إسلام ويب

أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم هم نقلة الدين، وحملة الملة، القائمون بها، الذابون عنها، لأجل ذلك بشرهم الله برضوانه، وعمهم بفضله وإحسانه، فكانوا مصابيح الهدى، وأنوار الدجى، وكان على رأسهم الصديق والفاروق والشهيد ومن ضرب أروع الأمثلة في الحب والتضحية والفداء وصاحب أول سهم في الإسلام والحواري والأمين.

ما جاء في فضل الزبير رضي الله عنه

شرح حديث: (... لكل نبي حواري وإن حواريَّ الزبير)

قال المؤلف رحمه الله تعالى:

[ فضل الزبير رضي الله عنه.

حدثنا علي بن محمد حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن محمد بن المنكدر عن جابر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قريظة: (من يأتينا بخبر القوم؟ فقال الزبير : أنا، فقال: من يأتينا بخبر القوم؟ قال الزبير : أنا، ثلاثاً. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لكل نبي حواري وإن حواري الزبير) ].

هذا الحديث رواه الشيخان: البخاري ومسلم رحمهما الله، وفيه: بيان فضل الزبير رضي الله عنه، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة، وهو ابن عمة النبي صلى الله عليه وسلم.

فهذا الحديث فيه بيان فضله رضي الله عنه، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: (لكل نبي حواري وإن حواريَّ الزبير )، والحواري: هو الناصر والمحب، فحواري عيسى ابن مريم عليه السلام أصحابه، فقوله: (لكل نبي حواري) يعني: صاحب وناصر، (وإن حواري الزبير ) وذلك لأن الزبير رضي الله عنه كان شجاعاً مقداماً، قوله: (من يأتيني بخبر القوم؟ فسكت الناس، فقال الزبير : أنا، فقال: من يأتيني بخبر القوم؟ فسكت الناس، فقال الزبير : أنا ثلاث مرات)، هذا يدل على الشجاعة، فهو لا يبالي أن يدخل في العدو ويأتي بخبره، وهذا فيه خطورة وفيه مخاطرة، وليس كل أحد يقدم على هذا، بأن يدخل على اليهود ويأتي بخبرهم.

شرح حديث الزبير: (لقد جمع لي رسول الله أبويه يوم أحد)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا علي بن محمد حدثنا أبو معاوية حدثنا هشام بن عروة عن أبيه عن عبد الله بن الزبير عن الزبير قال: (لقد جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه يوم أحد) ].

هذا الحديث رواه الشيخان، وفيه فضل الزبير ، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم جمع له أبويه فقال: فداك أبي وأمي، من التفدية.

شرح قول عائشة لعروة: (كان أبواك من الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا هشام بن عمار وهدية بن عبد الوهاب قالا: حدثنا سفيان بن عيينة عن هشام بن عروة عن أبيه قال: قالت لي عائشة : يا عروة ! كان أبواك من الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح: أبو بكر والزبير ].

يعني: قالت عائشة لـعروة بن الزبير وهي خالته، قالت له: (كان أبواك من الذين استجابوا لله والرسول) الأب الأول: الزبير ، والأب الثاني: أبو بكر وهو جده من قبل أمه؛ فأمه أسماء بنت أبي بكر ، فأبوها أبو بكر الصديق ، فقالت له: (كان أبواك) يعني: الزبير والصديق ، من الذين استجابوا لله والرسول، يعني: هما داخلان في هذه الآية: الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ [آل عمران:172]، وقد أثنى الله عليهم، قال الله: الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ [آل عمران:172]، وكان هذا بعد غزوة أحد، لما حصلت لهم قراحات، فحثهم النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك على الجهاد، وذلك حين بلغهم أن أبا سفيان قال: لنرجعن إليهم ولنقضين على البقية الباقية، فقال الصحابة: حسبنا الله ونعم الوكيل، فهما من الذين استجابوا لله والرسول، فالصحابة ذهبوا إلى حمراء الأسد ورجعوا.

وهذا الأثر إسناده صحيح، أخرجه الحميدي .

ما جاء في فضل طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه

شرح حديث جابر: (أن طلحة مرّ على النبي فقال شهيد يمشي على وجه الأرض)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فضل طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه.

حدثنا علي بن محمد وعمرو بن عبد الله الأودي قالا: حدثنا وكيع حدثنا الصلت الأزدي حدثنا أبو نضرة عن جابر : (أن طلحة مر على النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: شهيد يمشي على وجه الأرض) ].

والصلت ضعيف متروك ولا يعول عليه؛ لأنه ناصبي، فيكون الحديث ضعيفاً، لكن لا شك أن طلحة قتل شهيداً، وهو من العشرة المبشرين بالجنة رضي الله عنه وأرضاه.

شرح حديث: (طلحة ممن قضى نحبه)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن الأزهر حدثنا عمرو بن عثمان حدثنا زهير بن معاوية حدثني إسحاق بن يحيى بن طلحة عن موسى بن طلحة عن معاوية بن أبي سفيان قال: (نظر النبي صلى الله عليه وسلم إلى طلحة فقال: هذا ممن قضى نحبه) ].

هذا الحديث إسناده ضعيف؛ لأن فيه إسحاق بن يحيى بن طلحة وهو مجمع على ضعفه، وقال الترمذي : هذا حديث غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه.

هذا داخل في قوله: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ [الأحزاب:23]، يعني: منهم من جاهد وقاتل وقتل، ومنهم من ينتظر الجهاد القادم، وطلحة هو من الذين قضوا نحبهم، فقد قتل شهيداً رضي الله عنه مظلوماً في وقعة الجمل.

قال: [ حدثنا أحمد بن سنان حدثنا يزيد بن هارون أنبأنا إسحاق عن موسى بن طلحة قال: (كنا عند معاوية فقال: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: طلحة ممن قضى نحبه) ].

وهذا هو نفس الحديث السابق وإسناده ضعيف.

ولا شك أنه رضي الله عنه أبلى بلاء حسناً وجاهد، فقد حضر مع النبي صلى الله عليه وسلم ووقاه يوم أحد بيده رضي الله عنه فَشُلّتْ.

شرح حديث إسماعيل بن قيس: (رأيت يد طلحة شلاء وقى بها رسول الله يوم أحد)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا علي بن محمد حدثنا وكيع عن إسماعيل عن قيس قال: (رأيت يد طلحة شلاء وقى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد) ].

هذا الحديث رواه الشيخان.

فيه: فضل طلحة رضي الله عنه؛ لأنه يوم أحد وقى النبي صلى الله عليه وسلم بيده؛ حتى شلت ويبست، جعلها أمام النبي صلى الله عليه وسلم حتى يبست وشلت.

قوله: (رأيت يد طلحة بن عبيد الله التي وقى بها النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد قد شلت) يعني: يبست من وقع النبال رضي الله عنه وأرضاه وهو صامد، بل وقى النبي صلى الله عليه وسلم بنفسه، فقد وقف أمامه لا يتحرك؛ فداء للنبي صلى الله عليه وسلم، ولأنه لو تحرك لجرح الرسول صلى الله عليه وسلم ولربما قتل، فهو جعل يده وقاية من النبال حتى يبست.

ما جاء في فضل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

شرح حديثي علي وسعد في جمع رسول الله أبويه لسعد يوم أحد

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فضل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه.

حدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة عن سعد بن إبراهيم عن عبد الله بن شداد عن علي بن أبي طالب قال: (ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع أبويه لأحد غير سعد بن مالك ، فإنه قال له يوم أحد: ارم سعد فداك أبي وأمي) ].

قوله: (ارم سعد فداك أبي وأمي) هذا يدل على فضله رضي الله عنه، وهذا قاله علي رضي الله عنه حسب علمه، وإلا فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للزبير : (فداك أبي وأمي).

إذاً: هذا من فضائل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم فداه يوم أحد قال: (ارم سعد فداك أبي وأمي).

والحديث رواه الشيخان.

قال: [ حدثنا محمد بن رمح أنبأنا الليث بن سعد ، ح وحدثنا هشام بن عمار حدثنا حاتم بن إسماعيل وإسماعيل بن عياش عن يحيى بن سعيد عن سعيد بن المسيب قال: سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: (لقد جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أبويه فقال: ارم سعد فداك أبي وأمي) ].

هذا من فضائله رضي الله عنه، ورواه الشيخان.

إذاً: إسناده صحيح، وإن كان إسماعيل بن عياش مخلطاً إذا روى عن غير أهل بلده، فقد روى هنا عن غير أهل بلده، لكن تابعه على هذه الرواية الجم الغفير من الثقات.

و إسماعيل بن عياش روايته قوية عن أهل بلده، وإذا روى عن الحجازيين فروايته ضعيفة، لكن هذا مما وافق الثقات.

شرح أثر سعد: (إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا علي بن محمد حدثنا عبد الله بن إدريس وخالي يعلى ووكيع عن إسماعيل عن قيس قال: سمعت سعد بن أبي وقاص يقول: (إني لأول العرب رمى بسهم في سبيل الله) ].

يعني: كان ذلك في أول سرية سيرها النبي صلى الله عليه وسلم لقتال أبي سفيان فرمى فيها، وإن كانوا رجعوا ولم يحصل التحام، لكن تعتبر هذه أول رمية في سبيل الله.

هذا الأثر رواه الشيخان.

شرح أثر سعد: (ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت فيه...)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسروق بن المرزبان حدثنا يحيى بن أبي زائدة عن هاشم بن هاشم قال: سمعت سعيد بن المسيب يقول: قال سعد بن أبي وقاص : (ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت فيه، ولقد مكثت سبعة أيام، وإني لثلث الإسلام) ].

هذا قاله رضي الله عنه على حسب علمه، يعني: أنه لم يسلم قبله إلا اثنان وهو الثالث، الأول: أبو بكر ، والثاني: خديجة ، وهو الثالث، هذا على حسب علمه، وقد يقال: إن بلالاً أسلم قبله، كذلك أسلم من الصبيان علي ، لكن هذا على حسب ما ظهر له أنه أسلم، وإنه لثلث الإسلام.

هذا الأثر أخرجه البخاري .

قال ابن حجر في شرح البخاري : هكذا رواية ابن مندة في المعرفة، وهذا لا ينافي أن يشاركه أحد في الإسلام قبل أن يسلم، لكن رواية البخاري في صحيحه: (ما أسلم أحد في اليوم الذي أسلمت فيه) يريد ما سبق أحد في الإسلام كما وقع عند الإسماعيلي بلفظ: (ما أسلم أحد قبلي) وهذا لا يخلو عن الإشكال، فقد أسلم قبله جماعة، قيل: كـأبي بكر وعلي وزيد .. وغيرهم، فيحمل على أنه قال ذلك بحسب علمه.

ما جاء في فضائل العشرة رضي الله عنهم

شرح حديث: (اثبت حراء، فما عليك إلا نبي وصديق وشهيد ...)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن بشار حدثنا ابن أبي عدي عن شعبة عن حصين عن هلال بن يساف عن عبد الله بن ظالم عن سعيد بن زيد قال: (أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أني سمعته يقول: اثبت حراء، فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد، وعدهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر ، وعمر ، وعثمان ، وعلي ، وطلحة ، والزبير ، وسعد ، وابن عوف ، وسعيد بن زيد) ].

يعني: أن جبل حراء كان يتحرك، فقال: (اثبت حراء فما عليك إلا نبي أو صديق)، وفي اللفظ الآخر: (اثبت حراء فما عليك إلا نبي وصديق وشهيد) كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان، فكان النبي صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر هو الصديق، والشهيد عمر ، وعثمان وعلي ، ولكن هذا الحديث ضعيف، لأن فيه عبد الله بن ظالم وهو ضعيف.

لكن المعنى صحيح.

فإن قيل: هل يشهد للصحابة بالجنة؟

نقول: من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة يشهد له بعينه، وأما الباقون فلا يشهد لأحد بالجنة إلا على العموم؛ لأن كل المؤمنين في الجنة الصحابة وغيرهم، والصحابة هم في الدرجة الأولى، لكن لا نقول: فلان بن فلان في الجنة، فلا يشهد لأحد بالجنة إلا من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم، فهؤلاء العشرة المبشرون بالجنة نشهد لهم بالجنة كل العشرة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والزبير وسعد وسعيد وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وأبو عبيدة بن الجراح وطلحة ، كل هؤلاء نشهد لهم بالجنة.

وجاء في حديث آخر بلفظ آخر: (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على حراء وعليه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر فقال: اثبت فما عليك إلا نبي أو صديق أو شهيد)، وفي رواية أخرى ومعهم عثمان فقال: (ما عليك إلا نبي وصديق وشهيدان).

وقوله: (اثبت أحد)، هذا هو المعروف.

شرح حديث: (كان رسول الله عاشر عشرة فقال أبو بكر في الجنة ...)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فضائل العشرة رضي الله عنهم.

حدثنا هشام بن عمار حدثنا عيسى بن يونس حدثنا صدقة بن المثنى أبو المثنى النخعي عن جده رياح بن الحارث ، سمع سعيداً بن زيد بن عمرو بن نفيل

يقول: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عاشر عشرة، فقال: أبو بكر في الجنة، وعمر في الجنة، وعثمان في الجنة، وعلي في الجنة، وطلحة في الجنة، والزبير في الجنة، وسعد في الجنة، وعبد الرحمن في الجنة، فقيل له: من التاسع؟ قال: أنا) ].

يعني: سعيد بن زيد هو التاسع، والعاشر: أبو عبيدة بن الجراح ، فهؤلاء هم العشرة المبشرون بالجنة رضي الله عنهم وأرضاهم.

والعشرة المبشرون بالجنة: هم الخلفاء الراشدون الأربعة: أبو بكر وعمر وعثمان وعلي، كذلك سعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وطلحة بن عبيد الله وأبو عبيدة بن الجراح وعبد الرحمن بن عوف والزبير فهؤلاء العشرة المبشرون بالجنة، رضي الله عنهم وأرضاهم.

ما جاء في فضل أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فضل أبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنه ].

أبو عبيدة هو آخر العشرة المبشرين بالجنة.

شرح حديث قول رسول الله لأهل نجران: (سأبعث معكم رجلاً أميناً حق أمين)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا علي بن محمد حدثنا وكيع عن سفيان ، ح وحدثنا محمد بن بشار حدثنا محمد بن جعفر قال: حدثنا شعبة جميعاً عن أبي إسحاق عن صلة بن زفر عن حذيفة : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لأهل نجران: سأبعث معكم رجلاً أميناً حق أمين، قال: فتشرف لها الناس، فبعث أبا عبيدة بن الجراح) ].

هذا الحديث رواه الشيخان البخاري ومسلم .

وهذا من فضائله رضي الله عنه، لما جاء وفد نجران وكانوا نصارى، ولما لم يسلموا طلب النبي صلى الله عليه وسلم مباهلتهم فرفضوا وامتنعوا وخافوا فدفعوا الجزية، فصالحهم النبي صلى الله عليه وسلم على الجزية وقالوا: (ابعث معنا رجلاً أميناً. فقال النبي: لأبعثن معكم أميناً حق أمين) هذا تأكيد، وهذه صفة مضافة إلى موصوفها، والتقدير: أميناً حقاً، قال: (فتشرف الناس لها) أي: كل واحد يود أن يرسله النبي صلى الله عليه وسلم معهم، لا حباً في الإمارة لكن حباً في هذا الوصف، كل واحد يريد أن يوصف بأنه أمين حق أمين، فتشرف كل واحد منهم، كل يقول في نفسه: لعل النبي صلى الله عليه وسلم يختارني؛ حتى أفوز بهذا الوصف (أميناً حقاً) (فبعث النبي صلى الله عليه وسلم أبا عبيدة بن الجراح ) وفي الحديث الآخر: (لكل أمة أمين، وأميننا أيتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح) هذا من فضائله رضي الله عنه.

شرح حديث قول رسول الله لأبي عبيدة: (هذا أمين هذه الأمة)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا علي بن محمد حدثنا يحيى بن آدم حدثنا إسرائيل عن أبي إسحاق عن صلة بن زفر عن عبد الله : (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لـأبي عبيدة بن الجراح : هذا أمين هذه الأمة) ].

إسناده صحيح أخرجه أحمد والنسائي في فضائل الأعمال.

وفيه: أن أمين هذه الأمة: هو أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه وأرضاه.

ما جاء في فضل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه

شرح حديث: (لو كنت مستخلفاً أحداً عن غير مشورة لاستخلفت ابن أم عبد)

قال المؤلف رحمه الله تعالى:

[ فضل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه.

حدثنا علي بن محمد حدثنا وكيع حدثنا سفيان عن أبي إسحاق عن الحارث عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو كنت مستخلفاً أحداً عن غير مشورة لاستخلفت ابن أم عبد) ].

هذا الباب معقود لفضائل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وهذه المقدمة لـابن ماجه رحمه الله مقدمة عظيمة مهمة تتعلق بالعقيدة، وفضائل الصحابة، وقد سبقت التراجم في فضل الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم، وبقية العشرة المبشرين بالجنة.

و ابن أم عبد هو عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، وهذا الحديث ضعيف؛ لأنه من رواية الحارث الأعور ، وهو ضعيف شيعي مدلس.

وقوله: (لو كنت مستخلفاً أحداً من غير مشورة لاستخلفت ابن أم عبد ) يعني: ابن مسعود ، معناه يعارضه الحديث الآخر الذي قال: (الأئمة من قريش).

وفي الصحيح: (أنه لا يزال هذا الأمر -يعني: الخلافة- في قريش ما بقي منهم اثنان) وابن أم عبد ليس من قريش وإنما هو من هذيل، ولو صح لكان محمولاً على أن هذا الاستخلاف في أمر خاص، في إمارة سرية أو ما أشبه ذلك، وليس المراد به الإمامة الكبرى؛ لأن الإمامة الكبرى إنما هي في قريش، إذا كان الاختيار للمسلمين وما أقاموا الدين وما بقي فيهم اثنان، كما في صحيح مسلم : (لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي منهم اثنان)، وفي رواية أخرى: (ما أقاموا الدين)، وفي الحديث الآخر في غير الصحيحين: (الأئمة من قريش)، هذا إذا كان اختياراً وانتخاباً من المسلمين، ولهذا كان الخلفاء الأربعة كلهم من قريش، أما إذا غلبهم شخص بقوته وسلطانه فتتم له البيعة ولو لم يكن من قريش.

والخلافة من بعد الخلفاء الراشدين إلى يومنا هذا ليست باختيار وانتخاب، فالخلافة كما سبق والولاية تثبت لولي الأمر بواحدة من ثلاثة أمور:

الأمر الأول: الانتخاب والاختيار، كما ثبتت للصديق .

الأمر الثاني: العهد من الخليفة السابق لمن بعده، كما عهد أبو بكر رضي الله عنه بالخلافة لـعمر .

الأمر الثالث: القوة والغلبة، ولهذا جاء في حديث أبي ذر قال: (أمرني خليلي صلى الله عليه وسلم أن أسمع وأطيع لولي الأمر، وإن كان عبداً حبشياً مجدع الأطراف)، وفي لفظ: (ولو لعبد حبشي كأن رأسه زبيبة).

ومعلوم أنه لو كان الاختيار للمسلم فإنه لن يختار الحبشي الذي بهذا الوصف.

والمقصود: أن هذا الحديث فيه ضعف، ولو صح لكان محمولاً على أن الاستخلاف في شيء خاص: في إمارة سرية، أو إمارة في جهة من الجهات.

[ ولكن أخرجه النسائي في الكبرى، قال: أخبرنا عمرو بن يحيى بن الحارث قال: حدثنا المعافى قال: حدثنا القاسم -وهو ابن معن - عن منصور بن المعتمر عن أبي إسحاق عن عاصم بن ضمرة عن علي به، وهذا إسناد حسن، رجاله ثقات سوى عاصم بن ضمرة السلولي الكوفي فإنه صدوق وثقه علي بن المديني والعجلي ويحيى بن معين وابن كعب والترمذي ].

وهذا لو صح يحمل على أنه ليس في الإمامة الكبرى.

شرح حديث: (من أحب أن يقرأ القرآن غضاً...)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الحسن بن علي الخلال قال: حدثنا يحيى بن آدم قال: حدثنا أبو بكر بن عياش عن عاصم عن زر عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن أبا بكر وعمر بشراه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أحب أن يقرأ القرآن غضاً كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد) ].

وهو عبد الله بن مسعود ، وهذا الحديث لا بأس به.

وفيه دليل: على فضل ابن مسعود رضي الله عنه، وهو ممن حفظ القرآن وضبطه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: (من أحب أن يقرأ القرآن غضاً طرياً كما أنزل فليقرأه على قراءة ابن أم عبد).

ولا ينفي هذا أن يكون ابن مسعود له بعض الحروف التي تخالف المصحف العثماني.

شرح حديث ابن مسعود في قول رسول الله له: (إذنك علي أن ترفع الحجاب...)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ حدثنا علي بن محمد حدثنا عبد الله بن إدريس عن الحسن بن عبيد الله عن إبراهيم بن سويد عن عبد الرحمن بن يزيد عن عبد الله قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم (إذنك علي أن ترفع الحجاب، وأن تسمع سوادي حتى أنهاك) ].

أذنك: يعني: استئذانك، قال المحقق: إسناده صحيح.

وهذا فيه أيضاً: فضيلة من فضائل ابن مسعود ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأذن له كثيراً؛ وذلك لأنه كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إذنك علي أن ترفع الحجاب، وأن تسمع سوادي) يعني: تسمع قراءتي، قال: (حتى أنهاك)، فإذا رفع الحجاب وسمع قراءة النبي صلى الله عليه وسلم فهذا إذنه على ما بينه وبين النبي صلى الله عليه وسلم فيدخل؛ لأنه كان يدخل كثيراً، ولأنه كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم، ويحمل نعليه ومطهرته، ولهذا قال: (إذنك علي) يعني: الإذن بيني وبينك: (أن ترفع الحجاب) كالستارة وما أشبهها، (وأن تسمع سوادي) يعني: تسمع قراءتي.

قال الشارح رحمه الله: السواد: السرار، يقال: ساودت الرجل مساودة إذا ساررته.

وهذا من فضائل ابن مسعود رضي الله عنه، حيث إن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأذن له كثيراً، وجعل له علامة أن يرفع الحجاب ويسمع القراءة حتى ينهاه، فإذا نهاه أو أشار إليه بألا يدخل بأن كان هناك حالة تقتضي عدم دخوله فلا يدخل، وإلا فيكون هذا إذن له.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن ابن ماجه المقدمة [8] للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

https://audio.islamweb.net