إسلام ويب

من صفات الله الثابتة: العجب والضحك، وقد أثبتها لله سبحانه أهل السنة بلا تحريف ولا تعطيل، وبلا تكييف ولا تمثيل، ولم يثبتها أهل البدع، بل حرفوها، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً، وقد رد عليهم علماء أهل السنة، وبينوا بطلان ما ذهبوا إليه.

صفة العجب

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

ثم أما بعد:

العجب صفة من صفات الله جل في علاه، ثبتت لله بالكتاب وبالسنة وبإجماع أهل السنة، وهي صفة ثبوتية فعلية.

فأما الأدلة من الكتاب فقول الله تعالى: بَلْ عَجِبْتُ وَيَسْخَرُونَ [الصافات:12]، وهذه قراءة متواترة، والقراءة الأخرىبَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُونَ [الصافات:12]،

فعلى الأولى يكون الله جل في علاه هو الذي عجب.

وأما الأدلة من السنة فقوله صلى الله عليه وسلم: (يعجب ربك من الشاب ليست له صبوة)، وهذا حديث ضعيف.

ولكن جاء في صحيح البخاري حديث الضيف الذي جاء النبي صلى الله عليه وسلم فنزل على رجل وامرأته ليس عندهما طعام، فقال فيه: (عجب ربكم من صنيعكما مع ضيفكما). فهذا تصريح لعجب الله عز وجل.

وفي بعض الروايات: (عجب ربك من عباده يقنطون)، أو (يضحك ربك).

أنواع العجب

العجب نوعان: عجب للذهول عن السبب، يعني: يعجب الإنسان من أمر لا يعرف أسبابه، فيعجب له، وهذا العجب ناشئ عن جهل. والنوع الثاني من العجب: عجب ينشأ عن تمام علم، لخروج الشيء عن نظيره. مثل رجل يعيش في أرض كل أهلها ليس عندهم همة، وهذا الرجل ليل نهار إما يذاكر أو يطلب العلم أو يجتهد في العبادة أو يتصدق، فهذا يعجب الله منه، لأنه قد خرج عن نظرائه.

فالنوع الأول: يستحيل على الله؛ لأن الله يعلم كل شيء، يعلم ما كان وما يكون وما لم يكن لو كان كيف سيكون.

إثبات صفة الضحك لله تعالى

الضحك صفة من صفات الله جل في علاه، وهي من الصفات الثبوتية الفعلية التي ثبتت لله بالكتاب والسنة وإجماع أهل السنة.

ثبتت في الكتاب لأن الله تعالى قال: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا [الحشر:7].

أما في السنة فقد جاءت هذه الصفة تصريحاً من النبي صلى الله عليه وسلم بأنه وصف ربه بالضحك، حيث ثبت في الصحيحين عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة) وهذا فيه دلالة واضحة على أن الله يضحك؛ لأنه أضاف الفعل لله جل في علاه، فالله يضحك، ولكن لا يضحك الله كضحك المخلوق، وضحك الله صفة ثابتة له تليق بجلاله وكماله سبحانه، وضحكه سبحانه غير ضحك المخلوق؛ لأن المخلوق إذا ضحك تعجب، أو ضحك من أسباب يجهلها.

أما الله جل في علاه يعلم ما كان، وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف سيكون، وهو يضحك بكيفية يعلمها الله، فنحن نفوض علم الكيفية لله جل في علاه، فإذا سألك سائل وقال: تؤمن وتعتقد بأن ربك يضحك؟ تقول: نعم، أؤمن وأعتقد في قلبي اعتقاداً جازماً بأن ربي يضحك، وضحك الله جل في علاه يليق بجلاله.

فالضحك في اللغة معلوم، والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عن الكيفية بدعة، وهذا هو الإيمان الصحيح الذي آمن به صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فإذا علم العبد أن الله يضحك فإنه لا بد أن يعتقد اعتقاداً جازماً بلوازم هذا الضحك، فإن الله جل في علاه يضحك للبشر، وإذا ضحك الله لعبد من عباده فقد أراد له الخير؛ لأنك إذا رأيت عبداً من عباد الله يضحك لك في وجهك إذا كلمته، أو إذا طلبت منه شيئاً فضحك لك؛ فأنت ستستبشر خيراً بأن مطلوبك سيتحقق، فما بالكم بالله جل في علاه؟

والقياس بين الله وبين عباده ثلاثة أنواع:

قياس علة، وقياس شبه، وقياس جلي، وكل هذه القياسات باطلة بين الله وبين المخلوق إلا القياس الأول: قياس علة، فكل كمال يوصف به العبد فالله أولى به وأكمل جل في علاه.

والغرض المقصود: أن صفة الكمال هي لله جل في علاه، فقولنا: إذا كان البشر يضحكون فإنه إذا ضحك لي شخص فإني أستبشر خيراً من ضحكه، فمن باب أولى أن نستبشر بضحك الله جل في علاه، ففي الحديث: أنَّ رجلاً كافراً قاتل رجلاً مسلماً فقتله، فالمقتول شهيد، وقد كتب الله الجنة للشهيد، وقد ضحك الله إلى هذين الرجلين؛ لأن الرجل الذي قتل دخل الجنة، والقاتل نفسه أسلم بعدها، فقاتل فقتل في سبيل الله جل في علاه.

فإذا ضحك الله فإن المرء يدخل الجنة بضحك الله وإثابته لعبده؛ ولذلك فإنه يتسامح في تراجم الأسانيد؛ ولذلك ورد في حديث الرجل الذي يدخل بين الصفين أن رجلاً قام فقال: (يا رسول الله! يضحك ربنا؟! قال: يضحك ربنا، قال: إذاً: لن نعدم خيراً من رب يضحك، قال: ما الذي يضحك الرب؟ قال: أن تدخل وتخلع لأمتك وتدخل بين الصفين تقاتل حتى تقتل مقبلاً غير مدبر) فدخل الرجل وهو يعتقد: أن ربه يضحك، وإذا أضحك هذا الرجل ربه فإن الرجل إثابته عند الله تكون عظيمة، فإذا اعتقد المرء بأن ربه يضحك فإنه سيأخذ بأسباب ضحك الله، وأسباب ضحك الله جل في علاه هي الطاعة المنقادة والجهاد في سبيل الله، وهي التقدم نحو أعداء الله بشجاعة وبسالة دون تراخ ودون تقاعس، فهذا هو الذي يثيب المرء، بتقدمه لله جل في علاه، فيضحك الله من فعله فيثيبه بالجنات.

تأويل أهل البدع لصفة ضحك الله تعالى والرد عليهم

أهل البدع لم يعتقدوا بصفة الضحك، فالمعطلة عطلوا هذه الصفة، أما المحرفة وهم الأشاعرة فقد حرفوا هذه الصفة، وقالوا: إذا قلنا بأن الله يضحك فقد شبهنا الخالق بالمخلوق، والله جل في علاه يقول: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11] فنقول: لا يضحك، بل الضحك هنا بمعنى: الثواب، أو بمعنى: إرادة الثواب، والأشاعرة القائلون بهذا القول هم كثير، ومخطئ من ظن أن الأشاعرة اندثروا بل هم كثيرون والرد عليهم كما يلي:

الرد الأول: أن نقول: خالفتم ظاهر الكتاب، وخالفتم ظاهر السنة، وخالفتم إجماع الصحابة، حيث إنكم أثبتم لازم الصفة، فمن لوازم الضحك أن الله إذا ضحك إلى العبد فهو يريد إثابة هذا العبد، ونحن نثبت اللازم مع إثباتنا الصفة أولاً، وبذلك نثبت الصفة ونثبت لازم الصفة.

الرد الثاني: أنكم تتهمون النبي صلى الله عليه وسلم بعدم التبليغ.

الرد الثالث: أن نقول لهم: أنتم أثبتم الحياة لله، وللعبد حياة، وحياة الله كما هو مسلَّم ليست كحياة العبد، بل حياة الله حياة تليق بجلاله وكماله، فما الفارق؟ فنرجع إلى قاعدة قعدناها وهي: أن القول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر، وكما قلتم في صفة الحياة فقولوا كذلك في صفة الضحك، فإن الله يضحك لا كضحك البشر، ولله حياة لا كحياة البشر.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد - صفة العجب والضحك لله عز وجل للشيخ : محمد حسن عبد الغفار

https://audio.islamweb.net