إسلام ويب

الحج ركن من أركان الإسلام، وفريضة عظمى تعكس عبودية المؤمن لمولاه واستكانته بين يديه، فالحج يذكره بأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، ويذكره بهول المحشر، ويجعله يكثر من ذكر الله، فيرجع كيوم ولدته أمه إن شاء الله. ومن رحمة الله أن جعل في أحكام الحج ما يرفع الحرج، ويفتح باب الرخصة لمستحقيها، فقد شرع في الأركان والواجبات ما يحل إشكال ما يطرأ على المؤمن من موانع تمنعه من مواصلة حجه، وذلك ما يعرف بأحكام الفوات والإحصار.

كيفية الحج والعمرة

الحمد لله رب العالمين, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله, اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

تكلمنا عن مناسك العمرة, ومناسك الحج, ونذكر هنا ملخصاً لمناسك الحج والعمرة: فمثلاً: إذا أراد الإنسان أن يحج من مصر، فالمستحب في حقه أن يتمتع بالعمرة إلى الحج, فينوي العمرة ويلبي إذا أحرم عند الميقات بقوله: لبيك اللهم عمرة.

أركان العمرة وأعمالها

والعمرة لها أركان ثلاثة:

الإحرام: وهو عقد النية على أنه صار محرماً, ثم الطواف بالبيت, ثم السعي بين الصفا والمروة, فهذه هي أركانها.

فإذا وصل عند الميقات لبس ملابس الإحرام, ويجوز أن يلبسها قبل الميقات، ولكنه عند الميقات يقول: لبيك عمرة, ثم بعد أن يصل إلى البيت يطوف به، وهذا ركن من أركان العمرة, ثم يتوجه إلى الصفا، ويسعى بين الصفا والمروة.

وإذا طاف بالبيت فيستحب أن يرمل في أول ثلاثة أشواط، فهذه سنة النبي صلى الله عليه وسلم, وليست فرضاً, والرمل: هو الإسراع في المشي كهيئة الذي يجري, وفي الأربعة الباقية يمشي مشياً حول البيت, يبدأ من الحجر الأسود، والمستحب أن يضع يديه على الحجر الأسود, فيسمي الله سبحانه وتعالى ويكبر, ثم يقبل الحجر الأسود إن استطاع ويسجد عليه, ويطوف بالبيت ذاكراً لله سبحانه وتعالى, وبين الركنين: اليماني والحجر الأسود يستحب أن يدعو بهذا الدعاء: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201], وفي كل طواف من السبعة يستحب أن يستلم الحجر الأسود إن استطاع ويقبله, وإن لم يستطع فيلمس بيده, إن لم يقدر على ذلك الاستلام وتقبيل اليد فبالإشارة إلى الحجر الأسود, فإذا أشار إليه يبدأ الطواف, فإذا أنهى الطواف بالبيت فعليه أن يصلي ركعتين خلف مقام إبراهيم, يقرأ في الأولى: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1]، أو قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1], وفي الثانية: قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ [الكافرون:1] أو قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1], ففي واحدة منهما يقرأ قل هو الله أحد، وفي الأخرى بقل يا أيها الكافرون.

ثم يتوجه إلى الصفا ويبدأ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (نبدأ بما بدأ الله به) فيتوجه إلى الصفا فيرقى فوقه، ويستقبل الكعبة ويدعو ربه سبحانه وتعالى دعاء طويلاً, فيوحد الله سبحانه ويكبره ويسبحه ويحمده ويقول: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير, لا إله إلا الله وحده, أنجز وعده, ونصر عبده, وهزم الأحزاب وحده) , ثم يدعو بما شاء, ثم يدعو مرة ثانية: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير, لا إله إلا الله وحده, أنجز وعده, ونصر عبده, وهزم الأحزاب وحده), ثم يدعو, ثم يدعو ثالثاً: (لا إله إلا الله وحده لا شريك له, له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير, لا إله إلا الله وحده, أنجز وعده, ونصر عبده, وهزم الأحزاب وحده), فتلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم, وإن لم يفعل واكتفى بالدعاء أو بالتهليل والتحميد، أو لم يفعل شيئاً، فقد أتى بالفرض الذي عليه.

ثم ينزل من الصفا متوجهاً إلى المروة وهو ماش، ويسن الإسراع بين الميلين الأخضرين للرجال فقط، ويمشي في الباقي مشياً حتى يصل إلى المروة فيصعد عليها ويدعو ربه سبحانه، والإسراع بين الميلين والرمل في الطواف إنما هو للرجال فقط، وكذلك الاضطباع في الطواف للرجل فقط، والاضطباع: هو أن يكشف المنكب الأيمن، ولا اضطباع بين الصفا والمروة بل في الطواف فقط، وينتهي عند بداية صلاة ركعتين خلف المقام؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يصلين أحدكم في الثوب الواحد ليس على عاتقه منه شيء)، فيكون قد ستر عاتقيه، وأخذ زينة الصلاة وصلى.

قلنا: إنه إذا كان عند المروة فإنه يستقبل البيت ويحمد الله ويكبره ويوحده، ويدعو بالذكر الذي قاله عند الصفا ويكرره ثلاثاً, وينزل إلى المروة ويفعل كما صنع في المجيء, فبين الميلين يسن للرجال الإسراع, وإذا وصل إلى الصفا قام عليه مستقبل البيت، وكما فعل في الشوط الأول يفعل في البقية، حتى يصل الشوط السابع عند المروة, فيكون قد أحرم ثم طاف بالبيت ثم سعى بين الصفا والمروة, وانتهت بذلك أعمال العمرة, فليتحلل بأن يقصر شعره، وإن كان الوقت طويلاً بينه وبين الحج فله أن يحلق شعره, أما إن كان الوقت قصيراً فعليه أن يقصر شعره، ويترك الحلق للحج.

وبعد تحلله من العمرة أصبح حلالاً، فيجوز له أن يقص أظفاره، وأن يأخذ من شاربه, وأن يستعمل الطيب ويلبس الثياب إلى أن يأتي يوم التروية، وهو اليوم الثامن من شهر ذي الحجة.

أعمال الحج

إذا جاء يوم التروية، فيبدأ المتمتع في الإحرام بمناسك الحج , وإذا كان مفرداً للحج فيكون إحرامه من الوقت الذي ذهب فيه سواء كان مفرداً أو قارناً، فيقول: لبيك حجاً إذا كان مفرداً, وإذا كان قارناً قال: لبيك حجاً وعمرة, ويطوف بالبيت كما سبق، وبعد ذلك يسعى بين الصفا والمروة, والطواف للمفرد وللقارن سيكون سنة, وهو طواف القدوم, وليس طواف الفرض, لكن للمتمتع سيكون هذا طواف الفرض، الذي هو طواف العمرة, والمفرد يكون السعي له ركن عن الحج، وعن الحج والعمرة إذا كان قارناً, أما طواف الفرض بالنسبة لهم فهو في يوم النحر، وهو طواف الإفاضة.

والمتمتع إذا أنهى أعمال العمرة مكث حلالاً، ويبدأ يوم التروية بالإحرام بالحج, هذا إذا كان واجداً للهدي, أما إذا لم يكن واجداً للهدي فيستحب أن يبدأ بالإحرام قبل يوم التروية بيومين؛ لكي يصوم تلك اليومين إضافة إلى يوم التروية، فيكون صائماً ثلاثة أيام في الحج، وسبعة إذا رجع من الحج, فيبدأ مبكراًً خروجاً من الخلاف, فإن لم يبدأ إلا في يوم التروية، فالراجح الجواز, سواء صام قبله أو أجل الصيام إلى أيام التشريق.

المبيت بمنى

يبدأ الحاج مناسك الحج بالتوجه إلى منى, في اليوم الثامن، بحيث يكون هناك عند صلاة الظهر، فيصلي في منى الظهر والعصر، والمغرب والعشاء، ويبيت إلى الفجر, ويقصر في الصلاة الرباعية، ويواظب على الصلاة مع الجماعة هنالك بقدر المستطاع.

يبيت ليلة عرفة في منى, والذهاب إلى منى يوم التروية سنة وليس فرضاً, كذلك المبيت ليلة عرفة بمنى سنة وليست فرضاً, والإنسان المؤمن يحرص على السنن، ويحاول قدر المستطاع أن يأتي بجميع السنن؛ ليقتدي بالنبي صلى الله عليه وسلم.

الوقوف بعرفة

فإذا بات هناك وصلى الصبح, انتظر بعد طلوع الشمس ثم توجه إلى عرفات، فإذا وصل عرفات بدأ بصلاة الظهر والعصر على وقتها ويجمعهما جمع تقديم قصراً, والمستحب أن يصلي مع الإمام، ويسمع خطبة عرفة بحسب ما يتيسر له ذلك, وإن لم يتيسر له ذلك صلى الظهر والعصر جمع تقديم قصراً مع الجماعة التي هو فيها, ثم بعد ذلك يقف عند الموقف سواء توجه إلى جبل الرحمة فوقف أسفله عند الصخرات، حيث وقف النبي صلى الله عليه وسلم يدعو ربه إلى غروب الشمس, أو يقف في أي مكان من عرفة إذا لم يتيسر له ما سبق، المهم أن لا يكون خارجاً من عرفة.

المبيت بمزدلفة

فإذا غربت الشمس في يوم عرفه يبدأ الحجيج بالنفر من عرفة، ويتوجهون إلى المزدلفة.

والوقوف بعرفه في هذا اليوم ركن من أركان الحج, بل هو أعظم أركان الحج, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفه).

فإذا توجهوا إلى المزدلفة للمبيت فيها، وإن كان الراجح أنه ليس ركناً من أركان الحج ولكنه واجب من الواجبات, والمبيت لابد أن يتجاوز نصف الليل, فيبيت إلى ما بعد نصف الليل, وبعد نصف الليل بساعة أو بساعتين له أن ينصرف من المزدلفة بحسب الزحام إلى منى, والأفضل له أن يبيت في مزدلفة حتى الفجر.

والمبيت بالمزدلفة واجب إلا لأهل الأعذار, فإذا خرجوا من عرفه ولم يصلوا إلى المزدلفة حتى طلع عليهم الفجر في ذلك, كإنسان ضل الطريق أو تعطلت سيارته فلم يصل إلى المزدلفة, فمثل هؤلاء لا يجب عليهم ذلك, بل يسقط بهذا العذر الذي هم فيه.

والذي يصل إلى المزدلفة بعد نصف الليل يستحب له أن يمكث فيها إلى الفجر, لكن لو مكث فيها ساعة ثم انصرف منها بعد نصف الليل جاز له ذلك، وإن كان الأفضل أن يمكث هنالك, لكن الضعفاء والعجزة والمرضى لهم أن ينفروا بعد نصف الليل من المزدلفة إلى منى, والذي يبيت في مزدلفة يبيت فيها حتى يطلع الفجر، فيصلي الفجر في أول وقته, ثم يقف هنالك عند المشعر الحرام يدعو الله سبحانه وتعالى دعاء طويلاً إلى وقت الإسفار قبل طلوع الشمس, ثم قبل طلوع الشمس ينتقل الحجاج من هذا المكان ويفيضون إلى منى، وسواء الذين وصلوا إلى منى في النصف الثاني من الليل، أو الذين وصلوا الصباح فأول ما يصلون إلى منى فلهم أن يرموا الجمرات, ولكن سنة النبي صلى الله عليه وسلم ألا يرمي الجمرات إلا في وقت الضحى, ولكن يحكمنا الآن الزحام الشديد الموجود هناك، فبحسب ما يتيسر للإنسان من الوصول إلى منى فيرمي الجمرات, والأفضل أن يكون ذلك بعد طلوع الشمس.

رمي الجمرات

وهو أن يرمي بسبع حصيات في جمرة العقبة الكبرى, والجمرات ثلاث: الصغرى، والوسطى، والكبرى, ففي يوم النحر يرمي جمرة العقبة الكبرى فقط بسبع حصيات, وله أن يأخذ هذه الحصيات من أي مكان, سواء أخذها من المزدلفة، أو من منى، أو من أي مكان آخر, ومن السنة أن يرمي ويكبر مع كل حصاة, ولا يرم خارج المرمى, بل لابد وأن تقع بداخل المرمى، سواء رماها من الطابق الأول، أو من أعلى، فله أن يرمي من أي مكان لكن لابد أن تكون في المرمى.

فإذا أنهى الرمي حصل التحلل الأصغر، فيحلق شعره إذا كان قد دفع ثمن الهدي قبل ذلك, وإذا كان معه هدي فعليه أن يذبح الهدي، ثم يحلق شعره أو يقصر يتحلل, وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم للمحلقين ثلاثاً، وللمقصرين مرة واحدة, ثم بعد ذلك يتوجه إلى البيت؛ ليطوف طواف الإفاضة, فيكون في يوم النحر أربعة مناسك: رمي جمرة العقبة, ونحر الهدي، والحلق أو التقصير، وطواف الإفاضة.

والنساء يفعلن كما يفعل الرجال إلا في ما اختلف أمر الرجل عن المرأة من الأشياء التي فصلناها قبل ذلك, فحلق الشعر يكون للرجال، أما المرأة فليس لها إلا أن تجمع ضفائرها، وتأخذ منها بقدر أنملة, وهي رأس الأصبع من كل ضفيرة من ضفائرها، فنسكها هذا التقصير لا الحلق.

الفرق بين الإفراد والقران والتمتع يوم النحر

إن الحجيج إذا ذهبوا لطواف الإفاضة، فإذا كان الحاج مفرداً أو قارناً أو متمتعاً فهذا الطواف هو الركن للجميع, ولكن المفرد والقارن لو سعيا قبل ذلك بعد طواف القدوم فليس عليهما سعي الآن, وأما المتمتع فعليه أن يطوف ويسعى سعي الحج هنا، فيطوف بالبيت من غير رمل ولا اضطباع, بل يكون لابساً لبسه المعهود، ومن السنة أيضاً أن يستلم الحجر الأسود كما قدمنا قبل ذلك، وإذا وصل بين الركنين فيدعو ربه قائلاً: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201]، ولا يرفع صوته بالدعاء, ولا يؤذي أحداً أثناء الطواف, بل يخفض صوته ويدعو ربه بما شاء من دعاء، فإن الله سبحانه سميع قريب مجيب للدعاء، فإذا انتهى من هذا الطواف، فليصل خلف المقام ركعتين، ثم يتوجه إلى المسعى فيسعى بين الصفا والمروة كما سعى في عمرته، وسعيه الآن لحجه, فإذا انتهى منه فإنه يكون قد انتهى من أركان الحج الأربعة:

الإحرام، والوقوف بعرفة, وطواف الركن, والسعي بين الصفا والمروة, فهذه هي الأركان التي عليه, وتبقى عليه الواجبات.

أعمال أيام التشريق

يتوجه الحاج إلى منى, ويسن له المكث بمنى في النهار، ويجب عليه المبيت، فيبيت فيها أيام التشريق ويرمي الجمرات الثلاث, وفي يوم العيد ستغرب عليه الشمس وهو في منى, فإذا أصبح رمى الجمرات بعد الزوال, يعني: عند صلاة الظهر, وله أن يرمي الجمرات من هذا الوقت إلى قبل صلاة الفجر، فهذا كله وقت رمي فيرمي بحسب ما يتيسر له في هذا الزحام، وفي الجمرة الأولى السنة أن يستقبل القبلة ويرمي ويكبر مع كل حصاة, ثم ينصرف ذات الشمال متوجهاً إلى الجمرة الثانية فيرميها بسبع حصيات مكبراً, بعد أن يقف بعد رمي الجمرة الأولى فيدعو، وبعد الجمرة الثانية كذلك يقف فيدعو، وعند رمي الجمرة الثالثة بسبع حصيات لا يقف للدعاء، وإنما ينصرف، ويكون رميه للجمرة الأولى والثانية وهو مستقبل القبلة وأما الجمرة الثالثة فيرميها وشماله ناحية القبلة, ويمينه تجاه منى، ويستقبل الجمرة فيرميها, فهذا هو موقف النبي صلى الله عليه وسلم, ومن أي مكان رمى جاز, ولكن سنة النبي صلى الله عليه وسلم من استطاع أن يفعلها فعلها.

فإذا رمى الجمرات في أيام منى الثلاث فقد انتهى من الواجبات، لكنه لو نفر في ثالث أيام العيد أي: ثاني أيام التشريق فله ذلك, بشرط أن يكون عند النفر أو الخروج من منى قد رمى الجمرات في هذا اليوم، وينصرف قبل غروب الشمس, فإذا انصرف وقد غربت الشمس، وكان ماكثاً في مخيمه، وليس مستعداً للرحيل، فيلزمه المبيت, أما إذا كان مستعداً للرحيل، ومنتظراً مركوباً أو نحوه، فحكمه حكم الراحل, وإن ركب الباص وغربت عليه الشمس وهو بداخل منى فكذلك حكمه حكم الراحل.

أركان الحج والفرق بينها وبين الواجبات

إن أعمال الحج ثلاثة أقسام: أركان وواجبات وسنن.

والركن جزء من العمل نفسه, وداخل في الماهية، كما نقول: إن الصلاة فيها أركان, ومن أركان الصلاة: القيام, الركوع, السجود, وهذه الأعمال جزء من ماهية الصلاة، فالركن وجوده وجود للعمل، وعدمه عدم للعمل, وأركان الحج أي: ماهية الحج, أو الشيء الذي يتكون منه هذا الحج, كالإحرام، والوقوف بعرفة، فهذا ركن لا يكون الحج إلا به, وكذلك الطواف بالبيت, والسعي بين الصفا والمروة.

فالركن جزء من ماهية العمل، أو من حقيقية العمل الشرعية.

ولكن الواجبات أعمال يعملها، وإذا لم يعلمها، فحجه صحيح، ويلزمه دم بترك هذا الواجب، فيصح الحج بدونه، بخلاف الركن فلا يصح الحج إلا به، ولا تقوم مقامه الفدية، أما الواجب فإذا تركه لزمه فدية؛ لتقصيره كرمي الجمرات، فإنه واجب من الواجبات لو لم يفعله، وجب عليه أن يجبر هذا بذبح شاة، وحجه يكون صحيحاً.

فأركان الحج أربعة: الإحرام, والوقوف بعرفه, وطواف الإفاضة, والسعي, وقيل: إن السعي واجب, ولكن القول بأنه ركن المختار في هذه المسألة.

أركان الحج عند الأحناف

لقد ذهب الأحناف إلى أن الحج له ركنان فقط: الركن الأول: الوقوف بعرفه, والركن الثاني: معظم طواف الزيارة, فالطواف سبعة أشواط، فإذا أتى بأربعة أشواط، فقد جاء بالركن الذي عليه, فالفرق بينهم وبين الجمهور أن الحنفية يقولون: إن الذي يترك هذا الطواف كله يلزمه أن يأتي به, وإذا أتى بمعظمه جبر الباقي بدم, ولكن يرد هذا أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم طاف بالبيت وأمر الناس بذلك، وأمرنا ربنا سبحانه وتعالى بقوله: وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ [الحج:29]، وطاف النبي صلى الله عليه وسلم سبعاً، وقال: (خذوا عني مناسككم)، فلابد من الإتيان بالطواف كاملاً، ليكون المسلم قد أتى بما أمره الله عز وجل به.

أركان الحج عند المالكية

ذهب المالكية إلى أن أركان الحج أربعة: الإحرام, والوقوف بعرفه, والطواف اتفاقاً, والسعي على المشهور عندهم, فكأن السعي فيه خلاف عندهم، كما هو عند الحنابلة: وهو هل السعي ركن من الأركان، أو واجب من الواجبات، أو سنة من السنن, فهناك ثلاثة أقوال عند الحنابلة، والأشهر أنه ركن من الأركان, وإن مال محمد بن قدامة إلى أنه واجب من الواجبات؛ عملاً بمجموع الأدلة في المسألة.

فالإحرام عند المالكية وعند الجمهور ركن من أركان الحج, ولكنه عند الأحناف شرط ابتداء، وركن انتهاء, يعني: عند الابتداء بالحج، فهو شرط؛ لكي ينتقل من حله إلى حرمه، ولا يصح حجه بدونه، والأحناف يجوز الإحرام عندهم قبل أشهر الحج, ولا يوجد حج إلا في أشهر الحج، وبناء على ذلك قالوا بجواز الإحرام قبل أشهر الحج، فالإحرام شرط في الابتداء، والشرط: هو الذي لا يوجد العمل إلا به, وإن كان وجوده ليس وجوداً للعمل, كالطهارة فإنها شرط لصحة الصلاة, وليس ركناً فيها, فليس شرطاً أن يكون المتوضئ مصلياً, ولكن عدمه عدم للفعل، فعندما قال الأحناف: إن الإحرام شرط ابتداء، أي: لو أحرم في أي وقت من السنة في غير أشهر الحج فهذا قد وجد منه الشيء الذي سيتم به الحج، ولكنه ليس حجاً, وهو ركن انتهاء أي: عندما تدخل أيام الحج ويبدأ بالمناسك يكون قد دخل فيها، وهو ركن من الأركان, هذا قولهم, أما عند الجمهور فهو ركن ابتداء وانتهاء.

أركان الحج عند الحنابلة

وذهب الحنابلة إلى أن أركان الحج: الوقوف بعرفه, وطواف الزيارة, والإحرام على الصحيح، وهو النية, وتوجد عندهم رواية أنه واجب مثل السعي، ولكن الصحيح عندهم أنه ركن، وحصل الخلاف عند الحنابلة في السعي بين الصفا والمروة على الأقوال الثلاثة التي ذكرناها.

أركان الحج عند الشافعية

مذهب الشافعية أن أركان الحج ستة: الأربعة التي ذكرناها إضافة إلى الحلق أو التقصير, والترتيب بين الأركان, وهذا ليس اتفاقاً عند الشافعية، بل هم مختلفون في الحلق، فبعضهم يرى أن الحلق من المناسك، والبعض يرى أنه تحلل من الإحرام, وليس ركناً من الأركان.

ونحن نفصل المذاهب بحيث نراعي الخلاف الذي بين العلماء في ذلك، وإن كنا نبهنا قبل ذلك على الصحيح من الأقوال.

الراجح في أركان الحج

والراجح في المسألة أن أركان الحج أربعة: الإحرام, والوقوف بعرفة, والطواف, والسعي، هكذا هو الراجح من كلام أهل العلم.

واجبات الحج

إن مما يجب فعله في الحج إما ركن وإما واجب، فأما الركن فلا بد وأن يأتي به, فلا يقال مثلاً: نترك الطواف ونفدي بدم مكانه, ولكن الواجبات لو تركها فإنه يكون مقصراً وعليه الفدية في ذلك.

الواجبات المتفق عليها

هناك واجبان متفق عليهما وهما: الإحرام من الميقات, فقد اتفق العلماء على أن الإحرام لا بد أن يكون من الميقات؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر ذلك، وحدد المواقيت المكانية للحج.

الثاني من الواجبات: هو رمي الجمرات، فقد اتفق العلماء على أن رمي الجمرات واجب من الواجبات.

الواجبات المختلف فيها

هناك خمسة مناسك مختلف فيها: هل هي من الواجبات أو هي من السنن؟ ومن ذلك: الجمع بين الليل والنهار في الوقوف بعرفة لغير المعذور, لكن المعذور لو وقف لحظة من آخر الليل فوقوفه صحيح, أما غير المعذور فعليه أن يجمع بين الليل والنهار، يعني: عند غروب الشمس لابد أن يكون هنالك, فلو أنه وقف بعرفة ظهراً وانصرف منها، فإما أن يرجع إلى عرفة عند الليل، فيكون قد جمع بين الليل والنهار, وإما أن يلزمه دم؛ لتقصيره، وهذا هو الراجح في ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يأذن لأحد من الواقفين في عرفة بالدفع من عرفة قبل غروب الشمس, والنبي صلى الله عليه وسلم دفع منها، وقال: (خذوا عني مناسككم) فدل على أن البقاء في النهار إلى غروب الشمس في عرفة واجب، وهذا هو الراجح، وأما عند المالكية فالواجب الوقوف بالليل ولو لحظة عند الغروب, أما الوقوف في النهار فهو عندهم سنة, وعندهم أن من لم يقف بالليل فإنه لم يؤد الفرض الذي عليه.

والواجب الثاني: المبيت بالمزدلفة، وهذا كذلك اختلف فيه العلماء: هل هو واجب، أو سنة، أو هو ركن من الأركان؟ والراجح أنه واجب من الواجبات, ومعنى المبيت: أن يكون قد بات جزءاً من نصف الليل الثاني في المزدلفة.

والواجب الثالث: الحلق والتقصير، فقول جمهور الأئمة أن الحلق والتقصير نسك، إلا قولاً عند الشافعية بأنه تحلل من الإحرام.

واختلفوا كذلك كم مقدار ما يحلقه الحاج؛ والراجح أنه لابد من الحلق لجميع الشعر، أو التقصير من جميع الشعر.

الواجب الرابع: المبيت بمنى ليالي أيام التشريق، وهذه حصل فيها خلاف أيضاً بين العلماء، فذهب الجمهور إلى أن المبيت ليالي أيام التشريق واجب, وذهبت الحنفية إلى أن المبيت فيها سنة, والقدر الواجب للمبيت عند الجمهور هو أن يمكث أكثر الليل, إلا أصحاب الأعذار, فلو توجه الحاج إلى البيت لطواف الإفاضة، وفي ثاني أيام العيد لم يستطع الذهاب إلى منى؛ لشدة الزحام، فوصل ولم يستطع دخول منى, أو أن الحجاج بسبب الزحام الشديد لم يقدروا على المبيت في منى، أو ليس لهم مكان, فعلى هذا فهو معذور, وكذلك لو تاه ولم يصل إلى منى إلا بعد الفجر فهو معذور أيضاً.

الواجب الخامس: طواف الوداع، ويسمى بطواف الصبر، ويسمى بطواف آخر العهد, وطواف الوداع من الواجبات، فمن تركه فعليه دم.

تقسيم آخر لواجبات الحج

واجبات الحج تنقسم أيضاً إلى قسمين: واجبات أصلية يعني: ليست تابعة لغيرها, وواجبات تابعة لغيرها.

فالواجبات الأصلية مثل: المبيت بمزدلفة, ورمي الجمار, والحلق أو التقصير, والمبيت بمنى ليالي أيام التشريق, وطواف الوداع.

فهذه الواجبات كلها تسقط مع العذر، فيسقط المبيت بمنى ليالي أيام التشريق إذا كان الزحام شديداً فلم يقدر المرء على الدخول إلى منى، أو أنه حجز في مستشفى، أو ضاع منه مال، فذهب يبحث عنه، فضاعت عليه ليلة ولم يصل إلى منى.

أما رمي الجمرات فلا تسقط؛ لأنه قد ينيب غيره إذا كان مريضاً أو عاجزاً، أو كانت امرأة، وبسبب الزحام استنابت من يرمي عنها، فإنه يجوز ذلك.

وكذلك الحلق والتقصير فلا يسقط، بل لابد منه سواء تذكر وفعله هنالك، أو أنه رجع إلى بلده ونسيه فإنه يفعله إذا تذكره.

وأما طواف الوداع فإنه لو انصرف ولم يطف فيلزمه دم، أو يرجع ليطوف طواف الوداع.

سنن الحج

إن سنن الحج هي ما سوى أركان الحج وواجباته، كطواف القدوم للقارن أو المفرد, أما المتمتع فليس عليه طواف قدوم؛ لأن الطواف الذي سيقدم به سيكون هو طواف الركن، أي: طواف العمرة.

ومن السنن: الأذكار التي تقال، والدعاء بين الركنين اليماني والحجر الأسود، وهو: رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201]، وكذلك الوقوف على الصفا والدعاء فيه, والوقوف على المروة والدعاء فيها, والدعاء في يوم عرفة كله، ومن السنن أيضاً: استلام الحجر الأسود والسجود عليه, والرمل أي: الإسراع كهيئة الجاري في طواف القدوم للحاج والمعتمر، ومن السنن أيضاً: الاضطباع، والرمل والاضطباع للرجل فقط وهو: كشف منكبه الأيمن خلال طواف القدوم، ومن السنن كذلك: سائر ما ندب إليه من الهيئات في الطواف والسعي، وحضور الخطب وغير ذلك.

والسنن في الحج يطلب فعلها ويثاب فاعلها عليها، ولكن لا يلزمه بتركها فدية أو دم أو صدقة.

ومن سنن الحج أيضاً: العج والثج, والعج معناه: رفع الصوت بالتلبية، وهذا للرجال فقط، أما المرأة فإنها تدعو وتلبي بصوت منخفص، وقد جاء في الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: (أي الحج أفضل؟ قال صلى الله عليه وسلم: العج والثج) والعج: رفع الصوت, والثج: الذبح والنحر, فكلما أكثر من الذبح ومن النحر كان هذا أفضل له.

فالثج: هو ذبح الهدي تطوعاً؛ لما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه أكثر من هدي التطوع جداً, وقد كان صلى الله عليه وسلم أحياناً وهو في المدينة يرسل هدياً إلى البيت من غير أن يخرج حاجاً ولا معتمراً صلى الله عليه وسلم, وهو صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع قد نحر بيده ثلاثاً وستين بدنة، ونحر الباقي علي رضي الله تبارك وتعالى عنه.

قال النووي: اتفقوا على أنه يستحب لمن قصد مكة بحج أو عمرة أن يهدي هدياً من بهيمة الأنعام، سواء من الإبل أو المواشي والبقر والجواميس، أو من الأغنام، فبهيمة الأنعام تطلق على هذه الثلاثة الأصناف, ويقسمه على مساكين البلدة.

ومن السنن كذلك: الغسل لدخول مكة، فالذي جاء من بعيد إذا وصل إلى مكة فيستحب أن يغتسل قبل أن يدخلها, كما يستحب الاغتسال عند الإحرام، ومن السنن: التعجيل بطواف الإفاضة يوم العيد فيستحب في وقت الضحى بحسب ما يستطيع، ومن السنن التحصيب أي: النزول بالمحصب، وهو مكان في مكة عند مقبرة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم نزل هنالك, والآن لعله يصعب هذا، فإن استطاع ذلك فعله، وإلا فلا.

فهذه هي أعمال الحج، أما الأركان فلا يتم الحج ولا يجزئ حتى يأتي بجميعها: الإحرام, الوقوف بعرفة, الطواف, السعي، ولا يجبر شيء من هذه الأركان بدم، فلو أنه طاف بالبيت ستة أطواف فيلزمه أن يأتي بالسابعة، فلو نسى بنى على الأقل.

والترتيب شرط في هذه الأركان إلا ما أباحه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: لا حرج, كالسعي والطواف, فلو سعى قبل أن يطوف، أو طاف قبل أن يسعى ناسياً فلا شيء عليه, لكن لو أنه قدم الطواف عند مجيئه وهو مفرد بالحج، وقال: إن الطواف الذي أتيت به الآن هو طواف الحج فلا يصح ذلك؛ بل لابد أن يكون طواف الحج عند وقته في يوم العيد.

حكم القول لمن حج يا حاج

يقول الإمام النووي رحمه الله: يجوز أن يقال لمن حج: حاج، بعد تحلله ولو بعد سنين, وكل الحجاج الآن ينادون بعضهم بهذا، فهذه الكلمة الراجح فيها أنها جائزة، إلا أن يكون على وجه الافتخار، أو على وجه التسميع بالعمل، كأن يحج لكي يقول له الناس: يا حاج بل قد يغضب عندما يقال له: يا فلان أو نحوها، وهذا غير جائز، ولا يجوز أن يطلب هو من الناس ذلك, لكن إذا قيل للحاج: يا حاج دون طلبه، فالراجح أنه لا كراهة في ذلك، سواء قيل له في وقتها أو بعد ذلك.

أحكام فوات الحج

قاصد الحج والعمرة إذا فات منه الحج، فهذه مسألة تسمى بالفوات، وإذا أحصر فيسمى ذلك إحصاراً, والفوات لا يكون إلا في الحج، أما العمرة فإنها لا تفوته ولكنه قد يحصر عنها.

أما من يفوت منه الحج كأن يأتي يوم عرفة وهو محبوس، أو لم يصل إلى عرفات في يومها فهذا يكون قد فاته الحج, ولكن المحصر هو الذي يمنع بمرض أو بعدو, لذلك قلنا: إنه يستحب لمن يحرم أن يقول عند إحرامه: لبيك عمرة، ومحلي حيث حبستني, أو لبيك حجاً، ومحلي حيث حبستني, أو لبيك حجة وعمرة، ومحلي حيث حبستني, وهذا الاشتراط جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قاله لـضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب ، وهذا ليس خاصاً بها ولكنه لها ولغيرها, فإذا اشترط الإنسان نفعه ذلك إذا أحصر بمرض، أو بعدو.

تعريف الفوات

الفوات في اللغة: من فاته الشيء يفوته فوتاً وفواتاً أي: ذهب عنه.

وفي اصطلاح الفقهاء: هو أن يحرم بالحج، ثم لا يدرك الوقوف بعرفة في وقته ومكانه المحدد ولو لحظة لطيفة, ولا يتخيل في العمرة الفوات؛ لأن وقت العمرة لا حدود له، أما الحج فله وقت معين، ومن فاته الحج سواء ضل المكان أو وصل متأخراً إلى عرفة وقد فات وقت الوقوف بها فإنه قد فاته الحج، والفوات يكون في الحج فقط، وأما الإحصار فقد يقع في الحج وفي العمرة، فيقال: حصر أو أحصر يجوز ذلك كله في اللغة.

والإحصار اصطلاحاً: المنع من إتمام أركان الحج والعمرة.

الإحصار يكون سبباً لفوات الحج, ويفوت الحج بفوات الوقوف بعرفة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (الحج عرفة), وقوله: (من جاء ليلة جمع -أي: ليلة المزدلفة يعني: عند غروب الشمس يوم عرفة- قبل طلوع الفجر فقد أدرك الحج).

وروى البيهقي عن الأسود بن يزيد قال: سألت عمر عن رجل فاته الحج قال: (يهل بعمرة وعليه الحج من قابل)، فلا يخسر النسكين بل يتحلل بعمرة, فيطوف بالبيت ويسعى، فإن فاته الحج فالعمرة لا تفوته, قال: (ثم خرجت العام المقبل فلقيت زيد بن ثابت ، فسألته عن رجل فاته الحج قال: يهل بعمرة وعليه الحج من قابل) أي: إن كانت الاستطاعة ما زالت فيه، فيلزمه في السنة القادمة أن يحج.

وجاء عن ابن عمر أيضاً أنه قال: من أدرك ليلة النحر ولم يقف بعرفة قبل أن يطلع الفجر فقد فاته الحج, فليأت البيت، فليطف به سبعاً، وليطف بين الصفا والمروة سبعاً، ثم يحلق أو يقصر إن شاء، وإن كان معه هدي فلينحر قبل أن يحلق، فإذا فرغ من طوافه وسعيه فليحلق أو يقصر، ثم ليرجع إلى أهله، فإذا أدركه الحج من القابل فليحج إن استطاع، وليهد، فإن لم يجد هدياً فليصم عنه ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع إلى أهله.

فظهر من هذه الآثار أن من أحرم بالحج ولم يقف بعرفة، فإنه يلزمه أن يتحلل بعمل عمرة، والراجح أنها تغني وتجزئ ولا يقضيها.

وإن كان سعى عقب طواف القدوم كفاه ذلك، ولا يسع بعد الفوات، ولا يلزمه المبيت بمنى ولا الرمي؛ لأنه قد فاته الحج وتحلل بأعمال العمرة, ومن فاته الحج وتحلل وجب عليه القضاء على الفور في السنة الآتية ما دام مستطيعاً، ولا يلزمه قضاء العمرة؛ لأنه قد فعل هذه العمرة، هذا على الراجح من كلام أهل العلم، فيكون عليه قضاء الحج فقط.

فوات الوقوف بعرفة

إن من فاته الوقوف بعرفة عليه أن يتحلل بعمرة، ويقضي الحج في السنة القابلة، ويجب عليه دم الفوات, وحكمه حكم المحصر إلا إذا كان اشترط بقوله: (محلي حيث حبستني) فحبس ولم يقدر على الإكمال وفاته فلا شيء عليه, وله تأخير الدم إلى سنة القضاء, أما الفوات فلا فرق فيه بين المعذور وغيره, ولو أن إنساناً أخذوه وحبسوه ظلماً، ولم يقدر على المجيء إلى عرفة، فتحلل بعمرة فهذا معذور, لكنه لو بقى قاعداً في مكة وقال: آخر الليل سأذهب إلى عرفة، وفي آخر الليل لم يجد ما يوصله ففاته الحج فهذا غير معذور، فإن الذهاب إلى عرفة يكون عند وقت الظهر, وهذا فهو آثم بتقصيره هنا، لكنه لو نوى أن يحج وبعد ذلك ألغى نيته؛ لأنه قد حج قبل ذلك فهذا لا شيء عليه, لكن الذي عليه فريضة الحج ويترك ويقصر إلى أن يفوت عليه يوم عرفة وليلة جمع فهذا آثم في ذلك, فهو والذي كان معذوراً في تأخره عليهما دم.

والمكي وغير المكي سواء في الفوات ويلزمهما الدم, وفرق بين أن المكي يلزمه الدم بفوات الحج وبين أن يلزمه الدم بالتمتع، فلا يلزمه الدم بالتمتع بالعمرة إلى الحج؛ لأنه من أهل مكة, وقد قال ربنا عز وجل ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ [البقرة:196] لكن الفوات هنا تقصير فعليه الدم في ذلك, وإذا أحرم بالعمرة في أشهر الحج وفرغ منها، ثم أحرم بالحج ففاته لزمه قضاء الحج دون العمرة, والذي اعتمر في أشهر الحج وانتظر متمتعاً إلى أن يأتي يوم التروية، ليبدأ بمناسك الحج، فحبس بسبب من الأسباب أو منع من الحج فعليه عمرة وتكون مجزئة, وإذا أحرم بالحج في يوم التروية ومنع من المناسك فهو معذور، وله أن يتحلل إذا استيقن أنه لا يقدر على الوصول إلى عرفة في يوم عرفة, وإذا فات القارن الحج حل، وعليه الحج من قابل, والقارن هو الذي يحرم بعمرة وحج معاً، ولكن الأفضل أن يقضي على نفس الصورة التي كان عليها، وهي القران، ولكن لو أنه تحلل بعمرة فقد أدى العمرة التي عليه، ويجوز له بعد ذلك أن يأتي بحج فقط, وإذا أتى قارناً فيلزمه هديان هدي للقران، وهدي للفوات.

حكم إفساد الحج بالجماع

من أفسد حجه بالجماع وهو في إحرامه بالحج فعليه أن يكمل هذا الحج الفاسد، وعليه بدنه, وعليه الحج من قابل, لكن لو أفسد حجه بالجماع، ثم منع أو فاته الوقوف بعرفة، فهذا يتحلل وعليه دم الفوات وعليه القضاء بعد ذلك، وعليه الدم بسبب إفساده لهذا الحج, فدم الإفساد يلزمه؛ لأنه انتهك حرمة الإحرام وعليه أنه يتحلل, وهو الآن محصر وفاته الوقوف فيلزمه دم الفوات, وعليه الحج من قابل.

خطأ الحجيج في زمن الوقوف

في هذه المسألة لابد من تحديد أول شهر ذي الحجة برؤية الهلال، فإذا رئي الهلال، ووقف الناس في يوم عرفة فيكون ذلك الوقوف صحيحاً, لكن لو أنهم وقفوا خطأً، والحكم الآن بأن الوقوف خطأً صعب؛ لأن الدول هي التي تقوم اليوم بتحديد الأيام، وتحديد غروب الشمس وتحديد مجيء الهلال، فهذه المسألة صعبة وخاصة على ما افترضه الفقهاء في الماضي من أن يخطئون يومين في الوقوف، فهذا اليوم صعب، خاصة أنه ليس كل دولة تحدد هذا، إنما هي دولة واحدة والبقية يعملون بتحديدها، فهذا اليوم شبه نادر، ولكن إذا غلط الناس ووقفوا اليوم الثامن بدلاً من أن يقفوا اليوم التاسع، أو وقفوا اليوم العاشر بدلاً من اليوم التاسع، فالراجح أن حجهم صحيح، وأن الوقوف بعرفة هو اليوم الذي وقف فيه جميع الحجيج, وليس من حق أحد أن يقول: أنا سأذهب غداً وأقف بعرفة فأكون قد وقفت وقوفاً صحيحاً بناءً على الواقع، فيقال له: إنما يكون الوقوف مع الحجاج ومع أمير الحج؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (صومكم يوم تصومون، وفطركم يوم تفطرون، وأضحاكم يوم تضحون)، وقالت عائشة رضي الله عنها: (إنما عرفة اليوم الذي يعرفه الناس) تعني: يقفون بعرفة فيه.

حكم الإحصار

قال الله عز وجل: وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196] لقد عرفنا أن الفوات قد يكون الإحصار سبباً فيه وقد لا يكون كذلك, فلو أن إنساناً ضاع عليه يوم عرفة وليلة جمع, أو منع من دخول عرفات فيكون هذا قد أحصر.

الفرق بين الإحصار والحصر

الإحصار قد جاء في كتاب الله سبحانه قال تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ [البقرة:196] هذا هو الإحصار, والحصر قريب منه، وإن كان كثير من أهل اللغة يفرقون بين الحصر والإحصار، فيقولون: إن الإحصار يكون بالعدو؛ لأن الآية تقول: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ [البقرة:196] والحصر يكون بالمرض, والبعض يقول: هما بمعنى واحد، وعلى كل حتى ولو كان هناك فرق لغوي بينهما, فإنه قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم (أنه أذن لـضباعة بنت الزبير أن تقول: محلي حيث حبستني), وهذا حبس ومرض, والآية جاءت في حصر العدو, فعلى ذلك فالحديث ذكر حصر المرض، والآية ذكرت حصر العدو، فهذا حصر وهذا حصر, وهذا هو الراجح, قال تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ فَإِذَا أَمِنتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [البقرة:196] وجاء في الحديث الذي رواه أصحاب السنن عن الحجاج بن عمرو الأنصاري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كسر أو عرج فقد حل) (من كسر) أي: كسرت رجله, أو عضو منه, (أو عرج) أي: أصابه العرج (فقد حل) وعليه الحج من قابل.

قال عكرمة: سألت ابن عباس وأبا هريرة عن ذلك فقالا: صدق.

وروى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: (دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على ضباعة بنت الزبير، فقال: لعلك أردت الحج, فقالت والله لا أجدني إلا واجعة, فقال لها حجي واشترطي، وقولي: اللهم محلي حيث حبستني) أي: مكاني الذي سأحل فيه وأتحلل من إحرامي هو المكان الذي تحبسني فيه, وفي رواية (واشترطي أن محلي حيث تحبسني) فاشترطت ولكنها أدركت والحمد لله.

أنواع الحصر

الحصر ضربان: خاص وعام, إما الحصر الخاص فهو الذي يقع لشخص أو لاثنين أو لمجموعة.

أما الحصر العام فهو الذي يكون على الجميع فيمنعون من الحج، وهذا نسأل الله عز وجل أن لا يكون على المسلمين أبداً, ومن الحصر الخاص أن يحبس في دين يمكنه أداؤه، فليس له تحلل؛ لأنه قد قيل له: ادفع الذي عليك أو لن تواصل حجك، وكان معه مال فيلزمه أن يدفع، لكن لو كان هذا الإنسان معذوراً، واضطر إلى ذلك وحبس فهذا محصر وله حكم المحصر, وإن تحلل الذي ليس معذوراً لا يصح تحلله، ولا يخرج من الحج بذلك, فإن فاته الحج وهو في الحبس كان كغيره ممن فاته الحج بلا إحصار، فيلزمه قصد مكة والتحلل بأفعال عمرة.

أما المعذور فينفعه اشتراطه إذا قال: محلي حيث حبستني, كمن حبسه السلطان ظلماً، أو بدين لا يمكنه أداؤه فيجوز له أن يتحلل؛ لأنه معذور.

والحصر العام كما قلنا يكون بعدو يمنع المحرمين، فإذا قدروا على إزالة هذا العدو مضوا في حجهم، وإن لم يقدروا فليتحللوا إذا كان الوقت ضيقاً, وإذا منعت السيارة بأكملها، وكانوا قد اشترطوا فلهم أن يتحللوا ولا شيء عليهم ضاق الوقت أو يلم يضق، وإذا لم يشترطوا وتعذر عليهم الأمر فلهم أن يتحللوا وعليهم الهدي الذي قال عنه ربنا سبحانه وتعالى: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196] .

ويجوز للمحرم بالعمرة التحلل أيضاً عند الإحصار, ودليل التحلل نص القرآن، والأحاديث التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم.

الإحصار قبل أو بعد الوقوف بعرفة

من صور الإحصار أو الحصر: أن يطلب منه مال ويمنع من الدخول إلى أن يدفع المال بغير حق، فله ألا يدفع وأن يتحلل؛ لأنه محصر بذلك, ولا فرق في جواز التحلل بالإحصار بين أن يكون الإحصار قبل الوقوف بعرفة أو بعده, فلو أن الحجاج وقفوا بعرفة وبعد ذلك منع إنسان من الحج وأرجع إلى بلده ولم يكمل المناسك فهذا حصر وإحصار، وكان قد أتى بأعظم الأركان وهو الوقوف بعرفة, أو كان قبل ذلك فله أن يتحلل وأن يرجع, فهو هنا قد أحصر عن باقي أعمال الحج كالطواف بالبيت، أو السعي بين الصفا والمروة وغيرهما، فإنها تجبر بدم, فإذا تيسر له أن ينتظر ويأتي بها لزمه ذلك، وإن لم يتيسر فله أن يتحلل إذا استحال الأمر، ويرجع إلى بلده، وعليه أن يأتي بعد ذلك مرة أخرى بما بقي عليه من طواف ومن سعي.

وإذا كان الإحصار بعد الوقوف، فإن تحلل فذاك، وله البناء على ما مضى إذا زال الإحصار بعد ذلك, وإن لم يتحلل حتى فاته الرمي والمبيت، فيرجع إلى وجوب الدم لفواتهما كغير المحصر, وكذا لو ظل منتظراً ولم يتحلل إلى أن فاته المبيت بمنى ورمي الجمرات فيجبر ذلك بدم, وإذا تحلل بالإحصار الواقع بعد الوقوف فلا قضاء عليه؛ لأنه أتى بأعظم الأركان وهو الوقوف بعرفة, ولكن لابد أن يأتي بالطواف وبالسعي حتى لو رحل إلى بلده، فيلزمه في يوم من الأيام بعد ذلك أن يكمل ما بقي عليه منهما.

أما لو صد عن عرفات فكأنه لم يأت بالحج، فيفسخ الحج إلى عمرة ويأتي بأعمال العمرة, ولو منع من العمرة والحج رجع وكان قد اشترط فلا شيء عليه, وإن لم يكن قد اشترط فيلزمه الهدي.

دم الإحصار

يلزم من تحلل بالإحصار دم وهو شاة أو سبع بدنة أخذاً بالرخصة التي ذكرها ربنا: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196] فإذا أحصر ولم يتمكن وأخذ بالرخصة فتحلل، فيلزمه الهدي إن لم يكن اشترط, ولا يجوز له العدول عن الشاة إلى صوم؛ لأن الأصل الهدي إذا كان يقدر عليه، لكن إذا صعب هذا عليه، ولم يمكنه الذبح فالراجح أنه يقاس على هدي التمتع، فيصوم عشرة أيام, والأولى أن يصوم قبل التحلل عشرة أيام، وإذا لم يتيسر له ذلك فالراجح أنه يجوز قبل التحلل أو بعد التحلل، وقد حصر النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية، وكان بعض أصحابه معهم الهدي، ومع ذلك قال تعالى: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ [البقرة:196] ولم يذكر الله بدلاً للهدي, ولكن عندما ذكر التمتع ذكر البدل من الهدي، فالراجح قياس هذا على ذاك, لكن لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم أحداً ممن معه أن يصوم عشرة أيام في الحديبية، فلم يكونوا كلهم واجدين للهدي, فالنبي صلى الله عليه وسلم كان معه هدي، وغيره لم يكن معه هدي، فالراجح أن الذي يحصر في مكان فلا يتحلل حتى يصوم هذا الأفضل، وإذا لم يتيسر له ذلك تحلل وصام.

حصول التحلل

يحصل التحلل بثلاثة أشياء: الذبح إن كان واجداً للهدي, ونية التحلل, والحلق؛ لأن هذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم في الحديبية، وهذا إذا كان الحج واجباً مستقراً عليه مثل القضاء والنذر أو حجة الإسلام، فيلزمه أن يأتي بها إذا كان مستطيعاً، أما إن كان غير مستطيع فلا يجب عليه, والنبي صلى الله عليه وسلم في عمرة الحديبية اعتمر، وبعد ذلك رجع في السنة التالية في عمرة القضاء أو عمرة القضية، واسمها (عمرة القضاء)؛ لأنه النبي صلى الله عليه وسلم قاضى قريشاً فيها؛ فهي لم تكن قضاء لعمرة فائتة، ولكن كان هذا ما قاضى عليه النبي صلى الله عليه وسلم قريشاً في ذلك, وفي عمرة القضية كان معه صلى الله عليه وسلم حوالي خمسمائة من أصحابة، وفي عمرة الحديبية كانوا ألفاً وأربعمائة, فلو كانت هذه قضاء لهذه لوجب على من كانوا معه كلهم أن يذهبوا في العمرة التالية، ولم يحدث ذلك, فدل على أنه إذا أحصر الإنسان وتحلل وسقطت الاستطاعة فلا يجب عليه الحج، إلا أن تجتمع فيه شروط الاستطاعة بعد ذلك, ويجوز التحلل من الإحرام الفاسد كما يجوز من الصحيح.

حكم الإحصار بعد فساد الحج

لقد ذكرنا أنه إذا أحرم بحجة، وأفسد حجه عند إحرامه، ثم أحصر، فعليه الدم بسبب إفساد الحج بالجماع، وعليه دم الفوات.

وذلك أنه إذا جامع المحرم بالحج جماعاً مفسداً ثم أحصر تحلل، ويلزمه دم للإفساد، ودم للإحصار, فلو لم يتحلل حتى فاته الوقوف ولم يمكنه إتيان الكعبة تحلل في موضعه تحلل المحصر، ويلزمه ثلاثة دماء.

وصورة هذه المسألة: لو أن إنساناً أحرم بالحج ثم أفسد الحج بجماع، فعليه أن يكمل الحج، وعليه دم بسبب ذلك, فإذا أحصر بعد ذلك فإما أن يتحلل أو ينتظر إلى أن تفوته عرفة، فلو تحلل وجب عليه الدم بسبب الفوات، والواجب السابق عليه البدنة بسبب الجماع, فإذا انتظر إلى يوم عرفة وفاته عرفة وفاته الحج ولم يكن قد تحلل فيكون عليه ثلاثة دماء، دم التحلل من الإحصار، ودم إفساد الحج بالجماع، فلو زاد أن فوت الحج على نفسه بعدم التحلل قبل ذلك فيجب عليه دم ثالث بسبب الفوات, فصار عليه ثلاثة دماء: دم للإفساد، ودم للفوات، ودم للإحصار, فدم الإفساد بدنة، والدمان الآخران شاتان, ويلزمه قضاء واحد.

إذا خاف الرجل لضيق الوقت أن يحرم بالحج فيفوته فيلزمه القضاء ودم الفوات فله أن يحرم إحراماً مطلقاً, يعني: يحرم بقوله: لبيك اللهم لبيك, وإذا تيسر له أنه يأتي عرفة فيكون هذا إحرام بالحج، وإذا لم يتيسر له ذلك فيكون ذلك عمرة ولا شيء عليه أكثر من ذلك.

صورة لوجوب قضاء الحج في نفس عام الأداء

لو أن إنساناً أفسد حجه بالجماع، ثم أحصر فتحلل، ثم زال الحصر والوقت واسع، فأمكنه الحج من سنته لزمه أن يقضي الفاسد من سنته, وهذه هي الصورة الوحيدة التي يكون فيها القضاء في نفس عام الأداء.

ولكنه لو لم يسعه الوقت عاد من قابل لقضاء حجته، ولا يصح أن يقول: أنا سأركب طائرة، وأرجع بلدي، وأحرم مرة ثانية، والفرق أنه في الصورة الأولى أنه منع من إكمال حجه، والأصل وجوب إكمال هذه الحجة الفاسدة، والقضاء من العام القادم, ولكن إذا منع وعاد إلى بلده، ثم تيسر له بعد ذلك أن يقضي في العام نفسه بالصورة التي ذكرناها قبل قليل، ولو أحصر في الحج وفي العمرة فلم يتحلل وجامع لزمته البدنة ولزمه القضاء.

مسائل متفرقة في اشتراط المحصر عند الإحرام

إذا مرض المحرم ولم يكن شرع في التحلل فالأولى أن يصبر, فإن كان محرماً بعمرة أتمها إذا تيسر له, وإن كان محرماً بحج وفاته الحج فإنه يتحلل بعمرة، وعليه القضاء، لكن إذا كان قد اشترط أنه محله حيث حبس فالوقت الذي منع فيه بمرض عرف أنه يطول به لا يستطيع معه أن يؤدي المناسك فله أن يتحلل ولا شيء عليه.

وكذا لو شرط التحلل لغرض آخر كضلال الطريق، ونفاذ النفقة، والخطأ في العدد ونحو ذلك فكله اشتراط صحيح، وله التحلل بسبب ذلك, أما إذا شرط التحلل بلا عذر، وذلك بأن قال: وقت ما أشاء أتحلل فلا يصح هذا، فلابد من اقتران الشرط بالإحرام, فلو أحرم ولم يشترط لا يصح في بداية المناسك أن يقول: محلي حيث حبستني، بل لابد أن يكون الاشتراط قبل ذلك عند الإحرام.

صور من الإحصار

يجوز لمستحق الدين الحال منع المدين الموسر من الخروج إلى الحج وحبسه ما لم يؤد الدين, فلو أن إنساناً أراد الحج وعليه دين، وجاء ميعاد دفع الدين، وبعده قطع التذكرة للسفر للحج، فلبس لباس الإحرام ولبى بحجة, فجاء صاحب الدين يطالبه بعدم السفر حتى يرد دينه، فيجوز لصاحب الدين أن يحلله, لأن دينه مقدم، وقد جاء موعده, فيجوز لمستحق الدين الحال منع المدين الموسر من الخروج إلى الحج, أما إذا كان المدين معسراً فليس من حق صاحب الدين أن يحبسه.

إذا أجبر الزوج زوجته على التحلل، وكان قد أذن لها في الحج، فلما خرجت وأحرمت أجبرها على الرجوع, وكذلك إذا أجبر الولد على الرجوع فلهما حكم المتحلل بحصر خاص، فإذا كانا قد اشترطا عند الإحرام أن محلهما حيث حبسهما، فيتحللان ولا شيء عليهما، أما إذا لم يكونا شرطا فعليهما الهدي والله أعلم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم, وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح كتاب الجامع لأحكام العمرة والحج والزيارة - مجمل أعمال الحج والعمرة وأحكام الفوات والإحصار للشيخ : أحمد حطيبة

https://audio.islamweb.net