إسلام ويب

لا تطهّر الخبايا، ولا تزكو الشعوب، ولا يستمر الجهاد إلا بعد التطهير بالإيمان والتضحيات، ولقد ضحى في كل عصر رجال هم أرادوا رفعة الدين والجنة من ربهم جل وعلا.

حبيب بن ثابت يضحي أمام مسيلمة

الحمد لله رب العالمين، الحمد لله الذي أنجز وعده، ونصره عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، الحمد لله قاصم الجبابرة، ومبيد الطواغيت، الناصر لأوليائه، الخاذل لأعدائه، قيوم السماوات والأرضين، ملك الملوك، الحمد لله الذي أعز بالجهاد والإيمان أهل الجهاد والإيمان، وأذل بالذنوب والمعاصي أهل الكفر والطغيان، وجعل من قوته في أضعف خلقه في صغار الأطفال والصبايا وحجارةٍ صماء، والصلاة والسلام على محمد النبي الرسول إمام المجاهدين، وحبيب رب العالمين، وسلم اللهم تسليماً كثيراً، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين والصحابة أجمعين، ومن دعا بدعوتهم إلى يوم الدين.

أمـا بعـد:

عباد الله: إني أحبكم في الله، وأسأل الله أن يحشرنا وإياكم في زمرة المجاهدين، لا في زمرة القاعدين المتخاذلين، وأن يجعل موتنا شهادة، ودماءنا مسكاً، هو ولي ذلك والقادر عليه.

عباد الله: أوصيكم بتقوى الله: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2-3].

أهلاً بكم عباد الله .. بأنوفكم في مسجد منبر الدفاع عن الأقصى، أهلاً بكم تمشون بخطاكم المباركة لكي تلتقي بخطى أهل فلسطين في عرصات حشر يوم القيامة، يوم أن تأتي الأمم والأحزاب والدول والشعوب والحكومات، فيأتي مسجدنا هذا ومن فيه جنباً إلى جنب مع الذين نصروا القدس والأقصى بإذن الله رب العالمين.

ويستمر الجهاد في فلسطين في يومه الثمانين ولله الفضل والمنة، وهذا ليس على الإسلام بعجيب ولا غريب، فالنبي صلى الله عليه وسلم يختار فتىً من فتيان الإسلام في عمر شباب القدس وفلسطين ويرسله وحده إلى من ادعى النبوة إلى مسيلمة الكذاب.

يرسل إلى حبيب وما أدراك ما حبيب ؟ أمه المجاهدة المسلمة نسيبة العامرية رضي الله عنهم أجمعين الذي قال عنها: ما التفت يمنياً ولا شمالاً ولا أمامي ولا خلفي إلا وجدتها تقاتل دوني، كما تفعل الأم المسلمة في فلسطين ، لا يلتفت الأقصى يمنياً أو شمالاً، أمامه أو خلفه إلا ويرى تلك الأم التي تقاتل وتنادي: الله أكبر!

ويتقدم حبيب إلى مسيلمة، وما أكثر المسيلمات في زماننا هذا الذين يعدون للقضاء على الجهاد في الأقصى! قال له مسيلمة الكذاب : أتؤمن أني رسول الله؟ قال: لا أسمع.

أحبتي هنا وهناك: ليكون شعاركم في كل المبادرات والحلول، وكل عمليات ومؤامرات الاستسلام مع اليهود، ليكن هذا شعاركم امتداداً من حبيب أمام مسيلمة إلى مسيلمات القرن العشرين، إلى مسيلمات المستقبل أمام كل مبادرات وكل حل خئور، فليكن شعارنا: لا نسمع .. لا نسمع .. ولا نسمع ولا نطيع.

يقول مسيلمة له: أتؤمن أني رسول الله؟ وحبيب يقول له: لا أسمع، قال: أتؤمن أن محمداً رسول الله؟ قال: صلى الله عليه وسلم.

ياله من جواب قاطع مانع معجز لو تمثلته الأمة اليوم، لو تمثله العلماء اليوم، لو قالوا: لكل مسيلمة لا نسمع، أعطونا يا فضيلة العلماء فتوى في تبرير الانحرافات في هذا السمت في التآمر على الأقصى في الصلح مع اليهود، لو قال العلماء: لا نسمع، لا نسمع، لارتدع أولئك الطواغيت وارتدع كل مسيلمة كذاب.

عند ذلك قال لجلاوزته: اقطعوا يده.

والتاريخ يعيد نفسه! فإن كان حبيب قد قطعت يده أمام مسيلمة فآلاف الأيدي يتآمر على تكسيرها وتقطيعها.

وبعد قطع يمنيه، قال: تؤمن أني رسول الله؟

إرهاب! ويظنون أن الذي ذاق حلاوة الإيمان، ورغب في الشهادة، ودون اسمه في سجل الخلود يخاف من التقطيع والتنكيل، قال: لا أسمع، قال: ومحمد؟ قال: صلى الله عليه وسلم. قال: اقطعوا شماله.

يا أبطال الحجارة في فلسطين والقدس! إن حبيباً فرطكم وسابقكم إلى حوض النبي صلى الله عليه وسلم يوم تبعثون يوم القيامة بأيد وأرجل قد كسرت وخرجت أطراف العظام من تحت الجلود كالزهرات يعبق فوقها الدم المسكي، يتقدمكم حبيب الذي قطع مسيلمة يديه.

فقال مسيلمة: اقطعوا رجله .. اقطعوا الرابعة .. أربعة أطراف ثم أصبح جثة ينزف دماً من أطرافه كلها.

قال: أتؤمن أني رسول الله؟ قال: لا أسمع، قال: ومحمد؟ قال: صلى الله عليه وسلم.

فأمر جنوده فأوقدوا له ناراً، ثم حمله وأطرافه تنزف دماً وألقاه في النار وهو حي، ففاضت روحه إلى الله رب العالمين، وهكذا يعبر حبيب رضي الله عنه وأرضاه التاريخ القديم والتاريخ المستقبلي سواء بسواء.

عبد الله بن تامر وتضحيته أمام ذي نواس

أما التاريخ القديم فقد قام ذو نواس اليهودي في أرض اليمن في نجران إلى الطائفة المؤمنة الموحدة وأمرهم أن يغيروا اتباعهم لعيسى عليه السلام أنه نبي ورسول وأن يتبعوا اليهود الذين كفروا، فأبوا رجالاً ونساءً وأطفالاً وكباراً وصغاراً، أتدرون بماذا تحدى الله ذو نواس اليهودي ، يهودي عربي من الجزيرة ، من اليمن هناك: عند الجبال الشاهقة تحداه بغلام صغير اسمه عبد الله بن ثامر.

عبد الله تحققت فيه العبودية، وثامر أثمر توحيد الشعب يوم أن أمر اليهودي جنوده أن يأخذوا هذا الغلام الصغير ويلقونه في البحر، فحملته أمواج البحر إلى الساحل، قال: خذوه وارموا به من قمم الجبال؛ فارتجت بهم الجبال، وعجز أن يخرج عبد الله بن ثامر، وكان الناس في شدة، فقال: ما لكم؟

فقالوا: وحش ضخم يقطع علينا الطريق، فأخذ حجارة من الأرض، ثم قال: باسم الله فألقها فتفجر رأس الوحش.

عند ذلك تعرى الطاغوت تماماً أما حجارة ابن ثامر واحتار في أمره قال له: قتلي غايتك .. تظن أنه بقتلي يموت الدين، ويموت الجهاد، وتخنق الحريات ويضيع الحق، سأجعل من قتلي حياة للمستضعفين، إن شئت قتلي فخذ سهماً من كنانتي وقل والناس يسمعون: باسم الله رب الغلام.

وأمام جنون الطاغوت الذي لا يفكر إلا بالانتقام ولو من الأطفال -والله إن هناك طواغيت يفكرون بالانتقام حتى من الأجنة في البطون- أخذ السهم وصاح وهو لا يعقل: باسم الله رب الغلام -وقد ربط الطفل في شجرة- فأطلق السهم، فدخل في جنبه فمالت عنقه شهيداً إلى الله وسال دمه، وإذا موته حياة وبعثاً للشعوب، وإذا الأمة كلها تدوس على كل مصالحها وارتباطها بهذا الطاغوت وتنادي: باسم الله رب الغلام، آمنا برب الغلام، فخروا لله ساجدين.

عند ذلك أسقط ما في يده، وأمر جنوده فحفروا الأخاديد، وجمعوا فيها الأخشاب، وأشعلوا فيها النيران، وساقوا الناس إليها سوقاً، قال لهم: أنتم بين أمرين إما الكفر فتتبعوني فأعف عنكم أو تظلوا على دين هذا الغلام فتحرقوا في الأخاديد.

قالوا: والله نار الدنيا أحب إلينا من نار الآخرة، ولئن صبرنا عليها لحظات خير لنا من أن نعذب في جهنم أحقاباً وأحقاباًً.

عند ذلك تدافعوا ولم يدفعوا، تسابقوا ولم يسبقوا، كان دخولهم في الخندق الناري كحفلة عرس، أو حفلة زفاف؛ لأنهم ما إن يهووا في النار الملتهبة إلا وتفيض أرواحهم في جنات النعيم.

ووقفت أم على شفير الخندق، ورضيعها على صدرها قد التقم الثدي، فقالت: ما ذنب هذا الطفل؟ فنزع فمه، وقال: أماه اقدمي والله إنها الجنة، فهوت هي وجنينها في النار، ونزل الوحي على محمد صلى الله عليه وسلم بعد مرور القرون، لكي يثبت لأصحابه الذين يعذبون أن لهم سلف صالح من أهل التوحيد، وأن الذين يعذبون الآن في فلسطين ويسجنون لهم سلف صالح من أهل التوحيد، فاثبتوا عباد الله ثبتكم الله.

وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ * قُتِلَ أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ * النَّارِ ذَاتِ الْوَقُودِ * إِذْ هُمْ عَلَيْهَا قُعُودٌ * وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ [البروج:1-7] فرقة المشاهدين المستمتعين بعذاب الآخرين ماذا سيحدث لهم يوم القيامة؟

وَهُمْ عَلَى مَا يَفْعَلُونَ بِالْمُؤْمِنِينَ شُهُودٌ * وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ البروج:7-9].

فتساقط كل ملك، وتهاوى كل عرش، فالملوك الذين يتآمرون الآن على الأقصى والمجاهدين سيتساقطون كما تساقط ذو نواس .

الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ البروج:9] في الماضي والحاضر والمستقبل الله على كل شيء شهيد.

لا يقمع مسيلمة الكفر إلا جحافل الإيمان

ويستشهد حبيب رضي الله عنه وأرضاه، وتقوم أمه صابرة وتعقد في قلبها الانتقام من مسيلمة، وتزحف جيوش المسلمين لقمع المرتدين، والمرتدون من هذه الأمة لا يقمعون إلا بجحافل الإيمان والإسلام، فالذي يتآمر على الأقصى مرتد ولو كتب في شهادة الميلاد والوفاة أنه مسلم، ولو صلى في بيوت الله كلها فهو مرتد مادام أ،ه يتآمر على الأقصى، ولو لبس الإحرام وعلق المسبحة وشرب من ماء زمزم، وسجد على التراب الطهور، فإنه مرتد ما دام أنه يتآمر على المسجد الأقصى؛ لأن المسجد الأقصى والقدس له رابط عقيدة.

وتمر الأيام ويحاصر مسيلمة الكذاب في حديقة الموت كما يحاصر كل مسيلمة اليوم في حدائق الموت والتعرية، إنهم الآن في مرحلة الاختناق وتقوم نسيبة وتتقدم عن يمينها ابنها، وعن شمالها وحشي بحربته التي قتل بها حمزة سيد الشهداء يوم أن كان وحشي كافراً، جاء لكي يطهر هذه الحربة من رجسها وإثمها ولا تطهير لها أبداً إلا بقتل رأس الكفر مسيلمة.

وهكذا لا تطهر الخبايا، ولا تزكوا الشعوب، ولا يستمر الجهاد إلا بعد مثل هذا التطهير، يتراجع مسيلمة ويلتصق ظهره بالجدار وتتقدم إليه الأم فتمسحه بالسيف فيطير منه عضو، ويتقدم ابنها أخي حبيب فيمسحه بالسيف فيطير منه عضو، ويتقدم إليه وحشي فيدك صدره وصلبه بالرمح ويغرسه بالجدار.

موعد كل الظالمين

وجدار الصامتين سيأتيهم رمح وحشي غير قادر للاستسلام ولا التهادن ولا التصالح طال الزمان أم قصر.

اضرب تحجرت القلوب وما لها إلا الحجر

اضرب فمن كفيك ينهمر المطر

في خان يونس في بلاطة في البوادي والحضر

ولى زمان الخوف أثمر في مساجدنا الشرر

في فتية الأنفال والشورى ولقمان وحفاظ الزمر

من أحمد الياسين وتنطلق الأوامر والعبـر

في المسجد الأقصى وفي العمري قد نطق الحجر

شاهت وجوه بني النظير تدافعوا نحو الحفر

شاهت وجوه الانتهازيين عباد البشر

اضرب لـغزة وحدها بزغ القمر

اضرب لـنابلس القلائد والدرر

اضرب فلا استسلام بعد اليوم لا لا مؤتمر

هذي طريق القدس من عظمي تمر

أنا الذي دمي يسيل صاخباً كما النهر

وتسكن الرعود في جبيني الأغر

أنا الذي تكسرت ضلوعه فبان تحت الجلد للعرب الزهر

أنا الذي تهدمت قريتنا فلاح من جهاتها الشرر

أنا الذي أحبه الحجر

وإخوتي في البئر قذفوني وما تركوا أثر

يا أيها المرتد والسمسار والمحتال موعدكم سقر

في القدس قد نطق الحجر لا مؤتمر لا مؤتمر أنا لا أريد سوى عمر

الضابط المهزوم والدجال والطبال والجاسوس والكذاب والسمسار في جنح المساء

يتداولون فصول مذبحة تدبج في الخفاء

هجموا على أجفان زيتونٍ ليقتطفوا زهور الشهداء

جاءوا كـأبرهة سواد وجوههم يلد الغباء

هذا زمان قد مضى .. لن تسرقوا منا اللواء ..

ستظل آيات الصحابة في يميني كالضياء ..

للقدس رائحة الإباء.. للقدس طعم الشهداء..

والقدس أرض الأنبياء.. والقدس حلم الشهداء .. والقدس خبز وقمر..

في القدس قد نطق الحجر.. لا مؤتمر لا مؤتمر أنا لا أريد سوى عمر

القائل: [إن الله أعزنا بالإسلام فإن أردنا العزة بغير الإسلام أذلنا الله].

حفظ الله للجهاد في فلسطين

وصيتي أحبابي هنا وهناك: احضروا إلى بيوت الله والمساجد في مثل هذه الخطب مع أبنائكم وأشبالكم، وتابعوا معهم الجهاد في فلسطين في بيوتكم، انظروا واسمعوا واقرءوا كل أخبارها واربطوهم بها، لابد أن نمد هذا الجهاد بنفس طويل ومدد كبير، والذي عنده إقامة في فلسطين ، أصبح الآن لا يحل له أن يذهب إلا في فلسطين فيرابط ويجاهد، وأما الذين يؤذن لهم بالدخول والخروج بلا إقامة أن يعد العدة من الآن في عطلة الصيف ليذهب إلى هناك ليركع ويسجد هو وابنه في الأقصى ويتلمس حجارة القدس لعل فيها دم شهيد، وأن يأخذ منها وسام الشرف والجهاد، على كل فلسطيني يستطيع دخول فلسطين أن يعقد نية الرباط ولو طرفة عين، لا تدري لعل كثير من أعمالنا تطيش يوم القيامة وتأتي ذرة حجر، أو نسمة سحر في المسجد الأقصى بأنفاس العابدين، من الآن هيئ نفسك يا أخي للسفر إلى هناك، فوالله ما كان لهذه الانتفاضة أن تستمر ثمانين يوماً لولا أن المساجد ربتهم، والقرآن رباهم، والرسول صلى الله عليه وسلم ناداهم بجهاده وأحاديثه، والصحابة بسيرتهم وبطولاتهم، وهم يوم أمس دخلوا مرحلة جديدة من مراحل الجهاد، جاءوا إلى عميل من العملاء ومنافق من المنافقين ومسيلمة من مسيلمات القرن العشرين وجروه من ذراعه العفنة وجسده الذي لا يعرف الوضوء ولا الاغتسال ونصبوه على عمود الكهرباء لا لكي يتكهرب بكهرباء اليهود، ولكن لكي يشنق بعلم فلسطين الدائمة، وظل جثمانه مدلى بعلم فلسطين، لكي يثبتوا لكل مسيلمة أن هذا مصيره إن لم يتب إلى الله، ويتقدم الجهاد خطوة أخرى فيضعون أمام المدرعات اليهودية لغماً وكم بذلوا في هذا اللغم الصغير الذي فجر قافلة اليهود، إن كانت الترسانات في عالمنا اليوم مشحونة فإن لغماً مثل هذا لا يملكه المجاهد في فلسطين إلا بعد أن يبذل قوت يومه، ولقمة غذائه، ونسمة هوائه، وقطعة كسائه.

ويتقدم بطل آخر بسلاحه الرشاش وأطلقه على اليهود معلناً: إن مرحلتنا هذه ليست مقصورة على الحجارة، وإنما بالزمان والمكان المناسب ستعلمون جحافل الإيمان والإسلام ماذا سيفعلون.

أحبتي في الله: وجهادنا الآن الدعم المادي لنجعل يوماً أو يومين من أيام طعامنا الوافر وموائدنا العامرة بلا إدام، لا بلا طعام، ولنوفر قيمة الإدام لمن يموتون جوعاً هناك في فلسطين تحت الحصار الاقتصادي الرهيب في الداخل والخارج، هذا أقل ما نعمل، ونسأل الله سبحانه أن ينصرهم ويثبتهم ويؤيدهم هو ولي ذلك والقادر عليه، نسأله سبحانه وتعالى أن يمدهم بنصره.

يا من لا يهزم جندك ولا يرد أمرك، سبحانك وبحمدك، يا ربنا لقد يئس المجاهدون في فلسطين من كل العرب والمسلمين ولا أمل لهم إلا بك يا أرحم الراحمين!

اللهم إنك أنت الذي تنصرهم، إن شئت فبمعجزة، وإن شئت فبأصغر جند من جنودك: وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ [المدثر:31].

فأرسل عليهم رياح النصر واجعله كيوم بدر يا أرحم الراحمين ويارب العالمين!

يا من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء اكشف ما بهم من سوء وأيدهم.

الأقصى أقصاك، والقدس قدسك وموطن الأنبياء، وجثمانهم أنت تعلم بهم تحت الثرى وفوق قبورهم أساطير وكلاب اليهود.

رحماك بأنبيائك ورسلك وجهاد الأبطال في فلسطين، أغثهم يا مغيث! يا من يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، اكشف ما بهم من سوء يا أرحم الراحمين! يا رب العالمين اجعلها ساعة إجابة وساعة إنابة إنك على ذلك قدير.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العلي العظيم لي ولكم فاستغفروه.

الحجاب وما يمثله للمسلمة

الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح لهذه الأمة.

عباد الله: اتقوا الله: وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً [النساء:9] كما هم الآن في فلسطين: خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً [النساء:9].

فليتقوا الله على مستوى الأنظمة والمنظمات والحكومة والحاكمين وليقولوا قولاً سديداً.

دماء العذارى، وجراح الصبايا، ودموع الأيتام، وأنات الثكالى، وآهات الشهداء تناجي الجميع في مشارق الأرض ومغاربها: فَلْيَتَّقُوا اللَّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً [النساء:9].

تدرج الإسلام في فرض الحجاب

والحجاب الإسلامي -أيتها الأخوات الكريمات- تدرج الإسلام في فرضه، كان العرب رجالاً ونساءً يطوفون حول الكعبة عراة، فأنزل الله تعالى المرحلة الأولى من الحجاب: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْآتِكُمْ.... [الأعراف:26] إلى قوله تعالى: يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ [الأعراف:27] وهذه السورة مكية، وكما تعلمون أن الآيات والأحاديث في مكة تخص العقيدة وليست تخص التشريع والحلال والحرام في ذلك الوقت.

فلما هاجر المسلمون إلى المدينة ، جاءت المرحلة الثانية في قضية الحجاب أمرهم بغض البصر وستر الجسم كله وبقي الوجه والكفان، قال تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ [النور:30] إلى أن قال سبحانه: وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ [النور:31] لكي يتدربن على الحجاب يتعودن عليه.

ثم جاءت المرحلة الأخيرة النهائية للحجاب الإسلامي بنداء الرب العظيم: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً الأحزاب:59] ففهم الصحابة من هذه الآية فهماً جديداً غير الأول؛ فسترن وجوههن وأيديهن وأرجلهن وأفتى بذلك ابن مسعود ، وابن عباس ، وعائشة وأم سلمة ، وأسماء بنت أبي بكر ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القضية الحديث الصحيح: (المرأة عورة) ولم يستثن منها شيئاً رواه الترمذي .

ثم عدت بعد ذلك إلى كتب التفسير فوجدت أن أئمة المفسرين يرون غطاء الوجه والكفين واليدين، فحبر الأمة ابن عباس يتبنى هذا الحكم، ثم إمام التابعين من المفسرين مجاهد أيضاً، ثم بعد ذلك ابن تيمية شيخ الإسلام، وابن القيم ، وابن كثير ، وأبو بكر بن العربي ، وكبار المفسرين كـالطبري والزمخشري والنيسابوري كلهم يرون هذا الحكم، وقد أفتى به علامة الإسلام في زماننا ابن باز ، وابن عثيمين ، وكل العلماء الذين يحرصون على تستير الناس.

فلهذا نرجو تشجيع هذا الحجاب في الجامعات والكليات لا أن يمنعن ويحاربن.

اللهم إنا نسألك ستر الناس إنك على ذلك قدير وبالإجابة جدير برحمتك يا أرحم الراحمين!

اللهم لا تدع لنا ذنباً إلا غفرته، ولا هماً إلا فرجته، ولا ديناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا ميتاً إلا رحمته، ولا عسيراً إلا يسرته، ولا سوءاً إلا صرفته، ولا هماً إلا فرجته، ولا كرباً إلا نفسته، ولا مجاهداً إلا نصرته، ولا عدواً إلا قصمته، ولا مسافراً إلا حفظته، ولا غائباً إلا رددته.

اللهم إنا نسألك نصرك المؤزر المبين للمجاهدين في فلسطين وأفغانستان وفي كل مكان إنك على ذلك قدير.

إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْأِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ؛ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.

محافظة المسلمة على حجابها قديماً

وتتقدم امرأة في المدينة المنورة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم في حي من أحياء اليهود المتخصصين ببيع الذهب، لتشتري لها حلية، فيبدأ اليهودي الخبيث يساومها على سفور وجهها وكشف عورتها، فتأبى المؤمنة كما تأبى كل امرأة ومجاهدة، عند ذلك يأتي يهودي آخر من خلفها وهي قاعدة على الأرض فيربط ذيل ثوبها بخمارها في رأسها، فلما قامت، كشفت سوءتها أمام الناس وهم ينظرون، وهذا طبع يهود في كل زمان وفي كل مكان، عند ذلك صاحت: وا إسلاماه!!

لم تقدم شكوى إلى محكمة ولا إلى هيئة، ولم تأمر بإعلان حالة الطوارئ، ولا نزول قوات الأمن ومكافحة الشغب، ولم ترفع قضية، ولم توكل محامياً، وإنما كل مسلم يسير بجوارها في ليل أو نهار هو حاميها وهو قواتها وهو الردع لكل ظالم، ما إن صاحت وا إسلاماه!! حتى سمعها مسلم في السوق يشتري حاجته، التفت وإذا سوءتها مكشوفة فسترها، وإذا اليهودي يضحك فدك رأسه بالسيف.

يوم أن كان في كل المسلمين غيرة (المسلم أخو المسلم لا يسلمه ولا يظلمه ولا يقطعه) عند ذلك قام اليهود فقتلوا المسلم، وحاصرهم النبي صلى الله عليه وسلم وأجلاهم عن بكرة أبيهم وذهبوا هناك على حدود الشام فاستقبلهم جندي من جنود الله فيروس الطاعون فأبادهم ولم يبق منهم أحداً.

وتحتفل الكويت بتخريج المتفوقين والمتفوقات من الكليات والجامعة، ثم نفاجأ ونحن نشاهد الاحتفال أنه لا يوجد من بينهم متنقبة واحدة، فقلنا: عجباً بنات القرآن والذكر الحسن لا يتفوقن في الدراسة، ثم تبين بعد ذلك أن كل منقبة منعت من حضور استلام شهادة التفوق مع أن ولي أمرها كان موجوداً هناك فكسر قلبه، وطردت الأخوات المسلمات من مكان الاحتفال، وقيل لهن: الله يعطيكن، كلمة تقال للشحاتين وللمتسولين فعدن منكسرات القلوب مطأطئات الرأس وما توقعن أن هذا يحدث في بلد مسلم مثل الكويت.

إن كان الدافع الجانب الأمني فقد أحضرن معهن الهويات، وهن على الاستعداد لاستجابة الأمن إذا كان ذلك يشكل خطراً لإثبات هوياتهن وشخصياتهن، ولكن تشجيع التبرج ومحاربة النقاب هو الذي دفع بعض الناس أن يتخذوا مثل هذا القرار، فقيل لهن: اعلمن أن أسماءكن قد شطبت من سجل الاحتفال.

إن هذا البلد وكل بلد لا ينتصر إلا بالطاعة، ولا يهزم إلا بالمعصية، وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يهدي من قام بهذا العمل إلى الحق والصواب، وأسأله سبحانه وتعالى أن يستر عوراتنا، ويؤمن روعاتنا، وأن يرينا في من يتآمر على بلدنا هذا عجائب قدرته، اجعلنا في ضمانك وأمانك وبرك وإحسانك.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , التضحيات على مر العصور للشيخ : أحمد القطان

https://audio.islamweb.net