إسلام ويب

جاء الإسلام بكل ما فيه منفعة المسلم، وحذر من كل ما يضر به، ومن ذلك ما يتعلق بآداب قضاء الحاجة، فنهى عن التخلي في الظل والطريق والموارد، ونهى عن التخلي في الخلاء دون سترة، ونهى كذلك عن استعمال اليمين عند التنزه، أو التنزه بالرجيع والعظم.

المواضع التي نهي عن البول فيها

شرح حديث: (اتقوا اللاعنين..)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب المواضع التي نهي عن البول فيها.

حدثنا قتيبة بن سعيد حدثنا إسماعيل بن جعفر عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (اتقوا اللاعنين! قالوا: وما اللاعنان يا رسول الله؟! قال: الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم) ].

وهذا فيه تحريم التخلي في طريق الناس أو في ظلهم، والتخلي يعني: قضاء الحاجة من البول والغائط.

وقوله: (اتقوا اللاعنين) يعني: اللذين يجلبان اللعن؛ لأن الناس عادة يلعنون من رأوه يفعل ذلك، فإذا رأوا من يتخلى في طريق الناس أو في ظلهم لعنوه.

فالمعنى: اتقوا ما يجلب لكم اللعن، وفي الحديث تحريم التخلي وقضاء الحاجة في طريق الناس أو في ظلهم؛ لما فيه من إفساد المحل على الناس بتنجيسه وإبعاد الناس وحرمانهم من مكان الظل والطريق الذي يمرون به.

واللعن لا يجوز، ولكن هذا إخبار عن الواقع، فقد يقال: إن من آذى الناس يقتصون منه، ولكن المراد أن الناس عادة يلعنون من يفعل ذلك، هذا هو المراد. والله أعلم.

شرح حديث: (اتقوا الملاعن الثلاثة...)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا إسحاق بن سويد الرملي وعمر بن الخطاب أبو حفص وحديثه أتم أن سعيد بن الحكم حدثهم قال: أخبرنا نافع بن يزيد قال: حدثني حيوة بن شريح أن أبا سعيد الحميري حدثه عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اتقوا الملاعن الثلاثة: البراز في الموارد، وقارعة الطريق، والظل) ].

وهذا فيه تحريم قضاء الحاجة في هذه المواضع الثلاثة.

وقوله: (اتقوا الملاعن الثلاثة) أي: التي تجلب اللعن.

وقوله: (البراز في الموارد) يعني: طريق الناس إلى الماء، و(البراز) بفتح الباء يعني: قضاء الحاجة، أما (البراز) بكسر الباء الموحدة فتعني: المبارزة في الحرب.

وقوله: (وقارعة الطريق) يعني: طريق الناس، سميت قارعة الطريق؛ لأنها تقرعها الأقدام، والمعنى: الطريق التي تقرعها الأقدام، وهذا من إضافة الصفة إلى الموصوف، يعني: الطريق التي تقرعها الأقدام.

وقوله: (وفي ظل الناس) الظل الذي يستظل به الناس، مثل ظل الشجرة، وظل الجدار، ومثله المشمس في الشتاء، وهو المكان الذي يجلس فيه الناس في الشمس في الشتاء، لما فيه من إفساده عليهم وتنجيسه.

والملاعن الثلاثة يعني: التي يلعن الناس عادة من فعلها، والمراد: اتقوا ما يجلب اللعن.

وكل هذه الأماكن لا يجوز للإنسان أن يقضي حاجته فيها؛ لما في ذلك من إفسادها على الناس وتنجيسها وإيذاء الناس.

والحديث أخرجه ابن ماجة والحاكم والبيهقي من طريق أبي سعيد الحميري عن معاذ به.

وقال الحاكم : صحيح، ووافقه الذهبي ، وأورده المنذري في الترغيب والترهيب.

و أبو سعيد الحميري لم يدرك معاذاً قال عنه ابن حجر في التقريب: مجهول من الثالثة، وروايته عن معاذ مرسلة.

يقول أبو داود : وهذا الحديث مرسل. أي: منقطع، وهذا استعمال مشهور في كلام المتقدمين ويرد كثيراً في كلام أبي داود .

والمشهور أن المرسل هو ما سقط منه الصحابي.

ولكن المعنى الذي دل عليه الحديث صحيح، ويستدل له بقوله في الحديث السابق (.. الذي يتخلى في طريق الناس وظلهم) فذكر الطريق والظل، والموارد كذلك هي في معناها.

هو الظل الذي ينتفع به الناس، أما الظل الذي لا ينتفع به الناس كأن يكون في البرية فلا يدخله التحريم.

ما جاء في البول في المستحم

شرح حديث: (لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يغتسل فيه)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب في البول في المستحم.

حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل والحسن بن علي قالا: حدثنا عبد الرزاق قال أحمد : حدثنا معمر أخبرني أشعث وقال الحسن : عن أشعث بن عبد الله عن الحسن عن عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يبولن أحدكم في مستحمه ثم يغتسل فيه).

قال أحمد : (ثم يتوضأ فيه؛ فإن عامة الوسواس منه) ].

وهذا في رواية أبي داود عن أحمد بن حنبل ، فإن من شيوخه الإمام أحمد بن حنبل ، وفي الحديث النهي عن البول في المستحم، يعني: مكان الاستحمام، ثم يتوضأ أو يغتسل منه؛ فإن عامة الوسواس منه؛ لأنه قد يصب الماء على البول فيصيبه من رشاشه أو يقع في قلبه شيء، وهذا إذا كانت الأرض لينة يبقى فيها البول، أما إذا كانت الأرض صلبة مبلطة يصب عليها الماء أو كان له طريق ينفذ منه كالبالوعة وما أشبهها، فهذا لا محذور فيه.

لكن الحديث فيه الحسن عن عبد الله بن مغفل لا أدري هل أدرك الحسن عبد الله بن المغفل ؟!

و الحسن بن أبي الحسن البصري -واسم أبيه يسار - الأنصاري مولاهم، ثقة فقيه فاضل مشهور، وكان يرسل كثيراً ويدلس.

قال البزار : كان يروي عن جماعة لم يسمع منهم، فيتجوز ويقول: حدثنا وخطبنا -يعني: قومه الذين حدثوا وخطبوا بالبصرة- هو رأس أهل الطبقة الثالثة، مات سنة مائة وعشرة هجرية.

و عبد الله بن مغفل مات سنة خمس وسبعون هجرية، وعلى هذا تكون ولادة الحسن سنة عشرين هجرية، فيكون عمره عند وفاة عبد الله بن مغفل سبعاً وثلاثين سنة.

لكن الحسن يدلس ويرسل، والأصل في كلامه السلامة إلا إذا وجد ما يستنكر منه، ويشهد له الرواية الأخرى.

شرح حديث: (نهى رسول الله أن يمتشط أحدنا كل يوم أو يبول في مغتسله)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن يونس حدثنا زهير عن داود بن عبد الله عن حميد الحميري -وهو: ابن عبد الرحمن - قال: (لقيت رجلاً صحب النبي صلى الله عليه وسلم كما صحبه أبو هريرة قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يمتشط أحدنا كل يوم أو يبول في مغتسله) ].

وهذا الحديث أخرجه النسائي وأحمد في مسنده.

والنهي عن الامتشاط كل يوم إنما هو لما فيه من الترفة والتنعم، وينبغي أن يكون الامتشاط يوماً بعد يوم، ويكون هذا النهي للتنزيه، والبول في المستحم يحمل النهي عنه على ما إذا كانت الأرض لينة، أما إذا كانت الأرض صلبة يزول عنها البول ويمكن أن يعقبه الماء فلا محذور فيه، كما سبق، ويشهد عليه الحديث السابق.

النهي عن البول في الجحر

شرح حديث النهي عن البول في الجحر

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب النهي عن البول في الجحر.

حدثنا عبيد الله بن عمر بن ميسرة حدثنا معاذ بن هشام قال: حدثني أبي عن قتادة عن عبد الله بن سرجس : (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يبال في الجحر).

قال: قالوا لـقتادة : ما يكره من البول في الجحر؟ قال: كان يقال: إنها مساكن الجن ].

وهذا الحديث في سنده قتادة وهو يدلس، ولكن الأصل السلامة، وفي هذا الحديث النهي عن البول في الجحر؛ وعلل ذلك: بأنها مساكن الجن والهوام والحشرات فقد يخرج عليه شيء من الهوام والحشرات فيؤذيه، وقد تكون مساكن للجن فيتضرر من ذلك، لهذا لا ينبغي للإنسان أن يبول في الجحر، والجحر هو: الشق في الأرض.

وقصة سعد بن عبادة مشهورة في ذلك، فقد جاء أنه بال في جحر فمات، فسمع قائل يقول:

نحن قتلنا سيد الخزرج سعد بن عبادةورميناه بسهمين فلم نخطئ فؤاده

وهذه القصة مشهورة، لكنها تحتاج إلى نظر في إسنادها.

فالمقصود: أنه ينبغي للإنسان ألا يبول في الجحر؛ لما يخشى عليه من الضرر.

ما يقول الرجل إذا خرج من الخلاء

شرح حديث: (كان إذا خرج من الغائط قال غفرانك)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب ما يقول الرجل إذا خرج من الخلاء.

حدثنا عمرو بن محمد الناقد حدثنا هاشم بن القاسم حدثنا إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة عن أبيه حدثتني عائشة رضي الله عنها: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج من الغائط قال: غفرانك) ].

قوله: (غفرانك) أي: رب أسألك غفرانك.

والحكمة في سؤاله المغفرة قيل: لتقصيره في الذكر حال قضاء الحاجة؛ لأنه ممنوع من الذكر في ذلك الوقت، فسأل ربه المغفرة على هذا التقصير.

وقيل: المعنى: أسألك غفرانك من التقصير في شكر النعمة، حيث إن الله أنعم على الإنسان بنعمة الطعام، وأبقى فيه لذته، وأخرج منه الفضلة بسهولة، وكأنه يقول: يا ألله! أنا عاجز عن شكرك، فأسألك غفرانك على التقصير في شكر النعمة التي أنعمت بها علي، وسهلت خروج الخارج.

وهذا الحديث أخرجه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث إسرائيل عن يوسف بن أبي بردة ، وأخرجه أيضاً ابن ماجة والدارمي وأحمد وابن خزيمة والنسائي في (عمل اليوم والليلة) والحاكم وقال: صحيح، ووافقه الذهبي ، وقال النووي في شرح المهذب: وهو حديث حسن صحيح، وغرابته لانفراد إسرائيل به، وإسرائيل ثقة حجة.

وهناك زيادة عند ابن ماجة : (الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني)، وهذه الزيادة ضعيفة، وأما حديث: (غفرانك)، فصحيح.

كراهية مس الذكر باليمين في الاستبراء

شرح حديث: (إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه ...)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب كراهية مس الذكر باليمين في الاستبراء.

حدثنا مسلم بن إبراهيم وموسى بن إسماعيل قالا: حدثنا أبان حدثنا يحيى عن عبد الله بن أبي قتادة عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه، وإذا أتى الخلاء فلا يتمسح بيمينه، وإذا شرب فلا يشرب نفساً واحداً) ].

هذا الحديث ثابت في الصحيحين وغيرهما، وفيه تحريم هذه الأشياء الثلاثة: مس الذكر باليمين حال البول، والتمسح من الخلاء بيمينه، أي: الاستجمار والاستنجاء باليمين؛ لأنه قد تصيبه النجاسة إذا مس ذكره بيمينه، واليمين إنما تكون للتكريم.

قوله: (وإذا شرب فلا يشرب نفساً واحداً) معناه: أن يزيل القدح عن فمه.

والنهي عن الأمرين الأولين في هذا الحديث للتحريم، وهو ثابت في الصحيحين، وقد حمل جمهور العلماء النهي عن الشرب نفساً واحداً على التنزيه، لكن النبي صلى الله عليه وسلم جمع هذه الأمور الثلاثة وحكم عليها حكماً واحداً، والأصل في النهي أنه للتحريم، ولا يصرف عن ذلك إلا بصارف.

قال الشارح: والأفعال الثلاثة إما مجزومة على النهي، أو مرفوعة على النفي.

والمؤلف رحمه الله بوب على ذلك فقال: باب كراهة مس الذكر باليمين في الاستبراء، والمراد بالكراهة كراهة التحريم، فهذا هو الذي يظهر، ولكن المؤلف لم يجزم، فحمله بعضهم على التنزيه، والصواب أن النهي يحمل على التحريم.

إلا إذا ورد صارف يصرفه من التحريم إلى الكراهة مثل أن يثبت أن النبي نهى عن شيء ثم فعله فهنا يكون النهي للتنزيه، وذلك كما نهى عن الشرب قائماً ثم شرب قائماً.

شرح حديث: (أن النبي كان يجعل يمينه لطعامه وشرابه وثيابه...)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن آدم بن سليمان المصيصي أخبرنا ابن أبي زائدة أخبرنا أبو أيوب -يعني: الإفريقي - عن عاصم عن المسيب بن رافع ومعبد عن حارثة بن وهب الخزاعي رضي الله عنه قال: حدثتني حفصة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يجعل يمينه لطعامه وشرابه وثيابه ويجعل شماله لما سوى ذلك) ].

وهذا الأمر ثابت كما في حديث عائشة : (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله، وترجله، وطهوره، وفي شأنه كله)، فاليمين تكون للأمور التي فيها التكريم، كالأخذ والإعطاء والسلام والأكل والشرب، والشمال لما سوى ذلك.

شرح حديث: (كانت يد رسول الله اليمنى لطهوره وطعامه ...)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أبو توبة الربيع بن نافع أخبرنا عيسى بن يونس عن ابن أبي عروبة عن أبي معشر عن إبراهيم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمنى لطهوره وطعامه، وكانت يده اليسرى لخلائه وما كان من أذى) ].

هذا الحديث منقطع؛ لأن إبراهيم لم يدرك عائشة ، لكن يشهد له الحديث السابق، ويشهد له حديث عائشة في الصحيحين: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه التيمن في تنعله، وترجله، وطهوره، وفي شأنه كله)، وهو من رواية مسروق عن عائشة .

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن حاتم بن بزيع حدثنا عبد الوهاب بن عطاء عن سعيد عن أبي معشر عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم بمعناه ].

والحديث الثاني في الباب أخرجه أحمد والحاكم في المستدرك، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه وتعقبه الذهبي بقوله: في سنده مجهول.

وقال المنذري : في إسناده أبو أيوب الإفريقي وعبد الله بن علي وفيه مقال.

والحديث الذي بعده أخرجه أحمد والبيهقي والبغوي في السنة، وأورده ابن حجر في (تلخيص الحبير) ونسبه إلى الطبراني .

قال المنذري : إبراهيم لم يسمع من عائشة فهو منقطع، وأخرجه من حديث الأسود عن عائشة رضي الله عنها بمعناه، وأخرجه في اللباس من حديث مسروق عن عائشة رضي الله عنها، ومن ذلك الوجه أخرجه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة . انتهى كلامه.

قلت: وفي الصحيحين من حديث مسروق عن عائشة : (أن النبي كان يعجبه التيمن في تنعله) يعني: في لبس النعل، (وترجله) يعني: ترجيل الشعر، (وطهوره وفي شأنه كله)، والحديثان السابقان وإن كان في كل منهما مقال إلا أنه يشهد لهما حديث عائشة ، وهو يدل على أنه يشرع للمسلم أن يقدم اليمين في الأمور التي فيها تكريم مثل: دخول المسجد، ولبس الثوب والنعل والأخذ والإعطاء والسلام والأكل، فكل ذلك تقدم فيه اليمين، واليسار للعكس من ذلك: للخروج من المسجد والاستنجاء والامتخاط وما أشبه ذلك.

ما جاء في الاستتار في الخلاء

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب الاستتار في الخلاء:

حدثنا إبراهيم بن موسى الرازي أخبرنا عيسى بن يونس عن ثور عن الحصين الحبراني عن أبي سعيد عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من اكتحل فليوتر، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج، ومن استجمر فليوتر، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج، ومن أكل فما تخلل فليلفظ، وما لاك بلسانه فليبتلع، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج، ومن أتى الغائط فليستتر، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيباً من رمل فليستدبره فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج).

قال أبو داود : رواه أبو عاصم عن ثور ، قال: حصين الحميري ورواه عبد الملك بن الصباح عن ثور فقال: أبو سعيد الخير .

قال أبو داود : أبو سعيد الخير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ].

هذا الحديث فيه هذه الأوامر وهي قوله: (من اكتحل فليوتر، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج) فالاكتحال سنة مستحبة ويستحب أن يوتر بأن يكتحل في كل عين ميلاً أو ثلاثة أميال، وهذا من باب الاستحباب، وكذلك: (من استجمر فليوتر) وهذا من باب الاستحباب، وإلا فلو لم يوتر فلا حرج ، لكن لا بد من ثلاثة أحجار فأكثر إذا كان يريد أن يكتفي بها عن الماء، وكذلك: (من أكل فما تخلل فليلفظ وما لاك بلسانه فليبتلع) هذا من باب الاستحباب أيضاً، (ومن أتى الغائط فليستتر، فإن لم يجد إلا أن يجمع كثيباً من رمل فليستدبره) فالاستتار واجب (فإن الشيطان يلعب بمقاعد بني آدم، من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج) وهذا فيه نظر؛ ولهذا فإن هذا الحديث في سنده أبو سعيد وهو مجهول.

قال أبو داود : [ أبو سعيد الخير من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ] وغرض المؤلف من إيراد هذه الجملة: أن في رواية إبراهيم بن موسى أبا سعيد بغير إضافة لفظ الخير لا يعد في الصحابة، بل هو مجهول، وإنما يعد في الصحابة أبو سعيد الخير ، قال المنذري : وأخرجه ابن ماجة في إسناده أبو سعيد الخير حمصي، فهو الذي رواه عن أبي هريرة ، قال أبو زرعة الرازي : لا أعرفه، قلت: لقي أبا هريرة ؟ قال: على هذا يرضى. انتهى.

وهذا الحديث فيه نكارة وهي قوله: (من فعل أحسن ومن لا فلا حرج) يدل على أنه إذا لم يستتر فلا حرج، وهذا فيه نكارة، ومر في سنن ابن ماجة أنه منكر وفيه الحصين الحبراني ، قال ابن حجر حسين الحميري ثم الحبراني بضم المهملة وسكون الموحدة مجهول، وعلى هذا يكون الحديث ضعيفاً، بسبب جهالة أبي سعيد وهذه اللفظة فيها نكارة، قوله: (من فعل فقد أحسن ومن لا فلا حرج) يدل على أنه إذا لم يستتر فلا حرج عليه، والاستتار في الخلاء واجب، أما هذا الحديث: (فمن فعل فقد أحسن) فهذه اللفظة غير صحيحة، والحديث في سنده هذا المجهول فيكون ضعيفاً؛ لأن النصوص دلت على أن الاستتار واجب، فلا بد أن يستتر.

ذكر ما جاء فيما ينهى عنه أن يستنجى به

شرح حديث رويفع في النهي عن الاستنجاء بالرجيع والعظم

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب ما ينهى عنه أن يستنجى به.

حدثنا يزيد بن خالد بن عبد الله بن موهب الهمداني حدثنا المفضل -يعني: ابن فضالة المصري - عن عياش بن عباس القتباني أن شييم بن بيتان أخبره عن شيبان القتباني أن مسلمة بن مخلد استعمل رويفع بن ثابت على أسفل الأرض، قال شيبان : فسرنا معه من كوم شريك إلى علقماء أو من علقماء إلى كوم شريك يريد علقام فقال رويفع : إن كان أحدنا في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليأخذ نضو أخيه على أن له النصف مما يغنم ولنا النصف، وإن كان أحدنا ليطير له النصل والريش وللآخر القدح، ثم قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رويفع لعل الحياة ستطول بك بعدي، فأخبر الناس أنه من عقد لحيته أو تقلد وتراً أو استنجى برجيع دابة أو عظم فإن محمداً صلى الله عليه وسلم منه بريء) ].

وهذا الحديث رواه الإمام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله في كتاب التوحيد: باب الرقى والتمائم، والشاهد: قوله: (أخبر الناس أنه من عقد لحيته أو تقلد وتراً) وهذا الحديث فيه أن مسلمة بن مخلد استعمل رويفعاً على الأرض، وأن رويفعاً قال له: كان الواحد منا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ نضو أخيه يعني: البعير المهزول على أن له من مثل ما يغنم، وهذه شركة، وله النصف، يعني: أحدهما منه العمل، والثاني منه الدابة، وهذا يشبه المضاربة، يعطيه بعيره ويغنم عليه ويكون النصف بينهما، وإن كان أحدنا ليطير له النصل والريش وللآخر القدح من خشب السهم قبل أن يراش ويركب فيه النصل ثم قال: قال لي رسول الله: (يا رويفع لعل الحياة ستطول بك بعدي)، وهذا فيه علم من أعلام النبوة، فالحياة قد طالت بـرويفع .

وقوله: (فأخبر الناس أن من عقد لحيته) على طريقة الأعاجم يتركونها تتجعد تكبراً أو خيلاء، وكانوا في وقت الجاهلية في الحروب يعقدون لحاهم، وهذا من زي الأعاجم حيث كانوا يرسلونها ويعقدونها، وقيل المعنى: أنهم يعالجون الشعر ليتعقد ويتجعد، ويكون من فعل أهل التخنث والتأنيث، فنهي عنه، وعقد اللحى على وجهين: إما أنهم يعقدون لحاهم ويفتلونها تشبهاً بالأعاجم، أو يعالجون الشعر بحيث يتجعد ويتعقد تشبهاً بأهل التخنث والتأنيث.

فمن فعل ذلك فقد ارتكب كبيرة، (من عقد لحيته أو تقلد وتراً) الوتر هو: ما يقلد الدواب لقصد دفع العين كالتميمة، أما إذا قلده لأجل الزينة والجمال فلا يدخل في هذا.

قال: (أو استنجى برجيع دابة) وهذا هو الشاهد، واستنجى يعني: استجمر (برجيع الدابة) يعني: بعر الدابة البقر أو الغنم (أو عظم، فإن محمداً بريء منه) لأنه أفسده على الجن؛ لأن العظام يعود إليها لحمها الذي أكل منها، والرجيع يعود إليه حبه الذي أكل، والشاهد من الحديث تحريم الاستنجاء بالعظام والروث.

قال: [حدثنا يزيد بن خالد حدثنا مفضل عن عياش أن شييم بن بيتان أخبره بهذا الحديث أيضاً عن أبي سالم الجيشاني عن عبد الله بن عمرو يذكر ذلك وهو معه مرابط بحصن باب أليون.

قال أبو داود : حصن أليون على جبل بالفسطاط، قال أبو داود : وهو شيبان بن أمية يكنى أبا حذيفة .

شرح حديث جابر في النهي عن التمسح بالعظم والبعر

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن محمد بن حنبل ، حدثنا روح بن عبادة حدثنا زكريا بن إسحاق حدثنا أبو الزبير أنه سمع جابر بن عبد الله رضي الله عنهما يقول: (نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نتمسح بعظم أو بعر) ].

وهذا أيضاً فيه النهي عن التمسح يعني: الاستجمار بعظم أو بعر، لما في ذلك من إفسادها على الجن، فالعظم لأنه يعود إليه لحمه الذي أكل فيفسده على الجن إذا استجمر به، والبعر يفسده على دواب الجن؛ لأنه يعود إليه حبه الذي أكل، والحديث أخرجه مسلم في الطهارة، وفيه تحريم الاستجمار بالعظم والبعر؛ لأن النهي يفيد التحريم.

شرح حديث طلب الجن من رسول الله أن ينهر أمته عن أن يستنجوا بعظم أو روثة أو حممة

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حيوة بن شريح الحمصي حدثنا ابن عياش عن يحيى بن أبي عمرو السيباني عن عبد الله بن الديلمي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: (قدم وفد الجن على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا محمد! انهَ أمتك أن يستنجوا بعظم أو روثة أو حُمَمَة، فإن الله عز وجل جعل لنا فيها رزقاً، قال: فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك) ].

و السيباني هذا بالسين المهملة، كأن فيه سقط وتحريف، والحديث في إسناده إسماعيل بن عياش فيه مقال، في روايته عن الحجازيين، وإنما روايته تكون صحيحة إذا كانت عن الشاميين، وأذكر أن فيه سقطاً وتحريفاً، ففي السند عبد الله بن الديلمي عن عبد الله بن مسعود وفيه -لو صح- دليل على النهي عن الاستنجاء بالعظم والروث، فالحديث السابق حديث رويفع كما سبق علم من أعلام النبوة، حيث طال عمر رويفع قال: (إن الحياة ستطول بك) وفيه أن تقليد الحيوان الوتر من العين من الكبائر، وكذا الاستجمار بالعظم والروث لقوله: (فإن محمداً بريء منه) فإذا جاء في فعل أن النبي برئ منه -كحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم برئ من الحالقة والصالقة- فهو دليلٌ على أنه من كبائر الذنوب، فيكون تقليد الحيوان الوتر من العين من الكبائر، وكذا الاستجمار بالعظم والروث من الكبائر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تبرأ ممن فعل ذلك فدل على أنه من الكبائر.

ما جاء في الاستنجاء بالأحجار

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب الاستنجاء بالأحجار.

حدثنا سعيد بن منصور وقتيبة بن سعيد قالا: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن عن أبي حازم عن مسلم بن قرط عن عروة عن عائشة قالت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا ذهب أحدكم إلى الغائط فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بهن فإنها تجزئ عنه) ].

وهذا أخرجه النسائي في الطهارة والدارقطني وفيه: أنه ينبغي للإنسان أن يستجمر بثلاثة أحجار، فإنها تجزئ عن الماء، إذا لم يتجاوز الخارج موضع العادة وكانت الثلاثة منقية فإنها تكفي عن الماء.

قال: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا أبو معاوية عن هشام بن عروة عن عمرو بن خزيمة عن عمارة بن خزيمة عن خزيمة بن ثابت قال: (سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الاستطابة فقال: بثلاثة أحجار ليس فيها رجيع).

قال أبو داود : وكذا رواه أبو أسامة وابن نمير عن هشام ].

قوله: عن هشام يعني: ابن عروة وهذا أخرجه ابن ماجة في الطهارة، وفيه أن الاستطابة تكون بثلاثة أحجار إذا أراد أن يكتفي بها (ليس فيها رجيع) وهو روث الدابة، وكذلك العظم.

ما جاء في الاستبراء من البول

قال المؤلف رحمه الله تعالى:[ باب في الاستبراء.

حدثنا قتيبة بن سعيد وخلف بن هشام المقرئ قالا: أخبرنا عبد الله بن يحيى التوأم ح وأخبرنا عمرو بن عون قال: أخبرنا أبو يعقوب التوأم عن عبد الله بن أبي مليكة عن أمه عن عائشة قالت: (بال رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام عمر خلفه بكوز من ماء فقال: ما هذا يا عمر ؟ فقال: هذا ماء تتوضأ به، قال: ما أمرت كلما بلت أن أتوضأ ولو فعلت لكانت سنة) ].

وهذا أخرجه ابن ماجة ، والحديث في سنده عبد الله بن يحيى التوأم ، ضعيف والكوز: ما له عروة من الأواني، قوله: في الاستبراء، أي: الاستنقاء من البول، والاستبراء: هو أن يمكث حتى يستنقي من البول، أما ما جاء عن بعض الفقهاء أو جاء في بعض الحديث أن ينتر ذكره فهذا ضعيف.

وفي هذا الحديث قوله: (ما أمرت كلما بلت أن أتوضأ ولو فعلت لكانت سنة) ويعارضه حديث بلال : أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع خشخشته أمامه في الجنة، فسأله فقال: كلما توضأت صليت ركعتين، لكن قد يقال: إن هذا فيمن توضأ وصلى ركعتين، لكن لو توضأ كلما قضى حاجته فهو حسن، وإن تيسر له وصلى ركعتين فهو حسن.

ما جاء في الاستنجاء بالماء

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ باب في الاستنجاء بالماء.

حدثنا وهب بن بقية عن خالد -يعني الواسطي - عن خالد -يعني: الحذاء - عن عطاء بن أبي ميمونة عن أنس بن مالك : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل حائطاً ومعه غلام معه ميضأة وهو أصغرنا فوضعها عند السدرة فقضى حاجته فخرج علينا وقد استنجى بالماء) ].

هذا الحديث فيه مشروعية الاستنجاء بالماء، والحديث أخرجه الشيخان ، وفيه أن النبي صلى الله عليه وسلم استنجى بالماء، والاستنجاء بالماء أبلغ من الاستجمار بالحجارة، فإذا استجمر بالحجارة واكتفى بها وكانت ثلاثة فأكثر منقية ولم يتجاوز الخارج موضع العادة كفى، والاستنجاء بالماء أفضل؛ لأنه أكمل في النقاء، والميضأة: المطهرة.

قال: [حدثنا محمد بن العلاء قال: أخبرنا معاوية بن هشام ، عن يونس بن الحارث ، عن إبراهيم بن أبي ميمونة عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (نزلت هذه الآية في أهل قباء: فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا [التوبة:108] قال: كانوا يستنجون بالماء، فنزلت فيهم هذه الآية) ].

وهذ الحديث أخرجه الترمذي في الطهارة وابن ماجة في الطهارة، وهو حديث ضعيف، فيه إبراهيم بن أبي ميمونة مجهول، وعلى هذا فلا يصح أن نزلت فيهم هذه الآية فتكون الآية عامة، فقوله: نزلت في أهل قباء هذا ضعيف، لكن الاستنجاء بالماء لا شك أنه أنقى من الاستجمار بالحجارة.

ما جاء من أن الرجل يدلك يده بالأرض إذا استنجى

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [باب الرجل يدلك يده بالأرض إذا استنجى.

حدثنا إبراهيم بن خالد حدثنا أسود بن عامر حدثنا شريك وهذا لفظه، ح وحدثنا محمد بن عبد الله -يعني: المخرمي - حدثنا وكيع عن شريك عن إبراهيم بن جرير عن المغيرة عن أبي زرعة عن أبي هريرة قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أتى الخلاء أتيته بماء في تور، أو ركوة فاستنجى ثم مسح يده على الأرض، ثم أتيته بإناء آخر فتوضأ)، قال أبو داود : في حديث وكيع : (ثم مسح يده على الأرض، ثم أتيته بإناء آخر فتوضأ) قال أبو داود : وحديث الأسود بن عامر أتم ].

وهذا الحديث فيه شريك صدوق يخطئ كثيراً، وفيه إبراهيم بن جرير قال عنه: صدوق، إلا أنه لم يسمع من أبيه، وقد روى عنه بالعنعنة، وجاءت روايته بصريح التحديث لكن الحديث فيه ضعف في الدلك في الأرض، لكن الدلك ثابت من حديث عائشة في الصحيح: (أن النبي كان إذا استنجى ضرب بيده الحائط مرتين أو ثلاثاً).

قال في الشرح: لم يذكر في جميع الأسانيد المغيرة ، إنما هو عن إبراهيم بن جرير عن أبي زرعة .

فيكون الحديث منقطعاً، وعلى ذلك يكون ضعيفاً.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن أبي داود كتاب الطهارة [3] للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

https://audio.islamweb.net