إسلام ويب

اتفق العقلاء في الكون أن هناك تغايراً وتبايناً بين الرجل والمرأة وإن قال بغير ذلك أصحاب الفطر المنكوسة، ولأن الشرع عام فقد راعى الفروق بين الرجل والمرأة، فشرع أحكاماً عامة للرجال والنساء، وشرع أحكاماً أخرى وجعلها للرجال خاصة وأخرى خصها بالنساء، وحاشا أن يكون ذلك عبثاً؛ بل إنه عين الحكمة والرحمة، ومراعاة للفطر والاستعدادات المختلفة بين الجنسين التي لا يجحدها إلا معاند جاهل، زاغ قلبه عن الحق فاتبع هواه.

أحكام انفرد بها النساء عن الرجال

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا, من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

ثم أما بعد:

فقد سئل ابن عيينة : من أحوج الناس للعلم؟ قال: العالم. فكانت وجهة نظر ابن عيينة أن خطأ العالم وزلته أقبح وأفحش من خطأ العامي وزلته, فقال: أحوج الناس إلى طلب العلم العالم، وهذا الذي سطره الحافظ ابن حجر في الفتح فقال: لا يزال العالم عالماً ما جد في الطلب، وهذا كان دأب سلفنا الصالح، إذ ما كان أحدهم يكتفي من العلم بحال من الأحوال, وقد وصل بهم التنافس إلى أن زعم البعض أن البخاري يأخذ دواء عدم النسيان، فلما سئل عن ذلك قال: أنا لا آخذ دواءً إنما هي كثرة المطالعة وشدة النهم.

فطالب العلم لا ينفك عن القراءة أو عن السماع أو عن المدارسة أو عن المذاكرة، إما مع شيخ أو مع قرين أو مع تلميذ، فحياة طالب العلم ودأبه أن يبيت في علم ويقوم في علم، فهو يعلم أن الدنيا بلا علم لا تساوي شيئاً، إذ الإنسان لا يعبد ربه جل في علاه إلا بالعلم بل بإتقان العلم، نسأل الله جل في علاه أن يجعلنا من طلبة العلم الذين يجدون في الطلب.

وسنتكلم في طيات هذه الوريقات عن هذا البحث المتواضع بحث: أحكام انفرد بها النساء عن الرجال، وسنتناول إن شاء الله لبس الحرير والذهب، كما سنتناول حكم افتراش الحرير وأقوال أهل العلم في حكم بيع سجاد الحرير وغير ذلك مما يمكن أن يتعلق بالنساء.

الأصل في الأحكام العموم

معلوم أن الأصل في التشريع العموم، فالله جل في علاه خلق الخلق وهداهم هداية عامة وهداية خاصة وهداية أخص, فالهداية العامة كهداية الرجل كيف يأتي أهله، وهدايته كيف يتعايش في هذه الدنيا, أما الهداية الخاصة فهي هداية الدلالة والبيان، إذ أن الله خلق الخلق وبين لهم طريق الخير وشرع لهم الشرائع، والأصل في الأحكام التي تصدر عن الخالق جل في علاه أن تكون أحكاماً عامةً وليست خاصة، فلا تختص بعين ولا برجل ولا بامرأة ولا بطفل ولا بغيره, بل إنها تعم كل المكلفين. وأدل الأدلة على ذلك ما يستدل به دائماً: قول الله تعالى: يا أيها النَّبِيُّ [الطلاق:1]، فمع أنه يخاطب ذات النبي إلا أنه يعمم في الأحكام، فيقول: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ [الطلاق:1]، بلفظ الجمع فعمم الخطاب للأمة، وبذلك علم أن الأصل في التشريع: أن الأحكام على العموم تشمل النساء كما تشمل الرجال فلا خصوص لأحدهما دون الآخر، وقد قعد العلماء قاعدة مهمة لا تنفك عن طالب العلم، ولا يمكن أن يتركها أو أن يحيد عنها بل لا بد أن يتقنها، ألا وهي: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، وهذه تدل على سعة الشريعة كما تدل على أن الأحكام على العموم؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. فهذا أوس بن الصامت نزلت فيه آية الظهار، والظهار هو: أن يقول الرجل لامرأته: أنت علي كظهر أمي. وآية الظهار هي: قوله تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ فهذه المرأة وهي خولة جاءت تشتكي للنبي صلى الله عليه وسلم أن زوجها قال لها: أنت علي كظهر أمي، وكان هذا الكلام في الجاهلية بمثابة الطلاق، وبينما هي تشتكي أنزل الله تعالى: قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ [المجادلة:1]، فهذه الآيات لم يقل أحد من المسلمين أنها خاصة بـأوس فقط أو بصخر فقط أو بفلان فقط, بل هي عامة لكل مسلم، فعلى كل من ظاهر امرأته ويريد الرجوع الكفارة؛ لأنه قد أتى منكراً من القول وزوراً, وبذلك علم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ومثل ذلك أيضاً ما حدث لـهلال بن أمية كما جاء في الصحيح أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأل عن الرجل إذا رأى على امرأته رجلاً ماذا يفعل؟ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: (البينة أو حد في ظهرك) وهو يعاود وينكر ذلك في نفسه حتى قال: إن الله جل في علاه سيظهر براءتي أو يظهر ما أنا فيه، فأنزل الله آية اللعان، ومع أنها نزلت في هلال بن أمية إلا أنه لم يقل أحد من العامة أو الخاصة أن هذه الآية تخص هلالاً فقط، بل هي عامة لكل من يلاعن امرأته، فتأكد أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم قد فهمنا وعلمنا الأخذ بهذه القاعدة قولاً وفعلاً، أما القول: فقد جاء في صحيح البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه وأرضاه قال: (جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله! طهرني! أقم علي الحد! إني قبلت امرأة -وفي رواية في السنن- قال: أتيت من المرأة ما يأتي الزوج من زوجه إلا الوطء -أي: الجماع، فسكت النبي صلى الله عليه وسلم ينتظر الوحي ثم صلى, فصلى الرجل مع النبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عليه آيات كريمات فسأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الرجل فقال النبي صلى الله عليه وسلم! صليت معنا؟ فقال: نعم! فقال النبي صلى الله عليه وسلم قارئاً له هذه الآية العظيمة) : وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفِيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السيئات هود:114]، والشاهد هنا أن النبي صلى الله عليه وسلم علمنا أن نأخذ العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب بالقول، فقال له الرجل: يا رسول الله! لي خاصة -يعني: هذا خاص بي، فإني لما فعلت ذلك أنزل الله جل وعلا في ذلك وهو أني لو صليت فإن الحسنات تذهب السيئات، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم -وهي قاعدة عامة لكل المكلفين- قال: (بل لأمتي عامة) فبينما نزلت الآية في هذا الرجل خاصة إلا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب وهذا من ناحية القول، أما الفعل: فقد جاء في الصحيح وفي غيره أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب زائراً لـفاطمة رضي الله عنها وأرضاها وعلي بن أبي طالب فكانا نائمين فقال لهما النبي صلى الله عليه وسلم: ألا تصليان في الليل، فقال علي بن أبي طالب : يارسول الله! إن أنفسنا بيد الله فإن شاء بعثنا وإن شاء لم يبعثنا، فولى النبي صلى الله عليه وسلم ظهره له وضرب على فخذه وقرأ قول الله تعالى: وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا [الكهف:54] فدل فعل النبي صلى الله عليه وسلم وهو أفهم الناس وأعلم الناس بمراد رب الناس إذ هو رسول رب الناس إلى الناس صلى الله عليه وسلم: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، ووجه الدلالة في هذه الآية: أنها جاءت بعد قوله تعالى: مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا * وَيَوْمَ يَقُولُ نَادُوا شُرَكَائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ مَوْبِقًا * وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا وَلَمْ يَجِدُوا عَنْهَا مَصْرِفًا [الكهف:52-53]، فالسياق في الآيات يتحدث عن الكفار، إذ أنها نزلت فيهم فلو كانت العبرة بخصوص السبب لم يصح الاحتجاج بها إلا على كل مجادل يخاصم في توحيد الله جل في علاه، لكن لما كانت العبرة بعموم اللفظ خاطب النبي صلى الله عليه وسلم علياً بها واحتج عليه بها، وهو سيد الموحدين ورابع الخلفاء الراشدين، وبذلك يعلمنا النبي صلى الله عليه وسلم أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب, فبالرغم أن علياً موحد والآية نزلت في الكفار إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم يعمم مفهوم الآية ويقول لـعلي بن أبي طالب ما معناه: تجادلني في ذلك، نعم! الأرواح بيد الله، وهذا قضاء، فلم تحتج بالقضاء؟ ولو أخذت بالسبب في القيام فقلت لأحد من أهلك أن يوقظك في الليل حتى تصلي, وكأنه لما جادل علي بن أبي طالب النبي صلى الله عليه وسلم وقال: أرواحنا بيد الله فرد عليه النبي صلى الله عليه وسلم وَكَانَ الإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا [الكهف:54] اعتبر ذلك تأويلاً من النبي صلى الله عليه وسلم لهذا القرآن على أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

إذاً: فالأحكام نزلت عامة تعم كل المكلفين، وعلى ذلك جماهير الأصوليين والعلماء والأئمة الأربعة يقولون: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.

اعتراض والرد عليه

وقد يعترض معترض على هذه القاعدة بما جاء في الصحيح: أن سالماً كان رجلاً كبيراً فتياً لما نزلت آية الحجاب وكان يدخل منزل أبي حذيفة وقد تقع عينه على زوجته فجاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم تشتكي وتقول: كان يدخل علينا في الحر الشديد وأرى التغير في وجه أبي حذيفة فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (أرضعيه يحرم عليك) سبق وأن تكلمنا: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، فالأحكام لا تنزل للأعيان والأشخاص فتختص بهم، بل هي عامة لجميع المكلفين وقول النبي صلى الله عليه وسلم لامرأة أبي حذيفة : (أرضعيه يحرم عليك) يستدل به على التأصيل الصحيح: أن كل إنسان يستطيع أن يرضع من امرأة فيكون محرماً لها، لكن أهل العلم ومنهم الأئمة الأربعة وجماهير الفقهاء والأصوليين قالوا: هذه حالة خاصة لـسالم ولا تعمم على غيره، وحكي هذا القول عن كثير من الصحابة، بل كل نساء النبي صلى الله عليه وسلم قلن بأن هذه حالة خاصة سوى عائشة رضي الله عنها وأرضاها.

فالأصل: أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب، والأحكام على العموم إلا أن تأتي أدلة تثبت الخصوص، ومثال ما يوضح ذلك ما جاء في قول الله تعالى: يا أيها النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النساء فإنه عمم أولاً ثم لما أراد التخصيص أتى بدليل مستقل يدل على التخصيص فقال تعالى: وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ [الأحزاب:50]، فلما أراد التخصيص صرح بقوله: خالصة، فكانت بمثابة الدليل المستقل؛ لأن الأصل الذي دلت عليه الأدلة: أن الأحكام كلها على العموم, فدل ذلك على أن التشريع يكون على العموم مالم تدل الأدلة على التخصيص، وفي حديث سالم ودخوله على امرأة أبي حذيفة قرائن وأدلة دلت على أن هذه حالة خاصة لـسالم ومن تلك القرائن التي تدل على ذلك: حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا رضاع إلا في الحولين) وهذا أسلوب حصر, يفيد أن الرضاع المحرم يكون في الحولين فقط، فالنفي والإثبات يفيد الحصر، وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: (الرضاعة من المجاعة) فهذه دلالات تثبت أن حالة سالم حالة خاصة وهي الإجابة التي أجابها الأئمة الأربعة على الاعتراض بحديث سالم وبذلك تأكد أن الأصل في الأحكام: العموم وليس التخصيص, إلا أن الله قد خص النساء ببعض أحكام لم يشارك الرجال النساء فيها.

معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم ( النساء شقائق الرجال )

أما ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم في سنن أبي داود بسند صحيح قوله: (النساء شقائق الرجال)، أي: في الأحكام، فهو يريد أن الله ما شرع حكماً للرجال إلا وأنزل تحته النساء, ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : (أيما رجل أدركته الصلاة فليصل) فلا يعني: أن المرأة لا تصلي إلا في المسجد أو مصلاها المعهود، وأن الرجل إذا أدركته الصلاة في أي أرض صلى، فهذا المفهوم غير مراد في الحديث، بل هذا على سبيل التمثيل أو التغليب؛ لأن السفر وقطع الفيافي من الرجال وليس من النساء، فالمعنى: أيما امرأة أيضاً ادركتها الصلاة في أي مكان فلها أن تتيمم ولها أن تصلي فقد جعلت لها الأرض مسجداً وطهوراً, فبذلك علم أن الأحكام على العموم إلا أن الله خص النساء ببعض الأحكام ومنها: لبس الحرير والذهب:

نسخ جواز لبس الذهب والحرير بالنسبة للرجال

ومعلوم أن الذهب كان حلالاً ثم نسخ حله بالنسبة للرجال، وهذا هو الأصل في كل لباس، والدليل على ذلك قول الله تعالى: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ [الأعراف:32]، فكان كل لباس حلالاً حريراً كان أو فضة أو ذهباً مالم يدل الدليل على التحريم كما دل الدليل على تحريم الذهب، وقد جاء التحريم مطلقاً ثم خصص النبي صلى الله عليه وسلم بالتحريم الرجال، كما في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن خاتم الذهب) يفسره حديث مسلم عن ابن عباس رضي الله عنه وأرضاه قال: (رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً وفي يده خاتم من ذهب فأخذه فنزعه من أصبعه فطرحه ثم قال: يعمد أحدكم إلى جمرة من نار فيجعلها في أصبعه أو في يده فطرحه في الأرض ومشى, فقال الناس: التقط وانتفع به) أي: خذه فبعه أو أعطه لامرأتك وانتفع به! فقال: لا والله لا آخذ شيئاً طرحه رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذاً: فهذه دلالات تبين لنا تحريم الذهب على الرجال، ومثله الحرير: فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما أشار عليه عمر بن الخطاب أن يشتري ثوباً من حرير يقابل به الوفود قال: (هذا ثوب أو لباس من لا خلاق له) في الآخرة, ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم جاءته حلة سيراء هدية فأهداها لـعمر فبكى عمر فذهب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: تهديني هذا وقد قلت ما قلته في هذا الزي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (أعطيتكها لا لتلبسها بل لتجعلها في نسائك أو تهديها) فأهداها عمر لأخ له مشرك في مكة, وجاء أيضاً عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الحرير والجلوس عليه)، وقد ورد في حديث آخر (عن علي بن أبي طالب أنه قال: نهاني رسول صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير) ومثله أيضاً حديث حذيفة رضي الله عنه: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن لبس الحرير) فهذه أدلة واضحة جداً في تحريم الذهب والحرير على الرجال والنساء؛ لأن الأصل في الأحكام العموم، إلا أنه جاءنا الدليل الذي جعلنا نحيد عن هذا التأصيل: وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم خصص النساء من أحكام الرجال، كما صح عنه صلى الله عليه وسلم: (أنه أخذ الذهب بيده والحرير بيده وقال هذان حرام على ذكور أمتي حلال على إناثها) وهذا تصريح بالتخصيص، وبما أن النبي صلى الله عليه وسلم خصص هذا الحكم فقد دل على أن النساء يحل لهن أن يرتدين الحرير من الثياب كما يحل لهن أن يرتدين الذهب كيف شئن، لكن بقيد وهو ألا تظهر هذه الزينة للأجانب؛ لأن الله جل في علاه يقول: (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ [النور:31]، فلها أن تتحلى بالحلي لزوجها فتمتع زوجها بالنظر إليها بما ترتدي من الثياب إلّم يكن فيها بغي أو أشر وبطر.

تخصيص المرأة بجواز لبس الحرير والتحلي بالذهب من حكمته تعالى ورحمته

وتخصيص المرأة بذلك دون الرجال من حكمة الله تعالى ورحمته بها؛ لأن النساء فيهن النقص ويكمل النقص بهذه الزينة، ولذا نرى كثيراً من المتزوجين إن اقترضوا فلا يقترضوا في الغالب إلا لشراء المساحيق وأدوات الزينة التي تطالب بها الزوجات، إذ المرأة تهتم كثيراً بزينتها، ولذا نبه النبي صلى الله عليه وسلم على أنهن ناقصات فقال: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين منكن) وقال تعالى: أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ [الزخرف:18]، لكن الرجل لا يحتاج لهذا، فلا تجد رجلاً يحب أن يضع الروج على فمه، أو أن يرتدي سلسلة في رقبته كأصحاب الفطر المبدلة أو يضع الأسورة في يده, وإن كان يتمنى أن يكون وسيم امرأته لكن لا يحتاج إلى كل هذه الكماليات, فكان من حكمة الله ورحمته بالمرأة -وهي الكائن الضعيف- أن أباح لها الحلي والزينة وفتح لها المجال لتتحلى لزوجها بشرط ألا تبدي هذه الزينة للأجانب.

وبعد أن بينا تلك القواعد والأحكام حق لنا أن نشرع في تفصيل ما صدرنا به هذا البحث من الوعد بأننا سنتحدث عن مسألتين:

مسائل خالف فيها الرجال النساء

المسألة الأولى: لبس الذهب للنساء.

والثانية: افتراش الحرير واتخاذه سجاداً أو فرش البيت منه أو اتخاذه كستائر فهل يجوز ذلك كله أم لا؟

لبس الذهب المحلق وغير المحلق

اختلف العلماء في لبس الذهب بالنسبة للمرأة على قولين:

القول الأول

يجوز للمرأة أن تلبس الحلي من الذهب مطلقاً محلق وغير محلق, ......أسورة كان أو سلسلة، وهذا هو قول الجمهور, واحتجوا على ذلك بعموم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (هذا حرام على ذكور أمتي حلال على إناثها) وهذا على العموم، كما احتجوا بالأصل إذ الأصل في الأشياء: التحليل لا التحريم ما لم يأت دليل صريح صحيح ينقلنا عن هذا الأصل.

القول الثاني وأدلته

وخالف في ذلك بعض أهل العلم كمحدث الدنيا من جدد لهذه الأمة دينها: الشيخ الألباني رحمة الله عليه، ذلك الجبل الذي كان من أساطين أهل العلم, وقد شرفنا الله بأن نعيش في زمان فيه هذا الشيخ رحمة الله عليه رحمة واسعة ومتع بعلومه ونفع الناس بها، فقال رحمه الله:

يحرم الذهب على النساء سواء كان أسورة- أو حلقاً- أو خلخالاً، فلا يجوز للمرأة أن تتمتع به أو تتحلى به, وأستدل على ذلك بأدلة كثيرة من السنن -وهو من هو في الحديث- ولما كان يعلم أن الأصل: هو الحل, فقد نبه على الأدلة التي تنقل عن هذا الأصل إلى التحريم, فاستدل بما روى أبو داود وأحمد : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من أحب أن يحلق حبيبه بحلقة من نار فليحلقه حلقة من ذهب, ومن أحب أن يطوق حبيبه طوقاً من نار فليطوقه طوقاً من ذهب) ووجه الدلالة: قوله: حبيبه، فإنها على العموم وإن كان أصل وضع اللفظ للذكر حبيبه، إلا أن الأحكام تكون على العموم، كما استدل أيضاً بما جاء في السنن: (من أن بنت هبيرة جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وفي يدها فتخ -خواتيم كبار- فنظر النبي صلى الله عليه وسلم لهذه الخواتيم فقال لها: يسرك أن يسورك الله بسوار من نار! أو قال بخاتم من نار!) ففيه دلالة واضحة عنده أنها تُحلَق أو تطوق من نار بهذا الخاتم الذي لبسته, واستدل أيضاً بحديث آخر: (عن أم سلمة رضي الله عنها وأرضاها, أنها كانت ترتدي شعائر من ذهب فشد عليها النبي صلى الله عليه وسلم وأعرض عنها, فسألته عن إعراضه فقال: من أجل هذه الزينة) أي: أنه أعرض عنها من أجل سلسلة الزينة التي في رقبتها, فالشيخ يرى: أن هذا الإعراض من النبي لأنها تحلقت بحلقة من ذهب.

القول الراجح وأدلته

هذه هي جل الأدلة التي استدل بها الشيخ الألباني رحمه الله تعالى، والقول الصحيح في ذلك: هو قول عامة أهل العلم، وكل يؤخذ من قوله ويرد والله أعلم بالصواب ولكل مجتهد نصيب، ليس نصيباً من الحق بل نصيباً من الأجر، إذ أن الحق واحد عند الله لا يتعدد؛ لأن الله جل وعلا قال: (فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلالُ [يونس:32]، فالصحيح: أن الحق واحد لا يتعدد لكن كل له نصيب من اجتهاده، فالصحيح والله أعلم هو قول الجمهور: وأنه يجوز للمرأة أن تلبس من الحلي المحلق وغير المحلق ما تتزين به، فقد أباحه الشرع لها والدليل على ذلك: هو عموم قوله صلى الله عليه وسلم (هذان حلال لنساء أمتي, حرام على ذكورها)، ويؤيد ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه (أن النبي صلى الله عليه وسلم كان عندما يخطب في الناس خطبة العيد يفرد النساء بخطبة لهن؛ لأن الصوت لا يذهب إليهن؛ لأنهن كن يبتعدن عن الرجال أدباً منهن, فيذهب النبي صلى الله عليه وسلم لهن خاصة فيخطب خطبة خاصة بالنساء, فكان يعظهن ويذكرهن، ثم أمرهن النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدقن: فقال: تصدقن فإني رأيتكن أكثر أهل النار) فأمرهن بالصدقة فكانت المرأة تعطي السلسلة والخواتيم وتضعها في ثوب بلال، وهذا دليل واضح جداً على إقرار النبي صلى الله عليه وسلم، فإن المرأة أنها كانت ترتدي الخرص وترتدي الخاتم وترتدي الأسورة, ولا يرد علينا فيقال: إنها كانت تقتنيها في ثوبها ولا ترتديها فهذا بعيد جداً, إذ أن غالب النساء إن كان معهن هذا الذهب فلا يكون إلا ارتداءاً فهذا الظاهر, وغيره غير ظاهر, فالصحيح: أن حديث إقرار النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك يدل على أنه يجوز للمرأة أن ترتدي هذا الحلي سواءً كان محلقاً أوغير محلق, وهذا الراجح الذي لا محيد عنه.

الرد على أدلة القول الثاني

أما الرد على الأدلة التي استدل بها الشيخ الفاضل الجليل الجبل الشيخ الألباني رحمة الله رحمة واسعة وجعله مع رفقة النبيين والصديقين والصالحين والشهداء, ورفع الله مقامة وذكره، فكان أول حديث من الأحاديث التي استدل بها حديث: (من أن أراد أن يحلق حبيبه) ووجه الدلالة الأول: أن اللفظ وضع للذكر لا للأنثى, فإن رد علينا وقال: الأصل العموم، قلنا: جاءت الأدلة والقرائن التي تثبت أن المقصود هو: التحريم على الرجال, فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (حرام على ذكور أمتي) فالمعنى: أنه إنما يحلق حلقة من نار إذا كان ذكراً، ويتضح ذلك إذا عملنا بما قعد لنا الإمام البخاري في فهم أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم: بألا نأخذ الحديث منفرداً, ولكن نجمع الأحاديث التي تتحدث عن المسئلة جميعها فيتبين المعنى المراد من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ففي حديث مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي لبس خاتماً من ذهب (أيعمد أحدكم إلى جمرة من نار) فهذه دلالة واضحة: أن الله يحلقه بحلقة من نار إن كان ذكراً.

الوجه الثاني: أن هذا الدليل يعتريه ما يعتريه من الاحتمالات, إذ هو يحتمل أن تدخل تحت اللفظ النساء، ويحتمل ألا تدخل، والقرينة الفاصلة المحكمة: أن النبي صلى الله عليه وسلم عمم، وهذا الحديث لا يصح أن يخصص عموم قوله: (كل الذهب حلال لنساء أمتي) وأيضاً حديث مسلم كن يتصدقن بالخاتم وبالأسورة، فكن يلبسن ذلك، على عصر النبي ويقر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك أما الرد على الحديث الثاني الذي استدل به الشيخ وهو حديث بنت هبيرة حيث قال لها لما رأى بيدها السوارين: (أيسرك أن يسورك الله جل في علاه بسوارين من نار) فهذا الحديث محتمل أيضاً، فيحتمل أن يكون من أجل الحلقة من الذهب كما يحتمل أن يكون هذا الزجر لأمر آخر، ومعلوم أنه إذا اعترى الحديث الاحتمالات فلا يقال: نحكم الهوى, فالهوى يرجح لنا الصحيح -أعوذ بالله- بل يتتبع العلم.

العلم قال الله قال رسوله قال الصحابة ليس بالتمويه

والعلم نصبك للخلاف سفاهة بين الرسول وبين قول فقيه

ولذا نحكم أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم فهي التي تفسر لنا ما أبهم، وتفصل لنا ما أُجمل، فقد جاء في المسند بسند صحيح عن أسماء بنت يزيد وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم: (دخلت عليه امرأة ومعها ابنة وفي يدها أساور من ذهب فقال لها: يسرك أن يسورك الله بهما سوارين من نار، قالت: علام يا رسول الله؟ فقال: أديتي زكاة هذا؟)وفي الرواية تقديم وتأخير: إذ في رواية أخرى: (أنه لما رأى الأسورة ما أنكر لبسها، لكنه قال: أديتي زكاة هذا؟ قالت: لا, فقال: تريدين أن يسورك الله بسوارين من نار), ففي الرواية الأولى قال: يسورها بسوار من نار أو خاتم من نار, وفي الحديث الثاني في نفس السياق قال: يسورك بسوار من نار, فأخفيت العلة في الحديث الأول وظهر في الحديث الثاني تفسيرها حيث قال: أديتي زكاة هذا؟ فإذاً: التقدير في الحديث الأول -حديث بنت هبيرة - أن يقال: كأنه صلى الله عليه وسلم يقول لها: أديتي زكاة ذلك؟ قالت: لا , قال: إذاً يلبسك الله خاتماً من نار يوم القيامة, فهذا الحديث ظاهر جدًا في تفسير الحديث الأول؛ إذ أنه في حديث بنت هبيرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم زجرها أشد الزجر؛ لأنها لم تؤد الزكاة ولم يذكر التحلي ولا حرمه لا من قريب ولا من بعيد، وعلى ذلك فإنها ما استوجبت النار من أجل الأسورة لأنها من الذهب بل لأنها لم تؤد الزكاة, كما أن حديث عمرو بن شعيب بنفس اللفظ، فقد قال فيه: (تريدين أن يسورك الله بسوارين من نار، أديتي زكاة هذا؟) ومثل ذلك يقال في حديث أم سلمة وعليه يرد بنفس الرد، ففي حديث أم سلمة : أنها كانت ترتدي هذه السلسة, -وإن قلنا: إنها بلغت النصاب أو لم تبلغ النصاب- فهذا التفصيل الفقهي ليس موضعه الآن، وما يهمنا أن النبي صلى الله عليه وسلم علل أن هذا العقاب مقيد بالزكاة, فإنها إن أدت الزكاة فلا عقاب وإن لم تؤدها لزم العقاب, وبذلك تبين أن هذه الأحاديث وإن كانت محتملة لكنها بعيدة جداً، وسياق الأحاديث يدل على أن العقاب والزجر ليس من أجل التحليق ولكنه من أجل الزكاة, وبذلك تسلم أدلة عامة أهل العلم بأن المرأة يجوز لها أن ترتدي السلسلة أو الأسورة أو الخاتم ذهباً كان أو غيره.

افتراش الحرير

معلوم أن الله قد أحل للنساء الحرير، فهل يجوز للمرأة أن تشتري الفراش الوثير من الحرير؟ وأن تفترش سجاد الحرير؟ وأن تستخدم الحرير استخداماً مطلقاً كما أنه حل لها أم لا؟ هذه المسألة وعرة قد اختلف العلماء فيها على أقوال ثلاثة:

القول الأول وأدلته

القول الأول: هو قول جماهير أهل العلم من الشافعية والمالكية والحنابلة فقالوا: لا يجوز للمرأة استخدام الحرير فراشاً كما أنه لا يجوز ذلك للرجل من باب أولى، وقال جمهور أهل العلم: إنما نخص النساء بلبس الحرير جوازاً, أما افتراش الحرير فلا يجوز لا للرجال ولا للنساء، والأدلة على ذلك عندهم حديث حذيفة وهو رأس الأمر عندهم، ففي الصحيح: أن حذيفة رضي الله عنه وأرضاه قال: (نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن نشرب من آنية الذهب والفضة وعن لبس الحرير وأن نجلس عليه) وموطن الدلالة قوله: وأن نلبس الحرير، وقد تقدم أن تحريم لبس الحرير للرجال خاصة, ثم قال: وأن نجلس عليه, فظاهر هذا التصريح يدل على: حرمة الجلوس على الحرير وافتراشه، أيضاً: قد ورد عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه أنه قال: نهاني النبي صلى الله عليه وسلم أن أضع الخاتم في هذا الأصبع والذي يليه ونهاني أن ألبس الحرير وأن أجلس على المياثر، وهناك روايات عن معاوية وأخرى عن علي بن أبي طالب كما في السنن: (أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ركوب جلد النمار) وركوب جلد النمار يعني: افتراشها، فهذه أدلة للجمهور توضح حرمة استعمال الحرير كافتراش أو كفرش يمكن للإنسان أن يجلس عليه.

القول الثاني وأدلته

القول الثاني: وهو قول الأحناف فقالوا: يجوز للرجال والنساء افتراش الحرير، واستدلوا على ذلك بنفس أحاديث النهي، وأحاديث النهي جاء فيها: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن لبس الحرير، فقالوا: قد نهى النبي عن لبس الحرير فيجوز الافتراش، إذ أن الافتراش غير اللبس, واللبس هو المنهي عنه، كما أن الأصل عندنا الجواز مالم يأت ناقل ينقلنا عنه إلى غيره ولا ناقل، ووافقهم في ذلك بعض الشافعية وبعض المالكية.

القول الثالث وأدلته

القول الثالث: قول الشافعية فقالوا: يجوز للنساء خاصة افتراش الحديد، واستدلوا بنفس الأدلة السابقة فاستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (هذان حلال لإناث أمتي حرام على ذكورها) وهم يعرفون أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى أن يجلس المرء على المياثر، ووجهة نظر الشافعية في ذلك أنهم قالوا: لما أحل الله لبس الحرير للنساء وحرمه على الرجال، علمنا أن النبي قد فرق في الأحكام بين النساء والرجال، وعندنا أن الأصل: الحل في اللبس وفي الافتراش, ويضم إليه أن النبي صلى الله عليه وسلم فرق في الحكم بين المرأة وبين الرجل، فما جاء من قول النبي صلى الله عليه وسلم: حلال لأمتي عموم يجعلنا نقول: يحل للنساء استعمال الحرير مطلقاً ويبقى العام على عمومه ولم يأت دليل يخصصه، فإن قيل: فما تقولون في حديث حذيفة (نهانا أن نجلس عليه) قالوا: حديث حذيفة المقصود به الخصوص, فهو عام يراد به الخصوص؛ لتفريق النبي في الأحكام بين الرجال وبين النساء، وهذا الوجه من القوة بمكان, ولولا الحيطة لقلت بهذا القول؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أباح للمرأة لبس الحرير، والأصل يعضده فيبقى العام على عمومه.

القول الراجح ومناقشة الأدلة

والصحيح الراجح: هو القول الأول: وهو قول الجمهور: أنه يحرم افتراش الحرير للنساء وإن خصت النساء بالحل في لبس الحرير، وبيان صحة هذا القول يرد على ما عداه من الأقوال، أما قول الأحناف فالرد عليه من وجهين:

الوجه الأول: تصريح حديث حذيفة حيث قال: وأن نجلس عليه، وهذا حديث صريح صحيح إذ أنه في مسلم فقد صرح بالنهي عن الجلوس عليه.

الوجه الثاني: أن الافتراش يسمى لبساً، والدليل على ذلك حديث في الصحيح عن أنس رضي الله عنه وأرضاه أنه لما ذهب يصلي وصفّ معه الغلام وخلفه العجوز قال: فقمت إلى حصير قد اسود من طول اللبس, فقوله: طول اللبس، فيه دلالة على: أن اللبس يطلق على الافتراش، قال العلماء: وكل شيءٍ لبسه بحسبه، فهذا بالمكوث والآخر بالارتداء وغيره بالنوم وهكذا، أما قول الشافعية -مع أنه من الوجاهة بمكان- فيقال: سلمنا لكم في التفريق لأنه من حيث النظر قوي جداً، لكن القاعدة عندنا: أنه إذا اجتمع حاظر مع مبيح جاءت إباحته من النظر، كما أن هناك قاعدة أخرى تؤكد ذلك وهي: أن الوسائل لها أحكام المقاصد، فإن استخدام المرأة لهذا الحرير فراشاً سيكون وسيلة لاستخدام الرجل أيضاً، لأن الغالب ألا يخلو بيت من رجال، وبما أن الوسيلة ستؤدي إلى محرم فهي حرام.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , أحكام انفرد بها النساء عن الرجال - جواز لبس الحرير والذهب للشيخ : محمد حسن عبد الغفار

https://audio.islamweb.net