إسلام ويب

من فرائض الله على عباده: الزكاة، فهي أحد أركان الإسلام، وهي من ضمن الخمس التي تدخل صاحبها الجنة مع اقترانها بالإيمان، وإخراج الزكاة يكون عن طيب نفس، ولا يخرج المسلم الزكاة إلا من أوسط ماله، فيجتنب الرديء، ولا يتكلف الغالي من ماله.

الترغيب في أداء الزكاة وتأكيد وجوبها

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الحافظ المنذري رحمه الله: [ الترغيب في أداء الزكاة وتأكيد وجوبها.

عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان)، رواه البخاري ومسلم.

وروى الطبراني في الكبير بإسناد جيد عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (خمس من جاء بهن مع إيمان دخل الجنة: من حافظ على الصلوات الخمس: على وضوئهن، وركوعهن، وسجودهن، ومواقيتهن، وصوم رمضان، وحج البيت إن استطاع إليه سبيلاً، وأعطى الزكاة طيبة بها نفسه).

وروى أحمد والترمذي من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: كنت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فأصبحت يوماً قريباً منه ونحن نسير، فقلت: يا رسول الله! أخبرني بعمل يدخلني الجنة ويباعدني من النار، قال: (لقد سألت عن عظيم، وإنه ليسير على من يسره الله عليه: تعبد الله ولا تشرك به شيئاً، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت)].

هذه أحاديث يذكرها الحافظ المنذري رحمه الله في كتاب الصدقات في باب الترغيب في أداء الزكاة وتأكيد وجوبها، ولا شك في هذه الأيام أننا نتذكر الأحاديث التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فمن كانت عليه زكاة مال فليخرجها، ومن كان عليه في هذه الأيام زكاة الفطر، فليخرجها قبل العيد بيوم أو يومين أو قبل صلاة العيد، وليعرف ما الواجب عليه.

والزكاة ركن من أركان الإسلام، وهي الركن الثالث بعد شهادة أن لا إله الله وأن محمداً رسول الله، وبعد إقام الصلاة.

وقد فرضها الله عز وجل في كتابه، وجاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم الأحاديث التي تفيد ذلك، منها: حديث: (بني الإسلام على خمس)، وهو حديثٌ معروف.

وحديث أبي الدرداء : (خمس من جاء بهن مع إيمان دخل الجنة: من حافظ على الصلوات الخمس: على وضوئهن، وركوعهن، وسجودهن، ومواقيتهن) فالصلوات الخمس لعظم شأنها يفصل النبي صلى الله عليه وسلم فيها، فكان من الممكن أن يذكر من حافظ على الصلوات الخمس فقط، ولكن تأكيداً لأهمية المحافظة، فقد يظن إنسان أن المحافظة تعني: على الوقت فقط، فيكون بذلك حافظ على الصلاة، ثم يصلي الصلاة فيسرع فيها، وينقرها كنقر الغراب مثلاً، ويظن أنه قد أتى بما هو واجب عليه، فأكد النبي صلى الله عليه وسلم وفصل حتى يعرف المسلم أن الصلاة لابد أن يؤديها بحقها كما أمر الله سبحانه وتعالى.

فيحسن صلاته، وهيئتها وقيامها وقعودها، وركوعها وسجودها، ويحسن وضوءها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم مفصلاً: (من حافظ على الصلوات الخمس: على وضوئهن، وركوعهن، وسجودهن، ومواقيتهن) فأصلها تأصيلاً، ثم قال: (وصام رمضان، وحج البيت إن استطاع إليه سبيلاً، وأعطى الزكاة طيبةً بها نفسه) فهذه أركان الإسلام، وبدأ بالإيمان بالله سبحانه في الحديث الآخر، فذكر: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر الصلاة، وذكر الصوم وذكر الزكاة، وذكر حج البيت من استطاع إليه سبيلاً.

وفي حديث معاذ كذلك ذكره صلى الله عليه وسلم.

فرض الله الزكاة تطهيراً للمال وإذهاباً لشره

جاء في حديث آخر لـجابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (قال رجل: يا رسول الله! أرأيت إن أدى الرجل زكاة ماله؟ فقال صلى الله عليه وسلم: من أدى زكاة ماله فقد ذهب عنه شره) فكأن المال فيه خير وفيه شر، وبأدائك لزكاة المال تطهر هذا المال فتذهب عنك شره.

وفي رواية: (إذا أديت زكاة مالك فقد أذهبت عنك شره).

وقد فرض النبي صلى الله عليه وسلم زكاة الفطر بأمر ربه سبحانه طهرة للصائم من الرفث واللغو، وزكاة الفطر تطهير بدني للإنسان، فالإنسان قد يلغو بلسانه، وقد يلهو، وقد يقع في الرفث وفي الفاحش من القول من حيث يدري أو من حيث لا يدري، ففيه زكاة الفطر، فهي تطهر بدن هذا الإنسان مما عساه وقع فيه في شهر رمضان من لغو ورفث.

عدم جواز خصم الدين من الزكاة

وزكاة المال تطهر مال الإنسان مما فيه من الشر.

ومن الأحاديث حديث لـسمرة عند الطبراني يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أقيموا الصلاة، وآتوا الزكاة، وحجوا واعتمروا، واستقيموا يستقم بكم).

(أقيموا الصلاة) تقيمها صلاة مستقيمة كما أمر الله وفرض.

(وآتوا الزكاة) والزكاة: إعطاء، ولا يصلح الخصم في الزكاة، وهذا السؤال يتكرر كثيراً من الناس، حيث يقول السائل: أنا لي دين عند إنسان وهذا الإنسان فقير، فهل أتصدق عليه بهذا الدين؟ نقول له: تصدق بالدين.

ولا يجوز أن تخصم ما تصدقت به من الزكاة؛ لأن الزكاة إيتاء وليست خصماً، فإنك لن تفيد إذا خصمت الدين من الزكاة لا أنت ولا هو، فإنك لم تطعمه وتسقيه، فأنت تعطيه الزكاة لتسد خلته وحاجته، وخصمك للدَّين وجعل هذا الخصم من الزكاة ليس فيه إطعام ولا سقي، فأنت لم تفد شيئاً عن طريق هذا الخصم، والله عز وجل قال: إيتاء: (وآتوا الزكاة) فالزكاة إعطاء، ولا يصلح في الزكاة الخصم، فأنت تعطي الإنسان الزكاة حتى ولو كان هذا الإنسان لك دين عليه، فيجوز لك أن تعطيه من زكاة مالك، لكن لا تخصم شيئاً، والدين الذي عليه سيؤديه إليك يوماً من الأيام إن شاء الله عز وجل.

وإذا أحببت أن تلغي هذا الدين تصدقت عليه بإبرائه، ولكن لا تخصم ذلك من الزكاة، ولا يحسب ذلك من الزكاة، وإنما أنت تتصدق عليه صدقة مطلقة فتلغي هذا الدين ويكون لك أجر عظيم، ولو صبرت على الإنسان الذي استلف منك مالاً وأعطيته موعداً لسداده، فكأنك تصدقت بنصف هذا المال، فإذا جاء الأجل ولم يقدر هذا الإنسان على دفع ما عليه من الدين فأنظرته فقد تصدقت على هذا الإنسان، فكيف بك لو تنازلت عن هذا الدين وسامحته؟!

الحث على السير على الطريق المستقيم

قال: (وحجوا واعتمروا واستقيموا) فالإنسان المؤمن يستقيم في طريقه ولا يعوج يميناً ولا شمالاً عن طريق الله سبحانه وتعالى، والله عز وجل قال للنبي صلى الله عليه وسلم: فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ [هود:112] أي: استقم على ما أمرك الله به، وامش على الصراط المستقيم، وما أخصر الطريق إلى جنة الله عز وجل من الطريق المستقيم، بل إن أخصر الطرق في الدنيا الطريق المستقيم، فإذا ذهبت شمالاً أو يميناً جعلت الطريق طويلاً، ولكن الطريق المستقيم يؤدي بك إلى الغاية سريعاً، فغاية المؤمن في الدنيا هي الجنة، وأخصر طريق للجنة ألا تعوج شمالاً ولا يميناً، ولا تأتي المعاصي أو الشبهات والشهوات، ولكن كن في طريق الله على الصراط المستقيم، وإن استقمت وعلم الله عز وجل في قلبك ذلك أعانك، فالله عز وجل يوجهك ويدفعك إلى طريق الجنات، ومن الأحاديث التي جاءت عنه صلوات الله وسلامه عليه:

ما رواه البزار عن عمرو بن مرة الجهني قال: جاء رجل من قضاعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني شهدت أن لا إله إلا الله، وأنك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصليت الصلوات الخمس وصمت رمضان وقمته، وآتيت الزكاة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مات على هذا كان من الصديقين والشهداء)، وهذه بشارة عظيمة جداً من رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأعمال اليسيرة التي تعملونها في هذا الشهر وفي غيره.

فقوله: (من مات على هذا) ليس المعنى: أنك تصوم رمضان وتقومه، فإذا ذهب رمضان انقطع هذا العمل الذي كنت تعمله، فقال: (من مات على هذا) يعني: واظب على هذا، وهي أعمال سهلة وبسيطة: شهادة أن لا إله الله وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإقامة الصلاة والمحافظة عليها كما أمر الله حيث ينادى بهن، فصيام رمضان وقيامه، وإيتاء الزكاة، فمن فعل ذلك، (ومات على ذلك فهو من الصديقين والشهداء)، وهم أعلى أهل الجنة درجات، قال تعالى: فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا [النساء:69] يعني: إذا أردت مرافقة هؤلاء فالعمل بسيط وسهل فيها، ولكن واظب على هذا العمل، فتأتي بكلمة التوحيد بحقها لا إله إلا الله، وشروط هذه الكلمة: العلم، واليقين، والقبول، والانقياد، والصدق، والإخلاص، والمحبة، والولاء والبراء، وتؤمن بأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتواظب على الصلاة حيث ينادى بها وتستقيم فيها، وتصوم رمضان وتقومه، فإن مت على ذلك كنت مع الصديقين والشهداء، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من مات على هذا كان من الصديقين والشهداء).

التوسط في إخراج المال في الزكاة

روى أبو داود من حديث عبد الله بن معاوية الغاضري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثلاث من فعلهن فقد طَعِمَ طَعْمَ الإيمان) أي: ذاق طعم الإيمان في قلبه، قال: (من عبد الله وحده، وعلم أن لا إله إلا الله) وهذا كقول الله تعالى: فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ [محمد:19] أي: العلم المنافي للشك، قال: (من عبد الله وعلم أن لا إله الله، وأعطى زكاة ماله طيبة بها نفسه) فيعطي زكاة ماله ولكن شرط ذلك: أن يعطي زكاة المال طيبة بها نفسه، فتراه مسروراً بأنه يدفع زكاة المال؛ لأن الله عز وجل وعده الأجر العظيم.

والرفد معناه: الإعانة، أي: يعطي ويعين بها في كل عام، وأيضاً: نفسه تعينه على ذلك، قال: (ولم يعط الهرمة، ولا الدرنة، ولا المريضة، ولا الشرط اللئيمة) والهرمة: العجوزة إذا كانت في زكاة بهيمة الأنعام، والدرنة التي فيها درن، والشرط اللئيم: الرذيلة من المال كالمسنة والعجفاء أو التي فيها داء.

قال: (ولكن من وسط أموالكم فإن الله لم يسألكم خيره، ولم يأمركم بشره) يعني: في زكاة المال لم يطلب منكم أغلى شيء في أموالكم ولا أدنى الأشياء، ولكن تدفع في زكاة مالك أو الصدقة الوسط، وهو الشيء الذي تحبه لنفسك، فتعطيه للفقراء فهذه بعض الأحاديث التي جاءت عن النبي صلى الله عليه وسلم في زكاة المال.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصلى اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح الترغيب والترهيب - الترغيب في أداء الزكاة وتأكيد وجوبها للشيخ : أحمد حطيبة

https://audio.islamweb.net