إسلام ويب

إن المؤمن حق الإيمان عندما يعرف أن الله خالق لأفعاله يترسخ في عقله وقلبه عظمة الله والخوف منه وعدم الأمن من مكره، ولا يصح للمؤمن بحال من الأحوال أن يحتج بالقدر على أفعاله إلا في حالات ذكرها أهل العلم استنباطاً من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.

أثر معرفة المؤمن أن الله خالق أفعال العباد

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * -ُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71]

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

ثم أما بعد:

فما زلنا مع أقوال أهل العلم في القدر والرد على أهل البدع من القدرية والجبرية.

إن معرفة المؤمن بأن الله جل وعلا قد خلق أفعال العباد له أثر في عقيدة المؤمن، فإذا علم أن الله هو الذي خلق فيه الطاعة وهمة الطاعة وإرادة الطاعة، علم أنه فقير لذات الله جل وعلا، فيتذلل ويتمسكن لله حتى يوفقه إلى الطاعة هذا أولاً.

ثانياً: إذا علم العبد أن الله هو الذي وفقه للطاعة فلا يمنن بطاعته على ربه؛ لأن المنة كلها لله، قال تعالى: وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنِ اللَّهِ [النحل:53] فلا يمن العبد على الله جل وعلا بطاعته.

ثالثاً: لا يأمن العبد على نفسه من مكر الله.

كما قال أبو بكر -وهذه فطنة وفقه عالٍ- منه رضي الله عنه: (والله! لو أن إحدى قدمي في الجنة والأخرى خارجها ما أمنت مكر الله.

لو أن العبد طائع لله جل وعلا منفق مستغفر مجاهد، والله جل وعلا يرى من قلبه عدم الإخلاص، ختم له بعمل غير عمل أهل الخير، كما حدث مع الرجل الذي جاهد وقاتل حتى حسبه الصحابة أنه من أهل الجنة، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم: (هو من أهل النار)، قال تعالى: أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ [الأعراف:99].

أما حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) ، فوجه الشاهد على القدر في الحديث (فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه)، وفيه رد على الجبرية الذين قالوا: ليس للعبد اختيار.

والقدرية تخالف الجبرية، فيقولون: إن العبد هو خالق فعل نفسه.

إبطال الجبرية للشرع بالاحتجاج بالقدر

والجبرية هم الذين أبطلوا الشرع بالاحتجاج بالقدر، فأبطلوا الأمر والنهي والحكمة والتعليم بالقدر، فلا يوجد عندهم شيء اسمه أمر، ولا يوجد شيء اسمه نهي، فاحتجوا بقدرالله وقالو: إن الله جل وعلا سير العبد بأفعاله، وقد وصف الله لنا حالهم، فقال عز من قائل: وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ [النحل:35].

فرد الله عليهم برد قاطع في قوله: كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [النحل:35]، أي الكفار أمثالهم فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ [النحل:35].

وهنا محل الرد فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلاغُ الْمُبِينُ أي: أرسلنا الرسل بإقامة الحجة عليهم، ولقطع حجتهم ودحر شبهتهم؛ لأن الرسل جاءوا ليبينوا للمرء طريق الخير وطريق الشر، بل ويبين كل رسول لأمته بأن كل فرد منها مكلف وله اختيار وله إرادة، ألم تر أن الله جل وعلا قال: وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً [الأحقاف:26]؟ آلات للتحرك والاختيار وللإرادة، ليفعلوا الفعل بإرادتهم واختيارهم، فالعبد لا يلومن إلا نفسه كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (فمن وجد خيراً فليحمد الله، ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه).

وقال الله عز وجل عنهم: وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا [الأعراف:28].

وفي قولهم هذا فحش وتجبر وتجاسر وتجرؤ على الله لأنهم زعموا أن الله أمرهم بهذا الفعل، وأجبرهم عليه، فقالوا: نحن نسير على وفق ما أمرنا به.

فرد الله عليهم: قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ [الأعراف:29]، أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [الأعراف:28].

أي: الله جل وعلا لم يأمركم بأن تفعلوا الفاحشة، بل أمركم أن تفعلوا الخير وتتركوا الفاحشة.

ثم قالوا:لم يشأ الله أن يهدينا، فقال الله تعالى: قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ [الأنعام:149].

أي: الله جل وعلا له الحجة البالغة، لأنه أخذ عليهم الميثاق وقال: أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا [الأعراف:172] ، وشهدوا بذلك ثم أرسل الرسل ليذكرهم بهذا المقال، وقطع بذلك حجتهم، قال الله تعالى: رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ [النساء:165]، أي: بعد تبليغ هذه الرسالة.

وقوله تعالى: فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ [الأنعام:149].

أي: له الحجة البالغة عليهم بأن قطع حجتهم، وجعلهم مكلفين، وجعلهم مختارين، وجعل لهم إرادة، وجعل لهم السمع والبصر والأفئدة التي تثبت الإرادة.

واحتجوا أيضاً بحديث احتجاج آدم وموسى وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (التقى موسى عليه السلام بآدم في دار الآخرة، فقال: موسى لآدم أنت آدم خلقك الله بيده ونفخ فيك من روحه، أخرجتنا ونفسك من الجنة -وفي رواية أخرى: خيبتنا، يعني: بإخراجك إيانا من الجنة- فقال آدم: أنت موسى اصطفاك الله برسالاته وبكلامه، وخط لك التوراة بيده، تلومني على أمر قد كتبه الله علي قبل أن يخلق الخلق بخمسين ألف سنة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم -مبيناً الترجيح بين الاحتجاجين-: فحاج آدم موسى -وفي رواية أخرى- قال: ألم تقرأ في التوراة: وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى [طه:121]؟ قال: نعم، قال: وخط الله التوراة قبل أن يخلق الخلق بخمسين ألف سنة، فأقر موسى بذلك) هذا الحديث التي تعلق به الجبرية، وقالوا: هذا أبو البشر أرفع الناس منزلة في وقته وهو أول نبي من الأنبياء يحتج على المعصية بالقدر، يقول لموسى الله جل وعلا قدر علي أنني سأعصي قبل أن يخلقني بخمسين ألف سنة، فاحتج على ذلك بقدر الله جل وعلا.

وكانت إجابة آدم احتجاجاً بالقدر، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (حاج آدم موسى) يعني: الحجة كانت مع آدم على موسى لما احتج بالقدر، وهذا ضلال مبين، وفهم سقيم من الجبرية، حيث فهموا أن آدم احتج بالقدر بأن الله قدر عليه ذلك ولا بد أن يقع فيه، فنقول: حاشا لله أن يكون هذا النبي الكريم -الذي خلقه الله بيده وأكرمه بسجود الملائكة له- يحتج بالقدر، وقد امتلأ القرآن بالآيات الدالة على أن الله جل وعلا تاب على آدم بعد أن تاب من الذنب، وهو لم يحتج بالقدر على الله، بل أقر بالذنب واستغفر، وقال: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ [الأعراف:23].

فأقر هو وحواء بالذنب أمام الله جل وعلا، وقالا: رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنفُسَنَا ، فلم يحتجا بالقدر على هذه المعصية.

ردود أهل السنة على الجبرية في فهمهم لحديث احتجاج آدم وموسى

اختلفت أقوال أهل العلم في معنى هذا الحديث على أربعة أقوال أو أكثر:

القول الأول: قالوا: (فحاج آدم موسى) الحجة هنا حجة الأبوة؛ لأن آدم هو أب لموسى، والأب مع بنيه تكون الحجة دائماً مع الأب لأنه الأكبر.

ورد أهل السنة على هذا القول بأنه باطل مردود، فمنزلة الأبوة والبنوة لا تقلب الحق باطلاً ولا الصواب خطأ أو الخطأ صواباً، بل إن إبراهيم كان في منزلة البنوة وأبوه في منزلة الأبوة وكانت الحجة لإبراهيم في قوله: يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا [مريم:43].

فكانت الحجة مع إبراهيم عليه السلام على أبيه، فمنزلة الأبوة والبنوة لا تقلب الحق باطلاً ولا الخطأ صواباً.

والرد الثاني على أقوالهم الباطلة والتي قالوا فيها: إن آدم احتج في هذا الحديث بالقدر على موسى؛ لأن موسى لامه على الذنب الذي وقع فيه، وآدم قد تاب من هذا الذنب، وإذا عير أحد بذنب قد تاب منه تكون الحجة معه؛ لأن (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) كما بين النبي صلى الله عليه وسلم، وبينت الآيات أن الذي يتوب يتوب الله عليه، فنقول هذا الرأي وإن كان أوجه من الأول لكنه باطل مردود من وجهين:

الوجه الأول: لو كانت هذه هي حجة آدم لصرح بها لـموسى، يعني لقال لـموسى: كيف تلومني على ذنب قد تاب الله علي منه؟ ولم يقل آدم ذلك، فإن لم يقل آدم هذا بان لنا أن هذه ليست بجحة آدم.

الوجه الثاني في الرد على هذا التأويل: أن موسى عليه السلام لا يظن به أنه يعير أحداً بالذنب ويخفى عليه أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، فهذا قدح في مقدار موسى عليه السلام أن يعير أحداً بذنب قد تاب منه.

أما الإجابة الثالثة لأهل السنة والجماعة قالوا: حجة آدم أن موسى عيره في الدار الآخرة، وهي دار غير دار التكليف، لا يلام فيه المرء.

الحالات التي يصح للمرء أن يحتج فيها بالقدر

يصح للمرء أن يحتج بالقدر في أربع حالات:

الأولى: عند المصائب، قال الله تعالى: مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ [التغابن:11].

يعني: يؤمن أنها بقدر الله، فيقول قدر الله علي ذلك، ويهتدي إلى هذا. ومن يؤمن بالله ويؤمن أن هذه المصيبة وقعت عليه وأنها بلاء من الله جل وعلا قال تعالى عنه: وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن:11].

أي: يجعل قلبه مستسلماً لله جل وعلا ويعمره بالإيمان، إذاً احتجاج بالقدر على المصائب.

الثانية: يحتج بالقدر على الذنب إن تائب منه، فإن تاب يحتج بالقدر؛ لأن المرء دائر بين عينين: عين القدر وعين الشرع، فإن تاب من الذنب فهذا مأمور به شرعاً، ثم ينظر بعين القدر فيقول: الله جل وعلا قدر علي هذه المعصية ثم تاب علي بفضل منه ونعمة، فالله إن لم يوفقني لترك تلك المعصية فقد ختم لي بهذا العمل، فيشتد عبادة لله جل وعلا، وينظر أيضاً لحكمة الله أنه أنزل به هذا البلاء من فعله للذنب لينكسر أمام الله جل وعلا؛ لأنه إذا لم يفعل هذا الذنب قد يعجب بنفسه، وإذا عجب المرء بنفسه ووصل العجب إلى قلبه لم يدخل الجنة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر).

الحالة الثالثة: أن تقع الخطيئة منه بغير إرادته، والدليل على أن المرء قد يقع في الخطأ دون إرادته: قتل موسى عليه السلام للقبطي، وقد قال بعد أن قتل قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ [القصص:15].

فهو لم يحتج بالقدر لكن له أنه يحتج به.

ودليل ذلك من السنة: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سافر في الوادي نام، ونام الصحابة وكلفوا بلالاً أن يوقظهم، فغلبه النوم قدراً من الله جل وعلا لحكمة بليغة؛ وهي أن يبين للناس كيف يقضون الصلاة، فنام بلال ونام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أرواحنا بيد الله يقبضها وقت يشاء، ويرسلها ويبعثها وقت يشاء) فاحتج النبي صلى الله عليه وسلم هنا بالقدر على ترك صلاة الجماعة وهو خطيئة، وإن كان بسبب، فله أن يحتج بالقدر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ليس في النوم تفريط) لكن ليس أي نوم، فلا يأتي شخص طيلة الليل إما سهران يتكلم مع امرأته في سمر لا فائدة منه، أو يقرأ كتاب قصص أو ملاهي، أو يلهو بالتلفون مع أخيه فيما لا مصلحة فيه، فيسمر بعد العشاء حتى يصل إلى منتصف الليل، ثم ينام حتى يصبح والشمس قد أشرقت، فهذا عاصٍ لله جل وعلا، ويخشى عليه.

وهناك قصة وقعت أيضاً بين الصحابة في نفس الأمر، فقد (طرق النبي صلى الله عليه وسلم علياً وفاطمة بالليل -والطروق هو الإتيان بالليل- ثم قال: ألا تصليان من الليل؟! فقام علي بن أبي طالب فقال: يا رسول الله! أرواحنا بيد الله يبعثها وقت ما شاء ويقبضها وقت ما شاء، وما نصلي إلا الفرائض، فالنبي صلى الله عليه وسلم ما تكلم معه، مع أنه احتج بالقدر أمامه، فضرب على فخذيه وقال: وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا [الكهف:54]).

وهذا موطن من المواطن الذي يحتج فيه بالقدر.

ومن المواطن أيضاً التي يحتج بها في القدر: إذا أخذ المرء بالأسباب، واستعان بالله، وحرص كل الحرص على ما ينفعه، ثم لم يصب الهدف، مثال ذلك: إذا كان لديه عمل معين، وهذا العمل يحتاج إلى أن يكون له سمات شخصية معينة ومهارة معينة، فاكتسب هذه المهارات والسمات الشخصية مثل العلم والحلم والصبر فتعلم هذه الصفات واكتسبها، ثم لما تقدم لهذا العمل لم يقبل، فهذا رجل له أن يحتج بالقدر، ودليل ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك -يعني: خذ بالأسباب الصحيحة-واستعن بالله، ولا تعجز فإن أصابك شيء -بعد أن أخذت بالأسباب ولم يوجد منك تفريط- فلا تقل: لو أني فعلت كذا وكذا، فإن لو تفتح عمل الشيطان)، فللمرء أن يحتج بالقدر في هذه المواطن، فإذا حرص على ما ينفعه واستعان بالله جل وعلا وأخذ بكل الأسباب، ولم تصب معه فليقل: (قدر الله وما شاء فعل) فإذا قال ذلك: دخل ا لإيمان إلى قلبه، وكسب في الدنيا قبل أن يكسب في الآخرة.

القضاء الكوني والقضاء الشرعي

القضاء قضاءان: قضاء كوني وقضاء شرعي، وضابط الفرق بين القضاء الكوني والشرعي، أن القضاء الكوني يكون فيما يحبه الله، وفيما لا يحبه.

والضابط الثاني: أن القضاء الكوني لا بد أن يقع، قال تعالى: وَإِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [البقرة:117] .

وضابط القضاء الشرعي: أولاً: أنه في ما يحبه الله خاصة.

ثانياً: أنه قد يقع وقد لا يقع، قال الله تعالى: وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ [الإسراء:23].



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة - الاحتجاج بالقدر للشيخ : محمد حسن عبد الغفار

https://audio.islamweb.net