إسلام ويب

خلق الحياء من أفضل الأخلاق وأجلها وأعظمها قدراً وأكثرها نفعاً، بل هو خاصة الإنسانية، فمن لا حياء فيه لا إنسانية معه، ومن لا حياء فيه لا إيمان فيه، وإذا ذهب الحياء ذهب الدين كله.

مقدمة في الحياء

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:102].

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا [النساء:1].

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا [الأحزاب:70-71].

أما بعد:

فإن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، ثم أما بعد:

فيا أيتها الذكية! حياك الله وبياك، وسدد على طريق الحق خطاك، وأسأل الله العظيم رب العرش الكريم أن يحفظك من بين يديك ومن خلفك، وأن يعيذك من همزات الشياطين، وأن يقيك شرور النفس وسيئات الأعمال.

ولن أخبرك بعنوان هذه الليلة، بل سأترك المجال لك أولاً قبل قراءة العناصر حتى تعرفي عنوان هذا اللقاء، فهو عن خصلة من خصال الإيمان، من اتصفت بها حسن إسلامها، وعلت أخلاقها، هل عرفتها؟ اسمعي المزيد:

من اتصفت بها هجرت المعصية خجلاً من ربها، وأقبلت على طاعته بوازع الحب، إنها خصلة تبعدك عن فضائح الدنيا وفضائح الآخرة، فهل عرفتها؟

إنها أصل كل شعب الإيمان، لأنها تكسوك وقاراً واحتراماً، فهذه الخصلة دليل على كرم السجية وطيب النفس، بل هي صفة من صفات الأنبياء والصالحين والصالحات، فهل عرفتها؟ اسمعي المزيد أيضاً:

إنها صفة جميلة في الرجال، ولكنها في النساء أجمل، كسبها يجعل القبيح جميلاً، وفقدها يجعل الجميل قبيحاً.

صدقيني أيتها الغالية! إذا ذهبت هذه الخصلة من المرأة فباطن الأرض خير لها من ظاهرها، وأظنك قد عرفتها.

قال الناظم في هذه الخصلة:

إذا لم تخش عاقبة الليالي ولم تستح فاصنع ما تشاء

فلا والله ما في العيش خير ولا الدنيا إذا ذهب الحياء

يعيش المرء ما استحيا بخير ويبقى العود ما بقي اللحاء

عناصر الموضوع:

- حياء في الحياة وبعد الممات.

- الحياء لغة واصطلاحاً.

- القرآن يحدثنا عن الحياء.

- كلام جميل.

- مظاهر الحياء.

- كيف قتلوا الحياء.

- أي حياء هذا؟

- أسئلة وفتاوى.

- أعظم الحياء.

- صور من حياتهن.

حياء في الحياة وبعد الممات

وإليك هذه الصورة العظيمة من صور الحياء والعفاف، والتي تضربها لك سيدة نساء العالمين فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاسمعي فاطمة وهي تحاور أسماء بنت عميس وتقول لها: يا أسماء ! إني لأستحي أن أخرج غداً على الرجال على هذا النعش، وكانت النعوش خشبة مصفحة يوضع عليها الميت ثم يطرح عليه الثوب فيصف حجم الجسم، فخشيت الزهراء رضي الله عنها إذا هي ماتت أن تحمل على مثل هذه النعوش فيكون ذلك خدشاً في حيائها وحشمتها، قالت أسماء : أولا نصنع لك شيئاً رأيته في الحبشة؟ فصنعت لها النعش المغطى من جوانبه، والذي يشبه الصندوق، ثم طرحت عليه ثوباً، فكان لا يصف الجسم، فلما رأته فاطمة رضي الله عنها قالت لـأسماء : ما أحسن هذا وأجمله! سترك الله كما سترتني.

قال ابن عبد البر : هي أول من غطي نعشها في الإسلام على تلك الصفة، الله أكبر! فهي تريد أن تعيش عفيفة وتموت عفيفة وتحشر إلى الله وهي عفيفة.

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الإيمان بضع وستون شبعة - وفي رواية: بضع وسبعون شعبة - والحياء شعبة من الإيمان) رواه البخاري .

وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً: (الحياء لا يأتي إلا بخير).

الحياء لغةً واصطلاحاً

والحياء لغة: مصدر قولهم حيي، وهو مأخوذ من مادة حيي التي تدل على الاستحياء الذي هو ضد الوقاحة، ويقال: استحيت بياء واحدة، وأصله استحييت، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً [البقرة:26].

وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا لم تستح فاصنع ما شئت) ومعناه: إذا لم تستحي من العيب ولم تخشي العار مما تفعلينه فافعلي ما تحدثك به النفس من حسن أو قبيح؛ لأن الحياء قد ذهب، فدل الحديث على أن الذي يردع الأمة عن مواقعة السوء هو الحياء، ويقال: رجل حيي، أي: ذو حياء، ويقال: امرأة حيية، والحياء جميل في الرجال ولكنه في النساء أحلى وأجمل.

وعن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما كان الفحش في شيء قط إلا شانه، ولا كان الحياء في شيء قط إلا زانه).

أما الحياء اصطلاحاً: فهو تغير وانكسار يعتري الإنسان من خوف ما يعاب به، وقيل: إنه خلق يبعث على ترك القبيح، ويمنع من التقصير في حق ذي الجلال، وقيل: بل هو انقباض النفس عن القبائح وتركها، وقيل: إنه خلق يبعث على ترك القبيح من الأقوال والأفعال والأخلاق، ويمتنع صاحبه عن التقصير في حق ذي الحق.

فوائد في الحياء

فائدة: والحياء من صفات الله عز وجل كما في الحديث: (إن ربكم حيي كريم يستحي من عبده أن يرفع إليه يديه فيردهما صفراً) ومعناه على هذا: المبالغ في الحياء، قال الفيروزأبادي : وأما حياء الرب تبارك وتعالى من عبده فنوع آخر لا تدركه ولا تكيفه العقول، فإنه حياء كرم وبر وجود، فالله تعالى كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفراً، ويستحيي سبحانه أن يعذب شعرةً شابت في الإسلام.

فائدة أخرى: ومما يجب أن تعلمي أن الحياء لا يمنع من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بل ترك ذلك بحجة الحياء خور ومهانة.

أخية! لو ضايقك فاجر وتعرض لك، فهل تسكتين؟ لا وألف لا، بل إنكارك دليل على العفة والحزم والثبات، وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم كان أشد حياء من العذراء في خدرها -وهو لنا قدوة- فكان إذا انتهكت حرمات الله لا يقوم دون غضبه شيء.

تقول عائشة رضي الله عنها عنه صلى الله عليه وسلم: (ما رأيته غضب قط إلا أن تنتهك حرمات الله).

القرآن يحدثنا عن الحياء

وإذا تصفحت القرآن فستجدين أنه يحدثنا عن الحياء، فقد قال سبحانه في سورة القصص مخبراً عن موسى لما سقى للمرأتين وجلس في الظل يستريح، قال سبحانه: فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [القصص:25]، قال صاحب الظلال: (فجاءته إحداهما تمشي على استحياء) مشية الفتاة الطاهرة الفاضلة العفيفة النظيفة حين تلقى الرجال على استحياء في غير تبذل ولا تبرج ولا تبجح ولا إغواء، جاءته لتحمل إليه رسالة في أقصر لفظ وأدله، يحكيه القرآن بقوله: (إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا) فمع الحياء الإبانة والدقة والوضوح، لا التلجلج والتعذر والارتباك، -أقول: لكي لا يطمع الذي في قلبه مرض- وذلك من إيحاء الفطرة النظيفة السليمة المستقيمة، فالفتاة القويمة تستحي بفطرتها عند لقاء الرجال والحديث معهم، ولكنها تتحدث بوضوح وبالقدر المطلوب ولا تزيد. انتهى كلامه رحمه الله.

ماتت ومات الحياء معها

وتأملي هذه القصة! فهي ليست في الأزمان الماضية، بل هي في الزمن القريب، فقد قالت فقد فتاة وهي تخبر عن والدتها: لا زلت أتذكر ذلك اليوم عندما أرادت أختي أن تتزوج وأصرت على والدتي أن تذهب معها إلى السوق، وقالت لها- يعني أختي تقول لوالدتي -: سنذهب إلى عدد محدود من المحلات، ولن نمكث سوى نصف ساعة أو تزيد قليلاً، وبعد إلحاح وإصرار وافقت أمي على تردد، وجاء ذلك اليوم الذي ذهبنا فيه، واحمر وجه أمي وهي امرأة كبيرة، وتثاقلت خطواتها وكأنها تساق إلى الموت، تفقدت عباءتها وكيف تسير، سال منها العرق واقشعر جلدها، ويبس لسانها، وأخذنا ما نراه بضحكة خافتة وابتسامة عريضة، لم يفتر لسانها طوال الطريق من الدعاء والتسبيح والتهليل، وعندما دخلنا إلى بائع الأقمشة سألته أختي: بكم هذا؟ فوجه الحديث نحو والدتي ومد يده نحوها بقطعة القماش، فخرجت والدتي وهربت من المحل وتبعتها أختي، فقالت أمي باكية: لا أقبل أن أحادث الرجال، أو أن يقتربوا مني، خرجت ولم تعد مرة أخرى، إنها المرة الأولى والأخيرة.

رحمها الله! فقد ماتت ومات الحياء معها، ودفنت ودفن العفاف في قبرها، فما دخلت سوقاً ولا حادثت رجلاً أجنبياً، وما ضرها ذلك شيئاً، وما نقص من منزلتها قدراً، بل كانت ملء السمع والبصر، يقدرها الجميع، ويحبها الصغير والكبير، الكل يبحث عن رضاها، وتلبية حاجتها رحمها الله! فلم تفكر في حذاء أو فستان، ولم تعرف الموضة والأزياء، ولكنها نظرت بعيداً بعيداً فعمرت القبر وبنت الدار، كان وقتها صلاحاً وطاعة، وصياماً وعبادة، رحمها الله! فقد رحلت ورحل الحياء معها.

الحياء خاصة الإنسانية

عن أنس قال: قال صلى الله عليه وسلم: (إن لكل دين خلقاً، وخلق الإسلام الحياء)، قال ابن القيم رحمه الله: وخلق الحياء من أفضل الأخلاق وأجلها وأعظمها قدراً وأكثرها نفعاً، بل هو خاصة الإنسانية، فمن لا حياء فيه ليس معه من الإنسانية إلا اللحم والدم وصورتهما الظاهرة، كما أنه ليس معه من الخير شيء، ولولا هذا الخلق- يعني الحياء- لم يكرم الضيف، ولم يوف بالوعد، ولم تؤد أمانة، ولم تقض لأحد حاجة، ولا تحرى المرء الجميل فآثره، والقبيح فتجنبه، ولولا الحياء لم تستر عورة، ولم يمتنع عن فاحشة، ولولا الحياء لم تفعل الواجبات وتترك المحرمات، ولم يرع لمخلوق حقاً، ولم يصل رحماً، ولم يبر والدين، فالحياء من خلق الصالحات، أما العاصيات فلا حياء لهن؛ لأن المعاصي تذهب الحياء، قال ابن القيم رحمه الله: من عقوبات المعاصي ذهاب الحياء الذي هو مادة حياة القلب، وهو أصل كل خير، وذهابه -يعني ذهاب الحياء- ذهاب الخير أجمع، فقد جاء في الحديث الصحيح: (الحياء خير كله) والمقصود: أن الذنوب تضعف الحياء من العبد والأمة حتى ربما انسلخ منه بالكلية، وربما لا يتأثر بعلم الناس بسوء حاله، ولا باطلاعهم عليه، بل كثير وكثيرات يخبرن عن حالهن وقبيح أفعالهن، والحامل على ذلك ذهاب الحياء، قال صلى الله عليه وسلم: (كل أمتي معافى إلا المجاهرون) وإذا وصل العبد والأمة إلى هذه الحال لم يبق في صلاحه وصلاحها مطمع.

واعلمي أخية! أن لا حياء فيها فهي ميتة في الدنيا، وشقية في الآخرة، ومن استحت من الله عند معصيته استحى الله من عقوبتها يوم تلقاه، ومن لم تستحي من الله عند معصيته لم يستح الله من عقوبتها.

مظاهر الحياء

قال ابن القيم : الحياء عشرة مظاهر:

أولاً: حياء الجناية: فمنه حياء آدم عليه السلام يوم فر هارباً في الجنة، قال له الله تبارك وتعالى: (أفراراً مني يا آدم؟ قال: لا، يا رب! بل حياء منك).

ثانياً: حياء التقصير: كحياء الملائكة الذين يسبحون الليل والنهار لا يفترون، فإذا كان يوم القيامة استحوا وقالوا: سبحانك ما عبدناك حق عبادتك.

ثالثاً: حياء الإجلال: وهو حياء المعرفة، وعلى حسب معرفة الأمة بربها يكون حياؤها منه.

رابعاً: حياء الكرم: كحياء النبي صلى الله عليه وسلم من القوم الذين دعاهم إلى وليمة زينب فأطالوا في الجلوس عنده، فقام واستحيا أن يقول لهم: انصرفوا.

خامساً: حياء الحشمة، كحياء المرأة عندما تسأل عن أمور خاصة بها.

سادساً: حياء الاستحقار، كحياء الأمة من ربها حين تسأله حوائجها احتقاراً لشأن نفسها واستصغاراً لها، ولهذا الحياء سببان:

أولهما: استعظام الأمة لذنوبها وخطاياها.

ثانيها: استعظام المسئول تبارك وتعالى.

سابعاً: حياء المحبة، وهو حياء المحب من محبوبه.

ثامناً: حياء العبودية: وهو حياء ممتزج بمحبة وخوف.

تاسعاً: حياء الشرف والعزة، وهو حياء النفوس العظيمة الكبيرة إذا صدر منها ما هو دون قدرها من بذل أو عطاء أو إحسان.

عاشراً: حياء الأمة من نفسها، وهو حياء النفوس الشريفة العزيزة من رضاها لنفسها بالنقص، وقناعتها بالدون، وهذا أكمل ما يكون من الحياء، فإن التي تستحي من نفسها فهي أجدر بأن تستحي من غيرها.

كيف قتلوا الحياء؟

واعلمي أخية! أنهم لم يقتلوا الحياء مباشرة ومن أول طعنة، ولكنهم طعنوه مرات، ورسموا لتحقيق ذلك خطوات، فقالوا لها: لا تخلعي الحجاب، ولكن أخرجي العينين، حتى لا تسقطي في حفر الطريق.

ثم قالوا لها: لا بأس بكشف الوجه واليدين، والدين يسر وليس بعسر، فحجاب المرأة الحقيقي في قلبها وليس في وجهها.

ثم قالوا: لماذا هذا السواد فوق الثياب؟ لماذا لا تلبسين العباءة المزركشة والمزخرفة؟ ثم ماذا سيحدث لو تغيرت الألوان؟

ثم قالوا: إنك لا تستطيعين المشي في الطريق بحرية لأن الثوب ضيق من الأسفل، فاجعلي لثوبك فتحة من الأسفل.

ثم قالوا: لماذا السواد أصلاً؟ البسي ملوناً، ولكن إياك والتبرج.

ولم يزالوا بالحياء طعناً حتى قصرت الثياب، وخلع الحجاب، وفتحت الأبواب، وطار الشعر، واختلطت المرأة بالرجل باسم التطور والحضارة فإنا لله وإنا إليه راجعون!

قال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ [النور:21].

أي حياء هذا؟!!

وإليك أيتها الغالية! بعض الصور التي نراها، والتي تبين أن الحياء قد رحل من بعض نساء المسلمين:

-فتجد فتاة مسلمة في أحد المحلات ممسكة بملابس داخلية والبائع أمامها وهي تقول له: أريد أصغر من هذا، فأي حياء هذا؟!!

- وأخرى تحجبت حجاباً براقاً وأرسلت خصلتين من مقدم شعرها ليراها من يراها وكأنها لا تدري، فأي حياء هذا؟!!

- يلاحظ الجميع تحت العباءة البنطال الضيق والواسع أحياناً، وكلما تحركت ظهر ما تخفيه، أي حياء هذا؟!!

- تمر من جانب الرجال وقد أفرغت نصف زجاجة عطر على ثيابها قبل أن تخرج، أي حياء هذا؟!!

- يمر عليها الشباب فيقولون لها كلمة إعجاب وهي فرحة بذلك، وما علمت المسكينة أن هؤلاء هم شباب بانكوك، وشباب الإيدز والهربس، فلا يريد أحدهم منها إلا جسدها، ولو أرادها مصونة عفيفة لطرق البيت من بابه، ثم هي تتبسم، أي حياء هذا؟!!

- في مكان العمل حيث الاختلاط يأتيها زميلها في العمل ويجلس على طاولتها ويسأل عن أخبارها، ثم هي تذهب إلى مكتبه وتجلس على طاولته وتسأل عن أخباره، أي حياء هذا؟!!

أفيقي أخية!

وقولي: دعوني فإني أريد حيائي

دعوني دعوني فإني أبية!

أنا لست ألعوبة في أياديكم.

تريدون أن تعبثوا بشبابي.

تريدون أن أخلع حيائي.

وأخرج ألقى قطيع الذئاب وبعض الكلاب.

فتنهشني وأنا حية.

أفيقي أخية! يريدون هدم صروح الفضيلة.

يريدون قفل المعاني الجميلة.

يريدون وأدك والنفس حية.

قولي بعالي الصوت: اخرسوا أيها الأدعياء.

فأنا لست أقبل هذا الهراء.

أنا لست أقبل غير تعاليم ديني ففيها النجاة وفيها الحياة.

وفيها السعادة حتى الممات.

أفيقي أخية!

عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستح فاصنع ما شئت).

وقال عمر رضي الله عنه: من قل حياؤه قل ورعه، ومن قل ورعه مات قلبه.

وقيل لـعمر بن عبد العزيز : إذا ذهب الحياء ذهب نصف الدين، قال: لا، بل إذا ذهب الحياء ذهب الدين كله.

أسئلة وفتاوى

حكم الاختلاط في العمل وغيره

السؤال الأول: هل يجوز للفتاة العمل في مكان مختلط مع الرجال، علماً بأنه يوجد غيرها من الفتيات في نفس المكان؟

أجاب شيخنا محمد بن عثيمين حفظه الله ومد في عمره: الذي أراه أنه لا يجوز الاختلاط بين الرجال والنساء في عمل حكومي، أو في قطاع خاص، أو في مدارس حكومية أو أهلية؛ لأن الاختلاط يحصل فيه مفاسد كثيرة، ولو لم يكن فيه إلا زوال الحياء -تأملي الكلام- من المرأة، وزوال الهيبة من الرجال؛ لأنه إذا اختلط الرجال والنساء أصبح لا هيبة عند الرجال من النساء، ولا حياء عند النساء من الرجال.

حكم النظر إلى النساء، والنساء إلى الرجال في التلفاز وغيره

السؤال الثاني: ما حكم النظر إلى النساء في التلفاز؟ وما حكم النظر للمرأة الأجنبية بالنسبة للرجل، والنظر للرجل بالنسبة للمرأة أثناء مشاهدة التلفاز؟

أجابت اللجنة الدائمة: لا يجوز؛ لأن الغالب على من يظهر في التلفاز من النساء التبرج وكشف العورة، ومن الرجال من يكون مثال الزينة والجمال، وذلك مثار فتنة وفساد في أكثر الأحيان.

حكم الكلام مع الأجنبي وتساهل الرجال والنساء في ذلك

السؤال الثالث: هناك تساهل من بعض الناس في الكلام مع المرأة الأجنبية، فمثلاً: إذا جاء رجل إلى بيت صديقه ولم يجده تقوم الزوجة بالتكلم مع هذا الرجل القادم أي: صديق زوجها، وتفتح له المجلس، وتضع القهوة له، فهل هذا يجوز، علماً أنه لا يوجد في البيت سوى هذه الزوجة؟

أجاب الشيخ ابن جبرين حفظه الله ومد في عمره: لا يجوز للمرأة أن تأذن لأجنبي في بيت زوجها حال غيبته ولو كان صديقاً لزوجها، ولو كان أميناً أو موثوقاً، فإن في هذا خلوة بامرأة أجنبية، وقد ورد في الحديث: (لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما)، كما يحرم على الرجل أن يطلب من امرأة صديقه أن تدخله وأن تقوم بخدمته، ولو وثق من نفسه بالأمانة والديانة؛ مخافة أن يوسوس له الشيطان، ويدخل بينهما، ويجب على الزوج أن يحذر امرأته من إدخال أحد الأجانب في البيت، ولو كان من أقاربه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والدخول على النساء، قالوا: يا رسول الله! أرأيت الحمو؟ قال: الحمو الموت) والحمو: هو أخو الزوج أو قريبه؛ فغيره بطريق الأولى.

حكم مصافحة الرجل للمرأة الأجنبية

السؤال الأخير: ما حكم مصافحة غير المحارم؟ فإنه يلجأ بعض الرجال إلى مصافحة بعض النساء القريبات وهن لسن محارم له، ولكن لأنهم قرابة أو جيران، فما حكم ذلك؟ وهل يكفي أن تضع المرأة على يدها قطعة قماش بغرض التستر؟

أجابت اللجنة الدائمة: لا يجوز للرجل أن يصافح امرأة أجنبية منه، ولو وضعت خرقة على يدها عند المصافحة، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

قال سبحانه: وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [الشورى:10]، وقال سبحانه: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ [النحل:43].

أعظم الحياء

إن أعظم الحياء هو الحياء من الله، ويتولد ذلك من التقلب في نعمه، فتستحي الأمة أن تستعين بتلك النعم على معصيته، وفي حديث ابن مسعود عند الترمذي قال صلى الله عليه وسلم: (استحيوا من الله حق الحياء، قال: قلنا: يا رسول الله! إنا نستحي والحمد لله، قال: ليس ذاك، ولكن الاستحياء من الله حق الحياء: أن تحفظ الرأس وما وعى، والبطن وما وحى، وتذكر الموت والبلى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الحياة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد استحيا من الله حق الحياء).

أيتها الغالية! حتى تكوني صاحبة حياء فلا بد أن تحفظي الرأس وما وعى، يعني: لا نظر إلى محرم، ولا سماع إلى محرم، ولا كلام في محرم، ولا تفكير في محرم.

ولا بد أن تحفظي البطن وما حوى: يعني: لا تأكلي ولا تدخلي البطن إلا حلالاً، ومن ذلك: حفظ الفرج عن الحرام، وصاحبة الحياء ترغب فيما عند الله، وتعمل في رضاه، ولا تلهيها الحياة الدنيا عن الحياة الآخرة.

قال أحد السلف: إني لأستحيي أن ينظر الله في قلبي وفيه أحد سواه، وقال آخر: خف من الله على قدر قدرته عليك، واستحي منه على قدر قربه منك، قال سبحانه: وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ [ق:16].

وجاء في الأثر: يقول الله تعالى: يا ابن آدم! إنك إذا استحييت مني أنسيت الناس عيوبك، وأنسيت بقاع الأرض ذنوبك، ومحوت من أم الكتاب زلاتك، وإلا ناقشتك الحساب يوم القيامة.

وجاء في أثر آخر: يقول الرب عز وجل: ما أنصفني عبدي؛ يدعوني فأستحي أن أرده، ويعصيني ولا يستحي مني.

وقال يحيى بن معاذ : من استحيا من الله مطيعاً استحيا الله منه وهو مذنب.

وما أجمل قول التي قالت:

فليقولوا عن حجابي لا وربي لن أبالي

قد حماني فيه ديني وحباني ذو الجلال

زينتي دوماً حيائي

واحتشامي هو مالي

ولا أني أتولى عن متاع لزوالي

لامني الناس كأني

أطلب السوء لحالي

كم لمحت اللوم منهم في حديث أو سؤال

عن سعيد بن زيد الأنصاري رضي الله عنه: (أن رجلاً قال: يا رسول الله! أوصني! قال: أوصيك أن تستحي من الله عز وجل كما تستحيي رجلاً من صالحي قومك).

صور من حيائهن

أخيراً: ها قد وصلنا إلى النهاية، فإليك صوراً من حيائهن.

أخية! أغمضي عينيك برهة، واسمعي هذا القول العظيم من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها وهي تقول عن نفسها: كنت أدخل البيت الذي دفن فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي رضي الله عنه واضعة ثوبي وأقول: إنما هو زوجي وأبي، فلما دفن عمر رضي الله عنه معهما والله! ما دخلت إلا مشدودة علي ثيابي حياء من عمر رضي الله عنه.

افتحي عينيك أخية! وقولي: يا سبحان الله! تستحي من الميت الذي في التراب، وهو شهيد المحراب.

لماذا لا تستحي كثيرات من النساء اليوم من الأحياء؟

لماذا تركب الأمة مع السائق وحدها بدون حياء؟

لماذا تخرج الأمة إلى السوق بلا حاجة بدون حياء؟

لماذا تخالط الأمة الرجال في كل مكان بدون حياء؟

لماذا تلبس الأمة الضيق والقصير بدون حياء؟

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة، والبذاء - يعني الفحش- من الجفاء، والجفاء في النار) رواه الترمذي وصححه الإمام الألباني رحمه الله.

وإليك خبراً آخر: مر عمر بن الخطاب رضي الله عنه في بعض طرق المدينة فسمع امرأة تقول:

دعتني النفس بعد خروج عمرو

إلى اللذات فاطلعت تلاعا

فقلت لها علجت فلن تطاعي

ولو طالت إقامته رباعا

أحاذر إن أطعتك سب نفسي

ومخزاة تجللني قناعا

فقال عمر : أي شيء منعك؟ قالت - واسمعي ما قالت-: منعني الحياء، وإكرام عرضي، فقال عمر رضي الله عنه: إن الحياء ليدل على هناة ذات ألوان، من استحيا استخفى، ومن استخفى اتقى، ومن اتقى وقي، وكتب عمر إلى زوجها فأرجعه إليها.

أيتها الغالية! الحياء لا يأتي إلا بخير، وإذا ذهب الحياء ذهب الدين كله.

قال صالح بن جناح :

إذا قل ماء الوجه قل حياؤه، ولا خير في وجه إذا قل ماؤه

وقال بعض العرب: كأني أرى من لا حياء له ولا أمانة وسط القوم عرياناً.

وقال سبحانه: يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ [الأعراف:26].

أمور تعين على الحياء

فاتقي الله أمة الله! واستحي من الله حق الحياء، ومما يعينك على ذلك:

علمك بمراقبة الله لك في كل حين، وأنه في كل مكان يسمعك ويراك.

فقد دخل موسى وهارون على فرعون: قَالا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَنْ يَطْغَى [طه:45] فقال سبحانه: قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى [طه:46] فاستشعري هذا المعنى العظيم.

ومما يعينك على الحياء أيضاً: النظر في نعم الله التي أسبغها عليك ظاهرة وباطنة، فمن حقه أن تشكريه ولا تكفريه، وأن تذكريه ولا تنسيه، وأن تطيعيه ولا تعصيه، وألا تستعيني بنعمه على معاصيه.

ربنا! أوزعنا أن نشكر نعمتك التي أنعمت علينا وعلى والدينا، وأن نعمل صالحاً ترضاه، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين.

اللهم! لا تحرمنا خير ما عندك بأسوأ ما عندنا.

اللهم! احفظ نساءنا من الفتن، ما ظهر منها وما بطن.

اللهم! اجعلهن تقيات نقيات خفيات.

اللهم! أعنهن على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.

اللهم! اقبل توبة التائبات، واغفر ذنب المذنبات، واقبل عمل الصالحات، وهب المسيئات منهن للمحسنات، اللهم! عاملهن بما أنت أهله، ولا تعاملهن بما هن أهله، إنك أنت أهل التقوى وأهل المغفرة.

أستغفر الله العظيم، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , ماتت ومات معها الحياء للشيخ : خالد الراشد

https://audio.islamweb.net