إسلام ويب

يبين الله جل وعلا في هذه الآيات عظم جحود المشركين وكفرهم، ويذكرهم بأصل خلقهم، وأنه التراب، ويذكرهم بالآجال التي يتبعها البعث والنشور، ويذكرهم بعلمه المحيط بالسماوات والأرض، وأنه إله من في السماء وإله من في الأرض، ثم يأبى هؤلاء إلا أن يشكوا في قدرة الله وقوته على البعث والحساب، بل ويشركون معه من لا يسمع ولا يعقل ولا يغني لهم شيئاً.

تفسير قوله تعالى: (هو الذي خلقكم من طين... ثم أنتم تمترون)

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن سيدنا ونبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذا اللقاء الثاني المخصص لسورة الأنعام: وكنا قد تحدثنا في اللقاء الأول عن فاتحة السورة، وهي قول الله جل وعلا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ [الأنعام:1].

فالآية الأولى هذه كانت تتحدث عن إثبات الألوهية، ثم انتقلت الآيات الآن إلى إثبات غرض آخر مما يتعلق بعقائد الناس وهو: البعث والنشور، قال الله جل وعلا: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ [الأنعام:2].

وهذا انتقال إلى غرض آخر تريد السورة إثباته وإقامة الحجة به على أهل الإشراك وهو: البعث والنشور.

بقي في اللقاء الأول: أن نعرج على كلمة (يعدل)، وقد تحدثنا عنها تفصيلاً لكن ينبغي أن تعلم -أيها المبارك- أن كلمة (يعدل) بمعنى: يوازي ويماثل ويجعله نداً، فإذا كنا نتكلم عن مثيل من نفس الجنس فإنها تكسر فيقال: (عِدل)، ومنه قول مهلهل ربيعة يعير قاتلت أخاه كليباً :

على أن ليس عدلاً من كليب

أي: لا مثيل لـكليب من جنسه.

أما إذا فتحنا العين وقلنا: (عدل)، فلا يقصد بها المثيل من الجنس، وإنما يقصد بها: الفدية، والله جل وعلا ذكر الصيد،وأنه محرم في حال الإحرام، ثم قال: أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا [المائدة:95] ففتح العين؛ لأن الصيام ليس من جنس الصيد، وَلا يُؤْخَذُ مِنْهَا عَدْلٌ [البقرة:48] أي: ولا يؤخذ منها فدية.

ثم قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ [الأنعام:2]، هنا يمتن الله جل وعلا عليهم وهو يحاورهم في قضية: إنكارهم للبعث والنشور، قال: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ [الأنعام:2]نأن، والخلق في القرآن على ضربين:

إما تذكير بخلق آدم ، وهنا يقول: (خلقكم من طين)، أي: من تراب من صلصال، وأحياناً يتكلم عن الإنسان الناشئ عن أبيه آدم ، فيتكلم الخلق عن ماء أو عن نطفة، فيأتي الله بذكر الخلق عن ماء أو عن نطفة.

لكن ما السر في قول الله تعالى هنا :هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ [الأنعام:2]نأن.

قلنا: إن الغاية من الآية: إثبات البعث والنشور، وأهل الإشراك يستبعدون إذا أصبحوا تراباً أن يبعثوا، فذكرهم ربهم تبارك وتعالى بأن أصل خلقهم من الطين، فهذا الطين أو التراب الذي تزعمون أننا نعجز أن نعيدكم منه نحن خلقناكم منه أصلاً، قال تعالى: أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ [ق:15].

وقد حررنا في دروس مضت، وأيام خلت الكثير من قضايا البعث والنشور، مما لا حاجة إلى تكراره، لكن نؤكد هنا على قضية السر في إيراد كلمة (طين).

قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ [الأنعام:2]، وقد مر معنا: أن آدم عليه السلام مر ثلاث مراحل: خلق من تراب، ثم مزج هذا التراب بالماء فأصبح طيناً، ثم ترك هذا الطين حتى يبس فأصبح فخاراً، وهي: المرحلة الفخارية، فهي ثلاث مراحل مر بها خلق أبينا آدم عليه السلام.

قال تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ [الأنعام:2]، هنا ذكر الله أجلين اختلف العلماء في تحديدهما، وجمهور أهل التفسير على أن الأجل الأول في الآية: هو الموت.

والأجل الثاني: هو المدة ما بين الموت إلى البعث والنشور.

وقال آخرون: إن المقصود بالأجل الأول: النوم.

والأجل الثاني: الموت. وهذا القول حكاه ابن كثير وعقب عليه بقوله: وهذا قول غريب.

قال: (ثم قضى أجلاً) أكثر أهل التفسير: يرى أن (قضى) هنا بمعنى: قدر وحكم، واعترض الطاهر بن عاشور رحمة الله تعالى عليه في (التحليل والتنوير) على هذا المفهوم وقال: إن قضى هنا بمعنى: أنهى وأمات، وقوله وأدلته أظهر من قول من سبقه؛ لأن التقدير إن لم يكن مقترناً بالخلق فهو سابق عليه، والآية هنا لا تشعر بهذا؛ لأن الله قال: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا [الأنعام:2].

فجعل التقدير -على اعتبار أن قضى بمعنى: قدر- متأخراً عن الخلق، وهذا غير مقبول، فما ذهب إليه ابن عاشور رحمة الله تعالى عليه أقرب إلى الصواب، فجعل قضى هنا بمعنى: أنهى، واستدل بإتيان مثل هذا في القرآن، قال الله جل وعلا: فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ [سبأ:14]، أي: أنهيناه بالموت، والمعنى هنا يستقيم مع الآية: ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ [الأنعام:2]، و(عند) هنا: تفيد الحصر، والضمير عائد على ربنا جل وعلا، والمعنى: أن هذا الأجل الثاني لا يعلمه أحد، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل.

مثاله: عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، صحابي جليل، كان سنه عند موته 63عاماً؛ وهذا لا يخفى على أحد، فكلنا نعرف بعد موت عمر أن أجله كان 63عاماً؛ فلهذا لم يقل الله في الأجل الأول: إنه عنده؛ لأنه أصبح ظاهراً للناس، لكننا لا نعلم أجله الثاني، من موته إلى قيام الساعة، فهذا أمر أخفاه الله عنا واستأثر بعلمه، وبهذا يتحرر معنى قوله سبحانه: وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ [الأنعام:2].

ثم انتقل الكلام من الغيبة إلى الخطاب، وهذا يسمى: التفافاً في الصناعة البلاغية، قال سبحانه: ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ [الأنعام:2]، لكن ينبغي أن تقيد أن قول الله جل وعلا: ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ [الأنعام:2] من الامتراء وهو: الشك، وليست من المماراة: وهي الجدال والمحاورة، والمعنى: أنكم مع خلقي لكم من طين، وجعلي الأجلين لكم، ما زلتم تشكون في مسألة البعث والنشور، وعدم الإيمان بالبعث والنشور من أعظم ما تلبس به أهل الإشراك: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا [التغابن:7].

تفسير قوله تعالى: (وهو الله في السموات والأرض... ويعلم ما تكسبون)

ثم نأتي إلى آية من متشابه القرآن حيث يقول الله: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ [الأنعام:3]، الأصل: أننا نؤمن أن الله جل وعلا له علو ذاتي، وأنه تبارك وتعالى مستو على عرشه، بائن من خلقه، قال العلامة ابن عثيمين رحمة الله تعالى عليه: أجمع السلف على إثبات علو الذات لله، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل.

وللعلماء في الآية ثلاثة أقوال:

القول الأول: أن معنى الآية: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ [الأنعام:3]، أي: وهو المألوه المعبود في السماء والأرض، أي: يعبده أهل السماء وأهل الأرض، وهذا القول عليه جماهير أهل التفسير، ورجحه العلامة الشنقيطي في أضواء البيان، واختاره من قبله الإمام القرطبي في الجامع لأحكام القرآن.

ومن الآيات التي تؤيد هذا المعنى: قول الله جل وعلا: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ [الزخرف:84]، أي: هو إله من في السماء وإله من في الآرض.

القول الثاني -واختاره النحاس النحوي المعروف- يقول: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ [الأنعام:3] أي: في السموات وفي الأرض، فجعلها متعلقة بـ(يعلم)، فيصبح معنى الآية: وهو الله يعلم سركم في السموات وفي الأرض.

قال النحاس : وهذا أفضل ما يقال في الآية، لكننا قلنا: إن الجمهور على خلاف ذلك.

ومما يؤيد هذا المعنى من القرآن: قول الله جل وعلا: قُلْ أَنزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ [الفرقان:6].

القول الثالث -وهذا اختيار إمام المفسرين: ابن جرير رحمة الله تعالى عليه- يقول: إن هناك وقفاً تاماً عند قول الله تعالى: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ [الأنعام:3]، ثم نستأنف: وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ [الأنعام:3]، يعني: يعلم سركم وجهركم في الأرض، رغم أنه مستو على عرشه في السماء، ومن أدلة هذا القول: قول الله تبارك وتعالى: أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ [الملك:16].

نعود فنقول: ذهب الشنقيطي رحمة الله تعالى عليه إلى القول الأول، لكنه استشهد على صحة الأقوال بما ذكرناه من الآيات، ونحن نقول، إن هذه الطريقة غير صحيحة؛ بصحة ما ذهب إليه هؤلاء الكبار، لكن لا يلزم من صحة المعنى صحة الطريقة، كمن تعطيه مسألة في الرياضيات فيأتيك بالحل، لكنه لم يتخذ الطريقة الصحيحة، فأنت تقر له بأن الحل صحيح، لكنك لا تقر له بصحة الطريقة، فنقول: إن المسلك الذي سلكوه فيه نوع من التكلف، والأصل: بقاء الآية على معناها الظاهر الذي يتبادر أول الأمر، والعجب أن ابن جرير رحمة الله تعالى عليه ممن يأخذ بظواهر الآيات أولاً، ومع ذلك لجأ في هذه المسألة إلى القول بالوقف التام في قوله تعالى: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ [الأنعام:3].

نعود فنقول: إن المعنى الحقيقي للآية في ظننا: أن الله جل وعلا إله من في السماء، وإله من في الأرض، لكن هذا المنحى يدخل على مستوعب التفسير إشكالاً يجب الرد عليه: وهو أننا قلنا في مثل قول الله تعالى في سور كثيرة: فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا [الشرح:5-6]: إن ذكر اليسر نكرة مرتين يدل على أن هذا اليسر خلاف اليسر الأول، وأنتم تقولون: إن النكرة إذا تكررت تغايرت، ثم من القواعد المشتهرة -كما قال السيوطي في منظومته- أن النكرة إذا تكررت تغايرت، فعلى هذا المعنى يكون قوله سبحانه: وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ [الزخرف:84]، دالاً على وجود إلهين وليس إلهاً واحداً؟

فنقول: لا يلزمنا هذا أبداً؛ لوجود الأصل العام أولاً وهو أن الله إله واحد.

والأمر الثاني: أن القاعدة تقول: إن هذا تغير في الصفات لا في الذوات،قال ربنا يثني على نفسه: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى [الأعلى:1].

ثم قال: الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى [الأعلى:2].

وقال: وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى [الأعلى:3]، فليست الصفات صفات لغير الله، وإنما هي صفة لله، لكنها صفة أخرى لغير الله، فيحتاط المرء عندما يفهم أن التغاير يكون في الصفات لا في الذوات.

قال تعالى: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ [الأنعام:3]، سركم أي: ما تخفون، وجهركم أي: ما تظهر الجوارح، وما تكسبون، الكسب: هو ما يقع حقيقة من فعل أو قول، وحتى تتضح الصورة يقول الله جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ [لقمان:34]، ثم قال: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا [لقمان:34]، ولم يقل: وما تدري نفس ماذا تعمل غداً؛ لأن الإنسان يبيت سلفاً ما سيعمله، لكنه يجهل إمكانية وقوع هذا العمل الذي بيته، هذا الذي يجهله الإنسان ولا يعلمه إلا الله، فنحن قبل أن نصل إلى هنا مدركون منذ البارحة أو قبلها بأيام أننا إن شاء الله سنلتقي هاهنا لنؤدي هذه الحلقة المباركة، هذا عمل، لكن حصوله يعد كسباً لا عملاً، فما تضمره السرائر، وتكنه الضمائر يعلمه الله، ويعلم كذلك إن كان هذا الذي أكننته سيقع أم لا؛ ولهذا قال الله جل وعلا: وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ [الأنعام:3].

وقد مر معنا: أن الله يعلم ما كان وما هو كائن وما سيكون، ويعلم جل وعلا ما لم يكن لو كان كيف يكون.

والمقصود من هذا كله: إظهار قدرة الله، أما الآية الأولى: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ [الأنعام:2] ففيها: إقامة الحجة على أهل الإشراك في قضية البعث والنشور، وقد حررنا أن الله ذكر الطين حتى يذكرهم بأصل خلقتهم.

مما يمكن اقتباسه من الآيات: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلًا وَأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ * وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَوَاتِ وَفِي الأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ [الأنعام:2-3]: أن الإنسان كلما ازداد علماً ومعرفة بعظمة ربه جل وعلا كان أقدر على طاعته، وأبعد عن معصيته، وقد حررنا هذا الكلام مراراً في دروس سلفت، وأيام خلت، لكن التأكيد عليه من أعظم اللوازم؛ فليس المقصود من تفسير القرآن: إظهار القدرات، وبيان ما يملكه الإنسان من ملكات، لكن القرآن في المقام الأول واعظ وهاد إلى أعظم سبيل، فأحياناً ينبغي على الإنسان أن يفرق ما بين الشيء نفسه والغاية من الشيء، مثاله: النبي صلى الله عليه وسلم مدحه ربه، ومدحه الخلق، لكن مدح الخلق للنبي صلى الله عليه وسلم ليس بزائد في مدحه صلى الله عليه وسلم شيئاً؛ إذ يكفيه مدح ربه له صلى الله عليه وسلم، لكن ينجم عن هذا: أن هؤلاء الناس الذين مدحوه صلى الله عليه وسلم هم أنفسهم ينتفعون.

فالإنسان إذا قدر له أن يعطى علما جماً في علم الآلة ينبغي أن يوظف ذلك العلم في إظهاره للناس، ثم لا ينسى الحقيقة الهامة، والغاية الجليلة من الأمر، وهي: أنه يجب أن تكون تلك الملكات سائقة له -قبل أن يعلم الناس- إلى أن ينتفع بالقرآن.

لو كان في العلم غير التقى شرفاً لكان أشرف خلق الله إبليس

والله نعى على أهل الكفر: أنهم يعلمون -كاليهود مثلاً- لكنهم لا ينتفعون بعلمهم، نفعنا الله وإياكم بما نقول.

هذا ما تحرر إيراده، وتهيأ إعداده، وأعان الله على قوله، وصل الله على محمد وعلى آله، والحمد لله رب العالمين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , سلسلة محاسن التأويل تفسير سورة الأنعام [2-3] للشيخ : صالح بن عواد المغامسي

https://audio.islamweb.net