إسلام ويب

هناك قواعد هامة في باب الأسماء والصفات لابد من معرفتها حتى يستطيع المسلم أن يضبط هذا الباب العظيم الذي ضل فيه أناس كثيرون، فبمعرفة هذه القواعد يثبت المسلم لله تعالى ما أثبته لنفسه أو أثبته له رسوله، من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل.

ضوابط وقواعد هامة في الأسماء والصفات

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ثم أما بعد:

فنبدأ بأهم العلوم وأشرفها وهو التوحيد؛ إذ إن القاعدة عند العلماء: تقديم الأهم على المهم، ولا أوجب من توحيد الله جل في علاه، وينبثق شرف هذا العلم من شرف المعلوم وهو الله جل في علاه، ولا أحد أشرف من الله جل في علاه.

وجوب التسليم لكلام الله وكلام رسوله

وقبل أن نشرع في شرح هذا الكتاب فإن بين يدي هذا الكتاب ضوابط قدمها لنا الشيخ رحمة الله عليه وقواعد هامة في الأسماء والصفات، قال رحمه الله: القاعدة الأولى: في الواجب نحو نصوص الكتاب والسنة وأسماء الله وصفاته، وملخصها أنه يجب على كل إنسان أن يعلم أن الله أنزل الكتاب بلسان عربي مبين، ولو علم رجل أعجمي رجلاً عربياً هذا القرآن ما خرج إلينا بهذه الفصاحة، وفائدة قولنا: بلسان عربي مبين: أن كل عربي يفقه عن الله مراده من ظاهر كلامه جل في علاه.

قال الله تعالى: تَنزِيلَ الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ [يس:5]، وقال: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء:193-195] وقال: إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف:2]، فالحكمة من كونه عربياً لعلكم تعقلون ما يقال لكم؛ لأنه نزل بلغتكم، فالواجب في كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم أن نأخذ ظاهر اللفظ ولا نحرفه ولا نؤوله.

فنسلم لكلام الله، ونسلم لكلام رسول الله، ونسلم لأحكام الله، ونسلم لأحكام رسول الله، فمثلاً: يقول الله جل في علاه : يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ [الفتح:10]، فيجب علي أن آخذ ظاهر كلمة (اليد) على ما هي عليه ولا أقول: هي النعمة، ولا أقول هي القدرة، ولا أأولها ولا أحرفها.

ولله أصابع؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ظاهر كلامه عندما قال اليهودي: (إن الله يحمل الأشجار على هذا ويشير إلى أصابعه، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم مقراً كلام اليهودي)، فظاهر هذا اللفظ أن لله أصابع، وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قلب بني آدم بين إصبع من أصابع الرحمن)، أو (بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبه كيف يشاء) سبحانه جل في علاه، فهنا أثبت النبي صلى الله عليه وسلم في ظاهر قوله أن لله أصابع، فالواجب علي أن أسلم لكلام النبي وأقول: لله أصابع، ولا أقول: هي القدرة أو هي النعمة.

وأيضاً قال الله تعالى عن سفينة نوح: تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا [القمر:14]، واللغة العربية معنى العين معلوم فيها، وقد قال الله لموسى: وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي [طه:39]، فالواجب علي أن أقول: كلمني ربي بلساني وهو لسان عربي مبين، فيجب علي أن أمرر هذه اللفظة على ظاهرها، يقول الله له يد فأثبت له يداً، ويقول له عين فأثبت له عيناً، ويقول له ساق فأثبت له ساقاً، قال الله تعالى: يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ [القلم:42].

فأمرر قول الله على ما هو عليه بنفس المعنى العربي المبين، والذي يحرف أو يؤول فيقول: اليد القدرة، ويقول: العين الرعاية، فهذا محرف لكلام الله جل في علاه، ويقع تحت التحذير الشديد الذي حذرنا الله منه، وهو: وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ [البقرة:169]، وقد قال الله تعالى محذراً لعباده: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [الإسراء:36]، فإذا قال الله عن نفسه: إن الله يضحك، فلا تقل: يرحم بل قل: إن الله يضحك.

ولذلك جاء بعض الصحابة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أخبر أن الله يضحك فقال:(يا رسول الله! ما الذي يضحك الرب؟ قال: أن تخلع درعك)، يعني: تظهر الشجاعة والصدق، وتدخل على العدو تقاتل من أجل الله فتقتل مقبلاً غير مدبر، قال: (يضحك ربنا من ذلك؟ قال: يضحك ربنا من ذلك، فخلع درعه ثم قال: لن نعدم خيراً من رب يضحك)، فقد علم أن الله يضحك، ولازم الضحك أنه سيثيب عباده الذين ضحك لهم.

يقول الله: أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ * أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ * وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ [الفيل:1-3]، محمد عبده رحمه الله وغفر له زلاته من مدرسة العقلاء مدرسة الاعتزال الذين يقدمون العقل على النقل، يقول -طبعاً الكلام للغرب لأنهم لا يمكن أن يستوعبوا أن الله يرسل طيراً بحجر فيقتل الأمة بأسرها- فقال: طير أبابيل معناه الجدري، ومرة أخرى يقول: المد والجزر، فأول وحرف كلام الله، فبدل أن يكون بلسان عربي مبين جعله أعجمياً فأوله وحرفه، وكأنه بلسان حاله يقول: ربنا ليس هذا الكلام الذي نعقله عنك، الكلام هذا ليس بصحيح، وكأن كلام الله جل في علاه في كتابه لا يعقله أحد من العرب، والله أنزله بلسان العرب.

إذاً: الضابط الأول في كلام الله وكلام الرسول: التسليم التام لكلام الله وكلام الرسول كما أننا نسلم لأحكام الله وأحكام الرسول.

قواعد في أسماء الله تعالى

القاعدة الثانية: في أسماء الله، وتحت هذه القاعدة فروع.

الفرع الأول: أسماء الله كلها حسنى، أي: بالغة في الحسن، واسم الله حسن؛ لأنه يتضمن أمرين:

أولاً: أن الاسم علم على ذات الله، ثانياً: أن كل اسم يتضمن صفة كمال، وهذا هو الذي يبلغ بالاسم غاية الحسن، فأسماء الله جل في علاه كلها غاية في الحسن وفي الكمال؛ لأنها تتضمن صفات كمال، فإذا انضم اسم مع اسم آخر انضم كمال مع كمال فإذا قلت: الرحمن الرحيم، فهو أكمل من أن تقول: الرحمن فقط أو الرحيم فقط.

فنقول: الكريم اسم من أسماء الله وهو غاية في الحسن؛ لأنه علامة على ذات الله، ولأنه يتضمن صفة كمال وهي الكرم، والحي اسم من أسماء الله كما قال الله تعالى: الم * اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ [آل عمران:1-2]، وهو غاية في الحسن والكمال لأنه علم على ذات الله، ولأنه يتضمن صفة كمال وهي الحياة، وحياة الله أزلية أبدية.

ويتبين لنا من ذلك أن الدهر ليس اسماً من أسماء الله، كيف وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (قال الله تعالى: لا تسبوا الدهر فإني أنا الدهر)، فكيف نقول: أن الدهر ليس اسماً من أسماء الله والله يقول: (أنا الدهر)؟

فنقول: أولاً: ننظر هل هو علامة على ذات الله أم لا؟

ثانياً: ننظر هل يتضمن صفة كمال أم لا؟

فإذا نظرنا وجدنا أنه ليس بعلامة على ذات الله، وإن قلنا أنه ليس علامة على ذات الله فنقول: هو لا يتضمن صفة كمال، وأي كمال في الدهر؟ إذاً ليس اسماً لله جل في علاه؛ لأنه لا يتضمن صفة كمال؛ لأن الضابط: كل اسم يتضمن صفة كمال فهو اسم من أسماء الله، وكثير من الناس يسمي ابنه: عبد الموجود، وهذا الاسم ليس بصحيح؛ لأمرين: الأمر الأول: الموجود ليس علامة على ذات الله، والثاني: أنه لا يتضمن صفة كمال بل يتضمن صفة نقص؛ فاسم الله هو الواجد وليس الموجود، فلا يوجد في الكون صغير ولا كبير ولا دقيق ولا جليل إلا والله هو الذي أوجده، إذاً: الموجود ليس اسماً من أسماء الله.

وفي شرح الطحاوية يسمي الله: القديم، فهل القديم اسم من أسماء الله الحسنى أو لا؟ الأشاعرة يقولون: أخص صفات الله القدم، ولا يشترك أحد مع الله في هذه الصفة، والقديم ليس اسماً من أسماء الله؛ لأنه لا يتضمن صفة كمال؛ وإنما اسم الله هو الأول. إذاً: أخص صفات الله الأولية؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنت الأول فليس قبلك شيء)، وهذا لا يقال في القديم؛ لأن القديم هناك من هو أقدم منه، وفائدة هذا الضابط: معرفة اسم الله من غيره.

الفرع الثاني: أسماء الله غير محصورة بعدد معين.

الفرع الثالث: أسماء الله لا تثبت بالعقل، وإنما تثبت بالشرع، والعلماء يقولون: أسماء الله وصفاته توقيفية، أي: يوقف فيها عند كلام الله، وكلام رسول الله، وهذا يرد على من يسمي الله بأسماء ليست موجودة في الكتاب والسنة، والنصارى يسمون الله الأب، وليس من أسماء الله جل في علاه، ولم ينزل الله به من سلطان لا في التوراة ولا في الإنجيل ولا في القرآن، وهذا إلحاد في أسماء الله، فإذا قلت: أسماء الله توقيفية فمعناه: أنني لا أقول بأن هذا الاسم من أسماء الله إلا إذا قلت قال الله في كتابه كذا، أو قال الرسول في الحديث كذا، ولذلك اسم (النور) اختلف فيه العلماء؛ لأنه ورد حديث ضعيف ذكر أسماء الله التسعة والتسعين، ولم يرد في السنة ما يثبت أن النور اسم من أسماء الله.

الفرع الرابع: كل اسم من أسماء الله فإنه يدل على ذاته ويتضمن صفة كمال.

والصفات صفات متعدية وصفات لازمه، واللازمة هي التي لا تتعدى كاسم الله العظيم، فالعظيم اسم من أسماء الله يتضمن صفة كمال، وصفة الكمال الذي يتضمنها اسم العظيم هي العظمة، فإن العظمة لله جل في علاه وحده وهي لازمة وليست متعدية.

أيضاً اسم الله العزيز لازم غير متعدي؛ لأن العزة صفة من صفات الذات، أما الأسماء التي لها صفات متعدية فهي الأسماء التي تتضمن صفات الفعل، كقول الله تعالى: الرَّحِيمِ فالرحيم من أسماء الله وهو غاية في الحسن؛ لأنه يتضمن صفة كمال وهي الرحمة، والرحمة متعدية؛ لكن الله رحيم قبل أن يخلق الخلق.

قواعد في صفات الله تعالى

القاعدة الثالثة في صفات الله، وتحتها فروع:

الأول: صفات الله كلها كمال من كل وجه؛ لأن الله جل وعلا قال: وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى [النحل:60]، وقال تعالى: وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ [الإخلاص:4]، وقال تعالى: سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا [الإسراء:43] فالله جل وعلا له العلو المطلق، وصفاته لها الكمال المطلق من كل وجه كالعزة، والرحمة، والكرم، والجود، والبر، والمن، والعطاء، والإحسان، والعطف، والرأفة.

وهناك كمال لكنه ليس من كل وجه وإنما كمال من وجه ونقص من وجه، مثل: المكر والاستهزاء والخداع، فأثبت لله الصفة حين تكون كمالاً، وانفِ عن الله الصفة حين تكون نقصاً، والمكر ليست من كل وجه صفة كمال، فإن العبد الماكر منبوذ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى [النحل:60]، لكن العبد الذي يمكر بالماكرين غير منبوذ بل يقال عنه: قوي عزيز، فالله يستدرج الماكرين ليعلموا قوته وعزته وكبرياءه، فتكون صفة كمال حين المقابلة، فتقول: يمكر بالماكرين، ويستهزئ بالمستهزئين، ويخادع المخادعين، لكن لا يصح أن تقول: الله ماكر، الله مخادع، حاشا لله! فهذا تنقيص من قدر الله جل في علاه.

فلا بد في الصفات التي فيها كمال من وجه ونقص من وجه أن تصف الله بها حين تكون كمالاً، وتنفيها عن الله حين تكون نقصاً.

الفرع الثاني في الصفات: قال صفات الله تنقسم إلى قسمين: ثبوتية وسلبية، فالثبوتية هي التي أثبتها الله على لسانه، وأثبتها على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته، وإثبات اللسان لله أو نفيه عنه مما سكت عنه السلف فنكست كما سكت السلف، فلا نقول: له لسان ولا نقول: ليس له لسان؛ لأن الله سكت عنه ونحن يسعنا ما وسع الشرع، قال الله تعالى: وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ [الإسراء:36].

إذاً: الصفات الثبوتية هي التي أثبتها الله لنفسه في كتابه كالعزة والكبرياء وغيرها، وأثبتها له رسوله صلى الله عليه وسلم كقوله: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق)، وقوله: (يكشف الله عن ساقه)، فالنبي صلى الله عليه وسلم أثبت لله الساق، وأثبت لله الكلام، فهي ثبوتية؛ لأنها ثبتت بالكتاب وثبتت بالسنة، والصفات السلبية هي التي نفاها الله عن نفسه في الكتاب ونفاها عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا [يونس:44]، وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ [فصلت:46]، وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [ق:38]، فهو ينفي هذه الصفات عن نفسه، وقال الله تعالى: لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ [البقرة:255]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم ينفي عن ربه النوم: (إن الله لا ينام، ولا ينبغي له أن ينام)، فالنوم صفة سلبية أي: منفية نفاها الله عن نفسه ونفاها عنه رسوله؛ لأنها صفة نقص وكل صفة نقص، فهي منفية عن الله سبحانه وتعالى.

الفرع الثالث: الصفات الثبوتية، وتنقسم إلى قسمين: ذاتية وفعلية، ويزاد على ذلك الخبرية؛ لأن الشيخ في التقعيد يرى أن الخبرية تنزل منزلة الذاتية، والصفة الذاتية هي التي لا تنفك عن الله بحال من الأحوال مثل الحياة، فالحياة صفة ذاتية؛ لأنها لا تنفك عن الله، فهي أزلية أبدية، أي: أن الله متصف بها أزلاً وأبداً كالعزة، فإن الله متصف بها أزلاً وأبداً، وهكذا جميع الصفات الذاتية، والصفة الفعلية: هي الصفة المتجددة التي يمكن لله أن يتصف بها في وقت دون وقت، كأن يتصف بها اليوم ولا يتصف بها غداً، كالكلام، فإن الله جل في علاه تكلم مع موسى حين جاء موسى للشجرة، فهو يتكلم متى شاء، وكذلك النزول ينزل الله ثلث الليل ولا ينزل في النهار.

فالصفات الفعلية تتجدد، وهي متعلقة بمشيئة الله إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل، إن شاء استوى وإن شاء لم يستو، إن شاء تكلم وإن شاء لم يتكلم، إن شاء أعطى وإن شاء لم يعط، والاستواء صفة فعل.

والصفات الخبرية هي التي مسماها عندنا أجزاء وأبعاض، كاليد فهي جزء مني وهي صفة لله، فالضابط أن مسماها عندنا جزء وبعض، وكالعين، فهي صفة لله وهي جزء مني، والساق صفة لله وهي جزء مني، هذا معنى الصفات الخبرية.

وصفة الحياء صفة ذاتية، قال الله تعالى: وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ [الأحزاب:53]، أي: أنه يقول الحق، فالذي يكتم الحق جبان، ولذلك الحياء ممدوح ومذموم، فالحياء المذموم أن تستحي من الحق، والحياء الممدوح أن تقول الحق، وصفة الكرم فعلية وأصلها ذاتية؛ لأنه إن شاء أكرم وإن شاء لم يكرم، لكن في الحياء الله يستحي، حتى إنه لما تكلم عن جماع الرجل لامرأته كنى وقال: أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ [النساء:43]، قال ابن عباس : لامَسْتُمُ النِّسَاءَ ، معناها: جامعتم، فانظروا إلى حياء القرآن! أما الكرم فإن شاء أكرم وإن شاء لم يكرم.

إذاً: الصفات ذاتية وفعلية وخبرية.

الفرع الرابع: كل صفة من صفات الله فإنه يتوجه عليها ثلاثة أسئلة -يقصد بذلك الإمام العلم رحمة الله عليه: التكييف والتمثيل والتشبيه- السؤال الأول: هل هي حقيقة أم هي مجاز؟ السؤال الثاني: صفة اليد لها كيفية معلومة أو مجهولة؟ السؤال الثالث: هل تماثل صفات المخلوقين أم لا؟

الإجابة على ذلك: أن الصفات المثبتة لله لا بد أن نثبتها بلا تمثيل ولا تشبيه ولا تكييف ولا تحريف، والمماثلة: المطابقة في الصفة، كقول: يد الله مثل يد محمد -أعوذ بالله- والمشبهة يقولون ذلك حاشا لله، هذا معنى التمثيل، لكن أنا أثبت لله يداً لا تماثل يد المخلوقين؛ لقول الله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11]، وبلا تشبيه، والتشبيه هو أن يقول: إن صفة الله تقارب صفة العبد، مثل أن يقول: عين الله تقارب عين المخلوق، هذا معنى التشبيه، وحاشا لله؛ لأن صفاته لا تشبه صفات المخلوق، وبلا تكييف، والتكييف أن تقول: كيفية يد الله كذا، فتأتي لها بمماثل، وتكيف لله جل وعلا وتصوره في الذهن، هذا لا يجوز أيضاً؛ لأن الله قال: وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا [طه:110].

والإنسان لا يكيف الصفة إلا إذا رأى صاحب الصفة، وهو لم ير الله، أو أخبره من رأى صاحب الصفة بكيفية الصفة، ولم يخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بكيفية الصفة، أو وجد مثيلاً لصاحب الصفة فينظر إليه فيقول: كيفية صفته ككيفية صفة المثيل، والله يقول: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].

إذاً: نثبت الصفة لله بلا تمثيل، ولا تشبيه، ولا تكييف، ولا تأويل، ولا تحريف، وهذه هي القاعدة الأولى: أننا نمرر ظاهر اللفظ على ظاهره.

المعطلة وأقسامهم

القاعدة الرابعة التي قعدها الشيخ، وهي نبراس لكل طالب علم حتى يرد الفرع إلى الأصل، ومن ضبط هذه القواعد فقد تعلم العقيدة، قال: القاعدة الرابعة: بم نرد على المعطلة؟ والمعطلة قسمان: معطلة تعطيلاً كاملاً محضاً، ومعطلة تعطيلاً ناقصاً، والمعطلة تعطيلاً كاملاً هم الجهمية، وهم الذين عطلوا الذات والاسم والصفة، يقولون: ليس اسمه السميع ولا عنده سمع ولا بصير ولا بصر، ولا كريم ولا كرم ولا قدير ولا قدرة، والتعطيل يساوي النفي، فهم يعبدون عدماً حتى الصنم لم يحصلوا عليه والعياذ بالله!

والمعطلة تعطيلاً ناقصاً هم المعتزلة، وهم يثبتون لله الأسماء، وينفون الصفات، فيقولون: الله عزيز، لكن بلا عزة. حاشا لله! ويقولون: سميع بلا سمع، معأنه لو قلت: إن محمداً سميع، فأنا أقصد بالسميع أنه يسمع الكلام، ولذلك كانت عائشة تقول: سبحان الذي وسع سمعه الأصوات كلها، المرأة تشتكي زوجها للرسول صلى الله عليه وسلم وأنا في ناحية البيت يخفى علي بعض حديثها، فأنزل الله سبحانه وتعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا [المجادلة:1]، فهم يقولون: سميع بلا سمع، قدير بلا قدرة، كريم بلا كرم.

وما هو الفرق بين المعطلة تعطيلاً كاملاً -وهم الجهمية- وبين المعطلة تعطيلاً ناقصاً وهم المعتزلة؟ الفرق: أن الجهمية نفوا الاسم والصفة فقالوا: لا سميع ولا سمع، والمعتزلة نفوا الصفة دون الاسم فقالوا: سميع لكنه بلا سمع.

فالشيخ يقول القاعدة الرابعة التي نرد بها عليهم أنهم خالفوا ظاهر النصوص، وقد قعد القاعدة الأولى وهي أننا لا بد أن نأخذ بظاهر النصوص، فقالوا: اليد هي النعمة، وظاهر اللفظ يقول: ليست بنعمة، وقالوا: معنى أن الله يحب فلاناً أي: يريد ثوابه، وهذا خلاف الظاهر، فهم خالفوا ظاهر القرآن وظاهر السنة، وإجماع الصحابة.

ويلزم من قولهم التنقيص من قدر الله جل في علاه كما سنبين.

شرح بسم الله الرحمن الرحيم

قال الشيخ العلامة موفق الدين عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي عليه رحمة الله: [بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله المحمود بكل لسان، المعبود في كل زمان، الذي لا يخلو من علمه مكان، ولا يشغله شأن عن شأن، جل عن الأشباه والأنداد، وتنزه عن الصاحبة والأولاد، ونفذ حكمه في جميع العباد، لا تمثله العقول بالتفكير، ولا تتوهمه القلوب بالتبصير، قال تعالى: فَاطِرُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ [الشورى:11].

لقد بدأ الإمام العلامة ببسم الله الرحمن الرحيم، قال العلماء: إن المصنف إذا ابتدأ ببسم الله فإنه من روائع البيان، وقد اقتدى المصنف بكتاب الله؛ لأن أول كتاب الله آية بسم الله الرحمن الرحيم، وهي آية على الراجح من الفاتحة، وهي آية تفصل بين كل سورة وسورة، وأيضاً اقتدى برسول الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث بالكتب إلى كسرى وقيصر ويقول فيها: (بسم الله الرحمن الرحيم من محمد رسول الله).

وقد وقعت قصة طريفة في هذه المسألة وتبين أن النبي صلى الله عليه وسلم كان أمياً لا يعرف أن يقرأ أو يكتب فنقول كتب رسول الله بسم الله الرحمن الرحيم، أي: أمر أن يكتب، كما تقول: بنى عمرو بن العاص الفسطاط، فهو لم يبنها طوبة طوبة ولكن أمر ببنائها، فلذلك النبي صلى الله عليه وسلم أمر علي بن أبي طالب في صلح الحديبية بقوله: اكتب بسم الله الرحمن الرحيم، فقال كفار قريش: لا نعرف الرحمن الرحيم، اكتب باسمك اللهم، فقد بدأ باسم الله، لكن الطريف هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـعلي : (اكتب باسمك اللهم، هذا ما تصالح عليه محمد رسول الله، قالوا: لو كنت رسول الله لاتبعناك، فقال لـعلي : امحها، فقال علي: والله لا أمحوها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم -وهنا الشاهد-: أرني أين هي فأمحوها أنا)، أي: بين لي أين مكان (محمد رسول الله) حتى أمحوها، وهذه هي المعجزة الكبيرة لرسول الله أنه لا يعرف القراءة ولا يعرف الكتابة بأبي هو وأمي، وأوتي جوامع الكلم.

فالمصنف اقتدى بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

والباء في (باسم) للإلصاق، ومتعلقها محذوف تقديره: أبتدئ باسم الله، أو أصنف باسم الله، أو أستعين باسم الله، وقد بدأ بها ولم يبدأ بالفعل تبركاً باسم الله، وقد بينا أن تقديم الأهم على المهم واجب، وتقديم الأشرف على الشريف واجب، وأشرف ما يبتدأ به هو اسم الله، ولذلك لم يبدأ بالفعل.

والاسم مشتق من السمة، أي: العلامة، وهذا في حق الله حق؛ لأن الاسم علامة على ذات الله جل في علاه، وأيضاً مشتق من السمو وهو العلو، والعلو المطلق لله، وهو يشمل علو القهر، وعلو القدر، وعلو الذات؛ لأن الله علي على عباده بذاته بائن من خلقه جل في علاه.

إذاً: (باسم الله)، الله علم على ذات الله، وهو اسم الله الأعظم؛ لأنه أكثر اسم ذكر في القرآن، وأيضاً كل أسماء الله تضاف إلى هذا الاسم، لكن اسم (الله) لا يصح أن يضاف لاسم من أسمائه، فلا يصح أن تقول: الرحمن الله، وتجعل الله صفة للرحمن، لكن يصح أن تقول: الله الرحمن فتقول: الرحمن صفة لله، الله الكريم والكريم صفة لله، فالله هو الاسم الأعظم الذي إذا سئل به أعطى، وإذا دعي به أجاب.

(الرحمن الرحيم): اسمان من أسماء الله الحسنى يتضمن كل اسم منهما صفة كمال وهي صفة الرحمة، وإذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا، فالرحمن اسم من أسماء الله يتضمن صفة ذات، والرحيم يتضمن صفة فعل، فالرحمن اسم من أسماء الله الحسنى لأنه يتضمن صفة كمال وهي الرحمة، وهذه الصفة صفة ذات، والرحيم اسم من أسماء الله، أيضاً يتضمن صفة كمال وهي الرحمة، لكنها صفة فعل، فما الفرق بينهما؟ الفرق أن الرحمن صفة ذات، إذاً: فهي عامة في المؤمن والكافر، ويتصف الله بها أزلاً وأبداً، ولذلك نرى أنهم يسبون الله ويرحمهم ويعطيهم ويشفيهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما رأيت أحداً أصبر -صفة الصبر لله- أصبر على أذى سمعه من الله، ينسبون له الولد ويرزقهم ويعافيهم).

فالله جل وعلا يرحمهم بالصفة الذاتية؛ فقد جاء بها على وزن (فعلان) كناية عن سعتها، فهي صفة ذاتية، أما الرحيم فهي صفة فعلية يرحم من يشاء ويعذب من يشاء، فالرحيم هنا خاصة بالمؤمنين.

إذاً: الرحمن تعم الكافر والمؤمن، لكن الرحيم خاصة بالمؤمنين؛ لقول الله تعالى: وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا [الأحزاب:43]، ولم يقل رحماناً؛ لأن الرحمن عامة للكافر والمؤمن، أما الرحيم فهي خاصة بالمؤمن.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح لمعة الاعتقاد الهادي إلى سبيل الرشاد - قواعد هامة في الأسماء والصفات وشرح البسملة للشيخ : محمد حسن عبد الغفار

https://audio.islamweb.net