إسلام ويب

البدل هو التابع المقصود بالحكم بلا واسطة، وهو ينقسم إلى أقسام متعددة، ويجوز إبدال الاسم الظاهر من الظاهر والفعل من الفعل، أما إبدال الظاهر من الضمير فلا يجوز إلا بشروط.

البدل

تعريف البدل

قال رحمه الله تعالى:

[ تابع المقصود بالحكم بلا واسطة هو المسمى بدلا ]

(البدل) معناه: أن يوضع شيء بدل الشيء، فإذا قلت: أبدلت كذا بكذا، فالباء هنا دخلت على المأخوذ، وإذا قلت: استبدلت هذا بهذا فالباء داخلة على المتروك، ومنه قوله: أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْر ٌ البقرة:61] فدخلت الباء على المتروك.

وكثيراً ما يغلط الإنسان في التفريق بين هذا وهذا.

أما البدل في اصطلاح النحويين فيقول رحمه الله:

(التابع المقصود بالحكم بلا واسطة هو المسمى بدلاً)

(البدل) هو التابع، ولابد في الحد أن يكون جامعاً مانعاً.

فـ(التابع) جامع لكنه غير مانع؛ لأننا لو اقتصرنا عليه وقلنا: البدل هو التابع دخل فيه جميع التوابع.

وقوله: (المقصود بالحكم) هذا فصل جامع لكنه غير مانع؛ لأن معناه: أن المتكلم قصد هذا البدل لكن يدخل فيه بقيه التوابع حتى مثلاً إذا قلت: قام زيدٌ الفاضلُ، فالفاضل مقصودة بالحكم لأني أريد أن أبين وصفه بالفضل.

وكذلك أيضاً إذا قلت: قام زيد بل عمرو، فالمقصود بالحكم عمرو، ومع ذلك لا نقول: إن بل عمرو من باب البدل؛ ولهذا أخرجها بقوله: (بلا واسطة).

يعني: أنه لا يكون بواسطة احترازاً مما عطف ببل ، فإنه تابع مقصود بالحكم، لكن بواسطة وهي حرف العطف.

إذاً: فالبدل: هو التابع المقصود بالحكم بلا واسطة، فصار التابع جنساً يشمل جميع التوابع، والمقصود بالحكم فصل يدخل فيه المعطوف بـ(بل).

وبلا واسطة يخرج به المعطوف بـ (بل).

والحكم في الأصل المقصود به حكم المعنى.

قوله: (هو المسمى بدلاً) يعني: هو مسمى عند النحويين.

فالبدل عند النحويين هو: التابع المقصود بالحكم بلا واسطة، مثال ذلك: (رأيت زيداً عمراً) فالمقصود (عمراً) بدون واسطة.

وتقول: نفعني زيد ماله، المقصود الإخبار بأن ماله نفعه.

أنواع البدل

يقول المؤلف:

[ مطابقاً أو بعضاً او ما يشتمل عليه يلفى أو كمعطوف ببل

كزره خالداً وقبله اليداواعرفه حقه وخذ نبلاً مدى ]

فقوله: (مطابقاً) مفعول ثانٍ ليلفى، و(يلفى) بمعنى: يوجد، ومنه قوله تعالى: وَأَلْفَيَا سَيِّدَهَا لَدَى الْبَابِ [يوسف:25] أي: وجدا، (أو بعضاً): معطوف على (مطابقاً)، (أو ما) اسم موصول معطوف على مطابقاً.

(يلفى) فعل مضارع مبني للمجهول، ونائب الفاعل هو المفعول الأول، و(مطابقاً) هو المفعول الثاني، يعني: أنه يلفى مطابقاً أو بعضاً أو ما يشتمل عليه.

(أو كمعطوف بـ(بل يعني: ويلفى أحياناً كمعطوف بـ(بل) وقد سبق أن (بل) تفيد أن الحكم ثابت لما بعدها وساكتة عما قبلها، لكن مع ذلك يقول:

(وذا للاضراب اعز إن قصداً صحب) (وذا) المشار إليه آخر قسم، وهو المعطوف ببل، فينقسم إلى قسمين: تارة يكون للإضراب، وتارة يكون غلطاً ونسياناً، فتبين لنا الآن أن أقسام البدل خمسة أنواع:

أولاً: البدل المطابق، ويسمى بدل الكل من الكل.

ثانياً: بدل بعض من كل، كيده ورجله وعينه ورأسه وما أشبه ذلك، ويمكن أن نحمل كلام المؤلف على أن يكون البدل بعضاً من المبدل منه، أو بالعكس، وهو ما يسمى ببدل الكل من البعض، لكنه خلاف ظاهر كلامه.

الثالث: بدل الاشتمال: بأن يكون بين البدل والمبدل منه علاقة غير البعضية؛ كالعلم، والمال، والفهم وما أشبهها.

والرابع: بدل الإضراب.

والخامس: بدل الغلط.

فالبدل على تقسيم ابن مالك خمسة أنواع، وعلى تقسيم ابن آجروم أربعة أنواع، والمعنى متقارب.

قال ابن مالك:

[ وذا للاضراب اعز إن قصداً صَحبْ ودونَ قصدٍ غلط به سلب ]

(ذا) الأخير اعزه للإضراب بأن قصدت أن الأول مشارك للثاني في الحكم، فهذا سمه إضراباً.

وبهذا عرفنا أنه يخالف المعطوف بـ(بل)؛ لأن (بل) تثبت الحكم لما بعدها وتسكت عما قبلها.

وقوله: (ودون قصد)، يعني: إذا لم تقصد الأول لكن جرى على لسانك بدون قصد فسمه بدل غلط.

فالخلاصة أن الأقسام خمسة: مطابقة، وبدل بعض، وبدل اشتمال، وبدل إضراب، وبدل غلط، والفرق بين بدل الإضراب، وبدل الغلط: أن بدل الإضراب قصد الأول الذي هو المبدل منه، ثم عدل إلى الثاني.

وأما بدل الغلط فإنه لم يقصد الأول إطلاقاً.

إذاً: في الحقيقة أن الحكم للأخير فيهما جميعاً، لكن هل قصد الأول ثم عدل أو ما قصده ولكن سبق لسانه أو غلط.

والأمثلة: زره خالداً، فـ (خالداً) تكون بدلاً من الضمير، كأنه قال: زر خالداً. ولو قلت: زر زيداً عبد الله، فعبد الله بدل من زيد، وهو بدل اسم ظاهر من اسم ظاهر.

وإذا قلت: اركب الجمل البعير، فهذا بدل مطابقة لأن الجمل هو البعير.

قوله: (وقبله اليدا) الضمير في (قبله) يعود على الإنسان كله، فقلت: (اليدا)، واليد بعض من الإنسان، فتكون اليد هنا بدل بعض من كل، ومثله: قبله الرأس، وقبله الجبهة. وبعض النحويين أثبت بدل الكل من البعض، واستشهد له بقول الشاعر:

رحم الله أعظماً دفنوها بسجستان طلحة الطلحات

فقال: أعظُُماً، والعظام بعض الإنسان، ثم أبدل منها (طلحة الطلحات).

وقوله: (اوعرفه حقه) نجعل الضمير اسماً فنقول: اعرف زيداً حقه، وهذا بدل اشتمال.

متى يبدل الظاهر من ضمير الحاضر

قال ابن مالك :

[ ومن ضمير الحاضر الظاهر لا تبدله إلا ما إحاطة جلا

أو اقتضى بعضاً أو اشتملاكأنك ابتهاجك استمالا ]

(الظاهر) مفعول لفعل محذوف، وتقديره: لا تبدل الظاهر من ضمير الحاضر؛ لأن قوله (لاتبدله) مشغول النصب عن الظاهر بضميره.

يقول: لا تبدل الاسم الظاهر من ضمير الحاضر، وهو ضمير المتكلم وضمير المخاطب.

مثال ذلك لو قلت: ضربتك زيداً، فلا تجعل زيداً بدلاً من الكاف؛ لأن الكاف ضمير مخاطب (ضمير حاضر).

ومفهوم كلامه: أنه يجوز إبدال الاسم الظاهر من ضمير الغائب، وقد مثل به المؤلف فقال: (كزره خالداً)، فـ (خالداً) بدل من الضمير وهو ضمير غيبة.

ويفهم منه أنه يجوز إبدال الظاهر من الظاهر وهو كذلك.

ومثل له بقوله: (خذ نبلاً مدى)، فنبلاً ظاهر، ومدى ظاهر أيضاً.

وعلم من كلامه أنه لا يجوز إبدال الظاهر من ضمير المتكلم؛ لأنه ضمير حاضر فلا تقول: أكرمتني محمداً، على أن محمداً بدلاً من الياء.

وقد يفهم من كلامه أنه يجوز إبدال الضمير من الضمير، والصواب أن الضمير مع الضمير لا يكون بدلاً بل يكون توكيداً.

واستثنى المؤلف ثلاث مسائل يجوز فيها أن يكون الظاهر بدلاً من ضمير المتكلم أو ضمير الخطاب:

الأولى في قوله: ( إلا مع إحاطة جلا ) والمعنى إلا ما أظهر إحاطة، أي: تفصيلاً دالاً على العموم، فيكون البدل دالاً على الإحاطة والشمول من شيء يحتمل الإحاطة ويحتمل عدمها.

مثال ذلك قوله تعالى: تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا [المائدة:114] فإن قوله: (لأولنا وآخرنا) بدل من (نا) في قوله: (لنا)، لكنه بدل بإعادة الجار.

وتمثيل النحويين بذلك يدل على أن البدل على نية تكرار العامل حيث قال: إنه بدل بإعادة حرف الجر.

وقوله: (تكون لنا) يحتمل: لنا نحن الموجودين، ويحتمل: لبعضنا، ويحتمل: لنا معشر النصارى ، فلما قال: لأولنا وآخرنا دل على الإحاطة والشمول، يعني: لنا جميعاً.

فإن قال قائل: هذا لا يدل على الإحاطة والشمول؛ لأنه قال: (لأولنا وآخرنا) ولم يقل: ووسطنا.

نقول: الوسط يدخل في هذا؛ لأن ذكر الطرفين يتضمن الوسط؛ لأنهما محيطان به مكتنفان له، فهو دال على الإحاطة والشمول.

المسألة الثانية: قال: (أو اقتضى بعضاً) يعني: صار بدل بعض من كل، تقول لعبدك: بعتك بعضك، فـ (بعض) بدل بعض من كل.

والمسألة الثالثة: قوله: (أو اشتمالاً) يعني: إذا كان بدل اشتمال أيضاً جاز أن يبدل الظاهر من الضمير الحاضر، مثل: (كإنك ابتهاجك استمالا) بكسر الهمزة، ويصلح (كأنك) بفتحها: كأنك ابتهاجك استمالا.

لكن بينهما فرق من جهة المعنى، إذا قلت: كأنك ابتهاجك استمالا، يعني: تتوقع أن ابتهاجه استمالا.

وإذا قلت: كإنك.. فإنك تؤكد أن ابتهاجه استمال.

ومن حيث الإعراب لا يختلف؛ لأن الكاف على كل تقدير محلها النصب، سواء جعلنا كأن للتشبيه أو الكاف حرف جر وإن للتوكيد.

وقوله: (ابتهاجك) بدل من الكاف في إنك.

وقوله: (استمالا) يحتمل أن المعنى: استمال الناس بمعنى أمالهم إليه وجذبهم. أو أن استمال بمعنى: مال وتنحى، يعني: صار فيه ميل، ومعناه: أن هذا الرجل بدأ بعد البهجة والسرور يحزن.

وإذا قلنا: (استمالا) بمعنى أمال الناس فمعناه: أن الرجل لقوة ابتهاجه يميل الناس إليه.

ومثال آخر: عرفتك حقاً، فهذا بدل اشتمال.

وجوب دخول همزة الاستفهام على البدل من اسم الاستفهام

قوله: (وبدل المضمن الهمز يلي همزاً كمن ذا أسعيد أم علي ]

المضمن الهمز: كل اسم دال على الاستفهام، فقوله: (المضمن الهمز) المراد همزة الاستفهام، والاسم المضمن الهمزة هو اسم الاستفهام الذي بدله يلي همزاً، مثل: كمن ذا أسعيد أم علي.

ولو قلت: من ذا سعيد أم علي؟

لقلنا: هذا لا يصح إلا على تقدير الهمزة.

ما اشتريت أكتاباً أم قميصاً.

فإذاً: كل ما كان بدلاً من اسم استفهام فإنه يجب أن يلي الهمزة.

وإعراب المثال كما يلي:

(من) اسم استفهام مبتدأ مبني على السكون في محل رفع، و(ذا) اسم إشارة مبني السكون في محل رفع خبر المبتدأ. الهمزة: حرف استفهام، (سعيد) بدل من (من)؛ لأنه يقول: وبدل المضمن الهمز، والمضمن الهمز هو اسم الاستفهام، و(أم) حرف عطف، و(علي) معطوف على سعيد.

إبدال الفعل من الفعل

(ويبدل الفعل من الفعل كمنيصل إلينا يستعن بنا يعن)

يعني: يبدل الفعل من الفعل وليس من الاسم.

وقوله: (كمن يصل إلينا يستعن بنا يعن).

(من): اسم شرط جازم يجزم فعلين. (يصل) فعل مضارع فعل الشرط مجزوم بمن، (إلينا) جار ومجرور متعلق بيصل، (يستعن) بدل من (يصل)، كأنه قال: من يستعن بنا، و(يستعن) فعل مضارع مجزوم بالسكون بدلاً من يصل، (بنا): جار ومجرور متعلق بيستعن، (يعن) فعل مضارع مبني للمجهول مجزوم على أنه جواب الشرط.

وسبق أن مثلنا بقوله تعالى: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ [الفرقان:68-69] يضاعف بالسكون على أنه بدل من (يلق).

وإلى هنا انتهى باب البدل والتوابع أيضاً.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح ألفية ابن مالك[53] للشيخ : محمد بن صالح العثيمين

https://audio.islamweb.net