إسلام ويب

الله عز وجل يفعل ما يشاء، فلا يسأل عما يفعل، والخلق يسألون عن أفعالهم، ولذلك أعلم سبحانه الملائكة أنه يعلم ما يبدون وما يكتمون، وأراهم فضل آدم عليهم بتعليمه الأسماء كلها، فعلموا أن الله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد، وأن كل أفعاله خير وحكمة.

تفسير قوله تعالى: (وعلم آدم الأسماء كلها...)

قال الله تعالى: وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ * قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ [البقرة:31-33].

قال المصنف رحمه الله: [ هذا مقام ذكر الله تعالى فيه شرف آدم على الملائكة، بما اختصه به من علم أسماء كل شيء دونهم، وهذا كان بعد سجودهم له، وإنما قدم هذا الفصل على ذاك، لمناسبة ما بين هذا المقام وعدم علمهم بحكمة خلق الخليفة، حين سألوا عن ذلك فأخبرهم تعالى بأنه يعلم ما لا يعلمون؛ ولهذا ذكر الله هذا المقام عقيب هذا ليبين لهم شرف آدم بما فضل به عليهم في العلم، فقال تعالى: وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا [البقرة:31].

هذه الآية الكريمة فيها دليل على فضل وشرف العلم، وأن العلم عظيم، ولهذا شرف آدم عليه الصلاة والسلام على الملائكة لما علمه أسماء كل شيء.

وهذه الآية الكريمة وهي قوله تعالى: وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا [البقرة:31] فيها دليل على فضل شرف العلم، وأن العلم له شرف عظيم، ولهذا شرف آدم عليه الصلاة والسلام على الملائكة لما علمه الله أسماء كل شيء، فالعلم فضله عظيم، وشرفه جسيم, فآدم عليه الصلاة والسلام فضله الله وشرفه على الملائكة, وهم ملائكة يسبحون بحمده ويقدسونه، كما قال تعالى: لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم:6] فلما اختصه الله تعالى بالعلم الذي لم يؤته الملائكة, شرف عليهم وفضل، حتى إن الحيوانات المعلمة تفضل على غيرها, فالكلب المعلم له مزية على غيره, فيجوز اقتناء الكلب المعلم, والكلب غير المعلم لا يجوز اقتناؤه للصيد، فالمعلم يصطاد به، فشرف على سائر الكلاب بالعلم، فكيف بالآدمي! وهذا مما يدعو المسلم إلى أن يحرص على طلب العلم، والعلماء ورثه الأنبياء.

والمراد بالعلم الذي وردت النصوص بفضله وشرفه هو علم الشريعة، وعلم الحلال والحرام, وفقه النصوص, وفقه الأسماء والصفات.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ قال السدي عمن حدثه عن ابن عباس : وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا [البقرة:31] قال: علمه أسماء ولده إنساناً إنساناً والدواب, فقيل: هذا الحمار, هذا الجمل , هذا الفرس.

وقال الضحاك عن ابن عباس : وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا قال: هي هذه الأسماء التي يتعارف بها الناس، إنسان ودابة, وسماء وأرض, وسهل وبحر, وخيل وحمار, وأشباه ذلك من الأمم وغيرها.

وروى ابن أبي حاتم وابن جرير من حديث عاصم بن كليب عن سعيد بن معبد عن ابن عباس : وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا قال: علمه اسم الصحفة والقدر، قال: نعم, حتى الفسوة والفسية ].

قوله: (حتى الفسوة والفسيّة)؛ لأنه مكبر ومصغر.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وقال مجاهد : وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا قال: علمه اسم كل دابة وكل طير وكل شيء.

وكذلك روي عن سعيد بن جبير وقتادة وغيرهم من السلف: أنه علمه أسماء كل شيء. وقال الربيع في رواية عنه: أسماء الملائكة, وقال حميد الشامي : أسماء النجوم, وقال عبد الرحمن بن زيد : علمه أسماء ذريته كلهم, واختار ابن جرير : أنه علمه أسماء الملائكة وأسماء الذرية؛ لأنه قال: (ثم عرضهم), وهذا عبارة عما يعقل, وهذا الذي رجح به ليس بلازم ].

والصواب أن المراد العموم، فالله علمه أسماء كل شيء, من الملائكة، والآدميين، والذوات، والصفات والأفعال، قال الله تعالى: وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا [البقرة:31] وكل من صيغ العموم, فتشمل أسماء الذوات والصفات والأفعال، أما تخصيصها بأسماء الملائكة أو بأسماء الذرية، فهذا تخصيص بغير مخصص.

قال المؤلف رحمه الله: [ وهذا الذي رجح به ليس بلازم؛ فأنه لا ينفي أن يدخل معهم غيرهم، ويعبر عن الجميع بصيغة من يعقل للتغليب, كما قال تعالى: وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [النور:45].

وقد قرأ عبد الله بن مسعود : (ثم عرضهن)، وقرأ أبي بن كعب : (ثم عرضها) أي: المسميات, والصحيح: أنه علمه أسماء الأشياء كلها، ذواتها وصفاتها وأفعالها.

كما قال ابن عباس : حتى الفسوة والفسية، يعني: أسماء الذوات والأفعال المكبر والمصغر، ولهذا قال البخاري في تفسير هذا الآية في كتاب تفسيره من صحيحه: حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا هشام عن قتادة عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال. وقال لي فريسة : حدثني يزيد بن زريع حدثنا سعيد عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يجتمع المؤمنون يوم القيامة فيقولون: لو استشفعنا إلى ربنا، فيأتون آدم فيقولون: أنت أبو الناس, خلقك الله بيده وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء، فاشفع لنا عند ربك حتى يريحنا من مكاننا هذا, فيقول: لست هناكم، ويذكر ذنبه فيستحي، ائتوا نوحاً؛ فأنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض, فيأتونه فيقول: لست هناكم، ويذكر سؤاله ربه ما ليس به علم فيستحي، فيقول: ائتوا خليل الرحمن, فيأتونه فيقول: لست هناكم، فيقول: ائتوا موسى عبداً كلمه الله وأعطاه التوراة، فيقول: لست هناكم، ويذكر قتل النفس بغير نفس فيستحي من ربه، فيقول: ائتوا عيسى عبد الله ورسوله, وكلمة الله وروحه, فيأتونه فيقول: لست هناكم، ائتوا محمداً عبداً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر) ].

الشيخ: إذا كان هؤلاء الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يستحون من ربهم حينما فعلوا أشياء قد تكون خلاف الأولى, مثل إبراهيم عليه الصلاة والسلام يعتذر فيستحي من ربه أنه كذب في ثلاث كذبات يجادل بهن عن دين الله, وموسى عليه السلام قتل نفساً قبل النبوة, وعيسى ما ذكر ذنباً, ونوح لما سأل ربه ما ليس له بعلم، وهو نجاة ابنه، فإذا كان هؤلاء الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام يستحون من الله, ونحن الآن الكثير منا يبارز الله بالعظائم، ولا يستحي من الناس ولا من الله, ولا حول ولا قوة إلا بالله, فالواجب تقوى الله عز وجل، والاقتداء بهؤلاء الرسل عليهم الصلاة والسلام في الاستحياء من الله, وقد ثبت في الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت) أي: أن الذي لا يستحي من الله ولا يستحي من الناس يفعل ما يشاء, وثبت أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للصحابة يوماً: (استحوا من الله الحق حق الحياء, قالوا: يا رسول الله! إنا لنستحي من الله, قال عليه الصلاة والسلام: إن من استحى من الله فإنه يحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما حوى، ويترك زينة الدنيا، ويذكر الموت والبلى) أو كما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد جاء في بعض ألفاظ الحديث أن عيسى عليه السلام قال: الناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله. ولكن هذا ليس بذنب؛ لأنه لم يرض بذلك، ومع ذلك فإنه اعتذر عليه الصلاة والسلام.

قال المؤلف رحمه الله: [ (فيقول لست هناكم ائتوا محمداً عبداً غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فيأتوني فأنطلق حتى أستأذن على ربي فيؤذن لي فإذا رأيت ربي وقعت ساجداً فيدعني ما شاء الله ثم يقال: ارفع رأسك وسل تعطه وقل يسمع واشفع تشفع) ].

الشيخ: هذا الإذن هو معنى قوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255]، فمحمد عليه الصلاة والسلام خليل الرحمن وأفضل الخلق على الإطلاق، لا يشفع حتى يؤذن له فيسجد ويفتح الله عليه بمحامد يلهمه في ذلك الموقف، ويظل ساجداً حتى يأتيه الإذن من الله فيقول الله له سبحانه وتعالى: (يا محمد أرفع رأسك وسل تعط واشفع تشفع) وهذا يشبه قوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ [البقرة:255].

ثم الذين يشفع فيهم لا بد أن يأذن الله فيهم، فيحد الله له حداً بالوصف فيخرجهم من النار، فالشفاعة لا بد فيها من شرطين، حتى أفضل الخلق رسول الله لا يشفع إلا إذا تحقق هذان الشرطان: إذن الله للشافع أن يشفع, ورضاه عن المشفوع له.

أما الشفاعة العظمى فهي عامة لأهل الموقف جميعاً، وتكون لفصل القضاء, ولجميع أهل الموقف، مؤمنهم وكافرهم حتى يفصل بينهم، وهي المقام المحمود.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ (فأرفع رأسي فأحمده بتحميد يعلمنيه، ثم أشفع فيحد لي حداً فأدخلهم الجنة، ثم أعود إليه، فإذا رأيت ربي مثله، ثم أشفع فيحد لي حداً فأدخلهم الجنة) ].

قوله: (فإذا رأيت ربي مثله) يعني: وقعت له ساجداً حتى يقال: (يا محمد، ارفع راسك وسل تعط) ففي كل مرة من المرات يسجد حتى يأتيه الإذن عليه الصلاة والسلام.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ (فإذا رأيت ربي مثله، ثم أشفع فيحد لي حداً فأدخلهم الجنة، ثم أعود الثالثة، ثم أعود الرابعة فأقول: ما بقي في النار إلا من حبسه القرآن ووجب عليه الخلود) ].

الشيخ: وهم الكفار، فالكفار هم الذين حبسهم القرآن وأوجب عليهم الخلود في النار، أما العصاة فإنهم لهم نهاية ولو طال مكثهم، إذ لا بد أن يخرجوا من النار بالتوحيد والإيمان والإسلام؛ لأنهم ماتوا على التوحيد والإيمان والإسلام, ولو طال مكث بعض الموحدين العصاة؛ لكثرة جرائمهم وشدتها، حتى إن الله قال في القاتل: يخلد خالداً فيها, يعني: ماكثاً فيها مكثاً طويل, والقاتل -إلا من استحل القتل- ليس بكافر، وليس كالمشرك وإن دخل النار وخلد فيها، إلا أنه لا بد أن يخرج في النهاية ولو طال مكثه.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ هكذا ساق البخاري هذا الحديث ههنا، وقد رواه مسلم والنسائي من حديث هشام وهو ابن أبي عبد الله الدستوائي عن قتادة به، وأخرجه مسلم والنسائي وابن ماجة من حديث سعيد وهو ابن أبي عروبة عن قتادة ووجه إيراده ههنا والمقصود منه قوله عليه الصلاة والسلام: (فيأتون آدم فيقولون: أنت أبو الناس خلقك الله بيده، وأسجد لك ملائكته، وعلمك أسماء كل شيء) فدل هذا على أنه علمه أسماء جميع المخلوقات ].

(كل) من صيغ العموم، وقوله: (شيء) أي: جميع الموجودات من الذوات والصفات والأفعال, وهذا من شرفه عليه الصلاة والسلام, ومن المسوغات والأمور التي جعلته وجيهاً عند الله حتى يطلب منه الشفاعة, ومع ذلك اعتذر عليه الصلاة والسلام, من أجل أكله من الشجرة التي نهاه الله عنها, فإذا كان آدم عليه السلام اعتذر من معصية واحدة، فكيف بمن يعمل ذنوباً كثيرة؟!

فالواجب على المسلم التوبة ومحاسبة النفس فلا يصر على معصية، ومن تاب تاب الله عليه.

ذكر معنى قوله تعالى: (ثم عرضهم على الملائكة)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ فدل هذا على أنه علمه أسماء جميع المخلوقات؛ ولهذا قال: ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ [البقرة:31] يعني: المسميات، كما قال عبد الرزاق عن معمر عن قتادة قال: ثم عرض تلك الأسماء على الملائكة: أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:31].

وقال السدي في تفسيره: عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة: وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا [البقرة:31] ثم عرض الخلق على الملائكة.

وقال ابن جريج عن مجاهد : ثم عرض أصحاب الأسماء على الملائكة، وقال ابن جرير : حدثنا القاسم حدثنا الحسين حدثني الحجاج عن جرير بن حازم ومبارك بن فضالة عن الحسن وأبي بكر عن الحسن وقتادة قالا: علمه اسم كل شيء، وجعل يسمي كل شيء باسمه، وعرضت عليه أمة أمة، وبهذا الإسناد عن الحسن وقتادة في قوله تعالى: إ?نْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:31] إني لم أخلق خلقاً إلا كنتم أعلم منه فأخبروني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين.

وقال الضحاك عن ابن عباس : إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [البقرة:31] إن كنتم تعلمون أني لم أجعل في الأرض خليفة.

وقال السدي : عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة: إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ أن بني آدم يفسدون في الأرض ويسفكون الدماء.

وقال ابن جرير : وأولى الأقوال في ذلك تأويل ابن عباس ومن قال بقوله، ومعنى ذلك: فقال أنبئوني بأسماء من عرضته عليكم أيها الملائكة القائلون: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ [البقرة:30] من غيرنا أم منا فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ في قيلكم: إني إن جعلت خليفتي في الأرض من غيركم عصاني وذريته، وأفسدوا وسفكوا الدماء، وإن جعلتكم فيها أطعتموني واتبعتم أمري ].

في نسخة: (عصاني ذريته) بدون واو.

فالمؤلف نقله عن ابن جرير فيحتمل أن الواو سقطت من ابن جرير ، لكن لها وجه.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ وإن جعلتكم فيها أطعتموني واتبعتم أمري بالتعظيم لي والتقديس، فإذا كنتم لا تعلمون أسماء هؤلاء الذين عرضت عليكم وأنتم تشاهدونهم فأنتم بما هو غير موجود من الأمور الكائنة التي لم توجد أحرى أن تكونوا غير عالمين ].

تفسير قوله تعالى: (قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا ...)

قال الله تعالى: [ قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [البقرة:32].

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ هذا تقديس وتنزيه من الملائكة لله تعالى أن يحيط أحد بشيء من علمه إلا بما شاء، وأن يعلموا شيئاً إلا ما علمهم الله تعالى؛ ولهذا قالوا: سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [البقرة:32] أي: العليم بكل شيء، الحكيم في خلقك وأمرك، وفي تعليمك من تشاء، ومنعك من تشاء، لك الحكمة في ذلك والعدل التام.

قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا حفص بن غياث عن حجاج عن ابن أبي مليكة عن ابن عباس : (سبحان الله) قال: تنزيه الله نفسه عن السوء، ثم قال عمر لـعلي وأصحابه عنده: لا إله إلا الله قد عرفناها فما سبحان الله؟ فقال له علي : كلمة أحبها الله لنفسه ورضيها وأحب أن تقال.

قال: وحدثنا أبي حدثنا فضيل بن النضر بن عدي، قال: سأل رجل ميمون بن مهران عن سبحان الله قال: اسم يعظم الله به ويحاشى به من السوء ].

يعني: عن كلمة سبحان الله، أو عن قول: سبحان الله.

ولهذا يشرع للمسلم في الأسفار إذا هبط وادياً أن يسبح الله, وإذا علا مرتفعاً أن يكبر, وهذا مناسب؛ لأن الله أكبر من كل شيء، وأكبر من كل كبير، وإذا هبط ينزه الله عن النقص وعن السهول.

تفسير قوله تعالى: (قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم..)

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ قوله تعالى: قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ [البقرة:33]

قال زيد بن أسلم قال: أنت جبرائيل، أنت ميكائيل، أنت إسرافيل حتى عدد الأسماء كلها حتى بلغ الغراب، وقال مجاهد في قول الله: قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِم [البقرة:33] قال: اسم الحمامة والغراب واسم كل شيء. وروي عن سعيد بن جبير والحسن وقتادة نحو ذلك، فلما ظهر فضل آدم عليه السلام على الملائكة عليهم السلام في سرده ما علمه الله تعالى من أسماء الأشياء قال الله تعالى للملائكة: أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ [البقرة:33].

أي: ألم أتقدم إليكم أني أعلم الغيب الظاهر والخفي، كما قال تعالى: وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى [طه:7]، وكما قال إخباراً عن الهدهد أنه قال لسليمان: أَلَّا يَسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي يُخْرِجُ الْخَبْءَ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُخْفُونَ وَمَا تُعْلِنُونَ [النمل:25]اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ [النمل:26].

وقيل في قوله تعالى: وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ [البقرة:33] غير ما ذكرناه، فروى الضحاك عن ابن عباس : وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ [البقرة:33]، قال: أعلم السر كما أعلم العلانية، يعني: ما كتم إبليس في نفسه من الكبر والاغترار.

وقال السدي عن أبي مالك وعن أبي صالح عن ابن عباس وعن مرة عن ابن مسعود وعن ناس من الصحابة قال قولهم: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ .. [البقرة:30] الآية فهذا الذي أبدوا.

وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ [البقرة:33] يعني: ما أسر إبليس في نفسه من الكبر، وكذلك قال سعيد بن جبير ومجاهد والسدي والضحاك والثوري ، واختار ذلك ابن جرير ، وقال أبو العالية والربيع بن أنس والحسن وقتادة هو قولهم: لم يخلق ربنا خلقاً إلا كنا أعلم منه وأكرم عليه منه.

وقال أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس : وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ [البقرة:33] فكان الذي أبدوا هو قولهم: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ [البقرة:30] وكان الذي كتموا بينهم هو قولهم: لن يخلق ربنا خلقاً إلا كنا أعلم منه وأكرم، فعرفوا أن الله فضل عليهم آدم في العلم والكرم.

وقال ابن جرير : حدثنا يونس حدثنا ابن وهب عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قصة الملائكة وآدم فقال الله للملائكة: كما لم تعلموا هذه الأسماء فليس لكم علم إنما أردت أن أجعلهم ليفسدوا فيها، هذا عندي قد علمته فكذلك أخفيت عنكم أني أجعل فيها من يعصيني ومن يطيعني، قال وقد سبق من الله: لَأَمْلأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [هود:119].

قال: ولم تعلم الملائكة ذلك ولم يدروه، فقال: فلما رأوا ما أعطى الله آدم من العلم أقروا له بالفضل، وقال ابن جرير : وأولى الأقوال في ذلك قول ابن عباس وهو: أن معنى قوله تعالى: وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ [البقرة:33] وأعلم مع علمي غيب السموات والأرض، وما تظهرونه بألسنتكم وما كنتم تخفون في أنفسكم، فلا يخفى علي أي شيء،، سواء عندي سرائركم وعلانيتكم ].

هذا هو الصواب وهو أنه عام: وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ [البقرة:33] أي: ما يبديه الملائكة وما يخفونه.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [ والذي أظهروه بألسنتهم قولهم: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا [البقرة:30] والذي كانوا يكتمون ما كان منطوياً عليه إبليس من الخلاف على الله في أوامره والتكبر عن طاعته، قال: وصح ذلك كما تقول العرب: قتل الجيش وهزموا، وإنما قتل الواحد أو البعض وهزم الواحد أو البعض، فيخرج الخبر عن المهزوم منه والمقتول مخرج الخبر عن جميعهم، كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ [الحجرات:4] ذكر أن الذي نادى إنما كان واحداً من بني تميم.

قال: وكذلك قوله: وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ [البقرة:33] ].



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة البقرة [31-33] للشيخ : عبد العزيز بن عبد الله الراجحي

https://audio.islamweb.net