إسلام ويب

اختلفت الأحاديث في مقدار ما يخرج من الحنطة في الزكاة، وقد بين العلماء الواجب من ذلك، كما بينوا الروايات الشاذة من الصحيحة في ذلك، وأيضاً فقد وردت أحاديث تدل على جواز إخراج زكاة الفطر قبل العيد بيوم أو يومين.

متى تؤدى زكاة الفطر

شرح حديث (أمرنا رسول الله بزكاة الفطر أن تؤدى ...)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب متى تؤدى.

حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي حدثنا زهير حدثنا موسى بن عقبة عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بزكاة الفطر أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة، قال: فكان ابن عمر يؤديها قبل ذلك باليوم واليومين) ].

المراد من هذه الترجمة بيان وقت إخراج زكاة الفطر، ووقتها الأفضل والأولى أن تكون يوم العيد قبل الصلاة، ويجوز قبل العيد بيوم أو يومين؛ لأنه جاء ذلك عن الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم، ومنهم ابن عمر كما في هذه الرواية أنه قال: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نخرج زكاة الفطر قبل الخروج إلى الصلاة) أي: الخروج لصلاة العيد، قال: وكان ابن عمر يخرجها قبل العيد بيوم أو يومين، وهذا يدلنا على أن إخراجها يوم العيد قبل الصلاة هو أفضل أوقات إخراجها، وأن إخراجها قبل العيد بيوم أو يومين جائز، وذلك لقربه من العيد؛ ولأن إيصالها إلى أصحابها قبل العيد بيوم أو يومين قد تدعو الحاجة إليه؛ لأنه قد لا يتيسر التوزيع في يوم العيد قبل الصلاة، لكن إذا تيسر فهو الأولى والأفضل.

وأما تقديمها قبل العيد بأكثر من يومين فلم يأت شيء يدل عليه، وهو بعيد عن الوقت الذي تجب فيه زكاة الفطر وهو غروب الشمس من آخر يوم من رمضان، وأيضاً يفوت فيه المقصود من كون الزكاة تحصل في وقت الفطر؛ لأنه قد يحصل أكلها ونفادها قبل مجيء العيد بوقت طويل، فكانت السنة أن يؤتى بها قبل الصلاة يوم العيد، وإن قدمت قبل العيد بيوم أو يومين -كما جاء عن الصحابة- فلا بأس بذلك.

تراجم رجال إسناد حديث ( أمرنا رسول الله بزكاة الفطر أن تؤدى ... )

قوله: [ حدثنا عبد الله بن محمد النفيلي ].

عبد الله بن محمد النفيلي ثقة، أخرج حديثه البخاري وأصحاب السنن.

[ حدثنا زهير ].

هو زهير بن معاوية ثقة، أخرج له أصحاب الكتاب الستة.

[ حدثنا موسى بن عقبة ].

موسى بن عقبة المدني وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتاب الستة.

[ عن نافع ].

نافع مولى ابن عمر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبد الله بن عمر ]

ابن عمر رضي الله تعالى عنهما الصحابي الجليل أحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

كم يؤدي في زكاة الفطر

شرح حديث ( زكاة الفطر من رمضان صاع من تمر ... )

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب كم يؤدي في زكاة الفطر.

حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا مالك ، وقرأه علي مالك أيضاً، عن نافع عن ابن عمر رضي الله عنهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فرض زكاة الفطر، قال فيه فيما قرأه علي مالك : زكاة الفطر من رمضان صاع من تمر ، أو صاع من شعير، على كل حر أو عبد ، ذكر أو أنثى من المسلمين).

أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة وهي: كم يؤدي في زكاة الفطر؟ أي: مقدار زكاة الفطر، وهي صاع من قوت البلد، وكان قوت البلد في ذلك الزمان هو البر والشعير والتمر والأقط والزبيب، وهي متفاوتة في المنفعة، ومتفاوتة أيضاً في القيمة، وقد حدد ذلك بأنه صاع، وهذا يدلنا على أن زكاة الفطر قدرها صاع، أي: أربعة أمداد، وأن القيمة لم تذكر، فدل على أنه لا تخرج الزكاة قيمة، وإنما تخرج طعاماً.

وزكاة الفطر مثل الكفارات تخرج من الطعام، ولعل الحكمة في ذلك -والله أعلم- أن الطعام إذا وقع في أيدي الناس يستفيدون منه مباشرة بخلاف النقود، فإنها قد تكون في أيديهم ويقل الطعام فلا يحصلون ما يريدون، أو أن الناس لا يجودون بالطعام إذا كانت القيمة مبذولة، وقد جاء النص في زكاة الفطر والكفارات أنها تخرج طعاماً ولا تخرج قيمة.

والرسول صلى الله عليه وسلم جعل زكاة الفطر من الأصناف الخمسة التي كانت الأقوات المعتادة في زمنه صلى الله عليه وسلم، ويجوز إخراجها من الأقوات الأخرى التي لم يأت ذكرها في الحديث كالأرز والذرة وغير ذلك من الحبوب التي هي قوت وطعام، ومقدار زكاة الفطر صاع كما جاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد أورد أبو داود حديث ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان صاعاً من تمر أو صاعاً من شعير، وفي هذه الرواية ذكر صنفين من الأقوات التي كانت موجودة في ذلك الزمان وهما: التمر، والشعير.

قوله: (على كل حر أو عبد ذكر أو أنثى من المسلمين)، يدل على أنها واجبة على كل مسلم سواء كان ذكراً أو أنثى، حراً أو عبداً، صغيراً أو كبيراً، فكل مسلم تخرج عنه زكاة الفطر، وأما الكفار فلا يخرج عنهم أحد الزكاة؛ لأن الزكاة إنما تكون على المسلمين، وهي التي فيها أجر، وفيها ثواب، وفيها طهرة لهم، وأما الكفار فهم وإن كانوا مخاطبين بفروع الشريعة إلا أن مخاطبتهم بالأصول والفروع معاً، ولا بد يأتوا بالأصول وبالفروع جميعاً، وهم مؤاخذون على ترك الأصول وعلى ترك الفروع، فزكاة الفطر إنما تجب على المسلمين؛ ولهذا قال: (من المسلمين).

تراجم رجال إسناد حديث (زكاة الفطر من رمضان صاع من تمر ..)

قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ].

عبد الله بن مسلمة القعنبي ثقة، أخرج حديثه أصحاب الكتب الستة إلا ابن ماجة .

[ حدثنا مالك ].

مالك بن أنس إمام دار الهجرة، الإمام المشهور الفقيه المحدث، أحد أصحاب المذاهب الأربعة المشهورة من مذاهب أهل السنة، وحديثه أخرجه أصحاب الكتب الستة.

[ قال: وقرأه عليَّ مالك أيضاً ].

يعني: أنه أخذ الحديث منه على وجهين: قرأه القعنبي عليه وهو يسمع، وكذلك قرأه مالك عليه.

[ عن نافع عن ابن عمر ].

مر ذكرهما.

وهذا الإسناد من الأسانيد العالية عند أبي داود ، فهو من الرباعيات التي هي أعلى الأسانيد عند أبي داود رحمه الله.

قوله: [ قال فيه فيما قرأه عليَّ مالك ].

بيَّن اللفظ الذي قرأه عليه مالك .

شرح حديث ( فرض رسول الله زكاة الفطر صاعاً ... )

قال المصنف رحمه الله تعالى [ حدثنا يحيى بن محمد بن السكن حدثنا محمد بن جهضم حدثنا إسماعيل بن جعفر عن عمر بن نافع عن أبيه عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زكاة الفطر صاعاً، فذكر بمعنى مالك ، زاد: والصغير والكبير ، وأمر بها أن تؤدى قبل خروج الناس إلى الصلاة) ].

هذه طريق أخرى عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، وهي مثل الطريق السابقة إلا أن فيها زيادة ذكر الصغير والكبير، وفيها بيان وقت أدائها، وأنه يكون قبل الصلاة، وقد مر أن هذا هو أولى وأفضل وقت لإخراجها.

وذكر الصغير لا ينافي أن زكاة الفطر طهرة للصائم من اللغو والرفث، فالصائم يحصل له من إخراج الزكاة عنه أو منه شيئان:

التطهير له من اللغو والرفث، وأيضاً طعمة للمساكين.

وأما إذا كان صغيراً فإنه يحصل منه الطعمة للمساكين.

تراجم رجال إسناد حديث ( فرض رسول الله زكاة الفطر صاعاً ... )

قوله: [ حدثنا يحيى بن محمد بن السكن ].

صدوق ، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي.

[ حدثنا محمد بن جهضم ].

صدوق ، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.

[ حدثنا إسماعيل بن جعفر ].

إسماعيل بن جعفر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عمر بن نافع ].

عمر بن نافع وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة إلا الترمذي .

[ عن أبيه عن عبد الله بن عمر ].

أبوه نافع العدوي مولى ابن عمر ، وقد مر ذكرهما.

زيادة لفظة (من المسلمين) في حديث زكاة الفطر

[ قال أبو داود : رواه عبد الله العمري عن نافع بإسناده، قال: (على كل مسلم)، ورواه سعيد الجمحي عن عبيد الله عن نافع قال فيه: (من المسلمين)، والمشهور عن عبيد الله ليس فيه: (من المسلمين) ].

أي: أن عبد الله بن عمر العمري المكبر رواه عن نافع بلفظ: (على كل مسلم)، بدل من قوله: (من المسلمين)، ورواه سعيد بن عبد الرحمن الجمحي عن عبيد الله عن نافع عن ابن عمر بلفظ: (من المسلمين)، قال: والحديث المشهور عن عبيد الله ليس فيه: (من المسلمين)، فأكثر الروايات التي جاءت من طريق عبيد الله بن عمر عن نافع عن ابن عمر ليس فيها: (من المسلمين)، ولكنها جاءت من بعض الطرق الصحيحة، فهذا الوصف وهذا القيد الذي هو: (من المسلمين)، ثابت ومعتبر.

تراجم رجال إسناد زيادة لفظة ( من المسلمين )

[ قال أبو داود : رواه عبد الله العمري ].

عبد الله بن عمر العمري المكبر ، وهو ضعيف أخرج له مسلم وأصحاب السنن .

[ ورواه سعيد الجمحي ].

سعيد بن عبد الرحمن الجمحي ، وهو صدوق له أوهام أخرج حديثه البخاري في خلق أفعال العباد ومسلم وأبو داود والنسائي وابن ماجة .

[ عن عبيد الله ].

عبيد الله بن عمر أخو عبد الله المتقدم ، وهذا هو المصغر ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

شرح حديث ابن عمر في زكاة الفطر من طريق أخرى

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد أن يحيى بن سعيد وبشر بن المفضل حدثاهم عن عبيد الله ح وحدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا أبان عن عبيد الله عن نافع عن عبد الله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (أنه فرض صدقة الفطر صاعاً من شعير أو تمر، على الصغير والكبير والحر والمملوك: زاد موسى : والذكر والأنثى) ].

أورد أبو داود حديث ابن عمر من طريق أخرى، وفيه ذكر فرض زكاة الفطر على الحر والعبد والذكر والأنثى والصغير والكبير، وقد سبق ذلك في بعض الروايات السابقة.

تراجم رجال إسناد حديث ابن عمر في زكاة الفطر من طريق أخرى

قوله: [ حدثنا مسدد ].

مسدد بن مسرهد البصري ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي والنسائي.

[ أن يحيى بن سعيد ].

يحيى بن سعيد القطان البصري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ وبشر بن المفضل ].

بشر بن المفضل ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن عبيد الله ].

عبيد الله بن عمر مر ذكره.

[ وحدثنا موسى بن إسماعيل ].

موسى بن إسماعيل التبوذكي البصري ثقة ، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا أبان ].

أبان بن يزيد العطار ، وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة، إلا ابن ماجة .

[ عن عبيد الله عن نافع عن عبد الله ].

قد مر ذكرهم.

[ قال أبو داود : قال فيه أيوب وعبد الله -يعني: العمري - في حديثهما عن نافع : (ذكر أو أنثى) أيضاً ].

هذه إشارة إلى طريق أخرى، وهي: أن عبد الله العمري ، وأيوب بن أبي تميمة السختياني ذكرا الذكر والأنثى كما ذكرت في الطريق السابقة.

وأيوب بن أبي تميمة السختياني ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

حكم زكاة الفطر عن الجنين

لا تجب زكاة الفطر على الجنين، وقد ذكر بعض أهل العلم أنها لا تجب عليه إجماعاً، ولكن استحبها بعض أهل العلم على الجنين، فهي غير واجبة وليست لازمة، وقد جاء عن الإمام أحمد أنه استحب أن تخرج زكاة الفطر عن الجنين.

حكم تأخير زكاة الفطر لعذر

زكاة الفطر تجب في وقت معين، والإنسان الذي يكون قادراً على إخراجها يجب عليه أن يخرجها أو يوكل أحداً في إخراجها إذا لم يستطع إخراجها، وأما إذا كان قادراً ومتمكناً ولم يخرجها بنفسه أو لم يوكل أحداً في إخراجها عنه فإنه يكون مفرطاً مقصراً؛ لأن لها وقتاً معيناً، والواجب إخراجها في وقتها، وإذا كان الفقراء غير موجودين فيمكن أن يطلب منهم أن يوكلوا من يستلمها لهم ثم يعطيهم إياها بعد ذلك.

وذهب بعض العلماء إلى أنها تقضى.

شرح حديث (جعل عمر نصف صاع حنطة في زكاة الفطر)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا الهيثم بن خالد الجهني حدثنا حسين بن علي الجعفي عن زائدة حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد عن نافع عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: (كان الناس يخرجون صدقة الفطر على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صاعاً من شعير أو تمر أو سلت أو زبيب قال عبد الله : فلما كان عمر رضي الله عنه وكثرت الحنطة جعل عمر نصف صاع حنطة مكان صاع من تلك الأشياء)].

أورد أبو داود حديث ابن عمر أنهم كانوا يخرجون زكاة الفطر في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من تمر، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من سلت، أو صاعاً من زبيب، والزبيب جاء ذكره هنا، وكذلك السلت، وهو نوع من الطعام يشبه الشعير، وهذه الرواية فيها من هو متكلم فيه، ولكن كل ما كان قوتاً معتاداً يجوز إخراج الزكاة منه، سواء كان مذكوراً في الأحاديث أو غير مذكور، والذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من الأقوات هي:

البر، والشعير، والتمر، والزبيب، والأقط؛ وذلك لكونها أقواتهم، والسلت لم يثبت في الرواية، ولكنه إذا كان طعاماً وقوتاً في بلد أو في مكان من الأمكنة فإنه يجوز إخراجه؛ لأن كل طعام يقتاته الناس يجوز إخراج الزكاة منه.

قوله: [ فلما كان عمر رضي الله عنه وكثرت الحنطة جعل عمر نصف صاع حنطة مكان صاع من تلك الأشياء ].

هنا ذكر هذا عن عمر رضي الله عنه، والمعروف المشهور بهذا هو معاوية رضي الله عنه كما جاء في بعض الأحاديث الثابتة، فقد ثبت أن معاوية هو الذي جعل نصف صاع من الحنطة يعدل صاعاً من غيرها، وأما عمر فغير معروف عنه هذا، فلعل أحد الرواة وهم في ذكر عمر هنا.

تراجم رجال إسناد حديث (جعل عمر نصف صاع حنطة في زكاة الفطر)

قوله: [ حدثنا الهيثم بن خالد الجهني ].

الهيثم بن خالد الجهني ثقة، أخرج له أبو داود.

[ حدثنا حسين بن علي الجعفي ].

حسين بن علي الجعفي ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن زائدة ].

زائدة بن قدامة وهو ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا عبد العزيز بن أبي رواد ].

عبد العزيز بن أبي رواد ، صدوق ربما وهم، أخرج له البخاري تعليقاً وأصحاب السنن.

[ عن نافع عن عبد الله بن عمر ].

مر ذكرهما.

والحديث فيه ابن أبي رواد هذا، وهو متكلم فيه، قال فيه الحافظ : صدوق ربما وهم، ومن قيلت فيه هذه العبارة يحسن حديثه، وأظن أن الألباني ضعف هذا الحديث.

شرح أثر عبد الله بن عمر (فعدل الناس بعد نصف صاع من بر)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد وسليمان بن داود العتكي قالا: حدثنا حماد عن أيوب عن نافع أنه قال: قال عبد الله رضي الله عنه: فعدل الناس بعد نصف صاع من بر، قال: وكان عبد الله يعطي التمر، فأعوز أهل المدينة التمر عاماً فأعطى الشعير ].

ذكر المصنف الحديث من طريق أخرى عن ابن عمر ، وأن الناس عدلوا نصف صاع من بر بالصاع من غيره، كما جاء ذكره عن عمر رضي الله عنه، والمشهور به معاوية ، وجاء عن عدد من الصحابة، ولكن ليس كلهم على ذلك بل هم مختلفون، منهم من رأى أنه لا يخرج إلا صاعاً من أي طعام؛ لأن الأقوات التي ذكرت متفاوتة وليست كلها على حد سواء، ومع ذلك جعلت الزكاة صاعاً مع حصول التفاوت بين الشعير وبين التمر وبين الزبيب وبين الأقط، وكذلك البر يكون متفاوتاً أيضاً، فبعض الصحابة تبعوا معاوية رضي الله عنه فجعلوا نصف صاع من البر يعدل صاعاً من غيره، وإخراج نصف الصاع من البر بدل الصاع من غيره هو محل خلاف بين الصحابة، وأبو سعيد الخدري رضي الله عنه -كما سيأتي- كان يرى إخراجها صاعاً كاملاً، وكان يداوم ويستمر على إخراج الصاع وعدم النقصان عنه.

قوله: [ وكان عبد الله يعطي التمر فأعوز أهل المدينة التمر عاماً فأعطى الشعير ].

هذا فيه دليل على اختيار الأولى والأكمل والأفضل والأنفع.

وقوله: (فأعوز التمر) أي: قل التمر، فأخرج الشعير، ومعنى هذا أن الشعير دونه، ومع ذلك جاءت الشريعة بأنه صاع سواءً من هذا أو من هذا مع أنها متفاضلة غير متساوية، ومعلوم أن التمر أولى وأفضل من الشعير، فكان ابن عمر رضي الله عنه يعطي هذا الأكمل والأفضل، ولكنه لما أعوز وقل التمر في وقت من الأوقات في المدينة أخرج الشعير.

تراجم رجال إسناد أثر عبد الله بن عمر (فعدل الناس بعد نصف صاع من بر)

قوله: [ حدثنا مسدد وسليمان بن داود العتكي ].

سليمان بن داود العتكي هو أبو الربيع الزهراني ، وهو ثقة، أخرج له البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.

[ حدثنا حماد ].

حماد بن زيد ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أيوب عن نافع عن عبد الله ].

مر ذكرهم.

شرح حديث ( كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله زكاة الفطر صاعاً من طعام ... )

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة حدثنا داود -يعني ابن قيس - عن عياض بن عبد الله عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: (كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زكاة الفطر عن كل صغير وكبير، حر أو مملوك، صاعاً من طعام، أو صاعاً من أقط، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من زبيب، فلم نزل نخرجه حتى قدم معاوية حاجاً أو معتمراً، فكلم الناس على المنبر، فكان فيما كلم به الناس أن قال: إني أرى أن مُدَّين من سمراء الشام تعدل صاعاً من تمر، فأخذ الناس بذلك، فقال أبو سعيد : فأما أنا فلا أزال أخرجه أبداً ما عشت) ].

أورد أبو داود حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: أنهم كانوا يخرجون زكاة الفطر إذ كان فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم صاعاً من طعام، أو صاعاً من شعير، أو صاعاً من زبيب، أو صاعاً من تمر، أو صاعاً من أقط، يعني: ذكر الخمسة الأصناف، قيل: الطعام المقصود به البر، ولكنه كان قليلاً، وكانوا يخرجون صاعاً من هذا أو من هذا أو من هذا مع تفاوتها في القيمة، وعلى هذا فالمعتبر هو الكيل والمقدار وإن تفاوتت القيمة، وكل صاع منها يجزي، إلا أن ما كان منها أنفع وأكثر فائدة فإنه الأولى أن يخرج وأن يقدم على غيره، وهذا بالنسبة للأقوات الموجودة في زمانه صلى الله عليه وسلم، وكذلك الأنفع والأكثر فائدة للناس في هذا الزمان مثل الأرز الذي هو قوت كثير من الناس في هذا الزمان، ولا يحتاج إلى طحن، والفائدة منه كبيرة، فينظر إلى ما هو الأنفع، وإلى ما هو الأكثر استعمالاً عند الناس، وما هو الذي يحرصون عليه، فيخرج منه.

قال: (فلما كان معاوية ، وجاء حاجاً أو معتمراً)، يعني جاء من دمشق إلى الحجاز في زمن ولايته رضي الله عنه، وكان قد كلم الناس على المنبر، وكان مما كلمهم به أنه رأى أن مدين من سمراء الشام -وهي الحنطة التي تزرع في الشام- تعدل الصاع من التمر، والصاع أربعة أمداد، فأخذ الناس بما قاله معاوية رضي الله عنه، أما أبو سعيد رضي الله عنه فقال: أما أنا فلا أزال أخرجها صاعاً أبداً ما عشت، أي: لا ينقص عن الصاع.

تراجم رجال إسناد حديث (كنا نخرج إذ كان فينا رسول الله زكاة الفطر صاعاً من طعام...)

قوله: [ حدثنا عبد الله بن مسلمة ].

عبد الله بن مسلمة مر ذكره.

[ حدثنا داود يعني: ابن قيس ].

داود بن قيس ثقة، أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن عياض بن عبد الله ].

عياض بن عبد الله ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن أبي سعيد ].

أبو سعيد الخدري رضي الله عنه هو سعد بن مالك بن سنان الخدري صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وهو من السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وهذا الإسناد رباعي، والرباعيات هي أعلى الأسانيد عند أبي داود .

هذا ولا شك أن إخراج الصاع هو الأكمل والأفضل، وهو الذي فيه الاحتياط في الدين.

شذوذ رواية (أو صاعاً من حنطة) وتراجم رجال إسنادها

[ قال أبو داود : رواه ابن علية وعبدة وغيرهما عن ابن إسحاق عن عبد الله بن عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام عن عياض عن أبي سعيد بمعناه، وذكر رجل واحد فيه عن ابن علية : أو صاعاً من حنطة، وليس بمحفوظ ].

ذكر المصنف حديث أبي سعيد من طريق أخرى وفيه: أن رجلاً ذكر صاعاً من حنطة، أي: بهذا اللفظ، وهو ليس بمحفوظ، وإنما الذي جاء ذكر الطعام، والطعام المقصود به هو الحنطة.

وقوله: [رواه ابن علية].

هو إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم المشهور بـابن علية ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

عبدة بن سليمان]

ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[عنابن إسحاق].

هو محمد بن إسحاق المدني ، صدوق أخرج له البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

[عن عبد الله بن عبد الله بن عثمان بن حكيم بن حزام].

مقبول أخرج له أبو داود والنسائي.

[ قال بمعناه ].

يعني: بمعنى الحديث المتقدم، إلا أنه قال: صاع حنطة.

قوله: [ وذكر رجل واحد فيه عن ابن علية: (أو صاعاً من حنطة)، وليس بمحفوظ ].

يعني: أنه جاء عن ابن علية من رواية راو واحد عنه أنه قال: (صاعاً من حنطة)، وذكر الصاع من الحنطة، وهذا غير محفوظ بهذا اللفظ، والمحفوظ لفظ الطعام، وهذا الراوي هو يعقوب بن إبراهيم الدورقي ، وهو شيخ لأصحاب الكتب الستة.

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا مسدد أخبرنا إسماعيل : ليس فيه ذكر الحنطة ].

هذه طريق أخرى عن مسدد عن إسماعيل بن علية ، وليس فيه ذكر الحنطة، وإنما ذكر الحنطة في الطريق السابقة.

وهم من قال (نصف صاع من بر) في حديث أبي سعيد وتراجم رجال الإسناد

[ قال أبو داود : وقد ذكر معاوية بن هشام في هذا الحديث عن الثوري عن زيد بن أسلم عن عياض عن أبي سعيد رضي الله عنه: (نصف صاع من بر)، وهو وهم من معاوية بن هشام أو ممن روى عنه ].

ذكر المصنف حديث أبي سعيد وفيه: (نصف صاع من بر)، قال: وهو وهم من معاوية بن هشام أو ممن روى عن معاوية بن هشام ، والمقصود أن حديث أبي سعيد فيه: (صاعاً من طعام)، وليس فيه نصف صاع من بر.

ومعاوية بن هشام صدوق له أوهام، أخرج له البخاري في الأدب المفرد ، ومسلم وأصحاب السنن.

والثوري هو سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري ثقة فقيه، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

وزيد بن أسلم ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

وعياض عن أبي سعيد مر ذكرهما.

شرح حديث (لا أخرج أبداً إلا صاعاً)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا حامد بن يحيى أخبرنا سفيان ح، وحدثنا مسدد حدثنا يحيى عن ابن عجلان سمع عياضاً قال: سمعت أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يقول: (لا أخرج أبداً إلا صاعاً، إنا كنا نخرج على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم صاع تمر أو شعير أو أقط أو زبيب. هذا حديث يحيى ، زاد سفيان : أو صاعاً من دقيق)، قال حامد : فأنكروا عليه، فتركه سفيان .

قال أبو داود: فهذه الزيادة وهم من ابن عيينة ].

أورد أبو داود الحديث من طريق أخرى، وفيها ذكر التمر والشعير والزبيب والأقط، وفيها: (أو صاعاً من دقيق)، وهذه في رواية سفيان بن عيينة ، فأنكروا عليه فترك ذلك، وقال أبو داود : هذه وهم من ابن عيينة ، يعني: ذكر الدقيق، ومعلوم أن الدقيق هو من البر والحنطة، وإخراجه جائز؛ لأن الدقيق طعام، وهو بر مطحون، وإخراجه يكفي المسكين مؤنة طحنه، إلا أن الصاع من البر إذا طحن تزيد كميته، فلا بأس بإخراج الدقيق في زكاة الفطر لكن بأن يزاد عليه ما يقابل الصاع المطحون؛ لأن الصاع من البر إذا طحن يصير أكثر من صاع؛ لأنه بعد الطحن يزيد في الكيل، والسنة جاءت بذكر صاع من هذه الأشياء، فإذا طحن البر فإنه يجوز، وهو إن كان غير ثابت في الرواية إلا أنه من حيث المعنى جائز؛ لأنه طعام، إلا أن ذلك الطعام يزاد فيه بما يعادل الصاع من البر إذا طحن، ولا يعطى صاعاً من دقيق فقط بل يزاد فيه ما يعادل زيادة الصاع من البر المطحون بحيث يكون كأنه صاع من بر، وإخراج الدقيق فيه مصلحة للفقير.

تراجم رجال إسناد حديث (لا أخرج أبداً إلا صاعاً)

قوله: [ حدثنا حامد بن يحيى ].

حامد بن يحيى ثقة، أخرج له أبو داود .

[ أخبرنا سفيان ].

سفيان بن عيينة المكي ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ح، وحدثنا مسدد حدثنا يحيى ، عن ابن عجلان ].

محمد بن عجلان المدني ، صدوق أخرج حديثه البخاري تعليقاً ومسلم وأصحاب السنن.

سمع عياضاً عن أبي سعيد الخدري ].

مر ذكرهما.

من روى نصف صاع من قمح

شرح حديث (صاع من بر أو قمح على كل اثنين)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ باب من روى نصف صاع من قمح.

حدثنا مسدد وسليمان بن داود العتكي قالا: حدثنا حماد بن زيد عن النعمان بن راشد عن الزهري ، قال مسدد : عن ثعلبة بن عبد الله بن أبي صعير عن أبيه ، وقال سليمان بن داود : عن عبد الله بن ثعلبة أو ثعلبة بن عبد الله بن أبي صعير عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (صاع من بر أو قمح على كل اثنين ، صغير أو كبير ، حر أو عبد ، ذكر أو أنثى ، أما غنيكم فيزكيه الله ، وأما فقيركم فيرد الله تعالى عليه أكثر مما أعطى).

زاد سليمان في حديثه: (غني أو فقير)].

أورد أبو داود رحمه الله هذه الترجمة: من روى نصف صاع من قمح) والقمح والبر والحنطة بمعنى واحد، وأورد أبو داود حديث الصحابي المختلف في اسمه ثعلبة بن أبي صعير أو عبد الله بن ثعلبة بن أبي صعير.

قوله: [قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صاع من بر أو قمح على كل اثنين) ] أو للشك، لكن البر والقمح هما شيء واحد، والمعنى: أن الصاع يكون على كل اثنين، ومعناه: أن الواحد يجب عليه نصف صاع.

قوله: [ (صغير أو كبير ، حر أو عبد ، ذكر أو أنثى) ].

وقد مر أنها واجبة على هؤلاء بشرط أن يكونوا مسلمين.

قوله: (أما غنيكم فيزكيه الله) لأن إخراج الزكاة فيها تطهير وفيها نماء.

قوله: (وأما الفقير فيعطيه الله أكثر مما أعطى) يعني: يعوضه الله خيراً، وهذا يدل على أن الفقير يجب عليه إخراج زكاة الفطر إذا كان عنده شيء يكفيه أكثر من حاجته يوم العيد وليلته، فإذا كان لا يجد ثم تصدق عليه بعدة آصع فإنه يخرج الزكاة منها؛ لأنه يكون حينئذ واجداً وعنده ما يكفيه أكثر من قوت يومه وليلته، وبعض العلماء يقول: إن الذي يخرج هو الغني، والفقير لا يخرج شيئاً، ولكن هذا شيء يجب للإفطار، ولا يشترط فيه الغنى والفقر، وإنما يشترط فيه الوجدان في ذلك الوقت، فإذا وجد قوتاً زائداً عن حاجته في ذلك اليوم والليلة فيجب عليه أن يخرج الزكاة.

قوله: [ زاد سليمان في حديثه: (غني أو فقير) ].

يعني زاد هذا اللفظ مع ما تقدم: ذكر أو أنثى، حر أو مملوك ، صغير أو كبير.

تراجم رجال إسناد حديث (صاع من بر أو قمح على كل اثنين)

قوله: [ حدثنا مسدد وسليمان بن داود العتكي حدثنا حماد بن زيد عن النعمان بن راشد ].

النعمان بن راشد صدوق سيء الحفظ ، أخرج له البخاري تعليقاً، ومسلم وأصحاب السنن.

[ عن الزهري ].

تقدم ذكره.

[ عن ثعلبة بن عبد الله بن أبي صعير عن أبيه ].

قال في التقريب: ثعلبة بن صعير أو ابن أبي صعير ، ويقال: ثعلبة بن عبد الله بن صعير ، ويقال: عبد الله بن ثعلبة بن صعير ، مختلف في صحبته، أخرج له أبو داود وحده.

وقال في ترجمة عبد الله بن ثعلبة بن صعير : ويقال: ابن أبي صعير ، له رؤية ولم يثبت له سماع، أخرج له البخاري وأبو داود والنسائي .

شرح حديث ( قام رسول الله خطيباً فأمر بصدقة الفطر .. )

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا علي بن الحسن الدرابجردي حدثنا عبد الله بن يزيد حدثنا همام حدثنا -بكر هو ابن وائل - عن الزهري عن ثعلبة بن عبد الله أو قال: عبد الله بن ثعلبة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ح: وحدثنا محمد بن يحيى النيسابوري حدثنا موسى بن إسماعيل حدثنا همام عن بكر الكوفي -قال محمد بن يحيى : هو بكر بن وائل بن داود - أن الزهري حدثهم عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير عن أبيه، قال: (قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خطيباً فأمر بصدقة الفطر صاع تمر أو صاع شعير على كل رأس. زاد علي في حديثه: أو صاع بر أو قمح بين اثنين، ثم اتفقا: عن الصغير والكبير والحر والعبد) ].

أورد أبو داود حديث عبد الله بن ثعلبة من طريق أخرى وهو مثل ما تقدم، حيث جعل صاع البر عن اثنين، يعني كل واحد عليه نصف صاع.

تراجم رجال إسناد حديث ( قام رسول الله خطيباً فأمر بصدقة الفطر ... )

قوله: [ حدثنا علي بن الحسن الدرابجردي ].

علي بن حسن الدرابجردي ثقة، أخرج له أبو داود.

[ حدثنا عبد الله بن يزيد ].

عبد الله بن يزيد المقرئ ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا همام ].

همام بن يحيى ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا بكر هو ابن وائل ].

بكر بن وائل صدوق أخرج له مسلم وأصحاب السنن.

[ عن الزهري ].

محمد بن مسلم بن عبيد الله بن شهاب الزهري ، ثقة، أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن ثعلبة بن عبد الله أو عبد الله بن ثعلبة عن النبي صلى الله عليه وسلم ].

تقدم ذكره، وهنا لم يقل: عن أبيه.

[ ح، وحدثنا محمد بن يحيى النيسابوري ].

محمد بن يحيى النيسابوري هو محمد بن يحيى بن فارس الذهلي ، وهو ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن.

[ حدثنا موسى بن إسماعيل ].

مر ذكره.

[ حدثنا همام عن بكر الكوفي ، قال محمد بن يحيى : هو بكر بن وائل بن داود ].

يعني أن بكراً الكوفي هو ابن وائل الذي تقدم.

[ عن الزهري عن عبد الله بن ثعلبة بن صعير عن أبيه ].

تقدم ذكرهم.

قال المصنف رحمه الله: [ زاد علي في حديثه: (أو صاع بر أو قمح بين اثنين) ].

يعني: زاد علي الشيخ الأول، علي بن الحسن الدرابجردي : صاع بر بين اثنين.

والألباني صحح هذا الحديث، لكن هذه الزيادة التي فيها البر جاءت من طريق علي بن الحسن ، والطريق الأولى ليس فيها ذكر الأب، فهو مرسل فلا أدري ما وجه التصحيح، والمشهور أنه ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جعل الصاع من البر على اثنين.

وحديث مسدد السابق فيه النعمان بن راشد وهو صدوق سيئ الحفظ.

والاحتياط أن الإنسان يخرج صاعاً من البر؛ لأن إخراج نصف الصاع مختلف فيه بين الصحابة، وهذه الأحاديث عارضها غيرها، فتكون شاذة.

شرح حديث ( خطب رسول الله الناس قبل الفطر بيومين.. )

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا أحمد بن صالح حدثنا عبد الرزاق أخبرنا ابن جريج قال: قال ابن شهاب : قال عبد الله بن ثعلبة ، قال أحمد بن صالح : قال العدوي : قال أبو داود : قال أحمد بن صالح : وإنما هو العذري : (خطب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الناس قبل الفطر بيومين، بمعنى حديث المقرئ) ].

ذكر المصنف الحديث من طريق أخرى، وذكر أن هذا بمعنى حديث عبد الله بن يزيد المقرئ المكي المتقدم في الإسناد السابق.

تراجم رجال إسناد حديث ( خطب رسول الله الناس قبل الفطر بيومين .. )

قوله: [ حدثنا أحمد بن صالح ].

أحمد بن صالح المصري ، ثقة، أخرج حديثه البخاري وأبو داود والترمذي في الشمائل.

[ حدثنا عبد الرزاق ].

عبد الرزاق بن همام الصنعاني اليماني ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ أخبرنا ابن جريج ].

هو عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج المكي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ وقال ابن شهاب : قال عبد الله بن ثعلبة ].

مر ذكرهما.

[ قال أحمد بن صالح : قال العدوي ].

يعني: نسبه فقال: العدوي .

[ قال أبو داود : قال أحمد بن صالح : وإنما هو العذري ].

يعني: وصف عبد الرزاق عبد الله بن ثعلبة بأنه العدوي ، ثم قال أحمد بن صالح : وإنما هو العذري وليس العدوي، والعدوي تصحيف من العذري، وإنما هو عذري من بني عذرة، والتصحيف يكون بين الألفاظ المتشابهة والمتقاربة، مثل أبو إياس وأبو أناس.

شرح أثر ابن عباس (أخرجوا صدقة صومكم)

قال المصنف رحمه الله تعالى: [ حدثنا محمد بن المثنى حدثنا سهل بن يوسف قال: حميد أخبرنا عن الحسن قال: خطب ابن عباس رحمه الله في آخر رمضان على منبر البصرة فقال: (أخرجوا صدقة صومكم، فكأن الناس لم يعلموا، فقال: من ها هنا من أهل المدينة؟ قوموا إلى إخوانكم فعلموهم فإنهم لا يعلمون، فرض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذه الصدقة صاعاً من تمر أو شعير، أو نصف صاع من قمح على كل حر أو مملوك ذكر أو أنثى صغير أو كبير، فلما قدم علي رضي الله عنه رأى رخص السعر قال: قد أوسع الله عليكم فلو جعلتموه صاعاً من كل شيء)، قال حميد : وكان الحسن يرى صدقة رمضان على من صام ].

قوله: (حميد أخبرنا):

تأخرت الصيغة، كأنه قال: أخبرنا حميد عن الحسن؛ لأنه أحياناً تأتي الصيغة متأخرة عن المسند إليه، والأصل أن الصيغة تتقدم على المسند إليه الفاعل، وأحياناً تتأخر الصيغة، وشعبة رحمة الله عليه أحياناً تأتي عنه هذه الطريقة، وهنا سهل بن يوسف هو الذي قال: (حميد أخبرنا)، يعني: تأخرت (أخبرنا) عن حميد ، وحميد هو فاعل (أخبرنا)، يعني: قال سهل بن يوسف: أخبرنا حميد عن الحسن.

وقد أورد أبو داود حديث ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وهو مثل الذي قبله فيه ذكر إخراج زكاة الفطر، وأنها تكون نصف صاع من البر.

قوله: [ فلما قدم علي رضي الله عنه رأى رخص السعر قال: قد أوسع الله عليكم فلو جعلتموه صاعاً من كل شيء ] يعني: لا تفرقوا بين القمح وغيره، وأخرجوا صاعاً من البر وغيره، والحديث في إسناده الحسن عن ابن عباس قيل: إنه لم يسمع منه، وهو مدلس.

قوله: [ وكان الحسن يرى صدقة رمضان على من صام ] هذا رأي، يعني: أن الصغير ليس عليه زكاة فطر؛ ولعل ذلك لكونه جاء في بعض الروايات أنها طهرة الصائم من اللغو والرفث، والذي ما صام فليس هناك تطهير له، لكن قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها على الصغير والكبير، فالمعول عليه هو ما جاءت به السنة، ويكون الذي يحصل من الصغير الطعمة للمساكين، والذي يحصل ممن صام أنها طهرة له من اللغو والرفث وطعمة للمساكين.

تراجم رجال إسناد أثر ابن عباس (أخرجوا صدقة صومكم)

قوله: [ حدثنا محمد بن المثنى ].

محمد بن المثنى أبو موسى العنزي ، ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة، بل هو شيخ لأصحاب الكتب الستة.

[ حدثنا سهل بن يوسف ].

سهل بن يوسف، ثقة أخرج له البخاري وأصحاب السنن.

[ حميد أخبرنا ].

هو حميد بن أبي حميد الطويل ، وهو ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة.

[ عن الحسن ].

الحسن بن أبي الحسن البصري ثقة أخرج له أصحاب الكتب الستة .

[ خطب ابن عباس ].

هو عبد الله بن عباس بن عبد المطلب ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم، وأحد العبادلة الأربعة من الصحابة، وأحد السبعة المعروفين بكثرة الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.

وتقدم أن الحديث فيه انقطاع بين الحسن وابن عباس .

الأحوط إخراج صاع من بر

هذه الأحاديث بعضها صححها الألباني ، ولكن قد جاء عن أبي سعيد الخدري أنه قال: (صاعاً من طعام)، والطعام المراد به البر، والخلاف بين الصحابة في ذلك موجود، فالأولى والاحتياط في الدين ألا يخرج الإنسان نصف صاع من البر، وإنما يخرج صاعاً من البر، ومما يدل على ذلك أن الأنواع الأخرى كلها أيضاً متفاوتة، فالشعير دون التمر من حيث القيمة، وقد يكون الزبيب في بعض الأحيان أغلى من التمر، وقد يكون الأقط في بعض الأوقات قيمته أكثر من التمر، فالمعتبر هو المقدار وإن تفاوتت هذه الأشياء، وما دام أن الأمر فيه احتمال فإن الأخذ بما هو أحوط أولى، والذي تطمئن إليه النفس أن الإنسان يدع ما يريبه إلى ما لا يريبه، وهو أن يخرج الصاع من أي طعام حتى من البر، ولاشك أن هذا هو الأولى.

ومن فعل ذلك بناءً على فتوى أو بناءً على اجتهاد أو ثبت عنده الحديث وأخذ به؛ فعمله صحيح، ولكن الأولى إخراج الصاع.



 اضغط هنا لعرض النسخة الكاملة , شرح سنن أبي داود [196] للشيخ : عبد المحسن العباد

https://audio.islamweb.net