إسلام ويب

القواعد الفقهية يندرج تحتها كثير من المسائل أو الفروع الفقهية، فهي تسهل للطالب معرفة الحكم الشرعي، ومن هذه القواعد الفقهية قاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، والميسور لا يسقط بالمعسور، والزعيم غارم، وقاعدة الأجر والضمان لا يجتمعان، وقاعدة الجواز الشرعي ينافي الضمان.

الحث على طلب العلم

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا[النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

ثم أما بعد:

قال النبي صلى الله عليه وسلم : (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خالفهم أو من خذلهم حتى يأتي أمر الله).

قال الإمام أحمد: هم أهل الحديث.

وقال النووي في شرحه لهذا الحديث: هم أهل الحديث، وأهل الفقه، وأهل الأصول.

فحيهلاً بمن ينشغل بالعلم، ويحرص عليه، والأمة تحتاج لطلبة العلم، وبعض طلبة العلم الآن يضيع أوقاته في أمور تافهة، وهذا لا ينبغي لطالب العلم، فعليه أن يسهر على طلب العلم، ويثبت علمه بسماع الأشرطة العلمية، وينشغل بمراجعة القرآن والأذكار والاطلاع على الكتب.

قاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب

معنى القاعدة ودليلها

توجد قاعدة أصولية تتعلق بمسائل كثيرة من الفقه، ولابد من الاطلاع عليها، وهي قاعدة: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

والمعنى: أن الله جل في علاه إذا أمر بشيء فقد أحب أن يرى هذا الشيء قد فعله العبد، وائتمر به المكلف، وإذا أمر بشيء فقد أمر بكل السبل التي توصل إلى هذا الشيء، وحرم كل السبل التي تمنع من الوصول إلى هذا الشيء.

فمثلاً: أمر الله جل في علاه بأن يسارع المرء إذا سمع النداء يوم الجمعة إلى المساجد حتى يقيم هذه الشعيرة الإسلامية صلاة الجمعة؛ ولذلك يسر كل الطرق والوسائل التي توصل إلى تحقيق هذا، وحرم كل الطرق والوسائل التي تقطع المرء عن أن يصل إلى ذلك، فقد حرم البيع وقت النداء الثاني لأنه يشغل المكلف عن أن يذهب إلى صلاة الجمعة، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، والوسائل لها أحكام المقاصد.

ومعنى هذه القاعدة: أن كل واجب لا يتم إلا بشيء معين فهذا الشيء يكون واجباً، سواء أكان شرطاً أو كان سبباً، وما الفرق بين الشرط والسبب؟

الصحيح الراجح أنهما يتفقان ويفترقان:

يتفقان لأن الشرط خارج عن ماهية الشيء، والسبب خارج عن ماهية الشيء.

ويفترقان؛ لأن الشرط لا يلزم من وجوده الوجود، ويلزم من عدمه العدم، كالوضوء للصلاة لا يلزم من وجوده الوجود، ويلزم من عدمه العدم.

أما السبب فهو كالركن يلزم من وجوده الوجود، ويلزم من عدمه العدم، كقول الله تعالى: أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ [الإسراء:78]، فدلوك الشمس سبب لفرضية صلاة الظهر، فكلما حدث الدلوك وجبت الصلاة، فيلزم من وجود السبب الوجود، ويلزم من عدمه العدم.

تطبيقات على قاعدة ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب

من الفروع التي تتفرع على هذه القاعدة المهمة:

رجل له زوجتان: هند وسعاد، وحدث بينه وبين سعاد شيء، وحدث بينه وبين هند شيء، فطلق إحداهما وهو خال طلقة بائنة، ثم حدث له ذهول في عقله فنسي هل طلق هنداً أم طلق سعاد؟

فالواجب عليه عدم النظر إلى من طلقها، وعدم إمساكها، وهذا لا يمكن إلا إذا امتنع عن الاثنتين؛ لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وهو قد اختلط عليه الأمر.

ومن فروع هذه القاعدة: لو بنى بعض المسلمين عمارة، وفيها طابق للمسلمين وطابق لأهل الكتاب، فقدر الله وأصيبت البناية بالزلازل فوقعت البناية بأسرها على كل من فيها من أهل الإسلام ومن أهل الكفر، فيجب على أهل الإسلام تغسيل موتاهم وتكفينهم، والصلاة عليهم، فرأوا رجلاً ميتاً فتحيروا هل هو مسلم أم كافر؟

وتغسيل الميت المسلم واجب، والصلاة عليه واجبة، وهو فرض كفاية إن قام به البعض سقط الإثم عن الآخرين.

فنقول: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فيغسل الجميع ويكفن الجميع، ويصلى على الجميع إلا من علمنا أنه كافر.

فإن قيل: كيف أصلي على كافر؟ وكيف أدعو لكافر والله قد نهى عن الاستغفار للكافر، والنبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ذلك؟!

فالجواب: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولا يتم تغسيل المسلمين إلا بتغسيل من معهم، فقلنا بوجوب التغسيل لهم جميعاً؛ لأنه ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وعندما تصلي تنوي أن هذه الصلاة على المسلم فقط.

ومثل هذه المسألة ما لو تزوج مسلم امرأة نصرانية من أوروبا، ثم ماتت والحمل في بطنها، فهل تدفن في مقابر المسلمين أم تدفن في مقابر الكافرين؟ وهل يصلى عليها أو لا يصلى عليها؟

لا يصلى عليها إن كان الجنين في بطن أمه صغيراً، لكن لو كانت على مشارف الولادة في الشهر التاسع فيصلى على الجنين.

ومن فروع هذه القاعدة: إذا صلى المكلف خلف الإمام، وكان الإمام في الركعة الثالثة، والمشهور أن سترة الإمام سترة للمأموم، فلما سلم الإمام أصبح المأموم منفرداً، فكان يصلي بجانب السارية، والناس يمرون من أمامه فخشي على صلاته من البطلان، بل خشي أن يمر الشيطان من أمامه ويقطع عليه الصلاة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.

فيجب عليه أن يمشي إلى السارية، وهو في صلاته من أجل أن يصلي إلى سترة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إذا صلى أحدكم فليصل إلى سترة)، وهذا أمر وظاهر الأمر الوجوب، بل قال: (وليدن منها)، وهذا الوجوب لا يتم إلا بالمشي إلى السارية.

وهذا الذي قاله مالك في المدونة، قال رحمه الله: المسبوق إذا قام ليتم صلاته فأصبح منفرداً فله أن يمشي إلى السارية، وهذا الذي طبقه عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه عندما دخل فوجد رجلاً يصلي منفرداً إلى غير سترة فأخذه بأذنه فجره إلى السارية، وجعلها سترة له.

فهذا تقرير لهذه القاعدة: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

ومن هذه الفروع أيضاً: رجل سافر براً إلى أرض الحجاز يريد العمرة، فجلس في الصحراء ليرتاح، فدخل وقت صلاة الظهر أو صلاة العصر، فبحث عن الماء فلم يجده، فيعدل إلى التيمم، وإن كان الماء وهو الأصل في التطهير غير موجود! فلا تسقط عنه الصلاة ما دام عقله معه، فإن كان كل الجسد لا يتحرك فيومئ برأسه وإلا بعينه.

فإن وجد رجلاً معه زجاجات الماء ويبيعها بثمن المثل، فيجب عليه أن يشتريها ويتوضأ لتصح صلاته؛ لأن الصلاة مع وجود الماء لا تصح إلا به، وهذا من باب: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

كذلك إن كان في الصحراء -مثلاً- فسرق سارق ثيابه وأصبح عارياً، ووجد رجلاً يبيع هذه الملابس، فيجب عليه أن يشتري هذه الملابس ستراً للعورة حتى تصح الصلاة، لأن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.

قاعدة الميسور لا يسقط بالمعسور

أدلة قاعدة الميسور لا يسقط بالمعسور

القاعدة الفقهية: الميسور لا يسقط بالمعسور.

وهذه القاعدة لها أصل أصيل من كتاب ربنا ومن سنة نبينا صلى الله عليه وسلم.

فمن الكتاب قول الله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن:16].

وقول الله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286].

وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم).

والله جل في علاه كلما شق الأمر على الناس خففه عنهم، فالميسور لا يسقط بالمعسور.

الفروع التي تتعلق بقاعدة الميسور لا يسقط بالمعسور

والفروع التي تتعلق بهذه القاعدة كثيرة، منها ما يلي:

رجل كان في بيته ودخل عليه السارق فسرق ما عنده من ملابس وفرش، وكان صاحب البيت في الحمام يغتسل فخرج عارياً، وأراد الصلاة وخشي ضياع الوقت، وبحث في البيت بأسره فما وجد إلا رداءً يستطيع أن يغطي به كتفيه ونصف البدن من فوق السرة، ويترك باقي الأعضاء ظاهرة حتى العورة، ومن المعسور أن يغطي كل البدن، ومن الميسور أن يغطي الكتفين أو السوأتين، فإن غطى الكتفين فالسوأتان ظاهرتان، وإن غطى السوأتين فالكتفان والبدن بأسره غير مغطى.

فالأولى أن يغطي السوأتين؛ لأن الميسور لا يسقط بالمعسور.

أيضاً من الفروع لهذه القاعدة:

رجل من أوروبا أسلم فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله -نسأل الله أن يدخل جميع الغرب في الإسلام رحمة بهم من النار- فبعد أن نطق بالشهادتين فإنه يجب علينا أن نبين له فرائض الإسلام، ولا بد أن يتقبلها.

وأول أركان الإسلام وفرائضه الصلاة، فنعلمه كيفية الصلاة بأركانها وشروطها، ومن ذلك قراءة الفاتحة فيها، وأن البسملة آية منها.

فلو حفظ نصفها فقط وما استطاع أن يحفظ النصف الآخر أو يتقنه، فإن صلاته تصح ولو لم يكمل قراءة الفاتحة؛ لأن الميسور لا يسقط بالمعسور، قال الله جل في علاه: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا [الطلاق:7]، وقال أيضاً: لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة:286].

ولو أن رجلاً يستطيع القيام في الصلاة، أما الركوع والسجود فلا يستطيعهما، فالميسور لا يسقط بالمعسور، فيجب عليه أن يكبر تكبيرة الإحرام ويقرأ الفاتحة قائماً، وعند الركوع والسجود يومئ، ويكون إيماؤه للسجود أخفض من إيمائه للركوع، ففي ذلك تيسير الله على العباد، فالميسور لا يسقط بالمعسور.

أيضاً: رجل شج في رأسه، ثم أصبح جنباً إما بالجماع أو بالاحتلام، وأراد أن يصلي صلاة الفجر، فلو اغتسل لرفع الحدث الأكبر فإن الماء سيضره وقد يؤدي به إلى الوفاة، فإن أعضاء الغسل كلها تنزل منزلة العضو الواحد، ويعسر عليه أن يمر الماء على رأسه فقط وما عدا ذلك فميسور له، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)، فيجب عليه أن يمر الماء على كل الجسد، ويأتي على رأسه فيتيمم؛ لأنه بالنسبة للرأس غير واجد للماء؛ لأن الماء لا بد أن يوجد حقيقة وحكماً، وهو غير موجود حكماً؛ لأنه لا يستطيع استعمال الماء؛ فلو استعمله فقد يضيق على نفسه أو يقتل.

والحديث فيه ضعف وإن صححه بعض العلماء، وهو أن رجلاً كان في رأسه شجةً فاحلتم، ثم سأل بعض الصحابة عن ذلك فقالوا له: ما نرى لك إلا الاغتسال لأنك واجد للماء، فلما اغتسل مات شهيداً بسبب هذه الفتوى التي جانبت الصواب.

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في ذم الجهل (اتخذ الناس رءوساً جهالاً فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا).

فاستحق هؤلاء الصحابة الذين أفتوا الرجل بذلك أن دعا النبي صلى الله عليه وسلم عليهم فقال: (قتلوه قاتلهم الله، هلا سألوا إذا لم يعلموا، إنما شفاء العي السؤال)، فالغرض المقصود في هذه المسألة هو أن الميسور لا يسقط بالمعسور.

كذلك صاحب الجبيرة إذا كانت في إحدى يديه، وعليه فإنه يتوضأ فيغسل وجهه ويده السلمية، أما التي فيها الجبيرة فإنه يمسح عليها ويغسل الباقي، وإن لم يغسله لا يجزئه؛ لأن الميسور لا يسقط بالمعسور.

قاعدة الزعيم غارم

والقواعد الأخرى في المعاملات وهي قواعد مهمة في الضمان، أولها: الزعيم غارم، والزعيم هو الضامن.

والأصل في هذه القاعدة كما في سنن أبي داود أن رجلاً قبض غريماً له بعشرة دنانير فقال له: إما أن تقضي؛ وإما أن تأتيني بحميل -يعني: بكفيل أو زعيم- فتحملها النبي صلى الله عليه وسلم، فجاء الرجل ببعض الدنانير فقال له النبي: من أين أصبت هذا الذهب؟ قال: من معدن؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (لا حاجة لنا فيها وليس فيها خير) فتحملها النبي صلى الله عليه وسلم وقضى عن الرجل.

فالشاهد أن الرجل قال له: إما أن تقضي، وإما أن تأتيني بحميل، أي: كفيل أو زعيم، فكان الكفيل هو النبي صلى الله عليه وسلم فضمنه، فلما لم يستطع الرجل إلى ذلك وفاء قضى عنه النبي صلى الله عليه وسلم.

وفي رواية صريحة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الزعيم غارم).

قاعدة الخراج بالضمان

وهذه القاعدة لها فروع فقهية كثيرة جداً، ويتفرع عليها قاعدة مهمة، وهي قاعدة: الخراج بالضمان، أو الغنم بالغرم.

فمثلاً: رجل رهن بقرة عند رجل آخر فكان يحلبها كل يوم، فلو ماتت في يد المرتهن فإنه يضمن، وله أن يستفيد من لبنها؛ لأن الخراج بالضمان.

وذلك لحديث عائشة رضي الله عنه وأرضاها أن رجلاً اشترى عبداً، واستعمله عدة أيام ثم وجد به عيباً، فرده إلى البائع، فقال البائع: يا رسول الله، لقد استغله أو استفاد منه أي: أخذ الخراج، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (الخراج بالضمان).

وكذلك لو اشترى رجل سيارة أجرة، وأخذها في اليوم الأول فاستعملها وأخذ أجرة اليوم، ثم استعملها في اليوم الثاني والثالث والرابع، ثم ظهر فيها عيب أخفاه البائع عن المشتري، فيصح للمشتري أن يفسخ البيع ويرد السيارة للبائع، وأجرة السيارة في هذه المدة تكون للمشتري وليس للبائع؛ لأنها لو تلفت قبل أن يردها فإن المشتري يضمن؛ فإن الخراج بالضمان.

وكذلك لو أن مجموعة من الناس أرادوا بناء شركة مواد غذائية، أو شركة سيارات، وكل واحد منهم دفع مبلغاً معيناً، وصار لكل واحد منهم أسهم معينة، فربحوا في السنة الأولى، فقسمت الأرباح فيما بينهم على حسب الأسهم، ثم ربحوا في السنة الثانية فوزعت حصة كل واحد منهم على حسب الأسهم، ثم جاءت السنة الثالثة فخسروا فإنهم يوزعون الخسارة على أنفسهم بنفس الحصص وبنفس الأسهم، فإن الغنم بالغرم والخراج بالضمان.

وهذا يبين لنا خطأ وظلام من يستعمل هذه المسألة بأن يأخذ من الناس الأموال ويوظفها، ويأخذ عليها نسبة مئوية معينة على مدار السنة كمائة جنيه في الشهر، وهذا ربا محض؛ لأن المسألة كلها مسألة ربح وخسارة مقسمة على نسبة مشاعة، فقد تكون في المائة أربعين أو خمسين أو غير ذلك، فتوزيع الربح والخسارة على الأسهم.

ومن الأمثلة في هذا الباب أيضاً: اشترى رجل شقة في مبنى، واشترى رجل آخر شقة أخرى في نفس العمارة، وهذا البيت أصبح اسمه عند العامة (اتحاد ملاك)، وتحتاج العمارة إلى صيانة، فيتحملها كل حسب نصيبه وحصته؛ لأن الغنم بالغرم والخراج بالضمان.

قاعدة الأجر والضمان لا يجتمعان

وهناك قاعدة أخرى، وهي: الأجر والضمان لا يجتمعان.

وهذه مهمة جداً، فمثلاً رجل عنده معرض سيارات للإيجار فيأتيه رجل يستأجر السيارة لمدة يوم أو يومين أو ثلاثة أيام، وبعد ما أعطاه الأجرة أخذ السيارة فسار بها ساعة ثم حصل لها حادث فتلفت، فلا يضمن المستأجر شيئاً؛ لأن الأجر والضمان لا يجتمعان، وذلك بشرط عدم التعدي وتكون قد تلفت بقدر الله جل في علاه، كالجائحة التي تقع على الثمر.

ومثلاً: رجل وجد سيارة فأعجبته، وكان عنده مفتاح ففتح الباب، ثم دخل فأخذ السيارة غصباً وذهب بها إلى الفقراء من أجل أن يبيعها ثم يوزع عليهم ثمنها، فتلفت قبل أن يفعل ذلك، فيعتبر غاصباً لها فيضمنها، ولا تنطبق هنا قاعدة: الأجرة والضمان لا يجتمعان.

وأيضاً: رجل عنده مكتبة فوجد أن طلبة العلم عجزوا عن الشراء، فجعلها للإجارة لا للبيع، فجاء أحد الطلبة فاستأجر أحد الكتب بثمن معين ولمدة معينة، فحصل لهذا الكتاب بعض التلف من دون تفريط من المستأجر، فلا يلزم المستأجر قيمة الكتاب؛ لأن الأجرة والضمان لا يجتمعان.

وكذلك في مسألة استئجار الأشرطة، فلا يجوز للإخوة الذين يؤجرون الأشرطة أن يلزموا المستأجرين لها بأنها لو تلفت عندهم فعليهم أن يأتوا بشريطين عقاباً؛ فهذا لا يصح بحال من الأحوال.

أيضاً: رجل استأجر شقة وأقام فيها شهراً كاملاً مع أهله وأولاده، لكن الأولاد الصغار أتلفوا بعض الأشياء في الشقة، فإن المستأجر لا يضمن؛ لأن الأجرة والضمان لا يجتمعان.

قاعدة الجواز الشرعي ينافي الضمان

القاعدة الأخيرة التي تتفرع على هذه القواعد هي قاعدة: الجواز الشرعي ينافي الضمان.

والمعنى: إذا تصرف الشخص في شيء أقره الشرع عليه فحدث إتلاف فإن هذا الإتلاف لا يضمن.

فمثلاً: رجل حفر بئراً في ملكه، فوقع فيه رجل فمات، فلا يضمن صاحب البئر لأن الجواز الشرعي لا ضمان فيه.

ولو استأجر رجل سيارة، وحملها فوق طاقتها فتلفت، فعليه الضمان؛ لأنه حملها فوق طاقتها، وفي التفريط ضمان.

وكذلك: لو أنّ رجلاً أباح لرجل أن يأكل طعاماً فأكله فلا يضمن؛ لأنه مأذون شرعاً، فإنه يباح له أكل طعام المالك بعد الإذن؛ والجواز الشرعي لا ضمان معه.

ومن فروع هذه القاعدة: لو أن هنالك بناية لخمسة من الشركاء، فسكن أحدهم في أحد الأدوار، فحدث حريق في البناية بأسرها بدون تعدٍ منه فهدمت، فلا يضمن هذا الشريك، لأنه يجوز له أن يسكن في ملكه وإن لم يستأذن؛ والجواز الشرعي ينافي الضمان، ولا يجتمع الجواز الشرعي مع الضمان.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ...



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه - الخراج بالضمان والجواز الشرعي ينافي الضمان للشيخ : محمد حسن عبد الغفار

https://audio.islamweb.net