إسلام ويب

أعد الله تعالى الجنة للمؤمنين، وهيأها لهم بأنواع النعيم، من المطاعم والمشارب والحور العين، كما أعد جهنم للكافرين، فهم فيها يلعن بعضهم بعضاً، ويصلون النار وما فيها من أنواع العذاب المتضاد، فشرابهم الحميم وطعامهم من سموم.

تفسير قوله تعالى: (واذكر عبادنا إبراهيم وإسحاق ويعقوب ...)

قال ربنا جل جلاله: وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ [ص:45-47].

يذكر الله تعالى نبينا صلى الله عليه وسلم بأنبيائه ليكونوا له سلوى وعزاء مما لقيه من قومه من تكذيب وصد وكفران، ممن دعاهم إلى الله والإسلام، يقول ربنا: وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ[ص:45] أي: يا محمد! اجعل ذكرى عندك لهؤلاء الأنبياء العظام الكبار، فإبراهيم خليل الله، وقد جاء الأنبياء من بعده، فإسحاق ولده، ويعقوب حفيده، وقد لاقوا من قومهم صداً وكفراناً وبلاء وفتناً واختباراً، ومع ذلك صبروا صبر الجبال الرواسي.

وقوله: أُوْلِي الأَيْدِي وَالأَبْصَارِ[ص:45] أي: أصحاب القوة في العمل والعبادة، وأصحاب البصائر في فهم كتاب الله ودينه ورسالته إليهم.

وقوله: إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ[ص:46].

أي: اصطفيناهم، واخترناهم وأزلنا الشوائب عنهم، فكانوا لا يذكرون إلا الدار الآخرة، وما أعد الله فيها من نعيم لمن آمن به واتقى، وابتعد عن الكفر والوثنية والشرك والمشركين.

وقوله: (بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ)، وقراءة أخرى من القراءات السبع: (بخالصةِ ذكرى الدار) بالمضاف والمضاف إليه والمؤدى واحد، فالله خلصهم واصطفاهم بذكر الدار الآخرة، فلا يذكرون إلا هي، ولا يعملون إلا لها، ولم يشغلوا أنفسهم بالدنيا وزخرفها ونعيمها يوماً، ولم يلقوا لها بالاً؛ لأنها دار فانية غير باقية، وإنما شغلوا أنفسهم في اصطفائهم ودعوتهم إلى الدار الآخرة الخالدة الباقية، ودعوا إليها عباد الله ممن أرسلهم إليهم ربنا جل جلاله.

ثم قال ربنا عنهم: وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الأَخْيَارِ[ص:47]، أي: وهم في الدنيا قد اختيروا وصفوا بعبادة الله وذكر الآخرة وترك الدنيا، وهم كذلك عند الله يوم القيامة من المختارين لجنته، ومن المصطفين لتقواه ورضاه.

والأخيار: جمع خير، بمعنى: المختار، أو بمعنى: الخير الصالح في نفسه، وكلا المعنيين قائمان في هؤلاء الأنبياء الكرام، فهم قد اختيروا عن الخلق أجمعين، واصطفوا لله أنبياء ومرسلين، وأزيل عنهم الشوائب من ذكر الدنيا وزخرفها ونعيمها.

تفسير قوله تعالى: (واذكر إسماعيل واليسع ...)

قال الله تعالى: وَاذْكُرْ إِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الأَخْيَارِ [ص:48].

أي: يا محمد! اجعل في ذاكرتك وعملك وتأسيك بالأنبياء الآخرين: إسماعيل، وهو ابن إبراهيم، وقد كان نبياً رسولاً، ولم يكن إسحاق إلا نبياً ولم يكن رسولاً، والرسول أفضل من النبي؛ لأن كل رسول نبي وليس العكس، فكان إسماعيل وهو جد النبي صادق الوعد، وقائماً بما أمره الله به، وقد مضت تراجم بعض الأنبياء والمرسلين في سورة الأنبياء، وإنما نأخذ العبرة منها في هذه السورة بما ذكر الله عن فتنتهم وابتلائهم حيث اختبرهم فصبروا على ما اختبروا به، فكانوا مثالاً كاملاً للخلق أجمعين.

واليسع وذو الكفل هما من أنبياء بني إسرائيل، وقد أرسلا إلى قوميهما كما أرسل المرسلون قبل نبينا عليه الصلاة والسلام إلى أقوامهم خاصة، إلا نبينا صلوات الله وسلامه عليه فقد أرسل إلى الخلق عامة.

وقوله تعالى: وَكُلٌّ مِنَ الأَخْيَارِ [ص:48].

أي: كل هؤلاء ممن ذكرهم ربنا كنوح، وإبراهيم، وإسماعيل، وإسحاق، ويعقوب، وذي الكفل، قد اختارهم الله واصطفاهم لرسالته، ولدعوة عباده، وكانوا أخياراً مصطفين مقربين ذوي الزلفى عنده يوم القيامة.

تفسير قوله تعالى: (هذا ذكر وإن للمتقين لحسن مآب ...)

قال تعالى: هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ [ص:49].

أي: سير الأنبياء واختبارهم، وما حدث لهم مما ذكر هو ذكر وشرف لهم في الدنيا وفي الآخرة، فقد شرفوا في الدنيا وخلدت أسماؤهم وحياتهم، وخلدوا في الآخرة في الجنان، ورضي الله عنهم يوم القيامة.

وهذا الكتاب ذكر للمؤمنين، أي: تفسير لهم ليعملوا بما جاء فيه، وليكونوا على سنن الأنبياء، وبهداهم يقتدون، وعلى سيرهم يسلكون ويخلصون.

فذكر هؤلاء الأنبياء والمرسلين شرف في الدنيا والآخرة، وتذكير للناس بسيرتهم الصالحة، وبالتقوى والطاعة والعبادة وفعل الخيرات، هَذَا ذِكْرٌ وَإِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ * جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ [ص:49-50].

فمن عمل مثل عمل هؤلاء وجرى على طريقتهم، واهتدى بهديهم، واقتدى بسيرهم من المتقين والمؤمنين فلهم حسن المآب، فرجعتهم للآخرة ومآبهم حسن طيب، برضى الله، وبمغفرته، وبدخول الجنان.

وقوله: جَنَّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الأَبْوَابُ [ص:50] بدل من حسن المآب، أي: حسن المآب أن يدخلوا الجنان، وتفتح لهم أبوابها، والألف واللام في قوله: الأَبْوَابُ [ص:50] بمعنى الإضافة أي: أبوابها، فالملائكة تستقبلهم وقد فتحت أبواب الجنة الثمانية، وتقول لهم: سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ [الزمر:73] أي: طابت أيامهم، ويسلمون عليهم، ويبشرونهم بالرضا والرحمة من الله، ولهذا فالمتقون مبتهجون فيها.

تفسير قوله تعالى: (متكئين فيها ...)

قال تعالى: مُتَّكِئِينَ فِيهَا يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ [ص:51].

أي: هم في راحة، وفي سلامة عيش، فليس لديهم هم وغم، ولا يعطشون، ولا يجوعون، ولا حر ولا قر، وتجدهم جالسين متربعين على أرائك الجنة وفرشها مع الحور العين، وعندهم مطاعم ومشارب مما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين.

متكئين في جنات عدن، والعدن: الإقامة، أي: الجنات القائمة الدائمة التي لا موت فيها ولا فناء، فهم خالدون فيها خلود الدهور وأبد الآباد.

وقوله: يَدْعُونَ فِيهَا بِفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ وَشَرَابٍ [ص:51]، أي: يطلبون وينادون الغلمان والولدان المبعثرين لخدمتهم كأنهم اللؤلؤ المكنون، ويطلبون منهم ما يشتهون من فاكهة كثيرة، ففيها من كل شكل زوجان، وفيها لحم طير مما يشتهون، ويطلبون من الشراب ما يريدون من خمر لا غول فيها ولا ينزفون، وعسل مصفى وماء الكوثر.

تفسير قوله تعالى: (وعندهم قاصرات الطرف أتراب)

قال تعالى: وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ أَتْرَابٌ [ص:52].

أي: عندهم زوجات لا ينظرن لغير أزواجهن ولا يخرجن من قصورهن.

والطرف بمعنى العين، قال تعالى: حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ [الرحمن:72]، أي: لا يرفعن أبصارهن ونظرهن لغير أزواجهن.

وأتراب: جمع ترب، أي: في سن واحدة، وهو ثلاثة وثلاثون عاماً، وهن في مكتمل الشباب والقوة والجمال والأنوثة، وهن أخوات لا يغضب بعضهن من بعض، ولا ينازع بعضهن بعضاً، قال تعالى: إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر:47] أي: مع أزواجهم وضرائرهن.

وقوله: وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ [ص:52] وقاصرات الطرف، جمع: قاصرة، وهي التي تقصر طرفها وبصرها ونظرها على زوجها فقط.

وقوله: (أتراب) أي: ليس فيهن عجوز ولا مريضة ولا من تشتكي دهرها أو صحتها، فهن جميعاً في قوة واحدة، وسن واحدة.

تفسير قوله تعالى: (هذا ما توعدون ليوم الحساب)

قال تعالى: هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسَابِ [ص:53].

قل لهم يا محمد! هذه الجنان، وهذه الحور المقصورات في الخيام، وهذه اللذائذ من مطاعم ومشارب، كل ذلك يوعدون به يوم القيامة عندما يأتون ربهم مؤمنين موحدين متقين صالحين، فالله وعدهم وبشرهم، وهيأ لهم، وأعد لهم ذلك، والآخرة تنتظرهم بما فيها مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

تفسير قوله تعالى: (إن هذا لرزقنا ما له من نفاد)

قال تعالى: إِنَّ هَذَا لَرِزْقُنَا مَا لَهُ مِنْ نَفَادٍ [ص:54].

وكذلك قل لهم يا محمد: هذا ما وعدناهم به يوم القيامة من جميع ما تلذ أعينهم وتشهيه أنفسهم، فتقول لهم الملائكة يوم القيامة: إن هذا لرزق ربنا ما له من نفاذ، فلا ينتهي ولا ينقطع ولا يندثر ولا ينقضي، عطاء غير مجذوذ، قال تعالى: مَا عِنْدَكُمْ يَنفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ [النحل:96]، فيتنعمون بالحور العين، وبالقصور، وبالفواكه والأطعمة والأشربة، وما يتمناه كل من دخل هذه الجنان، جعلنا الله وإياكم من أهلها.

تفسير قوله تعالى: (هذا وإن للطاغين لشر مآب ...)

قال تعالى: هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ [ص:55].

ربنا جل جلاله يذكرنا مبشراً ومنذراً، يبشر المؤمنين بما سبق ذكره من الجنان والحور العين، وينذر الكافرين، ليغريهم بالإيمان، وبالتوبة وبالعودة إلى الله، وينذر المؤمنين إذا هم بدلوا أو غيروا، فإن الله يبدل عليهم خيره ورزقه، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ [الرعد:11].

فقال ربنا: هَذَا [ص:55] أي: هذا الذي ذكر للمؤمنين، وما سيذكر للكافرين والطاغين: جمع طاغية، وهو المتجبر العاصي الكافر، وقد يكون فقيراً، أو حقيراً، أو صعلوكاً، فكل من لم يؤمن بربه فيكون قد طغى وبغى وتمرد على الله، فأصبح طاغية في كفره وردته وظلمه لنفسه.

فالمؤمنون المتقون لهم حسن مآب، وهو الجنة، والكفرة الطغاة لهم شر مآب، وهو النار والعقاب فيها.

قال تعالى: هَذَا وَإِنَّ لِلطَّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ * جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمِهَادُ [ص:55-56].

شر المآب: هو المآب والمرجع الشر، والعودة التي لهم فيها لعنة الله وطردهم من الرحمة، وشر مآب: جنهم، فجهنم بدل من (شر مآب).

وقوله: جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا [ص:56] أي: يدخلون إليها، ويحترقون فيها.

فَبِئْسَ الْمِهَادُ [ص:56].

أي: فما أبأس وأقبح وأذل هذا الميراث والفراش والمنزل والمقام!

تفسير قوله تعالى: (فليذوقوه حميم وغساق وآخر من شكله أزواج)

قال تعالى: هَذَا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَغَسَّاقٌ * وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ [ص:57-58].

تقول لهم ملائكة النار: ذوقوا ما فيها من الحميم وهو الماء الحار، الذي بلغ شدة حرارته منتهاها، فإذا عطشوا شربوا هذا الحميم، وإذا أرادوا أن يتنظفوا غرقوا في هذا الحميم.

والغساق: هو سيلان القيح من هؤلاء المعذبين المحترقين، ويكون بارداً برودة الزمهرير، فهم بين زمهرير قاتل ولا موت، وبين حميم قاتل ولا موت، يتنقلون في العذاب بين الحرارة الشديدة والبرودة الشديدة، وهم ينتقلون في ذلك من عذاب إلى عذاب.

ويزيدهم الله فيقول: وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ [ص:58]، أي: أنواع أُخر من عذاب الله من مثل وشبه الحميم والبارد، و(أزواج) أنواع وأشكال.

فقوله: وَآخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْوَاجٌ [ص:58] وآخر من عذاب الله من أشكال ذاك الأضداد التي هي حميم وبارد.

تفسير قوله تعالى: (هذا فوج مقتحم ...)

قال تعالى: هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ لا مَرْحَباً بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ * قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَباً بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ [ص:59-60].

تدخل أئمة الكفر النار فيؤتى بعدهم بفوج وجماعة وفئة وطائفة، فتقول لهم الملائكة: هَذَا فَوْجٌ مُقْتَحِمٌ مَعَكُمْ [ص:59] أي: هذه طائفة أخرى مقتحمة، واقتحمت أي: دفعت وطرحت، وقذفت وجرت على وجهها إلى النار، فأقحمت إقحاماً على غير رضاً ولا موافقة منهم، ويدخلون معهم النار، فيقول السابقون: لا مَرْحَبًا بِهِمْ إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ [ص:59]، فلا يرحبون بهم، ولا يحسنون استقبالهم، قال تعالى: كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا [الأعراف:38] إذ جمعهم الكفر، والاستعلاء في الدنيا على أنبيائهم، وتكذيبهم، والكفر بربهم وبكتبه، ففي يوم القيامة ينالون الجزاء الأوفى الكامل، فيقتحم فوج خلف فوج فيسبق الأئمة والقادة لذلك، ثم يتبعون فوجاً فوجاً.

يقول الفوج الأول: لا مرحباً بهم، تقول العرب: مرحباً وأهلاً وسهلاً، فمعنى مرحباً أي: أتيت أرضاً ومنزلاً ومكاناً رحباً، أي: ذا سعة، يسعك علويه وسفليه، ومعنى أهلاً أي: أتيت أهلاً، ومعنى سهلاً: أي: أتيت مكاناً يسهل عليك عشرة أهله واستضافتهم لك.

فأصحاب الفوج الأول لا يرحبون بالفوج الثاني ولا يضيفونهم ولا يوسعون لهم؛ لأنهم يذكرونهم بجرائمهم، وبكفرهم، فيستقبلونهم باللعنة والسباب والشتائم.

وقوله: إِنَّهُمْ صَالُوا النَّارِ [ص:59].

أي: دخلوا النار، واحترقوا واصطلوا بها.

فيقول لهم الفوج الداخل: قَالُوا بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَبًا بِكُمْ أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا فَبِئْسَ الْقَرَارُ [ص:60].

يقول فوج الأتباع لأئمتهم الذين سبقوهم إلى النار: بَلْ أَنْتُمْ لا مَرْحَبًا بِكُمْ [ص:60]، أي: أنتم لا سعة عندكم ولا تكريم لكم: أَنْتُمْ قَدَّمْتُمُوهُ لَنَا [ص:60]، أي: أنتم الذين تسببتم في أن دخلنا النار، واصطلينا بها، وتعذبنا فيها؛ بأنهم الذين أضلوهم في الحياة الدنيا، فدعوهم للكفر والشرك، وزينوهما لهم، ودعوهم لتكذيب أنبيائهم وكتب ربهم، وزينوا لهم ذلك.

فالفوج الأول، والفئة الأولى من الأئمة والدعاة إلى النار كانوا هم المتسببين لهؤلاء الأتباع بدخول النار.

وقوله: فَبِئْسَ الْقَرَارُ [ص:60] أي: فبئس جهنم قراراً ومنزلاً وموطناً ومستقراً لجميع الأفواج التي جمعتهم النار.

تفسير قوله تعالى: (قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذاباً ...)

ثم يعود الأتباع ويقولون لربهم: قَالُوا رَبَّنَا مَنْ قَدَّمَ لَنَا هَذَا فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ [ص:61].

سيدعو الأتباع ربهم على الأئمة والأشياخ، ويقولون: بما أن هؤلاء الذين دعوا للكفر بك، وبأنبيائك وبكتبك، وكانوا متسببين في تقديم هذه النار إلينا، زدهم عذاباً في النار مضاعفاً عليهم، يقول الله تعالى: لِكُلٍّ ضِعْفٌ وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:38]، أي: للأئمة المأمومين وللأتباع والتابعين عذاب مضاعف؛ لأن هؤلاء الأتباع عندما دعوا للكفر أين كانت عقولهم؟ فقد تركوا رسل الله الذين دعوهم لإيمانهم، فلم يستجيبوا لهم، وتركوا الرسول صلى الله عليه وسلم الذي دعاهم للإيمان بالله وبه، فلم يستجيبوا له، واستجابوا لأهوائهم ونزواتهم، وهكذا يدعى على كل طاغية بالذل والهوان، وعندما لا نحمل الشعوب جرائم حكامهم، نكون قد خالفنا طريقة كتاب الله، فالله عامل الأتباع والأئمة معاملة واحدة؛ لأن أئمة النار كانوا أئمة على شعوبهم، فصاروا رؤساء وحكاماً ومسئولين.

وأتباعهم لو لم يرأسوهم ويتعصبوا لهم ويحموهم لما كانوا أذلاء حقراء بعيدين عن الله دنيا وآخرة، وقوله: وَلَكِنْ لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:38] أي: لا عقل عندهم، ولا علم معهم، ولا فهم لمداركهم، فالإمام والمأموم أو التابع والمتبوع كلاهما مؤاخذان ومعاقبان؛ لأن الله خلق لنا عقولاً لنفهم بها ولنعي بها فليس العاقل يتبع كل ناعق وكل نافر، فالإنسان يفكر ويتدبر هل هذا كلام عقلي وكلام صواب يتبع؟ ولكنهم لهوانهم وذلتهم سعوا إليهم في الدنيا والآخرة.

وقوله: فَزِدْهُ عَذَابًا ضِعْفًا فِي النَّارِ [ص:61]، أي: زده من العذاب أضعافاً وأنواعاً وأشكالاً.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة ص [45-61] للشيخ : المنتصر الكتاني

https://audio.islamweb.net