إسلام ويب

ذكر الله في كتابه ما أعده لعباده المتقين في جنات النعيم، من أنواع الملذات والمسرات: من المآكل والمشارب والزوجات، ومن الأمن من جميع المنغصات والمحزنات، فمن نجاه الله من النار وأدخله الجنة فقد فاز الفوز العظيم.

تفسير قوله تعالى: (إن المتقين في مقام أمين)

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

اللهم صل وسلم وبارك على محمد، وعلى آله وصحابته أجمعين.

قال الله عز وجل في سورة الدخان: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ * كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ * يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ * لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ * فَارْتَقِبْ إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ [الدخان:51-59].

هذه الآيات الأخيرة من سورة الدخان يذكر الله عز وجل فيها حال أهل النعيم وأهل الجنة، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا منهم، وهذا بعد أن ذكر حال أهل النار، وأنهم يدعون فيها، وطعامهم فيها الزقوم، وشرابهم فيها الحميم، ويقال لكل واحد منهم: خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلَى سَوَاءِ الْجَحِيمِ * ثُمَّ صُبُّوا فَوْقَ رَأْسِهِ مِنْ عَذَابِ الْحَمِيمِ * ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ [الدخان:47-49]، أي: كنت متعززاً في الدنيا، مكرماً لنفسك لا تهينها، وتتطاول على الخلق، وتظن أن هذا ينفعك يوم القيامة، فيا من كنت عزيزاً كريماً في الدنيا ذق عذاب الحميم وعذاب الجحيم والهوان والعذاب الأليم في النار، إِنَّ هَذَا مَا كُنتُمْ بِهِ تَمْتَرُونَ [الدخان:50] أي: هذا الذي كنتم تتشككون فيه وتجادلون فيه بالباطل.

وأما المتقون الذي جعل الله عز وجل هذا القرآن هدى لهم، والذين اتقوا غضب الله سبحانه، والذي جعلوا بينهم وبين معاصي الله وقاية وحاجزاً، فامتثلوا الطاعات، وامتنعوا عن الوقوع في المعاصي، وخافوا الله سبحانه، فأمنهم الله يوم القيامة: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ [الدخان:51]، وأمين صيغة مبالغة من الأمن، فهم في مكان غاية في الأمن، مأمون عليهم فيه، وأمنهم الله سبحانه يوم الفزع الأكبر، ويوم العيلة، ويوم الذلة، ويوم القيامة، فأمن الله عز وجل عباده المتقين الذين كانوا يخافونه في الدنيا، وكانوا من عذاب ربهم مشفقين.

وقراءة الجمهور: مَقَامٍ من الفعل الثلاثي قام، وقرأها نافع وأبو جعفر وابن عامر : فِي مُقَامٍ من الفعل الرباعي أقام، يقال: أقام مقاماً، فكأن المقام الذي يقومون فيه المكان الذي يشرفون به أمين، والإقامة التي ينزلون فيها أمينة، فهي مكان أمين عند الله سبحانه، والجنة إذا دخلوها لا يخرجون منها أبداً؛ لأن الله جعل لهم الخلود فيها فلا أحد يقدر أن يخرجهم بعد ما قضى الله عز وجل لهم بالخلود في جنته.

قال الله: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ [الدخان:51] أي: في أمن وأمان، وفي شرف، وفي رفعة.

تفسير قوله تعالى: (في جنات وعيون )

قال الله: فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [الدخان:52]، فقد دخلوا جنة الله سبحانه، فوجد كل واحد لنفسه جنات في جنة الله سبحانه، وهي بساتين وحدائق عظيمة، (فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر).

قال الله: فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ [الدخان:52]، فالإنسان الذي عنده بستان أكثر شيء يخاف منه هو ألا يوجد ماء لهذا البستان، فطمأنهم الله بأن عندهم العيون جارية لا يكدرها شيء، فلا تفنى ولا تقل؛ لأن الله عز وجل قضى هنالك بالخلود.

(وعيون) تقرأ بضم العين، وتقرأ بكسرها، فقرأ بالكسر ابن كثير وابن ذكوان وحمزة والكسائي وشعبة عن عاصم ، وباقي القراء يقرءونها بالضم.

تفسير قوله تعالى: (يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين)

قال الله تعالى: يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ [الدخان:53]، ففضل الله عز وجل عظيم، والجنة ليست كالدنيا، الجنة فيها أشياء غيبية يحدثنا الله عز وجل عنها، فأهل الجنة متقابلون، فمهما كثر العدد فلا أحد ينظر في قفا الآخر، ولا أحد يعطي للآخر ظهره، وإذا أراد أحدهم أن يكلم صاحبه يدور به مقعده حيث شاء، وينظر إلى من يشاء، ولا يوجد غرور في الجنة، ولا تنافر، ولا تدابر، ولا تخاصم، فيقبل بعضهم على بعض كما يقول الله سبحانه: فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ [الصافات:50].

وأهل الجنة في نعيم يحبرون ويسرون، ويتفكهون، ويتكلمون بالكلام الطيب، ويلهمون التسبيح وذكر الله سبحانه، ويذكرون ما كان في الدنيا، فيقولون: إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ * فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ * إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ [الطور:26-28].

فأهل الجنة يتذكرون نعمة الله عز وجل عليهم، فالله البر دلهم على فعل البر فدخلوا الجنة، والله الرحيم رحمهم فجعلهم من أهل جنته، فالفضل منه سبحانه، فهو صاحب الفضل العظيم الذي هدانا، وهو الذي علمنا، وهو الذي أخذ بأيدينا حتى أدخلنا جنته سبحانه؛ لأننا كنا قبل ذلك مشفقين، وكنا خائفين من رب العالمين، فأمننا ربنا سبحانه.

قال الله: يَلْبَسُونَ مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ [الدخان:53] هذه ثيابهم، والسندس هو الرقيق من الحرير، والإستبرق الغليظ من الحرير، والإنسان يلبس ما يشتهي، فهذا يريد أن يلبس حريراً رقيقاً، وهذا يريد أن يلبس حريراً غليظاً، والحرير لا يجوز لبسه للرجال في الدنيا، ومن لبسه في الدنيا يحرم منه في الآخرة، فلا يدخل الجنة، وأما من دخل الجنة فإنه يلبسه، ولا يحرم من شيء في الجنة، فالمؤمنون يلبسون من رقيق الحرير ومن غليظ الديباج.

وقال الله: مُتَقَابِلِينَ [الدخان:53] أي: يقبل بعضهم على بعض كما شاء الله سبحانه، فيواجه بعضهم بعضاً، وتدور بهم مجالسهم حيث داروا.

تفسير قوله تعالى: (كذلك وزوجناهم بحور عين)

قال: كَذَلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ [الدخان:54] (كذلك) أي هذا الذي ذكرناه لكم لكل إنسان مؤمن مثله، وأيضاً نزوجهم بالحور العين، والحوراء المرأة الجميلة التي خلقها الله عز وجل للجنة، فما نزلت إلى الدنيا ولا تدنست بها، وقد خلقها الله في الجنة وجعلها لأهل الجنة ينعمون بها، والعين المرأة العيناء الواسعة العين، يقال: هذا الرجل أعين، يعني: عينه واسعة، وهذه المرأة عيناء، أي: واسعة العين، والجمع عين، فيذكر الله فيهن صفتين: صفة الحور وصفة العين، فهن واسعات الأعين، وهن حوراوات، بمعنى: أن العين غاية في الجمال، فبياضها شديد البياض، وسوادها شديد السواد، والإنسان في الدنيا كلما يتقادم في السن وترهق عيناه بالقراءة والكتابة، وبالعمل؛ عينه تحمر ولون العين يتغير، لكن الحوراء ليست مكلفة بشيء، فهي لا تتعب نفسها بشيء، بل هي مرفهة منعمة في الجنة، فعينها غاية في الجمال، فبياض عينها بياض عظيم، وسواد عينها سواد في غاية الجمال.

فأهل الجنة زوجهم الله عز وجل بحور عين، وفي الدنيا الإنسان له أن يتزوج بأربع، وأما في الجنة فيزوج الشهيد باثنتين وسبعين من الحور العين، ولهم فيها ما يشاءون، ومن كظم غيظه يخيره الله من الحور العين ما يشاء على رءوس الخلائق، فيختار من الحور العين ما شاء، فمن مهر الحور العين الصبر في الدنيا على الأذى، وكظم الغيظ، وكتم الغضب إلا أن يكون غضباً لله سبحانه.

تفسير قوله تعالى: (يدعون فيها بكل فاكهة آمنين)

قال الله سبحانه: يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ [الدخان:55]، ذكر الأمان هنا مرة ثانية، والأمان نعمة عظيمة من نعم الله عز وجل، ويعرف الإنسان هذه النعمة حين يخاف من عدو أو من وال أو سلطان أو حاكم أو رئيس؛ ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من بات آمناً في سربه، معافىً في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها)، وكثير من الناس لا يعرف قدر هذه النعمة، (بات آمناً في سربه) سرب الإنسان هو المكان الذي يسير فيه، فهو المكان الظاهر، فيمشي وهو غير مختف، بل يمشي في مكان ظاهر وهو آمن، (معافىً في بدنه) يعني: ليس مريضاً.

(عنده قوت يومه)، ولم يقل: قوت سنته، أو قوت شهره، أو قوت أسبوعه، عنده قوت يومه، فهو آمن في مكانه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فهذه هي الدنيا كلها، والإنسان مهما جمع من خيرات الدنيا كلها فلن يأكل في أكثر من بطن واحدة، وإذا امتلأت فمهما كان هناك من الطعام فلن يأكله، والعافية نعمة من الله سبحانه عظيمة، والله عز وجل يمن على أهل الجنة بالأمن والأمان، كما قال الله: لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ [يونس:62]، لا يخافون من مستقبل أمامهم، ولا يحزنون على ماض فاتهم، فالله عز وجل قد أمنهم وأعطاهم هذا النعيم، نسأل الله عز وجل أن يجعلنا منهم ومعهم.

قال الله: يَدْعُونَ فِيهَا [الدخان:55] أي: يطلبون وينادون: هاتوا لنا كذا، ونريد كذا، فمن في الجنة يعطى أي شيء يطلبه، فيشير إلى الأشجار وإلى الثمار فتنزل إليه، ويشير إلى الطير فينزل إليه كما يريده مشوياً أو مقلياً، وغلمان أهل الجنة يأتونهم بما يشاءون، والملائكة يأتونهم بما يشاءون، فهذا نعيم عظيم من فضل رب العالمين سبحانه، فنسأله سبحانه ألا يحرمنا منه.

وعندما أدخل الله آدم الجنة حظر الله عز وجل عليه صنفاً واحداً، فقال: وَلا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ [البقرة:35]، وأما أهل الجنة إذا دخلوها فلا يوجد تكليف، ولا شيء عنهم محظور مما في الجنة، فيأكلون ما يشاءون منها، والله امتحن آدم لحكمة حتى ينزل إلى الأرض، وأما أهل الجنة فلا نزول إلى الأرض مرة ثانية.

قال الله: يَدْعُونَ فِيهَا بِكُلِّ فَاكِهَةٍ آمِنِينَ [الدخان:55]، فذكر الله دعاءهم بالفاكهة، ولم يتعرض لأقواتهم؛ لأنهم لا يجوعون أصلاً، فيأكل ما يشاء، ويشرب ما يشاء، ويتفكه بما يشاء.

تفسير قوله تعالى: (لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ..)

قال الله تعالى: لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الأُولَى [الدخان:56] لا موت في الجنة، فقد انتهى أمر الموت، فهو كان الموت في الدنيا، وأما في الجنة فخلود.

قال: لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الأُولَى [الدخان:56] أي: الموتة التي ذاقوها في الدنيا، فالإنسان يذوق موتتين ويحيا حياتين، الموتة الأولى: هي العدم الذي كان فيه، ثم بعد ذلك صار في الدنيا، فهذا العدم ينساه الإنسان، ولا يتذكر شيئاً منه، ولا يذكر إلا وهو في الدنيا، بل لا يذكر كيف ولد، وكيف كان وهو صغير، ينسى هذا كله، لكن الموتة التي يحس بها هي في خروجه من الدنيا، ثم بعد ذلك يحيا الحياة الأخرى في جنة الخلود إن كان مؤمناً، فهذه الحياة العظيمة الكريمة لا يذوقون فيها موتاً بعد ذلك إِلَّا الْمَوْتَةَ الأُولَى [الدخان:56] يعني: ولكن ما كان قبل ذلك من الموت في الدنيا.

قال الله: وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ [الدخان:56] وقاهم الله سبحانه عذاب الجحيم، والجحيم هي النار المشتعلة المتوقدة، وهي مأخوذة من الجحم، يقال: في عين الأسد جحمة، يعني: عينه ملتهبة حمراء، فكذلك نار جهنم والعياذ بالله حمراء مشتعلة ملتهبة، وتكون سوداء على أقوام، ويكون فيها ما شاء، نسأل الله العفو والعافية.

تفسير قوله تعالى: (فضلاً من ربك ذلك هو الفوز العظيم)

قال الله: فَضْلًا مِنْ رَبِّكَ [الدخان:57] أي: هذا الذي أعطاه لأهل الجنة هو تفضل منه عليهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل أحدكم الجنة بعمله، قالوا: ولا أنت؟ قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله برحمته)، فهذه رحمة الله عز وجل، فالله أدخلهم الجنة بفضله وبرحمته سبحانه.

ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [الدخان:57] (ذلك) أي: جنة الله والنعيم المقيم، (هو الفوز العظيم)، فالفوز في الدنيا أن يفوز الإنسان بالمال، أو بالجائزة، أو بالمنصب، ولكن كل هذا الفوز تفوز به إلى حين، وبعد ذلك لا تنعم بهذا الشيء، فالإنسان يفرح إذا أخذ الشهادة وتخرج من الجامعة، فهذا فوز، لكن قد يبحث عن عمل فلا يجد، فيرجع إلى البيت كأنه ما أخذ شيئاً، فلم ينعم بهذا الشيء، ولعله يجد وظيفة، فيفوز بها، ويصرف له مرتباً كبيراً، ثم يصرف هذا المرتب وينتهي، فكل فوز في الدنيا بعده أشياء تنغصه، لكن الفوز الحقيقي هو النجاة من غضب الله، ومن عذاب الله سبحانه، الفوز العظيم هو دخول جنة الخلد، قال ربنا سبحانه: فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ [آل عمران:185]، فكأن النار تشده، ورحمة الله سبحانه تخرجه، فيفوز وينجو من النار ويدخل الجنة، فكيف بمن يدخل الجنة مع السابقين، فهذا أعظم الفوز عند رب العالمين.

تفسير قوله تعالى: (فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون ..)

ختم الله السورة بقوله سبحانه: فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [الدخان:58]، وقد أشار إلى القرآن في أول هذه السورة فقال: حم * وَالْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُبَارَكَةٍ [الدخان:1-3]، فبدأ السورة بذكر هذا القرآن العظيم، وقال: رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ [الدخان:6]، وختم السورة بالإشارة إلى هذا القرآن العظيم فقال: فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ [الدخان:58]، كما قال: بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء:195] أي: بلسان النبي الفصيح صلوات الله وسلامه عليه، وكما قال: وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ [القمر:17]، فجعله سهلاً في حفظه، والكتاب الوحيد الذي يسهل على الناس أن يحفظوه هو هذا القرآن العظيم، فيحفظه العربي، ويحفظه الأعجمي، ومن أراد أن يحفظ هذا القرآن ييسر الله عز وجل له حفظه.

فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [الدخان:58] أي: يتعظون ويعتبرون.

ثم قال الله: فَارْتَقِبْ [الدخان:59] أي: ارتقب يوم القيامة، وارتقب يوم يأتي أمر الله سبحانه، إِنَّهُمْ مُرْتَقِبُونَ [الدخان:59] أي: هم ينتظرون لك الدائرة في الدنيا، وانتظر بهم أنت، فعليهم الدائرة، وسيأتيهم أمر الله سبحانه.

نسأل الله العفو والعافية في الدين والدنيا والآخرة.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.

وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تفسير سورة الدخان [51 - 59] للشيخ : أحمد حطيبة

https://audio.islamweb.net