إسلام ويب

جعل الله سبحانه وتعالى نساء النبي صلى الله عليه وسلم أمهات للمؤمنين، وبين الله فضلهن على نساء العالمين، وحرم الزواج منهن بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم إكراماً له، ولهن سيرة عطرة مبسوطة في كتب السير تدل على عظم قدرهن وعلو مكانتهن، فهن طريق إلى تبيين الشريعة بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم.

ذكر ما جاء من سير أمهات المؤمنين زوجات النبي صلى الله عليه وسلم

نبذة من سيرة أم سلمة رضي الله عنها

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلّ وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

من نساء النبي صلى الله عليه وسلم السيدة خديجة بنت خويلد، والسيدة سودة بنت زمعة ، والسيدة عائشة رضي الله عن الجميع، ومنهن أيضاً حفصة بنت عمر بن الخطاب رضي الله عنها، والخامسة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم السيدة أم سلمة واسمها: هند بنت أبي أمية المخزومية ، وذكرنا أنها كانت تحت رجل تظنه خير الناس، وكان من خير أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وما كانت تظن أن هناك خيراً منه رضي الله تبارك وتعالى عنه.

وكان النبي صلى الله عليه وسلم أمرها لما مات زوجها أن تسأل ربها سبحانه أن يؤجرها في مصيبتها وأن يخلف عليها خيراً منها، وتعجبت من ذلك وقالت: من خير من أبي سلمة رضي الله عنه؟ وما خطر ببالها قط أن يتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم، فدعت ربها: (اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها).

هنا سنة من السنن: أن الإنسان إذا ابتلي بمصيبة من المصائب يدعو بهذا الدعاء العظيم: (اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيراً منها)، حتى لو كان الإنسان لا يدري ما هو الخير الذي يأتيه من هذا الشيء الذي فقده، فإذا سأل الله سبحانه وتعالى لاشك أن الله يستجيب له، ويخلف عليه ما هو خير من هذا الشيء الذي فقده، إما في الدنيا وإما في الآخرة، يخلف عليه في الدنيا بأشياء هي أفضل مما فاته، أو في الآخرة يجد الثواب العظيم على الصبر على هذه المصيبة.

تزوج النبي صلى الله عليه وسلم السيدة أم سلمة رضي الله عنها وبقيت مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى توفي صلى الله عليه وسلم، وعمرت بعد النبي صلى الله عليه وسلم، وماتت سنة (59) من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل في سنة (62)، يعني: عمرت بعد النبي صلى الله عليه وسلم (49) سنة أو (52) سنة تحدث عن النبي صلى الله عليه وسلم وتروي ما حدث من النبي صلى الله عليه وسلم وما نزل من الأحكام في بيتها، وما حفظته عن النبي صلوات الله وسلامه عليه.

نبذة من حياة أم المؤمنين أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنها

من نساء النبي صلى الله عليه وسلم أيضاً السيدة أم حبيبة بنت أبي سفيان رضي الله عنهما:

أم حبيبة كانت من المسلمات الأوائل، وزوجها كان مسلماً ثم تنصر، والله سبحانه وتعالى يَمُنّ على من يشاء بفضله ويخذل من يشاء بعدله، فمنّ عليها بالثبات على دينها، وخذل زوجها الذي هاجر معها إلى الحبشة وإذا به يجد أهل الحبشة نصارى فيتنصر مثلهم، لكنها ثبتت على الدين في دار البعد ودار الغربة.

كانت متزوجة من عبيد الله بن جحش أخو السيدة زينب بنت جحش رضي الله عنها، السيدة زينب بنت جحش صارت أماً للمؤمنين رضي الله عنه، وأخوها مات نصرانياً كافراً في دار الحبشة دار الهجرة.

فمن سوء الخاتمة: إنسان أسلم وهاجر في سبيل الله عز وجل ثم غلبت عليه شقاوته فصار كافراً بعد ذلك؛ لذلك لا يأمن الإنسان مكر الله أبداً، وإذا أعطاك الله من فضله ومن خيره فاحرص على هذا الخير وتمسك به، تمسك إذ هداك الله سبحانه بالإسلام ولا تغتر، ولا تقول: أنا بعد عشرين سنة سأصلي، أو بعد خمسين سنة أصلي، لا تمن على الله عز وجل، فإن الله يقول: يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ [الحجرات:17].

المنّة لله عز وجل على خلقه، فأنت لا تدري أن الله سبحانه قد يملي لعبده ثم يختبره، فإذا به ينقلب على عقبيه، وكم من إنسان كان على خير وكان على دين، وإذا به فجأة ينقلب حاله ويترك دين الله عز وجل ويترك صلاته ويترك التزامه، وكم من إنسان كان على هدى وعلى تقوى، ثم صار منافقاً بعد ذلك، فاسقاً شريراً.

فلا تأمن مكر الله سبحانه ولا تمنّ عليه عز وجل بأنك متمسك بدينه، فالفضل بيد الله سبحانه يهدي من يشاء ويعصم ويعافي فضلاً، ويضل من يشاء، ويخذل من يشاء.

فهذا الرجل عبيد الله بن جحش ممن خذله الله سبحانه وتعالى، ارتد في الحبشة، وصار نصرانياً وكفر، وإذا به يموت على ذلك، وصارت هي وحيدة في هذه الدار.

أين تذهب هذه المرأة الفاضلة؟ أبوها أبو سفيان زعيم قريش وزعيم الكفرة في هذا الحين، أسلم بعد ذلك رضي الله عنه، لكن حتى هذا الحين كان كافراً، هل تذهب إلى هذا الرجل أم أنها تظل في أرض الحبشة مع من هم هنالك ليس لها أحد، أو ترجع إلى المدينة؟

فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يشرفها ويكرمها ويتزوجها صلوات الله وسلامه عليه، هي في الحبشة وهو في المدينة صلوات الله وسلامه عليه، ويتولى هذا العقد الرجل المسلم الفاضل الذي هو ملك الحبشة، فإذا بالنبي صلى الله عليه وسلم يرسل إليه فيزوج أم حبيبة من النبي صلوات الله وسلامه عليه.

ومن العجب أن ملك الحبشة ملك النصارى يسلم، وهذا الرجل المهاجر إلى أرض الحبشة يتنصر، فعندما تنظر في قضاء الله سبحانه تتعجب للأمر، ولكن لا عجب في ذلك، إنه أمر الله سبحانه، قال تعالى: أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ [الملك:14]، علم أن هذا في قلبه الإسلام وفي قلبه الخير فهداه، فهذا النجاشي ملك الحبشة الذي كان نصرانياً إذا بالله يهديه إلى دينه سبحانه.

والعجب أن قومه كلهم لم يسلم منهم أحد، ولم يسلم أحد من أهل الحبشة، وإنما أسلم الرجل وجمع البطارقة وجلس معهم، وجاء بالمهاجرين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ليسمع منهم ما يقولون، فإذا بـجعفر بن أبي طالب رضي الله عنه يتلو عليه من كتاب الله سبحانه ويخبره عن أمر الله وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيصدق ويؤمن علانية، وقومه يعلمون أنه على الإسلام رضي الله تبارك وتعالى عنه، فيأتيه من الكفرة القرشيين من يقول له: اسمع ماذا يقولون في المسيح عيسى بن مريم؟ يريدون أن يوقعوا بينه وبين أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا به يجمعهم ويسمع منهم، فيقولون له: إن المسيح بن مريم على نبينا وعليه الصلاة والسلام عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه سبحانه وتعالى.

إذاً: هو عبد مخلوق، فإذا به يقول: (ما زاد المسيح على مثل هذا بحصاة)، فأسلم وقال: لولا ما هو فيه من أمر الملك وأمر البلد لذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم حتى يغسل قدميه صلوات الله وسلامه عليه.

هذا ملك لم يغتر بملكه، ولم يفتنه أتباعه، عرف الحق فاتبع الحق فاستحق أن يأتي جبريل إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويقول: (مات أخوكم النجاشي فقوموا فصلوا عليه، فيقوم النبي صلى الله عليه وسلم ويدعو المسلمين ويقول: مات أخوكم النجاشي قوموا فصلوا عليه)، فيصلي عليه صلاة الجنازة رضي الله تبارك وتعالى عنه.

مَنّ الله عز وجل عليه وهو ملك في قومه، وكل ملك يخاف على ضياع الملك من يده ولكن هذا لم يخف شيئاً، وقال: إن الله هو الذي ردّ عليّ ملكي، ليس لأحد فضل عليّ في ذلك. كان ملكه قد ضاع منه يوماً من الأيام، ورده الله سبحانه وتعالى عليه، فعرف الفضل لله.

أسلم الرجل وزوج النبي صلى الله عليه وسلم من أم حبيبة بنت أبي سفيان ودفع المهر من عنده، فكان أعظم مهر أمهرته امرأة، إذ دفع في السيدة أم حبيبة أربعة آلاف درهم، أي: أربعمائة دينار دفعها فيها، فكان أعلى مهر دُفع لامرأة من نساء النبي صلوات الله وسلامه عليه، دفعه عنه النجاشي رضي الله تبارك وتعالى عنه، ثم بعث بالسيدة أم حبيبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم مع رجل من الصحابة وهو شرحبيل بن حسنة ، فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة معززة مكرمة قد أبدلها الله سبحانه وتعالى خيراً مما كانت فيه ومما كانت عليه، وتوفيت بعد النبي صلى الله عليه وسلم في سنة (44) للهجرة، وعاشت بعد النبي صلى الله عليه وسلم (34) سنة.

الكلام على ما جاء في صحيح مسلم من تزويج أبي سفيان للنبي بأم حبيبة

جاء حديث في صحيح مسلم من طريق عكرمة بن عمار قال: حدثنا أبو زميل، قال: حدثني ابن عباس ، قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه.

أبو سفيان أسلم متأخراً، وابنته أسلمت قبله بكثير، أما أبوها أبو سفيان وأخوها معاوية فإنما أسلما قبل فتح مكة بشيء يسير، فالمسلمون كانوا يعرفون أن هذا أبو سفيان وكان شيخ قريش، وهو أبو سفيان الذي كان حارب المسلمين يوم بدر، ويوم أحد، ويوم الخندق؛ لذلك لم يكونوا يجلسون معه حتى بعدما أسلم، كانوا يعرفون أن له ما للمسلم من حق، لكن ما كانوا يقعدون إليه، وهو لم يعتد ذلك، بل كان يعتاد أنه كبير في قريش، والمسلمون لا يأبهون له ولا ينظرون إليه.

هنا هذه الرواية التي في صحيح مسلم أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا نبي الله، ثلاث أعطنيهن، فقال: نعم، قال: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها، قال: نعم، قال: ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك، قال: نعم، قال: وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين، قال: نعم).

قال أبو زميل الراوي: ولولا أنه طلب ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ما أعطاه ذلك؛ لأنه لم يكن يُسأل شيئاً إلا قال: نعم.

هذا الحديث حديث مشكل فهو في صحيح مسلم ، ولكن فيه إشكال عند العلماء، وهو أنه كيف يقول هذا الكلام: أزوجك أم حبيبة وهي متزوجة به صلى الله عليه وسلم من قبل، وليس هو الذي زوجها، بل الذي زوجها له ملك الحبشة الذي كانت عنده.

فلذلك كان الراجح: أن هذه الجملة التي في هذا الحديث وهم من الراوي، أن أبا سفيان طلب ذلك، وإن تأول بعض أهل العلم ذلك وقالوا: إنه يريد من النبي صلى الله عليه وسلم أن تطيب نفسه، بأن يكون هو الذي يتولى أمر العقد، ولكن كيف يكون ذلك وهو عقد قد مرت عليه سنون، وتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم أبوها بسنين، وما كان له أن يجدد عقداً على امرأة هي زوجته صلى الله عليه وسلم.

فالصواب: أن هذا وهم من الراوي، وأن أبا سفيان رضي الله عنه قال شيئاً آخر فتوهم الراوي هذا فقاله، فالراوي يقول هنا: إن أبا سفيان قال: أزوجك من أم حبيبة ، وقال له النبي صلى الله عليه وسلم: نعم، وهذا بعيد جداً أن يكون؛ لأنه كان قد تزوجها قبل ذلك صلى الله عليه وسلم، وهذا مشهور في السير والمغازي وفي صحيح البخاري ، أن النجاشي هو الذي زوج النبي صلى الله عليه وسلم من أم حبيبة رضي الله تبارك وتعالى عنه.

لكن طلب أبي سفيان الثاني أنه طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يجعل معاوية كاتباً بين يديه فهو صحيح، إذ كان معاوية يكتب للنبي صلى الله عليه وسلم الوحي بعد ذلك، فكان من كتاب الوحي رضي الله عنهم.

وأبو سفيان صار له منزلة بعد ذلك بجهاده في سبيل الله سبحانه وتعالى، يعني: كونه كان كبير قريش لم يكن له كلمة عند المسلمين؛ لأنه كبير قريش في الزمن الماضي يوم أن كان مع الكفار، وبما أنه حارب المسلمين ليس له منزلة، فهو رجل مسلم الآن وليس مهاجراً، إذاً: ليست له مزية، لا هو مهاجر ولا هو مسلم قديماً.

فهنا لا فضل لأحد على أحد إلا بتقوى الله سبحانه وتعالى، لكن لما صار مجاهداً بعد ذلك في سبيل الله سبحانه عرف المسلمون له فضله في جهاده في سبيل الله رضي الله تبارك وتعالى عنه، وهذا طلبه، أنه مثلما حارب النبي صلى الله عليه وسلم يريد أن يكون مجاهداً بعد ذلك في سبيل الله تبارك وتعالى.

وابنته أم حبيبة اسمها: رملة بنت أبي سفيان ، توفيت بعد النبي صلى الله عليه وسلم بـ(34)، أي: في سنة (44) للهجرة.

ذكر نبذة من حياة أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها

ومن نساء النبي صلى الله عليه وسلم: زينب بنت جحش ، وأخوها عبيد الله بن جحش الذي كان زوجاً للسيدة أم حبيبة رضي الله عنها، وتوفي الرجل نصرانياً مرتداً، وأخته صارت أم المؤمنين، فسبحان مغير الأحوال!

هذه أم المؤمنين زوجة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، وهذا أخوها كافر نصراني يكون في النار والعياذ بالله، فمن نساء النبي صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش بن رئاب الأسدية ، وكان اسمها برة ، فسماها النبي صلى الله عليه وسلم زينب.

والنبي صلى الله عليه وسلم ما كان يحب الأسماء التي فيها تزكية، فنتعلم من النبي صلى الله عليه وسلم ألا نختار الأسماء التي فيها تزكية للأولاد، والله يقول: فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى [النجم:32].

فكان النبي صلى الله عليه وسلم يكره أن يدخل عنده الصحابة ويخرجون فيقولون: إنه كان عند برة ، أو خرج من عند برة ، أو دخل لـبرة.

وبرة من المبرة، وهي المرأة التي جمعت خصال الخير، فتكون قد جمعت خصال البر كلها، فكره ذلك وغير اسمها صلى الله عليه وسلم وسماها زينب ، وفعل نفس الشيء مع ابنة زوجته أم سلمة، كان اسم ابنتها برة، فغيره إلى زينب صلوات الله وسلامه عليه.

تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة في سنة خمس من هجرته عليه الصلاة والسلام، وتوفيت في سنة عشرين، يعني: بعد النبي صلى الله عليه وسلم بعشر سنوات، وكان لها ثلاث وخمسون سنة وقت وفاته رضي الله عنه، يعني: توفي النبي صلى الله عليه وسلم ولها من العمر ثلاث وأربعون سنة.

نبذة من حياة أم المؤمنين زينب بن خزيمة رضي الله عنها

ومن نساء النبي صلى الله عليه وسلم: السيدة زينب بنت خزيمة بن الحارث ، وهذه كانت تلقب من الجاهلية لكرمها بـأم المساكين وهي السيدة زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله بن عمرو بن عبد مناف الهلالية، زينب الهلالية.

وكانت تلقب في الجاهلية بـأم المساكين؛ لأنها كانت تحب المساكين وكانت تطعمهم.

تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هجرته بحوالي واحد وثلاثين شهراً، يعني: سنتين وثمانية شهور أو سبعة شهور بعد هجرته صلى الله عليه وسلم.

مكثت عند النبي صلى الله عليه وسلم ثمانية أشهر رضي الله عنها ثم توفيت، وهي من نساء النبي صلى الله عليه وسلم اللاتي توفين في حياته، وكانت وفاتها في آخر ربيع الأول بعد هجرة النبي صلى الله عليه وسلم بحوالي (39) شهراً رضي الله تبارك وتعالى عنها، ودفنت بالبقيع بالمدينة.

ذكر نبذة من حياة أم المؤمنين جويرية بنت الحارث رضي الله عنها

ومن نساء النبي صلى الله عليه وسلم السيدة جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار الخزاعية المصطلقية ، من بني المصطلق، وكان بنو المصطلق قد غزاهم النبي صلى الله عليه وسلم، فكانت هي من سبي بني المصطلق.

يعني: لما غزا النبي صلى الله عليه وسلم بني المصطلق كان من الأسارى السيدة جويرية رضي الله تبارك وتعالى عنها، فوقعت في سهم واحد من الصحابة اسمه: ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه، خطيب النبي صلى الله عليه وسلم، فلما وقعت في سهمه ذهبت تبحث عمن يدفع لها مالاً حتى تتحرر من الرق، فذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تستعين به، وكانت بنت سيد قومها رضي الله تبارك وتعالى عنها، وسبحان من يعز ويذل، هي ابنة سيد القوم وصارت الآن أمة تبحث عن مال لكي تفك رقبتها وتعتق.

فالنبي صلى الله عليه وسلم خيرها، إما أن يعطيها ذلك وإما أن يتزوجها ويعتقها صلوات الله وسلامه عليه، فاختارت النبي صلى الله عليه وسلم، فصارت زوجة للنبي صلى الله عليه وسلم ومكثت مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى توفي، ثم ماتت بعده في سنة (56)، يعني: بعد النبي صلى الله عليه وسلم بـ(46) سنة، وعمرها (65) سنة حين توفيت رضي الله عنها.

ذكر نبذة من حياة أم المؤمنين صفية رضي الله عنها

ومن نساء النبي صلى الله عليه وسلم السيدة صفية بنت حيي بن أخطب الهارونية ، من أولاد هارون أخي موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام.

كانت السيدة صفية بنت سيد قومها أيضاً، وسباها النبي صلى الله عليه وسلم في يوم خيبر، ومنّ عليها صلى الله عليه وسلم وأعتقها وأسلمت، وتزوجها النبي صلى الله عليه وسلم فصارت أماً للمؤمنين رضي الله تبارك وتعالى عنها.

ففي غزوة خيبر كانت أمة عند واحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اسمه دحية الكلبي ، وقعت في سهمه وأراد بيعها فاشتراها منه النبي صلى الله عليه وسلم بسبعة أرؤس، وصارت أمة للنبي صلى الله عليه وسلم فأعتقها ومن عليها وتزوجها.

نلاحظ أن السيدة جويرية كانت أمة واشتراها النبي صلى الله عليه وسلم ومَنّ عليها وأعتقها وتزوجها، وجاء في حديثه صلى الله عليه وسلم أن من الناس من يؤتى أجره عند الله مرتين، أي: يؤتى الأجر مضاعفاً عند الله، منهم: (من كان عنده أمة رباها فأحسن تربيتها، ثم أعتقها وتزوجها)، فالإنسان عندما يكون عنده أمة يملكها، فما الذي يجعله يعتقها ثم يتزوجها كأي حرة؟

فأي إنسان سيكون تفكيره على ذلك، إذ هي عندما تكون أمة عنده فهو يملكها، ويستمتع بها كما يشاء، ويوماً ما تضايقه فيبيعها، فالنبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يحث الناس على تحرير الرقاب فبدأ بنفسه يعتق عليه الصلاة والسلام، وكم أعتق من الرقاب عليه الصلاة والسلام، يقولون: فلان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعني: كان عبداً عند النبي صلى الله عليه وسلم فأعتقه.

ولعل الإنسان عندما يقول: هذه الأمة أنا أعتقها ثم أتزوجها تكون هذه معرة، فيقوم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك حتى يكون قدوة للخلق عليه الصلاة والسلام، فهذه جويرية رضي الله تبارك وتعالى عنها كانت من سبي بني المصطلق، كانت أمة وصارت عند النبي صلى الله عليه وسلم كذلك، فإذا به يعتقها صلى الله عليه وسلم ويتزوجها حتى يتعلم من كانت عنده أمة أن يعتقها.

ولعله إن أعتق الأمة وتركها ليس لها أهل؛ لأنها من قبيلة أخرى، فقد تضيع بين الناس، فإذا تزوجها حافظ عليها وصارت معززة مكرمة عنده فازدادت منزلتها، ففعل ذلك صلى الله عليه وسلم بالسيدة جويرية وفعل ذلك بالسيدة صفية بنت حيي.

وصفية بنت حيي أبوها حيي بن أخطب ، قتل كافراً يهودياً، فهو الذي كان سبب مجيء قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة الخندق، ومع ذلك فإن النبي صلى الله عليه وسلم لا يعامل إنساناً بمعاملة إنسان آخر آثم، ولكنه يعتقها صلى الله عليه وسلم وتسلم رضي الله عنها، ويتزوجها النبي صلوات الله وسلامه عليه، وتكون أماً للمؤمنين تحدّث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

فالسيدة عائشة اغتاظت منها مرة من المرات، فتقول للنبي صلى الله عليه وسلم: إن صفية -وتشير بيدها- قصيرة، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم لذلك وقال: (لقد قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته)، أي: فلو وضعت هذه الكلمة في ماء البحر لأنتن، مع أن البحر طهور لا ينجسه شيء، لكن هذه الكلمة تنجس ماء البحر لو وضعت عليه، والكلمة هي أنها أشارت بيدها أنها قصيرة.

وكم في مجالسنا من القيل والقال، وهذا من شؤم الإنسان أن يتكلم بالغيبة والنميمة على الخلق.

السيدة حفصة في مرة من المرات كانت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر، وكانت السيد صفية معه أيضاً، والسيدة صفية راكبة على جملها، وحدث للجمل حدث فلم يصلح للركوب، وكان عند السيدة حفصة أكثر من جمل، فطلب منها النبي صلى الله عليه وسلم أن تعين بما عندها، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من كان عنده فضل ظهر فليعد من لا ظهر له)، فالسيدة حفصة كأنها أخذتها الغيرة، فقالت للنبي صلى الله عليه وسلم: أنا أعطي هذه اليهودية.

وهذه كلمة ليست طيبة أبداً، ولما قالتها سكت عنها النبي صلى الله عليه وسلم وهجرها فترة طويلة على هذا حتى تأدبت، وحتى يئست من أن يأتيها النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يكلمها أبداً عليه الصلاة والسلام فترة طويلة حتى أحدثت توبة إلى الله عز وجل، فجاءها النبي صلى الله عليه وسلم بعدما تابت من هذا الذي قالته، وبعدما عاقبها فترة طويلة على ذلك.

وفي ذلك دلالة على تأديب النبي صلى الله عليه وسلم لأهل بيته، فالغيرة موجودة، ولكن أن تصل الغيرة إلى أن يقال عن واحدة قد أسلمت: يهودية؛ فهذا لا ينبغي، واليهودية إذا أسلمت لها أجران عند الله عز وجل، أجر أنها كانت يهودية ثم عرفت الحق، فاتبعت الحق ودخلت في الإسلام، فتؤتى أجرها مرتين عند الله تبارك وتعالى.

وكان بعض نساء النبي صلى الله عليه وسلم يتعالين عليها، فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم السيدة صفية أن ترد عليهن بقولها: إنها تحت نبي وأبوها نبي، أي: أبوها سيدنا هارون أخو موسى على نبينا وعليه الصلاة والسلام.

فالنبي صلى الله عليه وسلم يأخذ لها حقها ممن يظلمها، وقد تعلمنا من حياة النبي صلى الله عليه وسلم ومن سيرته مع نسائه كيف كان يعدل بينهن عليه الصلاة والسلام، كيف كان يأخذ الحق لصاحبه، وهذا من ضمن الحكم في تعدد نساء النبي صلى الله عليه وسلم، إذ تحدث حوادث ونرى كيف يصنع النبي صلى الله عليه وسلم فيها، وكيف يصبر على أذى نسائه عليه الصلاة والسلام، وكيف يؤدبهن ويهذبهن عليه الصلاة والسلام، فيتعلم المسلمون من النبي صلى الله عليه وسلم، فهو القدوة الحسنة.

نسأل الله عز وجل أن يجعلنا معه في الجنة صلوات الله وسلامه عليه، أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم، وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة الأحزاب (تابع3) [28 - 29] للشيخ : أحمد حطيبة

https://audio.islamweb.net