إسلام ويب

من شروط صحة الصلاة: الوضوء، والوضوء له شروط وفروض وسنن مبسوطة عند أهل العلم، مع اختلافٍ في بعضها، ومن فروض الوضوء: النية، والنية محلها القلب، ولها وقت وصفة، وهي تختلف بحسب أحوال الناس من الصحة والمرض ونحو ذلك.

أحكام الوضوء

إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ فصل: فروض الوضوء وسننه.

وفروض الوضوء ستة أشياء:

النية عند غسل الوجه، وغسل الوجه، وغسل اليدين إلى المرفقين، ومسح بعض الرأس، وغسل الرجلين إلى الكعبين، والترتيب على ما ذكرناه ].

تعريف الوضوء

أما الوضوء فهو: مصدر توضأ يتوضأ وُضوءاً ووَضوءاً.

والوَضوء بالفتح هو: اسم للماء المستعمل أو الماء المطلق في الطهارة لرفع الحدث أو استباحة الصلاة أو إزالة النجس.

والوُضوء: اسم للفعل، أي: غسل اليدين، وغسل الوجه، والمضمضة والاستنشاق، ومسح الرأس، وغسل الرجلين. إذاً: الفارق بين الوَضوء والوُضوء المصدر والفعل، فالمصدر يدل على الآلة المستخدمة، أي: الماء المستخدم.

وأما بالضم: فهو اسم لفعل الوضوء وهو غسل اليدين وغسل الوجه ومسح الرأس.. إلى آخر أفعال أو أركان الوضوء ومستحبات الوضوء. هذا تعريف الوضوء.

موجبات الوضوء

موجبات الوضوء ثلاثة: وهي الأسباب الداعية للوضوء، وقد ذكرها صاحب الإقناع الخطيب الشربيني ، فذكر منها الأول: الحدث.

الثاني: القيام إلى الصلاة.

الثالث: هما معاً.

أما الحدث فنستدل له على أنه موجب للوضوء بحديث في الصحيح عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ).

إذا: من أخرج ريحاً، أو قضى حاجته، أو بال واستنجى، فإنه قد أوجب على نفسه الوضوء إذا قام إلى الصلاة، ويكون واجباً مضيقاً إذا قام إلى الصلاة، وواجباً موسعاً إذا لم يدخل وقت الصلاة.

أما الموجب الثاني للوضوء: فهو القيام إلى الصلاة، فإذا دخل وقت الصلاة فنقول: يجب عليك أن تتوضأ، لأن الله جل في علاه قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة:6] إلى آخر الآية، فهذا أيضاً من موجبات الوضوء؛ لأن المرء لا يستطيع أن يقف أمام ربه إلا متطهراً مصلياً على طهارة تامة كاملة، فإذا أحدث المرء وقام وصلى وهو يعلم أنه يصلي بغير وضوء فهذا متلاعب، بل الأحناف ارتقوا مرتقى صعباً وقالوا: هذا كفر؛ لأنه استهزاء بالله جل في علاه، وهذا كلام فيه ضعف. فالغرض المقصود: أن من موجبات الوضوء إذا قمت إلى ربك جل في علاه في الصلاة وأنت تستقبل القبلة فعليك الوضوء، بموجب قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ [المائدة:6].

الوضوء عبادة

القاعدة عند العلماء تقول: إن أي عبادة توفرت فيها الشروط وانتفت عنها الموانع فهي صحيحة.

والوضوء عبادة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحافظ على الوضوء إلا المؤمن) والعبادة: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه، والله جل وعلا قال: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا [المائدة:6] فقد أمر بالوضوء، والله لا يأمر إلا بما يحب، وما أحبه الله ينزل تحت شمولية العبادة.

كذلك لا يقبل الله الوضوء إلا بالنية، والنية شرط في قبول العبادة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الطهور شطر الإيمان)وأوضح من ذلك كله على أنها عبادة هو قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ [البقرة:222]، والوضوء ينزل تحت عموم الآية.

إذاً: فكل عبادة لها شروط تتوافر لقبولها، وموانع تنتفي.

شروط الوضوء

من شروط الوضوء: الإسلام، والدلالة على ذلك: أن الله جل في علاه قال: وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ [النساء:124].

فاشترط الإيمان حتى يقبل هذا العمل الصالح، والنبي صلى الله عليه وسلم يبين أن الإسلام أو الإيمان شرط في قبول الأعمال كما في الصحيح عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها أنها سألته عن عبد الله بن زيد بن جدعان، فذكرت أنه كان يكرم الضيف ويعين ذا الحاجة ويعطي ويكرم، فقالت: يا رسول الله! ما له عند الله جل في علاه؟ قال: (لا شيء له، إنه ما قال يوماً: رب اغفر لي خطيئتي يوم الدين) فكل هذه الحسنات التي فعلها تعجل له في الدنيا، وليس له شيءٌ عند الله جل في علاه؛ لأنه لم يأت بالإسلام، قال الله تعالى: وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ [التوبة:54] إذاً: الكفر كان حائلاً مانعاً من أن تقبل هذه الأعمال.

الشرط الثاني: التمييز وليس البلوغ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (علموا أولادكم الصلاة لسبع) فالسبع هنا محل التمييز، وقد استنبط بعض العلماء من هذا أن التمييز سن السبع، إذاً: تعليم الصلاة يكون في سن السابعة، فلا تصل إلا إذا أتيت بشروطها، ومن شروطها التمييز؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (علموا أولادكم الصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر).

الشرط الثالث: وجود الماء المطلق، والماء المطلق: هو الماء العاري عن كل قيد، وهو الماء الطهور الطاهر في نفسه المطهر لغيره، قال تعالى: وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا [الفرقان:48] فإذاً: شرط صحة الوضوء: ألا يتوضأ العبد بماء اختلط بطاهر، فإن الوضوء بماء مختلط بطاهر لا يصح، فمن شروط الوضوء: أن تتوضأ بماءٍ مطلق، والماء المطلق: العاري عن كل قيد، وهو الماء الباقي على أصل خلقته.

الشرط الرابع: معرفة كيفية الوضوء، كما كان الحسن والحسين يعلمان الرجل كيف يتوضأ.

الشرط الخامس: عدم الحائل، وأكثر من يفعل ذلك النساء، وعدم الحائل هذا نقصد به: طلاء الأظافر ووضع الحناء على الرأس، وكذلك النقاش وغيره، فإذا شكل طبقة على اليد فإنه أيضاً يكون حائلاً لا يصح الوضوء مع وجوده، فإذا جاءت امرأة وقالت: توضأت للفجر، فصليت وقرأت القرآن، وجلست في مجلسي أو في مسجدي فذكرت الله جل في علاه حتى طلعت الشمس.

ثم جاء وقت صلاة الظهر فتوضأت فصليت، ثم جاء العصر فصليت، ثم المغرب فنظرت وأنا أتوضأ فوجدت طلاء الأظافر على أظافري، فماذا أفعل؟

فالجواب: تعلمنا في الفقه أن الوضوء الصحيح لا بد فيه من توافر شروط، ومن هذه الشروط حتى يصح الوضوء: عدم الحائل، وقد وجد الحائل وهو طلاء الأظافر، حال بين أن يمس الماء البشرة، وبين أن يمر وجه الماء على البشرة فكان حائلاً، فعلى ذلك اختل شرط من شروط الوضوء، فلا يصح الوضوء.

الشرط السادس: جريان الماء على العضو وإن لم يحدث الدلك، خلافاً للمالكية، بمعنى: لو قام رجل وقال: أريد أن أتوضأ، فقام آخر فعلمه وقال: اغسل يديك ثلاثاً، وتمضمض واستنشق ثلاثاً، واغسل وجهك ثلاثاً واغسل يديك ويفعل ذلك أمامه، ويعمل بالدلك، ويغسل يديه إلى المرفق ثلاثاً، ومسح رأسه ثلاثاً على مذهب الشافعية وسنبين أن من السنة مسح الرأس ثلاثاً، ثم غسل رجليه ثلاثاً، فقام الرجل، فهذا الوضوء صحيح.

وأيضاً لو وجد الماء ينزل من الميزاب فجاء تحت الميزاب، وجعل الماء يجري على وجهه، ولا يضع يديه عليه، وجعل الماء يجري على يديه، وأيضاً يجري على رأسه ومسح على رأسه حتى يكون مسحاً لا غسلاً، ثم وضع رجله اليمنى فجعل الماء يجري على رجله دون الدلك، ثم قام فصلى، وجريان الماء على العضو هذا شرط من شروط الوضوء، فإذا توفر ذلك صح الوضوء به.

إذاً: الصحيح جريان الماء على العضو حتى يغلب على ظنك أن الماء قد وصل إلى البشرة.

أيضاً من شروط الوضوء: انتفاء المانع، فلا بد من توافر الشروط وانتفاء الموانع.

ومن الموانع التي تمنع صحة الوضوء: الجنابة، والحيض، والنفاس، أو رجل كان يغتسل وبعدما اغتسل أراد أن يتوضأ فمس ذكره.

الشرط الثامن: عدم الصارف، فلابد من استحضار النية أو دوام النية وهو يتوضأ.

الشرط التاسع: وهذا الشرط خاص بأصحاب الأعذار، كالذي يعاني من سلس البول، أو انفلات الريح، أو المرأة المستحاضة، وهي المرأة التي ينزل منها الدم باستمرار، فمن شروط صحة الوضوء: أنها لا تتوضأ إلا بعد دخول الوقت، أما قبل ذلك فلابد من غسل المحل، أي: الاستنجاء، ولا بد من غسل المحل مع التحفظ.

فمن الشروط الخاصة بأصحاب الأعذار: الاستنجاء، ثمَّ الوضوء بعد ذلك مباشرة حتى يصح الوضوء، فإذا جاءت امرأة فسمعت ذلك فقالت: أنا مستحاضة، أي: ينزل مني الدم ولا ينقطع، ماذا أفعل حتى أصلي؟ فالجواب: لا بد أن تتوضئي وترفعين حدثك، وذلك أن تنتظري حتى يدخل الوقت ثم تغسلي المحل ثم تتحفظي، ثم تتوضئين وتصلين بعد ذلك الصلاة والنافلة بعدها وهذا في كل الصلاة.

إذاً: أصحاب الأعذار لهم شروط خاصة فلا يتوضأ إلا بعد دخول الوقت، وقبل أن يتوضأ لا بد أن يستنجي، وأيضاً يتحفظ أو يلف لفافة على الفرج، ثم يتوضأ موالاة، ثم بعد ذلك يصلي الصلاة.

تعريف الشرط والأمثلة على ذلك

الشرط: هو ما كان خارج ماهية الشيء، أي: أنه مرتبط به وليس بداخله، وعند الأصوليين: الشرط هو ما يلزم من عدمه العدم، ولا يلزم من وجوده الوجود، مثال ذلك: الوضوء، فالوضوء شرط في صحة الصلاة، فإذا طبقنا القاعدة: ما يلزم من عدمه العدم: رجل دخل الخلاء ثم خرج فأذن المؤذن فقام فصلى، فبعدما سلم فلا بد أن نسأله: توضأت أم لم تتوضأ؟ فإذا قال: توضأت، فصلاته صحيحة، وإذا قال: لم أتوضأ، قلنا: صلاتك باطلة، فلا نستطيع أن نحكم عليه ببطلان صلاته مباشرة؛ لأنه قد يكون قضى حاجته داخل الخلاء ثم توضأ داخل الخلاء.

فالغرض المقصود: أن الوضوء شرط في الصلاة، فإذا صلى بغير وضوء فقد اختل شرط من شروط الصلاة، فالصلاة غير موجودة، أي: هي موجودة بالحركات، لكنها لا تقبل ولا تجزئ، فعليه الإعادة.

إذاً: هذا معنى: ما يلزم من عدمه العدم، ومعنى: ولا يلزم من وجوده الوجود: كأن يقول رجل: قد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم -بأبي هو وأمي- يقول: (لا يحافظ على الوضوء إلا مؤمن)، ولذلك لا تجدني دائماً إلا متوضئاً، فذهب فتوضأ، فلا يلزمنا أن نقول له: إذا وجد الوضوء فلابد أن توجد الصلاة؛ لأنه لا يلزم من وجوده الوجود، بل له أن يتوضأ وينام على سريره متوضئاً، وليس في ذلك حرج.

إذاً: الشرط لا يلزم من وجوده الوجود، لكن يلزم من عدمه العدم.

أركان الوضوء

أركان الوضوء -و فروض الوضوء- ذكر منها المصنف أربعة، وهي خمسة، بل بعض العلماء قال: هي سبعة بجعله الماء المطلق ركناً، والصحيح: أنه من الشروط وليس من الأركان.

وفروض الوضوء هي:

النية، وهذا الراجح في المذهب، وغسل الوجه، وغسل اليدين إلى المرفقين أي: مع المرفقين كما سنبين، ومسح الرأس، وغسل الرجلين، والترتيب على الصحيح الراجح.

تعريف الركن

الركن: داخل الدائرة، أي داخل ماهية الشيء، وهو ما يلزم من وجوده الوجود، ويلزم من عدمه العدم.

مثال ذلك: السجدتان من أركان الصلاة، قام رجل فاستقبل القبلة وكبر وقرأ الفاتحة وقرأ السورة، وركع ورفع وسجد السجدة الأولى، ثم قام للركعة الثانية ولم يسجد السجدة الثانية، فعلى ذلك اختل ركن وهو السجود، فيلزم من عدمه العدم، فالركعة الأولى تبطل ولا تصح.

والركن يلزم من وجوده الوجود، كأن أراد الصلاة، فاستقبل القبلة، وقرأ وركع ورفع وسجد ثم جلس بين السجدتين ثم سجد ثم قام، فالسجود ركن من أركان الركعة، وقد توافر، فيلزم من وجوده الوجود، فهذا قطعاً مجزئ، والركعة صحيحة.

فهذه أركان الوضوء أو فرائض الوضوء، ويصح أن تقول: واجبات الوضوء عند جمهور العلماء، خلافاً للأحناف، إلا في الحج؛ لأن في مذهب الشافعية التفريق في الحج بين الركن وبين الواجب، أو بين الفرض وبين الواجب، والأحناف يفرقون بين الفرض والواجب.

الركن الأول: النية

تعريف النية لغة واصطلاحاً

النية في اللغة: هي القصد أو الإرادة والعزم.

وفي الاصطلاح: هو القصد المقترن بالفعل، مثلاً: قام الرجل يصلي الظهر، فاقترن فعله عند قيامه بعزم القلب وإرادته، وهو أن يصلي الظهر، فقام فاستقبل القبلة، ثم رفع يديه ناوياً في قلبه أن يصلي الظهر.

إذاً: اصطلاحاً: هي عزم القلب المقترن بالفعل.

محل النية

محل النية هو القلب، والإمام الماوردي يرى أن محل النية القلب واللسان، فعنده لا يجزئ المرء إلا أن ينوي بالقلب ويتلفظ باللسان، فإذا قام رجل وأراد أن يصلي الظهر، فتوضأ واستقبل القبلة، وقام يصلي، ونيته في قلبه أنه سيصلي الظهر مأموماً، فقال: الله أكبر وصلى أربع ركعات، ففي رأي الإمام الماوردي أن هذه الصلاة لا تجزئ؛ لأنه لم يتلفظ بالنية؛ فهو يرى أن النية حتى تجزئ لابد أن ينوي بالقلب ويتلفظ باللسان، ويمكن أن يستدل له بقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما لم تعمل أو تتكلم) وهذا الرأي شاذ في المذهب.

والصحيح: أن محل النية في المذهب هو القلب، والدليل على ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرىء ما نوى) فالنية محلها القلب؛ لأن النية هي هم القلب أو فعل القلب، والنية عزم، والعزم من أفعال القلوب، وقد قال الله تعالى: بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ [البقرة:225] وهذا الكسب هو الذي يؤاخذ عليه المرء.

فالصحيح: أن محل النية هو القلب، لكن المذهب يستحب التلفظ بالنية، فمن قام ليتوضأ فأخذ السواك، فتسوك وسمى الله ثم قال: نويت أن أتوضأ رفعاً للحدث، أو نويت أن أتوضأ لصلاة الظهر، قالوا: يستحب له ذلك، وإذا قام يصلي المغرب ثم قال: نويت أن أصلي المغرب ثلاث ركعات وكبر، فهذا مستحب في المذهب، ونسبوا ذلك للإمام الشافعي ؛ لأنه لما سئل كيف يبدأ المرء الصلاة؟ قال: بالذكر. فأولوا الذكر بالتلفظ بالنية.

والصحيح الراجح في ذلك: أننا ندور مع شرعنا حيث دار، وأنه ليس ثم دليل على التلفظ بالنية، وأما توجيه كلام الشافعي أن الصلاة يبدأ فيها بالذكر، فإنه يعني: تكبيرة الإحرام، وليس التلفظ بالنية، وإلا فرسول الله صلى الله عليه وسلم بين أظهر الصحابة والهمة متوافرة متظافرة، والصحابة ينظرون إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فما من شاردة ولا واردة ولا شاذة ولا فاذة يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم نوماً أو استيقاظاً إلا نقلوها لنا، فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم قد تلفظ بالنية وقت الصلاة لنقلوه لنا، ولو كان خيراً لفعله أبو بكر ، ولو كان خيراً لفعله عمر ، ولو كان خيراً لفعله عثمان ، فلو كان خيراً لسبقونا إليه.

فلما لم ينقل ذلك لنا من فعل الصحابة، أو بالأحرى من فعل النبي صلى الله عليه وسلم قلنا: ليس بسنة وليس بمستحب، والصحيح: أن النية محلها القلب، ولا يتلفظ بها.

خروج المرء من بيته إلى المسجد لأداء الصلاة هي نية للصلاة على الصحيح

نقول: إذا خرج المرء من بيته وجلس في المسجد، فهو نية للصلاة، فلا نحرج ونقول: لا بد أن تكبر وتستحضر النية، بل الصحيح أن نقول: إن خروج الإنسان من بيته نية وعزم على الصلاة.

أوقات النية

للنية ثلاثة أوقات:

الوقت الأول: وقت الإجزاء.

الوقت الثاني: وقت الاستحباب.

الوقت الثالث: متنازع فيه، تتجاذبه أقوال العلماء.

أما وقت الإجزاء -وهو الأهم- فلا تجزئ النية إلا عندما تغسل أول ركن من أركان الوضوء، وقد جعلوا في المذهب أول ركن من أركان الوضوء: الوجه، لقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ [المائدة:6]، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم للأعرابي: (إذا قمت إلى الصلاة فتوضأ كما أمرك الله) .

وفي رواية أخرى بسند صحيح قال: (توضأ كما أمرك الله، فاغسل وجهك) فأول الأركان: الوجه.

إذاً: وقت النية الذي يجزئ والذي يصح به الوضوء هي: عندما يأخذ غرفة ماء ويغسل بها وجهه، فلو غسل يديه ولم ينو، ثم تمضمض واستنشق فلم ينو، لكن لما أخذ غرفة الماء وغسل وجهه نوى الوضوء لرفع الحدث، أو نوى استباحة الصلاة، فنقول: هذا الوقت وقت إجزاء، أجزأتك النية عندما قارنت الركن الأول من أركان الوضوء.

إذاً: أول الوقت الذي يكون فيه الإجزاء: عند غسل أول ركن من أركان الوضوء وهو الوجه.

الوقت الثاني: الاستحباب، وذلك عند غسل اليدين، فإذا جاء ليغسل يديه ثلاثاً ونوى رفع الحدث، أو نوى استباحة الصلاة فنقول: هذا وقت يستحب أن ينوي فيه.

الوقت الثالث: وقت متنازع فيه، وهو: أن ينوي عند المضمضة والاستنشاق، ثم لم ينوِ عند غسل الوجه، أو نقول: عدمت النية عند غسل الوجه، فهل يصح الوضوء أم أنه لا يصح؟ هذا متنازع فيه في المذهب.

ومعلوم أن المضمضة والاستنشاق في المذهب سنة، فبعضهم قال: إن الأنف والفم من الوجه، فهو عند غسل بعض الوجه نوى فيصح وضوءه على ذلك، أو يجزئه؛ لأنه نوى عند الركن.

والقول الثاني: أنه لا يجزئه؛ لأنه لم ينو عند الركن، والصحيح: أنه لا يجزئه، بل لابد أن ينوي عند غسل أول ركن من الأركان، أو نقول: هذا إذا عزفت النية، أما إذا استمر في النية كالمستحب الأول فإنه يصح ذلك.

نقول: رجل غسل يديه ولم ينو، فجاء عند المضمضة والاستنشاق ونوى، وقبل أن يغسل الوجه ذهل عن النية وغسل الوجه واليدين ومسح الرأس وغسل الرجلين، فهو لم ينو الوضوء عند أول ركن، فقد تنازع العلماء في ذلك، فمنهم من قال: إنه نوى عند غسل بعض الركن، وهو الأنف إذاً: يجزئه.

والآخرون قالوا: لا يجزئه؛ لأنه لم ينو عند الركن، وهذا الأحوط والأرجح.

مسائل في مفهوم وقت النية على المذهب

فإذا قلنا: هذا وقت النية فعلينا أن نصوره فقهياً ونثبته، رجل جاء يتوضأ فغسل يديه قبل أن ينوي وتمضمض ثلاثاً ولم ينو ثم استنشق ثلاثاً فنوى، ثم أكمل وضوءه، فما حكم الوضوء؟ وما هو وقت النية عنده هنا: وقت إجزاء أم استحباب أم متنازع فيه؟ الجواب: ليس متنازعاً فيه؛ لأنه ابتدأ النية في وقت الاستحباب وهو عند الاستنشاق.

رجل توضأ وعند غسل اليد في المرة الأولى لم ينو، وفي الثانية لم ينوِ، وفي الثالثة نوى رفع الحدث ثم تمضمض واستنشق، ثم غسل وجهه ثم أكمل الوضوء فهل يجزئه الوضوء أم لا يجزئه؟

الجواب: يجزئه؛ لأن وقت النية الاستحباب.

رجل غسل يديه ولم ينو، ثم تمضمض واستنشق ولم ينو، ثم أخذته الغفلة، ثم غسل الوجه ونوى، هل يجزئه الوضوء أم لا؟

الجواب: إن نوى عند غسل الوجه رفع الحدث أو استباحة الصلاة وأكمل الوضوء فإن هذا الوضوء يجزئه؛ لأن وقت النية الإجزاء.

رجل توضأ، فغسل يديه ولم ينو، ثم تمضمض واستنشق ولم ينو، ثم غسل وجهه ولم ينو، ثم غسل يديه إلى المرفقين، ثم قال: النية ركن من أركان الوضوء فمسح رأسه ونوى، ثم غسل رجليه، فما حكم وضوئه؟

الجواب: ليس بوضوء؛ لأن النية غير مصاحبة في وقت إجزاء، ولا في وقت استحباب، ولا في وقت متنازع فيه، فهذا الوضوء لا يصح، ويلزمه الإعادة، فهو رجل طاهر القلب وليس بطاهر الوضوء.

صفة النية والأمثلة عليها

للنية صفتان: نية رفع الحدث، ونية استباحة الصلاة.

فأما نية الحدث: فكأن يبول رجل ثم يستنجي، فنقول له: إذا توضأت فانو رفع الحدث.

أو نقول: رجل أخرج ريحاً وأراد أن يتوضأ فنقول: انو رفع الحدث.

وأما الصفة الثانية: فهي استباحة الصلاة، وصورتها: أن يذهب بعدما أخرج الريح يريد الصلاة، فيتوضأ، فنقول له: إن نويت استباحة الصلاة فقد رفعت الحدث، والعلاقة بين الصفتين علاقة تنازل، أو نقول: عموم وخصوص، أو هذا يتضمن هذا، فإن استباحة الصلاة تتضمن رفع الحدث؛ إذ لا يمكن أن تجزئه صلاته إلا برفع الحدث، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) فقبول الصلاة لا بد فيه من رفع الحدث، ونية استباحة الصلاة تتضمن رفع الحدث، ورفع الحدث يستلزم استباحة الصلاة، أما إذا رفع حدثه فإن صلاته بهذه الصفة تكون صحيحة لهذا الحديث.

أقسام الناس في صفة النية

بالنسبة لهذه الصفة الناس على أقسام ثلاثة:

القسم الأول: من ليسوا من أهل الرخصة، فهم قسم عافاهم الله من المرض.

القسم الثاني: قسم يأخذون بالرخصة، كلبس الخفين والمسح عليها.

القسم الثالث: أصحاب الأعذار.

فالقسم الأول: عامة الناس الذين لا يأخذون بالرخصة، وهم الذين عافاهم الله من المرض، فهؤلاء تجزئهم نية استباحة الصلاة أو رفع الحدث.

فإذا قام رجل فتوضأ ونوى رفع الحدث وصلى فإن صلاته صحيحة ووضوءه صحيح، ونيّته تجزئ في ذلك.

فإذا كان ممن جامع أهله وكان جنباً، فدخل واغتسل ونوى استباحة الصلاة، فقد أجزأته هذه النية، وصلاته صحيحة.

إذاً: الذي عافاه الله من المرض إما أن ينوي استباحة الصلاة أو ينوي رفع حدث، فإن نوى رفع الحدث أجزأه، وإن نوى استباحة الصلاة أجزأه، فأي النيتين تصح بها الصلاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)، ولقول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا [المائدة:6]، أي: إذا أردتم استباحة الصلاة: فَاغْسِلُوا أي: توضئوا، والنية هنا استباحة الصلاة.

القسم الثاني من الناس: أهل مسح الخفين، وللعلماء في المذهب قولان في هذه المسألة:

القول الأول: لا يجزئه رفع الحدث، بل لا بد أن ينوي استباحة الصلاة، بمعنى: إذا قام الرجل في البرد القارس ليصلي الفجر فقام وكان لابساً لخفيه لبسها على طهارة، فتوضأ ومسح على خفيه، لكنه نوى رفع الحدث، فصلى، فلما سأل قال له كثير من علماء المذهب: صلاتك لا تصح، لأن نيتك لم تجزئك في ذلك؛ لأن المسح على الخف لا يرفع الحدث.

والقول الثاني في المذهب وهو الراجح الصحيح: أن المسح على الخفين يرفع الحدث، فله أن ينوي استباحة الصلاة أو ينوي رفع الحدث، وهذا الذي رجحه النووي ، وبين أن القول الأول هو الضعيف في المذهب.

إذاً: الصحيح في المذهب الشافعي: أنه لو مسح على خفيه ونوى استباحة الصلاة أو نوى رفع الحدث فصلاته صحيحة، ووضوءه أصبح صحيحاً.

أما القسم الثالث: فهم المرضى أصحاب الأعذار، كسلس البول، والاستحاضة، وانفلات الريح، فعلماء المذهب لهم ثلاثة أقوال:

القول الأول: يجزئه إذا نوى استباحة الصلاة، مثاله: امرأة ينزل منها الدم باستمرار وعندما سألت قلنا: أنت مستحاضة، والدم هذا دم عرق، دم فساد، دم علة، ليس دم حيض، فلما أرادت أن تصلي دخلت فتوضأت وقالت: كيف أنوي؟ فالجواب: أنها تنوي هنا استباحة الصلاة.

القول الثاني في المذهب: يجزئها نية رفع الحدث واستباحة الصلاة، فإذا نوت استباحة الصلاة أجزأتها، وإذا نوت رفع الحدث أجزأتها، ويستحب لها أن تجمع بين النيتين، ومثلها: رجل عنده سلس البول، فبعد أن استنجى ولف لفافة على فرجه، قام فتوضأ ناوياً رفع الحدث، فإنه يجزئه على القول الثاني، وإن نوى استباحة الصلاة أجزأته النية، وقلنا له: يستحب لك -لتخرج من خلاف المذهب- أن تجمع بين النيتين: رفع الحدث واستباحة الصلاة.

القول الثالث: وجوب الجمع بين النيتين، نية رفع الحدث ونية استباحة الصلاة، والراجح في المذهب: هو القول الأول وهو: أن ينوي استباحة الصلاة؛ لأن الحدث مستمر، والدم لا ينقطع، وسلس البول لا ينقطع.

مسائل في أقسام الناس في صفة النية

رجل قال: إني رجل ألبس الخفين، وأريد أن أصلي، فدخلت فتوضأت، فلما توضأت مسحت على الخفين، وكنت قد نويت استباحة الصلاة فصليت، فهل هذه النية مجزئه أم غير مجزئه؟ الجواب: أنها مجزئه.

وقال آخر: توضأت ومسحت على الخفين، وأول ما توضأت نويت رفع الحدث، فهل هذه النية مجزئة؟ الجواب: إنها مجزئة على الراجح؛ لأن المسح على الخفين يرفع الحدث.

مستحاضة قالت: غسلت المحل ثم تحفظت، ثم توضأت ونويت في وضوئي رفع الحدث، فصليت الظهر، فهل هذه النية مجزئة؟

الجواب: على القول الأول والثالث لا يجزئها، لكن يجزئها على القول الثاني.

وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح متن أبي شجاع - فصل فروض الوضوء وسننه [1] للشيخ : محمد حسن عبد الغفار

https://audio.islamweb.net