إسلام ويب

ذكر الله عز وجل في هذه الآيات ما حصل للمؤمنين في غزوة الأحزاب من البلاء والخوف الشديدين، فأرسل الله تعالى على الكفار ريحاً وجنوداً من الملائكة، فهزمهم الله تعالى شر هزيمة، ثم بعد ذلك حاصر النبي صلى الله عليه وسلم يهود بني قريظة، فقتل مقاتلتهم وسبى ذراريهم وأولادهم ونساءهم، ثم قسم أموال بني قريظة فأسهم للفارس ثلاثة أسهم، وللراجل سهماً واحداً.

دروس وعبر من غزوة الخندق وغزوة بني قريظة

حكمة الله في ابتلاء المؤمنين يوم الأحزاب

أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الله عز وجل في سورة الأحزاب: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا * إِذْ جَاءُوكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَإِذْ زَاغَتِ الأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا * هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا [الأحزاب:9-11] .

يذكر الله تبارك وتعالى في هذه الآيات وما بعدها ما كان في غزوة الخندق، حتى إن المؤمنين زلزلوا زلزالاً شديداً، فاضطربت قلوبهم، وحدث لهم خوف شديد فاضطروا إلى عمل الخندق، فحاصرهم الكفار من المشرق ومن المغرب، وكان من ورائهم اليهود، فحدث في النفوس خوف ورعب شديد.

فمن المؤمنين من وصل خوفه إلى بدنه ولم يجاوزه، ومنهم من وصل خوفه إلى قلبه فإذا به يقول كلاماً فيه كفر، كـمعتب بن قشير وغيره من الذين قالوا عن النبي صلى الله عليه وسلم: إنه يعدنا كنوز قيصر وكسرى وأحدنا يخاف أن يذهب إلى الخلاء.

كان فضل الله عز وجل على المؤمنين عظيماً، فقد نصرهم الله سبحانه وتعالى نصراً عظيماً لا يتوقعونه، فهم لا يقدرون على قتال هذا العدد الكبير من الكفار، ولكن الله تبارك وتعالى على كل شيء قدير، فقد أرسل الرياح وهي جند من جنود الله سبحانه، وأنزل الملائكة.

والله لا يحتاج إلى ذلك سبحانه إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82]. ولكن ليري المؤمنين أسباب النصر، فقد كان بقدرته تعالى أن يمنع الكفار أصلاً من المجيء إليهم، ولكن الله سبحانه وتعالى له الحكمة في أن يبتلي المؤمنين هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا [الأحزاب:11]، وفي أن يحدث لهم الخوف وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ [البقرة:155].

فإذا أصيب المسلم بمصيبة يصبر ويتصبر ويقول: إن لله وإنا إليه راجعون، وينتظر الفرج من الله تبارك وتعالى، فلذلك جعل الله سبحانه هذا بلاءً للمؤمنين وجعله محنة ثم منحة بأن نصرهم وفضلهم تبارك وتعالى.

انتهى أمر الأحزاب بهذه الرياح الشديدة التي هاجت عليهم ولم يقدروا معها على نصب الخيام، ولم يقدروا معها على إيقاد النار، ولم يقدروا معها على عمل الطعام ، ولم يقدروا معها على إمساك خيولهم وإمساك ركابهم فإذا بها تضطرب وتميل وتتحرك، ولم يجدوا إلا أن يفروا وعلى رأسهم قائدهم أبي سفيان فإنه ركب جمله ونسي أن يفك قيد يده، فما فكه إلا وهو راكب فوقه، وصاح فيهم: النجاة النجاة، الهرب الهرب! فيهربون بفضل الله تبارك وتعالى.

حصار النبي صلى الله عليه وسلم لبني قريظة

يرجع المؤمنون مع النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ويضعون أسلحتهم، فإذا بجبريل يأتي للنبي صلى الله عليه وسلم وعلى ثناياه النقع -أي على أسنانه الأمامية الغبار- فيقول للنبي صلى الله عليه وسلم: وضعتم سلاحكم؟ والله ما وضعت الملائكة أسلحتها. ثم يأمره أن يتوجه إلى بني قريظة ويحاصرهم.

ويتوجه النبي صلى الله عليه وسلم إلى بني قريظة ويحاصرهم عشرين ليلة، حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ الأوسي الأنصاري رضي الله تبارك وتعالى عنه، فحكم فيهم بحكم الله تبارك وتعالى: أن تقتل مقاتلتهم وأن تسبى ذراريهم وأولادهم ونساؤهم، وأن تؤخذ أموالهم، فقتل من بني قريظة في هذا اليوم ما بين الستمائة إلى السبعمائة رجل.

وكانوا في غاية العناد، حتى إن سيدهم وهو كعب بن أسد دعاهم لخصلة من خصال ثلاث منها: أسلموا، فإنكم تعلمون أنه رسول، فيرفضون ذلك فإذا به يرفض معهم، فيقتل الجميع.

أمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتل المقاتلة من الرجال، وقتلت امرأة واحدة فقط، وقد نهى النبي عن قتل النساء، وإنما قتلت هذه المرأة واسمها بنانة امرأة الحكم القرظي لأنها قتلت رجلاً من المسلمين بأن طرحت عليه رحى من فوق الحصن فقتلته عمداً وعدواناً، وهذا المسلم اسمه خلاد بن سويد ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقتلها لكونها قتلت مسلماً، ولم يقتل من النساء غيرها، ثم استحيوا النساء والذرية أي: الأطفال، فأبقوهم على الحياة.

شفاعة ثابت بن قيس بن شماس لرجل من بني قريظة

ثابت بن قيس بن شماس كان يلقب بخطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا الرجل الفاضل من الأنصار، ولما أنزل الله عز وجل سورة الحجرات وفيها نهي المؤمنين عن رفع الأصوات على النبي صلى الله عليه وسلم يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ [الحجرات:2]، وكان الرجل جهوري الصوت، فظن أن الآية نزلت فيه وأنه هو الذي حبط عمله، فحبس نفسه في بيته، وظل يبكي ويقول: أنا أرفع صوتي على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فافتقده النبي صلى الله عليه وسلم، فأُخْبِرَ أن الرجل حبس نفسه في البيت لأنه يظن أن هذه الآية نزلت فيه وأنه حبط عمله، فبشره النبي صلى الله عليه وسلم بأنه ليس من أهلها، وكان بعد ذلك لا يتكلم مع النبي صلى الله عليه وسلم إلا همساً رضي الله تبارك وتعالى عنه.

هذا الرجل كان خطيباً بارعاً، وكان عادة العرب أنهم يأتون للنبي صلى الله عليه وسلم وفوداً ومعهم الشعراء والخطباء لإظهار نوع من التحدي، فيقولون للنبي صلى الله عليه وسلم: أينا أفضل في الخطابة أو الشعر، نحن أم أنت؟ فما كان من النبي صلى الله عليه وسلم إلا أن يدخل معهم في ذلك ولا يرد عليهم، ولكن كان يأمر ثابت بن قيس بن شماس فيتكلم فيبهرهم بخطبته رضي الله تبارك وتعالى عنه، ويأمر أحد الشعراء كـحسان أو غيره فيغلبهم بما يقول، أما النبي صلى الله عليه وسلم فما كان له أن يتكلم في مثل هذا أبداً.

الغرض أن ثابت بن قيس بن شماس جاء للنبي صلى الله عليه وسلم يستشفع في رجل من اليهود، لأنه عمل له جميلاً في الجاهلية فلا يريد أن يُقتل هذا اليهودي، فالنبي صلى الله عليه وسلم طيب خاطره بذلك، فـثابت بن قيس بن شماس استوهب منهم عبد الرحمن بن الزبير كان صبياً وأسلم، ورجلاً كبيراً اسمه رفاعة بن سموءل القرظي وهبه النبي صلى الله عليه وسلم لـأم المنذر سلمى بنت قيس ، ووهب لـثابت بن قيس رجلاً آخر وهو ابن باطا وكانت له عنده يد، فقال له: قد استوهبتك من رسول الله صلى الله عليه وسلم بيدك التي لك عندي.

فلما سمع ابن باطا هذا الكلام فرح فرحاً شديداً لأنه لم يقتل، فقال اليهودي: ذلك يفعل الكريم بالكريم، يعني أنا عملت لك جميلاً في يوم من الأيام وأنت عملت في هذا اليوم، فهذا فعل الكرماء، وهو رد الجميل بالجميل، فيا ترى ما الذي كان عمله هذا الرجل معه؟

كان في الجاهلية قد أسر ثابت بن قيس بن شماس وكاد يقتله، ثم منَّ عليه بالحياة فجزَّ ناصيته وتركه فلم يقتله، فلذلك طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يمنَّ عليه بذلك، فتركه له النبي صلوات الله وسلامه عليه.

ولكن الرجل اليهودي قال لـثابت: كيف يعيش رجل لا ولد له ولا أهل؟

أي: أنهم مأسورون وسيبقون عبيداً، فذهب ثابت بن قيس إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستشفع له في عياله وزوجته، وكان عياله قد أسلموا أما هو فلم يسلم، فهو كان اسمه الزبير بن باطا، وابنه هو عبد الرحمن بن الزبير بن باطا ، وهو مسلم.

فشفع ثابت بن قيس أن يُرد عليه ماله فأعطاه ماله، وبعد ذلك قال: ما فعل ابن أبي الحقيق الذي كان وجهه كأنه مرآة صينية؟ فقال: قتل، قال: فما فعل المجلسان؟ يعني الكبار من بني قريظة؟ أي: بني كعب بن قريظة وبني عمرو بن قريظة.

قال: قتلوا، قال: فما فعلت الفئتان؟ قال: قتلتا.

قال: برئت ذمتك، فألحقني بهم، فأبى ثابت بن قيس بن شماس أن يقتله، فقام غيره من المسلمين فقتله، لأنه يعلم أن محمداً صلى الله عليه وسلم نبي حق ومع ذلك لم يسلم ويريد أن يلحق بأصحابه إلى النار، لعنة الله على الظالمين، فقتل كما قتل الباقون.

قسم النبي صلى الله عليه وسلم أموال بني قريظة فأسهم للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهماً واحداً، وكانت غزوة الخندق فتح بني قريظة في آخر ذي القعدة وأول ذي الحجة من السنة الخامسة من هجرة النبي صلى الله عليه وسلم.

شهداء غزوة الخندق

ولما تم أمر بني قريظة وقتلوا استجاب الله عز وجل لدعوة سعد بن معاذ رضي الله عنه، عندما قال: اللهم إذا أبقيت شيئاً من قتال قريش فأبقني لهم.

فلما تم القتال قبضه الله في ذلك السهم الذي أصابه في أكحله، فانفجر الدم بعدما كان الجرح قد اندمل ومات شهيداً رضي الله تبارك وتعالى عنه.

وكانت له منزلة عظيمة جداً، فقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أنه اهتز لموته عرش الرحمن، أي: أن العرش مخلوق خلقه الله تبارك وتعالى، فكأن أهل السماوات اهتزوا طرباً لقدوم سعد بن معاذ إلى جنة الله سبحانه وتعالى.

استشهد رضي الله عنه في غزوة الخندق، وكان عدد الكفار في هذه الغزوة عشرة آلاف، وعدد المسلمين ثلاثة آلاف وكان القتال بينهما مراشقات بالسهام.

وقتل في هذه الغزوة من المسلمين ستة، وهم: سعد بن معاذ وأبو عمرو من بني عبد الأشهل وأنس بن أوس بن عتيك وعبد الله بن سهل والطفيل بن نعمان وسلمة بن غنمة وكعب بن زيد .

وهذا من فضل الله تبارك وتعالى على المؤمنين، فلو حصل التحام كان سيكثر عدد القتلى من المسلمين ومن غيرهم، وألقى الله في قلوب الكفار الرعب ففروا، وهذا الرعب ليس من عدد القتلى في الكفار، فقد قتل منهم ثلاثة فقط، إنما هو بسبب ما ألقاه الله في قلوبهم من الخوف، وما جاءهم من الرياح، من أجل أن يعرف المسلمون أنهم لم يعملوا شيئاً، فليسوا هم الذين أخافوهم، فهم قتلوا منهم ثلاثة، وقُتِلَ الضعف من المسلمين، فالنصر من عند الله وحده لا شريك له.

وبعد هذه الغزوة قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الآن نغزوهم ولا يغزوننا) أي: لا تجرأْ قريش أن تغزو النبي صلى الله عليه وسلم أبداً، فكان المسلمون هم الذين يتوجهون إليهم، فكانوا يذهبون في سرايا إلى قرب مكة، ولم تخرج قريش إليهم، إلا ما كان في يوم الحديبية عندما حدث الصلح فقد جاءوا غير مقاتلين، وبقيت بين المسلمين وبينهم زيارات فيسمعون من المسلمين، ويذهب المسلمون إليهم فيسمعون منهم حتى فتح الله عز وجل مكة بعد ذلك بفضله وبكرمه سبحانه وتعالى.

انشغال المسلمين عن الصلاة في غزوة الخندق

وفي يوم الخندق جاء في حديث أبي سعيد الخدري قال: حبسنا يوم الخندق حتى ذهب هوي من الليل حتى كُفينا، وذلك قول الله عز وجل: وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا [الأحزاب:25] ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بلالاً فأقام فصلى الظهر فأحسن كما كان يصليها في وقتها، ثم أمره فأقام فصلى العصر، ثم أمره فأقام المغرب فصلاه، ثم أمره فأقام العشاء فصلاها، وذلك قبل أن ينزل فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا [البقرة:239].

ففي آخر ذي القعدة من سنة خمس كان أمر صلاة الخوف لم ينزل، وهو قوله تعالى: وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ [النساء:102].

ولما شغل الكفار المسلمين عن أربع صلوات الله وسلامه عليه فلم يصلوها إلا في وقت العشاء، وهي الظهر والعصر والمغرب جاء عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (يا رسول الله ما كدت أصلي العصر حتى غربت الشمس، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: وأنا والله ما صليتها، ملأ الله قبورهم وبيوتهم ناراً شغلونا عن الصلاة الوسطى صلاة العصر).

فعرف الصحابة أن الصلاة الوسطى التي أمر الله عز وجل بالمحافظة عليها هي صلاة العصر، فأمر بلالاً رضي الله عنه فأذن ثم أقام فصلى النبي صلى الله عليه وسلم الظهر بعد المغرب ثم أقام، فصلى العصر، ثم أقام فصلى المغرب، وكان وقت العشاء قد دخل فصلى بعد ذلك العشاء صلى الله عليه وسلم، فكأنه صلى بعد المغرب صلوات اليوم كلها ما عدا الفجر، ثم منع من تأخير الصلاة عن وقتها.

فأنزل الله عز وجل أمر صلاة الخوف أو صلاة المسايفة، قال تعالى: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا [البقرة:239]، أي: صل على حالك الذي أنت فيه سواء كنت راكباً فوق الخيل أو راجلاً، فإن وجدت ماءً فتوضأ، فإن لم تجد فتيمم ولا تضيع وقت الصلاة وصل بحسب ما تيسر، فصار تأخير الصلاة عن وقتها ممنوعاً إلا ما يكون من الجمع بين الصلاتين النهاريتين: صلاة الظهر والعصر، والصلاتين الليليتين: المغرب والعشاء، فيجوز جمعها عند الانشغال بالقتال، أما إخراج صلاة نهارية عن وقتها حتى يأتي الليل فهذا غير جائز، وكذلك تأخير صلاة ليلية حتى يدخل وقت الفجر، وكذلك تأخير صلاة الفجر حتى تطلع الشمس، فهذا غير جائز، فكل صلاة يجب أن تصلى في الوقت الذي حده الله عز وجل لها، قال الله تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا [النساء:103].

عمل الملائكة في غزوة الأحزاب

قال الله تعالى: إِذْ جَاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا [الأحزاب:9].

ذكر المفسرون أن الله سبحانه وتعالى أرسل الملائكة على هؤلاء الكفار ولم تقاتل في هذا اليوم، بخلاف ما حدث في يوم بدر فإنها نزلت وقاتلت مع المسلمين، فكان أحد المسلمين في يوم بدر يرفع السيف من أجل أن يقتل الكافر فيرى رقبته قد طارت أمامه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الملائكة هي التي صنعت ذلك).

أما في يوم الأحزاب فإن نزول الملائكة من أجل تكثير المسلمين، وإلقاء الرعب في قلوب الكفار، فقلعت أوتاد الخيام، وقطعت الحبال، فطارت الخيام، وأطفأت النيران وأكفأت القدور، وجالت الخيل بعضها في بعض، وأرسل الله عز وجل عليهم الرعب، وكثر تكبير الملائكة في جوانب العسكر حتى كان سيد كل خباء يقول: يا بني فلان هلم إلي! ظنوا ذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه.

فلما اجتمع القوم إلى سيدهم أبي سفيان قال لهم: النجاة النجاة، فهرب الجميع.

كان الله بما يعملون بصيراً، والله بصير ورءوف بعباده سبحانه، وهزم الكفار وكان الله قوياً عزيزاً.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة الأحزاب (تابع4) [9 - 10] للشيخ : أحمد حطيبة

https://audio.islamweb.net