ وكل إيمان لا يبعث على العمل فمدخول ].

أي: أن كل إيمان لا يحث على العمل فهو إيمان مشكوك في أمره؛ لأن الإيمان لا بد أن يحثنا على العمل، فمثلاً كلنا مؤمنون بحبنا لأولادنا، وهذا يقين، فنحن نتعب في تربيتهم وفي تعليمهم وجميع مراحل حياتهم، من دراسات عليا وعمل وتزويج، ونظل نحمل همه حتى نموت، هذا إيمان بحبنا لأولادنا، فالإيمان لا يضعف بالولد حتى وإن كان عاقاً، فتجد أباه يقول: الحمد لله أنه ما زال يعيش في هذه الدنيا ويكفي. وهذه من رحمته بابنه، وكذلك الأم حين يتزوج ولدها وتجده يهتم بزوجته أكثر من أمه، ولكن الأم تقول: حتى لو أخذته زوجته مني وهو سعيد فأنا سعيدة، فهذا سببه أن هناك إيماناً بحبها لابنها وحنوها عليه، فمهما يقع من هذا الولد فهناك إيمان بالحب لهذا الولد، والحب في استمرارية وزيادة، فيتحول الإيمان إلى عمل، فتجدهم يهتمون به حتى وإن تزوج وأصبح عنده أولاد، وما زالوا يحملون همه وهم أولاده حتى يموت، فأنت تعمل كل هذا لأن عندك حباً لابنك.

فلو أحببنا الله عز وجل، فإن هذا الحب والإيمان يزيد في العمل، فالإيمان الذي لا يزيد في العمل مشكوك فيه.

فمثلاً لو أن هناك رجلاً له ابن وهو يقول: إنه يحبه، ولكن قد يطلب ابنه منه شيئاً يشتريه له، والأب يملك المال، لكن الأب يماطل ابنه ويظل يوعده ويمنيه، فهو لا يترجم حبه إلى عمل، لأنه لو كان يحبه لاشترى له ما يطلب منه خصوصاً وهو يمتلك المال.

التوكل نوعان

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ التوكل على الله نوعان:

أحدهما: توكل عليه في جلب حوائج العبد وحظوظه الدنيوية، أو دفع مكروهاته ومصائبه الدنيوية ].

يعني أنت تتوكل على الله لكي يعطيك من عنده ما تبغي من حوائج الدنيا وما فيها، فتدعو الله وتقول: أنا متوكل عليك يا رب! أن تأخذ بيد أولادي، وأن تهدي زوجتي، وأن تهدي جاري، وأن تجعل زوجة ولدي تحب ولدي وترعاه، وتهدي ابنتي مع زوجها، وأن تجعل زوجها حنوناً عليها، كل هذا توكل على الله.

وعندما يزوج الرجل ابنته يوصي زوجها وحماها، ويقول له: لقد أعطيتك فلذة كبدي فاهتم بها، إنها طيبة وحنونة، ولا تغضبها حتى لا نغضب منك، وكذلك يوصي ابنته ويقول لها: انتبهي لزوجك وأهل زوجك وبيتك.

فهذا نوع من التوكل لكي يقضي لنا الله حوائجنا الدنيوية، والإنسان يعمل الذي يقدر عليه والله هو الذي يتولى الأمور.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ والثاني: التوكل عليه في حصول ما يحبه هو ويرضاه من الإيمان واليقين، والجهاد والدعوة إليه ].

وللأسف أنا لي عشرون سنة في الدعوة، ولم أجد أحداً من الذين عرفتهم متوكلاً على الله في هذه الناحية.

ولكي أوضحها أكثر لا بد أن أوضح معنى التوكل، وسأضرب لكم مثالاً، لو أنك تعرف شخصاً وتثق به ثقة تامة، وهذا الشخص عندما تطلب منه أن يعمل لك مصلحة أو ينفعك بمنفعة فإنه ينجزها، فعندما نطلب منه قضاء مصلحة أو توصيل أمانة، فنحن ننسى أن نسأله ما إذا كان قد قضى هذه المصلحة أو وصل هذه الأمانة أم لا، لأننا واثقون ومتأكدون أنه سيقضيها، فهذا هو التوكل، لكن عندما أطلب منه عمل مصلحة ما، ثم أظل أسأله كل وقت عما إذا كان قضاها أم لا، فهذا لا يسمى توكلاً. ولله المثل الأعلى.

فمعنى: أن أتوكل على الله: أن أترك أمري لله وأنساه، لأنني تركته عند من لا ينسى، ولذلك قال الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وسلم: وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لا يَمُوتُ [الفرقان:58]؛ لأننا لو توكلنا على بشر فقد يموت، وقد ينسى، وكلاهما موت، فموت الشخص يعني أني فقدت من أثق فيه، ونسيانه موت لموضوعي عنده، فتجد شخصاً يكون له قريب في منصب كبير، فتجده يحتمي بهذا القريب ولا يخشى أحداً، لكن عندما ينزل هذا القريب من منصبه، فلن يكون له ظهر كما كان من قبل.

فالواجب أن نتوكل على من لا يذهب ولا يموت ولا ينسى، فإذا توكل المسلم على الله كفاه.

كان هناك رجل يسرق الأحذية من المساجد، فعندما يختار الحذاء النظيف ليسرقه ويخفيه وراء عباءته، يقول: من توكل على الله كفاه ويذهب، فعندما يسمعه الناس يقول هذه الكلمة لا يشكون فيه أبداً، فعندما أراد أن يخرج من المسجد تعثر في عباءته، فكان الجزاء من جنس القول.

والله تعالى يقول: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ [الطلاق:3]، أي: يكفيني ربي، فعندما نقول: حسبنا الله ونعم الوكيل، أي: أملنا وكفايتنا هو الله عز وجل، يقول تعالى: وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ * فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ [آل عمران:173-174]؛ ولذلك عجبت لمن ابتلي بالخوف من الناس، كيف يغفل عن قول الله عز وجل: (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ)، ألم يقل الله بعدها: فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ [آل عمران:174].

وللأسف أن أغلب الناس يفهم أن كلمة: (حسبنا الله) نقولها في وجه الشخص عندما نكون مقهورين منه، وهذا خطأ، ولكن عندما تكون خائفاً من شخص أو خائفاً من حدث معين فقل: حسبي الله ونعم الوكيل، أي: الله حسبي، الله معي، ليس لي إلا الله، الله ظهري، الله سندي، الله متولي أمري، وهو الولي سبحانه وتعالى، وهذا من الإسلام، فعندما أقول: أنا مسلم، أي: مسلم أمري لله عز وجل.

فالتوكل الأول خاص بالحوئج الدنيوية، كأن يقول الأطباء عندما يقومون بعملية لشخص: نحن عملنا الذي نقدر عليه، والباقي على الله، وهو كله على الله أولاً وأخيراً.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [والثاني: التوكل عليه في حصول ما يحبه هو ويرضاه من الإيمان، واليقين، والجهاد، والدعوة إليه ].

فمثلاً: فلان يصلي ويصوم ويزكي ويعمل الخير ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، لكنه ينسى أن يتوكل على الله في أن يعينه على الصلاة، ويعينه على قيام الليل، ويعينه على الجهاد في سبيل الله، ويعينه على الحق، ويعينه على الدعوة إلى الله، ويعينه على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ويعينه على الصدقة، ويعينه على الطاعة، ويعينه على الخصال، ويعينه على الدنيا، ويعينه على العيال، وهذا هو التوكل الأهم.

قال: [ وبين النوعين من الفضل ما لا يحصيه إلا الله، فمتى توكل عليه العبد في النوع الثاني حق توكله كفاه النوع الأول تمام الكفاية ].

يعني: أنني لو توكلت على الله في أمر الآخرة، فالله يعطيني الدنيا والآخرة.

قال: [ ومتى توكل عليه في النوع الأول دون الثاني كفاه أيضاً ].

أي: أن الله سيعطيني الدنيا وما فيها، لأنه يملك الدنيا والآخرة.

قال: [ لكن لا يكون له عاقبة المتوكل فيما يحبه ويرضاه، فأعظم التوكل عليه التوكل في الهداية وتجريد التوحيد ومتابعة الرسول ].

أي: تجريد التوحيد لله عز وجل ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم.

قال: [ وجهاد أهل الباطل ].

وهذا أصعب شيء، وكما نقول دائماً: أصعب شيء هو السباحة ضد التيار، فتجد المجتمع يمشي من الألف إلى الياء، وتجد رجلاً مسلماً على الطريقة الصحيحة يمشي من الياء إلى الألف، فلو كان عندكم من الشفافية أو من مكبرات الصوت الإلهية وتضعونها على قلوب من يرانا ونحن داخلون إلى هذه القاعة، لسمعتم عجباً، وهذا ليس شفافية ولا فراسة ولكن من الواقع واليقين، ومن الرسائل التي تصلني من الناس، إذ يبعثون جوابات يقولون فيها: لقد أفسدت علينا أولادنا، أولادنا أصبحوا يقومون يصلون الفجر في المسجد، ونحن نخاف عليهم أن يحتجزهم رجال الأمن؟!، وبناتنا بعد أن كان شعرها أصفر وأخضر تحجبت، ما هذا الفساد الذي صنعته في أولادنا؟!

سبحان الله! أفسدنا أولادهم، اللهم إن كان هذا هو الفساد فاجعلنا من هؤلاء المفسدين، واحشرنا في زمرة هؤلاء المفسدين.

فغير المؤمن عندما يرى المؤمن فإنه يكون حاقداً عليه، لأنه يتمنى أن يكون مثله لكنه لا يعرف كيف يفعل ذلك، فتجد المرأة المؤمنة يتعبها زوجها، وأولادها متعبون، وتجدها باسمة الوجه، لأنها عندها يقين في الله عز وجل، ولذلك آسية امرأة فرعون، عذبها فرعون وشد شعرها شعرة شعرة، وهي تقول: الله! وهو يقول لها: أين الله؟! وبعد ذلك قطع من جسمها أصابعها ويديها ورجليها، وهي لا تمتنع عن قول: لا إله إلا الله، فلما اغتاظ منها قال: اقطعوا لسانها، فقالت: يا رب! لم يبق لي ما يؤنسي مع قلبي في ذكرك إلا لساني، اللهم خذني عندك وابن لي بيتاً في الجنة، ونجني من فرعون وعمله. فقال العلماء: بينما هم يقطعون لسانها، كان جسمها في الفرش، وروحها في العرش.

فعندما يصل الإنسان إلى هذا المنطلق، يكون كما قال الإمام أحمد بن حنبل : أنتم ترون يد الجلاد، وأنا أرى يد رب العباد.

قال: (وجهاد أهل الباطل) ونحن الآن في زمن كثير فيه أهل الباطل، وقد وصل الأمر إلى هذا.

قال: [ فهذا توكل الرسل وخاصة أتباعهم، والتوكل تارة يكون توكل اضطرار وإلجاء، بحيث لا يجد العبد ملجأً ولا وزراً إلا التوكل ].

يعني: ليس له إلا باب التوكل، وسأضرب لكم مثالاً قريباً: لو أن شخصاً أرغم شخصاً عل عمل الخير، فقال له: ما رأيك في أن نزور رجلاً مسكيناً، فيقول له: ولم لا؟ ويخجل أن يقول له: لا، وبعد أن يذهب، يقول له: هذا المريض يريد نقل دم، وهو لا يملك النقود، فالرجل لا يريد أن يدفع شيئاً، فيقول: انظروا إلى فصيلتي، قد تكون مطابقة واسحبوا مني دماً، وهو واثق أن الفصيلة مختلفة، ويفاجأ بأن الفصيلة نفس فصيلة المريض، وهذا من حظه، وهذا كما يقول المثل العامي: (إن جالك الغصب عِدُّه جَمَايل)، فلو أن أحداً أوقعك في خير، فافعله، ولا تعاتبه ولا تتهرب منه، ولكن اعمل الخير وأنت مثاب على ذلك.

فحينما تفعل الخير وأنت مضطر كما يقال: يثاب المرء رغم أنفه، فيأتي إليك الثواب رغم أنفك، تخيل عندما يأخذ الرجل الثواب غصباً عنه، كموظف يجمع مبالغ من الموظفين لموظف مسكين؛ لكي يعمل عملية لزوجته، فيجد بعض الموظفين لا يريدون أن يدفعوا شيئاً، فيقول له: ادفع أي شيء، ويظل يلح عليه حتى يجعله يدفع ربع جنيه، فربما هذا الربع الجنيه يثقل موازينه يوم القيامة، فالمرء يثاب رغم أنفه.

والعبد يجب عليه أن يفرح عندما يضع الله أمامه باباً من أبواب الطاعة دون أن يسير إليها، ولو خير لاختار أن يبتعد، لأن الإنسان شحيح في وقته وماله وصحته وأولاده، لكن عندما يوقعه أحد في الخير رغم أنفه يفرح، ويقول: ليتنا نجد من يرغمنا على الخير.

يقول: (التوكل تارة يكون توكل اضطرار) يعني: قد طرقت جميع الأبواب، فتجد مثلاً الأب يقول: عرضت ابنتي على ثلاثين طبيباً وكلهم عجزوا عن علاجها، وبعد كل ذلك يقول: ربنا يتولاها برحمته، لكن بعد أن يئس من كل الأبواب المفتحة، ويذكر أنه احتضر أبو بكر فقالوا له: أنطلب لك الطبيب يا أبا بكر ؟! قال: لا، إنما الطبيب قد جاء، وقال: سوف تحل عند رسولي الليلة، فالطبيب الأساسي هو الله سبحانه وتعالى؛ ولذلك شعر أبو بكر أنه قد حانت وفاته، يقول الإمام الشافعي :

طلبوا إلي طبيب الورىوروحي تناجي طبيب السماء

طبيبان ذاك ليعطي الدواوذاك ليجعل فيه الشفاء

فترى الناس يأتونه بطبيب الأمراض، وروحه تنادي الطبيب الأول الأوحد الشافي المعافي لا إله إلا هو، فالطبيب يضع الدواء والله عز وجل يضع الشفاء في الدواء.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ كما إذا ضاقت عليه الأسباب، وضاقت عليه نفسه، وظن ألا ملجأ من الله إلا إليه، وهذا لا يتخلف عنه الفرج والتيسير البتة ].

لأن الله تعالى يقول: وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا [التوبة:118]، نزلت هذه الآية في الثلاثة الذين تخلفوا عن الغزوة، وبعد ذلك علم الله صدقهم، وقد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم ألا يكلمهم أحد، فكان الناس يمرون عليهم في الطريق فلا يردون عليهم السلام، وهذه كانت صعبة جداً على المسلمين، أما الآن فإنه يفرح المرء بأن أحداً لا يسلم عليه؛ لأنه يخاف أن يأتي رجل ويسلم عليه ثم يسأله مبلغاً من المال، ولكن الصحابي إذا كان إخوانه في الله لا يسلمون عليه يصعب عليه ذلك جداً، ومن هؤلاء الثلاثة الذين خلفوا كعب بن مالك رضي الله عنه، قال لزوجته: الحقي بأهلك حتى يحكم الله بيننا، وهذا دليل على صدقه، ثم تسور جدار ابن عمه، وقال له: يا ابن عم! ولم يرد عليه، هل أمرك الرسول أن لا ترد علي السلام؟ فسكت، وبعد ذلك تصل رسالة من هرقل ملك الروم يقول لـكعب بن مالك : بلغنا أن صاحبك قلاك -أي: كرهك- وأنك منا بالمكان، وإذا جئت إلينا لرأيت خيراً يليق بك وأمثالك، فقال كعب : وهذه أيضاً من البلاء، فمزق الرسالة ورماها في النار.

فلو كان أحد غيره ابتلي بذلك هذه الأيام لقال: انظروا كيف يقدرونني، وأنتم لا تعملون لي حساباً، انظر إلى طيبة النصارى؟!! والحقيقة أنه إذا قال لك المسيحي: صدقني، فاعرف أنه ينصب عليك، ويظل المسلم أفضل منه، ولا تدخل مسيحياً أبداً بيتك، ولا تتعامل مع تاجر مسيحي، ولا تذهب إلى طبيب مسيحي، ولكن إلى طبيب مسلم، ولو كان عاصياً، لأنه يقول: لا إله إلا الله مهما كان.

فـكعب رضي الله عنه خرج هو وصاحباه صبروا حتى أنزل الله قوله تعالى: وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلَّا إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا [التوبة:118]، فالتوبة أساساً من الله، لأنه علم صدق نواياهم، فتاب عليهم ليتوبوا، كما قال تعالى: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ [البقرة:37]، فآدم تلقى الكلمات أولاً من فضل الله عز وجل ثم تاب.

فلا يوجد أحد يلتجئ إلى الله بصدق إلا ويفرج الله عنه.

في يوم من الأيام رجعت من عملي وأنا داخل إلى بيتي وعند الباب وجدت شخصاً، فسلمت عليه وسلم علي، وقال لي: لدي مشكلة وهي كذا وكذا، ولن أذكر الورطة لأنه موضوع كبير، والموضوع من أول وهلة ليس له حل أبداً، وبينما نحن نتكلم تتوقف سيارة وينزل منها شخص أتى ليسلم علي ولم أره منذ سنتين، فقال لي: سأنتظر بعيداً حتى تكمل الكلام مع هذا الأخ، فقلت له: تعال وشاركنا هذا الموضوع، واسمع ربما يكون لك رأيك، فسمع الموضوع، فقال لي: سوف آخذ هذا الرجل معي، وسأحل له مشكلته، وركبا السيارة وذهبا، وقبل صلاة المغرب بربع ساعة اتصل لي وقال: إن المشكلة قد حُلّت.

فهذا الإنسان بالتأكيد أتى لاجئاً إلى الله عز وجل بصدق، فبعث الله له في نفس اللحظة واحداً يأخذه من يدي ويحل له مشكلته، وأنا من وجهة نظري أنه ليس لها حل، والموضوع حقيقة كبير ولا داعي لذكره، لكن المهم أنه تحقق قول الله تعالى: أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ [النمل:62]، فحاشا لله أن يكون هناك مضطر إليه ويرده أبداً؛ لأنه كريم.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وتارة يكون توكل اختيار ].

إن العبد من الممكن أن يعتمد على مسببات وأسباب، ومن الممكن أن يكون توكله على الله، فيتوكل على مسبب الأسباب وليس على الأسباب.

قال: [ وذلك التوكل مع وجود السبب المفضي إلى المراد، فإن كان السبب مأمورا به ذم على تركه، وإن قام بالسبب وترك التوكل ذم على تركه أيضاً ].

يعني: أن الله هو مسبب الأسباب، فمثلاً الطالب لا بد أن يذاكر وهذا سبب للنجاح، وبعد أن يذاكر يتوكل على الله، ولكن من الطلاب من يذاكر ويقول: لماذا أتوكل على الله؟‍! أنا سوف أذاكر وسأنجح، وهذا مثل من تقول له: إن شاء الله، فتجده يتغيظ من هذه الكلمة، ويقول لك: ماذا تعني بإن شاء الله؟ مثله مثل جحا عندما قال: لماذا إن شاء الله؟ النقود في جيبي والحمير في السوق، فسرق بعد ذلك، وبقية القصة معروفة.

وهنا نفس القضية، فإن الطالب يقول: أنا أذاكر لأن هذا اتخاذ للأسباب، وبعد ذلك يتوكل على الله.

إذاً: فهو يذم إن ترك السبب ويذم إن ترك التوكل، ولكن لا بد من الاثنين معاً، وهذا يسمى التوكل الاختياري.

قال: [ وإن كان السبب محرماً حرم عليه مباشرته ].

مثل الذي لديه حق ولا يمكن أخذ هذا الحق إلا بطريق ملتوية، فهنا يترك السبب ويتوكل على الله عز وجل.

سر التوكل وحقيقته

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ وسر التوكل وحقيقته هو اعتماد القلب على الله وحده، فلا يضره مباشرة الأسباب مع خلو القلب من الاعتماد عليها والركون إليها، كما لا ينفعه قوله: توكلت على الله، مع اعتماده على غيره ].

أي: لا ينفعني أن أتوكل على الله، وأنا أفكر في أحد آخر ينفعني.

قال: [ فتوكل اللسان شيء وتوكل القلب شيء آخر، كما أن توبة اللسان مع إصرار القلب شيء، وتوبة القلب وإن لم ينطق اللسان شيء آخر، فقول العبد: توكلت على الله، مع اعتماد قلبه على غيره، مثل قوله: تبت إلى الله، وهو مصر على معصيته مرتكب لها ].

فلا تنفع التوبة مع الإصرار على المعصية وارتكابها، فالعبد يقول: أنا متوكل على الله، لكن قلبي في حالة من الأرق والتعب والتفكير والخوف.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , سلسلة شرح كتاب الفوائد [8] للشيخ : عمر عبد الكافي

https://audio.islamweb.net