إسلام ويب

يحثنا ديننا الإسلامي على حسن المعاملة مع الخلق كثيراً، وهي التي تتيح أكبر قدر من التعايش بينهم، وهي طريق لحسن المعاملة مع الله تعالى. وحسن الخلق بشره النبي صلى الله عليه وسلم بمحبته ومجاورته، وأنذر سيء الخلق بالعذاب والنار، كيف لا وقد كان من نفعه وبركته: دخول شعوب من دول آسيا في ديننا الإسلامي عن طريق التجار المهاجرين ذوي الأخلاق الحسنة.

الترغيب في حسن الخلق والترهيب من سوء الخلق

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال المصنف رحمه الله تعالى:

[ الترغيب في الخلق الحسن وفضله، والترهيب من الخلق السيئ وذمه:

عن النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم؟ فقال: البر حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس)، رواه مسلم والترمذي .

وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً، وكان يقول: إن من خياركم أحسنكم أخلاقاً)، رواه البخاري ومسلم والترمذي .

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله يبغض الفاحش البذيء)، رواه الترمذي وابن حبان في صحيحه، وقال الترمذي : حديث حسن صحيح.

وزاد في رواية له: (وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة). ورواه بهذه الزيادة البزار بإسناد جيد لم يذكر فيه: (الفاحش البذيء)، ورواه أبو داود مختصراً قال: (ما من شيء أثقل في الميزان من حسن خلق) ].

هذا الحديث عن النبي صلوات الله وسلامه عليه في الترغيب في الخلق الحسن وفضل حسن الخلق، وقد جاءت فيه أحاديث كثيرة جداً، فجاء عنه صلى الله عليه وسلم: (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)، فمن أفضل ما ينعم الله عز وجل به على الإنسان المؤمن بعد نعمة الإسلام أن يحسن خلقه، ولولا أن أمر الخلق الحسن أمر عظيم في الدين ما كان لتِأتي فيه هذه الأحاديث الكثيرة عن النبي صلى الله عليه وسلم في الحث عليه، وفي ثوابه، وكيف يبلغ به أعلا الدرجات يوم القيامة، بل إن الإنسان بالخلق الحسن يجاور النبي صلى الله عليه وسلم.

شرح حديث: (البر حسن الخلق...)

فمن الأحاديث: حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه قال: (سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البر والإثم، فقال: البر حسن الخلق).

الإنسان البار هو الكثير الأفعال الحسنة، فيبر الناس، ويبر أهله، ويبر نفسه، وبهذا يكون الإنسان باراً، وهو أفضل شيء يكون عليه، والذي يدفعه لهذا البر هو حسن الخلق؛ لأن الدافع لأعمال البر حسن خلق الإنسان، والإثم: هو الذنوب، وهو الشيء الذي يدفع العبد لمعصية الله سبحانه وتعالى، وقد أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم معنىً جامعاً فقال: (ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس)، وصحيح فكل إنسان يعرف أن هذا صحيح وهذا غلط، وأن هذه معصية وهذه طاعة، ولكنه أحياناً يتغافل عن الشيء ويذهب يسأل المسألة ويغلفها بإطار حتى يأخذ الجواب على هواه، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول لك: إنك حتى لو أخذت هذا الجواب على هواك فلا تعمل بهذا الشيء؛ لأنك تعرف أن هذا خطأ.

وإذا حاك في صدرك منه شيء فلا تعمل بهذا الشيء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والإثم ما حاك في صدرك، وكرهت أن يطلع عليه الناس).

فقد يحس الإنسان في صدره من مسألة معينة وإن كان قد سأل فيها، وقيل له: إن هذه حلال، ولكن: يشعر في نفسه أنه خطأ، وأنه ما سأل السؤال على الوجه الصحيح فيها؛ ولذلك جاءته الإجابة خاطئة.

فنقول له: إن الجواب الخاطئ لن يغير من أصل حقيقة المسألة شيئاً، والإثم إثم ولن يتحول إلى شيء حسن، وانظر إلى بني إسرائيل لما تحايلوا على ما نهاهم الله عز وجل من العمل في يوم السبت، وقالوا: نحن لن نصطاد يوم السبت، ولكنهم ينصبون شباكهم في يوم الجمعة فتحبس السمك يوم السبت، ثم يأتي يوم الأحد ويأخذونه.

فهم ظنوا أنهم بهذا قد نجوا؛ لأنهم لم يعملوا يوم السبت شيئاً، فتحايلوا على ربهم سبحانه، فكان أن مسخهم الله عز وجل قردة وخنازير؛ لعصيانهم وبعدهم عن الله سبحانه، وتحايلهم على دينه.

وأما الإثم: فإذا عرفت في نفسك أن هذا خطأ فلا تفعله، حتى وإن قيل لك: إن هذا صواب طالما أنك شككت في الأمر، وفي نفسك أن هذا خطأ، فلا تعمل بهذا الخطأ.

شرح حديث: (ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من حسن الخلق)

قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: (ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن)، وقال: (وإن الله يبغض الفاحش البذيء)، وفي الحديث الآخر، يقول عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما: (لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحشاً ولا متفحشاً).

والفاحش: هو الإنسان الذي ينطق بالبذيء من القول.

والمتفحش: هو الذي يبالغ في ذلك، أو الذي يتكلف ذلك، مثل: أن تجد شاباً منحرف السلوك في الشارع فيأتي آخر ويجعل نفسه مثله، فهنا الأمر: الفاحش والمتفحش، والنبي صلى الله عليه وسلم ليس في لسانه الفحش، ولا يتكلف ذلك، فلم يكن هذا من شأنه ولا من طبعه، صلوات الله وسلامه عليه.

ونحن نقول: الفحش: هو الكلام الخطأ، ولكن كان عند النبي صلى الله عليه وسلم الفحش من القول ما هو دون ذلك بكثير، لذلك كان الصحابة يقولون لمن بعدهم: إنكم لتعملون أعمالاً هي في أعينكم أدق من الشعر، وكنا نعدها على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من الموبقات.

وقد دخل يهودي على النبي صلى الله عليه وسلم وسلّم فقال: السام عليكم، والسام: الهلاك، فهو يلوي لسانه بالكلمة حتى يفهمها النبي صلى الله عليه وسلم: السلام عليكم، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (وعليك)، وفهم الذي يقوله الرجل.

والسيدة عائشة سمعت وظنت أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يفطن إلى ذلك، فقالت: وعليك السام واللعنة، وردت عليه كما قال، فالنبي صلى الله عليه وسلم قال: (مه يا عائشة -أي: اسكتي واصمتي- فقالت: أوما سمعت ما يقول؟ فقال: قد سمعت وأجبت، يستجاب لي فيه، ولا يستجاب له في).

وفي رواية أنه قال لها: (متى عهدتني فحاشاً، إن الله لا يحب الفحش ولا التفحش)، وكأنه اعتبر أنها بهذه المقالة ردت عليه أكثر مما قال، فهو قال: السام عليك، وهي قالت: وعليك السام واللعنة، فاعتبر هذا من الفحش.

وأما ما نراه اليوم عندما يخرج الواحد منا من لسانه الكلمات الكثيرة، ويقول: إني سريع الغضب ولا أملك نفسي، فهذا هو الفحش من القول، وقد تركه النبي صلى الله عليه وسلم، ونحن نعتبره في أعيننا أدق من الشعرة وشيئاً بسيطاً جداً، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم كان يعتبره شيئاً كبيراً.

شرح حديث: (ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن...)

ومن الأحاديث العظيمة التي تدفع كل إنسان إلى أن يحسن خلقه، وأن يتعامل مع الناس بما يحب أن يتعاملوا به معه، قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله يبغض الفاحش البذيء)، فالله يبغض الإنسان الفاحش في كلامه وفعاله، والبذيء: هو صاحب الألفاظ القبيحة.

قال صلى الله عليه وسلم: (وإن صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة) أي: قد تجد إنساناً كثير الصلاة، والمقصود هنا بصاحب الصلاة: صلاة النافلة، وإلا فالمسلمون كلهم محافظون على صلاة الفريضة، وليس فيها كلام، ولا يعني هذا: أن يترك شخص الصلاة نهائياً ويقول: خلقي حسن وسأبلغ به ذلك، فنقول له: نعم تبلغ، ولكن إلى الكفر والعياذ بالله، والصلاة هي الأصل ولابد منها، والصلاة التي ذكرها في هذا الحديث هي: صلاة النافلة، والصوم المذكور هو: صوم النافلة، وقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الله سبحانه وتعالى قال: (وأنه لم يتقرب إليّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه، ولا يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه) فيتقرب الإنسان أولاً بالفريضة، ثم بالنوافل حتى يحبه الله سبحانه تبارك وتعالى، وإذا كانت هذه النوافل معها حسن الخلق فما أعظم حظ هذا الإنسان! فقد وصل إلى درجة عظيمة جداً.

وقد يكون الإنسان مصلياً وصائماً ولكن لا يصلي نوافل كثيرة، أو يصوم نوافل كثيرة، ولكنه حسن الخلق، فيتعامل مع الناس بحلم وبلين، فلا يغضب، ولا يحمق، وليس من الذين إذا أتيت أحدهم بكلمة أتاك بعشر! ولكنه يصدق ويحلم على الناس، فهذا من أفضل الناس، وقد يبلغ بحسن خلقه درجة الصوّام القوّام، كما في الرواية: (ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة).

وفي رواية أخرى: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجة القائم بالليل، الظامئ بالهواجر)، فهذا إنسان يقيم الليل ويظمأ بالهواجر، أي: يصوم بالنهار الحار جداً في أيام الصيف الشديدة،و صاحب الخلق الحسن قد يبلغ درجته أو أعلى منه، وفي رواية أخرى: (إن المسلم المسدد ليدرك درجة الصوّام القوّام بآيات الله، بحسن خلقه وكرم ضريبته).

فالمسلم المسدد: هو الموفق الذي وفقه ربه لحسن الخلق، وطاعة الله عز وجل، وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، (ليدرك درجة الصوّام)، أي: الذي يصوم النوافل المواظب على ذلك، فهذا الحسن الخلق لا يصوم كثيراً من النوافل، ولكن يبلغ بحسن خلقه درجة هذا الصوام القوام بآيات الله بحسن خلقه، وكرم ضريبته، والضريبة هنا: الطبيعة، أي: أن طبيعته كريمة وسمحة وسهلة، وليس فيه عنف، وهذه هي فيه طبيعة وسجية سهلة، فهذا من أعظم الناس درجة.

وفي حديث النبي صلى الله عليه وسلم الذي ذكر لنا فيه أن الناس ثلاث درجات، قال صلى الله عليه وسلم: (أنا زعيم ببيت) أي: أنا ضامن، والزعيم هو الضامن، ومنه قول نبي الله يوسف: وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ [يوسف:72] أي: وأنا ضامن، فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول لنا: أنا ضامن، ومتكفل لهذا الإنسان بهذا البيت في الجنة، قال صلى الله عليه وسلم: (أنا زعيم ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً)، والجنة درجات، والمعنى: أنا ضامن أن يدخل الجنة بترك المراء وإن كان محقاً، والمراء: الجدل.

والجدل يفسد العلاقات بين الناس، حتى لو أنت على صواب إذا فتحت باب الجدل مع إنسان لا تصل معه في النهاية إلى شيء، وخاصة إذا كان مخاصماً عنيداً، وهذا في أمور الدنيا، فإذا كان في أمر الدين فالأفضل للإنسان أن يقفل باب الجدل إلا أن يحتاج للرد على كافر، أو صاحب بدعة، ولكن لا تبقى هذه عادة الإنسان في كل وقت، فيتوهم أن هذا ابتدع بدعة فيقول: لا تتكلم معه، ولا تفعل معه أي شيء، هذا فعل كذا فلا أتكلم معه، ولا أناقشه، بسبب وبغير سبب! ولكن إن احتاج إلى ذلك فعل، ولا يرضى أن تكون كثرة الجدل طبيعة في نفسه أبداً، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أنا ضامن -أي: أنا زعيم- ببيت في ربض الجنة لمن ترك المراء وإن كان محقاً)، وهذه هي الدرجة الأولى، وهي أقل درجات الجنة.

الدرجة الثانية: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وببيت في وسط الجنة) أي: أعلى قليلاً من الأول، (لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً) فضمن له بيتاً في وسط الجنة إذا كان لا يكذب، حتى ولو كان يمزح مع صديق أو مع الناس فلا يكذب، ولم يبح النبي صلى الله عليه وسلم الكذب إلا في أحوال:

حالات يجوز فيها الكذب

الحالة الأولى: إذا كان الرجل مع أهله، ففي حال الكلام والمعاشرة يتكلم معها ويقول: أنت أجمل النساء، وأنت كذا، ويتكلف في أشياء لعلها غير موجودة، ولكن كنوع من العشرة والمودة والمحبة، وهذا مغتفر.

الحالة الثانية: في الحرب، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الحرب خدعة)، فالإنسان في الحرب إما أن يخدع خصمه ويغلبه، أو أن يُخدع من الخصم فيقتل، فأباح النبي صلى الله عليه وسلم الكذب إذا كان في حال من هذه الأحوال التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم، والغرض بيان أن هناك صوراً أباح النبي صلى الله عليه وسلم للإنسان أنه إما أن يعرِّض في الكلام، أو إذا لم يجد إلا أن يكذب لذلك فله ذلك.

الحالة الثالثة: الصلح بين الناس، فإذا قال الخصم للذي يريد الإصلاح: هل سمعته يشتمني؟ فيقول: لا لم أسمعه يشتمك. فهذا جائز للإصلاح بين الناس.

والأفضل في هذه الأشياء أن تكون على وجه التعريض، فإن لم ينفع ويؤد الغرض فله أن يقول ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم، وغير ذلك لا يجوز للإنسان أن يكذب فيه، فلا يجوز له أن يمزح مع إنسان ويقول له: فلان عمل كذا البارحة، ثم تقول: لا أنا كنت أمزح معك، فلا يجوز للإنسان أن يقول ذلك.

فمعنى الحديث: أنا ضامن لك بيتاً في وسط الجنة لو تركت هذا الكذب وإن كنت مازحاً.

الدرجة الثالثة: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وببيت في أعلا الجنة) وأعلى الجنة يتشوف إليها كل إنسان، وهذا البيت كما قال صلى الله عليه وسلم هو: (لمن حسَن خلقه، أو لمن حسّن خلقه)، فالإنسان الحسن الخلق فاز على جميع هؤلاء، وارتفع إلى أعلى الجنات بحسن خلقه.

شرح حديث: (إن من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم أخلاقاً)

ومن الأحاديث التي جاءت تسلي الإنسان وتجعله يحاول أن يكون حسن الخلق، ويتكلف حتى يصير حسن الخلق له سجية وطبيعة، حديث جابر بن عبد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إن من أحبكم إليّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة أحسنكم خلقاً)، فأقرب واحد من النبي صلى الله عليه وسلم مجلساً يوم القيامة وليس قريباً فقط، فقد يكون إنسان قريباً منك وأنت لا تحبه، وهذا يحبه النبي صلى الله عليه وسلم، وقريب منه صلى الله عليه وسلم، فما أسعد حظ هذا الإنسان! وهو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أحسنكم خلقاً).

وفي حديث آخر قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بخياركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: أطولكم أعماراً، وأحسنكم أخلاقاً)، وهذا حديث عظيم ومهم جداً، فإنه كلما طال عمر الإنسان أصيب بالضيق، فتضيق أخلاقه، وتسوء تصرفاته، وتجد أصدقاءه كانوا كثيرين فقلوا؛ لأنه كل ما زاد في العمر كان أكثر غضباً، فيقول لنا: إن أفضلكم وخياركم الذي كلما طال عمره ازداد حلمه، وازداد علمه، وازداد حسن خلقه، قال صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بخياركم؟ قالوا: بلى يا رسول الله! قال: أطولكم أعماراً، وأحسنكم أخلاقاً).

وفي حديث آخر يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن أحبكم إليّ أحاسنكم أخلاقاً، الموطئون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون، وإن أبغضكم إليّ المشاءون بالنميمة، المفرقون بين الأحبة، الملتمسون للبرآء العيب)، فهنا ذكر الأحب إليه صلى الله عليه وسلم، والأبغض إليه عليه الصلاة والسلام، فأحب الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم كما قال: (أحاسنكم أخلاقاً) أي: المؤمنون ذوو الأخلاق الحسنة.

وقوله: (الموطئون أكنافاً) الكنف: هو جانب البهيمة، ودابة موطأة الكنف: أي يركبها صاحبها بسهولة، وهذا مثل يضرب للمؤمن وكأنه يذلل ويمهد نفسه، ويجعل نفسه سهلة مع الناس، فهو موطأ الكنف، أي: سهل كالدابة التي يركبها صاحبها بسهولة، فالإنسان المؤمن يجعل نفسه مع المؤمنين سهلاً سمحاً يجيبهم ويتعامل معهم بحسن الخلق.

ويقال للفراش: هذا فراش وطئ، أي عندما تنام عليه لا يؤذي جنبك، فكذلك الإنسان المؤمن عندما تميل عليه لا يؤذيك أبداً، ويكون حسن الخلق.

وقال صلى الله عليه وسلم: (الذين يألفون ويؤلفون) أي: ليس عندهم نفرة من الناس، فقد تجد الإنسان يقعد مع الناس ولا يندمج معهم بسهولة ويقول: طبعي هكذا! لكن الإنسان الحسن أخلاقه حسنة، فإذا جاء واحد إليك مغضباً فلا تعامله كما يتعامل معك؛ لأن المؤمن حسن الخلق، رفيق مهذب، يعتذر للناس، ويقول: كان يضحك قبل وجاء مغضباً فلعل عنده ظروفاً، فيعذر الناس ويحب الناس، والذي يحب الناس يحبونه، والذي يبغضهم يبغضونه، والمعاملة بالمثل.

ولذلك: أحب الناس إلى الله عز وجل الذي يحبه الناس، والذي يحب الناس أكثر من حبهم له، فلذلك في الحديث قال صلى الله عليه وسلم: (الذين يألفون -يألف الناس- ويؤلفون)، فيرضى عن الناس، والناس يرضون عنه بسهولة، وليس معنى هذا أن يكون مسخرة يسخر منه الناس، فهذا يلطشه وهذا يضحك عليه، وهذا يسخر به، ولكنه الذي يألف بسهولة، فعندما يتكلم لا يحس أحد معه بفجوة، فكأن بينه وبينه عِشْرة منذ زمن، وهو لعله أول مرة يكلمه، فهذا الذي يألف ويؤلف.

وأما الإنسان الذي يريد أن يألف أو يؤلف بالمزاح وبالضحك فقد سمعنا الأحاديث التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم فيمن ترك ذلك.

قوله صلى الله عليه وسلم: (وإن من أبغضكم إلي: المشاءون بالنميمة)، فقد تجد إنساناً يحضر عند فلان ويسمع منه كلمة فيحملها إلى فلان الثاني، فهو نمام، وأصل الكلمة من التنمية، والتنمية: الزيادة؛ لأنه سمع الخبر وزين له الشيطان أن يسمع ويزيد في الخبر أشياءً، فسمع فلاناً يقول عن آخر: أنه متجهم، فينقل الخبر ويقول: قال عنك كذا وكذا، ويزيد على الكلام أكثر مما قال، وهذا هو المشاء بالنميمة، أي: الذي يمشي كثيراً بالنميمة.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (المفرقون بين الأحبة) فلا يحب أن يجد اثنين يحب أحدهما الآخر إلا ويفرق بينهما، فهذا من أبغض الناس إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

ومنهم: (الملتمسون للبرآء العيب) أي: المتتبعون لعيوب الناس، فإذا اطلع على عيب لأحدهم فضحه بين الناس، فهذا من أبغض الناس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكيف بحاله مع رب العزة!

نسأل الله عز وجل أن يرزقنا حسن الخلق، وأن يجعلنا ممن يجاور النبي صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصلى اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح الترغيب والترهيب - الترغيب في الخلق الحسن وفضله والترهيب من الخلق السيئ وذمه للشيخ : أحمد حطيبة

https://audio.islamweb.net