إسلام ويب

التكفير أمره عظيم، فلا ينبغي أن يتجرأ عليه أحد؛ لأنه حق محض لله تعالى، وهناك فرق بين تكفير النوع والعين لا بد من معرفته والإحاطة به، ولا يجوز لأحد أن يكفر معيناً حتى تتوافر فيه شروط التكفير وتنتفي عنه موانعه، أما من قال بأن القرآن مخلوق فقد كفر، بخلاف من قال: لفظي بالقرآن مخلوق فإنه لا يكفر إن قصد تلفظه هو وقراءته هو.

صفة الكلام لله عز وجل

حكم من قال بأن القرآن مخلوق

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102] .

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1] .

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

لازلنا في كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب عز وجل لإمام الأئمة أبي بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة ووقفنا عند صفة الكلام لله جل وعلا وتكلمنا فيها، وسنتكلم اليوم على مسألة هي من أهم المسائل، وهي مسألة: حكم من قال بأن القرآن مخلوق، وهذه المسألة مهمة جداً؛ لأن فيها من التفصيل ما لا بد لكل إنسان أن يتعلمه ويفقهه بل ويتقنه؛ لأن الضلال فيه كثير جداً، وقد انقسم الناس في هذا الباب إلى ثلاث فرق: فرقة تغالي جداً، وفرقة تفرط جداً، وفرقة وسط وهم أهل العدل والحق.

فمن قال بأن القرآن مخلوق مثل الجبال والسماء والأنهار والشواطئ والإنسان، فقد كفر، وهذا هو الحكم إجمالاً.

التكفير حق محض لله تعالى

حكم من قال لأخيه يا كافر

لا بد لكل طالب علم أن يعلم أن التكفير لا يتجرأ عليه إلا جاهل جريء؛ لأنه من أصعب ما يكون وأشق ما يكون ولا يتجزأ عليه إلا من لم يجعل الله له حظاً في العلم، ولا بد للمسلم ألا يتجرأ على مسألة التكفير إلا بدليل أوضح من شمس النهار؛ لخطر هذه المسألة ولعظمها، ويوضح خطر هذه المسألة ما قاله النبي صلى الله عليه وسلم: (من قال لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما). وفي رواية قال: (فإن كان كذلك وإلا حارت عليه) أي: رجعت عليه. كلمة الكفر إن قالها زوراً وبهتاناً وظلماً، فإذا تجاسر شخص وأطلق كلمة الكفر على أخيه ولم يكن كافراً بحق عند الله، فإنه سيكفر بهذه الكلمة؛ لأنه نزع الإيمان من عبد وما كان له ذلك، فكان جزاءً وفاقاً، وأجراً طباقاً أن تحور الكلمة وتتحول عليه ويصبح هو المتهم بالكفر.

أقول: إن التكفير حق محض لله جل وعلا لا دخل للإنسان فيه، مثله مثل التحليل والتحريم، قال الله جل وعلا: مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلاغُ [المائدة:99] أي: له أن يبلغ، فمن قال أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله فقد دخل حظيرة الإسلام، فلا يجوز لأحد أن يخرجه منها.

وقد جاء في الحديث أن أعرابياً قال: (اللهم ارحمني ومحمداً ولا ترحم معنا أحداً فقال صلى الله عليه وسلم: لقد حجرت واسعاً) وذلك لأن هذا حق محض لرب البرية جل في علاه، فليس لأحد أن يحجر رحمة الله الواسعة.

حكم التألي على الله ونفي الإسلام عن المسلمين

لقد قص علينا النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين قصة فيها: (أن رجلاً من بني إسرائيل كان يمر على أخ له وهو يرتكب المعاصي فيقول له: يا فلان، استغفر ربك قال له المرة الأولى والثانية والثالثة والرابعة، وهو مصر على هذا الذنب، فقال له: والله لا يغفر الله لك أبداً، فقال الله: من ذا الذي يتألى علي؟! قد غفرت له وأحبطت عملك).

إذاً: ينبغي للمسلم عموماً وطالب العلم خصوصاً أن يعلم أن التكفير حق محض لله، وأنه من لوازم ربوبية الله ومن نازع الله في ربوبيته فهو على خطر عظيم، ومن دخل حظيرة الإيمان فليس لأحد أن يخرجه منها إلا بدليل.

وهذا مثال يوضح لنا أن مسألة التكفير حق محض لله وأن من نازع الله فيها فقد نازعه في ربوبيته، جاء في الصحيحين أن المسلمين أغاروا على قومٍ فأعملوا فيهم القتل، ففر رجل منهم، فقام أسامة بن زيد يشتد عليه حتى قتله وهو يقول: لا إله إلا الله محمد رسول الله فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أقتلته بعدما قالها؟ فقال: يا رسول الله، ما قالها إلا متعوذاً)، كأنه اجتهد فيه اجتهاداً ظهر له أن هذا الرجل إنما قالها خوفاً من القتل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم معاتباً ومنكراً إنكاراً شديداً على أسامة : (أقتلته بعدما قالها؟ ثم قال له في الثالثة: ماذا تفعل بلا إله إلا الله يوم القيامة؟!) فندم أسامة ندماً شديداً على هذا الفعل، فالنبي صلى الله عليه وسلم أصل لنا أصلاً، وهو أنَّ من دخل في الإيمان لا يصح لأحد أن يكفره وأن يخرجه من حظيرة الإيمان بحال من الأحوال إلا بدليل أوضح من شمس النهار، له من الله فيه بينة واضحة مثل: تكفير فرعون وأبي جهل وأبي لهب قال تعالى: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ [المسد:1-3] فالله بين أنه من أهل النار وأنه كافر قطعاً، وكذلك اليهود والنصارى فقد بين الله كفرهم في كتابه.

وهذا مثال يبين التأصيل الذي أصله النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه جميعاً عندما قال رجل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذه قسمة ما ابتغي بها وجه الله، فقال خالد : دعني أضرب عنق هذا المنافق. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: لعله يصلي، فقال خالد: كم من مصلٍ يفعل ما لا يعتقد أو يقول ما لا يعتقد، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ما أمرت أن أشق عن القلوب). فمسألة التكفير هي حق محض لله، فمن دخل دائرة الإسلام فلا يجوز لأحد أن يكفره إلا بدليل أوضح من شمس النهار.

هذا مثل عظيم ضربه النبي صلى الله عليه وسلم لـخالد ولـعمر ولـأسامة وغيرهم حتى يتبين لنا الأمر، فلا نتجاسر على مسألة التكفير.

تكفير النوع وتكفير المعين

الفرق بين تكفير النوع وتكفير المعين

هناك فرق بين أن نقول: من فعل كذا أو قال كذا فقد كفر، أو أن نقول: قائل هذه المقولة كافر، فالآيات التي جاءت مطلقة وعامة، وكذلك الأحاديث وأقوال أهل العلم فإنها تبقى على إطلاقها وعمومها، ولا تتنزل على الشخص المعين إلا بدليل أوضح من شمس النهار، والقاعدة عند العلماء: أن المطلق يبقى على إطلاقه، والعموم يبقى على عمومه، حتى يأتي المقيد أو المخصص، كقول الإمام أحمد بن حنبل: من قال: القرآن مخلوق فهو كافر، فهذا مطلق، فهنالك فرق بين تكفير النوع وتكفير المعين، فمن قال: القرآن مخلوق فقد كفر، هذا تكفير النوع، أما الشخص الذي قال هذه المقولة فلا يكفر إلا بدليل واضح بين من كلام الله.

ما العلم إلا قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويـه

ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين قول فقيـه

أدلة الفرق بين تكفير النوع وتكفير المعين

الدليل الأول: حديث الرجل الذي قال لأولاده: (إذا أنا مت فأحرقوني ثم ذروني... فلئن قدر الله علي ليعذبنّي) فهذا الرجل قد ملأ الأرض عصياناً، فعندما جاءه الموت شك في قدرة الله جل وعلا، ومع شكه في قدرة الله كان خائفاً من الله، راجياً فيما عنده، لكن اتفق علماء المسلمين على أن من قال: إن الله لا يقدر على شيء فقد كفر، لأنه مكذب للقرآن: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا [النساء:87] ، وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا [النساء:122] والله تعالى يقول: إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:20] فهذا تكفير النوع، لكن ذلك الرجل الذي أمر أولاده بحرقه بعثه الله فقال له كما بين لنا النبي صلى الله عليه وسلم: (ما الذي حملك على هذا؟ قال: مخافتك، أو قال: رجاء رحمتك، فغفر الله له وأدخله الجنة).

فالرجل أتى بكفر باتفاق علماء المسلمين، لأنه شك في ذات القدرة، لكنه كان جاهلاً فأتى بكفر مطلق، كفر نوعٍ لا كفر عين، فعذره الله بجهله ثم أدخله الجنة.

إذاً: من قال كلمة الكفر فليس بكافر، إلا إذا أقيمت عليه الحجة، وأزيلت عنه الشبهة.

الدليل الثاني: رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقب بـحمار رضي الله عنه وكان يشرب الخمر فيؤتى به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيجلد، فقال بعض الصحابة: (لعنة الله عليه ما أكثر ما يؤتى به).

شارب الخمر يستحق اللعن؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لعن في الخمر عشرة، ومنهم: شاربها، وهذا لعن نوع عموماً، أما لعن العين وهو: إيقاع الحكم العام على عين الشخص فقد أنكره النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لمن لعن شارب الخمر (لا تعن الشيطان عليه؛ فإنه يحب الله ورسوله)، وفي رواية: (ما علمت إلا أنه يحب الله ورسوله) ، فيدل هذا الحديث على أنه لا يستحق اللعن مع أن شارب الخمر ملعون.

فالمسلم قد يقع في الكفر والضلال المبين فيكفر بالقرآن، أو بالنبي صلى الله عليه وسلم، أو بالله جل وعلا ولا يحكم عليه بالكفر؛ لأن هناك موانع تمنع من تكفيره.

التأصيل الثاني: التكفير فارق بين النوع وبين المعين.

الدليل الثالث: من أقوال السلف: من قال بأن القرآن مخلوق فهو كافر، وهذا هو قول الإمام أحمد ، لقد كان إمام أهل السنة والجماعة أحمد بن حنبل مفخرة المسلمين لما أخذه المأمون في فتنة القول بخلق القرآن واستدلوا عليه بقول الله تعالى: إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا [الزخرف:3] وقوله تعالى: وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ [الأنعام:1] أي: أن الله خلق الظلمات والنور فقالوا: إن قوله: وجعلناه قرآناً عربياً يعني: خلقه قرآناً عربياً، فرد عليهم الإمام أحمد بقول الله تعالى: فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ [الفيل:5] قال: هل المعنى: أنه خلقهم كعصف مأكول؟ لا، وإنما حولهم بالحجارة إلى عصف مأكول.

فكان الإمام أحمد يقول: من قال: القرآن مخلوق فهو كافر، ومع ذلك لم يخرج على المأمون ؟ بل كان يصلي خلفه ويدعو له بالتسديد والتوفيق، ويرى ذلك واجباً عليه.

فإمام أئمة أهل السنة والجماعة يؤصل لنا هذا الأصل وهو أن ولي الأمر إذا أتى بمكفر فلا يكفر عيناً، وإنما يدعى له بالتسديد والتوفيق ويغزى معه؛ لأننا أمرنا بالغزو مع كل بر وفاجر.

الإيمان الثابت باليقين لا يزول بالشك

التأصيل الثالث: أن من ثبت إيمانه بيقين لا يزول بشك بحال من الأحوال، وتفسير ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة فقال أبو ذر : يا رسول الله، وإن زنى وإن سرق؟ قال: وإن زنى وإن سرق، ثم قال له في الثالثة: وإن زنى وإن سرق، على رغم أنف أبي ذر) فمن قال: لا إله إلا الله دخل الإسلام وله ما للمسلمين وعليه ما عليهم، فمن دخل الإسلام بيقين لا يخرج منه إلا بيقين. فلو ثبت على الرجل كلمة الكفر فيحتمل أنه قالها عامداً أو جاهلاً؟ أو سبق لسان، أولم يطمئن قلبه أو كان مكرهاً فهذه احتمالات تدخل في دائرة الشك، والقاعدة أن من ثبت إيمانه بيقين فلا يزول بالشك. فإن كان جاهلاً فلا بد أن يعلم، فتقام عليه الحجة، ويزال عنه الشبهة.

وهذا يبين لنا خطأ من يتجاسر على التكفير كائناً من كان، حتى ولو كان يدافع عن حظيرة الإسلام، أو يرفع راية الإسلام فلا يجوز تكفير أحد إلا بيقين وبعلم؛ لأن تكفير المعين جرأة على الدين، وجرأة على لوازم ربوبية الله جل في علاه.

توافر الشروط وانتفاء الموانع موجب للتكفير

التأصيل الرابع: أن حكم الكفر لا يثبت إلا بتوافر شروط وانتفاء موانع، مثال ذلك: لو أنكر رجل فرضاً من فروض الصلاة، فقال: المفروض على الناس أربع صلوات فقط وليس خمس صلوات، فقد أتى بمكفر؛ لأنه أنكر أمراً معلوماً من الدين بالضرورة. فننظر توافر الشروط وانتفاء الموانع، فقد يكون ممن لا يعرف أن الله جل وعلا افترض على عباده صلاة أو صياماً، كأن يكون جاهلاً لا يقرأ ولا يسمع ولا يعرف أي شيء، فهذا مانع من تكفيره، كذلك لو أن رجلاً مجتهداً قال: إن الله لم يستو على عرشه، وينفي صفة الاستواء، فإن كان عالماً مجتهداً اجتهد ونظر في الأدلة، فوصل به اجتهاده إلى هذا الخطأ، فإنه مجتهد مخطئ له أجر، ولا يمكن أن يكفر بذلك، حتى تنتفي الموانع وتتوافر الشروط، فإن توافرت الشروط ولم تنتف الموانع فلا نكفر.

مثال يوضح هذا: المسلم الذي يقتل مسلماً متعمداً لقد تسبب في حكم الكفر، فإن الذي يقتل مؤمناً متعمداً حكمه الخلود في النار، والذي لا يكون إلا لكافر، فهنا توافر الشرط، لكن هل انتفى المانع؟ نقول: إن الموانع جاءت بكثرة تبين أن المسلم إذا قتل مسلماً ولو متعمداً لا يخلد في نار جهنم، مع أن الله تعالى قال: خالداً فيها والمعنى: هذا حكمه وجزاؤه إن جوزي به كما قال أبو هريرة، فهنا توافر فيه السبب المقتضي للحكم، وهو قتل المسلم عمداً، وقتل المسلم متعمداً سبب لخلوده في النار، لكن يأتي المانع فيدفع هذا السبب، والمانع هو لا إله إلا الله؛ لأن من قال: لا إله إلا الله نفعته يوماً من الدهر، ودخل بها الجنة، وبانتفاء المانع انتفى الحكم.

إذاً: التكفير حق محض لله لا يجرؤ عليه إلا جريء، ولا بد أن يعلم أولاً أنه من لوازم ربوبية الله ومن نازع الله في ربوبيته فهو على شفير هلكة، فهذا هو التأصيل الأول.

التأصيل الثاني: أن هناك فارقاً بين تكفير النوع والمعين.

التأصيل الثالث: أن من ثبت إيمانه بيقين لا يزول بالشك بحال من الأحوال.

التأصيل الرابع: حتى نكفر أحداً، لا بد من توافر شروط وانتفاء موانع.

وبهذه الأمور تضيق دائرة التكفير جداً، حتى على العلماء المجتهدين، فمن ثبت إيمانه بيقين وأتى بمكفر، ثم أقيمت عليه الحجة وأزيلت الشبهة من عالم مجتهد نحرير، فإنه يكفر بذلك، وليس لأحد أن يتجاسر على هذا الأمر، ولو تجرأ عليه فهو على شفير هلكة.

فهذا التأصيل لا بد أن يصاحب طالب العلم في حله وترحاله، وقد أكدت عليه وقررته وكررته؛ لأن من وقع في باب التكفير فقد وقع في خطر عظيم.

6)]

الأدلة على التكفير من قال بخلق القرآن :-

من قال: إن القرآن مخلوق فهو كافر، وجه تكفير من قال هذا القول المطلق ما يلي أولاً: تكذيبه للقرآن، فإن الله قرر في كتابه أن القرآن هو كلام الله غير مخلوق، فمن قال بأنه مخلوق فقد كذب الله، قال الله تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة:6]، وإضافة المعنى الذي هو كلام الله من باب إضافة الصفة للموصوف، فهذه الصفة ليست عيناً قائمة بذاتها.

الأمر الثاني: أنه شبه الخالق بالمخلوق إذ كلام الإنسان مخلوق، فمن قال: إن كلام الله مخلوق، فقد شبه الله بخلقه، وقد أصل لنا نعيم بن حماد شيخ البخاري تأصيلاً عظيماً فقال: من شبه الله بخلقه فقد كفر.

ثالثاً: أن من قال: إن القرآن مخلوق، فقد خالف إجماع سلف الأمة وشموسها فقد قالوا: إن من قال القرآن مخلوق فقد كفر، وإليكم بعض الآثار عنهم، روي بسند صحيح عن الإمام أحمد أنه سئل عمن قال: القرآن مخلوق، فقال: من قال أن القرآن مخلوق فقد كفر، وعلى هذا فتكفير الجهمية تكفير ليس عيناً، فإنه صلى خلف المأمون وأمر باتباعه والسمع والطاعة له.

وهذا وكيع الذي كان إذا دخل مكة انفض الناس عن كل المجالس إلى مجلسه، كان جبلاً في الحفظ رضي الله عنه وأرضاه، قال في ذبائح الجهمية بأنها ميتة فهي حرام فهو نزل الجهمية منزلة الكفار في كون رد ذبيحتهم ميتة لا يجوز الأكل منها.

وأيضاً قيل لـابن المبارك : إن النضر يقول: أن من قال: إن الله لم يكلم موسى فقد كفر، قال: صدق النضر، قال: من قال: إن قول الله تعالى: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ مخلوق فقد أدى بذلك أن الله أمر موسى أن يعبد مخلوقاً لا خالقاً، وهذا أم الكفر وبابه.

وأيضاً الإمام مالك قال: من قال: القرآن مخلوق فهو كافر، يقتل بعدما يستتاب.

وقال جعفر جعفر الصادق : من قال: إن القرآن مخلوق فهو كافر يقتل ولا يستتاب، والخلاف فقهي بين العلماء، هل يستتاب ثلاثة أيام أم لا؟ الغرض المقصود أنه ما من إمام من الأئمة إلا وقد كفر من قال بأن القرآن مخلوق، وليس صفة من صفات الله جل وعلا.

ناظر الشافعي حفصاً الفرد أحد غلمان بشر المريسي فقال في بعض كلامه: القرآن مخلوق. فقال له الشافعي كفرت بالله العظيم.

إذاً فمن قال: إن القرآن مخلوق فقد كفر؛ لأن القرآن تكلم الله به وسمعه منه جبريل بصوت وحرف، ثم نزل به إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

الأدلة على تكفير من قال بخلق القرآن

من قال: إن القرآن مخلوق فهو كافر، ووجه تكفير من قال هذا القول المطلق ما يلي:

أولاً: تكذيبه للقرآن، فإن الله قرر في كتابه أن القرآن هو كلام الله غير مخلوق، فمن قال بأنه مخلوق فقد كذب الله، قال الله تعالى: وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ [التوبة:6]، وإضافة المعنى الذي هو كلام الله من باب إضافة الصفة للموصوف، فهذه الصفة ليست عيناً قائمة بذاتها.

الأمر الثاني: أنه شبه الخالق بالمخلوق إذ كلام الإنسان مخلوق، فمن قال: إن كلام الله مخلوق، فقد شبه الله بخلقه، وقد أصل لنا نعيم بن حماد شيخ البخاري تأصيلاً عظيماً فقال: من شبه الله بخلقه فقد كفر.

ثالثاً: أن من قال: إن القرآن مخلوق، فقد خالف إجماع سلف الأمة وشموسها الذين قالوا: إن من قال القرآن مخلوق فقد كفر، وإليكم بعض الآثار عنهم، روي بسند صحيح عن الإمام أحمد أنه سئل عمن قال: القرآن مخلوق، فقال: من قال: إن القرآن مخلوق فقد كفر، وعلى هذا فتكفير الجهمية ليس تكفير عين، فإنه صلى خلف المأمون وأمر باتباعه والسمع والطاعة له.

وهذا وكيع الذي كان إذا دخل مكة انفض الناس عن كل المجالس إلى مجلسه، كان جبلاً في الحفظ رضي الله عنه وأرضاه، قال في ذبائح الجهمية بأنها ميتة فهي حرام فهو نزل الجهمية منزلة الكفار في كون رد ذبيحتهم ميتة لا يجوز الأكل منها.

وأيضاً قيل لـابن المبارك: إن النضر يقول: إن من قال: إن الله لم يكلم موسى فقد كفر، قال: صدق النضر، قال: من قال: إن قول الله تعالى: إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ مخلوق فقد أدى بذلك أن الله أمر موسى أن يعبد مخلوقاً لا خالقاً، وهذا أم الكفر وبابه.

وأيضاً الإمام مالك قال: من قال: القرآن مخلوق فهو كافر، يقتل بعدما يستتاب.

وقال جعفر الصادق : من قال: إن القرآن مخلوق فهو كافر يقتل ولا يستتاب، والخلاف فقهي بين العلماء، هل يستتاب ثلاثة أيام أم لا؟

والمقصود أنه ما من إمام من الأئمة إلا وقد كفر من قال بأن القرآن مخلوق، وليس صفة من صفات الله جل وعلا.

ناظر الشافعي حفصاً الفرد أحد غلمان بشر المريسي فقال في بعض كلامه: القرآن مخلوق. فقال له الشافعي كفرت بالله العظيم.

إذاً: فمن قال: إن القرآن مخلوق فقد كفر؛ لأن القرآن تكلم الله به وسمعه منه جبريل بصوت وحرف، ثم نزل به إلى النبي صلى الله عليه وسلم.

حكم من قال: لفظي بالقرآن مخلوق

أما قول الإنسان: لفظي بالقرآن مخلوق، فهذه الكلمة مستحدثة ليست معروفة في عصر أبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ولا التابعين، بل استحدثت هذه الكلمة في عصر تابعي التابعين، فهي من الكلمات المبهمة التي تحتمل حقاً وتحتمل باطلاً، فإن قصد بها الحق قبلناه، وإن قصد بها الباطل رددناه.

مثال ذلك: أن ابن عباس صلى خلف رجل فسمعه يقول: اللهم رب القرآن اغفر لفلان، فقال له: ماذا تقصد بالقرآن؟ لأن هذه المقولة تحتمل حقاً وهو إضافة الموصوف إلى صفته، أو باطلاً وهو إضافة الخالق للمخلوق، فقال: القرآن كلام الله، قال: نعم ما قلت.

إذاً القاعدة: أن الكلام المبهم الذي يحتمل حقاً ويحتمل باطلاً لا نرده ولا نقبله، فإن قصد أن لفظه هو مخلوق فهذا حق، وقد اختلف العلماء في ذلك على ثلاثة أقوال:

القول الأول: قول جلة من أهل السنة والجماعة من الأكارم والأماجد، كـأحمد وأبي زرعة وأبي حاتم وغير هؤلاء الذين يقولون: من قال: لفظي بالقرآن مخلوق فقد كفر.

وتوجيه هذا القول: إذا كان يقصد به القرآن.

القول الثاني: التوقف في تكفيره وعدم تكفيره، وهو قول الجهمية، وقال أحمد : إن جهل الجهمية الواقفة جهل بسيط وليس جهلاً مركباً، فالجهل البسيط أن يعلم الإنسان أنه جاهل أما الجهل المركب فهو أن يعلم أنه جاهل ولا يعترف للناس أنه جاهل، فالإمام أحمد بن حنبل كان يقول على فرق الجهمية: جهلهم جهل بسيط؛ لأنهم توقفوا في هذه المسألة.

القول الثالث: التفصيل وهذا هو الحق وهو ما قاله البخاري وإمام الأئمة ابن خزيمة ، فقد قالا: لا شيء في قول الشخص: لفظي بالقرآن مخلوق، وهذا القول هو الحق، لكن نزيده تفصيلاً ونقول: إن قصد بلفظي في القرآن، أي: فعلي وكسبي وقراءتي التي أقرؤها مخلوقة فهذا حق، وإن قصد كلام الله الذي هو القرآن كقوله تعالى: وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا [النور:31] فهذا كفر، وهذا يعضده الأثر والنظر.

حكم سب الدين وسب الله ورسوله والفرق بينهما

سب الدين معلوم بالدين بالضرورة، وبعض المتأخرين يقول: إن سب الدين ليس بكفر، وإنما هو من سوء الأدب، وهذا كلام باطل وضعيف جداً، فمن سب الدين فقد كفر؛ لأن الذي يسب الدين أصالة يسب الذي أنزل هذا الدين ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تسبوا الريح) لأن من سب الريح فقد سب من أرسل هذه الريح، فسب الدين كفر نوع وليس كفر عين، حتى تقام الحجة وتزال الشبهة، فإن أقيمت عليه الحجة، وزالت عنه الشبهة فإنه يستتاب وإلا فيقتل بأمر من ولي الأمر.

هنا فرق بين سب الله وسب رسوله وبين سب الدين، فسب الله ورسوله لا يحتاج إلى إقامة حجة ولا إزالة شبهة أن يسب من أنزل هذا الدين، والقاعدة عند العلماء: أن لازم القول ليس بلازم حتى يقر صاحب القول بذلك، ولذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يكفر من سب الريح، لكنه نهى عن سبها وقال: (لا تسبوا الريح)؛ لأن الذي يسب الريح قد سب من أرسل هذه الريح، فلازم القول ليس بلازم، بل لا بد من إقامة الحجة وإزالة الشبهة، أما من سب الله بواحاً أو سب الرسول في عرضه كأن قال: عائشة زانية، قطع الله لسان من يقول ذلك ومن يؤيده ونعوذ بالله من ذلك، فهي المبرأة الصديقة زوج النبي صلى الله عليه وسلم في الدنيا وفي الآخرة، فمن رماها بالزنا فقد كفر، ولا تقام عليه الحجة ولا تزال عنه الشبهة؛ لأنه مكذب للقرآن صراحة، ومتهم للنبي صلى الله عليه وسلم في عرضه.

كذلك من خالف حكم الله في مسألة معينة، مع اعتقاده أن حكم الله هو الحق، فإنه لا يكفر كفر عين؛ لأنه مقر بحكم الله تعالى، وإنما حكم بغيره في قضية معينة من أجل مصلحة دنيوية كرشوة أو غيرها.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح كتاب التوحيد وإثبات صفات الرب - حكم من قال بأن القرآن مخلوق للشيخ : محمد حسن عبد الغفار

https://audio.islamweb.net