إسلام ويب

يحرمُ على الرجل وطء امرأته وهي حائض، ويحرم طلاقها كذلك وهي حائض، ومن استحل وطء المرأة في الحيض فقد كفر، ومن وطأ امرأته وهي حائض برضاها فالإثم عليها، ويلزمهما التوبة، وإن كانت مكرهة فالإثم عليه وحده، ويجوز العقد على المرأة الحائض والزواج منها اتفاقاً، والطلاق في الحيض يقع على قول الجمهور، ويجب مراجعة الرجل امرأته إذا طلقها وهي حائض.

ما يحل للرجل من امرأته الحائض

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

ثم أما بعد:

من الأحكام التي تتعلق بالمرأة الحائض: معاملة زوجها معها حال حيضها.

حرمة وطء الحائض

أجمع أهل العلم على تحريم وطء المرأة الحائض، ومن فعل ذلك فقد فعل كبيرة، ولا بد أن يتوب إلى الله توبة نصوحاً، ومن استحل وطء المرأة في الحيض فقد كفر، فعل أو لم يفعل، فمن قال: الخمر حلال، وقرئ عليه قوله تعالى: إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ [المائدة:90]، وبينت له الآية، فقرأها وعقل معناها، ثم قال: الخمر حلال. فهذا مستحل، شرب أم لم يشرب، وهو كافر؛ لأن الاستحلال -والعياذ بالله- معلوم بالدين بالضرورة أنه يكفر صاحبه؛ لأنه مكذب لله، فكذلك من وطئ المرأة الحائض في حيضها واستحل ذلك فقد كفر؛ لأنه مكذب لله جلا في علاه.

ودليل حرمة إتيان الرجل المرأة الحائض قول الله تعالى: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ [البقرة:222]، ثم قال الله تعالى: وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرن [البقرة:222].

وهذه الآية مجملة، وظاهرها: عدم القرب من المرأة الحائض، سواء بالمس أو بالمباشرة أو بالتقبيل أو بالضم.

وقد يبن النبي صلى الله عليه وسلم هذا الإجمال وفسره بفعله، فعن عائشة : (أنه كان يلقي عليها إزاراً تتزر، فيباشرها وهي حائض).

إذاً: قول الله تعالى: وَلا تَقْرَبُوهُنَّ ، ليس على عمومه، ولا على إطلاقه، بل هو مقيد إما بالفرج، وإما بما بين السرة والركبة.

الاستمتاع من الحائض بما دون الفرج

وأما ما يحل للرجل من امرأته وهي حائض، فقد اختلف العلماء في ذلك:

فجماهير أهل العلم: يرون بأن الرجل يحل له من امرأته المباشرة والتقبيل والضم والتمتع بها كيفما شاء، حتى ما بين السرة والركبة.

واستدلوا على ذلك بما جاء عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها قالت: (كنت أغتسل أنا والنبي صلى الله عليه وسلم من إناء واحد كلانا جنباً، وكان يأمرني فأتزر، فيباشرني وأنا حائض).

الشاهد في الحديث قولها: (فأتزر). ومعلوم أن الإزار أقل شيء أنه يغطي الركبة، فهذه دلالة واضحة جداً أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يباشرها في ما بين السرة والركبة، وهذا الذي تعلق به الجمهور.

والصحيح الراجح الذي لا محيد عنه، وهو الذي رجحه النووي وخرج عن قول الشافعي في ذلك، أو هو قول الشافعية ولكن خرج عن قول الجمهور ومنهم الشافعي : أنه يجوز للمرء أن يصنع كل شيء، ويتمتع بكل جزئية من المرأة إلا الفرج.

فإن اعترض معترض وقال: إن هذا ذريعة للإيلاج؛ لأن الإنسان كلما حام حول الحمى وقع فيه. فنقول: إن هذا الذي يملك إربه فهذا حلال له، وأما الذي لا يملك إربه فحرام عليه أن يفعل ذلك، وهذا من باب سد الذرائع؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد.

إذاً: الصحيح الراجح في ما يحق للرجل من امرأته الحائض: أن يأتيها من كل مكان، ويجتنب الفرج؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا كل شيء سوى النكاح)، أو (إلا النكاح) والمقصود بالنكاح هنا: الوطء في الفرج. فقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اصنعوا كل شيء)، نص في العموم، فله أن يقبل ويباشر ويضم، ويضنع كل شيء، وفي كل مكان دون الفرج؛ لأنه قال: (سوى النكاح)، أي: دون الوطء في الفرج؛ لأن النكاح هنا معناه: الوطء في الفرج.

وأما الدبر فقد جاءت فيه أدلة أخرى، وإن كانت أدلة فيها ضعف، لكنها متعاضدة، بأن النبي صلى الله عليه وسلم حرم إتيان المرأة في دبرها، ولذلك قال: (ائتها مقبلة مدبرة)، تفسيراً لقول الله تعالى: نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ [البقرة:223].

فقال: (مقبلة مدبرة، واتق الحيضة والدبر).

وأما الرد على قول الجمهور: بأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يباشر عائشة رضي الله عنها وأرضاه بعدما تتزر، وإذا أراد امرأة من نسائه ألقى عليها شيئاً تتزر به.

فنقول: هذا حكاية فعل، والقول مقدم على الفعل. فقد قال: (اصنعوا كل شيء سوى النكاح). وهذا الفعل على الأحوط والأفضل، ونحن نقول: الأحوط والأورع أن الإنسان إذا أراد أن يتمتع بامرأته الحائض ألا يقترب مما بين السرة إلى الركبة، وإذا كان مالكاً لإربه ولنفسه فله أن يتمتع بكل جزئية من امرأته.

حكم وطء الحائض

وإذا باشر الرجل امرأته وهي حائض، فوطئها في فرجها فقد وقع في كبيرة، فليتق الله ربه، وليستغفره، وليتب إليه توبة نصوحاً، وإن طاوعته زوجته على ذلك فهي آثمة وفاعلة لكبيرة، ولا بد أن تتوب توبة نصوحة، وأما إذا أكرهها على ذلك فهو الآثم وحده، ولابد أن يتوب إلى الله جل في علاه من هذه الفعلة.

فإن تاب فعليه كفارة، فقد جاء في مسند أحمد عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أتى امرأته وهي حائض فعليه أن يتصدق بنصف دينار، أو دينار). وقد قال بعض العلماء: إنه إذا أتاها في انقطاع الدم فيتصدق بنصف دينار، وإن أتاها في أول الدم فيتصدق بدينار. والخلاف في ذلك هين، ويمكن أن نقول: هو مخير بين أن يتصدق بنصف دينار أو يتصدق بدينار. والأولى له والأفضل هذا التقسيم، وقد رضيه بعض العلماء وصححوا الحديث، وإن كان فيه نظر.

أحكام النكاح والطلاق في الحيض

اتفق العلماء على أن المرأة الحائض يجوز العقد عليها والزواج منها؛ لأن الحيض ليس شرطاً ولا ركناً من أركان العقد، ولا خلاف بين العلماء في ذلك.

حكم طلاق الحائض

اتفقت كلمة العلماء على حرمة الطلاق في الحيض؛ وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم كما في مسلم : (أنه عليه الصلاة والسلام غضب غضباً شديداً عندما اشتكى عمر من ابنه عبد الله أنه طلق امرأته وهي حائض، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم ثم قال له: مره فليراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر، ثم تحيض، ثم تطهر، فإن شاء أن يمسكها فليمسكها، وإلا طلقها في طهر لم يجامعها فيه)، وبين له أن هذه هي العدة التي أمر الله جل في علاه أن تطلق لها النساء؛ وفي غضب النبي صلى الله عليه وسلم، وأمره لـابن عمر بمراجعة المرأة؛ لأنه طلقها وهي حائض، دلالة على أن هذا الطلاق يعتبر طلاقاً بدعياً، والطلاق البدعي يأثم صاحبه؛ لأنه أتى به على وجه غير مسموح به شرعاً.

هل يقع طلاق الحائض؟

وقد اختلف العلماء فيما إذا طلق الرجل امرأته وهي حائض، هل يقع أو لا يقع؟ على قولين:

القول الأول: قول جماهير أهل العلم: إن الطلاق يقع، ويأثم بذلك، ولا بد أن يتوب.

واستدلوا على ذلك بأدلة:

الدليل الأول: حديث مسلم وفيه: أن ابن عمر قال: فراجعتها، وحسبت لها التطليقة التي طلقتها. أو قال: (فحسبها علي تطليقة).

فوجه الشاهد من الحديث: أنه قال: وحسبت لها التطليقة. وفي رواية قال: (وحسبها علي تطليقة). والظاهر أن النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي حسبها تطليقة.

الدليل الثاني: قول النبي صلى الله عليه وسلم لـعمر : (مره فليراجعها). والأصل في المراجعة أنها لا تكون إلا بعد طلاق، وهذا ظاهر جداً في أن الطلاق قد وقع، ولذلك قال: (مره فليراجعها).

الدليل الثالث: القاعدة الحديثة، وهي: أن الراوي أعلم بما روى. وابن عمر نفسه لما سئل عن رجل طلق امرأته وهي حائض؟ قال: احسبها تطليقة. فبين أنه يقع الطلاق، والراوي أعلم بما روى.

وأما دليلهم من النظر فقالوا: هذا عقد يملكه الرجل، وقد أحل هذا العقد، ولا علاقة بالحيض في هذا الإحلال.

القول الثاني: قول بعض الحنابلة وهو ترجيح شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم : إنه لا يقع الطلاق في الحيض.

واستدلوا على ذلك من الأثر والنظر.

أما من الأثر:

الدليل الأول: جاء في سنن النسائي وغيره أن ابن عمر الراوي: فلم يرها شيئاً. أي: لم يرها شيئاً من الطلاق، وهذا فيه دلالة على أن الطلاق لا يقع.

الدليل الثاني: قالوا: نحن وأنتم متفقون على أن الطلاق في الحيض طلاق بدعي يأثم صاحبه، وهذا محل اتفاق، فإذا طلق في الحيض فقد طلق طلاقاً بدعياً، وإذا طلق طلاقاً بدعياً فهو باطل مردود؛ قلنا: لماذا؟ قالوا: لحديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها كما في الصحيحين قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، يعني: باطل. فنقول: من طلق طلاقاً ليس عليه أمرنا فهو باطل.

والصحيح والراجح في ذلك هو: قول الجمهور، بأن الطلاق في الحيض يقع، ويأثم صاحبه، ولابد أن يتوب توبة نصوحاً، وذلك لما جاء عن ابن عمر صريحاً غير محتمل للتأويل أنه قال: (فحسبها علي تطليقه). وهذه لا يمكن أن تحتمل شيئاً إلا أن يقولوا: هذا من اجتهاد ابن عمر .

فنقول: اجتهاد ابن عمر أقره عمر ، وعمر هو الذي سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فدل ذلك على أن عمر بن الخطاب وابن عمر فهما من النبي صلى الله عليه وسلم على أن هذا الطلاق يقع، بل هو مرفوع للنبي صلى الله عليه وسلم.

إذاً: فالدلالة صريحة صحيحة على أن يقع الطلاق لا يقع، لا سيما وقد أفتى ابن عمر من سأله بذلك، وقال: يقع الطلاق.

وأما أدلتهم من النظر فقالوا: بأنه لا علاقة للحيض بمسألة النكاح ومسألة الطلاق.

وأما الرد على المخالفين:

فنقول: أولاً: الحديث الذي تعلقتم به الرد عليه من وجوه:

الوجه الأول: أن هذا الحديث فيه شذوذ؛ لأنه خالف ما هو أقوى منه؛ لأنه جاء في الحديث المتفق عليه عند البخاري ومسلم أنه قال: (فحسبها علي تطليقة). ودليلكم هذا في السنن أنه قال: (فلم يرها شيئاً) فهذا شذوذ؛ لأن الثقات الأثبات رووا: (حسبها علي تطليقة).

الوجه الثاني: إن قلنا: ليس بشذوذ، فنقول: هذا محتمل. أي: هذه الرواية محتملة، فإن قوله: (لم يرها شيئاً)، تحتمل لم يرها من السنة شيئاً، أو لم يرها من العدة شيئاً، أو لم يرها من الطلاق شيئاً، والدليل إذا تطرق إليه الاحتمال سقط الاستدلال به.

الوجه الثالث: دليلنا مقطوع به: (حسبها علي تطليقة). ودليلكم مظنون: (لم يرها شيئاً). والمقطوع به يقدم على المظنون.

الوجه الرابع: أن استدلالهم بحديث (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، على أن من طلق طلاقاً ليس عليه أمرنا فهو باطل مردود لا يقع. فنقول: نحن نوافقكم على القاعدة: أن (من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد)، ولا نوافقكم على التطبيق؛ لأنه قد طلق طلاقاً عليه أمرنا، فقال لها: أنت طالق بالصريح، والله جلا وعلا يقول: الطَّلاقُ مَرَّتَانِ [البقرة:229].

والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا طلاق إلا لمن أخذ بالساق)، يعني: الطلاق يقع صحيحاً لمن أخذ بالساق وجامع، وهو الزوج الحقيقي.

وهذا الحديث يستدل به العلماء: على أن الرجل إذا قال: علي الطلاق مثلاً، أو قال: إن تزوجت فلانة فهي طالق، فإن الطلاق لا يقع، خلافاً للمالكية؛ لأن الطلاق لا يقع إلا من عاقد عقداً صحيحاً، وهذا الرجل الذي طلق لم يعقد عقداً صحيحاً.

إذاً: الطلاق وقع عليه أمرنا في زمن ليس عليه أمرنا، والجهة منفكة، فيكون الطلاق وقع عليه أمرنا فصح، وفي زمن ليس عليه أمرنا فأثم بذلك، ونحن نتفق معكم على الإثم، وقد بينا من النظر أنه لا علاقة للحيض بالنكاح، والزمن ليس شرطاً في صحة الطلاق، ولا ركناً من أركانه.

إذاً: الطلاق يقع في الحيض، ويأثم صاحبه، ولا بد أن يتوب توبة نصوحاً.

وجوب مراجعة الرجل لامرأته إذا طلقها وهي حائض

وهل إذا طلق امرأته في الحيض يراجع وجوباً أم استحباباً؟

الجمهور: على أنه أذا طلق امرأته في الحيض فقد أثم، ووقع الطلاق، ويراجع استحباباً.

والصحيح الراجح الذي لا محيد عنه: أن الأمر في قوله: (فليراجعها)، أمر من النبي صلى الله عليه وسلم على الوجوب، ومن قال بالاستحباب فليأت بالصارف، ولذلك امتثل ابن عمر رضي الله عنه وأرضاه، هذا الأمر ورد امرأته.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , رسالة إلى كل امرأة تيسير أحكام الحيض - أحكام نكاح وطلاق ووطء الحائض للشيخ : محمد حسن عبد الغفار

https://audio.islamweb.net