إسلام ويب

لقد حرم الله على المؤمنين دخول بيت نبيه عليه الصلاة والسلام إلا إذا أذن لهم إلى طعام، ويكون هذا الدخول بآداب، حتى لا يؤذوا النبي بالدخول عليه في وقت لا يحب دخولهم عليه، لاسيما وبيوته كانت صغيرة.

تفسير قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي...)

سبب نزول قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت...)

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الله عز وجل في سورة الأحزاب: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا * إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا * لا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلا أَبْنَائِهِنَّ وَلا إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلا نِسَائِهِنَّ وَلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا [الأحزاب:53-55].

في هذه الآيات من سورة الأحزاب يأمر الله سبحانه وتعالى المؤمنين بمراعاة الأدب العظيم مع النبي صلوات الله وسلامه عليه، فيقول: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ [الأحزاب:53] وثبت في نزول هذه الآية: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما تزوج زينب بنت جحش رضي الله عنها أولم، وكانت النساء إلى ذلك الحين لا يحتجبن من الرجال، وكان الرجال يدخلون مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيته، وتكون زوجة النبي صلى الله عليه وسلم في هذا البيت، وبيته هو غرفة، فكان الضيف عندما يدخل معه صلى الله عليه وسلم فالمرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم تولي ظهرها للضيف ووجهها للحائط.

فالنبي صلى الله عليه وسلم أولم على السيدة زينب رضي الله عنها ودخل الناس يأكلون ووجهها للحائط وظهرها للناس، والناس يدخلون فيأكلون وينصرفون، ومكث مجموعة منهم أكلوا ولم ينصرفوا، فالنبي صلى الله عليه وسلم ساءه هذا الشيء، فخرج صلى الله عليه وسلم ورجع لعلهم يفهمون، فلم ينصرفوا وبقوا يؤانس بعضهم بعضاً بالحديث، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يدخل ويخرج، ففي النهاية انتبهوا فخرجوا، وأنزل الله عز وجل هذه الآية يؤدب المؤمنين أن هذا لا ينبغي أبداً، وعلى الإنسان ألا يكون ضيفاً ثقيلاً على من ينزل عليه، فقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ [الأحزاب:53].

إذاً: الأصل حرمة دخول بيوت النبي صلى الله عليه وسلم، والله عز وجل استثنى حالة واحدة وهي أن يدعوكم النبي صلى الله عليه وسلم إلى بيته، واستثنى من هذا الاستثناء أنه حتى ولو دعاكم إلى بيته لا تدخلوا إلا في وقت نضج الطعام فقط، لتأكلوا ثم تنصرفوا، فإذا طعمتم لا يجوز لكم الجلوس مستأنسين لحديث، بل انصرفوا.

وهذا أدب عظيم للضيف في كيفية التعامل مع صاحب البيت، وخاصة النبي صلوات الله وسلامه عليه، فيقول الله تبارك وتعالى للمؤمنين: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ [الأحزاب:53].

قوله: (غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ)، يعني: غير منتظرين إناه، والمقصود هنا: وقت نضجه، فإذا دعا رجل إنساناً إلى طعام ليتغدى عنده فلا يذهب من الصبح وينتظر مائدة الأكل، بل لا يذهب حتى ينضج الطبيخ، فإذا أكل انصرف.

أهمية الحرص على الوقت وعدم تضييع وقت الآخرين

على الإنسان إذا دعي إلى طعام ألا يكون ضيفاً ثقيلاً على من يذهب إليه، فإذا دعاك إنسان إلى طعام تذهب في وقت الدعوة الذي حدده المضيف وليس قبل هذا الوقت.

وعلى الإنسان أن يفي بوعده، وأن يلتزم بالمواعيد، فوقت المسلم غال، يقضي وقته في ذكر الله عز وجل، يقضيه في قضاء حوائجه، يقضيه في عمله، يقضيه مع أهله وأولاده، يقضيه في صلاة، يقضيه في عبادة، فعلى كل إنسان أن يراعي وقت الآخر، وإذا كان يريدك لحاجة لا تقل: دعوه ينتظر!

وبعض الناس قد يزور آخر في وقت متأخر من الليل، فيضيع عليه عمل اليوم التالي أو يضيع عليه صلاة الليل، فهذا ما عرف قيمة الوقت.

فانظروا إلى هذه الآية كيف تؤدب الصحابة إذا دعوا إلى طعام، حتى لا يضيعوا وقت النبي صلى الله عليه وسلم، وإذا أكلوا ينصرفون ولا يستأنسون لحديث، فالنبي صلى الله عليه وسلم كان طيب العشرة، وكان لا يواجه أحداً بما يكره، دخل عليه رجل فقال وهو داخل: (بئس أخو العشيرة)، فعندما جلس إذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يتكلم معه ويتبسط معه ويضحك معه، صلوات الله وسلامه عليه.

فربنا يؤدب المؤمنين والنبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يؤانسك بالحديث ليس معنى هذا أنك تجلس وتأخذ راحتك وتضايق النبي صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ [الأحزاب:53]، فعلى الضيف إذا دعي إلى الطعام أن يذهب في الموعد الذي حدد له، لا بعده ولا قبله، فإذا فرغ من الطعام فلينصرف ولا يجلس إلا أن يمسك به صاحب البيت، ويصر على مكثه فهذا أمر آخر، ولكن دائماً عود نفسك إذا دعاك إنسان ألا تمكث بعد الطعام كثيراً، حتى لا تضايق صاحب البيت، ولا تضطره أن يقول لك: ورائي شغل، ورائي كذا، أريد أن أنام، فتحرج صاحب البيت في ذلك.

قال ربنا سبحانه: فَإِذَا طَعِمْتُمْ [الأحزاب:53] أي: أكلتم فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ [الأحزاب:53] من الأنس، والأنس: ضد الوحشة، فالأنس يكون بالمحادثة اللطيفة، وبطيب المجلس، وبطيب المعاشرة.

فالمعنى: حتى لو بدا لك من النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فلا تستأنس بحديث، وتعود لتسأله عن شيء وراء شيء، وتتكلم وتطيل المجلس، وهذا أدب للصحابة وغيرهم أولى بهذا الأدب.

فعلى الإنسان أن يتأدب بهذا الأدب، فإذا أدخلك إنسان بيته لطعام فلا تطل في الكلام معه، فهو قد يريد أن يقوم من الليل، يريد أن يصلي الفجر، يريد أن يحضر الدروس، يحترم بعضنا وقت بعض، فالوقت عظيم جداً، الوقت فرصة عمرك ولن يعوض مرة ثانية، فلا تضيع وقتك ولا وقت غيرك، فالوقت غال جداً، الوقت هو عمرك، الوقت كالذهب، الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك، الوقت عظيم، إذا ذهب لا يعوض أبداً، فلا تضيع وقتك ولا وقت غيرك.

فعلينا أن نراعي هذا الأدب الذي علمناه الله تبارك وتعالى، وهو أدب الضيافة، وأدب الحديث، وعدم الإكثار من السؤال، وعدم تضييع أوقات الناس، إذا رأيت أخاك في المسجد يقرأ القرآن لا تقل له: تعال نتكلم قليلاً وتشغله عن القرآن، فالقرآن أعظم الأشياء، دعه يقرأ القرآن ويتقرب إلى الله سبحانه وتعالى.

وإذا رأيت إنساناً جالساً في المسجد من الفجر إلى الشروق من أجل أن يذكر الله، ويعمل بحديث: (من صلى الفجر في جماعة ثم جلس في مصلاه يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين كتب له أجر عمرة تامة تامة تامة)، فلا تجلس لتكلمه وتضيع عليه أجر العمرة التامة.

عود نفسك أن تستأنس بالله تبارك وتعالى، كثير من الناس لا يعرف هذا الشيء؛ فإذا جلس وحده لذكر الله يمل بسرعة؛ لكن إذا جلس يتكلم مع غيره فقد يجلس ساعات، فعود نفسك على الأنس بالله سبحانه، وأن تجلس وتتفكر في الله سبحانه، إذا سبحت تتأمل في معنى التسبيح، إذا حمدت الله سبحانه تتفكر في معنى الحمد، لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ [إبراهيم:7].

عود نفسك على الخلوة مع الله تبارك وتعالى، وسيأتي رمضان وكثير منكم سيعتكف، لكن قد تجد الاعتكاف يتحول إلى سمرة، تراهم ساهرين يتكلمون، والنهار يضيعونه في النوم، وهكذا تضيع الأيام من غير فائدة كبيرة.

فلنعود أنفسنا على الخلوة مع الله تبارك وتعالى، ونكثر من ذلك، وأهل الجنة يلهمون التسبيح كما نلهم النفس، فأهل الجنة متعتهم تسبيح الله تبارك وتعالى، فالذاكر يستمتع في الدنيا بذكر الله سبحانه فيمتعه الله عز وجل به في الجنة، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا من أهلها.

حرمة إيذاء النبي عليه الصلاة والسلام

يقول الله عز وجل: وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ [الأحزاب:53].

أي أن الإطالة على النبي صلى الله عليه وسلم كانت تؤذيه وتضايقه، وكذلك كثرة السؤال، وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن الله كره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال) فلا تضيعوا الوقت في كثرة السؤال، وتعلموا ما يقوله لكم النبي صلى الله عليه وسلم، ولا داعي للإكثار من الأسئلة.

فلم يزالوا يسألون النبي صلى الله عليه وسلم حتى ضايقوه، فيجيء القرآن يؤدبهم: إِذَا نَاجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْوَاكُمْ صَدَقَةً [المجادلة:12]، فالآن تصدق ثم اسأل النبي صلى الله عليه وسلم، فأشفقوا من تقديم الصدقات، فلما أبيح لهم بعد ذلك أن يسألوا بلا تقديم صدقة استحيوا من أنفسهم، فلم يسألوا النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يعجبهم أن يأتي الأعرابي فيسأل النبي صلى الله عليه وسلم فيستفيدون من ذلك، ولا يسألونه إلا لحاجة أو ضرورة.

وفي هذه الآية يقول الله عز وجل: إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ [الأحزاب:53]، كان حياء النبي صلى الله عليه وسلم يمنعه أن يأخذ حظ نفسه صلى الله عليه وسلم فيستحيي، ولكن الله لا يضيع ذلك؛ فإذا بالله عز وجل يعلم المؤمنين ألا يؤذوا النبي صلوات الله وسلامه عليه فيدفعونه إلى أن يستحيي ولا يبين لهم ذلك.

إثبات صفة الحياء لله تعالى

قوله: وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ [الأحزاب:53].

الله تبارك وتعالى يستحيي، ولكن لا يستحيي من الحق، فالله حيي كريم سبحانه، وفي الحديث: (يستحيي إذا رفع عبده يديه أن يردهما صفراً)، فإذا رفع العبد يديه فالله يستحيي أن ينزل العبد يديه من غير أن يأخذ حاجة، فيعطيه ربنا سبحانه بكرمه وفضله.

إذاً: الله يستحيي أن يسأل فلا يعطي، فمن سأله أعطاه سبحانه بفضله وبكرمه، ولكن لا يستحيي من الحق: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا [البقرة:26]، فالله لا يستحيي من الحق حتى ولو كان الأمر أن يضرب لكم المثل بالبعوضة، والبعوضة خلق من خلق الله لا تقدر أن تخلق مثلها، فالله الذي خلقها، وهو يضرب المثل بالشيء الذي خلقه، وكل خلق الله سبحانه وتعالى عظيم.

إذا تفكرتم وتدبرتم وتأملتم علمتم لم ضرب الله عز وجل المثل بالبعوضة أو بالذبابة، والمتأمل يعرف أن ذكر هذا الشيء فيه معجزة من المعجزات، فمثلاً قال الله: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ [الحج:73]، الطالب: الذي يطلب الذباب ضعيف، والمطلوب: وهو الذباب أضعف منه، فإذا أخذ الذباب شيئاً بفمه فإنه ينزل منه سائل يحوله إلى شيء آخر، فمستحيل أن ترجع ما أخذه الذباب.

وضرب الله المثل بالبعوضة، وفيها آيات من آيات الله، تدخل إبرتها في جسم الإنسان وتسحب منه الدم، وترى في الظلام، فمعها أشعة فوق بنفسجية أو تحت الحمراء ترى بها في الظلام العرق الذي تسحب منه الدم، فالبعوضة أنت لا تهتم بشأنها، والله لا يستحيي أن يضربها مثلاً، فالبعوضة شيء عظيم من خلق الله سبحانه وتعالى، فهي تفعل هذا الشيء الذي لا تقدر أنت على مثله: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا [البقرة:26].

إذاً: ربنا في أمر الحق.. في الإرشاد.. في الدعوة إليه لا يستحيي، وكذلك النبي صلى الله عليه وسلم يدل على الحق ولا يستحيي من ذلك، ولما استحيا مرة عاتبه الله عز وجل، قال الله: وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ [الأحزاب:37]، فالله أوحى إلى نبيه أن زينب رضي الله عنها زوجة زيد بن حارثة سيطلقها زوجها، ثم أنت ستتزوجها، وزيد ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أريد أن أفارقها، فقال له: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ [الأحزاب:37] وهو يعلم أن الله قد ذكر له أنه سيطلقها.

معنى قوله تعالى (وإذا سألتموهن متاعاً فاسألوهن من وراء حجاب)

قال الله سبحانه: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الأحزاب:53].

أمر الله زوجة النبي صلى الله عليه وسلم أن تكون من وراء الستر، ويأتي من يريد أن يسأل شيئاً من وراء حجاب، ولا تكون أمامه بحجابها، بل تخاطبه من وراء ساتر.

وقوله: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا [الأحزاب:53] يعني: متاعاً من متاع البيت، أو إنسان يسألها سؤالاً في من الأحكام الشرعية.

فقوله: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا [الأحزاب:53] أي: ما يتمتع به من العواري، وقيل: الفتوى.

وقوله: ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53] أي: هذا الحجاب الذي يضرب بينكم وبين نساء النبي صلى الله عليه وسلم أطهر لقلوب المؤمنين، فلا يحدث أحد نفسه بشيء، ولا يمنيها بشيء، وكذلك أطهر لقلوب نساء النبي صلوات الله وسلامه عليه، وهن اللاتي طهرهن الله، قال: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ [الأحزاب:33]، فإذا كانت الطاهرات المطهرات أمرن بذلك، فغيرهن من باب أولى أن يأمرن بالتحجب والاستتار.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة الأحزاب الآية [53] للشيخ : أحمد حطيبة

https://audio.islamweb.net