إسلام ويب

الشريعة الإسلامية شاملة لجميع نواحي الحياة، وقد خصت المرأة بأحكام دون الرجل، كأحكام الحيض والنفاس، وفي تشريعها يرى المتأمل رحمة الدين بالمرأة، وتقديره لحالتها النفسية التي تمر بها أيام الحيض والنفاس، ولأجل ذلك منعها من قراءة القرآن، ومن مس المصحف، ومن دخول المسجد، إلى غير ذلك من الأحكام.

أحكام النفساء

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

ثم أما بعد:

تعريف النفاس

فالنفاس في اللغة: هو الولادة.

وشرعاً: هو الدم الذي يخرج من فرج المرأة بعد الوضع، أي: عقب فراغ الرحم من الحمل، ويسمى نفاساً: لأنه يخرج عقبه نفس، ثم يعقبه بعد ذلك دم ينزل يرخيه الرحم، ويقال: امرأة نفساء، ويجمع على نفاس، فتقول: نسوة نفاس.

وكذلك الدم بعد السقط يكون نفاساً.

وأحكام النفاس تساوي أحكام الحيض حذو القذة بالقذة، بمعنى: أن المرأة الحائض إن كان يحرم عليها قراءة القرآن، ودخول المسجد، وأن يجامعها زوجها، وأن تصلي، وأن تصوم، وأن تطوف بالبيت، فكذلك المرأة النفساء تساوي المرأة الحائض في كل ذلك، فلا يجوز أن يجامعها زوجها، ولا تدخل المسجد، ولا تقرأ، ولا تصلي، ولا تصوم، ولا تمس المصحف، فهذا كله الحائض والنفساء فيه سواء، فيحرم عليها ما يحرم على الحائض، ويسقط بالنفاس ما يسقط بالحيض إلا في أمور ليس الكلام عليها الآن.

أقل وأكثر مدة النفاس

اختلف العلماء في أكثر مدة النفاس، ولا بد أن نعرف أولاً أقل مدة له، فمثلاً امرأة ولدت، وبعد ولادتها نزل منها نقاط دم، ثم رأت القصة البيضاء، فهذه نقول لها: نفاسك هذه النقاط، نفاسك هذه المدة التي نزل فيها بعض الدم، وما دمت رأيت القصة فاغتسلي وصلي، وصومي واقرأي وادخلي المسجد، ويجامعك زوجك؛ لأنك قد طهرت، فلا حد لأقله، ولو لحظة واحدة، فيكون قد طهرت، وتسمى نفاساً في هذه اللحظة فقط.

أما أكثر مدة النفاس فإن العلماء اختلفوا في ذلك على قولين:

القول الأول: قول مالك والشافعي ، وهو قول أبي داود ، وعطاء ، والشعبي وغيرهم من التابعين، قالوا: أكثر مدة النفاس ستون يوماً، أي: أن تحسب المرأة التي نزل منها الدم ستين يوماً، فإذا استمر الدم معها بعد الستين يوماً نقول لها: أنت مستحاضة، فهذا اليوم الواحد والستين، وهذا ليس بدم نفاس، فتدخل فتغتسل، ثم تستذفر، وتتوضأ وتصلي.

وهذا القول هو الصحيح والراجح كما سنبين، وقد قال الأوزاعي وهو من جهابذة الفقهاء: عندنا امرأة ترى النفاس شهرين، فهذا على الوجود، ومدار الأحكام في هذه المسألة على الوجود كما سأبين، أي: وجد في النساء من ترى الدم بعد الولادة ستين يوماً.

القول الثاني: قول أبي حنيفة ، والثوري ، وأحمد ومن الشافعية المزني من الشافعية، قالوا: أكثر مدة النفاس أربعون يوماً.

ودليلهم في ذلك ما رواه أحمد عن أم سلمة رضي الله عنها وأرضاها أنها قالت: (كانت النفساء تجلس على عهد النبي صلى الله عليه وسلم مدة أربعين يوماً) وهذا ما استدل به الحنابلة ومن وافقهم، وقالوا: كانت تجلس أربعين يوماً على عهد النبي صلى الله عليه وسلم، فهذا توقيف من النبي صلى الله عليه وسلم.

والصحيح الراجح من ذلك: أن أكثر مدة النفاس ستون يوماً؛ لأن المسألة في هذه مدارها على الوجود، فإن وجدت امرأة ينزل فيها الدم عقب الولادة إلى آخر يوم في الستين، وينزل بنفس الصفة واللون والرائحة فلا نغير الحكم، بل إن الحكم واحد، وقد قال الأوزاعي -كما قلت- وجد من النساء من ترى الدم ستين يوماً.

فأقول: إذا وجد من النساء من ترى ذلك فالحكم مع الوجود، فكيف نفعل هذا؟! وحديث النبي صلى الله عليه وسلم ينص على خلاف ذلك.

ما العلم إلا قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه

ما العلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين قول فقيه

أتأخذ بـالشافعي والأوزاعي وتترك قول رسول الله أيها الجاهل؟! نعم أكون جاهلاً حقاً، وأكون معانداً حقاً عندما أجد حديث النبي صلى الله عليه وسلم، ثم آخذ بقول فلان وعلان، أو الشيخ الفلاني والفقيه الفلاني، لا والله ما آخذ إلا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم.

لذا فأقول هنا: هذا الحديث ليس قول النبي صلى الله عليه وسلم، بل هو إخبار بأن النساء في عصر النبي كن يمكثن أربعين يوماً فينقطع الدم، فإن وجد من ترى الدم أكثر من أربعين يوماً أخذنا به؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل إن أكثر مدة النفاس عند المرأة أربعون يوماً، لكن غالب النساء حتى في عصورنا هذه عادتهن في النفاس أربعون يوماً، فيكون مدار الحديث على الأغلب، أي: أن غالب النساء في عصر النبي صلى الله عليه وسلم كن يمكثن أربعين يوماً نفاساً.

ثمرة الخلاف في مدة النفاس

ثمرة هذا الخلاف في مسائل:

المسألة الأولى: عندما ترى المرأة الدم بعد الأربعين تحسبه من النفاس، فلا تصلي ولا تصوم، ولا تدخل المسجد، ولا يجامعها زوجها، ثم إذا نقلت إلى الستين فرأت الدم، فإنها تغتسل وتصلي وتصوم ويجامعها زوجها، وهذا هو الراجح في هذه المسألة، أن أكثر مدة النفاس ستون يوماً.

المسألة الثانية: المدة التي يثبت بها النفاس، وهي: ما تم له أربعة أشهر وخرج معه دم، فهذا نفاس، بمعنى: امرأة كانت حاملاً في الشهر الأول، فأسقطت، وعقب هذا الإسقاط نزل الدم، فنقول لها: هذا الدم دم فساد وعلة، ليس بدم نفاس، فاغسلي عنك الدم وتوضئي وصلي.

وامرأة أخرى كانت حاملاً في الشهر الثالث، فأسقطت، وعقب الإسقاط نزل الدم، فنقول لها: هذا دم فساد وعلة، وليس بدم نفاس، بل اغسلي عنك الدم واغتسلي، ثم توضئي وصلي، وسبب الأمر بالاغتسال: خروج هذا السقط.

وامرأة أخرى أيضاً: أسقطت في الشهر الرابع، وعقب هذا الإسقاط نزل الدم، فنقول: هذا الدم دم نفاس، فامكثي لا تصلي، ولا تصومي، ويحرم عليك ما يحرم على الحائض حتى تطهري، فإن استمر معك الدم إلى الأربعين فأنت في نفاس، وإن استمر إلى الستين فأنت في نفاس، وإذا استمر فوق ذلك فأنت مستحاضة.

والدليل على ذلك: حديث ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك) إلى أن عد مائة وعشرين يوماً (فينفخ فيه الروح) فنفخ الروح معتبر بعد المائة والعشرين، وإن كان هناك رواية تثبت أنه ينفخ الروح بعد الستين يوماً، ولكن نحن مع الغالب، فنقول: تحسب المرأة نفاسها إذا أسقطت لمدة أربعة أشهر.

أحكام الحيض

الأحكام التي تتعلق بالمرأة الحائض:

أولاً: يحرم على الحائض الصلاة والصوم، فالمرأة إذا حاضت فإنها تترك الصلاة والصوم، وإن فعلت أثمت بذلك؛ لأن الله حرمهما عليها حين حيضها.

روى البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه وأرضاه، قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ فذلك نقصان دينها) .

وفي رواية أخرى في مسلم عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه وأرضاه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يا معشر النساء! تصدقن، وأكثرن الاستغفار، فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقالت امرأة منهن جزلة -أي: عاقلة فقيهة-: وما لنا يا رسول الله! أكثر أهل النار؟ قال: تكثرن اللعن، وتكفرن العشير).

قوله: (تكثرن اللعن) أي: بالسب والشتم واللعن والتعدي على الحدود.

وقوله: (وتكفرن العشير) أي: أن الرجل يأتي لها بكل خير، والأصابع كلها تضيء لها كالشمعة، ثم بعد ذلك ترى منه ما تكره مرة واحدة، فتقول: لم أرَ منك خيراً قط، وتجحد كل هذه النعم مرة واحد، وجعلتها خلفها ظهرياً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تكثرن اللعن وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الراشد منكن. قالت: يا رسول الله! وما نقصان العقل والدين؟ فقال: فأما نقصان العقل فشهادة امرأتين تعدل شهادة رجل -فهذا نقصان العقل- وتمكث الليالي لا تصلي، وتفطر في رمضان؛ فهذا نقصان دينها).

الشاهد قوله: (تمكث الليالي لا تصلي)؛ لأنها حائض.

إذاً: الحكم الأول: لا يجوز للمرأة أن تصلي، ولا يجوز لها أن تصوم عندما تكون حائضاً، وأمهاتنا والعوام من النساء كثيراً ما يقع منهن في رمضان إذا حاضت قالت: لا يمكن أن أفطر، فتأتي إلى آخر اليوم قبل غروب الشمس وتقول: أشرب جرعة ماء أجرح صيامي فقط، وهذا تنطع في الدين، ومخالفة صريحة، وهي قد أثمت مرتين؛ لأنها لم تأخذ بالحرمة التي حرم الله عليها بأن تصوم، والثاني: أنها منعت نفسها مما هو مباح، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يحب أن تؤتى عزائمه) وإن كان ليس نصاً في هذه المسألة لكني أستأنس به، فعلى المرأة أن تفطر، وليس عليها ثمت حرج أن تفطر في يوم رمضان إذا كانت حائضاً.

وفي سنن أبي داود عن فاطمة بنت أبي حبيش أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (ولتدع) أي: تترك الصلاة: (من كل شهر أيام أقرائها) أي: أيام حيضها، ونستدل بهذا الحديث على مسألة مهمة جداً قد مضت، وهي: هل القرء هو الحيض أم الطهر؟ وهل عدة المرأة بالحيض أم بالطهر؟ في هذا الحديث دلالة على أن القرء هو الحيض؛ لأنه قال: تدع الصلاة أيام أقرائها، أي: أيام حيضها لا أيام طهرها، فهذه دلالة على أن القرء يطلق على الحيض.

وفي البخاري أيضاً عن فاطمة بنت أبي حبيش رضي الله عنها وأرضاها قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة) هذا هو الشاهد: فإذا أقبلت الحيضة، أي: في الحيض يحرم عليك أن تصلي، قال: (فإذا أدبرت فاغتسلي وصلي) .

وفي سنن أبي داود أيضاً عن أم سلمة رضي الله عنها وأرضاها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لتنظر عدة الليالي والأيام التي كانت تحيضهن من الشهر قبل أن يصيبها الذي أصابها فلتترك الصلاة قدر ذلك من الشهر، فإذا خلفت ذلك فلتغتسل، ثم لتستثفر بثوب، ثم لتصلي).

فهذه الأدلة كلها متعاضدة على أن المرأة إذا حاضت لا تصلي ولا تصوم.

وأما حكم قضاء الصلاة: فقد أجمع أهل السنة والجماعة على أن المرأة إذا حاضت لا تصلي، ولا قضاء عليها إلا في قول شذ به بعض الخوارج، والخوارج إذا خالفوا فإن خلافهم لا يعتد به، ومستند أهل السنة والجماعة في الإجماع: حديث الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها وأرضاها: (عندما سألتها معاذة فقالت: ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت: أحرورية أنت؟ قلت: لست بحرورية، ولكني أسأل، فقالت: كان يصيبنا ذلك على عهد رسول الله فنقضي الصوم ولا نقضي الصلاة).

فإذاً: المرأة لا تقضي الصلاة ولكنها تقضي الصوم.

مسائل في صلاة الحائض

هنا مسائل مهمة جداً، وهي:

المسألة الأولى: امرأة بعد طلوع الفجر بمقدار ركعة حاضت، إذاً: هي لحقت ركعة من صلاة الفجر وهي طاهرة، فهل صلاة الفجر عليها أم لا؟

الصحيح والراجح في ذلك: أن صلاة الفجر عليها؛ لأنها إذا طهرت لا بد أن تصلي الفجر قضاءً، ثم تصلي الصلوات، فتستحضرها وتستقدمها بين يديها، والدليل على ذلك:

أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة)، مفهوم المخالفة: إذا لم تدرك ركعة كاملة لا يلزمها الصلاة؛ لأنه قال: إذا أدركت ركعة كاملة لزمتها الصلاة، أي: الصلاة التي فيها هذه الركعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أدرك ركعة من صلاة العصر قبل غروب الشمس فقد أدرك الصلاة، ومن أدرك ركعة من صلاة الفجر قبل طلوع الشمس فقد أدرك الصلاة).

فهذه دلالة واضحة على أن الركعة التي أدركتها تدرك بها الصلاة، ويلزمها قضاء هذه الصلاة، ويكون هذا الحكم مستثنى من الحكم العام الذي حرم عليها القضاء، فإذا لحقت مقدار ركعة واحدة وهي طاهرة ثم حاضت، فعليها قضاء هذه الصلاة.

المسألة الثانية: إذا أدركت ركعة من وقت العصر فهل يجب عليها صلاة الظهر مع العصر أم لا؟

أي: أن امرأة أدركت صلاة العصر وهي حائض، ثم طهرت وقت صلاة العصر فهل تأتي بالظهر والعصر؟ أم تأتي بالعصر فقط؟

اختلف العلماء في ذلك على قولين:

القول الأول: أنها تأتي بالعصر والظهر معاً، وأيضاً: إذا طهرت وقت صلاة العشاء فعليها المغرب والعشاء، وإذا طهرت وقت الفجر فعليها الفجر فقط، وهذا قول جمهور أهل العلم من الشافعية والحنابلة.

وأدلتهم في ذلك: حديث ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه، ونقل أيضاً بسند صحيح عن عبد الرحمن بن عوف أنهما قالا: في الحائض تطهر قبل طلوع الفجر بركعة: تصلي المغرب والعشاء، وإذا طهرت قبل غروب الشمس صلت الظهر والعصر جميعاً، والعلة عندهم في ذلك: أن وقت الثانية وقت للأولى في حالة العذر.

وذلك إذا سافر المرء، فله أن يجمع بين الظهر والعصر جمع تأخير، وهذا على الراجح من أقوال أهل العلم، وله أن يجمع بين المغرب والعشاء جمع تأخير في وقت العشاء، وله في المطر أن يفعل ذلك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم: (جمع بين المغرب والعشاء -كما في صحيح البخاري - من غير سفر ولا مطر، قالوا: يا ابن عباس ! لم؟ قال: أراد ألا يحرج أمته، أو لا يحرج على أمته).

فالصحيح الراجح في ذلك: التعليل: أن وقت العصر وقت للظهر عند الضرورة، وهي في ضرورة إذا كانت حائضاً، فإذا طهرت العصر عليها أن تصلي الظهر، وأيضاً: إذا طهرت العشاء عليها أن تصلي المغرب مع العشاء.

القول الثاني: قول بعض المالكية والأحناف، قالوا: لا تصلي إلا الصلاة التي أدركتها، أي: أنها إذا طهرت في صلاة العصر فليس عليها إلا العصر، وإذا طهرت في العشاء فليس عليها إلا العشاء، وهذا هو الراجح الصحيح، والأدلة على ذلك:

أولاً: البراءة الأصلية، وذلك أنها عندما كانت حائضاً حرم الله عليها الصلاة، فوقت الظهر كانت حائضاً فيحرم أن تصلي، وطهرت وقت العصر فليس عليها إلا الوقت الذي طهرت فيه، وهو صلاة العصر، والأصل أن الذمة غير مشغولة بأي عبادة حتى يأتي دليل من النبي صلى الله عليه وسلم يدل على وجوب هذه العبادة، ولم يأت بذلك دليل، وقد أسقط الشرع عنها الصلاة حين حيضها، ثم أمرها حين الطهر، فحين الطهر وجب عليها أداء هذه الصلاة التي طهرت في وقتها فقط.

ثانياً: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من العصر قبل أن تغرب الشمس فقد أدرك العصر) .

وجه الدلالة: أنه لم يقل: أدرك الظهر والعصر، بل قال: (من أدرك ركعة من العصر فقد أدرك العصر). ووجه الدلالة من الحديث العموم؛ لأنه قال: من أدرك، و(من): من الأسماء المبهمة التي تدل على العموم، بمعنى: من أدرك ركعة من العصر فقد أدرك العصر، أي: من أدرك ركعة من العصر، سواء كان رجلاً أو شيخاً أو شاباً صغيراً أو امرأة طاهرة أو حائض، نزل تحت عموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة من العصر فقد أدرك العصر)، ولم يذكر الظهر مع العصر، فإذا أدركت ركعة من العصر ليس عليها إلا العصر بنص كلام النبي صلى الله عليه وسلم.

أما الرد على من استدل بقول ابن عباس فنقول: قول ابن عباس قد خالف قول النبي صلى الله عليه وسلم فلا نأخذ به، وقد قال ابن عباس: أوشكت السماء أن تمطر عليكم حجارة، أقول لكم قال رسول الله وتقولون قال أبو بكر وعمر.

إذاً: إذا خالف ابن عباس النبي صلى الله عليه وسلم فإنا نأخذ بقول النبي صلى الله عليه وسلم، ولا نأخذ بقول ابن عباس .

أيضاً: قياس ابن عباس على الضرورة قياس فاسد الاعتبار؛ لأنه صادم نصاً، وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: (من أدرك ركعة) و(من): للعموم، فيدخل فيه المرأة التي طهرت، وهذا هو الراجح والصحيح.

أيضاً: يلحق بذلك ما لو سمعت بالسجدة، فلا يجوز لها السجود.

وأيضاً: سجود الشكر لا بد فيه أن تكون على طهارة.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , رسالة إلى كل امرأة تيسير أحكام الحيض - أحكام النفاس - وأحكام تتعلق بالحيض وهي الصلاة والصوم للشيخ : محمد حسن عبد الغفار

https://audio.islamweb.net