إسلام ويب

من القواعد الفقهية: الأصل بقاء ما كان على ما كان عليه، ويسمى هذا عند الأصوليين: استصحاب الأصل، وهذه القاعدة يستدل بها على الراجح، فالأصل في المياه الطهارة، والأصل في المعاملات والأطعمة والعادات الحل، والأصل في الأبضاع الحرمة إلا النكاح الصحيح، والأصل في الذبائح والصيد الحرمة إلا ذبائح أهل الكتاب، والأصل في العبادات التوقيف، ولهذه القاعدة صور من الواقع، وهناك مستثنيات تخرج عن هذه القاعدة لدليل من الكتاب والسنة.

قاعدة الأصل بقاء ما كان على ما كان

المعنى العام لقاعدة: الأصل بقاء ما كان على ما كان

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة في النار.

إنَّ من القواعد الفقهية قاعدة: الأصل بقاء ما كان على ما كان، أو كما قيل: القديم يترك على قدمه.

والمعنى العام لهذه القاعدة العظيمة: أن ما ثبت بزمان يحكم ببقائه ما لم يوجد بديل على خلافه، يعني: إذا ثبت بزمان في وقت معين أمر معين، فهذا لا يمكن أن يتغير عما هو عليه إلا إذا طرأ عليه طارئ أو دل الدليل، وهذا يسمى عند الأصوليين استصحاب الأصل، وهناك معترك دام بينهم، هل استصحاب الأصل يكون دليلاً أم لا؟ والصحيح الراجح: أنه دليل.

إن هذه القاعدة -أي: أن الأصل بقاء ما كان على ما كان- يتفرع منها أمور وأصول كثيرة، إذا ضبطها المرء فلا يحتاج إلى دليل معها في فعله، وكذا لا يحتاج إلى دليل في عمله بها.

ذكر التأصيلات المستنبطة من قاعدة: الأصل بقاء ما كان على ما كان

الأصل في المياه الطهارة

التأصيل الأول: الأصل في المياه الطهارة، فكل ماء كان عندك فهو على طهارته، ولا يصح قول من يقول لك: لا تستطيع أن تستنجي بهذا الماء أو تتوضأ به أو تقوم به عبادتك؛ لأن الأصل في المياه الطهورية، فيبقى على أصل خلقته ما لم يطرأ عليه طارئ يغير هذا الأصل.

قال الله تعالى: وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا [الفرقان:48]، فجعل التأصيل العام في الماء الطهورية، وأيضاً لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ماء البحر فقال: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته).

فإذاً: كل ماء هو باق على أصل خلقته، ما لم يدل الدليل على انتقاله من هذه الأصلية، فإذا وجد مكلف ماء وغاب عنه مدة ثم رجع إليه فشك هل تغير هذا الماء أم لا؟ وهل وقع عليه طاهر أم لا؟ فإننا نقول له: الأصل بقاء ما كان على ما كان، يعني: هذا المكلف بعدما وجد الماء وشك في تغيره، وأراد أن يتوضأ ويصلي، فتوضأ وصلى، فما حكم صلاته؟ تقول: الصلاة صحيحة.

رجل شك في تغير الماء، كأن يكون وقع فيه صابون، فإننا نقول له: إن تحققت من التغيير وأن الجزئيات تتغير فلك أن تقول: الأصل بقاء ما كان على ما كان.

مر عمر بن الخطاب ومعه عمرو بن العاص على رجل من الأعراب فأرادا أن يذهبا إلى حوض له ليتوضأ منه، فسأله أحدهما: أترد السباع هذا الحوض؟ فقال الآخر: لا تجبه؛ لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان، فالحوض فيه ماء طهور، فنحن نقوله بطهوريته، حتى يدل الدليل القطعي أو غالب الظن على عدم طهوريته.

الأصل في المعاملات الحل

التأصيل الثاني: الأصل في المعاملات الحل، بمعنى: أن كل بيع أو شراء أو إجارة أو رهن أو غير ذلك من المعاملات فالأصل فيها الحل والإباحة، ولا يستطيع أحد أن يقول لك: هذه المعاملة التي تعاملت بها محرمة؛ لأن الأصل فيها الحل، قال الله تعالى: وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا [البقرة:275]، ولذلك لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم يبين حرمة بيوع معينة عددها، فلما عددها دل على أنها خلاف الأصل.

إذاً: فالأصل في المعاملات الحل، ما لم يأت دليل أو يطرأ طارئ يبين تغيير هذا الحل، أو انتقاله من هذه الأصلية.

الأصل في الأطعمة الحل

التأصيل الثالث: الأصل في الأطعمة الحل، فكل طعام يأكله أهل بلد فهو حلال، إلا ما دل الدليل على حرمته، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالًا [البقرة:168]، فقوله: مِمَّا ، صيغة عموم، يعني: كل ما في الأرض فلك أن تأكله حلالاً طيباً، إلا ما دل الدليل على حرمته، فكل الأطعمة حلال، سواء من عندك أو من عند غيرك، من بلادك أو من البلاد الأخرى، من هنا أو من هناك.

وهذا التأصيل العام اتفق عليه العلماء؛ لقول الله تعالى: كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالًا طَيِّبًا [البقرة:168].

الأصل في الصيد والذبائح الحرمة إلا ذبائح أهل الكتاب

التأصيل الرابع: الأصل في الذبائح والصيد الحرمة لا الحل، ودليل ذلك قول الله تعالى: وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ [الأنعام:121]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين: (إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله فكل)، فجعل ذكر اسم الله شرطاً، إذ ليس الأصل الحل، ولو كان الأصل الحلَّ ما اشترط هذه الشروط، فإذا ذكرت اسم الله فكل، وإن أرسلت كلباً معلماً ولم تذكر اسم الله فلا يحل لك الأكل.

إذاً: الأصل في الذبائح الحرمة، ويستثنى من ذلك ذبائح أهل الكتاب، فلا يشكل على الاسم، ومن العلماء من قال: لا يصح أن يؤكل من ذبائح أهل الكتاب، إلا ما تأكدنا أنه ذبحه وسمى الله عليه، وهذا خطأ، فالراجح أنه يستثنى من هذا التأصيل العام ذبائح أهل الكتاب، أي: الأصل في ذبائح أهل الكتاب الحل؛ لقول الله تعالى: وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ [المائدة:5] ولا يقصد بالطعام في هذه الآية إلا الذبيحة، يعني: وذبائح أهل الكتاب حل لكم، إذاً: فالتأصيل العام هنا: أن الأصل في ذبائح أهل الكتاب الحل.

الأصل في الأبضاع الحرمة إلا النكاح الصحيح

التأصيل الخامس: الأصل في الأبضاع الحرمة، أو قال بعضهم: الأصل في الفروج الحرمة، فكل فرج حرام ولا يستحل إلا بنكاح صحيح، بولي وشاهدين، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل).

إذاً: فالأصل في الأبضاع الحرمة، ويستثنى من ذلك إذا دخل الرجل على امرأته بنكاح صحيح، فالأصل هنا الحل لا الحرمة، فلا يمكن أن تنحل هذه العقدة إلا بطريق صحيح أو بيقين تام، ولا تستحل إلا بعقد صحيح، بولي وشهود عدول وأيضاً مع المهر، وإن لم يسم، فهذه الجزئية الثانية، ويستثنى من ذلك إذا تزوج زواجاً صحيحاً فلا يزول عقد النكاح إلا بيقين؛ لأنه أصبح اليقين أن امرأته حلال، فلا تحرم عليه إلا بيقين مثله، كأن تأتي امرأة فتقول لزوجها: أنت طلقتني، ويقول: ما طلقتك، فالأصل أن نكاحه صحيح، ولا ينزع يداً من ذلك حتى يتبين.

الأصل في العادات الحل

التأصيل السادس: الأصل في العادات الحل، وهذه تجعلنا نقول: المروءات لا تزول إلا بالأعراف؛ لأن الأصل في العادات الحل، وهذه قاعدة قعدها شيخ الإسلام ابن تيمية استنباطاً من قول الله تعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا [البقرة:29]، فاللام إما للملكية، وإما للتخصيص، وكلاهما فيهما دلالة على الإباحة، بأن كل ما في الأرض لك، إلا ما دل الدليل على الحرمة، فكل عادة يعتادها الناس فهي على الحل لا على الحرمة، فإن كانت العادة عدم غطاء الرأس، فلا نقول: غطاء الرأس واجب، بل نقول: هنا الأصل الحل، وإن كان في عرف الناس جميعاً أو عادة الناس جميعاً أن عدم تغطية الرأس لا يصح، ومن خدش المروءات، فنقول: عدم تغطية الرأس لا تصح؛ لهذه العادات؛ لأن لها قاعدة أخرى قال بها العلماء: وهي العادة محكمة.

إذاً: فالأصل في العادات الحل، إلا ما دل الدليل على الحرمة؛ لأنها لا تخالف الشرع.

الأصل في العبادات التوقيف

التأصيل السابع: الأصل في العبادات الحرمة أو التوقيف؛ لقول الله تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7]، وما سكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم فلا تأخذوه، والدليل على ذلك: حديث في الصحيحين: عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، أي: باطل مردود، وفي رواية أخرى: (من أحدث في ديننا هذا ما ليس منه فهو رد) يعني: فهو باطل غير مقبول.

إذاً: فهذه أصول سبعة، وهي تحت هذه القاعدة العظيمة: الأصل بقاء ما كان على ما كان.

صور قاعدة الأصل بقاء ما كان على ما كان

حكم من وجد ماءً وشك في طهوريته

الصورة الأولى لهذه القاعدة: إذا وجد المكلف ماءً فشك في طهارته وأراد أن يتوضأ، فإنه يتوضأ بهذا الماء؛ لأن الأصل بقاء ما كان على ما كان، فالأصل في الماء الطهورية، فيقطع باب الوساوس كلها، ويقول: الأصل بقاء ما كان على ما كان.

حكم امرأة تدعي أن زوجها طلقها وهو ينكر ذلك

الصورة الثانية: إذا ادعت امرأة أن زوجها طلقها طلاقاً بائناً، وذهبت إلى القاضي وقالت: طلقني، وهذه الطلقة الثالثة، فجاء يقسم بالأيمان أنه ما طلقها، وهو منكر، وهي ليس لديها بينة، فالأصل بقاء ما لم يدل الدليل على غير ذلك، إذ الأصل في النكاح الحل.

حكم من صام فرضاً فأفطر ظناً منه أنه سقط حاجب الشمس

الصورة الثالثة: رجل كان صائماً صيام فرض، وبعد العصر وجد في نفسه ضعفاً شديداً ثم جاءت سحابة فقال: الحمد لله، سقط حاجب الشمس، فأكل وشرب حتى ملأ بطنه، فانقشعت الغمامة فوجد الشمس قد أشرقت مرة ثانية، فما حكم صيامه؟

إنَّ هذه المسألة تجاذبها الاختلاف الكثير: فبعض العلماء يقولون: لا تلزمه، حيث إن عمر بن الخطاب هو الذي جعل هذا الخلاف، وذلك لمَّا كان في زمن عمر بن الخطاب إذ جاءت سحابة، فأفطروا، فلم يلزمهم بقضاء هذا اليوم، بل أمسكوا حتى سقط حاجب الشمس وأكلوا بعد ذلك.

لكنَّ عروة بن الزبير يروي حديثاً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أسماء: أن السحابة غطت الشمس فأكلوا، فلم يرد تصريحاً من الحديث قضوا أم لم يقضوا، فقال عروة بن الزبير لما سألوه: قضوا، وقال: لا بد، يعني: القضاء لازم؛ لأنهم أكلوا قبل دخول الليل، وبذلك أصبح إشكالاً عظيماً بين العلماء.

ونحن لو طبقنا القاعدة الفقهية فنقول: الأصل بقاء النهار على ما كان عليه، فعليه القضاء، لكن حديث عمر بن الخطاب دليل واضح جداً على عدم القضاء، مما جعلنا نخالف ونغاير القاعدة بأنه حدث الغيم فأفطروا جميعاً، ولم يلزمهم بالقضاء، وظاهر حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنهم ما ألزموا بالقضاء.

فالصحيح الراجح في ذلك: أنه لا يقضي هذا اليوم إن كان مجتهداً، أما إن كان مقلداًلغير مجتهد أو سمع رجلاً يؤذن من غير أن ينظر إلى السماء، فهذا عليه القضاء؛ لقول الفقهاء وقول المحدثين: الأصل بقاء ما كان على ما كان.

وهناك صورة أخرى لهذه القاعدة: وهي رجل قام من الليل بعد بزوغ الفجر، وكان قد بيت النية بالصيام، فأكل وشرب، وبعد ذلك سمع رجلاً يقيم الصلاة، أما الأذان فقد ولى وفات من مدة، فماذا نقول؟ أنقول: أكمل صومك، أم قد أفطرت فأمسك ثم اقض عن نفسك هذا اليوم؟ فإذا طبقنا القاعدة نقول: الأصل بقاء ما كان على ما كان عليه، إذاً: فالأصل بقاء الليل، وهذا الذي قام يأكل ويشرب إنما فعله في الليل، وهذا يعضده قول ابن عباس كل ما شككت حتى تستيقن طلوع الفجر، وهذا قد أكل وهو شاك.

فالصحيح الراجح في ذلك أن نقول له: الأصل بقاء ما كان على ما كان، فعليك أن تتم صومك، حتى لو أكلت بعد الفجر.

أما الذي جعلنا نستثني من هذه القاعدة مسألة الأكل بالنهار، فهو حديث عمر بن الخطاب وظاهر حديث النبي صلى الله عليه وسلم أنه لا قضاء عليه، ويدلنا على ذلك: حديث عدي بن حاتم عندما قرأ قول الله تعالى: حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ [البقرة:187] فأخذ خيطين أسود وأبيض تحت الوسادة، فيأكل وينظر إليها، فإن لم يفرق بينهما استمر في الأكل حتى يشبع، فلما ذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم وبين له ذلك، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (إن وسادك لعريض)، والنبي صلى الله عليه وسلم لا يقصد أن يسب أصحابه بهذه الطريقة، ولا يصح أن نقول ذلك ولا يظن في النبي صلى الله عليه وسلم أنه تكلم على أصحاب بدر، لكن النبي صلى الله عليه وسلم يقصد بقوله: (إن وسادك لعريض)، أي: الوسادة التي أنت نائم عليها هل ستأخذ حجم السماء بأسرها؛ حيث إن الخيط الأبيض والخيط الأسود هما بياض النهار من سواد الليل، فلو أن هذا الخيط الأسود غطى السماء كلها فإن وساده هذا لعريض.

وهذا هو الصحيح الراجح الذي لا نحيد عنه، ولا يصح أن نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم يتهم عدي بن حاتم بالغباوة، حاشا لرسول الله صلى الله عليه وسلم أن يفعل ذلك مع أصحابه.

فهذا أكل بعدما طلع النهار والنبي صلى الله عليه وسلم قد أقره على ذلك طالما كان مجتهداً، فالصحيح الراجح: أنه لا بد أن نستثني هذه القاعدة، وهي أن المجتهد الذي عنده آلة الاجتهاد لا نلزمه بقضاء شيء، بحال من الأحوال، إذا أدى العبادة على غرار اجتهاده مع وجود الآلة، وقيده: وجود آلة الاجتهاد، فمع وجودها فلا قضاء عليه.

حكم إنكار الزوجة للنفقة من الزوج

الصورة الرابعة: عاشر رجل زوجته وكان يحسن إليها كثيراً، وكان دائماً يتحرز ويخشى على نفسه منها؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم (تكفرن العشير)، فأقاد لها أصابعه كلها من أجل أن يرضي الله فيها، فجاءت في يوم أمام القاضي فاشتكت أن زوجها لا ينفق عليها، فلما طلبه القاضي وجاء وسأله عن ذلك، أنكر الرجل وقال: بل أنا أنفق عليها، فنحن إذا طبقنا القاعدة نقول: الأصل بقاء ما كان على ما كان، والأصل أن المال في ذمته؛ لقوله تعالى: وَبِمَا أَنفَقُوا [النساء:34]، فالذي تلزمه النفقة هو الرجل، إذاً: فالأصل أن النفقة تلزمه، وهي في ذمته على ذلك الأصل، وإبقاءً ما كان على ما كان، فتلزمه النفقة، ولا بد للقاضي أن يلزمه بالنفقة.

حكم من شك في زواجه أقبل الإحرم أم بعده

والصورة الأخيرة: وهي تزوج رجل وأحرم بالحج والعمرة بالاقتران، أي: قال: لبيك اللهم بعمرة وحجة، فلما كان يطوف تذكر وقال: هل تزوجت قبل الإحرام أم بعده؟ فطرأ شك عليه، ومعلوم: أن الزواج في الإحرام باطل لا يصح، والأصل عدم الإحرام، والإحرام مدة وجيزة أو يوم وليلة، أو ساعة واحدة في العمر، أو ثلاثة أيام أو أربعة أيام أو خمسة أيام، فإذا كان الأصل عدم الإحرام، فالأصل بقاء ما كان على ما كان، أي: أنه تزوجها حلالاً، والإحرام طارئ على الأصل، فلا يزيل هذا اليقين، أي: أنه تزوجها حلالاً.

فالصحيح: أن عقد النكاح يكون صحيحاً؛ لأن الإحرام مؤقت.

ولو قلنا: إنه تزوج وأحرم، فالأصل أن يكون حلالاً وليس بحرام، ويكون النكاح صحيحاً.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

وصلِّ اللهم وسلم على محمد وآله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , القواعد الفقهية بين الأصالة والتوجيه - الأصل بقاء ما كان على ما كان للشيخ : محمد حسن عبد الغفار

https://audio.islamweb.net