اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [16] للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [16] للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
حدثنا عبد الله بن مسلمة القعنبي عن مالك عن ابن شهاب عن عروة عن عائشة رضي الله عنها: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من إناء واحد هو الفرق من الجنابة) .
قال أبو داود : قال معمر عن الزهري في هذا الحديث، قالت: (كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم من إناء واحد، فيه قدر الفرق).
قال أبو داود : وروى ابن عيينة نحو حديث مالك .
قال أبو داود : سمعت أحمد بن حنبل يقول: الفرق ستة عشر رطلاً، وسمعته يقول: صاع ابن أبي ذئب خمسة أرطال وثلث. قال: فمن قال: ثمانية أرطال؟ قال: ليس ذلك بمحفوظ.
قال: وسمعت أحمد يقول: من أعطى في صدقة الفطر برطلنا هذا خمسة أرطال وثلثاً فقد أوفى. قيل: الصيحاني ثقيل؟ قال: الصيحاني أطيب. قال: لا أدري ].
هذ الترجمة في بيان مقدار الماء الذي يجزئ في الغسل، وذكر فيه حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل من إناء هو الفرق، والفرق مكيال مقدار ثلاثة آصع، هذا أصح ما قيل فيه. وفي رواية الزهري قالت عائشة : (كنت أغتسل أنا ورسول الله من إناء واحد فيه قدر الفرق) يعني: -مقدار الآصع- وفي اللفظ الآخر: (تختلف أيدينا)، وفي اللفظ الآخر: (حتى أقول: دع لي، ويقول: دعي لي) وفيه دليل على جواز اغتسال الرجل وزوجته من إناء واحد، وأنه لا بأس أن ينظر الرجل إلى عورة امرأته وتنظر إلى عورته؛ لأنها حل له وهو حل لها، وأما حديث: (ما رأيت منه ولا رأى مني) يعني: العورة فهو حديث ضعيف لا يقاوم الأحاديث الصحيحة.
وفي هذا الحديث أن أبا داود سأل الإمام أحمد رحمه الله عن الفرق؟ فقال: ستة عشر رطلاً، وهو ثلاثة آصع، بصاع النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن الصاع خمسة أرطال وثلث؛ ولهذا قال أبو داود : سمعت أحمد يقول: صاع ابن أبي ذئب خمسة أرطال وثلث، فيكون الفرق ستة عشر رطلاً، وهو ثلاثة آصع، فسأل أبو داود الإمام أحمد عمن قال: ثمانية أرطال؟ فقال: ليس ذلك بمحفوظ، وهذا هو ما ذهب إليه الأحناف، فقد ذهبوا إلى أن الصاع ثمانية أرطال، ولم ير هذا أحمد وقال: ليس ذلك بمحفوظ.
قال أبو داود : وسمعت أحمد يقول: من أعطى في صدقة الفطر برطلنا هذا خمسة أرطال وثلثاً فقد أوفى، يعني: أن الصاع في الماء وفي صدقة الفطر خمسة أرطال وثلث.
وقوله: الصيحاني ثقيل، الصيحاني تمر معروف في المدينة.
وقوله: الصيحاني أطيب. قال: لا أدري. هذه اللفظة فيها اختلاف، والأصل أن الصاع أربعة أمدد، والمد ملء كفي الرجل المتوسط، والصاع أربع حفنات كل حفنة ملء كفي الرجل المتوسط الذي ليست يداه كبيرتين ولا صغيرتين، وهذا هو صاع النبي صلى الله عليه وسلم.
و أبو حنيفة ذهب إلى أن الصاع ثمانية أرطال، وكان أبو يوسف الصاحب الأول يذهب إلى قول أبي حنيفة ، ثم بعد أن ذهب إلى الحجاز وأروه الصاع النبوي ذهب إلى أن الصاع خمسة أرطال وثلث، وترك قول أبي حنيفة ، وقد روى البيهقي عن الحسين بن الوليد القرشي قال: قدم علينا أبو يوسف من الحج، فقال: إني أريد أن أفتح لكم باباً من العلم أهمني، ففحصت عنه فقدمت المدينة فسألتهم عن الصاع، فقالوا: صاعنا هذا صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت لهم: ما حجتكم في ذلك؟ قالوا: نأتيك بالحجة غداً، فلما أصبحت أتاني نحو خمسين شيخاً من أبناء المهاجرين والأنصار مع كل رجل منهم الصاع تحت ردائه، كل رجل منهم يخبر عن أبيه وأهل بيته أن هذا صاع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكلها سواء، خمسة أرطال وثلث، فرأيت أمراً قوياً فتركت قول أبي حنيفة في الصاع، وأخذت بقول أهل المدينة.
والمراد هنا بيان أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل في الغالب بالصاع، ويتوضأ بالمد، وربما توضأ بثلثي المد، وربما اغتسل بأقل من الصاع، وكان يغتسل هو وزوجته بثلاث آصع في الغالب، وقد يزيد يسيراً، وليس المراد التحديد، وقد ذكر الشارح كلاماً جيداً في هذا، قال: واعلم أنه ليس الغسل بالصاع أو الفرق للتحديد والتقدير، بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما اقتصر على الصاع، وربما زاد عليه، والقدر المجزئ من الغسل ما يحصل به تعميم البدن على الوجه المعتبر سواء كان صاعاً أو أقل أو أكثر ما لم يبلغ في النقصان إلى مقدار لا يسمى مستعمله مغتسلاً، أو إلى مقدار في الزيادة يدخل فاعله في حد الإسراف.
إذاً: ليس هناك تحديد، لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغتسل بالصاع، فإذا اغتسل الإنسان بالصاع أو أكثر فلا حرج، أو أقل فلا حرج، المهم أن يعمم البدن على الوجه المعتاد وعلى الوجه المعتبر، فإذا عمم بدنه بالماء سواء كان صاعاً أو أقل أو أكثر فلا حرج ما لم يبلغ في النقصان إلى مقدار لا يسمى مستعمله مغتسلاً، فلو أتى بمد أو بنص مد واغتسل به فهذا لا يصل إلى حد يسمى صاحبه مغتسلاً، بل هذا مسح، وليس المقصود أن يمسح بدنه، بل المقصود أن يغسل بدنه ويعمه بالماء.
وهذا الحديث أخرجه الشيخان وله ألفاظ.
حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي قال: حدثنا زهير قال: حدثنا أبو إسحاق قال: حدثني سليمان بن صرد عن جبير بن مطعم رضي الله عنه: (أنهم ذكروا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم الغسل من الجنابة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثاً وأشار بيديه كلتيهما) ].
هذا الباب معقود لبيان كيفية الاغتسال، وذكر في حديث جبير بن مطعم رضي الله عنه، والحديث أخرجه الشيخان والنسائي وابن ماجة .
وفيه استحباب إفاضة الماء على الرأس ثلاثاً، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أما أنا فأفيض على رأسي ثلاثاً وأشار بيده كلتيهما)، ولم يذكر بقية الغسل؛ لأنه جاء في الأحاديث الأخرى، وإنما فيه بيان إفاضة الماء على الرأس ثلاثاً، وهذا هو المستحب، والواجب في الغسل إيصال الماء إلى أصول الشعر، لكن كونه يفيض الماء على رأسه ثلاثاً فهذا مستحب، وهو الأفضل.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا أبو عاصم عن حنظلة عن القاسم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء من نحو الحلاب، فأخذ بكفيه، فبدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر، ثم أخذ بكفيه فقال بهما على رأسه) ].
هذا الحديث أخرجه الشيخان والنسائي ، وفيه استحباب البداءة بالميامن في التطهر، ولهذا قال: (فبدأ بشق رأسه الأيمن).
وفيه أنه أخذ بكفيه فقال بهما على رأسه.
وقوله: (من نحو الحلاب) ذكر الخطابي أن الحلاب إناء يسع قدر حلب الناقة.
والبخاري رحمه الله في صحيحه تأول هذا على استعمال الطيب في الطهور، قال الخطابي : هذا من البخاري وهم ، وليس الحلاب من الطيب في شيء، وإنما هو ما فسرت لك.
وفي هذا الحديث أنه بدأ بشقه الأيمن، وهذا هو الأفضل، ولم يذكر بقية الغسل، فيؤخذ من الأحاديث الأخرى.
وفيه استحباب البداءة بالميامن، يبدأ بشقه الأيمن، وإن لم يبدأ فلا حرج، وإذا عمم بدنه بالماء كفى سواء بدأ بالأيمن أو بالأيسر، لكن الأفضل أن يبدأ بالشق الأيمن من الرأس وكذلك أيضاً يبدأ بشقه الأيمن من الجسد.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا يعقوب بن إبراهيم قال: حدثنا عبد الرحمن -يعني ابن مهدي - عن زائدة بن قدامة عن صدقة قال: حدثنا جميع بن عمير أحد بني تيم الله بن ثعلبة قال: (دخلت مع أمي وخالتي على عائشة رضي الله عنها، فسألتها إحداهما: كيف كنتم تصنعون عند الغسل؟ فقالت عائشة رضي الله عنها: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يفيض على رأسه ثلاث مرار، ونحن نفيض على رءوسنا خمساً من أجل الظفر) ].
هذا الحديث أخرجه النسائي وابن ماجة ، وفي سنده جميع بن عمير ، قال بعضهم: لا يحتج بحديثه، وقال في التقريب: صدوق يخطئ ويتشيع.
وقد ثبت في الصحيحين وغيرهما أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ وضوءه للصلاة، ثم أفاض بالماء على رأسه ثلاث مرار، لكن المستنكر هنا قوله: (ونحن نفيض على رءوسنا خمساً من أجل الظفر)، ففيه أن عائشة خالفت فعل النبي صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان يفيض على رأسه ثلاثاً، وهي تفيض على رأسها خمساً من أجل الظَّفْر وهو شد الشعر أو من أجل الظُفُرْ وهي الخصلة من الشعر، وهو معارض لحديث أم سلمة الآتي: (يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات من ماء ثم تفيضين على سائر جسدك)، وهذا هو المعتمد، ولعل هذا من أوهام جميع بن عمير ، ففي ترجمته: جميع بن عمير التميمي : أبو الأسود كوفي شيعي. عن عائشة وابن عمرو وعوام بن حوشب والأعمش ، قال البخاري : فيه نظر. قال ابن أبي حاتم : صادق الحديث.
البخاري لطيف العبارة في التجريح، فإذا قال: فيه نظر، فمعناه: لا يحتج به، فلعل قوله: (ونحن نفيض على رءوسنا خمساً من أجل الظفر) من أوهام جميع ، ولا يمكن أن عائشة تخالف فعل النبي صلى الله عليه وسلم، ولاسيما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث أم سلمة الآتي: (يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات).
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا سليمان بن حرب الواشحي ح وحدثنا مسدد قالا: أخبرنا حماد عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: _(كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اغتسل من الجنابة -قال سليمان : يبدأ فيفرغ بيمينه على شماله، وقال مسدد : غسل يديه يصب الإناء على يده اليمنى، ثم اتفقا- فيغسل فرجه -وقال مسدد : يفرغ على شماله- وربما كنّت عن الفرج ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يدخل يده في الإناء فيخلل شعره حتى إذا رأى أنه قد أصاب البشرة أو أنقى البشرة أفرغ على رأسه ثلاثاً، فإذا فضل فضلة صبها عليه) ].
هذا الحديث أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ أولاً بغسل فرجه وما حوله، ثم يفيض بيمينه على شماله، فيغسل يده. وقوله: وربما كنّت عن الفرج، الكناية هي أن يعبر عن الشيء بما يفيد المعنى بعبارة ليس فيها ما يستنكرها الإنسان، فيعبر عن الشيء الذي يستحى منه بلفظ يفهم منه المعنى.
وقد جاء في الحديث الآخر: أنه كان يضرب بيده الأرض أو الحائط مرتين أو ثلاثاً لإزالة ما علق بها من الرائحة، وكانت الجدران من طين، فإذا ضرب يده في الجدار علق به الطين ثم صب عليه الماء فتزول الرائحة، والآن لا يجد الإنسان التراب لا في الجدار ولا في الأرض، ولكن يغني عن ذلك الصابون أو ما ينوب عنه، وإذا لم يجد صابوناً وصب عليه الماء يكفي، لكن من باب النظافة إذا أصاب شيئاً من الصابون أو ضرب يده بالأرض أو الحائط كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم لإزالة الرائحة فهو أفضل.
وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبدأ فيغسل فرجه وما حوله، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم بعد ذلك يخلل شعره ويصب على رأسه ثلاثاً، وهذا هو الأفضل، والواجب إيصال الماء إلى أصول الشعر ولو مرة واحدة، فإذا فضلت فضلة صبها عليه.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عمرو بن علي الباهلي حدثنا محمد بن أبي عدي حدثنا سعيد عن أبي معشر عن النخعي عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يغتسل من الجنابة بدأ بكفيه فغسلهما، ثم غسل مرافغه، وأفاض عليه الماء، فإذا أنقاهما أهوى بهما إلى حائط، ثم يستقبل الوضوء، ويفيض الماء على رأسه) ].
هذا الحديث فيه اختصار، وفيه بيان كيفية الغسل من الجنابة، وهو أنه يبدأ بكفيه -كما جاء في عدة أحاديث- فيغسلهما ثلاثاً، وقد جاء في حديث عائشة وفي حديث ميمونة أن المسلم إذا أراد أن يغتسل من الجنابة يبدأ بغسل كفيه، وقبل ذلك يجب عليه أن ينوي، فإن انغمس في الماء ناوياً التبرد لا يرتفع عنه الحدث؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) فلا بد من النية، ثم يسمي، والتسمية في الوضوء وفي الغسل مستحبة عند جمهور العلماء، وأوجبها طائفة من أهل العلم، وهم الحنابلة وجماعة، قالوا: والأحاديث وإن كانت ضعيفة إلا أنه يشد بعضها بعضاً، فتكون من باب الحسن لغيره، وقد ساق الحافظ ابن كثير رحمه الله الآثار في آية الوضوء التي جاءت في سورة المائدة، وهي كثيرة وقال: إنه يشد بعضها بعضاً.
قوله: (ثم غسل مرافغه) المراد بالمرافغ: المغابن والآباط وأصول الفخذين، وهو كناية عن غسل الفرج، وكنت عائشة رضي الله عنها عن غسل الفرج بغسل المرافغ كما جاء في بعض الروايات: (إذا التقى الرفغان وجب الغسل)، يريد التقاء الختانين، فكنى عنه بالتقاء أصول الفخذين، ذكر هذا في النهاية وفي غيره.
وفيه أنه إذا استنجى يغسل يده بعد ذلك، وقد جاء هذا أيضاً في أحاديث وفيها أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا استنجى ضرب بيده الحائط، لتنقية اليد مما علق بها من الرائحة، وإذا غسلها بالصابون فإنه ينوب مناب الحائط؛ لأن الحائط في ذلك الزمان من طين فيعلق الطين ويغسله أما الآن فالحائط أملس، وكذلك الأرض ملساء، فينوب عنه الصابون، وإن اكتفى بالماء كفى، وليس الصابون بلازم، لكن هذا من باب النظافة، ثم يتوضأ، ثم يفيض الماء على رأسه.
ومتن هذا الحديث فيه اختصار وتقديم وتأخير، ولعل ذلك من بعض الرواة والله تعالى أعلم.
وفي سند هذا الحديث سعيد بن أبي عروبة قال في التقريب: ثقة حافظ له تصانيف كثير التدليس واختلط، وكان من أثبت الناس في قتادة أهـ.
ومحمد بن أبي عدي روى عنه بعد الاختلاط؛ ولهذا نجد في هذا الحديث بعض المخالفة للأحاديث الأخرى.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن شوكر قال: حدثنا هشيم عن عروة الهمداني قال: حدثنا الشعبي قال: قالت عائشة رضي الله عنها: لئن شئتم لأرينكم أثر يد رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحائط، حيث كان يغتسل من الجنابة ].
هذا فيه بيان أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا استنجى ضرب بيده الحائط، وقد جاء في عدة أحاديث أنه عليه الصلاة والسلام كان إذا استنجى ضرب بيده الحائط للتنقية وإزالة الرائحة، لكن هذا الحديث ضعيف؛ لأن الشعبي لم يسمع من عائشة رضي الله عنها، والحسن بن شوكر لا بأس به صدوق.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد بن مسرهد قال: أخبرنا عبد الله بن داود عن الأعمش عن سالم عن كريب قال: أخبرنا ابن عباس رضي الله عنهما عن خالته ميمونة رضي الله عنها قالت: (وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم غسلاً يغتسل به من الجنابة، فأكفأ الإناء على يده اليمنى، فغسلها مرتين أو ثلاثاً، ثم صب على فرجه، فغسل فرجه بشماله، ثم ضرب بيده الأرض فغسلها، ثم تمضمض واستنشق، وغسل وجهه ويديه، ثم صب على رأسه وجسده، ثم تنحى ناحية فغسل رجليه، فناولته المنديل فلم يأخذه، وجعل ينفض الماء عن جسده، فذكرت ذلك لـإبراهيم فقال: كانوا لا يرون بالمنديل بأساً، ولكن كانوا يكرهون العادة).
قال أبو داود : قال مسدد : قلت لـعبد الله بن داود : كانوا يكرهونه للعادة؟ فقال: هكذا هو، ولكن وجدته في كتابي هكذا ].
هذا الحديث أخرجه الشيخان والترمذي والنسائي وابن ماجة ، وفيه البدء في الغسل بغسل الكفين، وأنه يشرع للمسلم إذا أراد أن يغتسل أن يبدأ بغسل كفيه بنية رفع الحدث عنهما، وهذا بعد نية الغسل وبعد التسمية، لعموم حديث: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)، والبسملة مستحبة في الوضوء وفي الغسل عند جمهور العلماء، ثم البداءة بغسل الفرج بشماله.
وفيه مشروعية المضمضة والاستنشاق في غسل الجنابة، وفي الوضوء، وفي الغسل، والصواب أن المضمضة والاستنشاق واجبتان في الوضوء وفي الغسل.
وقال بعض العلماء: ليستا واجبتين لا في الغسل ولا في الوضوء.
وقال آخرون: واجبتان في الوضوء دون الغسل.
وقال آخرون: يجب الاستنشاق دون المضمضة.
والصواب أنه لا بد منهما في الوضوء والغسل.
وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم توضأ أولاً، ثم أخر غسل رجليه، ففيه تأخير غسل الرجلين إلى آخر الغسل، وفي حديث عائشة أنه كمل وضوءه أولاً قبل غسل رجليه فدل على جواز الأمرين، ولعله أخر غسل الرجلين في حديث ميمونة لأن المكان فيه طين، فغسل رجليه آخراً حتى ينظفهما من الطين والتراب.
وفي آخر الحديث قالت: (ناولته المنديل، فلم يأخذه، وجعل ينفض الماء عن جسده)، وقد أخذ بعضهم من هذا الحديث أن ترك استعمال المنديل في الغسل أولى دون الوضوء؛ فإنه مسكوت عنه، ولهذا يقول العلماء في الوضوء: وتباح معونته وتنشيف أعضائه، أما في الغسل فالأولى تركه، وإن استعمله فلا حرج.
قال سليمان الأعمش : فذكرت ذلك لـإبراهيم النخعي فقال: كانوا لا يرون بالمنديل بأساً، لكن كانوا يكرهونه للعادة. يعني لمن يتخذ التنشيف عادة لا لمن يفعله أحياناً.
ثم ذكر أبو داود عن شيخه مسدد أنه قال لشيخه عبد الله بن داود : كانوا يكرهونه للعادة؟ يعني: أكانوا؟ على حذف حرف الاستفهام، يعني: أكانوا يكرهون التنشيف من أجل العادة؟ فقال: هكذا هو، يعني هكذا حفظته، ولكن وجدته في كتابي هكذا، فما في الكتاب غير ما في الحفظ، يعني: حفظت أنهم كانوا يكرهونه للعادة، ولكن وجدته في كتابي هكذا: كانوا يكرهون العادة.
وقد اختلف العلماء فيمن اغتسل للجنابة بلا وضوء هل يجزئه الغسل عن الوضوء أو لا يجزئه؟ وهل يندرج الحدث الأصغر في الأكبر فيكتفي بالغسل عن الوضوء أم لا؟
على قولين، قيل: إنه يجزئه ذلك إذا نوى رفع الحدثين، فيدخل الحدث الأصغر في الأكبر، وإن لم ينو فلا بد أن يتوضأ، والأفضل أن يتوضأ قبل الغسل، ويكفيه هذا، ولا يحتاج إلى أن يعيد الوضوء إلا إذا أحدث.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسين بن عيسى الخرساني قال أخبرنا ابن أبي فديك ، عن ابن أبي ذئب عن شعبة قال: إن ابن عباس رضي الله عنهما كان إذا اغتسل من الجنابة يفرغ بيده اليمنى على يده اليسرى سبع مرار ، ثم يغسل فرجه، فنسي مرة كم أفرغ، فسألني: كم أفرغت؟ فقلت: لا أدري، فقال: لا أم لك! وما يمنعك أن تدري؟ ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ثم يفيض على جلده الماء، ثم يقول: هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتطهر ] .
هذا الحديث ضعيف من أجل شعبة مولى ابن عباس ، وهو أبو عبد الله ويقال له: أبو يحيى ، وهو ضعيف لا حجة لما دل عليه من الغسل سبع مرار، كما أن في الثابت من الأحاديث الصحيحة أن الغسل ثلاث مرات لا سبعاً، فيغسل يده ثلاثاً، ثم يغسل شقه الأيمن ثلاثاً، ولا يغسل سبعاً.
ومن النكارة في الحديث قوله: فنسي كم مرة أفرغ، فسألني، يعني ابن عباس سأل مولاه شعبة . كم أفرغ، مرتين أو ثلاث أو أربع حتى يكمل سبعة، قال: فقلت: لا أدري، فقال: لا أم لك، وما يمنعك أن تدري، يعني لماذا لم تنتبه.
وهذا الحديث ضعيف، للعلة السابقة وقد قال ابن حبان عن شعبة هذا: يروي عن ابن عباس ما لا أصل له.
وهذا الحديث أيضاً ضعيف؛ لأن فيه ضعيفين: أيوب بن جابر وعبد الله بن عصم ، كلاهما ضعيف، فلا حجة فيه فيما دل عليه من غسل الجنابة سبع مرار، وغسل البول أيضاً سبع مرار، ومن النكارة في الحديث قوله: لم يزل النبي صلى الله عليه وسلم يسأل ربه - يعني ليلة المعراج - حتى جعلت الصلاة خمساً، والغسل من الجنابة مرة، وغسل البول من الثوب مرة، فهذا مخالف للأحاديث الصحيحة؛ فإن النبي صلى الله عليه وسلم سأل في ليلة المعراج تخفيف الصلاة، فحسب ولم يرد في الأحاديث الصحيحة ذكر غسل الجنابة ولا غسل البول، كما أن المحفوظ أنه عليه الصلاة والسلام لما اغتسل من الجنابة أفاض على جسده ثلاثاً، ولم يرد غسل البول وإنما يكون بغلبة الظن، أي: حتى يغلب على الظن أنه قد طهر.
ولو صح هذا الحديث فإنه منسوخ كما دل عليه آخر الحديث، أما الصلاة فإنها فرضت خمسين ثم نسخت إلى خمس قبل التمكن من الفعل، وبعض الأحناف ذكر أن النجاسة تغسل ثلاثاً، وجاء في الحديث أيضاً: أمرنا بغسل الأنجاس سبعاً لكنه حديث ضعيف، والصواب أنه ليس هناك تحديد، وقد ذكر بعضهم أن النجاسة ضربان: مرئية وغير مرئية، فما كان منها مرئية فطهارتها بأن تزول عينها فإذا زالت عينها ثم زادها غسلة بعد ذلك زالت النجاسة وبذلك تكون طاهرة، أما غير المرئية فطهارتها أن يغسلها حتى يغلب على ظنه أنها قد طهرت, أما هذا الحديث فهو ضعيف، وليس بحجة.
قال أبو داود : الحارث بن وجيه حديثه منكر وهو ضعيف ].
وهذا الحديث أخرجه قد الترمذي وابن ماجة وهو ضعيف بل منكر كما قال المؤلف لضعف الحارث بن وجيه ، فلا حجة فيه، لقوله: إن تحت كل شعرة جنابة؛ لأنه يقتضي نقض القرون والضفائر خلافاً للجمهور وقد أخذ بهذا الحديث إبراهيم النخعي ، وقال إنه يجب نقض القرون والضفائر، والصواب أنه لا يجب، بل يكفيه إيصال الماء إلى أصول الشعر وإن لم ينقض شعره، كما هو قول عامة أهل العلم، وكما جاء في حديث أم سلمة بعد الباب، أنه لا يجب النقض، وإنما الواجب إدخال الماء إلى أصول الشعر ولو لم ينقض، وأما هذا الحديث: (إن تحت كل شعرة جنابة فاغسلوا الشعر وأنقوا البشر)، فهو ضعيف.
وهذا أخرجه ابن ماجة وهو ضعيف أيضاً؛ لأن فيه عطاء بن السائب ، وقد اختلط في آخر عمره فمن روى عنه قبل الاختلاط فروايته صحيحه كـالبخاري ، فهو ممن روى عنه قبل الاختلاط، أما من روى عنه بعد الاختلاط فهو غير مقبول، وممن روى عنه بعد الاختلاط حماد بن سلمة ، فهو كحديث أبي هريرة السابق في ضعفه، فلا يدل على وجوب غسل البشرة التي تحت الشعر الكثيف، بل يكتفي بغسل ظاهر الشعر؛ لأنه بمثابة البشرة، أما الشعر الخفيف فيجب غسله وغسل البشرة التي تحته.
وقد دل حديث أم سلمة الآتي على أنه لا ينقض شعر الرأس المشدود، بل تحثي على رأسها ثلاث حثيات، لكن أيضاً دل الحديث على أن النقض أفضل.
أما جز الشعر وهو حلقه بالنسبة للرجل فلا بأس به، وهو مباح، وقال بعضهم: مكروه، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى صبياً حلق بعض رأسه، فقال: (أحلقه كله أو اتركه كله) ، فلا بأس في حلق شعر الرأس، فإذا كان في إبقاء الشعر تشبه ببعض أهل البدع فلا يبقيه، لكن لو أبقاه إتباعاً للسنة فهذا حسن، ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله إن إبقاء الشعر سنة، ولو نقوى عليه لاتخذناه، لكن له كلفة ومشقة، بل يحتاج إلى غسل ودهن وتسريح ففيه مشقة، ومن كان يقوى على هذا فهو حسن.
حدثنا عبد الله محمد النفيلي قال: أخبرنا زهير قال: أخبرنا أبو إسحاق عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يغتسل ويصلي الركعتين وصلاة الغداة ولا أراه يحدث وضوءاً بعد الغسل ].
أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح، والنسائي وابن ماجة وأحمد جميعاً من طريق أبي إسحاق به.
فالحديث ظاهره أن لا بأس بسنده، فـأبو إسحاق السبيعي تدليسه قليل، والحديث دليل على أنه لا يتوضأ بعد الغسل، وفيه اكتفاء النبي صلى الله عليه وسلم بوضوئه قبل الغسل، هكذا عادته عليه الصلاة والسلام، كان يستنجي ثم يتوضأ، ثم يصب الماء على رأسه، ثم يغسل شقه الأيمن ثم يغسل شقه الأيسر، وعلى هذا فلا يتوضأ بعد الغسل، إلا إذا أحدث في أثناء الغسل بأن مس فرجه أو خرج منه ريح أو بول، فلا بد من الوضوء، أما إذا استنجى أولاً ثم توضأ فلا يعيد الغسل بعد ذلك.
وقد يذكر البعض بأنه إذا اغتسل كفاه عن الوضوء وقد ذهب بعض العلماء إلى أنه إذا نوى رفع الحدثين دخل الأصغر في الأكبر، لكن المعروف من غسل النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يتوضأ أولاً، ولا يكتفي بالغسل، وهذا هو الغسل الكامل، وفيه يستنجي ثم يتوضأ، ثم يفيض الماء على رأسه ثلاثاً، ثم يغسل شقه الأيمن ثم يغسل شقه الأيسر، وهو المشهور من فعله عليه الصلاة والسلام.
أما الغسل فهو أن ينوي ثم يسمي ثم يعمم بدنه بالماء، لكن الأكمل هو الغسل الكامل، وهو الذي كان يفعله عليه الصلاة والسلام.
ثم يصلي ركعتين، يعني ركعتي الفجر، وصلاة الغداة صلاة الفجر.
حدثنا زهير بن حرب وابن السرح قالا: أخبرنا سفيان بن عيينة عن أيوب بن موسى عن سعيد بن أبي سعيد عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة رضي الله عنها عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: إن امرأة من المسلمين وقال زهير : إنها قالت: يا رسول الله ! إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه للجنابة؟ قال: (إنما يكفيك أن تحفني عليه ثلاثاً، - وقال زهير : تحثي عليه ثلاث حثيات من ماء، ثم تفيضي على سائر جسدك فإذا أنت قد طهرت -) ] .
وهذا الحديث أخرجه مسلم ، والترمذي ، وابن ماجة ، وهو دليل على أن المرأة لا تنقض شعرها في غسل الجنابة، ولهذا قالت: إني امرأة أحب ضفر رأسي، والضفر فوق الظهر، وهي العمائم، تسمى العمائم وتسمى القرون، وتسمى (الجزائل) عند بعض العامة، أفأنقضه للجنابة، قال: لا، إنما يكفيك أن تحفني عليه ثلاثاً، في الرواية الأخرى: وقال زهير : تحثي عليه ثلاث حثيات من ماء، فإذا صبت الماء على رأسها وروت أصول الشعر كفى، من دون حاجة إلى النقض، ثم تفيض على سائر الجسد.
وفي وراية: أفأنقضه للجنابة والحيضة، قال: لا، فدل على أنه لا يجب النقض، لا لغسل الجنابة ولا للحيض، لكن نقضه لغسل الحيض أفضل؛ لأن الحيض مدته تطول وكذلك النفاس، وقد تتجمع فيه أوساخ، بخلاف الجنابة، فإنها تتكرر في اليوم، فيكون في النقض مشقة، والمشقة تجلب التيسير، كلما حصلت مشقة كانت سبباً للتخفيف.
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة فمنهم من أوجب نقض الشعر للجنابة وللحيض، ومنهم من لم يوجبها، لا للجنابة ولا للحيض، ومنهم من أوجب النقض في الحيض دون الجنابة، ومنهم ابن القيم رحمه الله، فقد اختار أنه يجب على المرأة أن تنقض شعرها في الحيض، دون الجنابة فقال: إن حديث أم سلمة يدل على أنه ليس على المرأة أن تنقض شعر لغسل الجنابة، وهذا اتفاق من أهل العلم، ثم تكلم في غسل الحيض، فقال: إن المنصوص عن أحمد أنها تنقضه، فنقل كلاماً وخلص إلى أنه يجب على المرأة أن تنقض شعرها في غسل الحيض دون الجنابة، والصواب أنه لا يجب النقض لا في الحيض ولا في الجنابة، ولكن الأفضل أن تنقض شعرها لغسل الحيض والنفاس، لأن مدتها تطول وقد تتجمع الأوساخ، بخلاف الجنابة.
وقد ذكرنا أن في بعض الروايات الحديث زيادة (والحيضة) ومعلوم أن الزيادة إذا كانت مخالفة وانفرد بها بعض الرواة دون الآخرين يرى بعض العلم التشابه في هذه الحالة.
ابن القيم رحمه الله يقول: حديث أم سلمة على الصحيح فيه الاقتصار على ذكر الجنابة دون الحيض، وليس لفظ الحيضة فيه محفوظ.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن عمرو بن السرح قال: حدثنا ابن نافع - يعني الصائغ - عن أسامة عن المقبري عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: أن امرأة جاءت إلى أم سلمة بهذا الحديث، قالت فسألت لها النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه قال فيه: (واغمزي قرونك عند كل حفنة) ] .
اغمزي أي: أبصري والقرون الضفائر وسماها بعضهم العمائم، وسماها بعضهم الجدائل، فإذا غمزتها وروتها بماء كفى من دون نقض.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عثمان بن أبي شيبة قال: أخبرنا يحيى بن أبي بكير قال: أخبرنا إبراهيم بن نافع عن الحسن بن مسلم عن صفية بنت شيبة عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت إحدانا إذا أصابتها جنابة أخذت ثلاث حفنات هكذا تعني بكفيها جميعاً، فتصب على رأسها وأخذت بيد واحدة فصبتها على هذا الشق، والأخرى على الشق الآخر ] .
وهذا الحديث روى البخاري قريباً منه، وفيه أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لا ينقضن ضفائر رؤوسهن عند الاغتسال من الجنابة، وإنما تأخذ الواحدة منهن ثلاث حفنات فتصبها على رأسها، فدل على أن النقض ليس بواجب.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا نصر بن علي قال: أخبرنا عبد الله بن داود عن عمر بن سويد عن عائشة بنت طلحة عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنا نغتسل وعلينا الضماد ونحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم محلات ومحرمات ] .
الحديث ظاهره أن إسناده لا بأس به فلعله حسن.
نصر بن علي ثبت، وعبد الله بن داود وابن عامر ثقة عابد، وعمر بن سويد بن غيلان ثقة وعائشة بنت طلحة ثقة.
ورد في الحديث الضماد، والضماد ما يوضع على الشعر مما يلبده من طيب، أو صمغ أو خطم، والحديث دال على أنه لا يجوز إزالة الضماد، وأن المرأة إذا كان على رأسها ضماد فإنها تصب الماء على رأسها فدل على جواز الاغتسال وعلى رأسها ضماد من طيب وخطمي، وأنه لا يجوز نقض الضفائر، بل يكتفى بصب الماء على الرأس وإيصاله إلى أصول الشعر محلات ومحرمات، سواء كانت المرأة محلة أو محرمة.
ومن جنس الضماد أيضاً الحناء.
كما أن الضماد قد يكون من قماش، وقد يكون من غيره، لكن ليس المراد القماش هنا، وإنما المراد الخطم والحناء مثلاً وما أشبه ذلك.
قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن عوف قال: قرأت في أصل إسماعيل بن عياش قال ابن عوف : وأخبرنا محمد بن إسماعيل عن أبيه قال: حدثني ضمضم بن زرعة عن شريح بن عبيد قال: أفتاني جبير بن نفير عن الغسل من الجنابة أن ثوبان رضي الله عنه، حدثهم أنهم استفتوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: (أما الرجل فلينشر رأسه فليغسله حتى يبلغ أصول الشعر، وأما المرأة فلا عليها أن لا تنقضه لتغرف على رأسها ثلاث غرفات بكفيها) .
وهذا الحديث في إسناده محمد بن إسماعيل بن عياش وأبوه إسماعيل بن عياش وفيهما مقال، لكن محمد بن إسماعيل بن عياش في راويته عن الشاميين وهم أهل بلده تكون روايته جيدة، أما روايته عن الحجازيين فهي ضعيفه، فإذا روى عن أهل بلده فالرواية جيدة، ولهذا قال ابن القيم رحمه الله، هذا إسناد شامل، وحديث إسماعيل بن عياش عن الشاميين صحيح، وعلى كل حال فالحديث فيه كلام .
وهناك ملحوظة إسنادية في الحديث ففي قوله: قرأت في أصل إسماعيل بن عياش ، تكون طريقة التحمل وجادة كذا روى ابن عوف ، ثم قال: قال ابن عوف : وأخبرنا محمد بن إسماعيل عن أبيه، كأنه قرأ في أصل إسماعيل وسمعه من محمد بن إسماعيل ، ومحمد بن إسماعيل فيه كلام. وفي الحديث أن الرجل ينشر رأسه فيغسله حتى يبلغ أصول الشعر، ومعناه أنه يصب الماء على رأسه وهو التفريغ، ثم يغسل شعر رأسه حتى يبلغ أصول الشعر، وأما المرأة فأنها لا تنقضه بل تصبه على رأسها ثلاث غرفات بكفيها، وهذا موافق للأحاديث الأخرى.
كما أن قوله عن محمد بن إسماعيل عن أبيه ، قال أبو حاتم لم يسمع من أبيه شيئاً، حملوه على أن يحدث فحدث، وفي إسناده أيضاً ضمضم بن زرعة وهو صدوق يهم وقد ضعفه أبو حاتم .
و شريح بن عبيد ، ثقة وكان يرسل كثيراً وقد وثقه النسائي وغيره.
وبناءً على هذا فيكون الحديث منقطعاً لأنه لم يسمع من أبيه، لكن ما دل عليه من أنه لا يجب نقض الشعر موافق للأحاديث الصحيحة السابقة فالمرأة، لا تنقض شعرها، والرجل كذلك إذا كان له شعر، وإنما يصب الماء عليه.
قوله: فلينشر رأسه، أي: يفرغ ما يحتاج تفريغ، حتى يبلغ الماء أصول الشعر، ولا يجب عليه أن يحلق رأسه.
حدثنا محمد بن جعفر بن زياد : قال: أخبرنا شريك عن قيس بن وهب عن رجل من بني سواءة بن عامر عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه كان يغسل رأسه بالخطمي وهو جنب يجتزىء بذلك ولا يصب عليه الماء ] .
والحديث بهذا السند ضعيف؛ لأن فيه رجلاً مبهماً وهو مجهول، قال: رجل من بني سوادة، روى عنه قيس بن وهب ، والمؤلف ذكره ولم يتكلم عليه لأنه معروف عند أهل الحديث، ومعرفة الحديث الضعيف علم، كما أن معرفة الصحيح علم، وقد يذكر أهل العلم الحديث الضعيف من أجل أن يُبحث عنه فلعل الباحثين يجدوا له متابعة وشواهداً، وهو لو صح فهو محمول على أنه غسل رأسه أولاً بالماء كما ورد في الأحاديث الصحيحة.
وقد يُسأل هل كل ما سكت عنه أبو داود فهو صالح بناءً على قوله ذكرت فيه الحسن وما يقاربه، وما سكت عنه فهو صالح؟ والجواب أن هذا هو الغالب، لكن قد يسكت أحياناً عن الحديث ويكون من غير الغالب فالقاعدة ليست مطردة فقد ذكر هذا الحديث، وهو ضعيف فيه مجهول.
ولعله اكتفى بأنه معروف عند أهل الحديث، وأهل هذا الشأن، يريد قوله عن رجل من بني سواءة معروف، فإذا قرأه من له إلمام بالحديث عرف أنه ضعيف لوجود المبهم.
والخطمي شيء يوضع على الرأس، مثل الأشتان، وهو من جنس الضماد وقد مثل الصمغ وما أشبهه.
حدثنا محمد بن رافع قال: أخبرنا يحيى بن آدم قال: أخبرنا شريك عن قيس بن وهب عن رجل من بني سواءة بن عامر عن عائشة رضي الله عنها فيما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ كفاً من ماءٍ يصب علي الماء، ثم يأخذ كفاً من ماء ثم يصبه عليه ].
وسند هذا الحديث كسند الحديث السابق، فيه رجل مجهول، وهو من بني سواءه الذي أبهمه قيس بن وهب فهو ضعيف في هذا السند، وقوله فيما يفيض بين الرجل والمرأة من الماء يعني: من المني، قال: كان يأخذ كفاً من ماء، فيصبه على الماء، يعني يصبه على المني لتطهيره، والمعروف في الأحاديث الصحيحة أن المني طاهر يحك يابسه ويغسل رطبه من باب النظافة، كما ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أغسل المني في ثوب النبي صلى الله عليه وسلم فيخرج إلى الصلاة وإني أرى أثر بقع الماء على ثوبه، وفي الحديث الآخر، كنت أفركه يابساً بظفري، فالمني طاهر يفرك يابسه ويغسل رطبه من باب النظافة، وإما المذي فهو نجس يغسل، وأما هذا الحديث فهو ضعيف فلا حجة فيه، ولا ما دل عليه من غسلها المني، ومن شواهد ضعفه أن فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي يغسل، وأنه كان يأخذ كفاً من ماء فيصبه عليه، وهو طاهر فهو أصل الإنسان، والمعروف أن عائشة هي التي كانت تنظفه، فتغسل رطبه وتحك يابسه.
اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [16] للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
https://audio.islamweb.net