إسلام ويب

الدنيا دار ابتلاء ودار عبور إلى الدار الآخرة، والناس يردون الدنيا وعنها يصدرون، فمنهم من يصدر عنها بتجارة رابحة مع الله عز وجل، وهم المتقون الذين لم يغتروا بزخرفها وزينتها، وعلموا أنها ليست دار قرار وإنما هي متاع قليل، وأن الآخرة خير وأبقى، ومنهم من يصدر عنها بتجارة خاسرة، وهم الذين رضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها وجعلوها نصب أعينهم، فمن أجلها يعملون ويكدحون، فأعمى حب الدنيا بصائرهم، وجاءهم الموت فنقلهم إلى الدار الآخرة بلا زاد ولا عدة، ولم تنفعهم أموالهم التي جمعوا في الدنيا، بل كانت عليهم وبالاً.

فوائد وعبر من قصة قارون

الحمد لله الذي رضي من عباده باليسير من العمل، وتجاوز لهم عن الكثير من الزلل، وأفاض عليهم النعمة، وكتب على نفسه الرحمة، وضمن الكتاب الذي كتبه أن رحمته سبقت غضبه، دعا عباده إلى دار السلام فعمهم بالدعوة حجة منه عليهم وعدلاً، وخص بالهداية والتوفيق من شاء نعمةً ومنةً وفضلاً، فهذا عدله وحكمته، وهو العزيز الحكيم، وذلك فضله يؤتيه من يشاء، والله ذو الفضل العظيم.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة عبده وابن عبده وابن أمته ومن لا غنى به طرفة عين عن فضله ورحمته، ولا مطمع له في الفوز بالجنة والنجاة من النار إلا بعفوه ومغفرته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله أرسله رحمة للعالمين وقدوة للعاملين ومحجة للسالكين وحجة على العباد أجمعين، وقد ترك أمته على الواضحة الغراء، والمحجة البيضاء، وسلك أصحابه وأتباعه على أثره إلى جنات النعيم، وعدل الراغبون عن هديه إلى صراط الجحيم: لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ [الأنفال:42] فصلى الله وملائكته وجميع عباده المؤمنين عليه كما وحد الله عز وجل وعرفنا به ودعا إليه وسلم تسليماً.

أما بعد فأصدق الحديث كتاب الله عز وجل، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وآله وسلم وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار، وما قل وكفى خير مما كثر وألهى، وإن ما توعدون لآت وما أنتم بمعجزين.

قال الله عز وجل: إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ * قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ * فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ * تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص:76-83].

قصة قارون تمثل قصة كل من اغتر بالدنيا وتعلق بزخرفها

هذه القصة هي قصة المال الذي يطغي صاحبه، والذي لا يعترف صاحبه بأن الله عز وجل أنعم عليه به، فلا يؤدي زكاة ماله، ولا يشكر ربه عز وجل، ولا يستعمله في طاعة الله عز وجل، بل يتكبر به على عباد الله، ويبغي به على عباد الله عز وجل، ويحسن الظن بنفسه، يظن أنه بمهارته وأنه بذكائه وأنه بسعيه حصل هذا المال، فيقول: أنا رجل عصامي، ما ورثت هذا المال بل اكتسبته بجهدي ومهارتي، لا يعترف بأنه نعمة من عند الله عز وجل، فكلما ازداد ماله يزداد كبراً ويزداد بغياً ويزداد عجباً بنفسه.

ثم هي قصة الدنيا التي تزهو وتعجب الناظرين، فيتمنى الناس ما في هذه الدنيا من زينة ثم عاقبة هذه الدنيا الزائفة إلى الفناء وإلى الزوال كما قال عز وجل عن قارون : فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ [القصص:81].

ولكن أهل العلم لا يغترون بزينة الدنيا، ويعلمون أن الآخرة هي الحيوان، وأن الدنيا عرض زائل.

قصة قارون التي قصها الله عز وجل علينا في كتابه في خاتمة سورة القصص بقوله سبحانه وتعالى: إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى [القصص:76]، قيل: كان ابن عم موسى، وقيل: كان عمه لأبيه وأمه، وهناك قول: بأنه كان من قومه الذين أرسل بالدعوة إليهم؛ أي: كان من قبط مصر، فآتاه الله عز وجل مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ [القصص:76]؛ أي: أن مفاتيح الكنوز تثقل على الجماعة الكبيرة ذات القوة أن يحملوها، وقيل: خزائنه تنوء بالعصبة أولي القوة.

اغترار قارون وإمعانه في الضلالة رغم كل ما قدم إليه من نصح

قال الله عز وجل: إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّةِ إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ [القصص:76].

قيل: الذي نصحه هو موسى. وقيل: الذي نصحه المؤمنون من أتباع موسى: إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ [القصص:76] نصحوه بخمس نصائح: لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ [القصص:76-77].

فنصحوه بهذه النصائح الخمس :

النصيحة الأولى: قالوا: لا تفرح، أي: فرح بطر وأشر، فرح إعجاب بالنعمة وغرور بها، ولكن من فرح بها لأنها نعمة من عند الله عز وجل واستوجب منه هذا الفرح شكر نعمة الله عز وجل عليه، فهذا الفرح يكون ملازماً لشكر الله عز وجل كما قال عز وجل: قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ [يونس:58].

فنعمة الله عز وجل إذا اعترف العبد بها وفرح بها واعترف أنها نعمة من عند الله وقام بواجب شكرها، فهذا الفرح محمود، ولكن الفرح الذي ذمه المؤمن على قارون هو فرح البطر الذي يطغي صاحبه، ويغتر صاحبه بنعمة الله عز وجل عليه، ويظن أن له منزلة عند الله عز وجل، أو أنه يستحق التكريم والتشريف، كما أخبر الله عز وجل عن الذين قالوا: نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوَالًا وَأَوْلادًا وَمَا نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ [سبأ:35]، والذي قاله صاحب الجنتين: وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنقَلَبًا [الكهف:36].

مع أنه كفر بالله عز وجل عندما قال: وَمَا أَظُنُّ السَّاعَةَ قَائِمَةً [الكهف:36] فهو يكفر بالآخرة، ومع ذلك يعتقد أنه لو كان ثم آخرة لكان له جنة أفضل من جنة الدنيا؛ لأنه اعتاد في الدنيا أن يكون مميزاً وأن يكون مكرماً، وأن يكون أكثر من الناس، فهو يظن أن الآخرة كذلك.

وأن من كان أكثر مالاً وأولاداً وجاهاً وسلطاناً في الدنيا فهو في الآخرة كذلك، وما درى أن الآخرة خافضة رافعة، ترفع أهل الإيمان وتخفض أهل الكفر والنفاق والعصيان، يرتفع في الآخرة أهل التقوى كما قال عز وجل: وَالَّذِينَ اتَّقَوْا فَوْقَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [البقرة:212].

ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو ينفق ماله يتقي فيه ربه ويصل فيه رحمه ويعلم لله فيه حقاً، فهذا بأحسن المنازل عند الله. ورجل آتاه الله علماً ولم يؤته مالاً، فهو يقول: لو آتاني الله مالاً لعملت فيه بعمل فلان، فهو بنيته وهما في الأجر سواء. ورجل آتاه الله مالاً ولم يؤته علماً فهو يخبط في ماله لا يتقي فيه ربه، ولا يصل فيه رحمه ولا يعلم لله فيه حقاً فهذا بأسوأ المنازل عند الله، ورجل لم يؤته الله مالاً ولا علماً فهو يقول: لو آتاني الله مالاً لعملت فيه بعمل فلان فهو بنيته وهما في الوزر سواء).

وأكثر الناس ليس عندهم زينة من الدنيا ولا أعراض من أعراض الدنيا، ومع ذلك يتمنون لو أن عندهم مالاً يعصون به الكبير المتعال ويبغون به في الأرض، ويفسدون به في الأرض، وإنما ينفع المال إذا كان لصاحبه علم، فهو بأحسن المنازل عند الله عز وجل: (رجل آتاه الله مالاً وعلماً فهو ينفق ماله يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعلم لله فيه حقاً).

كذلك يلحق هذا بالنية من عنده علم وليس عنده مال، فعاد الشرف بجملته على العلم وأهله، والله عز وجل يعطي الدنيا من يحب ومن لا يحب، ولكنه لا يعطي الدين إلا لمن أحبه، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (من يرد الله به خيراً يفقه في الدين)، ومفهوم الحديث:من لم يرد الله به خيراً لا يفقهه في الدين وإن كان رئيساً وإن كان وزيراً وإن كان أميراً، فإذا لم يفقه في دين الله عز وجل فمهما أعطي من زينة الدنيا، فإن الله لم يرد به خيراً، قال الله عز وجل: وَلَوْلا أَنْ يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَجَعَلْنَا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ * وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا وَإِنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمَّا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ [الزخرف:33-35] أي: لولا أن تكون الفتنة شديدة على أهل الإيمان لجعل الله عز وجل لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِنْ فَضَّةٍ [الزخرف:33] أي: سقف البيت من فضة، وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ [الزخرف:33] أي: أبراجاً وسلالم عليها يرتفعون، وَلِبُيُوتِهِمْ أَبْوَابًا وَسُرُرًا عَلَيْهَا يَتَّكِئُونَ * وَزُخْرُفًا [الزخرف:34-35] فلو كانت الدنيا تعدل عند الله عز وجل جناح بعوضة ما سقى كافراً منها شربة ماء.

والذين يعرفون ذلك هم أهل العلم النافع، أما أهل الدنيا الذين انطمست بصيرتهم وأعماهم حب المال وحب الرفعة في الدنيا عن هذا الفهم الذي لا يلقاه إلا الصابرون فهؤلاء لا ينظرون إلا تحت أقدامهم ولا ينظرون أمامهم ولا يعرفون قول الله عز وجل: وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [العنكبوت:64]، وإنما الدنيا عرض زائل وظل حائل عما قليل سوف تذهب.

استعمال النعم في مرضاة الله وطاعته علامة شكرها ودليل دوامها

قال الله عز وجل: إِذْ قَالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ * وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص:76-77]، فكل عبد أنعم الله عز وجل عليه بنعمة فمن شكر هذه النعمة أن يستعملها في طاعة الله عز وجل ولا يستعملها في معصية الله عز وجل، كما قال موسى عندما قتل القبطي: رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ [القصص:17] أي: بما أنعمت علي من قوة البدن ومن السلطان ومن الوجاهة فلن أكون ظهيراً للمجرمين.

فمن أعطاه الله عز وجل علماً عليه أن يسعى في تعليم هذا العلم، ومن أعطاه الله عز وجل مالاً فعليه أن ينفق من هذا المال في طاعة الكبير المتعال، قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (لا حسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها)، ومن أعطاه الله عز وجل جاهاً ومنزلة في قلوب الناس فزكاة ذلك الشفاعات الحسنة كما قال عز وجل: مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا [النساء:85].

فعلى العبد أن يشكر نعمة الله عز وجل عليه مهما كانت هذه النعمة.

العمل للآخرة لا يعني الإعراض عن الدنيا بالكلية

قال سبحانه وتعالى: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص:77].

قال بعضهم: لا تنس نصيبك من الدنيا، أي: من طاعة الله عز وجل، وهذا غاية الوعظ والنصح؛ لأن هذا النصيب الحقيقي من الدنيا، وقال بعضهم: هو من باب الترفق به وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص:77] أي: أنك لا تترك زينة الدنيا بالكلية، قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الأعراف:32] أي: الرزق الحلال والتمتع بالطيبات والمباحات في الدنيا يشترك فيه المؤمنون والكافرون، ولكنه وقف في الآخرة على أهل الإيمان.

وقيل: وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا [القصص:77] أي: لا تنس أنك لا تنال من الدنيا إلا الزاد والكفن:

فانظر إلى من حوى الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير الزاد والكفن

أي: أن هذا نصيب العبد من الدنيا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أيكم مال وارثه أحب إليه من ماله؟ قالوا: ما منا من أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه، قال: فإن الذي ينفقه من ماله وإن الذي يمسكه مال وارثه)، فالعبد قد يجمع الأموال في الدنيا ولا يخرج حق الله عز وجل منها ثم يترك هذا المال بأجمعه لورثته، وورثته إما أن يكونوا من الصالحين فينفقون هذا المال في طاعة رب العالمين، فيجد المال الذي اكتسبه والذي بخل بزكاته والذي بخل بإنفاقه حتى على نفسه يجده في ميزان غيره يوم القيامة، أو يستعين به الورثة على معصية الله عز وجل فيكون قد جمع لهم المال وتركه لهم يعصون به الكبير المتعال.

فهو على كلا الحالتين نادم، ولكن من أنفق ماله في طاعة الله عز وجل فإنه يجد هذا المال موفوراً مدخراً يوم القيامة.

كان بعض السلف إذا أتاه سائل يقول: مرحباً بمن جاء يحمل حسناتي إلى يوم القيامة.

وقال بعضهم: نعم السائلون ينقلون حسناتنا إلى الآخرة بغير أجرة أي: يبدلون هذه العملة إلى حسنات يوم القيامة ولا يأخذون أجراً على ذلك.

وقال عز وجل: وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ [القصص:77]، لما نصحه المؤمنون بأن يبتغي فيما آتاه الله الدار الآخرة وأن يحسن في ماله، ونصحوه بعموم الإحسان في كل شيء وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ [القصص:77]، ثم نهوه عن البغي والفساد في الأرض: وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ [القصص:77].

فكانت نصيحة جامعة مانعة، فـقارون الذي أعماه ماله قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي [القصص:78] أي: أنه ينسب النعمة إلى نفسه، أو يقول: الله عز وجل أعطاني هذه النعمة لعلمه بشرفي وكرامتي ولأني أستحق هذه النعمة، أي: أنه لابد أن يكون كريماً عند الله فيعطيه الله هذه النعمة.

ولذلك قال الله عز وجل: أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا [القصص:78] أي: أن الله عز وجل أهلك من هو أشد قوة منه وأكثر مالاً منه، فلو كان إعطاء المال والنعمة وإعطاء الجاه والسلطان علامة على رضا الله عز وجل، فكيف أهلك الله عز وجل مِنْ قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ [القصص:78].

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.

الحث على المسارعة في أعمال الآخرة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.

قوله عز وجل: قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي [القصص:78] أي: بمهارتي وذكائي وبجدي واجتهادي، إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ القُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا وَلا يُسْأَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ * فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [القصص:78-79].

خرج في تجمله وفي زينته وفي موكبه فأعجب هذا المنظر أهل الدنيا الذين لا يعرفون الله عز وجل والذين لا يعرفون الدار الآخرة، الذين يغترون بظاهر الدنيا وزينتها ولا يدرون كيف وصل أهل المال إلى هذا المال، فقد يصلون إليه بالبغي والعدوان، وقد يكون هذا المال من أموال الناس بالظلم أو السرقة، فهم لا يعرفون كيف وصل إلى هذا الحد، وإن كان المال حلالاً فكيف يغتر المؤمن بالدنيا والدنيا في الآخرة كما يجعل أحدكم أصبعه في اليم فلينظر بما يرجع.

كم يعيش العبد في الدنيا يقول عز وجل: وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ [الروم:55].

وقال عز وجل: قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَاسْأَلِ الْعَادِّينَ * قَالَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا لَوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ [المؤمنون:112-114]، وقالوا: هي عشية أو ضحاها فالدنيا ساعة، بل لا تساوي ساعة من ساعات يوم القيامة، فكيف بالآخرة خلود في النعيم المقيم أو العذاب الأليم.

فالمؤمنون لا يغترون بزينة الدنيا ولا يغترون بزخرفها، وإنما يغتر بذلك من بخس حظه من العلم النافع والعمل الصالح قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [القصص:79]، فالعبد لا يحسد أهل الدنيا على دنياهم؛ لأن الدنيا تزول عن قليل، فمن أراد أن يحسد فعليه أن يحسد أهل العلم النافع، وعليه أن يحسد أهل العمل الصالح كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله مالاً فسلطه على هلكته في الحق، ورجل آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها)، وقال بعضهم: إذا رأيت الرجل ينافسك في الدنيا فنافسه في الدين، وقال بعضهم: إذا استطعت ألا يسبقك أحد إلى الله عز وجل فافعل.

قال عز وجل: وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ [المطففين:26]، فإذا ذكر الله عز وجل الآخرة شرع لنا التنافس والتسابق.

قال عز وجل: سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ [الحديد:21]، وإذا ذكر الله عز وجل الدنيا والسعي على المعاش، قال: فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ [الملك:15].

فالناس يتسابقون ويتسارعون إلى الدنيا ولكنهم لا يتسابقون ويتسارعون إلى الآخرة، ولكن أهل العلم النافع الذين يعلمون خبث الدنيا وزوالها، وأنها كقطعة الثلج رخيصة الثمن سريعة الذوبان، والآخرة جوهرة غالية الثمن، فهؤلاء يتسابقون على الآخرة ويتسارعون إلى درجات الآخرة، قَالَ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَيَاةَ الدُّنيَا يَا لَيْتَ لَنَا مِثْلَ مَا أُوتِيَ قَارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ [القصص:79-80] أي: لا يلقى الآخرة ولا يلقى ثواب الله عز وجل إلا الصابرون، وقالوا: لا يعلم هذا العلم ولا يفهم هذا الفهم ولا يلقى ذلك إلا الصابرون الذين صبروا على طاعة الله عز وجل وصبروا عن معصية الله عز وجل، وصبروا على الأقدار التي تخالف هوى نفوسهم فهم لا يغترون بالدون ولا يبيعون الأعلى بالأدنى بيع الخاسر المغبون، لا ينافسون على زينة الدنيا وزخرفها، ولكنهم ينافسون على النعيم المقيم ومجاورة رب العالمين فلا يغترون بالمال ولا بالجاه ولا بالسلطان.

الاعتبار بسرعة زوال الدنيا وتبدد زينتها وزخرفها

قال عز وجل: وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَيْلَكُمْ ثَوَابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلَّا الصَّابِرُونَ * فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ [القصص:80-81]، والفاء للتعقيب، وهي إشارة إلى سرعة زوال الدنيا كما قال عز وجل: قُلْ مَتَاعُ الدُّنْيَا قَلِيلٌ وَالآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقَى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا [النساء:77]، وقال عز وجل: فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ [القصص:81].

وهذه عاقبة كل جبار وكل متكبر وكل باغ: فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ [القصص:81] أي: به وبماله وخزائنه وقصره، فصار عبرة للمعتبرين ومن لم يعتبر بغيره صار عبرة لغيره، والسعيد من اعتبر بغيره والشقي من اعتبر بنفسه، قال عز وجل: فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ [القصص:81].

فإذا جاء عذاب الله عز وجل، وإذا جاءت نقمة الله عز وجل لا يستطيع من على وجه الأرض أن يردوا عذاب الله أو يحمي الطاغي الباغي من عذاب الله عز وجل أو من انتقام الله عز وجل، قال الله عز وجل عنه فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ فَمَا كَانَ لَهُ مِنْ فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مِنَ المُنْتَصِرِينَ * وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ [القصص:81-82]، فهنا علموا والعبرة أن تعلم وأن تعتبر قبل أن ينزل عذاب الله عز وجل، فالفتنة إذا أقبلت عرفها كل عالم وإذا أدبرت عرفها كل جاهل، فهؤلاء ما عرفوا ذلك إلا بعد وقوع عذاب الله عز وجل بـقارون ، قال عز وجل: وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ [القصص:82]، فقوله: (ويكأن) (وي) أداة للتعجب والندم، وكأنهم ندموا على مجرد هذا الظن، وعلى مجرد هذا التمني وقالوا: بأنهم كان يمكن أن يخسف بهم؛ لأنهم تمنوا ما فيه قارون مع أنه كان من البغاة وكان من الكافرين وكان من المتكبرين فتمنوا ما هو فيه.

فعند ذلك قالوا: وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [القصص:82] أي: لا يفلحون في الدنيا ولا في الآخرة والعاقبة للمتقين في الدنيا والآخرة.

فهذه عبرة كيف تزول الدنيا سريعاً عن أصحابها الذين يغترون بها ولا يعملون للآخرة ولا يبذلون في طاعة الله عز وجل ولا يستعملون نعم الله عز وجل عليهم في التقرب إلى الله عز وجل، وَأَصْبَحَ الَّذِينَ تَمَنَّوْا مَكَانَهُ بِالأَمْسِ يَقُولُونَ وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ [القصص:82] أي: ليس بسط الرزق علامة على رضا الله، وليس تأخير الرزق علامة على سخط الله عز وجل، فليس الأغنياء هم الذين رضي الله عز وجل عنهم والفقراء هم الذين سخط الله عز وجل عليهم كما يظن أهل الكبر وأهل الغرور من الدنيا، وَيْكَأَنَّ اللَّهَ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَوْلا أَنْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا لَخَسَفَ بِنَا وَيْكَأَنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ [القصص:82].

ثم عقب الله عز وجل هذه القصة بآية كأنها قانون وكأنها سمة ربانية فقال: تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص:83].

فالمتقون عباد الله وأهل الإيمان لا يريدون الدنيا ولكنهم يريدون الآخرة، وما قدر لهم من رزق في الدنيا فلابد أن يأتيهم كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الرزق ليطلب ابن آدم كما يطلبه أجله)، وفي بعض الآثار كذلك: (لو أن ابن آدم هرب من رزقه كما يهرب من الموت لأدركه رزقه ثم يدركه الموت)، فما قدر له في الدنيا لابد أن يأتيه، ولكنه يطلب الآخرة فهمته أعلى من الدنيا لا يرغب في الحطام ولكنه يرغب في النعيم المقيم ومجاورة رب العالمين، لا يرضى بالدون ولا يبيع الأعلى بالأدنى بيع الخاسر المغبون.

تِلْكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرْضِ وَلا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ [القصص:83].

اللهم اهدنا فيمن هديت، وتولنا فيمن توليت، وبارك اللهم لنا فيما أعطيت، وقنا واصرف عنا شر ما قضيت.

اللهم من أرادنا والإسلام والمسلمين بعز فاجعل عز الإسلام على يديه، ومن أرادنا والإسلام والمسلمين بكيد فكده يا رب العالمين، ورد كيده في نحره، واجعل تدبيره في تدميره، واجعل الدائرة تدور عليه.

وصلى الله وسلم وبارك على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , تلك الدار الآخرة للشيخ : أحمد فريد

https://audio.islamweb.net