اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , سلسلة أشراط الساعة الكبرى - نزول عيسى ابن مريم وبداية التغير وخروج يأجوج ومأجوج للشيخ : صالح بن عواد المغامسي
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , سلسلة أشراط الساعة الكبرى - نزول عيسى ابن مريم وبداية التغير وخروج يأجوج ومأجوج للشيخ : صالح بن عواد المغامسي
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن والاه وبعد:
فسنستأنف ما كنا قد بدأناه حول الحديث عن أشراط الساعة الكبرى، فنقول والله المستعان:
كنا قد بينا مسألة المهدي ومسألة خروج الدجال ، وبقي أن نعقب عليهما بكلام يسير قبل الكلام عن عيسى بن مريم عليه السلام.
وقد ذكرنا مذهب أهل السنة في المهدي ومذهب الشيعة الإمامية، ولكن ينبغي أن يعلم أنه ليست الآراء في المهدي محصورة في هذين الرأيين، فهناك آراء أخرى لكنها غير شائعة وغير ذائعة، ولذلك أعرضنا عنها، منها قول فرقة في الشيعة تسمى: (الكيسانية) بأن المهدي المنتظر هو ثالث أبناء علي ، وهو محمد بن الحنفية نسبة إلى أمه، وكانت من بني حنيفة، وهؤلاء كانوا موجودين أيام بني أمية، ولكن لا أظن أن أحداً يعتقد هذا الرأي اليوم، وإن وجد فليس ذا بال، ومن هؤلاء آنذاك كثير عزة الشاعر المعروف الذي يقول:
ألا إن الأئمة من قريش حماة الدين أربعة سواء
علي والثلاثة من بنيه هم الأسباط ليس بهم خفاء
فسبط سبط إيمان وبر وسبط غيبته كربلاء
وسبط لا يذوق الموت حتى يقود الخيل يقدمها اللواء
تغيب لا يرى فيهم زماناًبرضوى عنده عسل وماء
ورضوى: الجبل المعروف قبل ينبع جهة ديار جهينة، فهذا الجبل الذي يزعم الكيسانيون أنه فيه المهدي الذي ينتظرون خروجه.
وممن يحارب ويقاوم الدجال بنو تميم القبيلة المعروفة، وما تزال أسرهم موجودة في نجد وما حولها، والنبي صلى الله عليه وسلم لما ذكرهم قال: (هم أشد أمتي على الدجال ، هم أشد أمتي على الدجال)، وهذا موضع ثناء منه صلوات الله وسلامه عليه على أهل تلك القبيلة.
إلى هنا انتهينا، وانتهينا في الدرس الماضي إلى نزول رسول الله عيسى بن مريم واضعاً يديه على أجنحة ملك، وقلنا: إنه يقتل الدجال بحربة تكون في يده.
ولهذا ما اختلف الناس في أحد كما اختلفوا في عيسى بن مريم من السابقين، وفي هذه الأمة اختلف الناس كثيراً في علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه وأرضاه، فالنواصب يعادونه، والشيعة يتولونه زيادة على حقه، وأهل السنة ينصفونه، وهذا هو الحق، فمثله مثل عيسى بن مريم، فاليهود يريدون قتله، والنصارى يتولونه حتى جعلوه إلها، والمسلمون قالوا فيه الحق، وهو أنه نبي الله وكلمة منه ألقاها إلى مريم وروح منه.
وقد أعطى الله عيسى عليه الصلاة والسلام معجزات، فكان يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله، كما حكاه الله في آل عمران، وحكاه الله جل وعلا في المائدة.
وقد أرادت اليهود قتله، ثم إن الله جل وعلا رفعه كما هو منصوص في القرآن، وألقي الشبه على غيره.
فاليهود ظنت أن من قتلته عيسى، ثم صلبوه، والنصارى آمنوا بأنه قتل وبأنه صلب فداء للبشرية، ويقولون: إن الله حكم عدل لا يترك خطيئة من غير عقوبة، وإن آدم عليه السلام أخطأ بأكله من الشجرة وأهبط إلى الأرض، وإنه لا بد من أن يدفع أحد ثمن خطيئة آدم، فقالوا زوراً وبهتاناً وكفراً وتطاولاً على الله: إن الله جل وعلا أراد أن يخلص بني آدم من خطيئة أبيهم فبعث ابنه -تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً- فألقى عليه ما يسمى بالناسوت، أي: ما يقارب الإنس حتى يقتل ويصلب، فيكون في قتله وصلبه كفارة لخطايا بني آدم، فمن آمن بعيسى كفرت عنه خطاياه، ويسمى ذلك عندهم في دينهم المحرف بالتعميد.
أما النصارى الأولون الذين أثنى عليهم الله في القرآن الذين هم أتباع عيسى الحقيقيون فلا ريب في أنهم كانوا على الدين الحق؛ لأن النصرانية المحرفة هي التي عليها أتباعها اليوم، أما النصرانية الحقة فهي التي كانت في زمن عيسى بن مريم، كما قال تعالى: وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ [المائدة:111]، فهؤلاء حواريون أتباع عيسى الذين كانوا معه عليه الصلاة والسلام.
فأما رفع عيسى عليه السلام اضطهدت اليهودية النصرانية مرحلة من الزمن، ثم بعد تقريباً قرابة ثلاثة قرون جيء إلى المكان الذي صلب فيه عيسى على حسب زعمهم، وإلا فعيسى رفع، فجاء رجل فوجد خشبة فتمسح بها، وكأنه كان به مرض فبرئ، فدل الناس على المكان، وفي وقتها كانت النصارى لهم سلطان، فجاء الإمبراطور أو الملك أو السلطان آنذاك فبنى كنيسة على ذلك المكان، وهي إلى اليوم موجودة في أرض فلسطين تسمى: كنيسة القيامة؛ لأنهم يزعمون أن عيسى عليه السلام منها سيقوم مرة أخرى على أنه مخلص، وتسمى كنيسة القمامة؛ لأن اليهود كانوا يرمون القمائم عندها إهانة لعيسى عليه السلام.
وهذه الكنيسة موجودة إلى اليوم في أرض فلسطين، وهي معظمة عندهم وفيها تصاوير وغيرها، وفي هذا المكان يزعم النصارى أن عيسى سيعود مرة أخرى، والله جل وعلا يقول: وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا * بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا [النساء: 157-158]، وقال: وَإِنَّهُ [الزخرف:61] أي: عيسى لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ [الزخرف:61]، أي: علامة من علامات وأمارات الساعة.
كما أن الكلمة أو الموعظة أو المحاضرة أو الكتاب يقرؤه جم غفير، ولكن استفادة الناس مما يقرءونه تختلف، فهناك قرية موجودة إلى الآن اسمها: (جواثا) في الأحساء مررت عليها ولكني لم أزرها، هذه جاء منها وفد إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسلموا وقبلوا الإسلام وأذن لهم النبي عليه الصلاة والسلام في أن يصلوا جمعة، فلما عادوا إلى ديارهم نزلوا بجوار الهفوف الآن تقريباً وبنوا مسجداً وأقاموا جمعة، فما كان في عهد النبي صلى الله عليه وسلم جمعة تقام في الأرض إلا جمعتان: جمعة في مسجده صلى الله عليه وسلم، وجمعة في (جواثه) فهي ثاني جمعة أقيمت في الإسلام، ثم بعد ذلك كثرت الجمع، ولكنها ثاني جمعة، وأهلها إلى اليوم يفتخرون بها فيقولون:
والمسجد الثالث الشرقي كان لنا والمنبران وفصل القول في الخطب
أيام لا مسجداً لله نعرفهإلا بطيبة والمحجوج ذو الحجب
يقولون: ما كان هناك مساجد إلا مسجد مكة يصلي فيه من لم يهاجر خفية، ومساجد طيبة، وهي: مسجد النبي صلى الله عليه وسلم، ومسجد قباء، ومسجد القبلتين. وحق لهم أن يفتخروا.
وعندما قدم نصارى نجران صلوا جهة الشرق، وسكت النبي صلى الله عليه وسلم عنهم؛ لأن النصارى إلى اليوم يعظمون جهة المشرق؛ لأن مريم عندما خرجت من بيت لحم اتجهت مكاناً شرقياً كما أخبر الله، ثم إن الله جل وعلا أثنى على البيت الذي يعظمونه، فهم يعظمون مريم وكفيلها زكريا وأبوها عمران، قال الله جل وعلا: إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [آل عمران: 33-34] وذلك لدعوتهم.
فقص الله الخبر حتى يستدر قلوبهم وليبين أن الدين لم يرد به مواجهة الناس، وإنما هو هداية الناس، ثم قال الله بعد ذلك: إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ [آل عمران:59-60]، فلما أقام الله عليهم الحجة قال سبحانه: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ [آل عمران:61]، وأتت آية المباهلة.
والذي يعنينا أن أولئك النصارى قبلوا الجزية ولم يدخلوا في الإسلام، ثم توالت السنون إلى أيامنا هذا فظهرت النصرانية بقوة في أوروبا.
وبعد أن ينتهي الدجال يحكم عيسى بالقرآن لا بالإنجيل؛ لأن الله قال في كتابه: وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ [المائدة:48]، أي: على كل كتاب قبله، فيكسر الصليب الذي هو شعار النصرانية المحرفة، والصليب لم يعرف إلا بعد ثلاثة قرون من قتل عيسى، فيكسر الصليب الذي هو رمز النصرانية المحرفة، ويقتل الخنزير، ولا يقبل إلا الإسلام، ولا يعد هذا الفعل من عيسى نسخاً لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن النبي عليه السلام أخبر بأن عيسى سيصنع هذا.
فالجزية موجودة في ديننا، ولكن عيسى إنما يعمل بالإسلام؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بأن الجزية تؤخذ من أهل الكتاب حتى ينزل عيسى، فالذي قال: إن الجزية تؤخذ من أهل الكتاب حتى ينزل عيسى هو نبينا صلى الله عليه وسلم، فليس صنيع عيسى بناسخ لشريعة محمد صلى الله عليه وسلم؛ لأن شريعته عليه السلام آخر الشرائع وناسخة ما قبلها.
فهؤلاء يخرجون بقدر الله في آخر الزمان، كما قال تعالى: حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ [الأنبياء:96]، فيفر عيسى والمؤمنون الذين معه إلى جبل الطور، ويمكث هؤلاء يفسدون في الأرض ويشربون بحيرة طبرية ويكون منهم ما يكون، ثم إن عيسى يدعو عليهم فيبعث الله عليهم أول الأمر دوداً في رقابهم فيموتون كلهم في وقت واحد.
ثم يبعث الله جل وعلا طيراً تحملهم فتلقيهم في البحار، ثم ينزل الله مطراً ليس لأهل زرع ولا لأهل ضرع يغسل الأرض من نتنهم.
ثم يمكث عيسى في الأرض أربعين عاماً، ولا أدري أيدخل فيها ما مكث قبل خروج يأجوج ومأجوج أم لا، ولكن ذكر صلى الله عليه وسلم أنه: يمكث أربعين عاماً، قال صلى الله عليه وسلم: (طوبى للعيش بعد المسيح)، أي: بعد أن يؤمن الله جل وعلا العباد بالمسيح من يأجوج ومأجوج، ثم بعد ذلك يموت عيسى بن مريم، كما قال تعالى: كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ [آل عمران:185]، ثم تتوالى بقايا أشراط الساعة تباعاً حتى تطلع الشمس من مغربها، ثم تكون نار تحشر الناس إلى أرض المحشر.
ففهم أهل العلم من هذه الآية أن الله جل وعلا حصر ذرية بني آدم بعد الطوفان في أبناء نوح، ولهذا يقول بعضهم: إن نوحاً عليه السلام هو الأب الثاني للبشرية، والمشهور عند أهل الأخبار أن نوحاً ترك أربعة: كنعان ويافث وسام وحام ، فيقولون: إن كنعان هو الذي غرق، ولا ريب في أن أحد أبناء نوح قد غرق بنص القرآن، ولكن هل هو كنعان أو غيره، فهذا علمه عند الله جزماً، والمشهور عند أهل الأخبار والسير أن الذي غرق هو كنعان ، فبقي ثلاثة هم يافث وسام وحام .
والخلاصة من هذا أن يأجوج ومأجوج عند أكثر أهل العلم من ذرية يافث بن نوح ، وأن هؤلاء القوم كانوا متشبعين بالهمجية، والمقصود بالهمجية هنا غير اللفظة العامية الدراجة، وإن كان المعنى قريباً، فالمراد أنهم غير ذوي بناء حضاري، فهم يفعلون الشيء لمجرد الفعل، كما وجد في بعض العصور من التتار حين دخلوا بلاد الإسلام، فبعضهم كان يقتل لمجرد القتل، وإلا فإن فرعون -مثلاً- عندما أراد أن يبطش كان يبطش بطشاً حضارياً، فكان يقتل الغلمان ويستبقي النساء للخدمة، ولما تضرر الأقباط أهل مصر من قتل الغلمان أبقى على بعض الغلمان، فكان يقتل عاماً ويترك عاماً حتى يكون هناك خدم للقبط، وهذا الأمر فيه الإسراف والعلو والفساد في الأرض، إلا أن فيه شيئاً من حظوظ النفس، أي: أبقى لحظ نفسه.
أما هؤلاء ومن في فكرهم فكانوا يقتلون لمجرد القتل ولا يتركون أحداً، فنقل عن بعض من داهموا مع جنكيز خان وأمثاله أنهم كانوا يقتلون الطفل الرضيع ويقتلون المرأة ويقتلون الرجل ويقتلون الشاب ولا يتركون أحداً، بل يقتلون لمجرد القتل، ولو كانوا ذوي عقول لاستبقوا النساء على الأقل للتمتع بهم وإن كان حراماً، ولكن هذا يدل على أن هناك شيئاً من حظوظ النفس يبحث عنها المرء، ولكنهم لعدم ففههم ولعدم عقلهم يسفكون الدماء لمجرد سفك الدماء.
فيأجوج ومأجوج من نسل يافث بن نوح ، يعيشون خلق ردم بناه عليهم ذو القرنين ، وهو ملك صالح، وهل هو نبي أو غير نبي؟ اختلف فيه ولا يوجد نص قاطع، بل ورد في حديث صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (لا أدري أكان ذو القرنين نبياً أم لا).
وقد بينا خروجهم، وقلنا: إنه بعد خروج يأجوج ومأجوج يطيب العيش بعد المسيح، وهذه أمور غيبيه لا يمكن لأحد أن يجزم فيها بشيء تفصيلاً، إلا بما دل عليه خبر صحيح صريح عن الله أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم.
فعلى هذا يحمل قوله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده ليهلن ابن مريم من فج الروحاء حاجاً أو معتمراً أو ليثنينهما)، أي: يجمع بينهما، والمقصود أن هذا يدل عليه استقراء الأمر في الحجاز.
يموت عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام ثم يبدأ فناء الكون تدريجياً، وسنذكر بعضاً من أشراط الساعة الكبرى، ولا ألتزم بتقصي مسألة الترتيب.
قفي يا أخت يوشع أخبرينا أحاديث القرون الغابرينا
هذا شاعر أديب ينظر إليها نظرة أدبية فيقول: أنت في علو والأحداث تقع في الأرض وأنت تراقبينها، فأنت أعلم بما وقع من أحداث وخطوب في قصص التاريخ تحت منظرك وعينيك.
وقد كسفت الشمس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما في البخاري من حديث أبي موسى : (كسفت الشمس في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فقام فزعاً إلى المسجد يظنها الساعة، فصلى بأطول قيام وسجود وركوع يفعله ..)، والإشكال في الحديث أن أبا موسى رضي الله عنه عبر بأن النبي صلى الله عليه وسلم خشي أن تكون الساعة، وأبو موسى صحابي جليل لا يمكن أن يتجرأ على أن يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم يخشى أن تكون الساعة دون أن يرى شيئاً في النبي صلى الله عليه وسلم بجعله يجزم بهذا القول.
وقد أجاب العلماء عن هذا فقال بعضهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أنها ليست الساعة، ولكنه قام فزعاً بخشي أن تكون الساعة؛ لأن الله جل وعلا لم يخبره بعد بعلامات الساعة.
وهذا التخريج يمكن أن يكون مقبولاً لولا إشكال آخر، وهو أن خسوف الشمس أو كسوفها في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وقع في اليوم الذي مات فيه ابنه إبراهيم ، وإبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم اتفق أهل الأخبار على أنه مات في السنة العاشرة من الهجرة، أي أن هذا الحدث بتعبير موجز وقع متأخراً جداً في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، فيبعد أن يقال: إنه عليه الصلاة والسلام لم يكن قد علم بعد أشراط الساعة ولا أخبر بها.
وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى -وهو قول نرى أنه أقرب الأقوال إلى الصواب-: لعله صلى الله عليه وسلم قام فزعاً أن تكون هذه مقدمة لأشراط الساعة كطلوعها من مغربها؛ لأنه إذا ظهرت علامة كبرى منها فإن تتابع الباقي يكون على إثرها، ويعبر عنها العلماء بأنها كالسبحة إذا انقطعت تتابع خرزها.
والذي يعنينا هو أن النبي صلى الله عليه وسلم قام فزعاً، وهذا مما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم يعلم عظم قيام الساعة.
يقول الله تعالى: يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا [الأنعام:158]، فعندها تنقطع التوبة، فلو أن أحداً تاب وندم وفزع ورجع فهذا لا يقبل، نسأل الله العافية.
كما أنه -على وجه العموم- لا تقبل التوبة إذا بلغت الروح الحلقوم؛ فإن الله جل وعلا لا يقبلها من صاحبها؛ لأنه قد عاين الموت وراءه، ومن رأى الموت عياناً وغرغرت روحه وبلغت الحلقوم لا يقبل الله جل وعلا توبته.
فإذا طلعت الشمس من المغرب ورآها الناس من المغرب لم يبق شيء يمكن أن يخوفوا به أو علامة أو أمارة تدل على قرب الساعة أعظم من هذا، فربما آمن أقوام، فلا يقبل الله جل وعلا إيمانهم.
وقوله تبارك اسمه وجل ثناؤه: تُكَلِّمُهُمْ [النمل:82] صريح واضح جداً في أن هذه الدابة تخاطب الناس، وجاء في حديث صحيح أنها تسم الناس على خراطيمهم ثم يعمرون أي: يكبرون، وينقطع أثرها، فيأتي الرجل فيشتري الثوب فيسأل: ممن اشتريته؟ فيقول: اشتريته من ذلك الموسوم. أي: من ذلك الرجل الذي عليه وسم على خرطومه، أي: على أنفه، فتسم المؤمن أو تسم الكافر، أي: تميز أهل الكفر من أهل الإيمان ولا ريب في أن هذه علامة كبرى تدل على قرب قيام الساعة.
ولم يرد نص صريح في مكان خروج الدابة، ولكن نقل عن ابن عمر أنها تخرج من جبل الصفا، وإن صح الإسناد فقول ابن عمر أحب إلينا من قول غيره، وإن لم يصح الإسناد -والعلم عند الله- فالله أعلم من حيث تخرج، وأياً كان الأمر فإن الله أخبر بخروجها ونحن نؤمن بخروجها؛ لأن الله ورسوله عليه الصلاة والسلام أخبرا بذلك.
والحجر اليوم مقسم إلى خمس أو ثمان قطع مثل التمرة يكبر ويصغر، فلو دققت النظر في نفس الحجر لوجدت قطعاً أشبه تماماً بالتمرات، ولكنها تقل وتكبر من واحدة إلى أخرى، ومجموع ما هو فيه -بحسب علمي-ثمان قطع، حيث جمع في إناء واحد في غلاف واحد في إطار واحد ثم وضع في الكعبة.
وقد أخبر صلى الله عليه وسلم بأن هذه الكعبة سيهدمها ذو السويقتين من أرض الحبشة، قال عليه الصلاة والسلام: (كأني أنظر إليه أصيلعاً أفيدعا يستخرج كنوزها ويسلبها حليها يهدمها حجراً حجراً)، وهذا يقع بقدر الله؛ لأن الأمور إلى زوال، فتهدم، فلا يحج إلى البيت بعد ذلك ولا يعتمر، فلا يبقى إلا شرار خلق الله.
وعبادة الله مرتبطة بالعلم، فالناس إذا كانوا في جهل فلا يمكن أن يعبدوا الله، فإذا وجد علم عبد الله، فهذه الأحداث يكون بسببها -بلا شك- موت العلماء وفقد العلم، إذ الكعبة تهدم، فلا يوجد تدريس ولا يوجد علم لم يعبد الله به؛ لأن الله جل وعلا يعبد على بينه، وتبقى أشياء يسيرة من الدين، فيبقى أناس لا يعرفون من الدين إلا كلمة (لا إله إلا الله) فقيل لـحذيفة رضي الله عنه تنفعهم هذه ؟ قال: نعم تنفعهم. وذلك لأنهم أصلاً لم يبلغهم من الدين إلا (لا إله إلا الله) وفهم يقولون: لا إله إلا الله، ولكن لا يصلون، وليس معنى ذلك أنهم يعرفون الصلاة ولا يصلون، فهذا لا يعقل، بل يعتبر كفراً عند بعض العلماء، بل لم يبلغهم أن هناك شيئاً اسمه صلاة، لكن بلغهم من دين الله (لا إله إلا الله) ثم يموت هؤلاء وتقبض أرواحهم فتعبد الأوثان من جديد، يقول عليه الصلاة والسلام: (تضطرب إليات نساء دوس عند ذي الخلصة) والخلصة: صنم كانت دوس تعظمه في الجاهلية، ودوس الآن عامرة بالطاعات، ففيها حلقات تحفيظ، وفيها مخيمات، وألقيت فيها -لله الحمد- دروساً، وأتاها غيري من الفضلاء من العلماء وغيرهم، فهي عامرة بالإيمان والطاعات ونشر الدين، وهذا مثل ضربه النبي صلى الله عليه وسلم لا لمعنى أ، الوثنية محصورة في دوس، وإنما ستعم، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم ضربه لشيوع وثنيتهم آنذاك في الجاهلية قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم، وهم الذين منهم عبد الرحمن بن صخر أبو هريرة الصحابي الجليل المعروف.
فالذي يعنينا أن يعود الناس لعبادة الأوثان، ومع ذلك يقول صلى الله عليه وسلم: (أنهم في خير وعافية)، يعني: يعجل الله لهم طيباتهم فيرزقون ويمطرون ويغاثون وهم في رغد من العيش رغم أنهم يعبدون الأوثان فلا تجري عليهم أحكام من عصى الله في الدنيا؛ لأن الأمر إلى زوال، ثم تحدث أمور وأمور فيطوى وجه الإسلام ويرفع القرآن في ليلة، وتهدم الكعبة، وكل هذا متقارب بعضه من بعض حتى يأمر الله ملكاً من ملائكته يقال له: إسرافيل -وهو الآن قد أصغى أذنه وحنى رقبته والتقم الصور بيده ينتظر متى يؤمر بالنفخ فينفخ- فيأمره الله فينفخ فيصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله، ثم يأمره بعد أربعين يوماً أو سنة أو شهراً أن ينفخ فينفخ فيقوم الناس لرب العالمين.
وهذا يدل على أن النفوس جبلت على أنها تحاول الفرار من الموت، فلا يذهب أحد إلى الموت طواعية، ولهذا قال الله: ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ [ق:19]، فهي ساعة كنت تحيد عنها، ولكن لا بد من إتيانها، وهذه الساعة ضرب الله لها موعداً لا يمكن أن يؤخر ولا يمكن أن يقدم، فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلا يَسْتَقْدِمُونَ [الأعراف:34]، وهذا يعطي الإنسان نوعاً من الطمأنينة إلى أن الموت نفسه هو واق للإنسان؛ لأن الإنسان لا يمكن أن يموت قبل حلول أجله أبداً.
فهذا الجسد إذا قبضت منه الروح يصبح لا حراك به، ولذلك لا يضره شيء، ولذلك قالت أسماء بنت أبي بكر لـعبد الله بن الزبير لما ذكر لها في حربه مع الحجاج أنه بلغه أن الحجاج يمثل بقتلاه، قالت: يا بني! وهل يضر الشاة سلخها بعد ذبحها؟! لأن الجسد إذا خرجت منه الروح لا يضره شيء أياً كان، فهذا الجسد له عالم منفك عن عالم الروح، ثم تعود الروح فتتصل به في حياة البرزخ.
وغسل الميت فرض كفاية، وأولى الناس بغسل الميت وصيه، أي: من أوصى الميت بأن يغسله، وقد أوصى الصديق رضي الله عنه وأرضاه عند موته بأن تغسله زوجته أسماء بنت عميس ، وأوصى أنس بن مالك رضي الله عنه عند موته بأن يغسله محمد بن سيرين معبر الرؤى المعروف، وكان يومها مسجوناً، ثم أخرج من السجن فغسل أنساً رضي الله عنه ثم أعيد إلى السجن.
وكان محمد بن سيرين يعبر للناس الرؤى ويقول: إن صدقت رؤياك حصل كذا بقدر الله، فيقع الأمر كما أخبر.
فجاءه رجل ذات يوم فقال: رأيت أحد الرجال نبت في ساقه شعر، ولم يكن يدري فيمن رؤيت الرؤيا، فقال: هذا رجل يركبه دين فيسجن فيموت في سجنه. فقال له السائل: لقد رأيتها فيك يعني: رأيت في المنام أنه نبت على ساقك شعر. فوقع الذي عبر به، فركبه دين ثم سجن ثم مات رحمه الله تعالى في سجنه، وفي أيام سجنه مات أنس بن مالك ، وكان أنس يعرف صلاح صلاح محمد بن سيرين ، وأنس ممن عمر من الصحابة، ويبدو أنه في وقته لم يكن في بلدته كثير من الصحابة، فأوصى بأن يغسله التابعي الجليل محمد بن سيرين ، فأولى الناس بغسل الميت من أوصى الميت بأن يغسله.
أما إذا لم يكن الميت قد أوصى فلا شك في أن عصبته هم الذين يتولون غسله، فالأب ثم الجد ثم الابن ثم باقي العصبة الأقرب فالأقرب، والنبي عليه الصلاة والسلام لم يوص من يقوم بغسله، فغسله أهل بيته علي والعباس وابناه قثم والفضل وأسامة ؛ لأنه مولاه، وشقران ؛ لأنه مولاه، وأوس بن خولي أنصاري شهد غسل النبي صلى الله عليه وسلم ولكنه لم يباشر.
وهنا مسألة فقهية، وهي أن الذكر والأنثى لا يجوز لأحدهما أن يغسل الآخر إلا في حالتين: الأولى: حالة الزوجية، فيجوز للزوجة أن تغسل زوجها، فإن أسماء بنت عميس غسلت أبا بكر ، ويجوز للرجل أن يغسل زوجته، ولا أعلم أن هذا وقع، ولكنه جائز شرعا؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر به عائشة .
الحالة الثانية: إذا كان أحد الميت -ذكراً كان أو أنثى- دون سبع سنين، فيجوز أن تغسله امرأة أو يغسله رجل؛ لأن من كان دون سنين لا يعتبر له عورة يخشى من نظر الآخر إليها.
و البراء بن معرور رضي الله عنه وأرضاه لما مات أوصى من حوله بأن يوجهوه للقبلة، وأوصى بثلث ماله للرسول صلى الله عليه وسلم، فلما مات وبلغ النبي صلى الله عليه وسلم هذا الخبر قال عليه الصلاة والسلام: (أصاب الفطرة)، أي: أصاب الفطرة في أنه اختار أن يوجه إلى القبلة (ورددت ثلث ماله عليه) أي: لم يقبل صلى الله عليه وسلم ذلك، بل تركه لينتفع به أهله.
وقد قلنا: إن الشهيد لا يصلى عليه، ويصلى على غيره من موتى المسلمين أياً كان حالهم قبل الوفاة إن كانوا من أهل الإسلام.
أما ندامة اليوم فإنهم يقولون: إن الرجل يخرج وبإمكانه أن يتغدى في بيته على سنة العرب قديماً، حيث يتغدون بأكلة واحدة، فيقول: سأجد من يضيفني، أو سأجد صيداً، فيخرج ولا يتغدى، فإن لم يجد غداءاً أصابه ندم على أنه لم يتغدى في بيته، ولكن هذا الندم لا يستمر أكثر من يوم، فإذا عاد إلى بيته طعم وأكل فذهب الشيء الذي كان نادماً عليه.
وأما ندم السنة فينطبق على المزارعين، فالزرع له إبان ووقت يزرع فيه، فإذا جاء مزارع ولم يزرع الزرع في وقته فإنه يندم؛ لأنه لن يستطيع أن يزرع تلك البذرة إلا في العام القادم في مثل تلك الأيام التي فرط فيها، فهذه ندامة سنة.
وأما ندامة العمر فندامة رجل تزوج امرأة ولم يجدها موافقة له وليس بإمكانه تطليقها، فيبقى صابراً عليها العمر كله حتى يفرق بينهما الموت وهذه الثلاث كلها فيها جبر على قول العامة.
وأما الندم الذي لا ينقطع أبداً فهو ندم المرء -عياذاً بالله- يوم القيامة على ما فرط في جنب الله، فهذا الذي لا ينفع فيه التحسر ولا ينفع فيه الصبر، كما قال تعالى عن أهل النار: سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ [إبراهيم:21]، والله تبارك وتعالى حذر من هذا وقال: وَأَنذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الأَمْرُ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ وَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ [مريم:39-40]، فنقول: إن الدنيا مزرعة للآخرة، فينبغي للمؤمن أن يحصد العمل في رمضان وفي غيره حتى يلقى الله جل وعلا وقد كثرت حسناته وخفت سيئاته وكان أقرب إلى الفلاح منه إلى الخسران.
إذا غامرت في شرف مروم فلا تقنع بما دون النجوم
فطعم الموت في أمر حقير كطعم الموت في أمر عظيم
والإنسان إذا كان يتوقع الحوادث ويخافها ويهابها فلن يصل إلى مقصوده، فسيموت قبل أوانه، فإذا كان يتوقع الموت فإنه يصيبه الهلع والفزع، فيموت قبل أن يموت حقاً، يموت كل يوم حتى يأتي اليوم الذي يموت فيه.
ودع التوقع للحوادث إنها في الحي من قبل الممات ممات
واجعل رجاءك دون يأسك جنةحتى تزول بيأسك الأوقات
لولا مغالطة النفوس عقولهالم تصف للمتيقظين حياة
فالإنسان أحياناً لابد له من أن يتغافل في أشياء تقع، قيل للإمام أحمد : إن فلاناً يقول: تسعة أعشار العقل في التغافل، فقال: أخطأ، بل العقل كله في التغافل.
فثمة أشياء لو دقق فيها الإنسان فلن يمشي خطوتين في الحياة، ولكن الإنسان يأخذ بالأسباب الظاهرة ويتوكل على العلي الكبير ويمضي، ولن يقع إلا ما قدر الله، وما كان لك سيأتيك على ضعفك، وما لم يكن لك لن تناله بقوتك.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , سلسلة أشراط الساعة الكبرى - نزول عيسى ابن مريم وبداية التغير وخروج يأجوج ومأجوج للشيخ : صالح بن عواد المغامسي
https://audio.islamweb.net